الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 17 مارس 2013

وجوه النقض المتصلة بالموضوع

(1)

دائرة البحث

كثير من وجوه النقض - يتردد الباحثون في قبولها - وترفضها بعض الأحكام - على اعتبار أنها إلى البحث في الموضوع أقرب منها إلى الاعتبارات النظرية الصرفة.

نقول بعض الأحكام لا تقبلها - ولا يهمنا أن نتحرى - هل هي الكثرة الغالبة كما يظن أو هي القلة - فليس من رأينا أن الصواب في المسائل الخلافية يكون دائمًا مع الكثرة.

بل إن الكثرة هنا، وفي هذا المقام بذاته، لا تترجم عن رأي كثيرين قد بحثوا مستقلين - ومن نواحي متفرقة - فوصلوا إلى نتيجة واحدة، فيكون لهذا الإجماع قوة تلفت النظر، بل هي مظهر رأي هيئة واحدة، وهي إذا بحثت مرة واطمأن رأيها إلى نتيجة معينة تراها تحرص عليها - فإذا تجدد أمامها البحث فإنما يعرض شكلاً، أما في الواقع فإن الرأي مقرر لا يقبل تعديلاً - فلا الهيئة مستعدة للعدول ولا صاحب البحث مستعد جديًا لأن يحاول تغيير مجرى ما سمي فقهًا لمحكمة النقض.

من أجل هذا كانت وجوه النقض التي ترتبط بالموضوع من قريب أو من بعيد مسألة خلافية بين هيئة للنقض سابقة - وبين هيئة لاحقة، وقد أخذت الآراء فيها تتناقض بين حقبة وأخرى.

وإنك لتجد هذا التردد في آراء تتجلى إذا استعرضت الأحكام استعراضًا مرتبًا - فإنك ترى الرأي قد تغير مع الزمن فكان له ثلاثة مواقف مختلفة في ثلاث حقبات معينة.

أما الحقبة الأولى: ولا نعني بها العهد القديم عند افتتاح المحاكم، فإن المجموعات لذلك العهد تنقصنا وكل جديد في الأنظمة ليس مما يصلح للأخذ عنه - بل نعني تلك المدة التي بدأت فيها المباحث المستنيرة - فأخذت الآراء القانونية في طور التكوين والاستقرار - يساعدها التدوين في المجموعات ولعلها بدأت في سنة 1910 وختمت في سنة 1916.

في تلك الحقبة كان الرأي لا يزال مضطربًا، فمرة تجد قسوة لا حد لها في رفض كل وجه له صلة بالموضوع أو يظن أن له صلة به كيفما كانت واهية - ومرة تجد بالعكس ميلاً لبعض الوجوه. وقد تكون أكثر اتصالاً بالموضوع من تلك التي رفضت.

خذ مثالاً لذلك: سن المحكوم عليه - فإن تحقيق سن المتهم، نقطة موضوعية صرفة - ومع هذا فقد تغير الرأي في شأنه، فحُكم مرات أنها لا تصلح وجهًا للنقض، وحُكم مرات بأنها وجه صحيح للنقض.

كذلك كان الأمر عند البحث في أسباب الحكم الواقعية، وفي سلامة الاستنتاج من تلك الأسباب بعد أن تحددت وقائعها، فحُكم مرات بأن هذا لا تبحث فيه محكمة النقض بأي سبيل لأنه موضوع، وحُكم مرات بل يجوز للمحكمة أن تبحث فيه، لأنه ليس بحثًا في وقائع الموضوع بذاتها من حيث إثباتها ونفيها، بل هو مراقبة على سلامة الاستنتاج من تلك الوقائع كما أثبتها الحكم، بدون تعرض لمأمورية محكمة الموضوع - وهذه المراقبة واجبة لمحكمة النقض للتمكن من تطبيق القانون تطبيقًا صحيحًا.

أما الحقبة الثانية: ولعلها عشر سنوات تبتدئ من سنة 1919 إلى سنة 1928، فإن محكمة النقض بعد تردد قليل، اطمأنت إلى التطبيق الأوسع، استنادًا إلى مبدأ أن محكمة النقض إنما وجدت للرقابة على تحقيق مظاهر العدالة بقدر المستطاع، فكلما كان من الميسور لها أن تؤدي هذه المراقبة بدون أن ترجع إلى البحث في الوقائع من حيث إثباتها ونفيها، تعين عليها أن تؤدي مأموريتها وإلا فقد وقفت دون البلوغ إلى الغاية المقصودة من نظامها.

ولقد سارت أحكام محكمة النقض، في هذا التطبيق إلى آخر حدوده من تحري العدالة، ولعلها في بعض الأحكام قد تجاوزت الحدود القانونية لمن يشدد فيها.

ومما أكدته تلك الأحكام وجرت عليه بدون اضطراب، أنه يجوز البحث في ذات الوقائع إثباتًا، ونفيًا، إذا كان الحكم قد أسند إلى وقائع تتناقض، مع الثابت في تدوينات الدوسيه، سواء في محضر الجلسة، أو في محاضر التحقيق، أو في عقد رسمي، وكانت هذه الأوراق قد عرضت على محكمة الموضوع فلم تحفل بما ثبت فيها أو حكمت على نقيضها.

قلنا، ولعلها في بعض الأحكام قد تجاوزت حدود التدقيق القانوني في سبيل تحقيق العدالة، ولمن يتمسك بالتدقيقات الفقهية على أنها هي كل شيء، أن يبدئ ما شاء من النقد.

لكن الذي يعطي للقضاء الجنائي أهميته، ويستعرض فائدة النقض إذا قبل، وما يترتب عليه من إلغاء كثير من أحكام العقوبة، ثم استبدالها إلى براءة مطلقة، فينتقل المتهم من حكم الإعدام أو الأشغال الشاقة إلى البراءة، لا يسعه إلا أن يمجد ذلك الشعور الذي يدقق في قواعد الفقه أيضًا، ولكن لا لتضييع الأغراض التي وضعت لأجلها، وهي تحري العدالة بأوسع معانيها في المسائل الجنائية، والمراقبة على صحة الأحكام، واطمئنان الناس لعدالة القضاء.

من أمثلة هذا التجاوز، ونريد أن نختار أشدها. أنه اعتبار إذا أسند حكم العقوبة إلى تقرير طبيب عينته المحكمة في الجلسة، وكان رأيه يخالف رأي الطبيب القديم الذي يتمسك به المتهم في دفاعه، لكن الحكم لم يفصل في هذا الدفاع صراحةً. ولم يبين سبب تغليبه لرأي الطبيب الذي نُدب في الجلسة على رأي الطبيب الأول كان ذلك مبطلاً للحكم (نقض 13 مايو سنة 1924).

كذلك قررت، ولعل هذا أكثر تجاوزًا، أن عدم البحث صراحةً في قيمة تقرير استشاري قدمه الدفاع، يقتضي نقض الحكم، (أول فبراير سنة 1926).

ومن أمثلة هذا، التقرير بإلغاء الحكم، لأنه لم يبحث صراحةً في دفاع المتهم، إن الشيء المسروق قد أعطى له اختيارًا، (27 يوليو سنة 1918).

وقد يشبه هذا التقرير بأن عدم البحث صراحةً في أن المبلغ المدعى باختلاسه قد سُرق من المتهم مبطل للحكم، (5 نوفمبر سنة 1923 و5 أكتوبر سنة 1925).

كان هذا التوسع سببًا للنقد، وكل نقد إذا قويت حركته يصل بالوسط إلى حركة رد الفعل، وهي حركة تقتضي شيئًا من المبالغة، فلا بد أن تصل إلى أقصى حدود التناقض لذلك الرأي القديم.

ويخيل للباحث أننا الآن في دور رد الفعل هذا، فتوالت الأحكام برفض الطعون كلما فهم من الوجوه المقدمة أنها تتصل بالموضوع مهما كان الاتصال بعيدًا.

ولأن الفكر كان ممتلئًا بذلك التجاوز القديم الذي وضعنا، أمثلة منه، رأينا أحكام هذا الانتقال تعلن أن الحكم بالعقوبة على خلاف أي دفاع موضوعي من المتهم، يعتبر صحيحًا بدون أي بحث صريح في ذلك الدفاع، وذهبت بعض الأحكام إلى أن محكمة الجنايات ليست مكلفة بالبحث ولا في شهود النفي بكلمة تقولها، ويكفي أن تسند حكمها إلى أقوال شهود الإثبات، وفي هذا الإسناد بذاته تدليل ضمني على أن المحكمة لم تقتنع بشهادة النفي !!

غير أن محكمة النقض لم تثبت على هذا الرأي دائمًا، وفي رأينا أنه لم يكن في الإمكان أن تثبت عليه، بل نراها في كثير من الأحكام تقرر بقبول النقض المتصل بالموضوع اتصالاً وثيقًا، فهي تحكم على الدوام، على ما نعتقد، بقبول النقض إذا كان الحكم قد أسند إلى وقائع تنقضها محاضر الجلسات أو التحقيق، نقضًا صريحًا !!

على هذا نستطيع أن نقول إن المسألة لا يزال الرأي فيها معلقًا لم يستقر على قاعدة محددة، فلا يعرف ما هو النقض الموضوعي الذي لا يجوز قبوله، ولا ما هو الذي يجوز قبوله، إذ الحد الفاصل بين النوعين لا يزال غامضًا.

بل إن نفس هذا الغموض كان سائدًا في تاريخ أحكام محكمة النقض فيما تقدم من الزمن إذ لا يوجد حكم بحث هذا الموضوع بما تقتضيه من الاهتمام لحل المسألة حلاً علميًا، يحدد القاعدة، التي يجب أن تكون أساسًا للفصل في هذا النوع من وجوه النقض.

لذلك كان لا بد من أن يتناول أحد المشتغلين بالقضاء هذا البحث، وإن لم يكن بحثه أهلاً لحل المسألة، فإنه مجهود يبذل في سبيل الواجب وهذا كل ما أردنا.

(2)

المذهبان في القانون الفرنسوي

نقول مذهبان جريًا مع الإجماع، ولعل في المسألة ثلاثة آراء، غير أن الرأي الثالث فيه بعض الغموض جعل الباحثين لا يعتبرونه رأيًا مستقلاً كما سترى.

لسنا نجد لبيان المذهبين أحسن من أن ننقل هنا أسانيدهما، ترجمة حرفية.

ورد في داللوز، جزء 7، صفحة 306 ما يأتي فقرة 1224.

(إن مبدأ التفرقة بين الواقع والقانون مقرر فيما يتعلق بالجنايات، ففي مسائل المخالفات، والجنح، يحكم القضاة وحدهم فيما يتعلق بالواقع والتطبيق القانوني).

أما في الجنايات الكبرى فالوقائع من اختصاص المحلفين، والقانون من اختصاص المحكمة، ولقد تُعرض على محكمة النقض في هذا الموضوع مسائل عسيرة الحل قام في شأنها مذهبان متناقضان تناقضًا واضحًا، في المبدأ، وفي الاستدلال، وقد جرى على كل منهما فقه محكمة النقض على التعاقب. ولكل منهما أسباب قوية، وأنصار من أولي الرأي الناقد من الجانبين.

أما المذهب الأول: ويظهر أن محكمة النقض قد عدلت عنه الآن، فهو مسند إلى نظرية واضحة تتلخص في التفرقة بين أنواع الجنايات التي صدر فيها الحكم.

فإذا كانت الجناية التي صدر فيها الحكم قد حدد القانون أركانها، وبين طبيعتها وكيف تتكون، وبالجملة إذا كانت الرابطة بين الواقعة وبين تعريفها القانوني قد حددها القانون، فالقانون هنا موضوع الواقعة كلها فلمحكمة النقض أن تراقب.

أما إذا كان البحث في أركان الجريمة، والظروف التي تكونها قد تركه القانون لتقدير القاضي وشعوره، فهو يقدر بصفة نهائية، ولا شأن في تقديره للقانون، فلا سلطة حينئذٍ لمحكمة النقض.

يقول أنصار هذا المذهب أنه يتفق مع الغرض من تنظيم محكمة النقض، لأن أحكام القانون لم تمس إذا أخطأ القاضي في تقدير الوقائع ما دام أن القانون قد ترك تقديرها له، أو إذا أخطأ في أركان تكوين الجناية ما دام أن القانون لم يعين تلك الأركان..

يقولون أيضًا قد يجوز أن يكون حكم القاضي، على خلاف الحقيقة، وقد يتناقض ظاهرًا مع الفعل، أو مع العدالة، ولكن جلال القانون باقٍ على كماله.

وقد استمد هذا المذهب قوته، لأن علمين من أعلام القانون في محكمة النقض قد أيده، وهما النائب العام (مرلين) والرئيس (باريس) وقد شرحه الرئيس (باريس) في مذكرة، قرأها على محكمة النقض في سنة 1822 وهي جديرة بأن تنقل بنصها هنا، وقد كان الموضوع جنحة. سب وتعدٍ، وقذف.

جاء في المذكرة:

لم يوضع نظام النقض إلا لمنع المخالفات القانونية، ولا اختصاص للنقض في أن الحكم صواب أو غير صواب، بل تخرج محكمة النقض عن حدود اختصاصها، إذا تعلق بحثها بمسائل لم يحدد القانون كيف تقع، وتركها لتقدير القاضي ووجدانه.

والواضح أن الأقوال، والتقريرات، التي تكون جنحة السب أو القذف، هي من الأمور التي لم يحددها القانون ولم يكن في الاستطاعة تحديدها، بل يرتبط تقديرها المعنوي بظروف القصد، والزمان، والمكان، وبمركز من صدرت منه، ومن وجهت إليه.

ولما كان تعيين هذه الظروف خارجًا عن مقدور الشارع فقد تركها للقضاة، فلهم وحدهم حق تقديرها وتحديد وصفها.

إنهم في هذا التحديد أحرار لا ينفذون قانونًا، فإذا أخطأوا فهم لا يخالفون قانونًا، فلا طريق لسلطة النقض على حكمهم.

يجوز بلا شك أن يخطئوا، لكن الحكم الغير مسند تصححه محكمة الاستئناف، أما محكمة النقض فلا.

ولقد اعترض على هذا، أنه إذا طبق القاضي القانون تطبيقًا صحيحًا على الواقعة كما وصفها في حكمه، فإن الخطأ الذي وقع في وصف الوقائع هو بذاته الذي كان أساسًا لتطبيق القانون. فالتطبيق أصبح باطلاً بذاته، وحينئذٍ يكون لوظيفة محكمة النقض أن تؤدي ولا تزال سلطتها باقية.

لا ننكر أن هذا الاستدلال بما فيه من الاستنتاج يسند إلى بعض أحكام قديمة، ولكنا نرى أن تلك الأحكام شذت عن أصول نظام النقض.

على أن هذا الفقه إذا عمل به فإنه ليتجاوز في نتائجه كل حدود سلطة النقض ويضيف إلى مأموريته التي تنحصر في بطلان الأحكام، مأمورية أخرى هي تعديلها، فتصبح محكمة النقض محكمة أعلى تحكم استئنافيًا في الموضوع.

ذلك لأنه إذا ثبت لمحكمة النقض حق البحث في معنى الوقائع ووصفها، إذا لم يكن القانون قد حدد لها أركان خاصة، فإن هذه السلطة تمتد إلى تقدير جميع الوقائع الجنائية، فيجوز أن يقال إن التحقيق الذي أسند إليه الحكم قد قدره الحكم خطأ، وإن الوقائع التي وصفها الحكم بأنها احتيالية قد وصفت خطأ، وأنه بناءً على هذا الخطأ كان تطبيق القانون خطأ.

وقد يستلزم هذا الرجوع إلى بحث القضية بجميع أركانها، فيكون لمحكمة النقض أن تنظر في الموضوع بحجة أن الغرض من بحثها إنما هو تطبيق القانون.

إن القضاة هم في الحقيقة محلفون فيما يختص بجميع الجنايات التي لم يحدد القانون أركانها، فهم مثلهم لا يتقيدون إلا باعتقادهم، ولا ينظر في صحة هذه العقائد إلا محكمة الاستئناف، ويجب أن نسأل إلى أية نتيجة يصل بحث الوصف الذي قررته الأحكام أمام النقض.

قد تسمع في هذا البحث شيئًا هو أقرب إلى الخطابة.. وقوة البلاغة. لكنك لا تسمع فيه أن مخالفة ظاهرة للقانون، قد وقعت من طريق صريح مباشر، لأنه مفروض هنا أن القانون قد طبق تطبيقًا صحيحًا على الوصف الوارد في الحكم، فإذا جاز إثبات أن الوصف خطأ، فنتيجته أن القانون قد خولف في تطبيقه ولكن بواسطة، ومن طريق غير مباشر.

نقول غير مباشر، لأنه يجب على محكمة النقض لتصل إلى إثبات هذا البطلان القانوني، أن تستبعد أولاً وصف قضاة الموضوع للوقائع، ثم تصفها بوصف جديد.

وعلى هذا يكون سبب النقض واقعًا مباشرةً على الوصف الذي ثبت في الحكم، ثم لا يصل إلى تطبيق القانون إلا بواسطة هذا الوصف الجديد.

على أن المادة (7) من قانون 20 إبريل سنة 1810 تمنع محكمة النقض أن تلغي الأحكام في غير حالة مخالفة القانون مخالفة صريحة ومن طريق مباشر !!.

ويجب أن نلاحظ أن الوصف الجديد الذي تستبدل به محكمة النقض ذلك الوصف الذي ورد في الحكم، لا يمكن أن يسند هو أيضًا إلى نص في القانون، وهو لا يمتاز في قيمته المعنوية عن وصف قضاة الموضوع، لأنه إنما يسند إلى شعور القضاة الداخلي وهو في الحالتين واحد من جهة النوع، لم يتغير فيه سوى الأشخاص دون القانون.

ولنا أن نضيف أن هذا الاعتقاد الداخلي قد يكون عند قضاة الموضوع، وهم لأنهم أكثر اتصالاً بالخصوم ووسطهم وعاداتهم ومقاصدهم، أقرب إلى الحقيقة من وصف قضاة النقض.

وفي رأينا أن محكمة النقض لا يمكنها في هذه المأمورية إلا أن تسند حكمها إلى اعتبارات ترجع في الراجح إلى الشهوة لا إلى الحق.

ذلك هو الرأي الذي نعارضه نقلناه بحروفه، وبجميع وجوه الاستدلال التي أسند إليها، إخلاصًا للبحث، ونضع بجانبه نص الرأي الذي يعارضه هناك، وبحروفه أيضًا.

تقرأ في دالوز نفس الجزء (7) ابتداءً من صفحة 408، فقرة (1762) ما يأتي:

أما الرأي المخالف وهو الذي نؤيده، لأنه هو وحده الذي يهيء لمحكمة النقض تأدية المهمة التي نُدبت لأجلها، إذ هو يترك لمحكمة الموضوع أن تبحث في إثبات الوقائع المادية وجودًا وعدمًا، مع ظروفها التي تحيط بها.

