صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
الصفحات
- الرئيسية
- أحكام النقض الجنائي المصرية
- أحكام النقض المدني المصرية
- فهرس الجنائي
- فهرس المدني
- فهرس الأسرة
- الجريدة الرسمية
- الوقائع المصرية
- C V
- اَلْجَامِعَ لِمُصْطَلَحَاتِ اَلْفِقْهِ وَالشَّرَائِعِ
- فتاوى مجلس الدولة
- أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية
- القاموس القانوني عربي أنجليزي
- أحكام الدستورية العليا المصرية
- كتب قانونية مهمة للتحميل
- المجمعات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي شَرْحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ
- تسبيب الأحكام الجنائية
- الكتب الدورية للنيابة
- وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ
- قوانين الامارات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْمُرَافَعَاتِ
- اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ 1948
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعُقُوبَاتِ
- محيط الشرائع - 1856 - 1952 - الدكتور أنطون صفير
- فهرس مجلس الدولة
- المجلة وشرحها لعلي حيدر
- نقض الامارات
- اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والأشخاص الأولى بالرعاية
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الخميس، 17 أبريل 2025
مرسوم بقانون اتحادي رقم (24) لسنة 2021 بشأن مساءلة الوزراء وكبار موظفي الاتحاد
الطعن 253 لسنة 9 ق جلسة 28 / 4 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 13 ج 2 ق 112 ص 842
جلسة 28 من إبريل سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي ومحمد فتح الله بركات وسليمان محمود جاد المستشارين.
----------------
(112)
القضية رقم 253 لسنة 9 القضائية
موظف "أقدمية"
القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة - نصه على جعل أساس الأقدمية من تاريخ التعيين في الدرجة بصفة عامة وليس من تاريخ الحصول على المؤهل - أثر ذلك القضاء على قاعدة تسعير الشهادات تسعيراً إلزامياً وما صاحبه من تحديد أقدميات معينة - سقوط ما قضى به قرار مجلس الوزراء الصادر في 3/ 5/ 1950 من اعتبار الأقدمية في الدرجة من تاريخ الالتحاق بمدرسة الحركة والتلغراف باعتباره إنصافاً بتسعير مؤهل خريجي هذه المدرسة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 620 لسنة 8 القضائية ضد هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 11 من إبريل سنة 1961، طلب فيها الحكم "بأحقيته في تسوية حالته طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 وما يترتب على ذلك من إلغاء القرار الإداري الصادر في 21 من يوليو سنة 1960 فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى الدرجة السابعة وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية وإلزام الهيئة المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال بياناً لدعواه إنه التحق بمدرسة الحركة والتلغراف في عام 1956، بعد حصوله على شهادة الثقافة العامة، وقد حصل على دبلوم هذه المدرسة، في مارس سنة 1957، ثم التحق بالخدمة في 5 مارس سنة 1957 بمرتب قدره ستة جنيهات شهرياً زيد إلى تسعة جنيهات، ولم يمنح الدرجة الثامنة إلا في أول يناير سنة 1958، وأنه في 21 من يوليو سنة 1960 صدر قرار إداري شمل ترقية من هم أحدث منه في الخدمة فتظلم من هذا القرار في 15 من سبتمبر سنة 1960، بيد أن الجهة الإدارية لم تجبه إلى تظلمه فقدم طلب إعفائه من الرسوم أمام لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية المذكورة قيد برقم 166 لسنة 8 القضائية في 11 من فبراير سنة 1961، إلا أنه صدر قرار برفض الطلب، فأقام هذه الدعوى وأضاف المدعي أن مجلس الوزراء وافق في 3 من مايو سنة 1950 على مذكرة مقدمة من مدير عام السكك الحديدية تضمنت:
1 - منح الطالب بمدرسة الحركة والتلغراف مكافأة شهرية قدرها خمسة جنيهات خلال فترة الدراسة و2 - رفع علاوة التلغراف المستحقة للحاصل على دبلوم المدرسة المذكورة، من 500 مليم إلى 500 م و1 ج و3 - اعتبار أقدمية الموظف في الدرجة الثامنة من تاريخ الالتحاق بهذه المدرسة، وأن الجهة الإدارية قد فهمت خطأ أن قرار مجلس الوزراء المذكور قد ألغي بالقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، على حين أن هذا القانون لم يلغ ذلك القرار إلا بالنسبة إلى من تنطبق أحكامه على حالته، ولما كان المدعي ليس من بين هؤلاء، لأنه عين في عام 1956 (حقيقته عام 1957)، فإنه تحق له الإفادة من قرار مجلس الوزراء بادئ الذكر، وذلك بتسوية حالته بمنحه خمسة جنيهات شهرياً عن مدة الدراسة بمدرسة الحركة والتلغراف و500 م و1 ج شهرياً قيمة علاوة التلغراف المقرر إضافتها إلى مرتب الوظيفة، مع رد أقدميته في الدرجة الثامنة إلى تاريخ التحاقه بالمدرسة المشار إليها وعلى ذلك يكون القرار الإداري سالف الذكر الصادر في 21 من يوليه سنة 1960 قد وقع مخالفاً للقانون فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة السابعة، إذ أنه بتعديل أقدميته على هذا النحو يصبح أقدم ممن شملهم هذا القرار بالترقية. وقد أجابت هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية عن الدعوى بأن المدعي عين بالهيئة بعد حصوله على دبلوم التلغراف في المرتبة الرابعة 228 جنيهاً و108 مليم (الدرجة الثامنة) المخصصة لمعاون تلغراف، وذلك اعتباراً من أول يناير سنة 1958، بالكادر الفني المتوسط، ولما كان القانون رقم 65 لسنة 1957 في شأن استخدام موظفي وعمال مقاولي شركات قاعدة قناة السويس قد حال دون تعيين المدعي في الدرجة الثامنة الفنية المخصصة لمؤهله الدراسي عقب تخرجه مباشرة، فقد تسلم العمل بمكافأة شهرية قدرها ستة جنيهات زيدت إلى تسعة جنيهات، إلى أن استصدرت الهيئة من وزير الشئون الاجتماعية والعمل القرار رقم 229 في 18 من نوفمبر سنة 1957 باستثنائها من أحكام القانون المذكور فصدر قرار بتعيينه في أول يناير سنة 1958 وأوضحت الهيئة أنه لا يحق له الإفادة من أحكام القرار الجمهوري رقم 159 لسنة 1958 بضم مدة خدمته السابقة التي قضاها بالمكافأة الشهرية، لأنه لم يتقدم بطلب حساب هذه المدة، في الميعاد المحدد بهذا القرار، كما أنه لا يفيد من قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 لإلغائه بالقرار الجمهوري المشار إليه، هذا إلى أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 لا ينطبق على حالته لأنه ألغي بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وعلى ذلك لا تحق له الترقية بالقرار الإداري المطعون فيه رقم 5 الصادر في 21 من يوليو سنة 1960، حيث إن زملاءه الذين شملهم هذا القرار بالترقية، كانت أقدميتهم أسبق من أقدميته، بعد ضم مدد خدمتهم السابقة لتقديمهم طلبات ضم تلك المدد في الميعاد القانوني. وبجلسة 19 من ديسمبر سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية "أولاً: وفي خصوص الطلب الأول بأحقية المدعي في علاوة الحركة والتلغراف (500 م و1 ج شهرياً) منذ تعيينه في وظيفة معاون تلغراف واعتبار أقدميته في الدرجة الثامنة الفنية منذ التحاقه بمدرسة الحركة والتلغراف في 24 من مايو سنة 1956، ثانياً: وفي خصوص الطلب الثاني بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة السابعة مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثالثاً: إلزام الهيئة المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أنه يحق للمدعي الحصول على علاوة التلغراف وقيمتها 500 م و1 ج شهرياً، واعتبار أقدميته في الدرجة الثامنة راجعة إلى تاريخ التحاقه بمدرسة الحركة والتلغراف تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950، أما المكافأة الشهرية التي كانت مقررة لطلبة هذه المدرسة خلال فترة الدراسة فقد ألغيت بقرار وزير المواصلات رقم 26 لسنة 1955، ولا يؤثر في ذلك أن تعيين المدعي قبل أول يناير سنة 1958، كان بمكافأة شهرية طالما أن الهيئة المدعى عليها كانت ملزمة بموجب لائحة المدرسة بتعيين خريجيها، وأن قرار مجلس الوزراء سالف الذكر لم يلغ بالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أو بالقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، إذ أن القانون الأول لم يتضمن نصاً بإلغاء ذلك القرار، كما أن القانون الثاني لم يلغه إلا بالنسبة إلى من انطبقت عليهم أحكامه، وليس هو ممن رقوا بالقرار المطعون فيه الصادر في 21 من مايو سنة 1960 بمدرسة الحركة والتلغراف يرجع إلى تاريخ لاحق على 24 من مايو سنة 1956 تاريخ التحاق المدعي بالمدرسة المذكورة فإن هذا الأخير يصبح أقدم منهم في الدرجة الثامنة، ومن ثم يكون أحق منهم بالترقية إلى الدرجة السابعة، وقد أودع المطعون عليه في فترة حجز الطعن للحكم مذكرة بملاحظاته على الطعن حاصلها أن أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 الخاصة بعلاوة التلغراف ظلت سارية بعد صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه، إذ أن قرار وزير المواصلات رقم 26 لسنة 1955، المتضمن إلغاء المكافأة الشهرية لطلبة تلك المدرسة مع الإبقاء على باقي أحكام قرار مجلس الوزراء المذكور، قد صدر بعد العمل بالقانون رقم 210 سنة 1951، وبناء على القانون رقم 10 لسنة 1953 المعدل لأحكام القانون رقم 104 لسنة 1949 "باختصاصات مجلس إدارة السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات". وهذا يعني استمرار اختصاصات مجلس إدارة مصلحة السكك الحديدية في شأن موظفي المصلحة وبقاء ما صدر بناء على هذه الاختصاصات من قواعد وأحكام وظيفية، كما أن كلاً من المادة 12 من القانون رقم 366 لسنة 1956 "بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر" والمادة 13 من القرار الجمهوري رقم 709 لسنة 1957 "بإنشاء مؤسسة عامة لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية بجمهورية مصر" قد تضمن نصاً يفيد استمرار العمل بالقواعد التي كانت مطبقة وقتئذ، ومن بينها أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950، وذكر المطعون عليه أنه يبني طلباته على مقتضى هذه الأحكام، فلا يتضمن ما يطلبه طلب ضم مدة خدمته السابقة كما ذهبت إلى ذلك الجهة الإدارية الطاعنة، ومن ثم فلا محل لتطبيق قواعد ضم مدد الخدمة السابقة في مجال دعواه، وانتهى من تلك في مذكرته إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن طعن الهيئة يقوم على أن أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 لا تسري إلا على من انتظم في الدراسة بمدرسة الحركة والتلغراف في ظل العمل به أو من كان طالباً وقت نفاذه، ومن ثم فلا تمتد هذه الأحكام إلى حالة المطعون عليه، الذي لا يحق له ضم مدة خدمته السابقة التي قضاها بالمكافأة الشهرية إلى أقدميته في الدرجة الثامنة تطبيقاً للقرار الجمهوري رقم 159 لسنة 1958 لأنه لم يقدم طلباً بهذا الضم في الميعاد القانوني الذي حدده القرار المشار إليه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي حصل على شهادة الثقافة العامة ثم التحق في 24 من مايو سنة 1956 بمدرسة الحركة والتلغراف، وبعد حصوله على شهادة هذه المدرسة التحق بالخدمة في 6 من مارس سنة 1957 بصفة مؤقتة بمكافأة شهرية ولم يعين في الدرجة الثامنة بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية إلا في أول يناير سنة 1958، وذلك لأن شغل بعض درجات الميزانية، ومنها الدرجة الثامنة، كان مقصوراً منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 65 لسنة 1957 "في شأن استخدام موظفي وعمال مقاولي شركة قاعدة قناة السويس" في 24 من مارس سنة 1957 - على موظفي وعمال مقاولي شركات قاعدة قناة السويس المصريين الذين تركوا العمل بالشركات التي كانت قائمة على صيانة قاعدة القناة وصفيت نتيجة للاعتداء الثلاثي على مصر في أكتوبر سنة 1956، وقد ظل هذا التخصيص سارياً إلى أن صدر قرار وزير الشئون الاجتماعية في 18 من نوفمبر سنة 1957 باستثناء الهيئة المدعى عليها من أحكام القانون المذكور، ومن ثم فإن مثار النزاع في الدعوى الراهنة هو الكشف عما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 قد ظل سارياً حتى أول يناير سنة 1958 تاريخ بدء تعيين المدعي في الدرجة الثامنة بالهيئة أم أن هذا القرار كان قد سقط في مجال التطبيق القانوني قبل ذلك التاريخ.
