قضية 22 لسنة 29 ق المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمةالدستورية العليا
بالجلسةالعلنية المنعقدة يوم السبت التاسع من مايو سنـة 2015م، الموافـق العشرينمن رجب سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :عبدالوهاب عبدالرازق ومحمد عبدالعزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعىعمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم رئيس هيئةالمفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكمالآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقـم 22 لسنة 29 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / عبد الحميد مصطفى أحمد المصرى
ضــــــــد
1 - السيد رئيسالجمهورية
2 - السيد وزيرالعدل
3 - السيد رئيسمجلس الوزراء
4 - السيدالنائب العام
5 - السيد وزيرالمالية بصفته الرئيس الأعلى للضرائب على المبيعات
الإجــــــــــراءات
بتاريخ 23/1/2007أودع المدعى صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية نصالمادة (341) من قانون العقوبات .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليًّا : الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. واحتياطيًّا : برفضها .
وبعد تحضيرالدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر أوراقها - تتحصل فى أن النيابةالعامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم 4263 لسنة 2006 جنح ديرب نجم،طالبة عقابه وفقًا للمادتين (341، 342) من قانون العقوبات والمادتين (3، 51) منقانون الحجز الإدارى بوصف أنه بدد المنقولات المبينة بالأوراق، المملوكة له،والمحجوز عليها إداريًّا تنفيذًا للأمر الصادر فى 15/11/2005 استيفاء لمستحقاتمصلحة الضرائب، والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها يوم البيع،فاختلسها لنفسه. وبجلسة 19/3/2006 قضت محكمة جنح ديرب نجم غيابيًّا بمعاقبة المدعىبالحبس ستة أشهر مع الشغل، فعارض فى هذا الحكم، ولدى نظر المعارضة بجلسة19/11/2006 دفع بعدم دستورية المادة (341) من قانون العقوبات، فقررت تلك المحكمةتأجيل نظر القضية لجلسة 5/2/2007 وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوىالماثلة .
وحيث إنالمادة (341) من قانون العقوبات تنص على أنه " كل من اختلس أو استعمل أو بددمبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودًا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أومخالصة أو غير ذلك إضرارًا بمالكيها أو أصحابها أو واضعى اليد عليها، وكانت الأشياءالمذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمالأو الرهن، أو كانت سلمت له بصفة كونه وكيلاً بأجرة أو مجانًا بقصد عرضها للبيع أوبيعها أو استعمالها فى أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره، يحكم عليه بالحبسويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى " .
كما نصتالمادة (342) من القانون ذاته على أنه " يحكم بالعقوبات السابقة، على المالكالمعين حارسًا على أشيائه المحجوز عليها قضائيًّا أو إداريًّا إذا اختلس شيئًامنها " .
وحيث إنهيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى،استنادًا إلى أن مناط اختصاص هذه المحكمة هو تعارض النصوص القانونية مع أحكامالدستور، حال أن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام العهد الدولىللحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذى يعد فىمرتبة القانون بعد موافقة مصر عليه بقرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981.
وحيث إنهذا الدفع مردود، ذلك أن مخالفة نص فى قانون لقانون آخر، وإن كانت لا تشكل فىذاتها خروجًا على أحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها، إلا أن ذلكلا يستطيل إلى الحالة التى تشكل فيها هذه المخالفة إخلالاً بأحد المبادئ الدستوريةالتى تختص هذه المحكمة بحمايتها والذود عنها. متى كان ذلك، وكانت قاعدة إعمالالقانون الأصلح للمتهم، تجد سندها فى الالتزام الدستورى بصون الحرية الشخصية، التىكفلتها المادة (41) من دستور سنة 1971، والمادة (54) من الدستور الصادر سنة 2014، ومن ثم، يخضع أى نص قانونى يخالف هذه القاعدة – إذا توافرت شروط إعمالها – للرقابة على الدستورية، التى تقوم عليها هذه المحكمة، ومن ثم فإن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاصها يكون مفتقدًا لسنده متعينًا الالتفات عنه .
وحيث إن النيابة العامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية بوصف أنه بدد المنقولات المملوكة له المحجوز عليها إداريًّا والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها يوم البيع، فاختلسها لنفسه، وكان هذا الفعل المؤثم جنائيًّا بمقتضى نص المادة (342) من قانون العقوبات، معاقبًا عليه بالعقوبة المقررة بنص المادة (341) من القانون ذاته وهى عقوبة الحبس الذى يجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه، فإن مصلحة المدعى الشخصية والمباشرة فى الدعوى الماثلة تتوافر فى الطعن على دستورية العقوبة المنصوص عليها بالمادة (341) من قانون العقوبات، كما تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على نص المادة (342) من القانون ذاته، باعتبار أن هذا النص هوالذى تضمَّن الفعل المؤثم المنسوب إلى المدعى ارتكابه، وبذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة فى هذين النصين فيما تضمناه من معاقبة المالك المعين حارسًا على أشيائه المحجوز عليها إداريًّا إذا اختلس شيئًا منهـا بالحبس الذى يجوز أنيزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه .
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين نطاقًا على النحو المتقدم – تعارضهما مع نص المادة (11) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية التى حظرت سجن الإنسان بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدى، ونيلهما من الحرية الشخصية، وإهدارهما لمبدأ سيادة القانون، وإخلالهما بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإهدارهما لأصل البراءة،ومساسهما باستقلال السلطة القضائية، واعتدائهما على مبدأ استقلال القضاة بإهدارهمامبدأ تفريد العقاب، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (41، 64، 66، 67، 151/1،165، 166) من دستور سنة 1971 .
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًّا كان تاريخ العمل بها- لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
إذ كان ذلك، فإن هذه المحكمة تتناول بحث دستورية النصين المطعون فيهما على ضوء أحكام الدستور الصادر فى18/1/2014 .
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحرية الشخصية من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكام المادة (54) من الدستور الحالى – المقابلة للمادة (41)من دستور سنة 1971 – والتى تنص على أن " الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس "، وتُعد بمثابة القاعدة التى يرتكز عليها مبدأ رجعية النصوص العقابية الأصلح للمتهم بالنسبة لما اقترفه من جرائم فى تاريخ سابق عليها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقًا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسًا، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم فى مجال تطبيقها بالنسبة إليه. وشرط إعمال قاعدةالقانون الأصلح للمتهم، أن ينصب على المحل ذاته الذى أثمه القانون الأسبق عليه،وأن يتفقا وأحكام الدستور. إذ كان ذلك، وكانت المادة (93) من الدستور الحالى تنص على أن " تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة"، وكانت المادة (11) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، إذ نصت على أنه " لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدى فقط"؛ مما مؤداه عدم جواز إنزال عقوبة سالبة للحرية على شخص، لمجرد إخلاله بالتزام تعاقدى، حال أن النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على النحو المتقدم – لا يقرران عقوبة الحبس وما قد يقترن بها من غرامة، على إخلال بالتزام تعاقدى وإنماتقرر تلك العقوبة لارتكاب فعل مؤثم جنائيًا هو اختلاس أشياء محجوز عليها إداريًا، ومن ثم لا يعد نص المادة (11) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بمثابةقانون أصلح للمتهم لاختلاف الفعل المؤثَّم بالنصين المطعون فيهما عن العجز عنالوفاء بالتزام تعاقدى محل نص المادة (11) من العهد الدولى المشار إليه.
وحيث إن افتراض أصـل البراءة– وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها. وقد غدا حتميًّا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة .
وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. إذ كان ذلك، وكان النصان المطعون فيهما – فى النطاق السالف تحديده – قد صيغت عبارتاهما بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بهما على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها، فإن الطعن عليهما بأنهما قد أخلا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يكون على غير أساس متعينًا الالتفات عنه .
وحيث إنه من المقرر أيضًا فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التىتضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانونالجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم ، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التى يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية .
لما كان ذلك، وكان نص المادة (341) من قانون العقوبات قد انتظم العقوبة التى ارتأى المشرع تقريرها جزاء اقتراف الفعل الذى أثّمه بمقتضى نص المادة (342) من القانون ذاته، وهو قيام مالك الأشياء المحجوز عليها إداريًّا والتى عُيّن حارسًا عليها باختلاس شئ منها، وهى عقوبة الحبس الذى يقدره القاضى بين حدين الأدنى منهما يوم واحد وأقصاهما ثلاث سنوات، وأجاز هذا النص اقتران الحبس بغرامة لا تتجاوز مائة جنيه، وكان المشرع قد توخى بهذه العقوبة حماية مصلحة عامة معتبرة، وهى كفالة تحصيل المستحقات المحجوز من أجلها إداريًّا، لصالح الدولة على نحو يمكنها من تسيير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم وإرادة باحتباس المال لنفسه، وجاءت العقوبة التى رصدها النص المطعون فيه، فى إطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسب مع الإثم الجنائى لمرتكب تلك الجريمة، دون أن يصيبها غلو أو يداخلها تفريط، فإنها تدخل فى إطار سلطة المشرع التقديرية فى اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص من سلطة القاضى فى تفريدها فى ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضى بسلطة تقديرية واسعة فى الحكم بمدة الحبس المناسبة للفعل الذى قارفه الجانى، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها، وله أن يقرن عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة، بما لا يجاوز مائة جنيه .
ومؤدى ما تقدم جميعه، أن النص المطعون فيه يكون قد التزم جميع الضوابط الدستورية المتطلبة فى مجال التجريم والعقاب، موضوعًا وصياغة، بما لا مخالفة فيه لأى من المواد (54، 94، 95،96، 151، 184، 186) من الدستور القائم، أو أىّ من أحكامه الأخرى، الأمر الذى يتعينمعه القضاء برفض الدعوى .
فلهــــذه الأسبــــاب
حكمتالمحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.