أما بعد هذا الإثبات، فإن وصف الوقائع، مسألة قانونية هي من اختصاص محكمة النقض، وذلك متى ثبت لها أن الوصف الذي وصفت به محكمة الموضوع الوقائع كان معيبًا، أو خرجت به عن الرابطة القانونية.

في هذا المقام يقول (كارنو) (جزء 1، صفحة 577).

ولقد سمعنا، أن هناك مبدأ يفرق بين حالة تحديد أركان الجناية بنص القانون، وحالة عدم تحديدها، ولا نستطيع أن نقبل هذا المبدأ لأنه يتعارض مع كل مبادئ العقل والعدالة، إذ هو يؤدي حتمًا إلى تخويل المحاكم سلطة استبدادية تتصرف بها في شرف الناس وأموالهم.

ونظرًا لبساطة المذهب الأول بإسناده إلى فكرة سهلة القبول فقد اتبعته محكمة النقض أولاً، من سنة 1822، إلى سنة 1831، وكان العمل به راجعًا إلى رأي النائب العمومي (دوين) والرئيس (باريس).

لكن البحث قد أدى إلى ظهور بطلان هذا الرأي في نتائجه لأنه في الواقع يعطل مأمورية محكمة النقض، إذ يصبح للقاضي حق لا حدود له في تأثيم المتهمين، لأن القانون لم يعين أركان وقائع الإجرام إلا قليلاً، سواء في الجنايات أو في الجنح.

1764، ولقد حكم عملاً، بذلك المبدأ الأول أنه ليس لمحكمة النقض أن تراجع الوصف في جنايات الصحف.

1/ 5 - فيما يتعلق بالتعدي على الآداب العامة.

2/ - أو التعدي على شخص الملك.

3/ - أو التعدي على الأديان.

4/ - أو اعتبار النشر قذفًا.

5/ - أو باعتبار رسالة منشورة سبًا.

6/ - أو هل القذف يشير إلى هيئة خاصة أو لا يشير.

ولقد تكلم (كارنو) عن تهمة القذف:

(فقال إن بعض أحكام النقض رأت أن محكمة الموضوع من سلطتها وحدها، حق تقدير، هل الواقعة، التي أسندها المتهم للمجني عليه من شأنها تحقيره أو تعريضه إلى بغض مواطنيه).

لكن هذه الأحكام يجب التمييز فيها بين حالتين، فإن محكمة الاستئناف لها حق تدوين الوقائع بمعنى أنه ليس لمحكمة النقض، أن تقرر أن الواقعة الثابتة في الحكم ليست صحيحة، أما تقدير هذه الوقائع بذاتها فإنه رأي يبدى، وهذا الرأي يجوز أن يكون مخالفًا للقانون، وما نقوله بشأن القذف يجب تطبيقه على جميع أنواع الجنح.

1765، وقد حكم بناءً على ذلك الرأي القديم أيضًا، أنه ليس لمحكمة النقض أن تراقب في المسائل الآتية:

1 - هل أقوال المتهم ضد الموظف تعتبر إهانة.

2 - وهل الأعمال التي صدرت من المتهم في معبد تعتبر تشويشًا على من فيه أو لا تعتبر.

3 - وهل الوقائع تعتبر تحريضًا على الفسق أو لا تعتبر.

4 - وهل أعمال المتهم تعتبر تأدية لوظيفة الطبيب.

1766، غير أن هذا الفقه الذي ينتج أخطارًا واضحة ترتبط بتطبيق القانون، وبتأمين (الناس على أنفسهم قد عدل عنه بحق، وصدرت أحكام النقض على التوالي طبقًا للمذهب الثاني).

1767، فيجب أن يتقرر بصفة أصلية أن تقريرات محكمة الموضوع فيما يختص بإثبات الوقائع لا مراقبة عليها، أما وصف هذه الوقائع، والنتائج التي تقتضيها فسلطة محكمة الموضوع ليست نهائية.

وإن بحث هذا الوصف، وبحث نتائج الوقائع، للتوصل إلى تقرير العقوبة هو من اختصاص محكمة النقض، فيجوز لمحكمة النقض أن تقرر أن الألفاظ المدونة في الحكم تكون جنحة التعدي على الموظف حيث لم يرَ فيها الحكم الموضوعي إلا جنحة سب عادي.

وكذلك لمحكمة النقض، وهذا أيضًا رأي محكمة النقض في بلجيكا، أن تراقب الوصف الذي وصفت به الوقائع الثابتة في الحكم، إذا كان هذا الوصف يترتب عليه النظر في تطبيق القانون.

1768، ولمحكمة النقض أن تراجع، وتقدر، الوقائع الثابتة في الحكم، لتستنتج هل هذه الوقائع تؤدي إلى إثبات واقعة قتل أو لا تؤدي.

ويجب على محكمة النقض أن تصحح النتائج غير الصحيحة والاستنتاجات التي لا تتفق مع الوقائع الثابتة في الحكم.

1775، ويجوز لمحكمة النقض، أن ترى في الرسالة المنشورة، تحريضًا على كراهة الحكومة واحتقارها ولو أن محكمة الموضوع لم ترَ فيها هذه الجنحة.

وكذلك لها أن ترى في النشر جنحة على خلاف رأي النيابة.

1776، ولمحكمة النقض أن ترى في الرسالة المنشورة أنها تتعلق بشخص الملك، ولو أن محكمة الموضوع رأت أنها لا تتعلق بشخصه.

1777، ولها أن تقرر أن نشرة أسبوعية يجب أن توصف بأنها نشرة سياسية، رغمًا عن أن محكمة الموضوع رأت أنها ليست سياسية.

1778، كذلك لا يخرج عن اختصاص محكمة النقض، تقرير محكمة الموضوع باعتبار أن شركة قد تكونت وهي في الواقع استمرار لشركة قديمة.

1780، ولمحكمة النقض هذه السلطة في جميع الأحوال التي يمكنها أن تجد فيها من الوقائع الثابتة في الحكم جسمًا لمخالفة، فلها حق تقدير الوقائع مستقلة أو مجموعة، للتقرير بأن محكمة الموضوع وصفتها وصفًا حقيقيًا، وبناءً على هذا فلمحكمة النقض أن تقدر وتستنتج، من حالة المنشورات أو الإعلانات، المادية، والمبينة في الحكم، وصفها القانوني، ولهذا فقد اعتبرت أن الجريدتين المنشورتين، على ورقة واحدة وقد اعتبرتهما محكمة الموضوع جريدة واحدة، هما في الواقع جريدتان مستقلتان فيجب تقديم ضمان عن كل منهما.

1793، ولقد ذهبت محكمة النقض إلى أبعد من هذا، فقررت أن لها الحق أن تبحث وتقدر الوقائع والظروف المادية الثابتة في محضر توافرت فيه شروط الصحة، لتستنتج منها حلاً يخالف الحل الذي ذهبت إليه محكمة الموضوع.

وقد قررت هذا في حالة البحث في هل تعتبر العزبة موقوفة أو غير موقوفة.

1795، هل تترك وقائع الإكراه التي تكون جناية الفسق بإكراه، إلى تقدير محكمة الموضوع.

نعم، ولكن فيما يختص بإثبات تلك الوقائع، أما فيما يختص بوصفها فلا.

وقد قلنا فيما تقدم إن هذا هو الرأي فيما يختص بالإكراه المدني.

ذلك مظهر المذهب الثاني، أما الرأي الذي قلنا إنه يجوز أن يكون مذهبًا ثالثًا، فهو رأي النائب العمومي (دوين) الذي اعتبر خطأ على ما نظن. موافقًا لرأي الرئيس باريس، وهو رأي وسط بين المذهبين.

يقول النائب العمومي (داللوز جزء 7) فقرة (1227) ما يأتي:

ليس من رأيي أن محكمة النقض لا يجوز لها في ظروف خاصة أن تقدر الوقائع لتصل من هذا الطريق إلى تقدير القانون.

وليس من رأيي كذلك أن لها حق التقدير دائمًا وفي جميع الأحوال.

إن قاضي الموضوع إذا أثبت الوقائع في الحكم، ثم أخطأ بعد ذلك في وصفها القانوني، أو إذا أصاب في وصفها القانوني، لكنه طبق عليها نصًا غير الذي يجب تطبيقه، أو إذا تناقض في تدليله المنطقي، فإن النقض يُفهم في هذه الأحوال الثلاث لأن القانون هنا أحد أطراف القضية المنطقية.

أما إذا كان لا بد لإلغاء الحكم من معارضة في الوقائع التي دونها، وكان تصحيح القانون يستلزم البحث في الوقائع من جديد لاستبدالها بوقائع تؤسس على تقديرات جديدة، فليس هذا من سلطة النقض بل هو ليس عمل الفقيه المنزه عن الغرض، ولعله عمل عقيدة خاصة أو مظهر شهوة وتحيز).

أما وجه أننا نعتبر هذا القول مذهبًا وسطًا فذلك لأنه قد خالف نظرية الرئيس باريس في أصلها ونتائجها.

خالفها في أصلها لأنه لم يصدر في مذهبه عن ذلك الأصل الذي وضعه وهذا ما أجمعت عليه الأحكام في فرنسا، وعندنا، فلا نزاع في أن تدوينات الحكم التي تخالف محضر الجلسة، في سلطة محكمة النقض تصحيحها، وهي إذا قبلت ذلك لا ترجع إلى وقائع الدعوى، ولا تقدرها، ولا ترجح إحداها على الأخرى بل هي تقف عند الثابت أمامها، وتمنع القاضي عن أن يستبد بالناس فيلصق بهم ما ليس له أثر في الأوراق، فهي في دائرة القانون الصرف، وفي دائرة الحماية العامة، وفي دائرة رد القاضي إلى سلطته المشروعة.

بناءً على هذا فمن الخط أن يقال إن النائب العمومي دوين من رأي الرئيس باريس، ونعتقد أن الرئيس باريس انفرد برأي خاص له، وأنه غير مسند كما سترى.

قلنا وإنه يخالفه أيضًا في النتائج لأنه يعطي لمحكمة النقض أن تراقب الوصف الموضوعي، وهو ما لا يرضاه الرئيس باريس، ويعطي لمحكمة النقض أن تراقب قيمة التدليل المنطقي، أي تقدير أسباب الحكم والنتائج التي يصح أن تؤدى إليها، إثباتًا ونفيًا، فانضم بذلك إلى الرأي الذي يقول به إلى أكثر من نصف الطريق. 