ومن حيث إنه في 23 من إبريل سنة 1950 رفع مدير عام مصلحة السكك الحديدية مذكرة إلى مجلس إدارة المصلحة، يطلب فيها الموافقة على اقتراح تعديل لائحة الالتحاق بمدرسة الحركة والتلغراف، وقد جاء بهذه المذكرة ما يأتي "كانت القواعد الموضوعة للالتحاق بمدرسة الحركة والتلغراف أن يكون الطالب حاصلاً إما على دبلوم الفنون والصناعات (قسم الميكانيكا والكهرباء) أو شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان (علوم أو رياضة)، وأن تكون مدة الدراسة بحيث لا تقل عن ستة شهور ولا تزيد على 12 شهراً يعين بعدها من يمضي الامتحان النهائي بنجاح في الدرجة الثامنة الفنية ويمنح أول مربوطها وقدره ستة جنيهات شهرية، ولما صدرت قواعد الإنصاف تقرر منح خريجي هذه المدرسة الماهيات التي حددت لشهاداتهم مضافاً إليها 500 م قيمة العلاوة التي تقررت لهم وتعيينهم في الدرجات التي خصصت لكل شهادة أي يوضع حملة دبلوم الفنون والصناعات في الدرجة السابعة بماهية قدرها 10 جنيه و500 م وحملة البكالوريا في الدرجة الثامنة بماهية قدرها 8 ج شهرياً. وقد أعرض حملة هذين المؤهلين عن الالتحاق بهذه المدرسة ولم يعد هناك سبيل للحصول على المرشحين الكافين لإلحاقهم بها إلى أن أفتت وزارة المالية بكتابها رقم 234/ 3/ 8 في 18 من مايو سنة 1940 بأن شهادة الثقافة العامة تجيز التعيين في الدرجة الثامنة الكتابية بأول مربوطها، وعلى ذلك فقد أباحت المصلحة لحملة الثقافة العامة الالتحاق بالمدرسة ومنحهم بعد تخرجهم الماهية المحددة لهذه الشهادة مضافاً إليها علاوة الخمسمائة مليم المقررة لخريجي هذه المدرسة واستمر الإحجام عن الالتحاق بالمدرسة رغم كثرة الإعلان في الجرائد، وهذا يرجع إلى تفضيل حملة الثقافة الالتحاق بالوظائف الكتابية دون انتظار فترة الدراسة بالمدرسة بدون مرتب طالما أن الطالب سيحصل على نفس هذه الماهية بغض النظر عن الخمسمائة مليم قيمة علاوة التلغراف التي لا تعتبر في نظره إغراء كافياً. وعلاجاً لهذه الحالة وتلافياً لقلة عدد المتقدمين لهذه المدرسة فإني اقترح إدخال التعديلات الموضحة بعد على اللائحة للتشجيع على الالتحاق بمدرسة التلغراف: (1) منح الطالب مكافأة شهرية قدرها 5 جنيهات خلال فترة الدراسة. (2) رفع علاوة الحركة والتلغراف من 500 م إلى 500 م و1 ج. (3) اعتبار الأقدمية في الدرجة الثامنة من مراحل التعليم الفني التي لا غنى عنها في شغل وظائف معاوني المحطة والتلغراف، فضلاً عن أن هذه الوظائف خطيرة وذات مسئولية جسيمة، لهذا أرجو من المجلس التفضل بالموافقة على هذا الاقتراح تمهيداً للحصول على تصديق مجلس الوزراء". وقد وافق مجلس الإدارة بجلسته المنعقدة في 29 من إبريل سنة 1950 على إدخال التعديلات المقترحة على لائحة الالتحاق بمدرسة التلغراف، كما وافق مجلس الوزراء على ذلك بجلسته المنعقدة في 3 من مايو سنة 1950.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة قرار مجلس الوزراء المذكور (في ضوء المذكرة المرفوعة من مدير عام مصلحة السكة الحديد إلى مجلس الإدارة) أن ما قرره من رفع علاوة الحركة والتلغراف من 500 م إلى 500 م و1 ج، واعتبار الأقدمية في الدرجة من تاريخ الالتحاق بمدرسة الحركة والتلغراف هو إنصاف بتسعير مؤهل خريجي هذه المدرسة، ولما كان القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، قد نص في أولى مواد إصداره على إلغاء كل حكم يخالف الأحكام الواردة فيه، وكان من أهم ما استحدثه من أحكام في نظم التوظف، تحديد أجر الموظف لا على أساس ما يحمل من مؤهلات علمية بل على قدر ما يؤدي للدولة من عمل وجهد بعد تعرف صلاحيته لهذا العمل، وقد ضمن هذا الحكم المادة 21 منه، كما بين في المادة 25 منه أساس الأقدمية، بأن جعلها من تاريخ التعيين في الدرجة بصفة عامة وليس من تاريخ الحصول على المؤهل، وبذلك قضى على قاعدة تسعير الشهادات تسعيراً إلزامياً وما صاحبه من تحديد أقدميات معينة على خلاف ما أرساه على أسس ثابتة من قواعد التوظف، ومن ثم فقد سقط قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 في مجال التطبيق القانوني اعتباراً من أول يوليو سنة 1952 تاريخ نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951، وعلى هذا لا يحق قانوناً للمدعي الإفادة مما تضمنه هذا القرار من أحكام، ومما يؤيد هذا النظر أن قرار رئيس الجمهورية رقم 709 لسنة 1957 "بإنشاء مؤسسة عامة لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية بجمهورية مصر" الذي نص في مادته الأولى على أن "تنشأ مؤسسة عامة تطلق عليها" هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية....." وهي الهيئة التي التحق المدعي بخدمتها منذ تعيينه في الدرجة الثامنة في أول يناير سنة 1958، قد نص في المادة 13 منه الواردة تحت عنوان الأحكام الوقتية على أنه "فيما عدا شئون إدارة المواصلات الخارجية (شركة ايسترن تلغراف وماركوني راديو) تسري القوانين واللوائح والقواعد التنظيمية الخاصة بموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة. كما تسري القواعد القانونية الأخرى المطبقة حالياً في مرفق المواصلات السلكية واللاسلكية..." ومن ثم فإن المدعي، وهو ليس من بين موظفي إدارة المواصلات الخارجية، تطبق في شأنه وقتئذ أحكام القوانين الخاصة بموظفي الحكومة وهي التي كان قوامها أو أساسها القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وبالتالي لا يطبق في حقه ما يخالف الأحكام التنظيمية التي تضمنها هذا القانون، كالأحكام التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من مايو سنة 1950. وقد ظل الوضع القانوني كذلك إلى أن صدر التنظيم الوظيفي لموظفي ومستخدمي وعمال هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بقراري رئيس الجمهورية رقم 2192 لسنة 1959 "بنظام الموظفين بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بإقليم مصر" ورقم 1643 لسنة 1960 "باللائحة التنفيذية لنظام موظفي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بالإقليم الجنوبي" المعمول بهما اعتباراً من أول يوليو سنة 1960، ولم يتضمن هذان القراران أية أحكام تفيد إحياء الأحكام القديمة التي كان قد سبق أن وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من مايو سنة 1950.
ومن حيث إنه لا وجه لما يحاج به المدعي من أن قرار مجلس الوزراء آنف الذكر قد استمر العمل بأحكامه بعد صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 تأسيساً على أن ما تضمنه هذا القرار يعتبر من القواعد القانونية التي نصت الفقرة الثانية من المادة 13 من قرار رئيس الجمهورية رقم 709 لسنة 1957 "بإنشاء مؤسسة عامة لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية بجمهورية مصر"، على استمرار سريانها، أو تأسيساً على أن القانون رقم 10 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 104 لسنة 1949 باختصاصات مجلس إدارة السكك الحديدية والتلغراف والتليفونات" وقد صدر بعد صدور القانون رقم 210 لسنة 1951، وأنه بناء على ذلك القانون صدر قرار من وزير المواصلات رقم 26 لسنة 1955 متضمناً تعديل أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 بإلغاء المكافأة الشهرية لطلبة مدرسة الحركة والتلغراف مع الإبقاء على باقي أحكام هذا القرار الخاص بعلاوة الحركة والتلغراف وبإرجاع الأقدمية في الدرجة الثامنة إلى تاريخ الالتحاق بالمدرسة - لا وجه لذلك كله لأنه بتقصي الأساس القانوني للأحكام التي كانت مطبقة على موظفي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية قبل إنشاء هذه الهيئة بقرار رئيس الجمهورية رقم 709 لسنة 1957، يبين أن القانون رقم 104 لسنة 1949 المشار إليه قد حدد في مادته الثالثة اختصاصات مجلس إدارة "السكك الحديدية والتلغراف والتليفونات" ومن بينها ما نص عليه البند التاسع من هذه المادة من وضع "اللوائح الخاصة المتعلقة بالتعيينات والترقيات والتأديب والرفت والتعويض والمكافأة لموظفي المصلحة ومستخدميها" وما نص عليه البند الحادي عشر من المادة ذاتها - قبل تعديله بالقانون رقم 10 لسنة 1953 - في خصوص الترقيات والعلاوات الاستثنائية للموظفين والمستخدمين الداخلين في هيئة العمال المؤقتين ومنحهم مكافأة تشجيعية على أعمال ممتازة في حدود مرتب شهرين في السنة". وقد كان نص المادة الرابعة من القانون رقم 104 لسنة 1949 - قبل تعديلها بالقانون رقم 10 لسنة 1953 - بأنه يجري "فضلاً عن المسائل التي تقتضي إصدار قانون أو مرسوم فإن قرارات مجلس الإدارة الخاصة بالمسائل المبينة في الفقرات 6 و7 و8 و8 و11 و12 من المادة الثالثة يجب عرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها.