(3)
نظرة في المذهبين
المذهبان يتناقضان تمام التناقض كما ترى، ولا يكفي للفصل بين المذهبين التمسك بما وقف عنده داللوز بقوله إن محكمة النقض قد عدلت عن ذلك الرأي القديم واستقر رأيها على الرأي الذي يعارضه.
بل لا بد لنا من تقدير حجة كل منهما، وقيمة إسناده.
أما الرأي الأول: رأي الرئيس بارنس، فإن الذي يلقي عليه نظرة عامة يجمع فيها بين مختلف أسانيده، ليعطيها طابعها المشترك، وليتبين المصدر الذي صدرت عنه، لا يمكنه إلا أن يلاحظ أنها أسانيد شكلية ترجع كلها إلى فكرة جافة، قاسية، عمادها حروف القانون، صامتة، وذلك بدون أي بحث عميق جوهري، لا من جهة ما ترضاه الناس لأن يكون مأمورية القاضي، ولا من جهة المصلحة العامة، ولا من جهة تأمين الناس على العدالة في القضايا الجنائية، ولا من جهة نفس الروح التي أملت على الشارع ضرورة تشكيل محكمة النقض، فظهرت في الوجوه التي قررها سببًا لبطلان الأحكام.
أسانيد المذكرة ستة، وإذا تأملت إليها رأيتها كلها ترجع إلى سند واحد، هو القول بأن محكمة النقض إنما تنحصر مأموريتها في مراقبة المحاكم إذا خالفت نص قانون موضوع، فوضع هذا أول الأسانيد ثم تسلسلت النتائج، فوضعت كل نتيجة لهذا الأصل سندًا جديدًا وهي ليست كذلك. إذ متى تقرر هذا المبدأ أساسًا بحروفه، فيكون من الطبيعي أن محكمة النقض تنحصر مأموريتها في بطلان الأحكام فلا يجوز لها تعديلها.
وهذا هو الدليل الثاني، ومن الطبيعي ثالثًا، أنه لا يجوز لمحكمة النقض أن تبحث في تقدير جميع الوقائع الجنائية، ومن غير المهم أن تبحث في هل القضاة في المسائل الجنائية يعملون عمل المحلفين فيحكمون بعقيدتهم أو أن هذا نظر خاطئ، وهذا هو السند الرابع، ويكون من الطبيعي خامسًا، أن محكمة النقض إذا أرادت إصلاح التطبيق القانوني من طريق تغيير الوصف الواقعي، أو تغيير مجرى الاستنتاج من الوقائع فإنها تكون قد تعدت رقابتها القانونية، ولكن من طريق بحث الموضوع أو من طريق غير مباشر.
ومما لا جدال فيه أخيرًا، وهو آخر الأسانيد، أن قرار محكمة النقض تعديلاً في الموضوع إنما يكون المرجع فيه إلى شعور المحكمة لا إلى شيء آخر !!! ولكنا لا ندري كيف يكون هذا دليلاً في النقطة التي نبحث فيها !، أترى كيف أن الاستدلال قد تضاءل رغم مكانة الرئيس العظيم، وذلك بمجرد وضعه موضع التحليل الدقيق !!.
ثم إذا تأملت إلى كل سند مستقلاً لا تجده في الواقع بذلك الجلال الذي فُهم به، وما كان هذا الرأي ليؤثر على الناس لولا مركز صاحبه من المكانة والاحترام.
بل إنك لو تأملت حقيقة لأخذت كل سند لهذا الرأي بذاته سندًا لنقيضه. وإليك البيان:
السبب الأول: إن محكمة النقض، وجدت لمنع المخالفات القانونية. هذا صحيح لا يجادل فيه أحد. ولكن المسألة المراد حلها هي هل إذا صدر حكم بالعقوبة، وقرأت الحكم، وما أثبته من الوقائع، وما دونه من الأسباب، فكانت أمام الأنظار وكما عرضت، وبحكم العقل الإنساني إجماعًا، لا تكون جناية، وذلك من جهة الاستنتاج الواقعي، الواضح، ألا يكون توقيع العقوبة هنا مخالفًا للقانون. بل للذمة، والعقل، ولكل نزعة من نزعات بني الإنسان ؟!!
وهل لا تكون هذه المخالفة للقانون، بل هل لا يكون هذا الظلم الصارخ، سببًا مباشرًا، لبطلان الحكم، بدون لف، ولا بحث، ولا تدليل جديد، ولا تغلب شعور قضاة النقض على شعور قضاة الموضوع.
هب أن حكمًا صدر على خلاف كل ما جاء في التحقيقات، وعلى خلاف شهادة الشهود المقررة في محضر الجلسة، فهمها القاضي على عكس ما وردت، فأرسل بالمتهم إلى الجحيم، وكتب في حكمه أنه قد ثبتت لديه الجناية بشهادة نفس أولئك الشهود الذين نفوها، فهل القاضي هنا لم يخالف القانون، مخالفة صريحة، ظاهرة، تجدها محكمة النقض مباشرةً، وبدون بحث ولا تنقيب، فيقال إن وجه النقض غير متوفر، لأن القاضي كالمحلف لا يُسأل عن عقائده، وقد اعتقد أن هناك جناية، أثبتها اسمًا في حكمه، ثم طبق عليها القانون، والاسم في الجناية هو كل شيء، فإذا كان التطبيق صحيحًا فلا مخالفة للقانون، ولا وجه للنقض ؟!!
أما الدليل الثالث: وهو قوله إن هذه السلطة تصل بمحكمة النقض إلى بحث جميع الوقائع الجنائية من جديد، فلا يدل إلا على شيء واحد في طبائع الإنسان، مهما كان ساميًا، هو ضعف التقدير عند أية مصلحة، والمبالغة في الاستدلال إلى انتحال عيب للرأي الذي يعارضه لا وجود له، فليس من مرامي المذهب الثاني أن يكون لمحكمة النقض سلطة البحث في جميع الوقائع، إثباتًا ونفيًا، ولا يمكن أن يقول بهذا أحد، بل هو يسلم بالقاعدة لأنها أصل كلي للنظام الجنائي، لكنه يبين حدودها، ويوفق بينها، وبين الأصل الأعم الذي تقوم عليه بناء الحياة الاجتماعية، ويقوم عليه بناء القضاء بما تتبعه من الأنظمة المخالفة، وهو تأمين الناس على أن مظاهر العدالة قائمة في كل حكم، ولو ظاهرًا فقط، وبصرف النظر عن خطأ القضاة موضوعًا، فإن هذا هو أول ركن يقوم عليه كل نظام للجماعات !!
أما الدليل الرابع: وهو أن القضاة كالمحلفين يحكمون بوجدانهم وليس لأحد أن يسألهم لماذا حكموا، فينقضه القانون بنصه الصريح، لأنه يلزم القاضي أن يسند حكمه الجنائي إلى أسباب معينة، يقرؤها الناس، ولم يكن الشارع لاعبًا في تقرير هذا الإلزام، ولو أنه أراد أن لا يسأل القاضي عن كيفية تكوين عقيدته، لكان من الهزل الذي لا يُفهم إلزام القاضي بوضع الأسباب، والتصريح ببطلان حكمه إذا هو خالف هذا الإلزام !!
أتظن مع هذا النص أنه يريد من القاضي أن يكتب لهوًا، كلامًا مرصعًا لا وزن، ولا نتيجة له، ؟!! بحيث إنه لا توجد سلطة تقضي ببطلان حكمه مهما كانت الأسباب عقيمة لا تؤدي إلى إثبات الجناية التي وردت في الحكم !؟
إذا كان هذا ممكنًا، فما معنى نص القانون ببطلان الحكم إذا لم تكن أسبابه معينة فيه !!
قد نقول هذا إذا لم يكن في الحكم أسباب أصلاً، أما إذا وضعت فيه أسباب، فالبطلان غير ميسور.
وإنك لا تصل إلى هذا الرأي إلا إذا خطوت خطوة أخرى وقلت إنه لا يجوز لأحد أن يقرأ تلك الأسباب بل يجب أن يقف عند النظر في أن الحكم تسبقه سطور مكتوبة، ثم التقرير، بناءً على اعتبار أن كل حكم لا بد قد استكمل شروط صحته، بأن هذه هي الأسباب وانتهى الأمر.
وإذا قلت كلا بل لا بد أن تقرأ الأسباب فما هو الرأي إذا قرأتها فوجدتها أما كلامًا لا نتيجة له أصلاً، وما لا نتيجة له فخاتمته البراءة ؟، وأما كلامًا نتيجته العقلية في نظر إدراك الناس جميعًا، أنه لا يثبت جناية، يعني أنك وجدت الحكم لا شاملاً على (أسباب العقوبة)، بل معلنًا لأسباب البراءة، فماذا تفعل !!
أما الدليل الخامس: وهو أن بحث محكمة النقض في الموضوع لإصلاح الخطأ القانوني، إنما هو إصلاح غير مباشر، فلا يصلح دليلاً، لأننا إذا سلمنا حقيقة، وهو ما لا نراه، إن هذا الإصلاح غير مباشر، ففي أي نص جعل القانون شرط إصلاح الأحكام أن يكون الخطأ واقعًا مباشرةً، وبدون تعاريج ؟!!
هل تظن أن مخالفة القانون، تكون مقدسة، إذا وضع لها من التمهيدات، والطرق الملتوية، ما يخرجها من سلطة النقض، لكنها لا تكون، كذلك إذا لم يكن الحكم قد عنى بإخفاء طريقها عن الناس ليخرج بها عن مراقبة السلطة العليا.
على هذا يكون الظلم المقصود، الفني، أولى بالاحترام من الظلم العرضي إذا وقع بسلامة نية على أنه رمية من غير رامٍ !!!
هذه هي كل أسانيد الرأي الذي يعارضه، فلسنا مبالغين إذا قلنا إنها في الواقع أسانيد للرأي الذي يخالفه.
غير أنه يجب من باب الإنصاف أن نذكر أن المسائل الخلافية قد يخفى الحل فيها على أقدر الناس علمًا وإدراكًا، فإن للظروف أثرًا لا يذكر في توجيه البحث إلى ناحية من النواحي، والقضية التي أُبدي فيها ذلك الرأي كان موضوعها قذفًا، وهو أبعد الأشياء عن القانون، فكان رفض النقض أقرب احتمالاً من قبوله.
وقد تسلطت هذه الروح في جميع الأسانيد التي أبديت، وإنما جاء الخطأ من رغبة التعميم ووضع الأسانيد مطلقة فكانت المبالغة على أنها هي المبدأ الدائم، وهي لا تصلح مبدأ بحال من الأحوال.
وليس أدل على أن الظروف هي التي كانت تملي الرأي على وجدان الرئيس العظيم، من قوله في خاتمة الأسانيد، والخاتمة عند الكثيرين هي الحجة الكبرى، إن تقدير وشعور محكمة النقض سيكونان أبعد عن الحقيقة من شعور وتقدير محكمة الموضوع !!!
من أجل هذا، فقد عَدلْت محكمة النقض هناك عن هذا الرأي.
ويقول أصحاب البنديكت (جزء 15، صفحة 70 من البند فقرة 1138 إلى ما بعدها) كما قال داللوز أيضًا في ذلك الجزء، ولكنا أردنا الإشارة هنا إلى البندكت، لأنها أحدث عهدًا، يقولون إن محكمة النقض في باريس بعد أن ترددت كثيرًا في أحكامها، أخذًا برأي الرئيس بارنس، وبعد أن أنقصت من حدود اختصاصها، رجعت إلى ذلك الاختصاص على أصله وقررت أن لمحكمة النقض سلطة أوسع من هذا هي بذاتها تلك السلطة التي نقلناها عن داللوز ولا نعود إليها.
وإذا رجعنا بعد هذا كله إلى القاعدة التي تعتبر أصلاً لهذا النزاع وجدناها في داللوز جزء 7، صفحة 306، منقولة عن حكم من أحكام النقض بالنص الآتي:
فقرة (1214): وقد حكمت محكمة النقض عملاً بهذا الرأي (20 ديسمبر سنة 1828)،
(إن سلطة محكمة الموضوع لا يجوز أن يكون من شأنها أن تضع في حكمها وقائع وتقريرات تخالف صراحةً ما ثبت في وثيقة رسمية.
ويظهر لنا أنه إذا جاز لمحكمة الموضوع أن تفعل هذا بدون مراقبة محكمة النقض فإنما يصبح نظام محكمة النقض عبثًا وتكون وظيفتها حلمًا لا يتحقق، إذ تكون سلطة محكمة الموضوع لا حد لها في تقرير الوقائع، فلا شيء يمنع من وضع وقائع كاذبة، ومن تقرير عقوبة غير مشروعة، بدون مراقبة من محكمة النقض فيمنعها بذلك منعًا ماديًا من تأدية وظيفتها وهي تطبيق القانون على الوقائع الصحيحة.
ثم زاد القاعدة بيانًا في صفحة 340 فقرة (1438)، بقوله:
غير أن سلطة محكمة النقض أيضًا ليست مطلقة وبلا حدود، بل حدها التمييز بين الوقائع الثابتة وفي وثيقة رسمية والوقائع الأخرى التي يجب تصحيحها من بحث وتقدير، فإذا كان الخطأ في وضع الواقعة دليله مستند رسمي، وبشرط أن يكون هذا المستند عُرض على محكمة الموضوع فخالفته، جاز لمحكمة النقض أن تصحح الواقعة، وكذلك إذا كان المستند عرفيًا،
(1439): وشرط القبول دائمًا هو أن يكون المستند قد عُرض على محكمة الموضوع فأهملته.
(1459): وقد ذكرنا عند البحث في النقض في المسائل المدنية أن من وجوه النقض أن يكون مسندًا إلى وقائع غير صحيحة، وهذا الوجه في المسائل الجنائية أوضح، (راجع كذلك فقرات 1460، 1461، 1462).
(4)
القانون المصري
قد يكون في وضع هذا العنوان ما يستوجب الدهشة إذ المفهوم عادةً أن وجوه النقض والإبرام في التشريعين، المصري والفرنسوي، واحدة لا فارق بين القانونين، على أن الذي يتأمل للنصوص، لا يمكنه إلا أن يجد فرقًا يساعد كثيرًا في حل هذا الإشكال.
ذلك لأن المادة (408)، من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي، وضعت من وجوه النقض، بطلان الإجراءات والحكم، وحصرتها في مخالفة نص في القانون أو ترك لإجراء من الإجراءات المقررة بشرط البطلان إذا لم تكن قد روعيت تلك الإجراءات.
وجه النقض هنا خاص بالقانون وحده، أما في أحكامه الموضوعية، وأما في إجراءاته المحددة تحديدًا صريحًا وبشرط البطلان، فكان البحث عندهم في النقطة التي نعالجها يحتمل الجدل واختلاف المذاهب على الطريقة التي رأيناها.
أما القانون المصري، فقد اتخذ طريقة تحرير تخالف تلك، وقد اطلع واضعه بطبيعة الحال على هذه المناقشات وما تفرع عنها من المذاهب، فأراد أن يختار أحدهما، وفي رأينا أنه قد ترك مذهب الرئيس بارنس واختار المذهب الذي نقول به.
ذلك لأن الفقرة (3) من المادة (229)، عوضًا عن التعبير بكلمات (إذا حصلت مخالفة للقانون) أو حصل (ترك للإجراءات المقررة بشرط البطلان) وضعت بالنص الآتي:
(إذا وجد وجه من الأوجه المهمة لبطلان الإجراءات أو الحكم).
والفرق بين هذه الصيغة وصيغة القانون الفرنسوي واضح، فإن السبب هناك محدود ينحصر في ترك إجراءات مقررة بشرط البطلان أو عمل نقيضها، أما هنا فليس من تحديد لوجه النقض نوعًا وتخصيصًا، بل يقول النص إذا وجد (وجه مهم).
وإذا تيسر لنا أن نفهم ما هو الوجه المهم لبطلان الإجراءات، فلا يمكنا أن نفهم ما هو (الوجه المهم) لبطلان الحكم، والقانون لم يحدده، إلا إذا قلنا إن الشارع عندنا أراد أن يعطي لمحكمة النقض في هذا الموضوع سلطة أوسع من تلك التي أعطيت لمحكمة النقض في فرنسا.
هو يريد ذلك حتمًا، لأنه لم يقيد وجه بطلان الإجراءات بشرط أن يكون البطلان منصوصًا عنه صراحةً في القانون، كما فعل القانون الفرنسوي، وهو يريد ذلك أيضًا، ولا شك لأنه ترك للمحكمة تقدير (أهمية الوجه) المبطل للمحاكمة، ولا معنى لهذا سوى أنه أراد أن يعطي للمحكمة باعتبارها الرقيبة على توزيع العدالة، سلطة لا حد لها، في المحافظة على مظاهر تلك العدالة، وتأكيدها للناس.
إن كل نص مطلق عام، إنما حده العدالة، ولا حد له غيرها، فالذي يريد عندنا أن يتقيد بما ذهب إليه بعض أهل العلم في باريس، إنما يترك نصًا صريحًا في تشريعنا ويجري إلى تعليقات على نص يخالفه حكمًا وغرضًا.
وإذا جئنا إلى هذه النقطة من البحث، فعلى ضوء نصنا الصريح يمكنا أن نرجح ترجيحًا يصل إلى اليقين الثابت أن المذهب الذي يجيز لمحكمة النقض أن تراقب على عدالة الأحكام في مظاهرها، فتصحح الوقائع الثابتة رسميًا، وتعلن بطلان الحكم إذا كان الخطأ فيه ظاهرًا سواء من جهة القانون المجرد، أو من جهة الاستنتاج المنطقي الذي يقضي به العقل الإنساني عامة، هو المذهب الصحيح.
إننا لا نحول محكمة النقض إلى محكمة موضوع بحال من الأحوال، فلا نطمع في أن تراجع أوراق الدعوى، ولا في أن تحقق وقائعها، بل ولا أن تبحث هل من الوقائع ما كان يصح أن يعادل الوقائع التي تبينت في الحكم فترجحها، أو لتقيم الشك فيها، والشك يصل إلى البراءة، بل نريد أن تعتبر كل الوقائع الثابتة في الأوراق الرسمية، وإذا كان الحكم ورقة رسمية، فإنما رسميته مستمدة من محضر الجلسة، فهما ورقة واحدة، والرسمية في الاثنتين واحدة، بل محضر الجلسة هو المعد لتدوين الوقائع دون الحكم، فإذا تناقض حكم القاضي مع ما ثبت في محضر الجلسة، فقد تجاوز القاضي حدود سلطته، وقد خالف القانون في أبسط الواجبات التي قررها، وقد حمل ضميره ما لم يحمله به القانون وجعل من نفسه مدعيًا، وشاهدًا، وقاضيًا، وهذا كله بطلان، فوق بطلان، من جهة القانون والواجبات المفروضة، ومن المدهش حقًا، أن ينكرها باحث في القانون، لأنه يريد أن يقف عند الظاهر من تدوينها ويفهم ويقول بل هي وقائع لا قانون فيها !!!
وأين هي، في أي عمل قضائي، الوقائع المجردة عن القانون وكيف توجد ؟!
أنه ليس في عمل القاضي ما يصح أن تكون وقائع بلا قانون أو قانون بلا وقائع ؟! بل عمله دائمًا مزيج من الوقائع والقانون فالرقابة على هذا العمل المركب، تكون لهوًا إذا أردت أن تشرحه إلى نصفين مستقلين، لا اتصال بينهما. فتجعل للقانون حكمًا، وللواقعة حكمًا، وتجرى هكذا حتى في الظروف التي تختلط الواقعة بالقانون والتي انتهك فيها القانون على حساب مخالفة الواقع واختراع ما لا أثر له.
إذا تقرر هذا، وكان إسناد الحكم إلى وقائع غير حقيقية يقتضي بطلانه، أفلا يكون باطلاً من باب أولى إذا أُسند إلى أسباب لا تؤدي مطلقًا، ومع اعتبارها صحيحة في جميع وقائعها، إلى إثبات أن المتهم قد ارتكب الواقعة الجنائية التي عوقب من أجلها !!
نقول من باب أولى، لأن الوقائع المخترعة وردت في الحكم على أنها حقيقية، فلا سبيل لغير المطلع على دوسيه الدعوى أن يدرك أن هذا الحكم صدر ظلمًا، أما الجمهور الذي يقرأه فأمامه حكم اشتمل على أسبابه، وهي تؤدي في ظاهرها إلى إثبات الجناية، فالحكم في ظاهره عادل لا طعن عليه وليس من نشره على الناس ضرر اجتماعي أو زعزعة لثقة الناس في قضاتهم.
أما إذا كانت أسباب الحكم في ذاتها ومع التسليم بصحة الوقائع الواردة فيها، لا يؤدي بحال من الأحوال إلى إدانة المتهم، بل هي تنطق لمن يستطيع أن يقرأ أن هذا ظلم واقع، فلسنا نبالغ إذا قلنا إن البطلان هنا أوجب وأحق.
لا يسبق إلى الذهن أن البطلان مُسند هنا إلى العدالة فقط، بل هو يُسند إلى نص القانون الصريح القاضي بأن تكون الأحكام باطلة إذا لم تدون فيها الأسباب التي بنيت عليها، ولا يمكن فهم النص وتطبيقه على اعتبار أن الشارع إنما يقف حرصه على مجرد تحبير الأوراق ووضع ألفاظ كيفما كان معناها بدون نظر في هل هي تصلح أسبابًا أو لا تصلح !!
نرى دائمًا أن الرأي الذي نخالفه إنما يستظهر بالكلمات الخالية من كل معنى، وإنما يقف عند الإشكال خالية من كل جوهر، وفارغة من كل غرض، وإنما يفرض أن الشارع يحرص على إجراءات ظاهرة فقط، فإذا كتب القاضي ما سماه أسبابًا خطأ فقد تم الواجب ولا مراقبة عليه !!.
غير أننا نؤكد أنه ليس في نظام من الأنظمة القضائية ما يصح أن يكون هذا شأنه !!
وإذا تأملنا إلى وجوه النقض، وأردنا أن نفهم الجامع بينها كلها وإن تنوعت، وأن تحدد الروح التي أملتها، وجدناها جميعها ترجع إلى فكرة واحدة هي المحافظة على مظهر العدالة في الحكم.
نقول (مظهر العدالة) لا العدالة الواقعية فقد يخطئ القاضي، لكن إذا كان هذا الخطأ مستورًا لا يظهر من حكمه بنفسه، فلا وجه للنقض، أما إذا ظهر كان النقض لا بد منه.
لهذا يجب على القاضي، أن يعين الواقعة، وأن يعين نص القانون، ويجب عليه أن يستوفي الإجراءات، ويجب عليه أن يكتب أسبابًا لحكمه، والأسباب في نظرنا أهم الأمور لأنها ترجمان ضمير القاضي وعقيدته، ولأنه يتقدم بها للناس، ويؤسس عدالته عليها، وكل هذه الأمور لازمة لأمر واحد، هو الثابت في الأذهان، وهو أن القاضي يؤدي واجبًا مقدسًا، يتحرى فيه العدالة بقدر ما يستطيع الإنسان، فإذا كان حكمه في ظاهره وبمقتضى تدويناته نفسها، دليلاً على أن ذلك الواجب لم يؤدَ، فيجب عرض الدعوى على القضاء من جديد !!
بناءً على هذا لا نتردد في القول، إن مذهب رفض النقض لاتصال الوجوه المقدمة بالموضوع هو مذهب بعيد عن الفقه القانوني، لا يحقق شيئًا من الأغراض التي وضع نظام النقض من أجلها.
(5)
الأصل في احترام الأحكام وقوة الشيء المحكوم فيه
إن الأحكام تكتسب احترامها بناءً على قاعدة مشهورة، هي اعتبارها عنوان الحقيقة، مع التسليم بأن العصمة ليست من مقدور القضاة، ففرض على الناس لاطمئنان نفوسهم والمحافظة على جلال القضاء.
واجب الإيمان بما قرر القاضي لأن العدالة مفروضة في عمله، فيجب أن تتوافر في حكمه كل الظواهر التي تحفظ له، هذا الاعتبار النظري.
أما إذا تكفل الحكم نفسه بإعلان أن هذا الاعتبار النظري ينقضه الواقع الثابت في نصوصه فهو لا شك باطل لأنه قد هدم القاعدة التي حاز من أجلها وحدها تلك القوة المقررة، وخرج عن الحدود القانونية، المفروضة لاحترام الأحكام على وجه العموم، وقد رفع عن الناس ذلك الواجب المفروض، والإيمان به، وقد أساء إلى جلال القضاء، إساءة واضحة. فأسباب بطلان حكمه هنا، راجعة لا إلى الموضوع كما يعترض بل إلى الأصول الكلية التي قام عليها النظام القضائي في أصوله إلى نتائجه.
أنه من الخطأ الواضح، أن يقال إن هذا كله موضوع لا يهم محكمة النقض، اللهم إلا إذا كان صحيحًا، إن محكمة النقض التي تبحث في القوانين وأصولها، لا يهمها أصول القواعد المقررة لاحترام الأحكام، ولا يهمها البحث في أصل ما سمي بقوة الشيء المحكوم فيه وسببه، ولا يهمها جلال القضاء، ولا يهمها أن يكون الحكم بنصوصه بحث لا يترك مجالاً للافتراض، نقول للافتراض فقط، افتراضًا ظاهرًا، بأنه غير ظالم !!
بناءً على هذا قلنا أن نلخص إن الرأي بجواز النقض الذي يتصل بالموضوع مُسند إلى:
1 - فقه محكمة النقض في باريس من سنة 1836 إلى الآن.
2 - فقه محكمة النقض في بلجيكا.
3 - فقه محكمة النقض عندنا في كثير من أحكامها حتى في عهدنا الأخير.
4 - داللوز وأصحابه.
5 - أصحاب البنديكت.
6 - كارنو.
7 - رأي النائب العمومي الذي فهم خطأ على ما أثبتنا أنه من رأي الرئيس (بارنس) المعارض.
8 - نص القانون المصري، بنوع خاص لاختلافه عن نص القانون الفرنسوي.
9 - المصلحة العامة من جميع النواحي، محافظة على ظواهر العدالة، ومحافظة على جلال القضاء ومحافظة على اطمئنان الناس للقضاء.
10 - الأصل الكلي الذي تقررت من أجله وبناءً عليه فقط قوة الشيء المحكوم فيه.

جريمة إهمال أمر العائلة

مجلة المحاماة
أبحاث قانونية وشؤون قضائية

جريمة إهمال أمر العائلة
(Délit d’abandon de famille)

وضع الشارع المصري القوانين المصرية من مختلطة وأهلية ولم يكن أمامه وقتئذٍ سوى القوانين الفرنسية فتقيد بها كثيرًا وكان لها أثر فعال في كل ما سن من قوانين مختلفة ولم يلتفت إلى شرائع البلدان الأخرى ليقتبس منها أكثرها موافقةً لمصالح المصريين وعاداتهم.

ولقد كان مقدار أخذنا بالقوانين النابوليونية وما سنته من القواعد العامة كبيرًا وأكثر مما يلزم حتى أننا أغفلنا بعض مبادئ سديدة واردة في أحكامنا الشرعية.

أقول ذلك بمناسبة ما اطلعت عليه اليوم في جريدة (الماتان) الفرنسية الصادرة في 24 مايو سنة 1924 متعلقًا بسن قانون (إهمال العائلة) فقد صدر في فرنسا بتاريخ 7 فبراير سنة 1924 قانون يعاقب بالحبس من ثلاثة شهور إلى سنة أو بالغرامة من 100 إلى 2000 فرنك كل من يمتنع متعمدًا أكثر من ثلاثة شهور من تنفيذ حكم صادر عليه بالنفقة لزوجه أو أصوله أو فروعه.

وقد أشار الكاتب بإيجاز إلى الإجراءات التي تتبع أمام قاضي المصالحات والتي يعقبها رفع الدعوى العمومية على الجاني بناءً على طلب النيابة أو بطريق تحريكها بواسطة المجني عليه.

ونوه بأن أكثر الممالك قررت اعتبار الأمر المتقدم جرمًا معاقبًا عليه جنائيًا وذكر أن الولايات المتحدة من سنة 1888 وسويسرا من سنة 1891 وألمانيا من سنة 1894 والنرويج من سنة 1902 ونيوزلندة وأستراليا من سنة 1910 وبلجيكا من سنة 1912 سنت كل منها عقوبة لجريمة إهمال العائلة.

وقد أظهر الكاتب ما يجيش بنفسه من الألم لهذا التأخير في التشريع ولم يتمالك إخفاء أسفه لإحراز ألمانيا قصب السبق على بلاده في إدخال هذا الإصلاح في قوانينها إذ جاهر بأنه من المحزن أن يكون قد مضى نحو ثلاثين سنة على المادة (361) من قانون العقوبات الألماني التي تعاقب بالحبس أو التشغيل في محل خاص كل من يؤدى سوء سلوكه وفساد أخلاقه وإدمانه على الخمر بعائلة إلى السقوط في مهاوي الفاقة.

وأني أيضًا كمصري آسف كل الأسف لأننا لم نقرر مبدأ حبس الممتنع من أداء النفقة متعمدًا مع أنه مباح شرعًا إلا في سنة 1910 (م 343 من لائحة الإجراءات الشرعية) بعد تردد كثير وتلكؤ في التشريع وتخلص من أنات المتألمين وشكوى المظلومين كأن ما بدا من مثل هذا الشخص الجاني على الإنسانية والمتسبب في قتل النفوس البريئة لا يدخل إلا في دائرة المعاملات، وقد كنا نخشى أن نتهم بالرجوع بالتشريع إلى الوراء وقد تبين لنا في وضح هذا العصر الزاهر خطأ مثل هذا الظن بدليل أن العدد الغفير من الأمم الراقية يستنكر مثل هذه الجريمة الشنعاء وقد سن لها عقوبات رادعة.

ثم أليس مما يؤسف له أن تكون مدة الحبس عندنا مقصورة على شهر واحد حبسًا بسيطًا ليس فيه ما يكفي لإلزام جميع المحكوم عليهم بالنفقة بوفائها على أنه ليس في كتب الفقه ما يحتم التقيد بمدة بل يجوز أن يتجاوز الحبس أضعاف المدة المتقدمة.

وليس يوجد من جهة أخرى ما يعوق عن إلحاق مثل هذه الجريمة ضمن الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العام لتكون المعاقبة عليها أكثر أثرًا في النفوس وأشد فعلاً بما يسن لها من عقوبات خاصة تتناسب مع الجرم المرتكب وتسري عليها أحكام العودة أسوةً بسائر الجنح.

فيا حبذا لو وجه نوابنا الكرام (وعدد المتشرعين منهم ولله الحمد وفير) أنظارهم إلى هذا الأمر الهام وفكروا في تعديل النصوص الواردة بهذا الصدد في اللائحة الشرعية وفى إضافة نصوص جديدة إلى قانون العقوبات بطريقة ملائمة للحالة الاجتماعية مما يكون من شأنه أن يخفف كثيرًا من الويلات التي يجرها جهل كثير من الأفراد فيهملون أقدس الواجبات عليهم نحو أهلهم وذويهم لعدم توفر الوازع التشريعي الكفيل بردعهم وزجرهم عما تقترفه قلوبهم القاسية.

وأختم كلمتي هذه بأن كاتب مقال (الماتان) لو كان ملمًا بقواعد الشريعة الإسلامية واقفًا على تطورات التشريع عندنا لأشار إلى مصر بوجه خاص لاشتمال الشريعة الإسلامية على العناية بأمر النفقة منذ القدم.

وعلى كل حال فإن الذي يعزينا أننا كنا أسبق من بعض الأمم الغربية في العمل بقاعدة شرعية كان يظن الكثيرون أنها غريبة في بابها وأنها من بقايا العصور الحالية فإذا هي معمول بها في صميم القرن العشرين بين أرقى الأمم مدنية وتهذيبًا بأقسى مما هو مقرر في الشريعة الإسلامية.

عبد الفتاح السيد

المدرس بالحقوق الملكية

إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الرابعة والثلاثون سنة 1954
إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية
بحث للسيد الأستاذ فتحي عبد الصبور
وكيل نيابة مركز بني سويف والأحداث
1 - تثير إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية كثيرًا من الصعوبات والجدل لدى القضاء، فقد يحدث أن يرفع المستشكل في الحكم الجنائي إشكاله لدى القضاء الجنائي وقد يقيمه أمام قاضي الأمور المستعجلة ويثور النزاع حول أيهما المختص هل هو القضاء الجنائي الذي أصدر الحكم المستشكل فيه أم هو القضاء المدني بما فيه قاضي الأمور المستعجلة.
وقد تثير أقلام المحضرين عند تنفيذ الحكم الجنائي بعد رفع الإشكال أو قبله اعتراضات في التنفيذ قد يدق عليها تذليلها إذا لم ترجع إلى نصوص القانون التي شرعت لإيضاح إجراءات الإشكال في تنفيذ الأحكام الجنائية.
2 - ونرى في معالجة هذا الموضوع أن نوضح ما ثار من جدال حوله في ظل نصوص قانوني المرافعات وتحقيق الجنايات القديمين ومقارنتها بالنصوص الجديدة الواردة في قانون المرافعات الجديد وقانون الإجراءات الجنائية لنخلص من ذلك إلى الجهة المختصة قانونًا بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية سواء من المحكوم عليه أو من الغير ولنرى أثر رفع الإشكال ومدى أحقية المحضر في إثارة اعتراض على التنفيذ بعد رفع الإشكال أو عند التنفيذ.

في فرنسا:
3 - والنيابة العامة في فرنسا هي التي كانت تتلقى إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية وهي التي تفصل فيها مع أن النيابة العامة حين تنفيذها الأحكام الجنائية تعد خصمًا يباشر تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولا يجوز أن يكون الخصم حكمًا وقد عدل عن هذا الرأي لمخالفته للعدالة وأصبحت المحاكم هي المختصة دون النيابة العامة بنظر هذه الإشكالات واستقر الفقه والقضاء على ذلك ولكن دار البحث حول تحديد المحكمة التي تختص بنظر الإشكالات في الأحكام الجنائية هل هي المحكمة التي أصدرت الحكم أم هي المحكمة الجنائية التي يقع في دائرتها التنفيذ أم هي المحكمة المدنية المستعجلة.
وقد استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على أن الاختصاص يكون للمحكمة التي أصدرت الحكم.
ويرى جارو أن الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم قد يكون فيه حرج لأن مسائل الإشكال في التنفيذ تتطلب بطبيعة الحال الفصل فيها بطريق الاستعجال وقد يقبض على المتهم خارج دائرة المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يكون من المتيسر الفصل في إشكاله بالسرعة اللازمة فرأى جارو أن يكون الاختصاص في الفصل في الإشكال دائمًا لمحكمة الجنح التي يوجد بدائرتها المحكوم عليه وذلك بالنسبة للعقوبات البدنية. أما الإشكال في تنفيذ أحكام الغرامات والمصادرة فيرى جارو أن يرفع دائمًا إلى المحكمة المدنية لأن هذه الأحكام تقضي بملكية أو بدين وتفقد صفتها الجنائية بمجرد النطق بها.

في مصر:
في قانون المرافعات القديم وقانون تحقيق الجنايات الملغى:
4 - أما في مصر فكان قانون المرافعات القديم الصادر في 14 يونيه سنة 1882 المعدل بالديكريتو 31 أغسطس سنة 1892 ينص في المادة (28) منه على أنه (يحكم قاضي المواد الجزئية بمواجهة الأخصام في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ بشرط ألا يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام، ويحكم أيضًا في الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل الدعوى).
وكانت المادة (386) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (إذا حصل إشكال في التنفيذ فيما يكون متعلقًا بالإجراءات الوقتية يرفع أمره إلى محكمة المواد الجزئية الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يرفع أمره إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
أما قانون تحقيق الجنايات الملغى فلم يرد فيه أي نص بشأن الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية وإنما ورد في قانون تحقيق الجنايات المختلط نص المادة (330) منه وهي تقضي بأن (كل إشكال في التنفيذ وكل نزاع بين النيابة والمتهم يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية:

5 - وقضت المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بأن الإشكالات في التنفيذ التي تُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي بدائرتها محل التنفيذ هي التي يثار فيها نزاع في مسائل تتعلق بالأحوال الشخصية ونصت المادة (351) على أنه (إذا حصل إشكال في التنفيذ فبعد اتخاذ الإجراءات التحفظية إذا اقتضى الحال ذلك يرفع ما كان منه متعلقًا بالإجراءات الوقتية إلى المحكمة الجزئية الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
وتطبيقًا لذلك حكم بأن (تختص جهات الأحوال الشخصية بكل ما يمس شخص الإنسان ولا يتعدى ماله، إلا أنه من الأحوال الشخصية ما يستلزم الالتزام المالي كالنفقة والمهر وما إليهما فيختص بالفصل فيها جهات الأحوال الشخصية اختصاصًا محدودًا في أمور معينة تحدوه فكرة واحدة لا تخرج عنه لذلك يكون للمحاكم المدنية سلطة الإشراف على أحكام جهات الأحوال الشخصية لترقب صدورها في حدود اختصاصها وقد نصت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن الإشكال لا يُرفع إلى المحكمة الشرعية إلا إذا تعلق بمسألة شرعية ومحصل ذلك أنه إذا أثار تنفيذ الحكم نزاعًا مدنيًا فتختص به المحكمة المدنية (حكم مستعجل مصر 16 مارس سنة 1933 مجلة المحاماة س 14 ع 1 صـ 41) [(1)].
وقضت محكمة النقض بأنه (لما كانت المادتان (15) و(16) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية (الملغاة) الأولى منهما تمنع هذه المحاكم من نظر أية دعوى لا تكون بذاتها من اختصاصها والثانية تحظر عليها الفصل في مسائل الأحوال الشخصية وتأويل الأحكام الصادرة فيها من الجهات المعهود إليها بنظرها وكان حكم الطاعة الذي قضى الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذه صادرًا من المحكمة الشرعية في مسألة هي بلا جدال من صميم الأحوال الشخصية وكان الحكم المذكور لا يمس حقًا ماليًا ولا يحتمل تنفيذًا على المال مما ينتفي معه اختصاص المحاكم بنظر أي نزاع يقدم بشأنه، لما كان ذلك كذلك كان الحكم المطعون فيه باطلاً لتجاوز المحكمة التي أصدرته حدود ولايتها فيتعين نقضه والحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى (راجع نقض 2 مارس سنة 1949 مجموعة رسمية ع 3 و4 س 51 صـ 9 وكان الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذ حكم الطاعة).

رأي الفقه والقضاء:
6 - وفي ظل هذه النصوص السالفة رأى جمهور الفقهاء أن المسائل الجنائية كالمسائل الشرعية تخضع لقاعدة عامة تحكم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وهي أنه لا يختص إلا إذا كان موضوع الحق بين الطرفين من اختصاص المحكمة المدنية التي هو فرع منها ويتحدد اختصاصه باختصاصها، أما إذا كان مثار النزاع في الإشكال مسألة تمس الموضوع الذي فصل فيه الحكم وتخرج عن تطبيق القانون المدني فلا يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال، أما إذا كان التنفيذ قد لحق المال وأثار نزاعًا في نفاذ الالتزام ولزومه لسبب من أسباب انقضاء الالتزامات أو ادعى الغير حقًا على المال موضوع التنفيذ أو غير ذلك من المنازعات التي تحكمها قواعد القانون المدني ففي هذه الأحوال جميعًا يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال في التنفيذ كما تختص المحكمة المدنية بنظر النزاع موضوعًا (مؤلف قاضي الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي رشدي صـ 603).

7 - وإذا كان المشرع قد أوضح فكرته في الاختصاص في إشكالات التنفيذ في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فإذا لم يورد نصًا يرتب قاعدة الاختصاص في قانون تحقيق الجنايات القديم إلا أن ذلك لا يعني أن المشرع أراد أن يخرج عن القاعدة التي أوضحها بل يعني أنه أغفل تطبيقًا لها لا تدعو إلى تكراره حاجة ولعل السبب في ذلك أنه لا يتصور حالات كثيرة يحتمل فيها الإشكال في العقوبة بوجهي الإشكال السريع والموضوعي كما في القانون المدني فإذا استشكل في تنفيذ حكم جنائي فإنما يقصد عدم تنفيذه على المستشكل فإذا أوقف التنفيذ فلا يكون ثمة موضوع بين المستشكل والنيابة وإذا أرادت النيابة التنفيذ فإنما بدعوى عمومية يصدر فيها حكم جديد يختلف عن الحكم الأول المستشكل فيه.
ومؤدى رأى الجمهور [(2)] أن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم هي التي تختص بنظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية ولا يختص بها قاضي الأمور المستعجلة لأن موضوع الإشكال لا تختص به المحكمة المدنية أما إذا كانت المحكمة المدنية تختص بموضوع الإشكال لسريان قواعد القانون المدني عليه فيختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الإشكال بوجهه السريع وقد حكم بهذا المبدأ قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 26 يوليه سنة 1933 (محاماة س 14 صـ 46 ع 1).
8 - وقد قضت محكمة مصر الكلية في حكمها الصادر في 4 أكتوبر سنة 1943 المنشور بمجلة المجموعة الرسمية س 44 صـ 215 بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية وقررت قاعدة هامة هي أن (القضاء المستعجل نظام مدني أقامه قانون المرافعات المدنية والتجارية بمقتضى المادتين (28) و(386) منه فبديهي أن يكون بالنسبة للأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى الجنائية التي نظمت إجراءاتها بقوانين أخرى، وليس من المعقول أن الشارع وهو يضع نصوص قانون المرافعات كان يفكر في المسائل الجنائية حتى يقال إنه شرع لها أيضًا في المادتين (28) و(386) ما دام لم يصف الأحكام التي تكلم عنها بأنها الأحكام المدنية والتجارية وإلا على هذا القياس يمكن القول بأن جميع النصوص التي ذكرت الأحكام دون وصف لها تتناول الأحكام كلها من مدنية وجنائية وغيرها وهذا القول لا يمكن الأخذ به على إطلاقه لأن من المقرر أن العمل بأحكام المرافعات لا يكون إلا في المبادئ العامة التي تقتضيها العدالة ولم يرتب لها القانون الجنائي حكمًا خاصًا وليس اختصاص القضاء المستعجل من المبادئ العامة بل هو على النقيض من هذا استثناءً من القاعدة العامة القائلة بأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع فلو لم ينص قانون المرافعات صراحةً على اختصاص القاضي الجزئي بنظر إشكالات التنفيذ الوقتية لكان نظرها من اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم تطبيقًا للقاعدة العامة المذكورة ولقاعدة أخرى هي أن تنفيذ الحكم يعتبر من ملحقات الدعوى الأصلية التي صدر فيها.
وقد قُضي بأن البحث في جواز تنفيذ حكم الغلق على غير المحكوم عليه إذا كان شاغلاً للمحل المحكوم بغلقه هو بحث في شخصية العقوبة التي قضى بها الحكم وهي قاعدة من قواعد العقوبات لا تخضع لأحكام القانون المدني فلا يختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر هذا الإشكال (حكم قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 30 إبريل سنة 1933 محاماة س 14 ع 9 صـ 643).

رأي عكسي:

9 - على أنه وجد في الفقه والقضاء رأي آخر يذهب إلى أن قاضي الأمور المستعجلة يختص بالنظر في الإشكالات في الأحكام الجنائية لأمرين:
أولهما: عموم نص المادتين (28) و(386) مرافعات (قديم) فيختص قاضي الأمور المستعجلة بإيقاف تنفيذ العقوبة المالية كالرد والمصادرة والإزالة والغلق لأن تنفيذها قد يمس حقوق الغير المالية. والقول باختصاص القاضي الجنائي وحده بنظر إشكالات تنفيذ الأحكام الجنائية يتعارض مع عموم نص هاتين المادتين.

ثانيهما: سرعة القضاء المستعجل لوجود خطر في إشكال تنفيذ حكم الغلق أو ما شاكله وهو ما يستدعي سرعة الفصل في الإشكالات الأمر الذي لا يتوافر في القضاء العادي. ويذهب هذا الرأي على ذلك إلى أنه لا يجوز للقاضي المستعجل بحث صحة أو بطلان الحكم الجنائي أو تفسير ما ورد فيه غامضًا من عبارات وإنما يكون له بحث مدى تأثير الحكم الجنائي على حقوق المستشكل المالية إذا كان من الغير (قضاء الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي راتب صـ 644).

أحكام القضاء:

10 - وقد وجد بين أحكام المحاكم بعض الأحكام التي اتجهت إلى الأخذ بهذا الرأي فقضت محكمة إسكندرية الكلية برئاسة القاضي مصطفى مرعي في حكمها الصادر في 13 إبريل سنة 1933 المنشور بمجلة المحاماة س 13 صـ 1034 تحت رقم 511 بأن (الإشكالات التي تعترض تنفيذ الأحكام الجنائية القاضية بعقوبة مالية مثل الرد والمصادرة والإزالة والغلق والهدم تدخل في اختصاص قاضي المواد المستعجلة الذي يقع التنفيذ في دائرته لأن المحاكم الجنائية لا تقضي في الأموال إلا إذا اتصل قضاؤها بالدعوى العمومية ولأن الأحكام الصادرة بعقوبة مالية تفقد صفتها الجنائية بمجرد صدور الحكم بها).