وأما القرارات الأخرى فتكون نافذة بقرار يصدر من وزير المواصلات" ومفاد هذه النصوص أن نظام التوظف الخاص بموظفي السكك الحديدية والتلغراف والتليفونات لم يكن ينتظمه كله وقتذاك، تشريع معين آداته قانون، بل كانت جهة الاختصاص الأصلية في إصداره هي مجلس الوزراء بما يصدره من آن لآخر من قرارات متفرقة بناء على ما يعرضه عليه مجلس الإدارة، وإذا كان الأمر كذلك وكان القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نص في أولى مواد إصداره على أن يعمل بأحكامه في المسائل المتعلقة بنظام موظفي الدولة، وعلى إلغاء كل حكم يخالف هذه الأحكام، وحدد في المادة 131 منه الموظفين والطوائف التي لا تسري عليها أحكامه وهم رجال الجيش والموظفون والعسكريون وعساكر البوليس و"طوائف الموظفين الذين تنتظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة فيما نصت عليه هذه القوانين" فإن مقتضى ذلك سريان أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، منذ العمل به في أول يوليو سنة 1952، على موظفي السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات، وإلغاء كل حكم مخالف لأحكامه، ومن ثم لا يجوز بعد ذلك إحياء حكم سابق صادرة بأداة أدنى كقرار من مجلس الوزراء أو قرار وزاري إلا بقانون يتضمن استثناء الحكم المراد إحياؤه، من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، يؤكد هذا النظر ما ورد بقضاء سابق لهذه المحكمة من أن القانون رقم 210 لسنة 1951 قد قيد من سلطة الإدارة في إجراء الترقيات بوضع قواعد معينة خاصة بالترقية والأقدمية، ولهذا فإن مصلحة السكك الحديدية حين رأت الخروج على هذه القواعد بالنسبة إلى بعض موظفيها، - استصدرت القانون رقم 478 لسنة 1954 "بشأن خدمة القاطرات بمصلحة السكك الحديدية" متضمناً القواعد الخاصة المراد تطبيقها على هؤلاء الموظفين، وعلى ذلك فإن ما جاء بالمادة 12 من القانون رقم 366 لسنة 1956 "بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر" من النص على أن تسري في شأن موظفي الهيئة ومستخدميها، القوانين واللوائح المطبقة حالياً، كما تسري جميع القواعد القانونية الحالية المنظمة لشئون السكك الحديدية وذلك حتى يتم إصدار غيرها" وكذا ما ورد بالمادة 13 من قرار رئيس الجمهورية رقم 709 لسنة 1957 "بإنشاء مؤسسة عامة لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية" من النص على أن ".. تسري في شأن موظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها القوانين واللوائح والقواعد التنظيمية الخاصة بموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة. كما تسري جميع القواعد الأخرى المطبقة حالياً في مرفق المواصلات السلكية واللاسلكية" - كل أولئك يفيد أن ما هدف المشرع إلى الإبقاء عليه من قواعد قانونية سابقة إنما هي تلك التي كانت مطبقة، قبل إنشاء هاتين الهيئتين، على موظفيها ومستخدميها وعمالها والتي لا تخالف أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له أو تتعارض معها، وذلك ما لم تكن تلك القواعد صادرة بقوانين خاصة قصد باستصدارها الخروج على أحكام القوانين المذكورة على ما سلف البيان، وقد ظل هذا الوضع القانوني كذلك إلى أن صدر التنظيم الوظيفي لموظفي ومستخدمي وعمال الهيئتين سالفتى الذكر بصدور قرارات رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 "بنظام الموظفين بهيئة سكك حديد مصر" ورقم 1640 لسنة 1960 "باللائحة التنفيذية للقرار المذكور"، ورقم 2192 لسنة 1959 "بنظام الموظفين بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بإقليم مصر"، ورقم 1643 لسنة 1960 "باللائحة التنفيذية لنظام موظفي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بالإقليم الجنوبي"، وبمطالعة هذه القرارات يبين أنها خلت من آية أحكام تفيد إحياء الأحكام التي سبق أن وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر في 3 من مايو سنة 1950 وإذ كان القانون رقم 10 لسنة 1953 "بتعديل بعض أحكام القانون رقم 104 لسنة 1949 باختصاصات مجلس إدارة السكك الحديدية والتلغراف والتليفونات"، قد تضمن من بين ما تضمنه من تعديلات، تعديل المادة الرابعة من القانون رقم 104 لسنة 1949 لتصبح على الوجه الآتي: "فيما عدا المسائل التي تقتضي إصدار قانون أو مرسوم تكون جميع المسائل المبينة بالمادة السابقة نافذة بقرار من وزير المواصلات" فإن القانون المذكور يكون قد هدف من هذا التعديل إلى مجرد تخويل وزير الموصلات الاختصاص الذي كان مخولاً لمجلس الوزراء طبقاً لأحكام هذه المادة قبل تعديلها، وهو الاختصاص الذي أضحى، منذ العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951، مقصوراً على إصدار القرارات في المسائل التي لا تخالف ما تضمنه هذا القانون من قواعد وأحكام أو تتعارض معها على ما سلف إيضاحه. وما دام القانون رقم 10 لسنة 1953 أو أي قانون آخر، لم يتضمن، بالاستثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، إحياء أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من مايو سنة 1950 أو قرار وزير المواصلات رقم 26 لسنة 1955 المعدل له، فلا يجوز قانوناً الاعتداد بأحكام هذين القرارين وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 في أول يوليو سنة 1952.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه الصادر من وزير المواصلات برقم 5 في 21 من يوليو سنة 1960 قد تضمن ترقية بعض زملاء المدعي بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية إلى الدرجة السابعة بالأقدمية، وأن أحدث المرقين بهذا القرار ترجع أقدميته في الدرجات الثامنة إلى 4 من يوليو سنة 1952، مستند رقم 7 المودع بملف الدعوى)، على حين أن أقدمية المدعي في هذه الدرجة ترجع إلى أول يناير سنة 1958، فإن القرار المطعون فيه لا يكون قد انطوى على أي تخط للمدعي في الترقية التي أجريت بالأقدمية، وبذلك يكون القرار المذكور قد صدر، في هذا المجال، صحيحاً، لا مطعن عليه، ولا يغير من هذا النظر أن المدعي كانت له مدة خدمة سابقة بالمكافأة الشهرية اعتباراً من 6 من مارس سنة 1957 حتى تاريخ تعيينه في الدرجة الثامنة، ذلك أنه لا يجوز قانوناً ضم هذه المدة له تطبيقاً للقرار الجمهوري رقم 159 لسنة 1958" في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة "إذ الثابت أنه لم يتقدم بطلب ضمها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نشر هذا القرار وفقاً لنص المادة الثالثة منه، كما أن القرار الإداري رقم 772 في 19 من نوفمبر سنة 1961 المتضمن ضم مدة خدمة المدعي بالمكافأة الشهرية (مستند رقم 6 المودع بملف الدعوى إنما صدر بعد صدور القرار المطعون فيه، فلا أثر له في مجال الترقية التي تضمنها هذا القرار طالما أن القرار المذكور قد صدر بسلطة تقديرية من المدير العام لهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية استناداً إلى المادة 18 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1643 لسنة 1960 "باللائحة التنفيذية لنظام موظفي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بالإقليم الجنوبي"، وفضلاً عن ذلك فإن المطعون عليه قد قرر في مذكرته المودعة خلال فترة حجز الطعن للحكم أن طلباته لا تشمل طلب ضم مدة خدمته السابقة وإنما تنصب على طلب تطبيق أحكام القاعدة التنظيمية التي صدر بها قرار مجلس الوزراء في 3 من مايو سنة 1950 سالف الذكر، وهو الطلب الذي ثبت أنه غير محق فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيما إذ ذهب غير المذهب المتقدم، يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
الطعن 138 لسنة 11 ق جلسة 27 / 4 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 13 ج 2 ق 111 ص 832
جلسة 27 من إبريل سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.
-----------------
(111)
القضية رقم 138 لسنة 11 القضائية
عقد إداري "انعقاده".
يعتبر العقد منعقداً بين جهة الإدارة ومقدم العطاء بمجرد إخطاره بقبول عطائه - التراخي في تكملة التأخير النهائي لا يؤثر في صحة انعقاد العقد من تاريخ الإخطار - التجاوز عن التأمين في الوفاء بقيمة التأمين النهائي وقبوله يقطعان بأن جهة الإدارة قد أبقت على العقد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي، السيد عبد العزيز محمد حنفي، أقام الدعوى رقم 342 لسنة 15 القضائية ضد السيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد الممثل القانوني لبلدية القاهرة بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض" في 18 من يناير سنة 1961 طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 1388 جنيهاً و500 مليم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ومع حفظ كافة حقوقه وخاصة في طلب فسخ العقد وما يترتب عليه من تعويضات.. وقال - شرحاً لدعواه - إنه في 14 من يونيه سنة 1959 أخطرته بلدية القاهرة بأنه قد رست عليه مناقصة توريد عدد 4500 نخلة بلدي من أنواع مختلفة في حدود مبلغ 2775 وتطالبه بدفع مبلغ 222 جنيهاً و500 مليم، باقي التأمين النهائي، إذ أنه كان قد أرفق بعطائه تأميناً ابتدائياً مقداره خمسون جنيهاً، فقام بسداد التأمين.. وأنه نظراً لأن إجراءات توقيع العقد تستغرق وقتاً ليس بالقصير ويخشى من انقضاء الوقت المناسب للزراعة فقد طلبت منه البلدية القيام بالتوريد والزراعة دون انتظار توقيع العقد.. وقد تصرفت معه البلدية بما يدل على قيام العقد فعلاً قبل توقيعه باستلامها النخيل الذي ورده بواسطة اللجان المختصة بعد مطابقته للمواصفات المنصوص عليها بشروط المناقصة وقام بزراعته في الأماكن المعينة له.. وأنه طبقاً للبند الثامن لهذه الشروط يتعين على البلدية أن تؤدي له نصف الثمن بعد التوريد ثم تدفع الربع بعد الترقيع الذي يجب أن يتم بعد 4 - 6 شهور من الزراعة. أما الربع الباقي فيدفع بعد ثلاثة شهور من التوقيع الثاني النهائي.. غير أنها رفضت أن تؤدي له أي مبلغ إلا بعد تنفيذ العقد من حيث الترقيع وبذلك قد منحت نفسها أجلاً وقيدت التزامها بما يخالف أحكام العقد.
وردت الحكومة على الدعوى بأنه قد رست على المدعي مناقصة توريد 4500 نخلة وزراعتها بالمناطق المبينة بالشروط نظير مبلغ 2775 جنيهاً.. وقد تراخى في دفع التأمين النهائي فلم يؤده إلا في 14 من سبتمبر سنة 1959 متجاوزاً المواعيد القانونية. وفي خلال ذلك قام المدعي بتوريد النخيل وزراعته تحت مسئوليته ولم تقم اللجان المختصة باستلام النخيل المورد.. وتمت موافقة السيد الوزير على التجاوز عن التأخير في دفع التأمين النهائي في 26 من مارس سنة 1960.. ووقع المدعي على العقد في 6 من إبريل سنة 1960 ثم قامت اللجان الفنية باستلام النخيل حسب شروط العقد فظهر أن نسبة النجاح فيه تتراوح بين 3%، 17.5%، أي أن أغلب النخيل لم يكن صالحاً، وبلغ ثمن النخيل الناجح 379 جنيهاً و700 مليم. كما أن المدعي لم يقم بترقيع النخيل الذي لم ينجح حسب شروط العقد ولم يزد قيمة التأمين بما يوازي ثمن هذا النخيل الميت كما أنه امتنع عن صيانة النخيل المنزرع.
وبصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 12 من نوفمبر سنة 1961 صحح المدعي شكل الدعوى بتوجيهها إلى السيد وزير الإسكان والمرافق بصفته الرئيس الأعلى لبلدية القاهرة والسيد رئيس مجلس محافظة القاهرة بصفته ممثلاً للبلدية المذكورة وطلب في هذه الصحيفة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 1387 جنيهاً 500 مليم والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ساندت فيه طلبات المدعي.
قدمت الحكومة مذكرة بالتعقيب على تقرير هيئة مفوضي الدولة رددت فيها ما ذكرته في ردها على الدعوى وأضافت إليه أنه لا يجوز أن يصرف للمدعي نصف ثمن النخيل مع أن ما تورد من النخيل الناجح المطابق للمواصفات يساوي مبلغ 379 جنيهاً و700 مليم فقط إذ المفروض أن يتم التوريد مطابقاً للمواصفات وأن يؤدي الغرض الذي من أجله تم التعاقد.... وردت الحكومة على ما جاء بتقرير هيئة المفوضين - من أن الجهة الإدارية قد استلمت النخيل استلاماً فنياً بواسطة لجانها وجميعه مطابق للمواصفات - أن هذا القول مرسل لا دليل عليه لأن الإجراءات التي كانت تتخذها جهة الإدارة خلال فترة الزراعة كانت مقصورة على تحديد الأماكن التي تتم فيها الزراعة تحت مسئولية المدعي... وانتهت الحكومة إلى طلب رفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة أول نوفمبر سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام المحافظة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 1387 جنيهاً و500 مليم والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 18 من يناير سنة 1961 حتى تاريخ تمام الوفاء. وألزمت المدعى عليها بالمصروفات وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وأقامت قضاءها على أن عقد المدعي مع البلدية قد انعقد اعتباراً من تاريخ إخطاره بقبول عطائه في 14 من يونيه سنة 1959 دون النظر إلى تاريخ سداد التأمين النهائي أو التوقيع على العقد لأن ذلك ما هو إلا لضمان تنفيذ هذا التعاقد. وأن هذا هو ما ردده العقد في البند التاسع والعشرين منه.. كما أن الثابت أن السيد الوزير قد اعتمد قرار اللجنة المالية بقبول التأمين المقدم من المدعي في 14 من سبتمبر سنة 1959، أي بتأخير قدره ثلاثة أشهر، وبذلك يكون التأمين قد تم سداده طبقاً لأحكام المادة 76 من لائحة المناقصات والمزايدات.. وأنه لما كانت الشروط الملحقة بالعقد قد أوضحت المواصفات التي يتعين توافرها في شجيرات النخيل الموردة ونصت على أن يقوم المتعهد بتوريدها وزراعتها بمعرفته في الأماكن التي يرشد عنها مندوب المراقبة العامة للحدائق على أن تشكل اللجنة لاستلامه عند توريده وقبل زراعته ولها الحق في قبول أو رفض النخيل إذا ما خالف الشروط وأن الزراعة تتم في مارس وإبريل أو مايو إلى أغسطس، وكذا الترقيع الذي يتم بلجنة كذلك وأن يدفع المتعهد نصف الثمن بعد التوريد وربعه بعد الترقيع الأول الذي يجب أن يتم بعد 4 - 6 شهور من الزراعة وأما الربع الباقي فيدفع بعد ثلاثة شهور من الترقيع الثاني - وهو النهائي - والذي يصير استلامه بلجنة كذلك. وأن الثابت من أوراق الملف رقم 9/ 1/ 42 - المقدم من الحكومة - أن المدعي قام فعلاً في سبتمبر سنة 1959 بتوريد النخيل المتفق على زراعته في الأماكن التي حددها رجال الجهة الإدارية وأن الزراعة تمت بعد معاينة الشجيرات الموردة بواسطة اللجان المختصة في كل منطقة مما يقطع بأنها كانت مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في العقد وأن هذه المعاينة بمثابة استلام رسمي. وردت المحكمة على ما قررته الحكومة - من عدم تحرير محاضر رسمية وأن التسليم لا يتم إلا بهذه المحاضر - بأن العقد حرر وتم التوقيع عليه في 6 من إبريل سنة 1960 في حين أن نصوصه تلزم المدعي بالزراعة في ميعاد غايته أغسطس سنة 1959، وقد مد هذا الميعاد إلى شهر سبتمبر سنة 1959 بناء على ما أشار به أهل الزراعة وبالتالي فإن مسايرة منطق جهة الإدارة في هذا الخصوص يؤدي إلى تفويت موسم الزراعة، ومن ثم فساد الإنبات، أو التربص فترة سنة أخرى حتى يحل موسم الزراعة مرة أخرى وهو ما لا يمكن أن يكون قد قصد إليه المتعاقدان وأضافت المحكمة أن تصرفات جهة الإدارة تكشف عن إيمانها بأن التسليم قد تم فعلاً في ميعاد سابق على إتمام التوقيع على العقد. ذلك أنها بعد أن شكلت لجان المعاينة السابق الإشارة إليها أشارت على المدعي بالزراعة في أماكن معينة بعد أن هيأتها له وتعهدت ما تمت زراعته منها بالري وسمحت لرجاله بالمرور عليها لصيانتها وفقاً لنصوص العقد وعندما اعترضت بعض هذه الشجيرات مسار شارع حديث يجرى شقه شرقي تلال الدراسة، طلبت إليه حضور عملية نقلها.. هذا فضلاً عن أن محافظة القاهرة كتبت إلى إدارة قضايا الحكومة بأنها على استعداد لتنفيذ التزاماتها وسداد 50% من قيمة ما ورده المدعي وفقاً للعقد بشرط أن يقوم بتنفيذ التزامه بالترقيع واستبدال الشجيرات الميتة بشجيرات تطابق الشروط وتقبلها لجان الاستلام... وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أحقية المدعي في طلب الحكم به بالمبلغ المطالب به.