وقضى قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 24 فبراير سنة 1935 المنشور بمجلة المحاماة السنة 15 صـ 411 باختصاص قاضي الأمور المستعجلة طبقًا لنص المادتين (28) و(386) مرافعات بالإشكالات الحاصلة في التنفيذ حتى ولو صدرت من محكمة جنائية متى كان التنفيذ حاصلاً عن عقوبات مالية تمس حقوق الغير كالغلق والمصادرة والإزالة والقول بغير ذلك واختصاص القاضي الجنائي بنظر مثل هذه الإشكالات يتعارض مع نصوص المادتين المذكورتين اللتين قررتا مبدأ عامًا وأصولاً وضوابط لم يرد في قانون تحقيق الجنايات ما يخالفها.

وحكمت محكمة الاستئناف المختلطة باختصاص القضاء المستعجل في الفصل في إشكال التنفيذ الحاصل من أحد الملاك على الشيوع في منزل في تنفيذ حكم صادر من محكمة المخالفات في مواجهة أحد الشركاء بإزالة جزء من مباني المنزل (الغازيت المختلطة عدد 34 رقم 285).

الرد على هذا الرأي:

11 - ويرد على هذا الرأي بالأمور الآتية:

أولاً: إن نص المادتين (28) و(386) من قانون المرافعات المدنية (القديم) خاص بالأحكام المدنية والتجارية ولا يسري على الأحكام الجنائية التي نظمت إجراءاتها لقوانين أخرى.

ثانيًا: أما حجة سرعة فصل القضاء المستعجل فهي حجة ضعيفة لأن الإجراءات الجنائية بطبيعتها أسرع من الإجراءات المدنية وليس هناك خطر على الأفراد بل الخطر من عدم الفصل سريعًا في الإشكال في الأحكام الجنائية إنما هو على النيابة. ويمكن للنيابة العامة وهي التي تقوم بالتنفيذ أن تحدد أقرب جلسة لنظر الإشكال في التنفيذ.

ثالثًا: إن عقوبة الإغلاق أو المصادرة عقوبة تكميلية عندما يُقضى بها مع الغرامة فالحكم بها لا يمكن اعتباره من قبيل الفصل في حقوق مدنية ولا تفقد العقوبة التكميلية بعد الحكم صفتها كعقوبة.

رابعًا: أصحاب هذا الرأي يتناقضون فإنهم يسلمون بقاعدة أن قاضي الأمور المستعجلة فرع من المحكمة التابع لها يتقيد في اختصاصه بالحكم في الإجراءات الوقتية بنفس القيود والأوضاع التي تحد من اختصاصها سواء ما بُني على الفصل بين السلطات الإدارية والقضائية أو ما أسس على اختلاف درجات القضاء أو أنواعه [(3)] (راجع حكم مصر الكلية 4/ 10/ 1943 مجموعة رسمية س 44).

خامسًا: ولا يمكن القول بأن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإشكال في العقوبة المالية كالرد أو المصادرة أو الإزالة أو الإغلاق لمساسها بحقوق الغير المالية ولأن المحاكم المدنية هي صاحبة الولاية العامة على المال وليس للمحاكم الجنائية أن تمس الأموال بأحكامها فإن هذا القول ظاهر البطلان ولا سند له في القانون.

في نصوص قانون الإجراءات الجنائية:

12 - هذا ما كان عليه الفقه والقضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد وكان الرأي الراجح هو عدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة (كقاعدة عامة) في نظر الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية، وكان مثار هذا الخلاف هو خلو قانون تحقيق الجنايات من نصوص تبين الجهة المختصة في نظر هذه الإشكالات.

ولكن قانون الإجراءات الجنائية الجديد قد تضمن نصوص المواد (524) و(525) و(526) و(527) بينة الإجراءات في حالة الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية.

فقضت المادة (524) منه بأن (كل إشكال من المحكوم عليه في التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ومع ذلك إذا كان النزاع خاصًا بتنفيذ حكم صادر من محكمة الجنايات يُرفع إلى غرفة الاتهام بالمحكمة الابتدائية).

ونصت المادة (525) على أنه (يقدم النزاع إلى المحكمة بواسطة النيابة العامة على وجه السرعة ويعلن ذوو الشأن بالجلسة التي تحدد لنظره وتفصل المحكمة فيه في غرفة المشورة بعد سماع النيابة العامة وذوي الشأن، وللمحكمة أن تجري التحقيقات التي ترى لزومها ولها في كل الأحوال أن تأمر بوقف التنفيذ حتى يفصل في النزاع وللنيابة العامة عند الاقتضاء وقبل تقديم النزاع إلى المحكمة أن توقف تنفيذ الحكم مؤقتًا).

وجاء بالمادة (526) منه أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين).

ثم نصت المادة (527) على أنه (في حالة تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب التنفيذ عليها يرفع الأمر إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات.

13 - وقد حسم المشرع بهذه النصوص ذلك الخلاف الذي كان قائمًا في عهد قانون تحقيق الجنايات بشأن الجهة المختصة بالفصل في النزاع الذي يقع بين النيابة والمحكوم عليهم وغيرهم بشأن تنفيذ الأحكام الجنائية.

وجاء في المذكرة الإيضاحية وتقرير مجلس الشيوخ عن هذه النصوص أن كل إشكال في التنفيذ يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المتعلق به هذا الإشكال، أما إذا كان التنفيذ يجري على أموال المحكوم عليه على مقتضى قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية فيتبع بشأن ما يحصل فيه من إشكال أو نزاع ما هو مقرر في القانون المذكور، وظاهر أن تنفيذ الأحكام المالية بطريق الحجز على أموال المحكوم عليه يكون أما بالطرق المقررة في قانون المرافعات أو بالطرق الإدارية المقررة لتحصيل الأموال الأميرية وفي الحالتين إذا قام نزاع من غير المتهم بشأن الأموال المطلوب الحجز عليها كأن ادعى ملكيتها فيرفع هذا الإشكال إلى المحكمة المدنية طبقًا لما هو مقرر في قانون المرافعات، أما إذا كان الإشكال يتعلق بالحكم نفسه من حيث مضمونه أو من حيث قابليته للتنفيذ فإنه يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو المحكمة الابتدائية حسب الأحوال.

14 - ومؤدى هذه النصوص والمذكرة الإيضاحية أن إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية تختص بها كقاعدة عامة المحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ما لم يكن الحكم المستشكل فيه حكمًا ماليًا أي بالغرامة أو بالتعويض ويكون التنفيذ به على مقتضى قانون المرافعات أي بطريق الحجز أو بالطرق الإدارية لتحصيل الأموال الأميرية فيرفع الإشكال في هذه الحالة إلى المحكمة المدنية.

15 - ولا يدخل في عبارة الأحكام المالية الواردة في المادة (527) إجراءات التعويضات التكميلية كالهدم والغلق والمصادرة والإزالة إذ هذه العقوبات شخصية وليست لها صفة (المالية) كالغرامة ولأنها لا يمكن أن تكون محلاً للتنفيذ بالطريق المدني أو الإداري.

وعلى ذلك فلا تشمل المادة (527) حالة التنفيذ بالعقوبة التكميلية بغير طريق التنفيذ المدني بل بطريق التنفيذ الجنائي للعقوبة.

16 - وإذا كان تنفيذ حكم الغرامة بالطريق الجنائي كالإكراه البدني فلا يجوز الاستشكال فيه أمام القضاء المدني المستعجل بل يكون الإشكال فيه أمام المحكمة التي أصدرت الحكم.

وقد نص في المادة (526) من قانون الإجراءات على أنه (إذا حصل نزاع في شخصية المحكوم عليه يفصل في ذلك النزاع بالكيفية والأوضاع المقررة في المادتين السابقتين وهي (م (524) و(525)) أي تنظره المحكمة التي أصدرت الحكم) مع أن هذا الإشكال يكون مرفوعًا من غير المحكوم عليه الأمر الذي يؤكد ما وضح في المذكرة الإيضاحية من أن المادة (527) خاصة بحالة الإشكال المرفوع من غير المحكوم عليه عن حكم جنائي مالي - بالغرامة أو بالتعويض - ويكون التنفيذ به بالطريق المدني أو الإداري وليس بالطرق الجنائية.

17 - ويرى الدكتور علي زكي العرابي أنه لا فرق بين عقوبة الغرامة والمصادرة وبين باقي العقوبات المقيدة للحرية لأنها كلها وإن اختلفت أشكالها عقوبات جنائية وضعت لغرض واحد وهو تأديب الجاني ولا تصدر إلا من محكمة واحدة وهي المحكمة الجنائية وعقوبة الغرامة لا تسقط إلا بالمادة المسقطة للعقوبات لا بالمادة المقررة للديون وتنفذ بالإكراه فالصفة الجنائية ملازمة لها في كل أدوارها ولا يفهم القول بأن الحكم يكون بمثابة حكم مدني ولذلك يرى أن الإشكال في تنفيذها يجب أن يُرفع للمحكمة الجنائية شأن الإشكال في تنفيذ أية عقوبة أخرى خصوصًا وأن نص المادة (524) لم يجز بين نوع وآخر من العقوبات.

18 - أما صاحب الرأي العكسي الأستاذ محمد علي راتب فقد رأى أن مؤدى نصوص قانون الإجراءات الجنائية أنه إذا كان الإشكال من المحكوم عليه تختص المحكمة التي أصدرت الحكم الجنائي وحدها فتنظر الإشكال في العقوبات المالية والبدنية، أما إذا كان الإشكال من الغير في تنفيذ الأحكام المالية على أموال المحكوم عليه فيختص قاضي الأمور المستعجلة وإن كانت المادة (527) قد ذكرت عبارة المحكمة المدنية فإن قاضي الأمور المستعجلة فرع منها وفق المادة (49) من قانون المرافعات (كتاب قاضي الأمور المستعجلة لراتب صـ 647 طبعة 1952) ولم يفسر الأستاذ راتب عبارة الأحكام المالية الواردة بالمادة (527) إجراءات ولم يوضع هذا النص وفق المذكرة الإيضاحية والأعمال التحضيرية.

19 - وقد قضت محكمة النقض أخيرًا في دائرتها الجنائية بتاريخ 9 مارس سنة 1953 في القضية رقم (1341) سنة 22 قضائية في طعن رفع عن حكم صادر من المحكمة الجنائية برفض الإشكال المرفوع في تنفيذ حكم غلق من الغير فقالت (إذا كان الحكم المطعون فيه الصادر برفض الإشكال في تنفيذ حكم بإغلاق محل قد أثبت أن رخصة المحل التي يستشكل الطاعن في الحكم الصادر بإغلاقه ليست باسم المستشكل وإنما هي باسم الذي حرر ضده محضر المخالفة وصدر عليه الحكم بالغرامة والإغلاق فإن إجراءات المخالفة تكون صحيحة ولا يكون للطاعن صفة في رفع هذا الإشكال ويكون قضاء الحكم المطعون فيه برفضه قضاءً سليمًا) (راجع مجموعة الأحكام الجزء الرابع الدائرة الجنائية صـ 597).

ويُستفاد من هذا الحكم بجلاء:

أولاً: إن المحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم الجنائي بالغلق هي المختصة بنظر الإشكال مع رفعه من الغير، ولو كانت المحكمة غير مختصة لنقضت محكمة النقض الحكم لأن هذا الاختصاص من النظام العام.

ثانيًا: إن نظر الإشكال في تنفيذ حكم الغلق يمس إجراءات المخالفة والمحاكمة الجنائية فتختص به المحكمة التي أصدرت الحكم.

20 - وقضت محكمة أسيوط الابتدائية (الدائرة المستعجلة) بأن (قاضي الأمور المستعجلة غير مختص بنظر الإشكالات عن إيقاف أحكام الإزالة وبديهي أن المادة (479/ 1) مرافعات تسري في المواد المدنية والتجارية فقط لا في الدعاوى الجنائية التي نظمتها إجراءات بقوانين أخرى).

(صدر هذا الحكم في القضية رقم 894 سنة 1950).

21 - ولا يمكن القول بأن العقوبات التكميلية شخصية بمعنى أنه لا يمكن التنفيذ بها في مواجهة الغير إذ قضت محكمة النقض في 20/ 11/ 1950 في القضية رقم (192) سنة 20 قضائية بأن (المبدأ المقرر في القانون الجنائي المعروف بشخصية العقوبة بمعنى عدم تجاوزها شخص المحكوم عليه وممتلكاته، هذا المبدأ لا يطوي العقوبات التكميلية فإنه يجرى تنفيذها في مواجهة الغير متى كان موضوع الدعوى ماسًا بالأمن أو النظام العام أو مصلحة المجتمع أو يكون للعقوبة التكميلية هنا صفة عينية لا شخصية فهي تدبير وقائي ضد شخص معين).

22 - على أن البحث في إشكال تنفيذ حكم الغلق مثلاً ولو كان من الغير يتصل بأصل الحق أي بموضوع المحاكمة وهو ما يمنع قاضي الأمور المستعجلة عن الفصل فيه، فإذا ما أصر قاضي الأمور المستعجلة على اختصاصه بنظر الإشكال في تنفيذ حكم جنائي بالغلق فإنه لا يلبث أن يقضي برفض الإشكال موضوعًا لأنه يجره البحث إلى التعرض لأصل الحق وكان الأولى به أن يقضي بعدم اختصاصه.

مثال ذلك: قُضي بأن (تنفيذ حكم الغلق الصادر وفق القانون (13) سنة 1904 يكون على نفقة المخالف المحكوم عليه ولكن تنفيذه يكون في الوقت نفسه على المحل موضوع المخالفة ولو كان مستعمله وقت التنفيذ شخصًا آخر خلاف المحكوم عليه يكون قد استأجره من المالك أو انتفع به بإذنه وعلى المالك أن يسوي شؤونه مع هذا المستأجر أو مستعمل المحل طبقًا لما هو منصوص عليه في المادة (8) من اللائحة المرفقة بالقانون المذكور وعلى ذلك لا يقبل من هذا المستأجر أو المنتفع الاستشكال في تنفيذ الغلق على المحل بحجة أنه شخص آخر غير المحكوم عليه) (قاضي مستعجل مصر 11 نوفمبر سنة 1935 محاماة س 16 ع 5 صـ 530) أليس هذا تعرض لأصل الحق وإجراءات المحاكمة.

مثال آخر: وهذا ما قضت به محكمة بني سويف الجزئية في قضية الإشكال رقم (596) سنة 1954 مدني بني سويف في 13 مارس سنة 1954 في إشكال مرفوع من الغير عن حكم غلق فبعد أن حكمت باختصاصها بنظره على أساس أن أحكام الغلق في رأيها تدخل ضمن عبارة (الأحكام المالية) الواردة بالمادة (527) من قانون الإجراءات قضت برفض الإشكال موضوعًا على أساس عدم جدية استئجار المستشكل للمحل المراد غلقه وعدم ثبوت تاريخ عقد الإيجار. ومع أن هذا الحكم معيب فما ذهب إليه من أن عبارة الأحكام المالية الواردة في المادة (527) إجراءات تشمل أحكام الغلق والمصادرة والإزالة مع أن المقصود بها أحكام الغرامة أو أحكام التعويض المدني الصادرة من المحاكم الجنائية ويكون تنفيذها بالطريق المدني أو الإداري دون الطرق الجنائية للتنفيذ - مع ذلك ألا يعد تعرض المحكمة لبحث حق المستشكل في إلغاء الغلق من عدمه مساس بموضوع المحاكمة التي صدر فيها حكم الغلق الأمر الذي كان يستوجب من المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها لمساس الإشكال بموضوع الحق.

أحكام التعويض الصادرة من المحاكم الجنائية:

23 - تختص المحكمة الجنائية بالفصل في التعويضات التي يطلبها المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم عند فصلها في الدعوى الجنائية وذلك ما لم ترَ المحكمة أن الفصل في هذه التعويضات يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية، فعندئذٍ تحيل المحكمة الدعوى إلى المحكمة المدنية بلا مصاريف (م 309 إجراءات - الدكتور علي زكي العرابي الجزء الثاني صـ 26).

24 - وإن كانت الدعوى المدنية تتبع الدعوى الجنائية فذلك بالنسبة للاختصاص فقط ولكنها تبقى مستقلة عنها فيما يختص بإجراءات الإثبات وحضور الخصوم وغيابهم وما يترتب على ذلك من آثار.

وقد قُضي بأن (الفكرة التشريعية من ضم الدعوى المدنية للدعوى العمومية في قضاء واحد توجب أن تخضع الدعوى المدنية لجميع قواعد الإجراءات التي تحكم سير الدعوى أمام المحكمة الجنائية وصدور الحكم فيها وطرق الطعن فيه ومواعيده إلا أن هذه الوحدة تنتهي عند هذا الحد، فإذا صدر الحكم في الدعوى المدنية من المحكمة الجنائية فإنه يقرر حقًا مدنيًا يخضع لأحكام القانون المدني من حيث سقوطه أو بقاؤه ومن حيث تنفيذه على مال المدعى عليه وما إلى ذلك (وبذلك لا يستلزم مجرد صدور الحكم في الدعوى المدنية من المحكمة الجنائية أن تختص بالفصل في كل ما يعترض تنفيذه من الصعوبات. وإن صح ذلك في كل ما يمس الحق وموضوعه مساسًا يرجع إلى أحكام القانون المدني فإن قاضي الأمور المستعجلة هو الهيئة الطبيعية للفصل في ذلك) (قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر 20 أكتوبر سنة 1932 محاماة س 14 ع 5 صـ 371). أما إن مس الإشكال أي إجراء من إجراءات المحاكمة فلا يختص القضاء المستعجل بنظر الإشكال.

وتطبيقًا لهذه القاعدة نعالج اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بإشكالات التنفيذ عن الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية في الدعاوى المدنية بالتعويض في حالين:

أولاً: حالة سقوط الحكم الغيابي المدني بمضي ستة شهور:

25 - كانت المادة (344) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (يبطل الحكم الصادر في غيبة الخصم ويعد كأنه لم يكن إذا لم يحصل تنفيذه في بحر ستة أشهر من تاريخه) ثم جاءت المادة (393) من قانون المرافعات الجديد تنص على أنه (يصبح الحكم الغيابي كأن لم يكن إذا لم يعلن خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره).

ولم يرد في قانون الإجراءات الجنائية نص يوضح مصير الحكم الصادر من المحكمة الجنائية بالتعويض غيابيًا دون أن يعلن خلال ستة شهور من تاريخ صدوره ورأى الدكتور علي زكي العرابي أن نص المادة (393) مرافعات جديد لا ينطبق على الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية سواء فيما يتعلق بالدعوى المدنية أو الجنائية (المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية الجزء الثاني بند 26).