طعنت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 30 من ديسمبر سنة 1964 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبنت طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد جاء على سند غير صحيح من القانون والواقع.. ذلك أن المشرع أحاط العقد الإداري بضمان خاص عند تخلف الراسي عليه العطاء عن دفع التأمين النهائي في الميعاد المقرر فأجاز لجهة الإدارة إلغاء العقد ومصادرة التأمين المؤقت ويكون لها الحق تبعاً لذلك في أن تخصم من أية مبالغ تكون مستحقة كل خسارة تلحقها من جراء ذلك ومن ثم فإن التأمين النهائي هو شرط من شروط صحة العقد ونفاذه وتكون الفترة فيما بين التأخير في دفعه عن الميعاد المحدد وموافقة المختصين على التجاوز عن هذا التأخير خارجة عن نطاق القبول وبالتالي لا يكون هناك عقد نافذ حتى تتم هذه الموافقة. وبالتالي لا يصح التعويل على أي إجراء اتخذ تنفيذاً للعقد في خلال تلك الفترة من جانب المتعهد أو من جانب رجال الإدارة وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ استند على إجراء تم نفاذه خلال فترة وقف نفاذ العقد.. وأنه إذا كان الثابت من التقارير التي وضعتها اللجان الفنية عند استلام النخيل المورد من المطعون ضده، بعد سداد التأمين وإجازة العقد، أن نسبة النجاح فيه تتراوح 3%، 17.5% وأن قيمتها 379 جنيهاً و700 مليماً فإنه يحق لجهة الإدارة أن تحبس تحت يدها هذا المبلغ أو أية مبالغ أخرى تكون مستحقة للمطعون ضده وتعلق سدادها إليه إلى أن يقوم بتنفيذ كافة التزاماته المنصوص عليها في العقد وهي الالتزامات الخاصة بصيانة النخيل وترقيع ما لم ينجح منه. وقالت الحكومة إن هذا يتفق والقواعد العامة في الالتزامات العقدية عامة والتي تخول الدفع بعدم التنفيذ واستعمال الحق في الحبس المقررين بموجب المادتين 161، 246 من القانون المدني.. وأن الدفع بهما من جانب جهة الإدارة لا يتعارض مع طبيعة العقد الإداري.. وبعد أن أوردت الحكومة نص هاتين المادتين قالت إنه إذا شاء الحكم المطعون فيه أن يحكم على جهة الإدارة بالمبلغ المطعون ضده فقد كان حرياً به أن يقرن هذا الحكم بشرط هو أن يقدم هذا الأخير بتنفيذ التزاماته في الوقت ذاته إعمالاً لحق جهة الإدارة المستند إلى القانون في الدفع بعدم التنفيذ.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق وعلى ملفات الموضوع - المقدمة من الحكومة - أن المراقبة العامة للحدائق والأشجار ببلدية القاهرة قد أجرت في بداية عام 1959 مناقصة محلية لتوريد 4500 نخلة من أنواع مختلفة لزراعتها ببعض الحدائق التابعة لها، طبقاً للشروط والمواصفات التي أوضحتها المراقبة، ومن هذه الشروط أن تشكل لجنة لاستلام النخيل عند توريده وقبل زراعته ويكون لها الحق في قبول أو رفض النخيل المخالف للشروط.. ثم حددت الشروط ميعاد الزراعة وميعاد الترقيع. ونصت على أن يكون المتعهد "مسئولاً عن صيانة النخيل في أماكن زراعته أو يشرف على عمال المراقبة حسب إرشاداته". كما نصت على أن تدفع له المراقبة نصف الثمن بعد التوريد وربع الثمن عند الترقيع، الذي يجب أن يتم بعد أربعة إلى ستة شهور من الزراعة أما الربع الباقي من الثمن فيدفع بعد ثلاثة شهور من الترقيع الثاني، وهو الترقيع النهائي وأن ثمن النخيل الميت يخصم من قيمة التأمين في الموسم التالي لتاريخ الزراعة... وقد تقدم المدعي بعطائه.. وفي 14 من يونيه سنة 1959 أخطرته البلدية بقبول عطائه بما قيمته 2775 جنيهاً وطلبت منه أن يبادر إلى دفع مبلغ 222 جنيهاً قيمة باقي التأمين النهائي المستحق عليه.. فطلب المدعي السماح له بتوريد النخيل بما يوازي قيمة التأمين المطلوب إلا أن البلدية رفضت هذا الطلب وأشارت عليه بأنه يجوز توريد النخيل وزراعته في شهر سبتمبر بعد تكملة التأمين.... وفي 14 من سبتمبر سنة 1959 أكمل المدعي التأمين النهائي وفي 20 من ذات الشهر أتم توريد النخيل للحدائق حتى لا يفوت شهر سبتمبر، وهو نهاية موسم الزراعة، وقد تمت معاينة النخيل قبل زراعته بمعرفة اللجان المختصة وإن كانت لم تحرر محاضر بالاستلام بسبب عدم وصول العقد لإدارة الحدائق... وقام المدعي بزراعته في الأماكن التي حددها له رجال بالبلدية.. وفي 10 من يناير سنة 1960 طلبت الإدارة العامة للمصروفات بالبلدية الحصول على الموافقة اللازمة على قبول التأمين بعد المدة المحددة في المادة 76 من لائحة المناقصات والمزايدات فوافقت لجنة شئون المناقصات على ذلك في اليوم التالي ونصت على أن يعرض الأمر على الهيئة الإدارية للمجلس البلدي للموافقة على هذا الاستثناء.. وفي 13 من مارس سنة 1960 وافقت اللجنة المالية على هذا القرار وأقرته الهيئة الإدارية للمجلس في 16 من نفس الشهر واعتمده السيد الوزير في 26 من الشهر المذكور ثم تحرر العقد وتم التوقيع عليه في 6 من إبريل سنة 1960 وأرسلت صورة منه للمدعي في 13 من ذات الشهر.. وفي 30 من الشهر ذاته اجتمعت لجنة استلام النخيل، ولم يحضر اجتماعها المدعي أو من ينوب عنه، فتبين لها نجاح نسبة ضئيلة من النخيل تتراوح بين 3%، 17.5%.. وفي 23 من أغسطس سنة 1960 أخطرت البلدية المدعي بأنه لم يقم بأي ترقيع للنخيل الذي قام بتوريده وطلبت إليه سرعة القيام بذلك في الميعاد المحدد بالعقد لأن النتيجة سيئة جداً ونسبة النجاح ضعيفة في كافة المناطق التي زرع بها.. وفي 18 من سبتمبر سنة 1960 أنذر المدعي البلدية إنذاراً رسمياً على يد محضر مطالباً بالوفاء بنصف ثمن النخيل الذي قام بتوريده ومقداره 1387.500 جنيهاً. والثابت من الأوراق كذلك أن المدعي انقطع عن المرور على النخيل بواسطة مندوبيه من يوم 18 من يونيه سنة 1960. وعلل ذلك في كتابه الذي تلقته البلدية في 11 من ديسمبر سنة 1960 بعدم وفائها بنصف ثمن النخيل وأنه لم يقم بالترقيع بسبب عدم قيامها بتنفيذ التزاماتها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من اعتبار العقد مبرماً بين البلدية والمدعي من 14 من يونيه سنة 1959 - تاريخ إخطاره بقبول عطائه - إذ يقضي البند التاسع والعشرون منه على أنه:
"بمجرد إخطار مقدم العطاء بقبول عطائه يصبح التعاقد تاماً بينه وبين الوزارة أو المصلحة، طبقاً لهذه الشروط وأن إمضاء العقد ودفع التأمين ما هو إلا لضمان تنفيذ هذا التعاقد.. وتعتبر مدة التوريد من تاريخ اليوم التالي لإخطار المتعهد بقبول العطاء".
وعلى ذلك فإنه لا شبهة في انعقاد العقد بين البلدية والمدعي بمجرد إخطاره في 14 من يونيه سنة 1959 بقبول عطائه... أما واقعة تراخي المدعي في تكملة التأمين النهائي حتى 14 من سبتمبر سنة 1959 فلا تؤثر على صحة انعقاد العقد من تاريخ الإخطار المشار إليه... ذلك أنه - وإن كان عدم إيداع هذا التأمين في الميعاد المحدد، وهو عشرة أيام من تاريخ الإخطار، يجيز للبلدية طبقاً لشروط العقد، وطبقاً لنص المادة 53 من لائحة المناقصات والمزايدات، سحب قبول العطاء ومصادرة التأمين المؤقت كما يجيز لها أن تشتري على حسابه كل أو بعض الكمية التي رست عليه وأن تسترد منه التعويضات والخسائر التي لحقتها وأن تخصم ذلك من أية مبالغ تكون مستحقة له - إلا أن المادة 76 من تلك اللائحة قد أجازت لرئيس المصلحة قبول التأمين النهائي إذا تأخر المتعهد عن إيداعه مدة خمسة أيام كما أجازت للسيد وكيل الوزارة إطالة المدة فترة أخرى.. والثابت من الأوراق أن البلدية لم تر استعمال حقها في إلغاء العقد ومصادرة التأمين بسبب تأخير المدعي في إيداع التأمين النهائي حتى 14 من سبتمبر سنة 1959 بل أنها قد تجاوزت عن هذا التأخير فصدر من السيد الوزير في 26 من مارس سنة 1960 قرار بالموافقة على قرار الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة الصادر في 16 من ذات الشهر بالتجاوز عن تأخير المدعي في الوفاء بقيمة التأمين النهائي وبقبوله منه وهذا يقطع بأن البلدية قد أبقت على العقد الذي انعقد مع المدعي بإخطاره بقبول عطائه رغم تراخيه في دفع التأمين النهائي.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب كذلك فيما قضى به من إلزام البلدية المدعى عليها بنصف ثمن النخيل الذي ورده المدعي، للأسباب التي استند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أنه ما كان للجان المختصة وأن تقصر عملها على معاينة النخيل الذي قام المدعي بتوريده في 10 من سبتمبر سنة 1959، دون القيام باستلامه استلاماً فعلياً وتحرير المحاضر اللازمة بذلك - بمقولة إن التسليم لا يكون إلا تنفيذاً لعقد مبرم ونافذ وأنه لم يكن هناك عقد في ذلك الحين، في عقيدتها، يجيز لها تسلم النخيل - وقد تقدم القول بأن هذه العقيدة التي كانت وراء مسلك البلدية في رفض تسلم النخيل لا أساس لها من الصحة لأن العقد قد قام شرعاً بينها وبين المدعي من تاريخ إخطاره بقبول عطائه في 14 من يونيه سنة 1959 وأن تراخي هذا الأخير في الوفاء بالتأمين النهائي، ثم التراخي تبعاً لذلك في التوقيع على العقد، لا يغير من حقيقة قيام العقد في مجال القانون والواقع صحيحاً منتجاً لآثاره اعتباراً من التاريخ المشار إليه... خاصة وأن التأخير في إجازة تراخي المدعي في الوفاء بذلك التأمين يرجع إلى البلدية وطول إجراءاتها في هذا الشأن.. إذ أن المدعي قد أودعه في 14 من سبتمبر سنة 1959 ولم تصدر الموافقة على إجازة هذا التراخي إلا في 26 من مارس سنة 1960 حسبما تقدم.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهبت إليه البلدية - من أنها قد امتنعت عن الوفاء بنصف ثمن النخيل المورد بسبب عدم قيام المدعي بتنفيذ التزامه بالترقيع (أي... استبدل النخيل الميت بآخر ناجح) وبصيانة هذا النخيل أو الإشراف عليه - لا حجة في ذلك أن البند 8 من شروط المناقصة الملحقة بالبند ينص على أن: "يدفع للمتعهد نصف الثمن بعد التوريد وربع الثمن بعد الترقيع الذي يجب أن يتم بعد 4 - 6 شهور من الزراعة. وأما الربع الباقي من الثمن فيدفع بعد ثلاثة شهور من الترقيع الثاني (وهو النهائي الذي سيصير استلامه بلجنة كذلك".... وينص البند 6 على أن "المتعهد مسئول عن صيانة النخيل في أماكن زراعته - أو يشرف على عمال المراقبة حسب إرشاداته". وينص البند 9 على أن: "يصير خصم ثمن النخيل الميت من قيمة التأمين في الموسم التالي لتاريخ الزراعة".
ويبدو من هذه النصوص أن نصف الثمن يدفع بعد توريد النخيل مباشرة.. ولما كان هذا التوريد قد تم في 20 من سبتمبر سنة 1959 وقامت اللجان المختصة بمعاينته وسمحت للمدعي بزراعته في الأماكن التي حددتها لذلك فقد كان يتعين على البلدية أداء هذا المبلغ في التاريخ المذكور... أما الترقيع فإنه لا يتم إلا بعد مدة تتراوح بين أربعة وستة شهور من تاريخ زراعة النخيل.. وكذلك الصيانة أو الإشراف فإنها لا تتم إلا بعد التوريد والزراعة.. ومن ثم فإن التزام المدعي بالترقيع والصيانة أو الإشراف لم يكن قد نشأ وقت استحقاق المدعي لنصف ثمن النخيل الذي تم توريده.. وتأسيساً على ذلك فما كان يحق للبلدية أن تعلق الوفاء بهذا المبلغ الأخير على التزام لم يكن قد نشأ في ذمته وقت استحقاقه نصف هذا الثمن وتبعاً لذلك فإنه لا محل لتطبيق نص المادة 161 من القانون المدني التي تنص على أنه: "في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به" ذلك لأن شرط انطباق هذه المادة أن تكون الالتزامات متقابلة ومستحقة الوفاء معاً... ونصف الثمن، حسبما سبق البيان، أصبح مستحقاً التوريد في 20 من سبتمبر سنة 1959 في حين أن التزام المدعي بالترقيع والصيانة أو الإشراف لم يكن قد نشأ حينذاك.. إذ أن الصيانة أو الإشراف لا يكون إلا بعد الزراعة أما الترقيع فإن الالتزام به ينشأ بعد مدة تتراوح بين أربعة وستة شهور من تاريخ الزراعة، حسبما تقدم، ولهذا السبب نفسه لا محل لاستناد البلدية إلى نص المادة 246 من القانون المدني التي تنص على أن: "لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا" ذلك لأن التزام البلدية بدفع النصف الأول من ثمن النخيل ليس مترتباً على قيام المدعي بالترقيع أو الصيانة، بل هو مترتب فقط على قيام المدعي بتوريد النخيل، وقد ورد، بالفعل وقبلته اللجان المختصة.. يؤكد هذا ويعززه أن جزاء عدم الترقيع هو الامتناع عن الوفاء بالنصف الثاني من الثمن إذ أن ربع الثمن يدفع بعد الترقيع الأول والربع الأخير يدفع بعد الترقيع الثاني يضاف إلى ذلك أن للمدعي تأميناً يربو على المائتين من الجنيهات يحق للبلدية أن ترجع عليه فيه بما عساه تكون قد تكبدته من مصروفات في القيام بالترقيع أو الصيانة إن امتنع المدعي عن القيام بها في المواعيد المحددة لها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر مطابقاً لأحكام القانون ومن ثم يكون الطعن عليه على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
الطعن 359 لسنة 9 ق جلسة 27 / 4 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 13 ج 2 ق 110 ص 822
جلسة 27 من إبريل سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.
---------------
(110)
القضية رقم 359 لسنة 9 القضائية
(أ) هيئة عامة "الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية". موظف "تأديب". الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار رقم 108 لسنة 1960
- عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون عمال اليومية - عدم العرض يترتب عليه عدم استيفاء القرار لأوضاعه الشكلية - الحكم الصادر بإلغاء هذا القرار لا يحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية عن ذات المخالفة وتوقيع الجزاء المناسب بقرار آخر تتبع بشأنه الإجراءات التي يقضي بها القانون - عدم تقييد الجهة الإدارية عند إصدار القرار الأخير بمواعيد سحب القرارات الإدارية - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري "صحته".
عدم انعقاد اللجنة الفنية لشئون عمال اليومية - صدور قرارها بطريق التمرير لا يؤدي إلى بطلان القرار ما دام قد صدر بالإجماع.
(جـ) موظف "جزاء"
إسناد أعمال كثيرة إلى الموظف تقتضي تغيبه عن المخزن مدداً متفاوتة ولئن كان لا يعفيه من المسئولية عما يقع من تقصير في القيام بواجباته إلا أن هذا التقصير في مثل هذه الظروف لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم المنصوص عليه في البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى والذي سوت اللائحة في العقوبة بينه وبين المخالفات العمدية المنصوص عليها في الجدول المذكور - اختيار أشد الجزاءات لها وهو الفصل ينطوي على غلو في تقدير الجزاء بما لا يتناسب مع درجة جسامة المخالفة مما يجعله مخالفاً للقانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 14 من نوفمبر سنة 1962 وتقدم الطاعن في 12 من يناير سنة 1963 بطلب لإعفائه من رسوم الطعن تقرر قبوله في 28 من يناير سنة 1963 فأقام هذا الطعن بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة في 3 من مارس سنة 1963.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 17 من مايو سنة 1961 أقام السيد/ عبد الحميد صالح أبو غالي الدعوى رقم 784 لسنة 8 القضائية ضد السيد وزير المواصلات والسيد مدير عام هيئة السكك الحديدية طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1961 بفصله تأديبياً وإعادته إلى عمله مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لدعواه إنه كان يعمل كاتب مهمات بالهيئة العامة للسكك الحديد منذ أول مارس سنة 1926 إلى أن فوجئ بفصله بالقرار الصادر في 13 من يناير سنة 1958 فتظلم منه وأقام الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية التي قضي فيها بتاريخ 16 من مايو سنة 1960 بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار - وأعيد إلى عمله في 3 من يناير سنة 1961 - وفي 30 من يناير سنة 1961 فوجئ بقرار من مفتش عام السكة والأشغال بفصله استناداً إلى القرار الإداري رقم 907 لسنة 1960 وإلى التحقيق الإداري الذي أجري في 22 من ديسمبر سنة 1957 في شأن اختلاس مهمات مصلحية من مخزن الأدوات الكتابية بالهندسة وإلى المحضر الخاص باللجنة التي قامت بجرد المخزن وقدرت قيمة العجز الذي وجدته بمبلغ 497 جنيهاً و485 مليماً وإلى محضر اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 والتي رأت فصله من الخدمة فصلاً تأديبياً - وذكر المدعي أن هذا القرار مخالف للقانون ومشوب بإساءة استعمال السلطة وأنه لذلك تظلم منه في 9 من فبراير سنة 1962 وبشكوى لاحقة في 9 من مارس سنة 1961 ولكنه لم يتلق رداً على تظلمه فأقام دعواه طاعناً عليه للأسباب الآتية:
أولاً - إنه في 13 من يناير سنة 1958 صدر قرار هندسة السكة الحديد بفصله من عمله بسبب وجود عجز في مخزن الأدوات الكتابية بهندسة السكة حرر عنه محضر تحقيق إداري في 22 من ديسمبر سنة 1957 وقضي بإلغاء هذا القرار في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية وأصبح هذا الحكم نهائياً - وقد صدر القرار المطعون فيه رقم 31 في 30 من يناير سنة 1961 بناء على ذلك التحقيق وذات الأسباب وفي ذلك مساس بحجية الشيء المقضى به في الدعوى رقم 524 لسنة 5 القضائية.
ثانياً - إنه على فرض أن الحكم الصادر في الدعوى 534 لسنة 5 القضائية قد بني على أساس مخالفة الإجراءات القانونية في إصدار قرار الفصل فإنه ما كان يجوز إصدار القرار المطعون فيه بعد أن اتضح من التحقيق أنه غير مسئول عن العجز الذي وجد إذ لم يكن الكاتب الوحيد بالمخزن وكان رؤساؤه يكلفونه بالسفر للتفتيش فكانت يده ترفع عن المخزن.
ثالثاً - إنه تبين من تحقيق النيابة العامة أنه لا يمكن مساءلته عن مهمات المخزن لوجود أشخاص آخرين يتصرفون في مهماته ولا يجتمعون في وقت واحد حتى يمكن إسناد التهمة إليهم جميعاً أو لواحد منهم ولذلك انتهت النيابة العامة إلى حفظ التحقيق.
رابعاً - إن قرار اللجنة الفنية لم يصدر بعد تمحيص وفحص ومناقشة بل عرضت الأوراق على اللجنة بطريق التمرير.
خامساً: إنه كان على هندسة السكة بعد أن أعادته إلى عمله وألغت قرار الفصل الأول أن توجه إليه اتهاماً جديداً وتواجهه به أو على الأقل تستدعيه أمام اللجنة الفنية لإبداء دفاعه ومن ثم يكون قرار فصله قد بني على قرار اللجنة المشوب ويكون باطلاً.