فلا يختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر إشكالات التنفيذ عن أحكام التعويض الغيابية الصادرة من المحاكم الجنائية استنادًا على مضي ستة شهور دون إعلانه (تطبيقًا للمادة (393) مرافعات على فرض سريان هذه المادة على أحكام التعويض الصادرة من المحكمة الجنائية) لأن سقوط الحكم بمضي ستة شهور هو جزاء يلحق إجراءً من إجراءات الدعوى وهو الحكم فيها فيسقطه دون تأثير على الحق في ذاته ولا ما اتخذ من إجراءات والبحث في ذلك الشق المدني وأثره على الحكم الجنائي القاضي بالتعويض من اختصاص المحكمة الجنائية التي أصدرته وعن عملها لتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية في الاختصاص ويكون الحكم الصادر إجراء من إجراءاتها (راجع قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر 10 نوفمبر سنة 1932 محاماة س 15 صـ 279).

ثانيًا: حالة سقوط التعويضات بمضي المدة:

26 - قضت المادتان (234) و(259) إجراءات على أن الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة تنقضي بمضي المدة المقررة في القانون المدني وعلى أن الأحكام المقررة لمضي المدة في القانون المدني هي التي تتبع فيما يختص بسقوط التعويضات المحكوم بها نهائيًا من المحكمة الجنائية، وتسقط أحكام التعويضات بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الحكم النهائي بها، إلا أن المادة (395) من قانون الإجراءات تنص على أنه إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتمًا الحكم السابق صدوره سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التضمينات ويعاد نظر الدعوى أمام المحكمة وإذا كان الحكم السابق بالتضمينات قد نفذ (لجواز تنفيذه قرر صدوره وفق المادة 385 إجراءات) تأمر المحكمة برد المبالغ المتحصلة كلها أو بعضها.

وقاضي الأمور المستعجلة كما قدمنا يختص بإشكالات التنفيذ في أحكام التعويض فيما يتصل بالحق المدني في موضوعه فيختص بإشكال التنفيذ المستند على سقوطه بمضي المدة لأن ذلك يخضع لأحكام القانون المدني ولاختصاص المحكمة المدنية وقاضي الأمور المستعجلة فرع منها. (راجع قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر 10 نوفمبر سنة 1932 محاماة س 15 صـ 279).

27 - على أننا لا نرى اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الإشكال في تنفيذ حكم بالتعويض صادر من محكمة الجنايات غيابيًا عند تنفيذه بعد حضور المحكوم عليه أو القبض عليه لأن سقوط الحكم سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التضمينات يعد إجراء من إجراءات الدعوى وهو الذي تختص به المحكمة الجنائية. وتكون غرفة الاتهام بالمحكمة الابتدائية هي المختصة لنظر مثل هذا الإشكال.

أثر رفع الإشكال في الأحكام الجنائية:

28 - ورفع الإشكال في الأحكام الجنائية لا يوقف تنفيذ الحكم لأن المادة (525) إجراءات قد أعطت حق الأمر بوقف التنفيذ للنيابة العامة عند الاقتضاء أن توقف تنفيذ الحكم مؤقتًا ولو قبل تقديم الإشكال إلى المحكمة.

كما أن للمحكمة الجنائية التي تنظر الإشكال وهي التي أصدرت الحكم أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم المستشكل فيه حتى يفصل في النزاع (م 525 فقرة أولى إجراءات).

اعتراض المحضر عند تنفيذ الحكم الجنائي:

29 - يحدث أحيانًا أن يثير المحضر عند تنفيذ حكم جنائي بالغلق أو الإزالة مثلاً ويمتنع عن تنفيذ العقوبة التكميلية بحجة أن إشكالاً قد رُفع ولم ترَ النيابة العامة أو المحكمة التي أصدرت الحكم وقف التنفيذ بعد رفع الإشكال فيلجأ إلى قاضي المحكمة الجزئية أو قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة لاستصدار تأشيرة منه على الأوراق بوقف التنفيذ فهل للمحضر ذلك التصرف أم لا وهل الأمر الذي يصدره قاضي الأمور الوقتية أو القاضي الجزئي أمر قضائي أم لا ؟

قُضي بأنه (إذا امتنع قلم المحضرين عن تنفيذ حكم مدني وعرض الأمر على قاضي المحكمة الجزئية فأقر قلم المحضرين على رأيه فلا يعتبر هذا الأمر من القاضي قضاءً فاصلاً في موضوع النزاع لا لشيء إلا لأن الدعوى لم تُرفع بذلك ولا يعد أمرًا صادرًا على عريضة بما للقاضي من سلطة الفصل في الأمور الوقتية لأن العريضة لم تقدم ولأن الاستمرار في التنفيذ أو إيقافه هو نزاع محله دعوى تُرفع بالطريق العادي أو بالاستشكال لا بأمر يصدر على عريضة فالأمر لم يصدر من القاضي بما له من السلطة القضائية أو الولائية بل بصفة إدارية باعتباره رئيسًا للمحكمة تطبيقًا للمادة (383) مرافعات (قديم) ومحل تنفيذ هذه المادة أن يكون الامتناع عن التنفيذ ناشئًا عن أسباب إدارية أو شكلية فإذا استند إلى نزاع في الموضوع أو القانون امتنع على القاضي الفصل فيه بناءً على شكوى من صاحب الشأن ووجب أن تُرفع بذلك دعوى إلى المحكمة المختصة (حكم قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر في 1/ 6/ 1936 محاماة س 16 صـ 970 ع 9 و10).

30 - وفي قانون المرافعات الجديد نصت المادة (458) منه على أن (المحضرون ملزمون بإجراء التنفيذ بناءً على طلب ذي الشأن متى سلمهم السند التنفيذي، فإذا امتنع المحضر جاز لطالب التنفيذ أن يرفع أمره إلى رئيس المحكمة أو إلى قاضي المواد الجزئية التابع لها المحضر)، وهو يماثل حكم المادة (383) القديمة ومحله كذلك أن يكون النزاع بين صاحب الشأن والمحضر الممتنع عن التنفيذ مبنيًا على أسباب إدارية أو شكلية أما إذا كان امتناع المحضر مبني على نزاع في الموضوع أو القانون لا يجوز لرئيس المحكمة أو القاضي الجزئي أن يفصل في امتناع المحضر كشكوى صاحب الشأن وإنما ينبغي رفع دعوى بذلك إلى المحكمة المختصة.

31 - هذا هو الحكم في إشكالات التنفيذ في الأحكام المدنية فمن باب أولى - والمحاكم المدنية إجمالاً لا اختصاص لها في إشكالات تنفيذ الأحكام الجنائية - لا يجوز للمحضر أن يمتنع عن تنفيذ الحكم الجنائي فيما يختص بالعقوبة التكميلية كالغلق أو الإزالة.

ولا يجوز لرئيس المحكمة أو القاضي الجزئي الفصل في صحة هذا الامتناع من عدمه وإنما يكون للمحكمة الجنائية التي أصدرت الحكم عندما يعرض عليها الإشكال في التنفيذ أن تنظر فيما يثيره قلم المحضرين من إشكال حول التنفيذ. وقضت بمثل ذلك محكمة بني سويف الابتدائية في غرفة المشورة في التظلم المرفوع من النيابة العامة عن الأمر الصادر من وكيل المحكمة بوقف تنفيذ حكم غلق في المخالفة المستأنفة رقم (138) سنة 1953 بني سويف وقد قضت المحكمة في هذا الحكم بأنه (لا سبيل للاحتجاج بنص المادة (480) مرافعات التي تنص على أنه إذا عرض عند التنفيذ إشكال وطلب رفعه إلى قاضي الأمور المستعجلة فللمحضر أن يوقف التنفيذ أو أن يمضي فيه على سبيل الاحتياط مع تكليف الخصوم في الحالتين الحضور أمام القاضي وفي جميع الأحوال لا يجوز للمحضر أن يتم التنفيذ قبل أن يصدر القاضي حكمه. فإنه فضلاً عن أن هذه المادة قد وردت في قانون المرافعات لتطبيقها على المسائل المدنية فإنها تطلبت من المحضر عندما يعرض له إشكالاً عند التنفيذ عرض الأمر على القاضي (أي المحكمة) بدلالة قول المادة قبل أن يصدر القاضي حكمه ومن ثم فما كان للمحضر أن يعرض الأمر على وكيل المحكمة ليفصل فيه سلطته الإدارية التي لا أساس لها من القانون).

خلاصة البحث:

32 - وجماع ما تقدم أن الاختصاص بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية يكون كقاعدة عامة للمحكمة التي أصدرت الحكم وهي المحكمة الجنائية ولغرفة الاتهام إذا كان الحكم المستشكل فيه صادرًا من محكمة الجنايات، وهذه القاعدة عامة بالنسبة للإشكال من المحكوم عليه أو من الغير على أنه يستثنى من هذه القاعدة ثلاث حالات:

1 - حالة الإشكال في تنفيذ حكم بالغرامة بطريق التنفيذ المدني وفق قانون المرافعات على أموال الغير ففي هذه الحالة يختص قاضي الأمور المستعجلة بنظر الإشكال.

2 - حالة الإشكال في تنفيذ حكم التعويض الصادر من المحكمة الجنائية نهائيًا بطريق التنفيذ على مقتضى قانون المرافعات على أموال الغير فيختص بنظره في هذه الحالة قاضي الأمور المستعجلة.

3 - حالة الإشكال في الحكم الصادر بالتعويض من المحكمة الجنائية نهائيًا على أساس سقوط التضمينات بمضي المدة فيختص بنظر الإشكال في هذه الحالة قاضي الأمور المستعجلة.

كما نخلص من ذلك البحث إلى أن الإشكال في الأحكام الجنائية لا يترتب على رفعه وقف تنفيذ الحكم ما لم ترَ النيابة العامة أو المحكمة التي تنظر الإشكال وقف التنفيذ حتى يفصل في الإشكال وإلى أن المحضر لا يجوز له الامتناع عن تنفيذ العقوبات التكميلية إذا أثير إشكال بشأنها إلا بعرض الأمر على المحكمة المختصة بنظر الإشكال.

________________________________________

[(1)] راجع حكم محكمة مصر الكلية في 22/ 6/ 1932 محاماة س 13 صـ 912 في إشكالات تنفيذ الأحكام الشرعية.

[(2)] يرى جرافولان أن الاختصاص في كل إشكال في التنفيذ يكون للمحكمة التي أصدرت الحكم فهي أولى المحاكم بالاختصاص قياسًا على (م 386) مرافعات قديم ولم يعنَ بالتفرقة بين اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم وقاضي الأمور المستعجلة في نظر إشكالات التنفيذ مع أن المادة (386) مرافعات جعلت الاختصاص للمحكمة التي أصدرت الحكم عند الفصل في موضوع النزاع بين الطرفين في الإشكال لا في وجهه السريع بالإيقاف أو الاستمرار في التنفيذ.

[(3)] راجع حكمي قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر (القاضي محمد علي راتب) في 7 مارس سنة 1935 و13 يناير سنة 1936 المنشورين الأول بمجلة المحاماة س 15 صـ 521 والثاني بمجلة المحاماة س 16 صـ 427).

أخطاء لغوية شائعة فى الكتابة القانونية

فيما يلي بيان ببعض الأخطاء اللغوية الشائعة فى الكتابة القانونية ، التى رصدها واعد تصويباتها المكتب الفنى لهيئة قضايا الدولة ، و عرضها على مجمع اللغة العربية للتأكد من صحتها ، فأقرها المجمع الموقر واعتمدها .
وتم تعميمها في منشور رقم 6 لسنة 2010
1 ـ كلمة (ثمة) تعنى هناك ويكثر استعمالها خطأً بمعنى (أى) فكثيراً ما تقول محكمة الجنح : " و حيث إن المتهم لم يحضر ولم يدفع الدعوى بثمة دفع أو دفاع .." أو تختتم بعض مذكرات دفاع الدولة بعبارة : " نطلب الحكم بعدم إلزام الدولة بثمة مصروفات" والصحيح أن تحل كلمة (أى أو أية) محل ثمة . ( جاء فى المعجم الوجيز ص 88 أن (ثم) : اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هُناك ، وقد تلحقه التاءُ ، فيقال : ثَمةَ ) قال تعالى (و لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) سورة البقرة الآية 115 .
2 ـ يقال عادة : " استنفذت المحكمة ولايتها فى الفصل فى الدعوى " بمعنى انقضت ولايتها وزالت سلطتها فى الفصل فيها وصحتها (استنفدت) لقول الله عز وجل : " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا " سورة الكهف الآية 109 ( جاء فى المعجم الوجيز ص 626 استنفد : يقال استنفد الأمر أغراضه : حققها و لم يبق داع لوجوده . النفاد : الفناء ) و هذا هو المعنى المراد قانونا .
3 ـ يقال عادة : " نفس الدعوى " أو " نفس المدعى " و صحة ذلك ( الدعوى نفسها أو المدعى نفسه) ؛ لأن كلمة نفس أداة توكيد والمؤكد بفتح الكاف يأتى دائماً قبل المؤكد بكسرها ، فمثلا لا يصح أن تقول : رأيتُ عين الرجل أو نفس الرجل الذى رأيته بالأمس . ولكن تقول : رأيتُ الرجل عينه أو نفسه الذى رأيتُه بالأمس .
4 ـ أحيانا يقال: صدر حكماً و هذا خطأ . و الصواب صدر حكمٌ ؛ لأن كلمة حكم هنا فاعل مرفوع بالضمة. و قد يرد على ذلك بالقول بأنه كيف يكون الحكمُ فاعلاً ؟ و نقول : الفاعل عند اللغويين هو من قام بالفعل أو ما أُسند إليه الفعل ، و الفعل هنا أُسند الى الحكم فيكون فاعلا . كما تقول سقط الحائط و ارتفع البناء فكل من الحائط والبناء هنا فاعل مرفوع بالضمة .
5 ـ كلمة (دعوى) عند تثنيتها يخطىء بعضهم فيقول: دعوتان . و صحتها دعويان . فدعوتان تثنية دعوة ويلاحظ إنه عند رفع الكلمة تكون دعويان و عند جرها و نصبها نقول دعويين ؛ لأنها مثنى يرفع بالألف و ينصب و يجر بالياء فمثلا نقول:
رفع المدعى الدعويين(نصب) ،
و قضت المحكمة فى الدعويين(جر) ،
و الدعويان لم يفصل فيهما بعد(رفع) .
6 ـ يكتب بعضهم كلمات مثل : بناءا عليه ، وفاءا ، قضاءا ، بإضافة حرف ألف بعد الهمزة و هذا خطأ و الصحيح أن تحذف الألف فى نهاية الكلمة فتكتب هكذا بناءً ، قضاءً ، وفاءً ؛ فالقاعدة أنه إذا وقعت الهمزة متطرفة قبلها ألف لا يكتب بعدها ألف .
7 ـ جمع المذكر السالم هو الجمع الذى ينتهى بحرفى الواو و النون وهو يرفع بالواو و ينصب و يجر بالياء فمثلا نقول :
- فى حالة الرفع : رفع المدعون/المستأنفون/الطاعنون دعوى/استئناف/طعنا
ـ و فى حالة النصب: استجوبت المحكمة المدعين /المستأنفين/الطاعنين
ـ و فى حالة الجر: استخلصت المحكمة من أقوال المدعين /المستأنفين/الطاعنين دليلا ضدهم ـ عدم رد الحكم على دفاع المدعين /المستأنفين/الطاعنين يعيبه .
8 ـ نصادف فى العمل كثيرا كلمة (قضاء) عندما تتصل بضمير الغائب الهاء، فيحار بعضهم فى كتابتها قضاؤه أم قضائه أم قضاءه . و وضع الهمزة هنا يكون بحسب الإعراب ، فعند النصب توضع الهمزة على السطر و عند الجر توضع على نبرة و عند الرفع توضع على الواو ، فتكتب كالتالى:
شيدت المحكمة قضاءها على دليل مستمد من الأوراق (نصب)
ـ استندت المحكمة فى قضائها الى دليل مستمد من الأوراق (جر)
ـ كان قضاؤها مبنيا على دليل مستمد من الأوراق (رفع )
9 ـ يستعمل لفظ "استبدل" خطأً و القاعدة أن الباء تدخل على المتروك. قال تعالى (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) سورة البقرة الآية 61
مثال : استبدل قانون المحاكم الاقتصادية المحكمة الاقتصادية بالمحكمة العادية.