وأجابت الهيئة المدعى عليها على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه سبق أن قامت اللجنة بجرد مخزن الأدوات الكتابية بتفتيش المهمات وقام الضابط القضائي بتفتيش منزل كل من المدعي ومساعده علي قنديل ووجد بمنزل المدعي بعض الأدوات الكتابية ومهمات اشتبه في أنها مصلحية كما عثر على بعض المخدرات أجرت نيابة المخدرات التحقيق في شأنها وقبض على المدعي ثم أفرج عنه وتقرر إيقافه هو ومساعده لحين الانتهاء من التحقيق وقدرت لجنة الجرد العجز في المخزن بمبلغ 497 جنيهاً و489 مليماً وأسفر التحقيق الإداري عن إدانة المدعي ومساعده وصدر الأمر رقم 5 لسنة 1958 في 13 من يناير سنة 1958 بفصلهما فأقام المدعي الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية التي قضي فيها بجلسة 16 من مايو سنة 1960 بإلغاء القرار الصادر بفصله استناداً إلى أن هذا القرار قد صدر دون عرض الأمر على اللجنة الفنية وبناء على ذلك صدر أمر إداري في 29 من ديسمبر سنة 1960 بإلغاء قرار الفصل وإعادة المدعي إلى العمل واستلم العمل فعلاً في 3 من يناير سنة 1961 وأعيد عرض الموضوع على اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال التي رأت بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 فصل المدعي فصلاً تأديبياً فصدر القرار رقم 31 في 30 من يناير سنة 1961 بفصله من العمل من مفتش عام هندسة السكة والأشغال الذي خول هذا الاختصاص بمقتضى القرار رقم 204 لسنة 1956 وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقب المدعي على دفاع الهيئة بمذكرة قال فيها إن لائحة الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار رقم 108 لسنة 1960 قد قسمت المخالفات إلى خمسة أقسام وقررت عقوبات لكل قسم منها وأن النتيجة التي وصل إليها المحقق في التحقيق الإداري الذي أجري في 22 من ديسمبر سنة 1957 هي أن المسئول الحقيقي عن جميع العجز هو علي قنديل وأن المدعي مسئول عن الإهمال في مراجعة موجودات المخزن ولا سيما في الأصناف ذات القيمة من حين لآخر وبالأخص بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن وأن الاتهام الذي وجه إليه هو عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن وهي مخالفة نص عليها تحت رقم 10 من مخالفات المجموعة الرابعة وأقصى عقوبة لها هي خصم عشرة أيام - ولو صح أنه ارتكب هذه المخالفة فإنه ما كان يجوز أن توقع عليه عقوبة الفصل - وأضاف أنه ولئن كانت مهمته مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن فإن التحقيق قد أسفر عن أنه كان يكلف بمهمات وأعمال خارج المخزن تستدعي غيابه أياماً وأسابيع وعن أنه هو الذي أبلغ السلطات عن العجز الذي اكتشفه عندما عاد من مأموريته فما كان يجوز أن يسأل عما ليس في استطاعته إذ لم يكن في إمكانه أن يرى ما خرج من المخزن وهو بعيد عنه ويطابقه على الكارت.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً على أن القرار المطعون فيه صدر في 20 من يناير سنة 1961 وتظلم منه المدعي في 9 من فبراير سنة 1961 ثم أقام دعواه في الميعاد وعلى أن إلغاء القرار الأول بفصل المدعي بالحكم الصادر في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية لعيب في شكله لصدوره دون أخذ رأي اللجنة الفنية المختصة بشئون عمال اليومية لا يمنع الجهة الإدارية من تقرير فصله من جديد بمراعاة قواعد الشكل والإجراءات المقررة قانوناً - وأن الأمر قد عرض على اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 فأوصت بفصل المدعي - ويبين من الأوراق أن ما انتهت إليه اللجنة الإدارية التي شكلت لتحقيق موضوع العجز من أن المدعي مسئول عن إهماله في عدم مراقبة عملية الصرف ومراجعة موجودات المخزن قد استخلص من تحقيقها استخلاصاً سائغاً يدل على إهماله في مراقبة عمليات الصرف ومراجعة موجودات المخزن الذي ظهر به العجز من حين لآخر مما يعد تقصيراً وتفريطاً في أداء واجبات وظيفته ويكون بالتالي ذنباً إدارياً يسوغ لجهة الإدارة التدخل لمجازاته بالعقوبة التأديبية التي تراها مناسبة لخطورته - وأنه لا وجه لما يحتج به المدعي من أنه طبقاً للائحة الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار الوزاري رقم 108 لسنة 1960 يكون الاتهام المسند إليه مندرجاً تحت رقم 10 بجدول مخالفات المجموعة الرابعة - لأن البند المذكور خاص بعدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن وهي مغايرة للمخالفة التي حوكم من أجلها والتي تندرج تحت البند 3 من جدول مخالفات المجموعة الأولى التي تصل فيها العقوبة إلى العزل من الوظيفة - وإذ ثبت أن الواقعة التي بني عليها القرار المطعون فيه لها أصل ثابت في الأوراق وأن القرار صدر ممن يملكه بعد أخذ رأي اللجنة الفنية لشئون العمال فإن هذا القرار يكون مطابقاً للقانون ويكون النعي عليه بعدم المشروعية على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً - إن الحكم في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الأول الصادر بفصل المدعي قد صدر في 16 من مايو سنة 1960 وأعلن إلى الهيئة في 16 من أغسطس سنة 1960 وأعادته الهيئة إلى العمل وبانقضاء ستين يوماً على ذلك اكتسب المدعي حقاً في عدم الرجوع مرة ثانية إلى إصدار قرار بفصله.
ثانياً - إن القرار المطعون فيه قد استند إلى قرار اللجنة الفنية بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1962 في حين أنه قد ثبت رسمياً أن اللجنة لم تنعقد في اليوم المذكور وورد ذلك في تحقيقات الشكوى رقم 555/ 4/ 1/ 191 التي تقدم بها المدعي إلى مراقبة الشئون القانونية والتحقيقات إذ يبين من تلك التحقيقات أن أحد أعضاء تلك اللجنة لم يكن موجوداً بالقاهرة في 21 من يناير سنة 1962 وأن عضواً آخر كان في إجازة التقاعد للمعاش ووقعا قرار اللجنة في 25 من يناير سنة 1961 أي أن القرار صدر بطريق التمرير ومخالفاً للقانون.
ثالثاً - إن تكييف الحكم المطعون فيه للمخالفة المسندة إلى المدعي تكييف غير سليم إذ أن البند الثالث من مخالفات المجموعة الأولى خاص بالإهمال في تأدية واجبات الوظيفة إهمالاً جسيماً يؤدي إلى خسائر في الأرواح أو الممتلكات - وليس في الأوراق ما يفيد حصول أي إهمال جسيم من المدعي بل ثبت من التحقيق الإداري أن المسئول الحقيقي عن جميع العجز لا سيما في ملفات الكارت هو علي قنديل وأن ما أسند إلى المدعي هو إهمال في مراجعة موجودات المخزن بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن - فما أسند إليه يخلص في عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات الموجودة بالمخازن وهي المخالفة المنصوص عليها في البند رقم 10 من مخالفات المجموعة الرابعة - وقد ثبت من ذات التحقيق أنه كان يكلف رسمياً بمهمات وأعمال خارج المخزن تستدعي غيابه بالأيام والأسابيع بأمر من رؤسائه المباشرين وأنه قد غاب في آخر مرة ثلاثة أشهر متتالية في عملية تقويم مهمات السكك الحديدية بتكليف من رئيس تفتيش المهمات وبمجرد عودته إلى المخزن اكتشف وجود العجز في ملفات الكارت فبادر إلى إبلاغ رؤسائه.
وأودع الطاعن مذكرة بدفاعه أضاف فيها إلى ما ورد بتقرير الطعن أنه كان بصفة مستمرة في مأموريات يقتضيها عمله خارج القاهرة بعيداً عن مقر عمله وأن المخالفة المنسوبة إليه وهي عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن على فرض ثبوتها لا يمكن أن تؤدي إلى وجود عجز في الأدوات الكتابية إذ أن العجز لا يوجد إلا إذا كان هناك اختلاس وهو ما لم يثبت في حقه - وأنه لا يمكن نسبة إهمال إليه لأنه كان مكلفاً بالإضافة إلى عمله بقيد مهمات السكة الحديد والمستعملة عهدة الأقسام وبالتوجه إلى المطابع والمخازن لاستعجال الطلبات لتموين المخزن - كما كان ينتدب في عمليات الجرد والمراجعة بالأقسام مما استدعى تشغيله أيام الجمع.
ومن حيث إن الهيئة العامة للسكة الحديد قد عقبت على الطعن بمذكرة قالت فيها إن اللجنة الفنية قد انعقدت في 21 من يناير سنة 1961 وأنه لو صح أن قرار فصل المدعي قد صدر بالتمرير فإن ذلك لا يبطله وذكرت أن المخالفة المسندة إليه ثابتة في حقه وأن كثرة عمله لا تنفي عنه الإهمال الجسيم وعلى فرض أن هناك أعمالاً توكل إليه خارجة عن اختصاصه كأمين مخزن تعطله عن القيام بعمله الأصلي على الوجه الأكمل فإنه كان عليه أن يتقدم بمذكرة لرؤسائه مبيناً ذلك وإذ لم يفعل فإنه يكون مسئولاً عن العجز ويكون ما وقع منه إهمال جسيم في عمله يندرج تحت المجموعة الأولى من المخالفات المنصوص عليها في القرار رقم 10 لسنة 1960.
ومن حيث إن الحكم الصادر في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الصادر في 13 من يناير سنة 1958 بفصل المدعي استناداً إلى أن هذا القرار لم يستوف أوضاعه الشكلية لعدم عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون العمال قبل إصداره - هذا الحكم ما كان ليحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المدعي عن ذات المخالفة المنسوبة إليه وتوقيع الجزاء المناسب عليه متى كانت ثابتة في حقه بقرار آخر يصدر بعد اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون - ولا تتقيد الجهة الإدارية عند إصدار هذا القرار بمواعيد سحب القرارات الإدارية - إذ أن القرار الذي صدر بمجازاة المدعي لا يتضمن سحباً لأي قرار آخر ومن ثم لا يكون هناك وجه للنعي عليه بأنه كان يتعين صدوره خلال ستين يوماً من تاريخ إعادته إلى عمله تنفيذاً للحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر ويكون الوجه الأول للطعن غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بعد أن أعيد المدعي إلى العمل في 29 من ديسمبر سنة 1960 عرض الأمر على اللجنة الفنية وثابت من محضر جلسة اللجنة المذكورة الذي أودعت هيئة السكة الحديد صورة رسمية منه أنها في يوم 21 من يناير سنة 1961 برئاسة المهندس محمد إبراهيم وكيل عام هندسة السكة والأشغال بالإنابة وعضوية المهندسين سامي يوسف مفتش تفتيش المهمات والتموين وعبد المنعم محمد قريش وكيل تفتيش المهمات بالتموين وأوصت بفصل المدعي من الخدمة فصلاً تأديبياً - أما ما ذهب إليه المدعي من أن اللجنة لم تنعقد بل اتخذت قرارها بطريق التمرير - فليس في الأوراق ما يسانده - كما أنه لو صح فإنه ليس من شأنه أن يؤدي إلى بطلان القرار المذكور ما دام قد صدر بالإجماع حسبما هو ثابت من الأوراق - وبذلك يكون الوجه الثاني من أوجه الطعن في غير محله.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثالث من أوجه الطعن القائم على أنه وقع من المدعي إهمال جسيم يبرر فصله فإنه يبين من الأوراق أنه على أثر اكتشاف العجز بمخزن الأدوات الكتابية أجري تحقيق إداري سمعت فيه أقوال المدعي فذكر أنه كاتب أجريه ومنتدب أميناً للمخزن وأن عهدة الأدوات الكتابية سلمت إليه هو وعلي قنديل وأنه ليس مسئولاً عن عملية صرف وتصدير الأدوات للجهات التي تطلبها إذ كان يقوم بها علي قنديل وكان هو يقوم فقط بعملية الخصم والإضافة عن الأدوات والمطبوعات التي كانت ترد من إدارة المطابع والتوريدات بالكارتات الموجودة بالمخزن وقيد الأدوات التي كانت تصرف إلى الأقسام والجهات التابعة للهندسة بالكارتات شهرياً. وقال إنه كان يقوم بعمل المخزن بأمر من الهندسة علاوة على عمله الأصلي خارجه وعلاوة على المأموريات التي كان يكلف بها وأنه لكثرة الأعمال المسندة إليه لم يكن يراجع عملية الصرف أو أعمال زميله علي قنديل المسئول عن الصرف والتصدير كما ذكر أنه هو الذي اكتشف العجز وأبلغ الباشكاتب - وسمعت أقوال الباشكاتب سعد الدين إبراهيم فقرر أن المسئول عن صرف المهمات فيما يختص بالعجز والزيادة هو علي قنديل لأنه هو الذي يقوم بالصرف وأن عبد الحميد صالح له عمل أصلي إذ يمسك كارتات مهمات السكة الجديدة والمستعملة الخاصة بالأقسام ويقوم بالخصم والإضافة فيها وترد له شهرياً من الأقسام لمراجعتها على الكارتات ومناقضة الجهات التي تحدث بحوافظها أخطاء ويقوم بالسفر إليها لتصحيح الأخطاء علاوة على سفره في بعض الأحيان مع المهندسين - كما ذكر أن عبد الحميد صالح هو الذي أبلغه وجود عجز ببعض مهمات المخزن - وانتهت اللجنة التي أجرت هذا التحقيق إلى ما يأتي:
1 - أن علي قنديل هو المسئول الحقيقي عن جميع العجز ولا سيما في ملفات الكارت حيث ثبت أنه كان يحرر جميع قسائم الصرف وكان يقوم بتسليم المهمات للجهات الطالبة ولأنه بحكم عمله الوحيد بالمخزن لم يبارحه مطلقاً ولم يحصل على إجازة في المدة من 31 من يوليه سنة 1957 تاريخ ورود ملفات الكارت الأخيرة حتى 10 من نوفمبر سنة 1957 تاريخ اكتشاف العجز ولأن مفاتيح المخزن كانت دائماً معه وكان يقوم بفتح المخزن وقفله.
2 - أن عبد الحميد صالح مدان بإهماله في عدم مراقبة عملية الصرف ومراجعة موجودات المخزن ولا سيما الأصناف ذات القيمة من حين لآخر وبالأخص بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن بحكم الأعمال الأخرى المسندة إليه ولأنه هو الذي كان يقوم بعمليات الخصم والإضافة دون مراجعة عمل علي قنديل في الصرف والتأكد من وجود كشف طلب الأدوات أو مستلم على القسائم.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق ومما أبدته الهيئة المدعى عليها من دفاع أن قرار فصل المدعي قد قام على أساس وصف المخالفة المسندة إليه بأنها إهمال جسيم يندرج تحت البند الثالث من مخالفات المجموعة الأولى المنصوص على عقوباتها في المادة الأولى من لائحة الجزاءات الصادر بها قرار وزير المواصلات رقم 108 لسنة 1960 والتي نصت على عقاب مرتكبها بعقوبات أخفها خفض المرتب وأشدها العزل من الوظيفة - والإهمال المنصوص عليه في البند الثالث المشار إليه هو (الإهمال في تأدية واجبات الوظيفة إهمالاً جسيماً يؤدي إلى خسارة في الأرواح أو خسائر في الممتلكات).
ومن حيث إنه فضلاً عن أن المخالفة المسندة إلى المدعي قد وقعت قبل العمل بلائحة الجزاءات المشار إليها فإن ما وقع منه من إخلال بواجبات وظيفته يتمثل حسبما سبق البيان في عدم مراقبة عملية صرف الأدوات الكتابية - وعدم مراجعة موجودات المخزن ولا سيما الأصناف ذات القيمة من حين إلى آخر والثابت من الرجوع إلى ملف خدمته وإلى التحقيق الذي أجري معه أنه كان مسنداً إليه أعمال أخرى كثيرة تقتضي تغيبه عن المخزن مدداً متفاوتة - وأنه ولئن كانت كثرة الأعمال المعهود بها إليه ليس من شأنها أن تعفيه من المسئولية عما وقع منه من تقصير في القيام بواجباته - إلا أن هذا التقصير في الظروف التي حدث فيها لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم المنصوص عليه في البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى والذي سوت اللائحة في العقوبة بينه وبين المخالفات العمدية المنصوص عليها في الجدول المذكور ومن بينها (عرقلة أعمال الهيئة أو ما يسلم إلى الموظف بحكم وظيفته أو إتلافها أو اختلاسها).
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل المدعي قد قام على تكييف المخالفة المسندة إليه بما يجعلها من الذنوب الإدارية التي تندرج تحت البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى - وإذ اختار لها أشد الجزاءات وهو الفصل - فإنه يكون قد خالف القانون وانطوى على غلو في تقدير الجزاء بما لا يتناسب مع درجة جسامة تلك المخالفة - الأمر الذي يتعين معه إلغاء القرار المذكور لإعادة التقدير بما يتناسب عدلاً مع ما قام في حق المدعي من ذنب لا يعتبر جسيماً في الظروف التي وقع فيها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب وقضى برفض الدعوى يكون قد جانب الصواب فيتعين القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 31 الصادر بتاريخ 30/ 1/ 1961 بفصل الطاعن وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
الطعن 1326 لسنة 10 ق جلسة 20 / 4 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 13 ج 2 ق 109 ص 812
جلسة 20 من إبريل سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.
---------------
(109)
القضية رقم 1326 لسنة 10 القضائية
(أ) دعوى "تكييفها"
تكييف طلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة - خضوعه لرقابة القضاء الإداري. سلطته في تقصي مراميها والنية الحقيقية من وراء إبدائها دون الوقوف على ظاهر المعنى الحرفي لها.
(ب) مناجم ومحاجر. عقد إداري "تنفيذه". إتاوة. القانون رقم 136 لسنة 1948 في شأن المناجم والمحاجر
- اعتبار الترع من المحاجر لاحتوائها على مواد الطمي والأتربة التي تستعمل في البناء - التفرقة بين استخراج هذه المواد من الترع الحكومية بكمية محدودة لتنفيذ عملية مسندة من إحدى الجهات الحكومية وبين بيع ناتج عمليات حفر الترع التي تكون قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى مصلحة المناجم والمحاجر - أثر ذلك - في الحالة الأولى لا يلتزم المقاول الذي يقدم على استخراج أتربة من إحدى الترع للغرض المذكور أن يؤدي إتاوة إلى مصلحة المناجم والمحاجر أو أن يحصل على ترخيص بذلك - أساس ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن مورث المطعون ضدهم أقام الدعوى رقم 362 لسنة 16 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 4 من يناير سنة 1961 طالباً الحكم بإلزام وزارة الإسكان والمرافق ووزارة الصناعة متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 283 جنيهاً و200 مليم كتعويض عن الأضرار الناجمة عن القرار الإداري الصادر بخصم المبلغ المذكور من مستحقاته وتسويته لحساب مصلحة المناجم والمحاجر، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه إنه رست عليه في أوائل سنة 1949 عملية إنشاء المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة مركز طهطا محافظة سوهاج كما رست عليه في سنة 1950 تكملة العملية المذكورة ونصت نهاية الفقرة الثالثة من المادة (123) من الباب الثاني من عقد هاتين المناقصتين على أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة لردم الموقع من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري طبقاً للأورنيك المعتمد" وأنه على هذا الأساس قام بتحديد الفئة التي تقدم بها في العطاءين واستخرج تصريحاً من تفتيش ري سوهاج لأخذ الأتربة اللازمة للعملية جميعها من قاع ترعة السوهاجية ودفع التأمين اللازم لذلك، وقام بتطهير قاع الترعة المذكورة في الموقع المواجه للعملية في مقابل أخذ الأتربة اللازمة للردم من ناتج التطهير الذي قام به طبقاً للوائح المعمول بها، ولم يرتكب أية مخالفة في هذا الشأن. وسلم العملية الأصلية والتكميلية في سنة 1954. وفي 25 من مايو سنة 1959 طالبت مصلحة المناجم والمحاجر مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم مبلغ 238 جنيهاً و200 مليم بدعوى أنه إتاوة عن الأتربة المستعملة في ردم العملية وتم خصم هذا المبلغ من استحقاقاته وتسويته لحساب المصلحة المذكورة على خلاف ما يقضي به القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر الذي كان سارياً وقت الواقعة. أضاف أنه أصيب بأضرار من جراء هذا التصرف يوازي الإتاوة التي خصمت من مستحقاته بدون وجه حق وهو ما يطالب به.
وردت الجهة الإدارية قائلة إن المدعي قام بأخذ أتربة من ترعة السوهاجية بلغت 5615 متراً مكعباً ويلتزم طبقاً لأحكام القانون رقم 136 لسنة 1948 بأن يؤدي ثمنها لمصلحة المناجم والمحاجر بواقع 50 مليماً للمتر المكعب. وقد طالبت المصلحة المذكورة وزارة الإسكان والمرافق بتسوية ثمن هذه الأتربة خصماً من مستحقات المدعي وهي بذلك إنما تطبق أحكام القانون المذكور الذي خولها حق بيع الأتربة المحفورة من قاع الترع وتحصيل ثمنها لحساب الخزانة العامة ومن ثم فلم يصدر قرار إداري مما يختص القضاء الإداري بنظر دعوى المطالبة بتعويض عنه وانتهت الجهة الإدارية إلى طلب الحكم بصفة أصلية بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام رافعها في الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 17 من مايو سنة 1964 قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن المدعي يهدف إلى إلزام الحكومة بقيمة الأتربة التي خصمتها منه بعد أن رخصت له في أخذها بدون مقابل بمقتضى العقد المبرم بينه وبين مراقبة الشئون البلدية والقروية بسوهاج والتصريح المعطى له من تفتيش ري سوهاج في 5 من يونيه سنة 1964، ومن ثم فإن المنازعة متعلقة باسترداد قيمة الأتربة التي تعاقد على أخذها بعقد من عقود الأشغال العامة وينعقد الاختصاص تبعاً لذلك للقضاء الإداري. وألزمت المحكمة وزارة الصناعة بأن تدفع إلى المدعي 283 جنيهاً و200 مليم والمصاريف ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، وأقامت قضاءها في هذا الشأن على أن المدعي هو الذي قام بتطهير الترعة السوهاجية ونقل الأتربة المستخرجة إلى موقع العملية بعد أن حصل على تصريح من تفتيش ري سوهاج بذلك بعد دفع التأمين اللازم مما لا تنطبق معه شروط الفقرة (د) من البند السادس من القانون رقم 136 لسنة 1948 التي تعطي مصلحة المناجم والمحاجر الحق في بيع مواد المحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف التي تكون قد استخرجت وآلت إليها ملكيتها لمن يتقدم بطلب شرائها بسعر 50 مليماً للمتر المكعب، حيث إن المصلحة المذكورة لم تقم باستخراج هذه الأتربة أو تشوينها حتى تصبح ملكاً لها تتولى التصرف فيها بالبيع وبالتالي يكون حصولها على ثمنها على غير أساس ويكون طلب المدعي الحكم له بمقدار ما خصم من مستحقاته على أساس سليم ويتعين إجابته إليه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على السببين الآتيين:
أولاً: إن المحكمة خالفت القانون حينما رفضت الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى على أساس تعلق المنازعة بالعقد المبرم بين وزارة الإسكان والمرافق والمطعون ضده بعد أن رفضت تصوير المدعي للمنازعة على أنها تعويض عن القرار الإداري الصادر من مصلحة المناجم والمحاجر بخصم المبلغ المرفوع به الدعوى، ذلك لأن وزارة الصناعة الطاعنة لم تكن طرفاً فيه ومن ثم فلا يقبل القول باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى ولأن الدعوى في حقيقتها منازعة في مدى أحقية الوزارة الطاعنة في ثمن الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من ترعة السوهاجية إعمالاً للحق المخول لها بمقتضى القانون رقم 136 لسنة 1948 وأن استخراج المطعون ضده الأتربة بمناسبة تنفيذ العقد المذكور لا يقوم سنداً قانونياً لاختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر هذا النزاع. وأضافت الطاعنة تأييداً لنظرها أن الحكم المطعون فيه بعد إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص اقتصر في الموضوع على إلزام وزارة الصناعة الطاعنة بالمبلغ المحكوم به على أساس عدم انطباق القانون المشار إليه ولم يقض بشيء ضد وزارة الإسكان والمرافق وهي الجهة المبرم معها العقد الذي استندت إليه المحكمة في رفضها الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.
ثانياً: إن المحكمة أخطأت في قضائها بعدم انطباق حكم الفقرة (د) من البند السادس من القسم الثالث من الجدول الملحق للقانون رقم 136 لسنة 1948 على الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من ترعة السوهاجية والتي تقضي بأن تتولى مصلحة المحاجر بيع مواد المحاجر الناتجة من عمليات حفر الترع والمصارف لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها بسعر 50 مليماً للمتر المكعب الواحد. ولما كان المطعون ضده قد استخرج 5615 متراً مكعباً من هذه الأتربة فإنه يلزم بدفع ثمنها على أساس هذا السعر ويكون الحكم على خلاف ذلك مخالفاً لأحكام القانون ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريراً أبرزت فيه وجهة نظرها في الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وفي الموضوع، فأوردت عن الأول أن القضاء الإداري يختص بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية طبقاً لما تقضي به المادة 10 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة ولا يتغير هذا الاختصاص لمجرد أن وزارة الصناعة لم تكن طرفاً في العقد الإداري المبرم بين المطعون ضده ووزارة الإسكان والمرافق ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص صحيحاً ومطابقاً للقانون. وذكرت عن الثاني أن الترع والمصارف ومجاري المياه العامة تعتبر في حكم القانون رقم 136 لسنة 1948 من المحاجر لأنها تحوي في قاعها مواد البناء وعلى ذلك تعتبر الأتربة الموجودة في قاعها من المال العام باعتبارها من محتويات المحاجر ولو لم يتم استخراجها، وبناء عليه يجوز قانوناً أن يصرح لأحد المقاولين باستخراج الأتربة من قاع إحدى الترع ثم تحاسبه مصلحة المناجم والمحاجر على ثمن ما تم استخراجه منها بالتطبيق لحكم الفقرة (د) من البند سادساً من القسم الثالث من الجدول الملحق بالقانون. وتكون الإدارة على حق حين ألزمت المطعون ضده بدفع ثمن 5615 متراً مكعباً من الأتربة التي قام باستخراجها من قاع الترعة السوهاجية بواقع 50 مليماً للمتر المكعب الواحد خلاف رسم النظر والتمغة، وإذ ذهب الحكم غير هذا المذهب يكون قد خالف حكم القانون ويكون الطعن في هذا الشق على أساس سليم.