كتاب دوري رقم 1 لسنة 2010 بشأن تنفيذ عقد رهن المحل التجاري

وزارة العدل
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي

كتاب دوري رقم 1 لسنة 2010
بشأن تنفيذ عقد رهن المحل التجاري
لما كان نص المادة104 من القانون رقم 88 لسنة 2003 بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي جرى على انه : " يعد عقد الرهن التجاري للمحال التجارية التي تقدم ضماناً للتمويل والتسهيلات الائتمانية المقدمة من أحد البنوك – بعد توثيقه – سندا تنفيذيا في تطبيق أحكام المادة 280 من قانون المرافعات المدنية والتجارية " .
ومن ثم فإن هذا النص اعتبر عقد رهن المحل التجاري المقدم ضمانا للتمويل والتسهيلات الائتمانية المقدمة من أحد البنوك سندا تنفيذيا . إذا توافرت فيه الشروط الآتية :
1 – أن يكون ضمانا للتمويل أو لتسهيلات ائتمانية .
2 – أن يكون صادرا لأحد البنوك
3 – أن يكون موثقا .
وإذ كانت المادة السادسة من القانون 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية قد جرى نصها على انه فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة .
تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها بنظر المنازعات التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين الآتية :
13 – قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد
وتختص الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية دون غيرها بالنظر ابتداء في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة .
فانه يترتب على ذلك :
1 - أن عقد رهن المحل التجاري الصادر لصالح أحد البنوك بالشروط السابقة يعد سندا تنفيذيا يغني عن الالتجاء إلى إجراءات بيع المحل التجاري المنصوص عليها في القانون رقم 11 لسنة 1940 وتبدأ إجراءات التنفيذ على المحل بتقديم هذا السند إلى قاضي التنفيذ بالمحكمة الاقتصادية للحصول على الصيغة التنفيذية.
2 - أن الاختصاص في الفصل في الأنزعة المتعلقة به ينعقد للمحاكم الاقتصادية دون غيرها .
لذلك فإننا ندعو السادة القضاة إلى مراعاة ما تقدم فيما يعرض عليهم من أنزعة .
تحريرا في 17/1/2010
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / محفوظ صابر

اختصاص المجلس الخاص بتعيين المندوبين المساعدين بمجلس الدولة

قضية رقم 1 لسنة 32 قضائية المحكمة الدستورية العليا "تفسير"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة المنعقدة يوم الأحد 14 مارس سنة 2010 م ، الموافق 28 من ربيع أول سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد القادر عبد الله وماهر سامى يوسف والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت القرار الآتى
فى الطلب رقم واحد لسنة 32 قضائية " تفسير "
المقدم من
- السيد المستشار وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من فبراير 2010 ، ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار وزير العدل بطلب تفسير نصى البند (1) من المادة (73) ، والفقرة الثالثة من المادة (83) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ، وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء .
وبعد تحضير الطلب أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن السيد رئيس مجلس الوزراء قد طلب تفسير البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة الذى ينص على أنه : يشترط فيمن يعين عضواً فى مجلس الدولة (1) أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة ، وكذا تفسير الفقرة الثالثة من المادة (83) من القانون ذاته والتى يجرى نصها كالتالى : " ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية " وأوضح رئيس مجلس الوزراء بأنه قد ثار خلاف بين المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس بشأن تطبيق هذين النصين فيما يتعلق بمدى جواز تعيين السيدات فى وظيفة مندوب مساعد بالمجلس ، وصاحب السلطة فى الموافقة على هذا التعيين حال جوازه وما إذا كانت هذه السلطة للمجلس الخاص وحده ، ومدى خضوعه فى ممارسته لها لرقابة الجمعية العمومية للمجلس ، نظراً لما لهذه المسألة من أهمية بالغة تتصل بالمبادئ الدستورية ومن أهمها حقوق المواطنة والمساواة مما يستلزم ضرورة الوقوف على التفسير الصحيح لهذين النصين ذلك أن المجلس الخاص وافق على جواز تعيين السيدات بالوظائف القضائية بالمجلس باعتباره مختصا بذلك وأعلن بالفعل فى 24/8/2009 عن فتح باب تقدم السيدات للتعيين فى وظيفة مندوب مساعد بالمجلس ، فى حين رفضت الجمعية العمومية فى 15/2/2010 ذلك الأمر بحسبانه داخلاً فى اختصاصها ، وأضاف رئيس مجلس الوزراء فى كتابه إلى وزير العدل ، أنه لما كانت المحكمة الدستورية العليا وفقاً لقانونها هى المختصة بتفسير نصوص القوانين إذا أثارت خلافاً فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها ، فإنه يطلب اتخاذ إجراءات عرض طلب التفسير على المحكمة الدستورية العليا لتصدر قرارها بتفسير نص البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة لبيان ما إذا كانت لفظة " مصرياً " الواردة به تتسع للمصريين من الجنسين ، أم تنحصر فى الذكور منهم دون الإناث ، وتفسير نص الفقرة الثالثة من المادة (83) من القانون ذاته ، لبيان ما إذا كانت سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة فى شأن تعيين المندوبين المساعدين بالمجلس هى سلطة استئثارية أم لا ؟ وما إذا كان للجمعية العمومية لمجلس الدولة أى اختصاصات فى هذا الشأن . ومن ثم تقدم وزير العدل بطلبه الماثل .
وحيث إن المادة (175) من الدستور تنص على أن " تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون ". وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن " تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية ، والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاًَ فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها " .
وحيث إن البين من هذين النصين ، أن إعمال هذه المحكمة لسلطتها فى مجال التفسير التشريعى المنصوص عليه فى قانونها وعلى ما جرى به قضاؤها يخولها تفسير النصوص القانونية تفسيراً ملزماً للناس أجمعين ، نافذاً فى شأن السلطات العامة ، والجهات القضائية على اختلافها ، تكشف فيه عن إرادة المشرع التى صاغ على ضوئها هذه النصوص ، وحقيقة ما أراده منها، وتوخاه بها ، محدداً لدلالتها تحديداً جازماً لا تعقيب عليه ، ولا رجوع فيه، وقوفاً عند الغاية التى استهدفها من تقريره إياها ، بلوغاً إلى حسم ما ثار من خلاف بشأنها ، حتى تتحدد نهائياً المراكز القانونية للمخاطبين بأحكامها ، على ضوء هذا التفسير الملزم .
وحيث إن مناط قبول تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين التى يصدرها رئيس الجمهرية وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة أن تكون للنص التشريعى المطلوب تفسيره أهمية جوهرية ، تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها ، ووزن المصالح المرتبطة بها ، وأن يكون هذا النص فضلاً عن أهميته قد أثار فى تطبيقه خلافاً سواء بالنظر إلى مضمونه أو الآثار التى يرتبها ، ويقتضى ذلك أن يكون الخلاف حوله مستعصياً على التوفيق متصلاً بذلك النص فى مجال إنفاذه أو آثاره ، نابذاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن يتعلق بمعناه ودلالته مفضياً إلى تعدد تأويلاته ، وتباين المعايير التى ينتقل إليها من صورته اللفظية إلى جوانبه التطبيقية ليؤول عملاً إلى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمه فلا يعاملون جميعهم وفق مقاييس موحدة ، بل تتعدد تطبيقاته بما يحتم رد هذا النص إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء استصفاء إرادة المشرع منه ضماناً لتطبيقه تطبيقاً متكافئاً بين جميع المخاطبين به .
وحيث إنه بالنسبة لطلب تفسير البند (1) من المادة (73) من قانون مجلس الدولة والذى يجرى نصه على أنه : " يشترط فيمن يعين عضواً فى مجلس الدولة . (1) أن يكون مصرياً متمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة . فإنه مع التسليم بأهميته ، لم يثر خلافاً فى التطبيق ، إذ لم ينازع أحد فى انطباقه على كل من يحمل الجنسية المصرية . ولم يختلف الرأى حول تفسير مدلوله ، ومن ثم يكون طلب التفسير فى هذا الشق منه قد افتقد مناط قبوله لعدم توافر شرائطه القانونية، متعيناً معه والحال كذلك التقرير بعدم قبوله .
وحيث إنه عن طلب تفسير الفقرة الثالثة من المادة (83) من قانون مجلس الدولة المشار إليه والتى تنص على أن : " ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية " فقد توافر الشرطان اللذان تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير بالنسبة لهذا النص ، وذلك لما وقع فى شأنه من خلاف فى التطبيق بين المجلس الخاص للشئون الإدارية ، والجمعية العمومية للمجلس ، وقد تجلت أوجه هذا الخلاف فيما وقفت عليه المحكمة مما هو ثابت بالأوراق فى تضارب قرارات المجلس الخاص ذاته فى هذا الشأن ، ثم فى تعارضها مع ما أصدرته الجمعية العمومية ، ففى اجتماعه بتاريخ 24/8/2009 وافق المجلس بالإجماع على الإعلان المقترح للتعيين فى وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة من خريجى وخريجات كلية الحقوق ، والشريعة والقانون ، والشرطة دفعتى 2008 ، 2009 ، وفى اجتماعه يوم 16/11/2009 وافق المجلس بالإجماع على بدء المقابلات الشخصية للمتقدمين للتعيين فى وظيفة مندوب مساعد من دفعتى 2008 ، 2009 وفقاً للجدول الزمنى المعروض ، وبجلسة 18/1/2010 نظر المجلس " ضمن بند ما استجد من أعمال " المذكرة المقدمة من بعض السادة المستشارين أعضاء مجلس الدولة برغبتهم فى عقد جمعية عمومية لمناقشة أمر تعيين المرأة فى المناصب القضائية ( الفنية ) بالمجلس ، وقد اختلف الرأى بين السادة المستشارين أعضاء المجلس الخاص فيما إذا كان موضوع تعيين الإناث من اختصاص المجلس الخاص أم أن للجمعية العمومية لمستشارى المجلس اختصاصاً فى هذا الأمر ، وقد وافقت أغلبية أعضاء المجلس الخاص بهذه الجلسة على السير فى اجراءات التعيين للدفعتين 2008 ، 2009 ، وفى حال انعقاد الجمعية العمومية لمستشارى مجلس الدولة تعرض توصياتها على المجلس الخاص ليتخذ القرار النهائى فى هذا الشأن . وبتاريخ 15/2/2010 عقدت الجمعية العمومية لمجلس الدولة اجتماعاً بشأن تعيين المرأة فى الوظائف الفنية ( القضائية ) بمجلس الدولة انتهى إلى رفض الجمعية بالأغلبية تعيين المرأة ، وأصدرت قرارها بناء على هذه النتيجة برفض تعيين المرأة فى الوظائف الفنية ( القضائية ) بمجلس الدولة مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات بشأن تعيينها فى تلك الوظائف ، كما وافقت الجمعية على إصدار بيان فى خصوص قرارها المشار إليه جاء فيه : " تؤكد الجمعية العمومية لمجلس الدولة على أن جميع المسائل الهامة ومنها ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع الماثل يتعين عرضها على الجمعية العمومية لمجلس الدولة لتتخذ بشأنها القرارات المناسبة ، وفى هذا السياق تؤكد الجمعية العمومية على أن قراراتها الصادرة فى هذه الجلسة هى قرارات ملزمة ويتعين إعمال مقتضاها شأنها شأن سائر قرارات الجمعية العمومية لمجلس الدولة .
ومفاد ما تقدم فى مقام إبراز الخلاف القائم بين الجهتين المذكورتين أن الجمعية العمومية للمجلس فى اجتماعها يوم 15/2/2010 أسبغت على ما صدر عنها وصف " قرار " برفض تعيين المرأة فى الوظائف القضائية مع عدم الاعتداد بما تم من إجراءات بشأن تعيينها فى تلك الوظائف ، بالمخالفة لما كان المجلس الخاص قد أصدره من قرارات واتخذه من إجراءات ، وقد أعقبت الجمعية العمومية قرارها ببيان أكدت فيه على اختصاصها بكل ما يتعلق بتكوين وتشكيل المجلس وتنظيمه على غرار الموضوع المعروض ، وأن قراراتها فى هذا الشأن ملزمة ويتعين إعمال مقتضاها . وقد انداحت دائرة هذا الخلاف وتعمقت ، وتعددت أطرافها وتمثل ذلك فى صدور قرار رئيس مجلس الدولة رقم 92 لسنة 2010 بتاريخ 22/2/2010 والذى نص فى مادته الأولى على أن " تستكمل إجراءات تعيين من تقررت صلاحيتهم من بين المتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد من خريجى وخريجات دفعتى 2008 ، 2009 وذلك بعد استيفاء التحريات اللازمة واجتياز الكشف الطبى تمهيداً للعرض على المجلس الخاص لاستصدار قرار رئيس الجمهورية بهذا التعيين . مرجحاً فى هذا المجال حسبما يتبين من ديباجة القرار السالف ذكره القرارات الصادرة من المجلس الخاص بالموافقة على اتخاذ إجراءات تعيين المندوبين المساعدين ، على القرار الأخير للمجلس الصادر بالرفض .
وحيث إن النص التشريعى السابق ذكره محل طلب التفسير انتظمه قانون مجلس الدولة ، وهو من قوانين السلطة القضائية ، ويعد أحد القوانين المكملة للدستور ، فضلاً عن أنه يتعلق بتحديد سلطة التعيين بالنسبة للوظائف القضائية بالمجلس . بما ينبئ عن بالغ أهمية هذا النص وهو ما يستوجب توحيد تفسيره ، إرساء لمدلوله القانونى السليم ، وتحقيقاً لوحدة تطبيقه ومن ثم فإن طلب التفسير الماثل بالنسبة لهذا النص يكون مقبولاً .
وحيث إن طلب التفسير على نحو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة يدور ابتداء وانتهاء حول استكناه الإرادة التى أضمرها المشرع ، وكشف عنها فى النصوص القانونية المطلوب تفسيرها ، فيكون عمل المحكمة الدستورية العليا تحديداً لماهيتها من خلال الاعتماد على كل العناصر التى تعينها على استخلاص حقيقتها ، كالأعمال التحضيرية التى تتصل بالنصوص القانونية محل التفسير ، وكالوثائق التاريخية التى عاصرتها أو تقدمتها ، وكان لها شأن فى بلورة هذه النصوص ، أو التمهيد لها ، أو الإيحاء بها ، باعتبار أن ذلك كله يقود إلى استظهار إرادة المشرع، فلا يكون ما قصده منها إلا عين التفسير ذاته الذى قررته المحكمة .
وحيث إن البين من تطور قوانين مجلس الدولة أن أول قوانين المجلس وهو الصادر برقم 112 لسنة 1946 قد خلت نصوصه من تنظيم لمجلس خاص للشئون الإدارية ، فى حين نظمت المادة (15) منه طريقة تشكيل المجلس وتعيين أعضائه فنصت على أن " يشكل مجلس الدولة من رئيس ووكيل ومن مستشارين ويكون تعيينهم وإلحاقهم بالأقسام بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل وموافقة الجمعية العمومية .
ثم حددت المادة 17 من القانون ذاته كيفية تشكيل الجمعية العمومية للمجلس وبينت اختصاصاتها فنصت على أن " تشكل الجمعية العمومية لمجلس الدولة من جميع مستشاريه ولا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها . وتختص ، فيما عدا ما هو مبين بهذا القانون بالمسائل الآتية :
( أ ) مراجعة مشروعات القوانين واللوائح والمراسيم والقرارات التى يتولى قسم التشريع صياغتها .
(ب) إعداد التشريعات التفسيرية التى يصدرها مجلس الوزراء فى الأحوال التى يخولها القانون فيها هذا الحق .
(ج) إبداء الرأى مسبباً فى المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التى تحال عليها بسبب أهميتها من أحد الوزراء أو من رئيس أحد مجلسى البرلمان أو من رئيس الدولة .
ثم صدر بعد ذلك قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1949 ونص فى المادة 42 منه على أن " يكون تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه ومستشاريه وموظفيه الفنيين عدا المندوبين المساعدين بمرسوم يصدر بناء على عرض وزير العدل …. ويكون تعيين المندوبين المساعدين بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأى الجمعية العمومية للمجلس …. " .
ثم صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 ناصاً فى المادة 55 على أن
" يكون تعيين أعضاء مجلس الدولة بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض رئيس هذا المجلس . ويعين رئيس مجلس الدولة ووكيلاه ووكلاؤه المساعدون بترشيح من رئيس مجلس الوزراء وموافقة الجمعية العمومية لذلك المجلس ، أما من عدا هؤلاء من أعضاء المجلس فيقترح المجلس الخاص للشئون الإدارية تعيينهم على الوجه المبين فى اللائحة الداخلية ….. " .
وكان المشرع قد استحدث المجلس الخاص للشئون الإدارية بحكم المادة 57 منه مبينة تشكيل هذا المجلس من سبعة أعضاء ، برئاسة رئيس المجلس وعضوية وكيلى المجلس والوكلاء المساعدين ، فإن لم يُستوف العدد من الوكلاء المساعدين استكمل التشكيل من المستشارين بحسب أقدميتهم ، كما نصت المادة ذاتها على اختصاص هذا المجلس المستحدث بالموافقة على تعيين أعضاء المجلس . وفى الآن ذاته فقد أبقى القانون على الجمعية العمومية للمجلس والتى نص عليها فى المادة 47 ، محافظاً على تشكيلها من جميع مستشارى المجلس ، وعهد برئاستها إلى رئيس المجلس ، وجعل اختصاصها الرئيسى إلى جانب ما هو مبين فى القانون – وضع اللائحة الداخلية للمجلس ، كما قصر دور الجمعية العمومية فى شأن تعيين الأعضاء ، على تعيين رئيس مجلس الدولة ووكيليه والوكلاء المساعدين ، أما ما عدا هؤلاء من الأعضاء الفنيين فناط أمر تعيينهم باقتراح المجلس الخاص ، إلا أن الاختصاص المعقود للأخير لم يكن طليقاً من قيود أُوكل وضعها للجمعية العمومية للمجلس ، إذ أردف النص أن اقتراحات المجلس الخاص ، فى شأن التعيينات ، يكون على النحو المبين بلائحة المجلس وهى اللائحة التى تختص بوضعها الجمعية العمومية ، الأمر الذى احتفظت معه الجمعية العمومية بالاختصاص – ولو بطريق غير مباشر – بتعيين الأعضاء دون الوكلاء المساعدين ، بمقتضى سلطتها فى تقييد المجلس الخاص بالضوابط التى تراها ، ثم تفرغها نصوصاً فى اللائحة الداخلية للمجلس ، ليلتزم المجلس الخاص باتباعها . وبصدور القانون رقم 55 لسنة 1959 بمناسبة الوحدة مع سوريا ، وإعادة تنظيم مجلس الدولة ، فقد أبقى الوضع على الحال الذى كان عليه فى ظل سابقه ، ولم يصب أحكامه أى تغيير جوهرى ، سوى تغيرات لفظية تتفق مع استحداث منصب نائب رئيس المجلس وإلغاء منصب الوكيل المساعد ، كما أصبحت سلطة إصدار القرار النهائى بالتعيين لرئيس الجمهورية بدلاً من رئيس مجلس الوزراء فى القانون السابق .
وإذ صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية فقد استأثر المجلس بموجب المادة الثانية من قانونه ، بكافة الاختصاصات المقررة للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة والجمعية العمومية للمجلس فى كل ما يتعلق بشئون الأعضاء تعييناً ونقلاً ….. ، ومن ثم يكون المجلس الخاص والجمعية العمومية قد فقدا أية سلطة فى مجال تعيين الأعضاء أو المندوبين المساعدين على حد سواء . ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 خلوا من النص على وجود المجلس الخاص للشئون الإدارية بينما أعاد فى المادة 68 تشكيل الجمعية العمومية للمجلس ، فنص على تكوينها برئاسة رئيس المجلس وأن تضم كافة مستشارى المجلس ، وأبقت المادة على الاختصاص الرئيسى للجمعية وهو إصدار اللائحة الداخلية للمجلس ، كما نظمت المادة 83 أمر تعيين أعضاء المجلس فنصت على أن " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية ، ويعين نواب رئيس المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية . ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية " ثم عدلت الفقرة الأولى من المادة الأخيرة بمقتضى القانون رقم 17 لسنة 1976 فصارت " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية ، ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح الجمعية العمومية للمجلس وبعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية " . وأخيراً صدر القانون رقم 136 لسنة 1984 والذى أعاد المجلس الخاص للشئون الإدارية بإضافته المادة 68 مكرراً ، والتى جرى نصها على أن "ينشأ بمجلس الدولة مجلس خاص للشئون الإدارية برئاسة رئيس مجلس الدولة وعضوية أقدم ستة من نواب رئيس المجلس ، وعند غياب أحدهم أو وجود مانع لديه بحل محله الأقدم فالأقدم من نواب رئيس المجلس .
ويختص هذا المجلس بالنظر فى تعيين أعضاء مجلس الدولة ، وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم ونقلهم وندبهم خارج المجلس وإعارتهم والتظلمات المتصلة بذلك ، وكذلك سائر شئونهم على الوجه المبين فى هذا القانون .
ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتصلة بمجلس الدولة .
ويجتمع هذا المجلس بدعوة من رئيسه ن وتكون جميع مداولاته سرية ، وتصدر القرارات بأغلبية أعضائه " . كما تم تعديل نص المادة 83 مرة أخرى بالتبعية ليصبح كالتالى : " يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رئيس المجلس ، بعد أخذ رأى جمعية عمومية خاصة، تشكل من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشاراً لمدة سنتين .
ويعين نواب رئيس المجلس ووكلاؤه بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة الجمعية العمومية للمجلس .
ويعين باقى الأعضاء والمندوبون المساعدون بقرار من رئيس الجمهورية ، بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية …. " وهذه الفقرة الثالثة من المادة الأخيرة هى النص الثانى المطلوب تفسيره .
وحيث إن البين من التطور التاريخى السالف البيان أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين قد تبادله كل من المجلس الخاص للشئون الإدارية والجمعية العمومية للمجلس ، حتى استقر أخيراً بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ليصبح الاختصاص للمجلس الخاص .
وحيث إن المادة 167 من الدستور تنص على أن " يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ، ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم " ، ومقتضى إعمال هذا النص الدستورى أن إجراءات وشروط التعيين فى الوظائف القضائية لا تتحدد إلا بقانون ، ومؤدى ذلك أن المجلس الخاص للشئون الإدارية – طبقاً لحكم الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 136 لسنة 1984 – هو السلطة المختصة بالموافقة على التعيين فى وظيفة " المندوب المساعد " ، وأن القانون – بالنسبة لهذه الوظيفة – لم يمنح الجمعية العمومية اختصاصاً فى هذه المجال ، وإذا كانت الجمعية العمومية لمجلس الدولة تختص بإصدار اللائحة الداخلية للمجلس ، إلا أنها لا تملك أن تنظم بها أموراً احتجزها المشرع الدستوري للقانون .
وهذه المغايرة قد عمد إليها المشرع قصداً لاعتبارات قدرها ، فأفرغ إرادته فى عبارات أراد بها أن يستأثر كل صاحب اختصاص فى ممارسة اختصاصه المحدد قانوناً ، دون أن يتحيف على اختصاص الآخرين .
وحيث إنه متى كان ما تقدم ، فإن التفسير الصحيح لنص الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة هو أن الاختصاص بالموافقة على التعيين فى وظيفة المندوب المساعد معقود – للمجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة دون الجمعية العمومية .
وحيث إن هذه المحكمة وهى تباشر ولايتها فى مجال تفسيرها للنصوص التشريعية الواردة بنص المادة (26) من قانونها ، فإن قرارها بتفسير هذه النصوص يكون محدداً لدلالتها تحديداً قاطعاً ، كاشفاً عن حقيقتها ، ليندمج هذا القرار فى تلك النصوص باعتباره جزءاً منها ، لا ينفصل عنها ، ومن ثم يرتد إلى تاريخ العمل بها ، ليكون نفاذها – على ضوء التفسير التشريعيى لمضمونها – لازماً منذ سريانها .
فلهذه الأسباب
وبعد الإطلاع على نص الفقرة الثالثة من المادة 83 من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972
قررت المحكمة
أن الاختصاص بالموافقة على تعيين المندوبين المساعدين بمجلس الدولة معقود للمجلس الخاص للشئون الإدارية دون الجمعية العمومية للمجلس .