ومن حيث إنه يبين من استظهار عريضة الدعوى التي صدر فيها الحكم مثار الطعن الماثل أن المدعي (مورث المطعون ضدهم) استهلها بالإشارة إلى العقد الذي أبرمته معه مراقبة الشئون البلدية والقروية بسوهاج في سنة 1949 لإنشاء المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة مركز طهطا وما نص عليه في نهاية الفقرة الثالثة من المادة (123) من الباب الثاني منه من أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة لردم الموقع من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري للأورنيك المعتمد". ثم استطرد المدعي إلى أنه استخرج من تفتيش ري سوهاج تصريحاً لأخذ الأتربة اللازمة للعملية جميعها من قاع الترعة المذكورة ودفع التأمين اللازم لذلك بتطهير قاع الترعة في الموقع المواجه للعملية في مقابل أخذ الأتربة اللازمة للردم من ناتج التطهير. وأضاف أنه في عام 1959 طلبت مصلحة المناجم والمحاجر من مراقبة الشئون القروية بسوهاج خصم مبلغ 283 جنيهاً و200 مليم من مستحقاته بمقولة إنه إتاوة عن الأتربة المستعملة في الردم فأخطرته المراقبة المذكورة بكتابها المؤرخ في 20 من أكتوبر سنة 1960 بأنها سددت المبلغ المشار إليه لحساب مصلحة المناجم والمحاجر. وأردف المدعي أن هذا التصرف مجحف بحقوقه ومخالف للقانون لعدة أسباب أورد منها مخالفة هذا التصرف لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر ولشروط التعاقد التي نصت على الاستيلاء على تلك الأتربة لمواجهة العملية. وخلص المدعي إلى أنه قد أصابه ضرر من جراء هذا التصرف يوازي الإتاوة التي جرى خصمها من مستحقاته بدون وجه حق. وطلب في النهاية "إلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 380 جنيهاً و200 مليم كتعويض عن الأضرار الناجمة عن القرار الإداري المنوه عنه بصحيفة الطلب" وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى استناداً إلى أنه لم يصدر قرار إداري حتى يمكن القول باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر دعوى المطالبة بتعويض عنه. وضمن المدعي تعقيبه على هذا الدفع أنه يربطه بالمدعى عليهما - على الأخص الثانية - عقد إداري نشأ عنه القرار الإداري المطعون فيه وأن القضاء الإداري يختص بالنظر في المنازعات المترتبة على تنفيذ العقود الإدارية وطلب رفض الدفع.
ومن حيث إن التكييف القانوني للدعوى ولطلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة، ويخضع بهذه المثابة لرقابة القضاء الذي ينبغي عليه في هذا السبيل أن يتقصى طلبات الخصم ويمحصها ويستجلي مراميها بما يتفق والنية الحقيقية التي قصد إليها من وراء إبدائها دون الوقوف عند ظاهر المعنى الحرفي لها. ولما كانت حقيقة المنازعة على ما سبق بيانه تدور حول مشروعية خصم مراقبة الشئون القروية بسوهاج مبلغ 380 جنيهاً و300 مليم من مستحقات المدعي ثمناً للأتربة التي استخرجها من قاع ترعة السوهاجية لردم موقع المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة بالتطبيق للمادة (123) من العقد المبرم بينهما في هذا الشأن وتسوية هذا المبلغ لحساب مصلحة المناجم والمحاجر بناء على طلبها، ومتى كان الأمر كذلك فإن مطالبة المدعي بإلزام المدعى عليهما بهذا المبلغ تنطوي في التكييف القانوني الصحيح على منازعة في عقد إداري يختص القضاء الإداري به، وليس مطالبة بتعويض عن قرار إداري بخصم هذا المبلغ حسبما انتهى إليه المدعي في صحيفة دعواه ولا ينفي عن هذه المنازعة صفتها الإدارية على هذا الوجه تقدير مصلحة المناجم ثمن الأتربة وفقاً لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر طالما أن المنازعة تتعلق بالعقد الإداري وتتصل بشروطه وأحكامه وإجراءات تنفيذه وما يستتبعه من التصدي لنصوصه بالتفسير والتأويل. وبناء عليه يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع المثار بعدم الاختصاص قد صادف وجه الحقيقة، ولا ينال من ذلك أنه ألزم وزارة الصناعة وهي ليست طرفاً في العقد بالمبلغ المطالب به لأنه ما قضى بذلك إلا باعتبار أنها هي الجهة التي طالبت بخصم المبلغ من مستحقات المدعي وآل إليها هذا المبلغ فعلاً ومن ثم تعين إلزامها برده. وبناء عليه يكون السبب الأول من أسباب الطعن قد جانب الصواب متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني من أسباب الطعن وهو الخاص بموضوع الدعوى فإن الثابت من استقراء أوراق الطعن أن الإدارة الهندسية القروية بمجلس مديرية جرجا أسندت إلى المطعون ضده عملية إنشاء المجموعة الصحية بناحية جهينة والأعمال المكملة لها في سنة 1949 وحدد لإنهاء العملية 19 من أغسطس سنة 1951 ونص العقد في المادة (123) منه على أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة للردم من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري وطبقاً للأورنيك المعتمد" واستناداً إلى ذلك حصل المطعون ضده على تصريح من تفتيش الري بسوهاج لأخذ الأتربة اللازمة للعملية من قاع الترعة المذكورة وقام باستخراج الأتربة اللازمة للردم في عام 1951. وبناء على طلب مصلحة المناجم والمحاجر قامت مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم 283 جنيهاً و200 مليم من مستحقاته في هذه العملية وسددتها لحساب المصلحة ويشمل هذا المبلغ 280 جنيهاً و750 مليماً ثمناً للأتربة بواقع 50 مليماً للمتر المكعب وجنيهين رسم نظر و450 مليماً رسوم دمغة وهو ما نازع فيه المدعي.
ومن حيث إن الفصل في المنازعة يقتضي البحث فيما إذا كانت الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من قاع الترعة المذكورة لاستخدامها في أعمال الردم الخاص بالعملية المسندة إليه يستحق عليها مقابل معين طبقاً لأحكام العقد أو القانون رقم 136 لسنة 1948 يجوز معه خصمه من مستحقات المطعون ضده في العملية المشار إليها. ولما كان من المسلم به أن العقد لا يقضي بذلك فإن نقطة النزاع تنحصر في بيان حكم القانون في هذا الشأن.
ومن حيث إن القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر الذي تخضع لأحكامه المنازعة الماثلة قد حدد المحاجر في المادة 17 منه وعرفها بأنها الأماكن التي تحتوي مادة أو أكثر من المواد التي عددها ومن بينها الطمي والمواد المستعملة في البناء والزخرفة بكافة أنواعها، وبهذه المثابة تعتبر الترع والمصارف ونحوها من المحاجر في شأن ناتج عمليات حفرها وهو ما أكدته الفقرة (د) من البند السادس من القسم الثالث من الجدول الملحق بهذا القانون إذ نصت على أن تتولى مصلحة المناجم والمحاجر بيع مواد المحاجر الناتجة من عمليات حفر الترع والمصارف ونحوها. كما نظم القانون في المادة 21 منه تأجير المحاجر ونص على أن يتم ذلك في حدود الفئات الواردة في الجدول الملحق به. وبالرجوع إلى القسم الثالث من الجدول المشار إليه يبين أنه حدد في البند أولاً منه رسوم النظر عن الطلبات الجديدة الخاصة بعقود وتراخيص.. إلخ الخاصة بتأجير المحاجر الحكومية وقدر بمبلغ جنيهين رسوم النظر "لاستخراج مواد محاجر بكمية محدودة لغرض معين من محجر في مقابل إتاوة على الوجه المبين في الفقرة خامساً أ، ب التالية". وأشارت هذه الفقرة إلى أنه في حالة ما "إذا طلب مقاول الترخيص له باستخراج مواد محاجر من محجر أو أكثر لتنفيذ عملية معينة مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية تحصل مصلحة المناجم والمحاجر إتاوات بالفئات المبينة بعد"، وبمراجعة البيان الخاص بأنواع المواد التي حدد لها فئة إتاوة في هذا الشأن يتضح أنه لم يتضمن من المواد سوى أنواع معينة من الأحجار والرمال والزلط فلم ينص على الطمي أو المواد الأخرى المستعملة في البناء وبالتالي لم يحدد فئات إتاوة لاستخراجها. وقضى البند سادساً "بأن لمصلحة المناجم والمحاجر الحق في بيع كافة مواد المحاجر التي تكون قد استخرجت وآلت إليها ملكيتها على التفصيل التالي "..... (د)" أما في حالة مواد المحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف ونحوها فتتولى مصلحة المناجم والمحاجر بيعها بأكملها أو بعضها حسب الأحوال لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها وذلك بسعر 50 مليماً للمتر المكعب الواحد أو جزء منه".
ومن حيث إن المستفاد من استقراء هذه النصوص أن الترع في حكم القانون رقم 136 لسنة 1948 آنف الذكر تعتبر من المحاجر لاحتوائها على مواد محاجر من طمي وأتربة تستعمل في البناء وقد فرق هذا القانون في المعاملة المالية بين استخراج أحد المقاولين لهذه المواد من الترع الحكومية بكمية محدودة لتنفيذ عملية معينة مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية، وبين بيع ناتج عمليات حفر الترع التي تكون قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى مصلحة المناجم والمحاجر. ففي الحالة الأولى لا يلتزم المقاول الذي يقدم على استخراج أتربة من إحدى الترع للغرض المذكور أن يؤدي أية إتاوة لمصلحة المناجم والمحاجر ولا يتطلب الأمر الحصول منها على ترخيص ليستحق عنه رسم نظر، وعلة ذلك جلية في أن من يقوم باستخراج الأتربة من الترع والمصارف ونحوها على نفقته بترخيص خاص من الجهة المختصة في أجهزة الري وفي حدود تعليماتها كما هو الشأن في الحالة الماثلة، إنما يؤدي في ذات الوقت خدمة عامة تتمثل في تطهير هذه المجاري المائية التي تنفق الدولة في سبيلها مبالغ طائلة مما يستقيم معه فرض إتاوة على ما يقوم باستخراجه من أتربة.
أما في الحالة الثانية فإن حق المصلحة المناجم والمحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها بسعر قدره 50 مليماً للمتر المكعب الواحد أو جزء منه مشروط بأن تكون هذه المواد قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى المصلحة، شأن ناتج حفر وتطهير الترع والمصارف ونحوها التي تتولاها الدولة على حسابها. وطالما أن القانون أعفى المقاول الذي يقوم على نفقته باستخراج أتربة من الترع والمصارف المملوكة للدولة لتنفيذ عملية مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية من أداء إتاوة أو رسوم نظر فإنه لا يستساغ التحدي بأن ما قام المقاول باستخراجه يصبح مملوكاً لمصلحة المناجم والمحاجر تتولى بيعه له بالتطبيق لحكم الفقرة (د) من البند السادس سالفة الذكر.
ومن حيث إن المطعون ضده قد قام باستخراج الأتربة اللازمة لتنفيذ عملية مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية من قاع ترعة السوهاجية بعد أن حصل على الترخيص اللازم بذلك من تفتيش الري بسوهاج فإنه لا يلتزم بأداء إتاوة أو ثمن عن الكمية التي استخرجها لهذا الغرض بالتطبيق لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 وبالتالي ما كان يجوز لمصلحة المناجم والمحاجر أن تطالب مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم أي مبلغ من مستحقات المطعون ضده في العقد المشار إليه عن الأتربة التي استخرجها وما كان يجوز للمراقبة المذكورة أن تستجيب لهذا الطلب.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الطعن وقد قام على غير سند من القانون فإنه يتعين القضاء برفضه مع إلزام الجهة الطاعنة بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.