الانتقال للتحقيق في المستشفيات العسكرية

السيد المحامي العام الأول
لنيابة ……….. الكلية
تحية طيبة وبعد
في إطار العلاقات الوثيقة بين القوات المسلحة والنيابة العامة ، فقد تم التنسيق مع وزارة الدفاع من اجل تسهيل إجراءات انتقال السادة أعضاء النيابة العامة إلى المستشفيات العسكرية لمباشرة ما تقتضيه إجراءات التحقيق التي يختصون بها قانونا من سؤال المجني عليهم والشهود واستجواب المتهمين المحجوزين بتلك المستشفيات ، حيث ورد الينا كتاب السيد اللواء أ ح أمين وزارة الدفاع المؤرخ 16/2/2010 متضمنا التأكيد على التعليمات الصادرة من وزارة الدفاع في هذا الشأن والتي تتمثل فيما يلي :
- يجري عضو النيابة المختص اتصالا هاتفيا بقائد سرية الشرطة العسكرية التي تقع في دائرته المستشفى العسكري المطلوب الانتقال إليها لمباشرة التحقيق ، وفي حالة تعذر ذلك يتم الاتصال مباشرة بمنوب إدارة الشرطة العسكرية ( مرفق كشف بأرقام التليفونات ) .
- يقوم قائد سرية الشرطة العسكرية فور الاتصال به من عضو النيابة بتعيين ضابط لمرافقة أو مقابلة عضو النيابة عند انتقاله للمستشفى العسكري لإجراء التحقيق اللازم والتوجه إلى مكتب السيد قائد المستشفى أو المنوب على حسب الأحوال لتسهيل مأمورية عضو النيابة بعد التأكد من شخصيته والمهمة المكلف بها .
- يتم التحقيق بالغرفة المحجوز بها المراد سؤاله إذا كان بمفرده وفي حالة وجود مرضى اخرين يتم تدبير غرفة أخرى لسؤاله بعد تقرير الطبيب المعالج إمكانية نقله من عدمه طبقا لحالته الصحية .
- يسلم مدير المستشفى عضو النيابة المختص صورة من أوراق العلاج اللازمة للتحقيق في حالة طلبها .
وفي ضوء ما تقدم يتم التنبيه على السادة أعضاء النيابة بتنفيذ تلك التعليمات بكل دقة ، وباخطار المحامي العام للنيابة الكلية أو المحامي العام الأول لنيابة الاستئناف أو المكتب الفني للنائب العام عند الاقتضاء – باية عقبات تعترض تنفيذ ذلك .
كما يراعى تسليم صورة من هذا الكتاب وبيان أرقام التليفونات المرفق به إلى كل عضو من أعضاء النيابة الكلية والنيابات الجزئية ، وتسليم صورة أخرى إلى كل من رؤساء الأقلام الجنائية بالنيابات الجزئية لحفظه لديه حتى يتسنى الرجوع إليه عند الحاجة .
وتقبلوا تحياتنا

تحريرا في 23/2/2010
النائب العام
المستشار / عبد المجيد محمود

اثر تناقض الاحكام الجنائية على الدعوى المدنية

اذا ما تبين ان هناك تناقضا واقع لا محالة بين حكم جنائي وحكم جنائي اخر سبقه او اعقبه بأن قضى احدهما ما اثبته الاخر او خالف ما قرره بقضاء صار فيهما باتا وكان لازما وضروريا للفصل في موضوع الدعوى المدنية المطروحة على المحكمة المدنية ، فإن هذا التناقض من شأنه ان يستطيل ولا مناص الى الحكم الذي تصدره المحكمة المدنية في هذه الحالة اذا ما التزمت بقاعدة حجية الاحكام الجنائية ، اذ يستحيل عليها ان تجمع بين ما قام عليه كل من الحكمين على خلاف الاخر وإلا تكون قد جمعت بين الشيء وضده مما يجعل اسباب حكمها متهاترة متساقطة يهدر بعضها بعضا بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله ، كما ان اخذ المحكمة بحجية احد الحكمين دون الاخر يفضي الى تناقض حكمها مع الحكم الاخر الذي اعرضت عنه واهدار لحجيته وهو ما ينطوي على مخالفة الحجية المتعلقة بالنظام العام ، مما لا يجوز ، اذ متى كانت العلة في تقرير حجية الاحكام الجنائية بالنسبة الى الدعوى المدنية المتعلقة موضوعها بها هي تفادي التعارض الذي تغياه المشرع على الوجه الذي تقدم ذكره فإن العلة تكون منتفية اذا ما شاب التناقض حكمين جنائيين فصلا لازما وضروريا للحكم في الدعوى المدنية ، وبانتفاء هذه العلة مع خلو نصوص القانون من حكم يتبعه القاضي في هذه الحالة فليس امامه من سبيل الا ان يلتجئ الى ما يؤدي اليه النظر والاجتهاد وذلك استمدادا من مبادئ الشريعة الاسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع بنص المادة الثانية من الدستور والمرجع الاصيل للقاضي عند غياب النص وعدم وجود العرف حسبما يقضي بذلك نص المادة الاولى من القانون المدني ، ووفقا لمبادئ الشريعة الاسلامية فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة يجب على القاضي ان يرجع فيه الى الكتاب والسنة فإن لم يجد فيهما لقضائه حكما كان له ان يجتهد رايه . وبناء على ما تقدم فإن النظر السديد يهدي الى القول ، بانه اذا ما وقع تناقض بين حكمين جنائيين فلا تنعقد لهما على السواء حجية مانعة بما مقتضاه الا يعتد القاضي المدني بحجيتهما معا وأن يسترد كامل حريته ومطلق سلطانه عند الفصل في موضوع الدعوى المدنية دون ان يتقيد في تقدير الادلة وتكوين عقيدته فيها بما قام عليه قضاء الحكمين الجنائيين المتناقضين لأن من شأن ما لابسهما من تناقض ان تضحى قاعدة حجية الاحكام في هذه الحالة عديمة الجدوى حابطة الاثر قانونا ، واذ لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له فلا جناح على القاضي ان اعرض وناى بجانبه عن حجية لا فائدة منها .
( الطعن رقم 7403 لسنة 61 ق جلسة 1/11/1992 لم ينشر )

دستورية المادة 301 إجراءات جنائية

قضية رقم 43 لسنة 29 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السابع من فبراير سنة 2010م ، الموافق الثالث والعشرين من صفر سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد على سيف الدين ومحمد عبدالقادر عبدالله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وماهر سامى يوسف والسيد عبدالمنعم حشيش نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 43 لسنة 29 قضائية " دستورية المقامة من
السيد / محمد فودة صديق محمد خليل
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الوزراء
3 السيد وزير العدل
4 السيد وزير الداخلية
5 السيد النائب العام
الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من فبراير سنة 2007 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (301) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يتبين من صحيفة الدعوى ، وسائر الأوراق تتحصل فى أنه بتاريخ 24/12/2005 حال قيادة المدعى للسيارة 54132 نقل المنوفية بدائرة أشمون محافظة المنوفية ، نسب إليه أنه أقّل ركاباً بالصندوق الخلفى للسيارة قيادته ، ولم يلتزم بربط حزام الأمان على نحو ما أثبت فى المحضر رقم 4535 لسنة 2006 مخالفات أشمون ، وبتاريخ 21/1/2006 قيدت النيابة العامة الواقعة مخالفة بالمواد ( 1 ، 3 ، 4 ، 13 ، 72 ، 74/1 ، 2 ، 77 ، 78 ، 79 ) من قانون المرور رقم 210 لسنة 1980 المعدل بالقانون رقم 155 لسنة 1999 ، وأصدرت أمراً جنائياً بتغريم المدعى مبلغ 50 جنيهاً والمصاريف . فعارض فى هذا الأمر ، وأثناء نظر المعارضة دفع بجلسة 9/12/2006 بعدم دستورية نص المادة (301) من قانون الإجراءات الجنائية بدعوى مخالفتها للمواد ( 34 ، 35 ، 67 ، 69 ، 86 ، 165 ، 167 ) من الدستور ، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 6/1/2007 وصرحت للمدعى باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية ، وبالجلسة الأخيرة قررت مد الأجل لجلسة 17/2/2007 للقرار السابق ، فأقام المدعى دعواه الماثلة .
وحيث إن ما دفعت به هيئة قضايا الدولة من عدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المقرر قانوناً ، مردود بأن الثابت من الأوراق ، أن الدعوى الدستورية المعروضة قد رفعت إثر دفع أبداه المدعى أمام محكمة أشمون الجزئية حال نظرها المعارضة المقامة منه فى الأمر الجنائى الصادر ضده من النيابة العامة فى القضية رقم 4535 لسنة 2006 مخالفات أشمون بجلسة 9/12/2006 بعدم دستورية نص المادة (301) من قانون الإجراءات الجنائية ، وإذ قدرت المحكمة جديته ، فقد قررت تأجيل نظر الدعوى لجلسة 6/1/2007 وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، ثم قررت بالجلسة الأخيرة التأجيل لجلسة 17/2/2007 ليقدم المدعى ما يفيد اتخاذه إجراءات رفع الدعوى الدستورية ، فأودع المدعى صحيفة دعواه المعروضة قلم كتاب المحكمة بتاريخ 15/2/2007 ، خلال الأشهر الثلاثة المحددة بنص الفقرة (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، ولا ينال من ذلك أنه لم يرفع دعواه خلال الأجل الأول الذى منحته له محكمة الموضوع وهو 6/1/2007 ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المهلة الجديدة التى تمنحها محكمة الموضوع متى تقررت قبل انقضاء المدة الأصلية ثلاثة أشهر فإنها تتداخل معها وتصبح جزءاً منها وامتداداً لها ، بشرط أن تفصح الأوراق عن اتجاه إرادة محكمة الموضوع اتجاهاً قاطعاً وجازماً إلى منح الخصم تلك المهلة وهو ما تحقق على نحو ما تقدم بيانه ، وبذلك تكون الدعوى الدستورية قد أقيمت فى الميعاد المقرر قانوناً بما يستوجب الالتفات عما أثارته قضايا الدولة فى هذا الشأن .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن مناط قبول الدعوى الدستورية هو توافر المصلحة الشخصية المباشرة فيها ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع . وإذ كانت المناعى الدستورية التى أثارها المدعى فى صحيفة دعواه قد تمثلت فى تضرره من التسليم بما أثبته مأمور الضبط من وقائع فى محضر المخالفة المرورية المحرر ضده باعتباره قرينة قانونية على ارتكابه للمخالفات الواردة فيه يقع على عاتقه عبء إثبات عدم ارتكابه لها . وكان نص المادة (301) من قانون الإجراءات الجنائية هو الذى اعتبر المحاضر المحررة فى مواد المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التى يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها ، فإن حسم دستورية هذا النص ، يرتب انعكاساً أكيداً على الدعوى الموضوعية وتتوافر به مصلحة المدعى فى الدعوى الماثلة ، ويتحدد نطاقها بكامل نص المادة محل الطعن ، بما يغدو معه دفع هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة بسقوط الأمر الجنائى الصادر ضده واعتباره كأن لم يكن بالمعارضة فيه ، فى غير محله متعيناً الالتفات عنه ، ذلك أن النص المطعون عليه بما رتبه من آثار قد طبق على المدعى ، وهو موضوع دعواه الدستورية .
وحيث إن نص المادة (301) من قانون الإجراءات الجنائية المطعون عليه يجرى على أن " تعتبر المحاضر المحررة فى مواد المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التى يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها " .
وحيت إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه إهداره لمبدأ أصل براءة المتهم ، باعتبار أن المحاضر المحررة فى مواد المخالفات حجة بالنسبة للوقائع التى يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها ، وبذلك يكون قد نصب موظفى الإدارة خصماً وحكماً فى الوقت ذاته ، وغلّ يد النيابة العامة ، ثم القاضى عند نظر المعارضة فى الأمر الجنائى ، بوضع حد لسلطتيهما فى تقدير مدى صحة تلك الوقائع المثبتة فى المحاضر ، وهو ما يعد خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ، ونيلاً من استقلال القضاء ، بالمخالفة لنصوص الدستور الواردة فى المواد ( 67 ، 86 ، 165 ، 166 ) منه .
وحيث إن هذا النعى ، مردود فى جملته بأنه من المقرر أن المشرع وهو يلتزم بتحرى توفير الشرعية الدستورية فى الإجراءات الجنائية ، يستهدف الموازنة بين احترام الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة ، ويباشر سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق ، ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة بين البدائل المختلفة وفق تقديره لتنظيم موضوع محدد ، مع رعاية اعتبارات الملاءمة فى كافة جوانبها ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها ، وتكون تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها . وإذ جاء النص المطعون عليه تطبيقاً لممارسة هذه السلطة التقديرية ، فقد استهدف المشرع به كفالة سرعة الفصل فى القضايا متعاظمة الأعداد ، التزاماً بحكم الدستور ، واقتصر مجال إعماله على المخالفات ، وهى بطبيعتها محدودة الأهمية بحكم موقعها فى تقسيم الجرائم والتدرج العقابى حسب جسامتها ، ولم يهدر المشرع بالنص المطعون عليه أصل البراءة ، بل كفل به للمتهم إثبات ما ينفى وقوع المخالفة ، فضلاً عن أن محضر المخالفات بما أثبته يخضع لسلطة النيابة العامة عند التصرف فيه بتقدير كفايته ، أو استيفاء ما عسى يكون قد احتواه من أوجه قصور ، ولها أن تستبعد منه ما تراه مخالفاً للقانون ، كما أنه لا يحول دون سلطة المحكمة عند التقرير أمامها بعدم قبول الأمر الجنائى فى إهدار حجية ما أثبته محضر المخالفة من وقائع من تلقاء نفسها إذا تبين فى ملف الدعوى ما يدل على عكسها ، كما لا يصادر حق المتهم فى إثبات عدم صحة ما نسب إليه من مخالفات . كما أنه لا محل لما يدعيه المدعى من مساس النص المطعون عليه بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء ، ذلك أن مأمورى الضبط حين يقومون بوظيفة الضبط القضائى وأعمال الاستدلال ، فإن النيابة العامة وهى شعبة من القضاء تكون لها سلطة التوجيه والتقدير والإشراف ، وهى التى تزن ما يثبت فى محاضر المخالفات بما تقدر كفايته لإصدار قرارها بالتصرف فيها ، على نحو ما ورد فى نص المادة (22) من قانون الإجراءات الجنائية ، ثم إن عدم قبول المتهم للأمر الجنائى أمام المحكمة يترتب عليه سقوط ذلك الأمر واعتباره كأن لم يكن ، ويتيح له محاكمة منصفة بالإجراءات العادية يكفل له فيها كافة ضمانات المحاكمة الجنائية بما يصون مبدأ الفصل بين السلطات ، ولا ينال من استقلال القضاء .
وحيث إن النص المطعون عليه لا يتضمن مساساً بحق الملكية بالنسبة للمدعى ذلك أن تقرير الغرامة كعقوبة للمخالفة متى اقتضتها المصلحة العامة والضرورة الاجتماعية تحقيقاً للردع العام والخاص لا يصادم حق الملكية ، كما أن هذا النعى لا يتعرض لأمواله بالتأميم أو المصادرة ، وليست له صلة بقاعدة تحديد الهيئات القضائية واختصاصها ، بما لا يكون معه قد خالف أحكام المواد ( 34 ، 35 ، 36 ، 167 ) من الدستور .
وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف أى نص آخر من نصوص الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .