الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 72) لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ




(الْمَادَّةُ 72) : لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِعْلٌ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ كَهَذَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، فَإِذَا حَدَثَ فِعْلٌ اسْتِنَادًا عَلَى ظَنٍّ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَوْفَى كَفِيلُ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ أَحَدَ النَّاسِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْأَصِيلَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْفَى الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ يَحِقُّ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ، كَمَا يَحِقُّ لِلْأَصِيلِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَفَعَ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَوْفَاهُ عَنْهُ الْكَفِيلُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ الدَّائِنَ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُمَا لِلْمَالِ كَانَ عَنْ خَطَأٍ لِظَنِّهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُمَا، وَدَفْعُ الْمَالِ خَطَأٌ لَا يُرَتِّبُ حَقًّا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ اسْتِرْدَادِ ذَلِكَ الْحَقِّ. كَذَلِكَ، إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي: إذَا حَلَفْت بِأَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ الَّذِي تَدَّعِيهِ يَلْزَمُ ذِمَّتِي لَك أَدْفَعُهُ لَك، فَحَلَفَ وَظَنَّ الْمَطَالِبُ بِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى أَدَاءِ الْمَبْلَغِ بِمُوجِبِ الشَّرْطِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَدَفَعَ الْمَبْلَغَ لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (76) لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعِي بَلْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ، يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ، كَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ أَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ ظَانًّا بِأَنَّ الْمَالَ مَالُهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ.
كَذَلِكَ: لَوْ كَانَ شَخْصٌ يَشْتَرِي مِنْ تَاجِرٍ بَضَائِعَ وَيُقَيِّدُ التَّاجِرُ مَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِدَفْتَرِهِ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي دَفْعَ ثَمَنِ مَا أَخَذَهُ فَطَلَبَ مِنْ التَّاجِرِ أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَغَلِطَ التَّاجِرُ فَبَدَلًا مِنْ أَلْفٍ طَلَبَ أَلْفَيْنِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ فَدَفْعُ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِلتَّاجِرِ خَطَأً، لَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا. كَذَلِكَ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّهُ مَدِينٌ لَهُ بِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَدِينٍ يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ. كَذَلِكَ: لَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ مَبْلَغًا ظَانًّا بِأَنَّ الْمَبْلَغَ مَطْلُوبٌ مِنْ وَالِدِهِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ وَالِدَهُ لَمْ يَكُنْ مَدِينًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، يَحِقُّ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ

(مُسْتَثْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ فَطَلَبَهُ جَارُهُ بِالشُّفْعَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجْرِي فِي الْمَنْقُولِ كَمَا فِي غَيْرِهِ، وَسَلَّمَ الْحَيَوَانَ لِلشَّفِيعِ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى خَطَئِهِ اسْتِرْدَادُ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ يَكُونُ قَدْ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ عَقْدَ تَعَاطٍ.

(الْمَادَّةُ 71) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ مُطْلَقًا



(الْمَادَّةُ 71) : يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ مُطْلَقًا.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالْمُتَرْجِمُ هُوَ الَّذِي يُفَسِّرُ لُغَةً بِأُخْرَى، وَالشَّيْخَانِ يَرَيَانِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ الْوَاحِدِ، أَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُتَرْجِمِينَ لَا يَقِلُّ عَنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَلَمَّا جَاءَ ذِكْرُ الْمُتَرْجِمِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَفِي الْمَادَّةِ (127) بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ أَخَذَتْ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَلَّا يَكُونَ أَعْمَى. فَعَلَيْهِ وَبِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَارِفٍ بِلِسَانِ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شُهُودِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ ادِّعَاءَ الْمُدَّعِي أَوْ دِفَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ بِوَاسِطَةِ الْمُتَرْجِمِ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ صَادِرَةً رَأْسًا مِنْ أَصْحَابِهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَرْجِمِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَغَيْرَ أَعْمَى، كَمَا قُلْنَا، وَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُتَرْجِمَانِ، فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا.



(الْمَادَّةُ 70) الْإِشَارَاتُ الْمَعْهُودَةُ لِلْأَخْرَسِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ




(الْمَادَّةُ 70) : الْإِشَارَاتُ الْمَعْهُودَةُ لِلْأَخْرَسِ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ.
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَعْهُودَةِ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ الْحَاجِبِ هِيَ كَالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْتَبَرُ إشَارَتُهُ لَمَا صَحَّتْ مُعَامَلَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَكَانَ عُرْضَةً لِلْمَوْتِ جُوعًا. وَيُفْهَمُ مِنْ إيرَادِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُطْلَقَةً أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ. لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَالْإِشَارَةَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْرِيبًا مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُرَادِ وَإِلَيْكَ مَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ مِنْ النِّقَاطِ.
فَالْكِتَابَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَضَمَّنُ مَا يَقْصِدُهُ الْكَاتِبُ عَيْنًا، وَالْإِشَارَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَكُونُ بِالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَهُمَا الْعُضْوَانِ اللَّذَانِ يَسْتَعِينُ بِهِمَا الْمُتَكَلِّمُ لِلْإِعْرَابِ عَنْ ضَمِيرِهِ. فَعَلَيْهِ قَدْ جُعِلَ لِلْأَخْرَسِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْكِتَابَةَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَفْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَمَا قُلْنَا (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَقْصُودَةُ فِي الْكَلَامِ هِيَ الْإِشَارَةُ الْمُقَارِنَةُ لِتَصْوِيتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْرَسَ مِنْ عَادَتِهِ عِنْدَ التَّعْبِيرِ عَنْ شَيْءٍ أَنْ يَقْرِنَ الْإِشَارَةَ (بِالتَّصْوِيتِ) . وَقَدْ زَادَ الْحَمَوِيُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْأَخْرَسِ مَقْرُونَةً بِالتَّصْوِيتِ. فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ وَالْحَمَوِيِّ يُفْهِمُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ اقْتِرَانُ التَّصْوِيتِ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَالْكَلَامِ، وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ اقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ فِي الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ أَمْ لَا؟ فَاقْتِرَانُ الْإِشَارَةِ بِالتَّصْوِيتِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِدَلِيلِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.

هَذَا وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ يُحَقَّقُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ عَمَّا يَقْصِدُ بِهَا وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْبَرُ مِنْهُمْ عُدُولًا مَوْثُوقِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْأَخْرَسِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
الْأَوَّلُ: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ عَرْضًا، فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ إشَارَةُ الْإِنْكَارِ.
الثَّانِي: تَحْرِيكُ الْأَخْرَسِ رَأْسَهُ طُولًا، وَهِيَ إشَارَةُ الْإِقْرَارِ.
وَهَاتَانِ الْإِشَارَتَانِ إذَا كَانَتَا مَعْرُوفَتَيْنِ لِلْأَخْرَسِ تُعَدُّ الْأُولَى إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ إنْكَارًا وَالثَّانِيَةُ إقْرَارًا، عَلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكِتَابَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ كَإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَدْ قُيِّدَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1586) لَا تُعْتَبَرُ إشَارَةُ النَّاطِقِ، كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِنَاطِقٍ: هَلْ لِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ.؟ فَلَا يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ، كَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالَ شَخْصٍ نَاطِقٍ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَبَيْنَمَا هُوَ يُفَكِّرُ وَيَتَأَمَّلُ خَاطَبَهُ شَخْصٌ بِقَوْلِهِ: هَلْ تُجِيزُ الْبَيْعَ.؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ طُولًا عَلَامَةَ الْمُوَافَقَةِ لِلْأَخْرَسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْبَيْعِ. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهِيَ كَمَا يَأْتِي: الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ مُقَيَّدَةٌ وَقَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَإِقْرَارٍ، وَقِصَاصٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ أَنْ يَأْتِيَ كُلَّ مَا يَأْتِيهِ النَّاطِقُونَ، يَعْقِدُ أَيَّ عَقْدٍ أَرَادَ، يُجِيزُ، وَيُقِرُّ، وَيَنْكُلُ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ، وَيُوَكِّلُ بِإِدَارَةِ أُمُورِهِ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (174 وَ 436 وَ 1586) هَذَا وَإِذَا نُظِمَتْ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِحُضُورِهِ، وَخَاطَبَهُ الْحَاضِرُونَ قَائِلِينَ لَهُ هَلْ نَشْهَدُ عَلَيْك، فَأَشَارَ بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ الْحَرَكَةَ الْمُتَعَارَفَةِ بِأَنَّهَا إشَارَةٌ لَهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، يَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِمَا فِي الْوَصِيَّةِ، بَيْدَ أَنَّ الْخَرَسَ عَلَى نَوْعَيْنِ (1) خَرَسٌ أَصْلِيٌّ (2) وَخَرَسٌ عَارِضٌ. وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ ذِكْرُ الْأَخْرَسِ بِدُونِ تَعْيِينٍ فَهِيَ شَامِلَةٌ لِلِاثْنَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَادَّةِ حَقِيقَةً هُوَ الْخَرَسُ الْأَصْلِيُّ وَالْخَرَسُ الْعَارِضُ يُسَمَّى (اعْتِقَالَ اللِّسَانِ) وَهُوَ يَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِمَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا زَالَ فَانْطَلَقَ اللِّسَانُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْإِشَارَةُ إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ انْطِلَاقِ اللِّسَانِ، فَإِشَارَةُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ لَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تُتَّخَذُ حُجَّةً بِحَقِّهِ، وَلَكِنْ إذَا اسْتَدَامَ الِاعْتِقَالُ فِي إنْسَانٍ حَتَّى مَوْتِهِ، فَإِقْرَارُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ يَكُونُ مُعْتَبَرًا، كَمَا لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَصْلِيًّا. عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ إنَّمَا تُعْتَبَرَانِ وَتُتَّخَذَانِ حُجَّةً فِي الْمُعَامَلَاتِ الْحُقُوقِيَّةِ فَقَطْ، فَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إشَارَةً وَكِتَابَةً لَا تُعْتَبَرُ فِي الْعُقُوبَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ " وُجُوبِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ "

(الْمَادَّةُ 69) الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ




(الْمَادَّةُ 69) : الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ.
هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ قَاعِدَةِ (الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ. وَالْمَقْصُودُ فِيهَا هُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا مُشَافَهَةً عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ مَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ، يَجُوزُ لَهُمَا عَقْدُ ذَلِكَ مُكَاتَبَةً أَيْضًا. وَالْكُتُبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (1) الْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ (2) الْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ (3) غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ.
فَالْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْهَا مِمَّا يُقْرَأُ خَطُّهُ، وَيَكُونُ وَفْقًا لِعَادَاتِ النَّاسِ وَرُسُومِهِمْ وَمُعَنْوَنًا. وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَنِ صَاحِبِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) أَنْ يُكْتَبُ الْكِتَابُ عَلَى وَرِقٍ وَيُخْتَمُ أَعْلَاهُ، وَكُلُّ كِتَابٍ لَا يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَكْتُوبًا عَلَى وَرِقٍ وَمَخْتُومًا لَا يُعَدُّ مَرْسُومًا، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْكِتَابُ يُعَدُّ مَرْسُومًا بِالْخَتْمِ وَالتَّوْقِيعِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1610) وَلَكِنْ إذَا كُتِبَ كِتَابٌ فِي زَمَانِنَا عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ مَثَلًا يُنْظَرُ إذَا كَانَ الْمُعْتَادُ أَنْ تُكْتَبَ الْكُتُبُ عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْكِتَابُ، كَمَا لَوْ كُتِبَ عَلَى وَرِقٍ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يُحَرَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ عَلَى كَاتِبِهِ كَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ.
وَالْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ وَرِقِ شَجَرٍ أَوْ بَلَاطَةٍ مَثَلًا، فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَغْوٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إلَّا إنْ نَوَى أَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ حِينَ الْكِتَابَةِ، وَالْإِمْلَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِقَصْدِ بَيَانِ الْحَقِيقَةِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِقَصْدِ التَّجْرِبَةِ أَوْ عَبَثًا، فَتَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَيِّدُهَا كَالنِّيَّةِ أَوْ الْإِشْهَادِ أَوْ الْإِمْلَاءِ حَتَّى تُعْتَبَرَ حُجَّةً بِحَقِّ كَاتِبِهَا.
وَغَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ: هِيَ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْكَلَامِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَاتِبِهَا حُكْمٌ وَإِنْ نَوَى مِثَالَ ذَلِكَ، لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ عِبَارَةَ (إنَّنِي مَدِينٌ بِكَذَا قِرْشًا لِفُلَانٍ) عَلَى سَطْحِ مَاءِ نَهْرٍ أَوْ فِي الْهَوَاءِ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ - كَمَا لَا يَخْفَى - هُوَ تَحْرِيكُ الْيَدِ بِحُرُوفِ الْكَلِمَاتِ، كَمَا تُحَرَّكُ بِالْقَلَمِ عَلَى صَفْحَةِ الْقِرْطَاسِ.
وَفِيمَا يَأْتِي أَمْثِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ تَحْرِيرًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ قَائِلًا فِيهِ: إنَّنِي قَدْ بِعْت مِنْك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي مَجْلِسِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، أَوْ حَرَّرَ كِتَابًا لِلْبَائِعِ يُنْبِئُهُ بِالْقَوْلِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (173) وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (436) تَنْعَقِدُ بِالْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمُجَرَّدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ لِعَزْلِهِ.

(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ




(الْمَادَّةُ 68) دَلِيلُ الشَّيْءِ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ يَقُومُ مَقَامَهُ
يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، فَسَبَبُهُ الظَّاهِرِيُّ يَقُومُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْبَاطِنَةَ لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهَا إلَّا بِمَظَاهِرِهَا الْخَارِجِيَّةِ.
تَعْرِيفُ الدَّلِيلِ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمُ بِهِ الْعِلْمَ بِشَيْءٍ آخَرَ: كَمَا لَوْ رَأَى رَاءٍ دُخَّانًا يَنْبَعِثُ مِنْ مَكَان فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُودِ نَارٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ.
وَإِلَيْكَ الْأَمْثِلَةُ الْآتِيَةُ إيضَاحًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْبَيْعَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ ظَهَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (183) فَالْإِعْرَاضُ هُنَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى إعْرَاضِ إنْسَانٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَمَتَى مَا أَظْهَرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَقِيقَةً، فَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ الْأُمُورِ، يُتَّخَذُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ، وَإِيضَاحًا لِهَذَا الْمِثَالِ نَقُولُ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَالْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمُ وُقُوعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ إذَا حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ قَبْلَ الْقَوْلِ بَطَلَ الْإِيجَابُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِيمَا لَوْ قَبِلَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْمَجْلِسِ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَسَكَتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَبِلْت. يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَكِنْ إذَا أَعْرَضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِيجَابِ، كَمَا لَوْ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ، أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ أَجْرَى أَيَّ عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ، ثُمَّ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْإِيجَابَ بِإِعْرَاضِهِ، فَيَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ. كَذَلِكَ: إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ حَيَوَانًا مِنْ آخَرَ، وَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِيهِ أَخَذَ يُدَاوِيهِ، فَبِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَبِمَا أَنَّ الْأَخْذَ فِي مُدَاوَاةِ الْحَيَوَانِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَاءِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ لَا يَحِقُّ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ الَّذِي فِيهِ. كَذَلِكَ: بِمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ (وَهُوَ الَّذِي أَصَابَ لُقَطَةً) يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ إذَا قَصَدَ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْأَمِينِ إذَا قَصَدَ إعَادَتَهَا لِصَاحِبِهَا، وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يُكِنُّهُ ضَمِيرُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وِجْدَانُهُ إلَّا بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ.
فَإِذَا أَشْهَدَ حِينَمَا وَجَدَ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا الْتَقَطَهَا لِيُعِيدَهَا لِصَاحِبِهَا، وَأَعْلَنَ فِي الصُّحُفِ عَنْهَا مَثَلًا يُسْتَدَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَقْصِدُ إعَادَتَهَا وَتَكُونُ بِيَدِهِ وَدِيعَةً، وَإِذَا أَخْفَاهَا وَلَمْ يُخْبِرْ أَحَدًا بِهَا وَلَمْ يُعْلِنْ عَنْهَا فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْغَاصِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَ ذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالثَّانِي يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِيمَا لَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ، كَذَلِكَ: شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى مِلْكِيَّةِ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَحْيَانًا تَكُونُ بِنَاءً عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، فَهِيَ فِي الْغَالِبِ تَكُونُ مُسْتَنِدَةً عَلَى الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ مِنْ تَصَرُّفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ تَقُومُ مَقَامَ مَدْلُولِهَا فِي الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ لَمَا حَقَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْعِيَانِ، بَلْ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِسَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَلِكَ الْقَصْدُ فِي الْقَتْلِ يَثْبُتُ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ الْقَاتِلِ، كَاسْتِعْمَالِهِ الْآلَاتِ الْجَارِحَةِ وَضَرْبِ الْمَقْتُولِ بِهَا عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا.

(الْمَادَّةُ 67) لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ لَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَة بَيَان




(الْمَادَّةُ 67) لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ لَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَة بَيَان
يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِتٌ أَنَّهُ قَالَ كَذَا، لَكِنَّ السُّكُوتَ فِيمَا يَلْزَمُ التَّكَلُّمَ بِهِ إقْرَارٌ وَبَيَانٌ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا رَأَيْتَ أَحَدًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بِلَا إذْنٍ مِنْكَ وَسَكَتَّ بِلَا عُذْرٍ يُعَدُّ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْكَ بِأَنَّكَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ. إنَّ الْفِقْرَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ (الْأَشْبَاهِ) وَالثَّانِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ (الْمَرْأَةِ) (وَمِنْهُ أَيْ مِنْ بَيَانِ الضَّرُورَةِ السُّكُوتُ لَدَى الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِ السُّكُوتِ بَيَانُ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ التَّكَلُّمُ فِي الْحَادِثَةِ لَا أَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّ السُّكُوتَ يُنَافِيهِ) فَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى هِيَ كَمَا يَأْتِي: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنْهُ وَسَكَتَ عَنْ عَمَلِهِ أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْبَيْعِ، فَلَا يُعَدُّ هَذَا السُّكُوتُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1659) رِضَاءً مِنْهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ إجَازَةً لَهُ، كَذَا إذَا أَخْبَرَ شَخْصٌ صَاحِبَ مَالٍ بِأَنَّ شَخْصًا بَاعَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ آخَرَ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْمَالِ، فَلَا يُعَدُّ سُكُوتُهُ إجَازَةً لِبَيْعٍ الْفُضُولِيِّ.
كَذَلِكَ: إذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ مَالَ آخَرَ بِحُضُورِهِ وَسَكَتَ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إذْنًا بِإِتْلَافِ الْمَالِ، كَذَا: إذَا رَأَى الْقَاضِي قَاصِرًا لَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ يَتَعَاطَى التِّجَارَةَ وَسَكَتَ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ لِلْقَاصِرِ بِتَعَاطِي التِّجَارَةِ.
كَذَلِكَ إذَا جَمَعَ شَخْصٌ أُنَاسًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَدِينًا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ لِرَجُلٍ مِنْ الْحُضُورِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَشْهَدِ مِنْ الِادِّعَاءِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ

وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَلِي:
إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحُضُورِ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ، وَسَكَتَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لَهُ بِالْقَبْضِ، وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَمَلًا بِالْمَادَّةِ (281) : اسْتِعَادَةُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ، كَذَلِكَ: إذَا أَرَادَ شَخْصٌ شِرَاءَ مَالٍ وَفِيمَا هُوَ يَسْتَلِمُهُ مِنْ صَاحِبِهِ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ - بِأَنَّ فِي الْمَالِ عَيْبًا فَسَكَتَ فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ رِضَاءً مِنْهُ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ.
كَذَلِكَ: إذَا كَانَ شَخْصٌ سَاكِنًا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَارِيَّةِ فِي دَارِ آخَرَ، وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ (اُسْكُنْ فِي الدَّارِ بِأُجْرَةِ كَذَا وَإِلَّا فَاخْرُجْ مِنْهَا) فَسَكَتَ السَّاكِنُ وَبَقِيَ فِي الدَّارِ فَيَكُونُ قَدْ اسْتَأْجَرَ تِلْكَ الدَّارَ، وَرَضِيَ بِدَفْعِ الْبَدَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُهَا. كَذَلِكَ: إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ رَاعٍ يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ، وَقَالَ لَهُ: إنِّي لَا أَرْعَى غَنَمَك بِمِائَةِ قِرْشٍ أُجْرَةً سَنَوِيَّةً، بَلْ أُرِيدُ مِائَتَيْنِ فَسَكَتَ صَاحِبُ الْغَنَمِ وَبَقِيَ الرَّاعِي يَرْعَى فَيَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ قَبِلَ اسْتِئْجَارَ الرَّاعِي بِمِائَتَيْ قِرْشٍ، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُ الْمِائَتَيْنِ. كَذَا: إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَالَ الْمَرْهُونَ بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَصْبَحَ الرَّهْنُ بَاطِلًا، كَذَلِكَ: إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِحُضُورِ الْوَاهِبِ وَسَكَتَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (843) : إذْنًا بِالْقَبْضِ، كَذَلِكَ: إذَا بَاعَ شَخْصٌ مَالَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَحَدِ أَقَارِبِهِ مِنْ آخَرَ بِحُضُورِهَا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَسَكَتَتْ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلْقَرِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَدَّعِيَ بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ الْمَالِ بِحُضُورِهَا وَعَدَمِ اعْتِرَاضِهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِعَدَمِ مِلْكِيَّتِهَا ذَلِكَ الْمَالَ. كَذَلِكَ: إذَا وَهَبَ الدَّائِنُ الدَّيْنَ لِمَدِينِهِ وَسَكَتَ الْمَدِينُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَالسُّكُوتُ هُنَا يُعَدُّ قَبُولًا لِلْهِبَةِ. كَذَا: إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالًا عِنْدَ آخَرَ قَائِلًا: إنَّ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةٌ وَسَكَتَ الْمُسْتَوْدِعُ تَنْعَقِدُ الْوَدِيعَةُ، كَذَلِكَ: إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِشَيْءٍ وَالْوَكِيلُ سَكَتَ، وَبَعْدَ سُكُوتِهِ بَاشَرَ إجْرَاءَ الْأَمْرِ الْمُوَكَّلِ بِهِ، فَلَا يَكُونُ عَمَلُهُ فُضُولًا. كَذَا: سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ يُعَدُّ قَبُولًا كَأَنْ يُقِرَّ شَخْصٌ بِمَالِ لِآخَرَ وَيَسْكُتُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَسُكُوتُهُ يُعَدُّ تَصْدِيقًا وَقَبُولًا بِالْإِقْرَارِ.

(الْمَادَّةُ 66) السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ



(الْمَادَّةُ 66) السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ 
يَعْنِي أَنَّ مَا قِيلَ فِي السُّؤَالِ الْمُصَدَّقِ كَانَ الْمُجِيبُ الْمُصَدِّقُ قَدْ أَقَرَّ بِهِ. هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَشْبَاهِ، وَبِمَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ ذَكَرُوهَا بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.
قُلْنَا: إنَّ الْقَاعِدَةَ مَذْكُورَةٌ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مُقَيَّدَةٌ وَإِلَيْكَ التَّفْصِيلُ: إذَا وَرَدَ كَلَامٌ جَوَابًا عَلَى سُؤَالٍ فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَوَابُ فَالْكَلَامُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى السُّؤَالِ وَيَكُونُ السُّؤَالُ مَعَادًا فِي الْجَوَابِ ضِمْنًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلَامُ زَائِدًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَوَابُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ إنْشَاءً فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ جَوَابًا خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَإِذَا قَالَ الْمُجِيبُ: إنَّمَا قَصَدْتُ الْجَوَابَ بِكَلَامِي يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً.
مِثَالٌ: لَوْ بَاعَ شَخْصٌ بِطَرِيقِ الْفُضُولِ مَالًا مِنْ آخَرَ وَبَلَّغَ الْبَائِعُ صَاحِبَ الْمَالِ، وَبَيْنَمَا هُوَ يَفْتَكِرُ فِي ذَلِكَ سَأَلَهُ سَائِلٌ قَائِلًا: هَلْ تَأْذَنُنِي بِإِجَازَةِ ذَلِكَ الْبَيْعِ.؟ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ فَقَوْلُهُ بِمَعْنَى أَذِنْتُكَ بِالْإِجَازَةِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إذَا أَجَازَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَأْذُونُ بِالْإِجَازَةِ، كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ قَدْ بِعْتُك دَارِي بِكَذَا مَبْلَغًا أَوْ أَجَّرْتُك دُكَّانِي بِكَذَا بَدَلًا، وَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَيْنِ، كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِمَدِينِهِ هَلْ تُقِرُّ بِمَا فِي هَذَا السَّنَدِ وَأَجَابَ الْمَدِينُ قَائِلًا: نَعَمْ. فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي السَّنَدِ الْمَذْكُورِ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّ لِي عِنْدَك عَشْرَ جُنَيْهَاتٍ فَأَوْفِنِي إيَّاهَا فَأَجَابَهُ قَائِلًا: نَعَمْ. فَيَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ، وَمُكَلَّفًا بِأَدَائِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِشَخْصٍ مَرِيضٍ: هَلْ أَوْصَيْتَ بِثُلُثِ مَالِكَ لِيُصْرَفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.؟ وَهَلْ نَصَّبْتنِي وَصِيًّا لِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِك هَذِهِ.؟ وَأَجَابَهُ بِكَلِمَةِ أَوْصَيْتُ أَوْ فَعَلْت، فَيَكُونُ قَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ الْمَالِ وَنَصَّبَهُ وَصِيًّا.

(الْمَادَّةُ 65) الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ




(الْمَادَّةُ 65) الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ
مَثَلًا: لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَ فَرَسٍ أَشْهَبَ حَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ وَقَالَ فِي إيجَابِهِ: بِعْت هَذَا الْفَرَسَ الْأَدْهَمَ وَأَشَارَ إلَيْهِ، وَقَبِلَ الْبَائِعُ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَغَا وَصْفَ الْأَدْهَمِ، أَمَّا لَوْ بَاعَ فَرَسًا غَائِبًا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشْهَبُ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَدْهَمُ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ.
يَعْنِي: لَوْ عَرَّفَ شَخْصٌ شَيْئًا بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَوَصْفِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ حَاضِرًا وَكَانَ مُشَارًا إلَيْهِ حِينَ الْوَصْفِ وَكَانَ الْمَوْصُوفُ وَالْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَالْوَصْفُ لَغْوٌ وَلَا حُكْمَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْوَصْفِ فَالْوَصْفُ مُعْتَبَرٌ.
يَجْرِي حُكْمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي النِّكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَفِي سَائِرِ الْعُقُودِ. قَدْ ذُكِرَ فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْبَائِعَ (لَوْ بَاعَ فَرَسًا غَائِبًا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَشْهَبُ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَدْهَمُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ) وَلَكِنَّ الْمَادَّةَ 310 تُصَرِّحُ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مُنْعَقِدًا وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْوَصْفِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَشْبَاهِ (أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ) فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجِنْسُ مُتَّحِدًا فَاخْتِلَافُ الْوَصْفِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الِانْعِقَادِ. هَذَا وَإِنَّ الْمَادَّةَ 107 قَدْ عَرَّفَتْ الْبَيْعَ غَيْرَ الْمُنْعَقِدِ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ (غَيْرِ مُنْعَقِدٍ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعِبَارَةِ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِلنَّقْلِ فَيَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُعْقَدُ لَازِمًا. كَذَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ بِحُضُورِ الْقَاضِي قَائِلًا: إنَّ هَذَا الْحَدِيدَ الَّذِي وَزْنُهُ مِائَةُ رَطْلٍ هُوَ مَالِيٌّ فَظَهَرَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ مَقْبُولَتَانِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ صِفَةٌ، وَهِيَ لَغْوٌ وَالْحَاصِلُ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ لَغْوًا يَجِبُ وُجُودُ شَرْطَيْنِ اثْنَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْصُوفُ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْوَصْفِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ فِي مَجْلِسِ الْوَصْفِ مِنْ جِنْسِ الْمَوْصُوفِ حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ - أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْصُوفُ حَاضِرًا - وَوُجِدَ الشَّرْطُ الثَّانِي فَقَطْ يَكُونُ الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا. كَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الثَّانِي - أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْصُوفُ مِنْ جِنْسِ الْوَصْفِ - يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ أَيْضًا، هَذَا وَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُسَمَّى وَالْمَوْصُوفَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ؛ كَانَ الْعَاقِدَانِ لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْوَصْفُ حِينَئِذٍ مُعْتَبَرًا وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالشَّيْءِ الْمُسَمَّى أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ لَا بِالشَّيْءِ الْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ مَثَلٌ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالْوَصْفَ أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ مِنْ جِهَةٍ، وَالْإِشَارَةُ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْوَصْفُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالْوَصْفَ هُمَا وَصْفٌ لِلْمَاهِيَّةِ وَتَعْرِيفٌ لَهَا، وَبِمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى أَرْجَحُ فِيهِمَا تَكُونُ تَسْمِيَتُهَا وَالْوَصْفُ أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ، وَبِمَا أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْطَعُ الِاشْتِرَاكَ وَتُزِيلُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ فَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْوَصْفِ، فَعَلَيْهِ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْمُسَمَّى مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يُرَجَّحُ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا أَشَارَ الْبَائِعُ إلَى فَصٍّ وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ مُخَاطِبًا الْمُشْتَرِيَ قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْأَلْمَاسَ وَكَانَ ذَلِكَ الْفَصُّ بَلُّورًا فَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالْأَلْمَاسِ وَبِمَا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا مُعْتَبَرٌ وَالْأَلْمَاسُ مَعْدُومٌ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مُخَالِفًا لِجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَاقِدَانِ عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ فَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَشَارَ شَخْصٌ إلَى جَمَلٍ قَائِلًا لِلْمُشْتَرِي قَدْ بِعْتُك هَذَا الْحِمَارَ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ حِمَارًا، بَلْ جَمَلًا، وَقَبِلَ الشِّرَاءَ، فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِحَقِّ الْجَمَلِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحَقِّ الْحِمَارِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، إذْ التَّعْرِيفُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: بِالْإِشَارَةِ لَعَيْنِهِ.
وَالثَّانِي: بِتَسْمِيَتِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ الِاثْنَانِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْعَيْنِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ.

(الْمَادَّةُ 64) الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً





(الْمَادَّةُ 64) الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً
إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ ذُكِرَتْ فِي الْمَجَامِعِ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ (الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَجْرِي عَلَى تَقْيِيدِهِ) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْحَنَفِيَّةِ (الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ) فَالْمُطْلَقُ مُقَابِلُ الْمُقَيَّدِ أَيْ أَنَّ الْمُطْلَقَ ضِدُّ الْمُقَيَّدِ.
الْمُطْلَقُ تَعْرِيفُهُ: هُوَ الْحِصَّةُ الَّتِي قَدْ تَشْمَلُ حِصَصًا غَيْرَهَا بِدُونِ تَعْيِينٍ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَكُونُ شَائِعَةً فِي جِنْسِهِ، وَحَقِيقَتُهَا وَمَاهِيَّتُهَا مِنْ حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِه
وَقَدْ عُرِّفَ الْمُطْلَقُ تَعْرِيفًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجَرَّدُ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّخْصِيصِ وَالتَّعْمِيمِ وَالتَّكْرَارِ وَالْمَرَّةِ. وَالْمُقَيَّدُ: هُوَ الْمُقَارِنُ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَرَائِنِ مِثَالٌ: إذَا اتَّفَقَ شَخْصٌ مَعَ خَيَّاطٍ عَلَى خِيَاطَةِ جُبَّةٍ لَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الرَّجُلُ عَلَى الْخَيَّاطِ بِأَنْ يَخِيطَهَا بِنَفْسِهِ يَحِقُّ لِلْخَيَّاطِ أَنْ يَعْهَدَ بِخِيَاطَةِ تِلْكَ الْجُبَّةِ إلَى أَجِيرِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ الْجُبَّةَ فِيمَا لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْأَجِيرِ بِدُونِ تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيَّدْ، وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا مَرَّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْجُبَّةِ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَهَا بِنَفْسِهِ وَعَهِدَ الْخَيَّاطُ بِخِيَاطَتِهَا لِأَجِيرِهِ فَتَلِفَتْ يَكُونُ الْخَيَّاطُ ضَامِنًا. كَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْعَارِيَّةَ بِنَوْعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ بِهَا فَقَطْ يَحِقُّ لِلْمُسْتَعِيرِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ 819 مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَالِ الْمُعَارِ بِذَاتِهِ أَوْ بِإِعَارَتِهِ لِآخَرَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِأَيٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الْإِعَارَةَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ قَيَّدَهَا بِانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ، فَلَا يَحِقُّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ قُيُودَ الْمُعِيرِ لِلْإِعَارَةِ. كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ يَحِقُّ لَهُ حَسْبَ الْمَادَّةِ 1494 أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَقْبَلُهُ ثَمَنًا لِمَالِهِ، فَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ حَسْبَ الْمَادَّةِ 1459 أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِبَيَانِ الثَّمَنِ الَّذِي يَرْتَضِيهِ ثَمَنًا لِمَالِهِ.
هَذَا وَإِنَّ الْأَمْثِلَةَ الَّتِي مَرَّتْ مَعَنَا هُنَا كُلُّهَا أَمْثِلَةٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالنَّصِّ وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالدَّلَالَةِ وَهِيَ: إذَا وَكَّلَ مُكَارٍ شَخْصًا آخَرَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا بِدُونِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ وَصْفًا، فَالْوَكَالَةُ هُنَا مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ وَعَمَلِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِدَاعِي الْإِطْلَاقِ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ فَرَسًا لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِيَادِ الْخَيْلِ بِمِائَتَيْ جُنَيْهٍ، بَلْ إنَّمَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ الَّذِي يَتَنَاسَبُ ثَمَنُهُ مَعَ حَالِ مُوَكِّلِهِ وَعَمَلِهِ فَهُنَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَقْيِيدٌ بِالنَّصِّ فَالتَّقْيِيدُ بِالدَّلَالَةِ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ فَرَسًا مِنْ جِيَادِ الْخَيْلِ لِذَلِكَ الْمُوَكِّلِ الْمُكَارِي، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ عَلَى الْفَرْضِ فَرَسًا جَوَادًا لَا يُلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَيَبْقَى لِلْوَكِيلِ. كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ الْمُطْلَقَةُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهَا قَيْدٌ لِلثَّمَنِ فَالدَّلَالَةُ تُوجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ الشِّرَاءَ بِالْقِيمَةِ الْمِثْلِيَّةِ وَإِلَّا فَمَعَ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَلَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِثَمَنٍ يَكُونُ بِهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْمَادَّةُ (1482) ، كَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ قُرْبَ عِيدِ الْأَضْحَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَرُوفًا أَوْ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ بِشِرَاءِ ثَلْجٍ أَوْ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ بِشِرَاءِ فَحْمٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مُدَّةَ الشِّرَاءِ فَعَقْدُ الْوَكَالَةِ وَإِنْ كَانَ بِالظَّاهِرِ لَا يَحْتَوِي عَلَى قَيْدٍ لِعَدَمِ وُجُودِ نَصٍّ لِلتَّقْيِيدِ فِيهِ فَالْقَيْدُ هُنَا مَوْجُودٌ دَلَالَةً فَعَلَيْهِ لَا يَحِقُّ لِلْوَكِيلِ شِرَاءُ الْخَرُوفِ بَعْدَ مُرُورِ عِيدِ الْأَضْحَى، وَالثَّلْجِ بَعْدَ دُخُولِ فَصْلِ الشِّتَاءِ، وَالْفَحْمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشِّتَاءِ وَإِنْ فَعَلَ لَا يُلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَى.

(الْمَادَّةُ 63) ذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ




(الْمَادَّةُ 63) ذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ

إنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالْمَجَامِعِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْهَا أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ ذِكْرُ بَعْضِهَا عَنْ الْكُلِّ وَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا إذَا ذُكِرَ كَانَ الْكُلُّ مَذْكُورًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذِكْرُ الْبَعْضِ لَا يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ الْكُلِّ لَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِإِهْمَالِ الْكَلَامِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَادَّةَ (60) مِنْ الْمَجَلَّةِ تُصَرِّحُ بِأَنَّ إعْمَالَ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ.
مِثَالٌ: لَوْ أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَكْفُلَ شَخْصًا آخَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ إنَّنِي كَفِيلٌ بِنِصْفِ أَوْ رُبْعِ هَذَا الشَّخْصِ فَبِمَا أَنَّ نَفْسَ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ وَالتَّقْسِيمَ، وَذِكْرُ الْبَعْضِ مِنْهَا بِحُكْمِ ذِكْرِ الْكُلِّ، فَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ وَيَكُونُ قَدْ كَفَلَ نَفْسَ الرَّجُلِ كُلَّهَا. كَذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ 1041 لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعَ نِصْفَ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْقِطًا حَقَّ شُفْعَتِهِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ. كَذَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ كُلُّهُ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ وَاحِدًا وَعَفَا عَنْ الْقَاتِلِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُمْكِنِ إمَاتَةُ قِسْمٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مَعَ الْإِبْقَاءِ عَلَى الْقِسْمِ الْآخَرِ مِنْهُ حَيًّا. أَمَّا إذَا ذُكِرَ بَعْضُ الشَّيْءِ الَّذِي يَتَجَزَّأُ فَهُوَ بِعَكْسِ ذَلِكَ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ: إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّنِي كَفَلْتُك عَلَى مِائَتَيْنِ مِنْ السِّتِّمِائَةِ الْقِرْشِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْك لِفُلَانٍ، فَبِمَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ الْكَفِيلُ كَفِيلًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ. كَذَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: قَدْ أَبْرَأْتُكَ فِي رُبْعِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبِ لِي مِنْك فَيَكُونُ الْإِبْرَاءُ لِذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الدَّيْنِ فَقَطْ. (مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ إنَّ نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي يَكْفُلُك عَلَى كَذَا، فَلَا تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ وَلَا تَكُونُ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ فِي ذَلِكَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ.



د

(الْمَادَّةُ 62) إذَا تَعَذَّرَ إعْمَالُ الْكَلَامِ يُهْمَلُ





(الْمَادَّةُ 62) إذَا تَعَذَّرَ إعْمَالُ الْكَلَامِ يُهْمَلُ 
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ أَوْ مَجَازِيٍّ أُهْمِلَ.
وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْأَشْبَاهِ بِالصُّورَةِ الْآتِيَةِ: (وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ أَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بِلَا مُرَجِّحٍ أُهْمِلَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ أَيْ إمْكَانِ إعْمَالِ الْكَلَامِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ أَوْ عَلَى الْمَجَازِيِّ خَارِجًا عَنْ الْإِمْكَانِ وَمُمْتَنِعًا أَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَا يُوجَدُ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُهْمَلُ بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ وَلَا يَعْمَلُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُوجِبُ إهْمَالَ الْكَلَامِ:
أَوَّلًا: امْتِنَاعُ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ.
ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَا يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ فِي حَقِّ مَنْ نَسَبُهُ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ ابْنُهُ لَا تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (1629) لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ حَقِيقَةً، إذْ لَيْسَ مِنْ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَالِدًا لِرَجُلٍ يَكْبُرُهُ فِي السِّنِّ كَذَا مِنْ الْمُتَعَذِّرِ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْمَعْرُوفُ النَّسَبِ وَلَدًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَدَّعِيهِ. كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ وَارِثٌ لِوَارِثٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ عَنْ حِصَّتِهِ الْإِرْثِيَّةِ، كَأَنْ يُتَوَفَّى شَخْصٌ عَنْ وَلَدٍ وَبِنْتٍ وَيَعْتَرِفُ الْوَلَدُ لِأُخْتِهِ بِنِصْفِ مَا خَلَّفَ وَالِدُهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ، فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ هَذَا لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا حَسْبَ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ. كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي قَطَعْت يَدَيْ فُلَانٍ، وَإِنَّنِي مَدْيُونٌ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ دِيَةَ يَدَيْهِ وَكَانَتْ يَدَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ سَالِمَتَيْنِ لَمْ تُقْطَعْ يُهْمَلُ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.
هَذَا وَإِلَيْكَ مَثَلًا: عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي يَتَنَازَعُهُ مَعْنَيَانِ أَوْ الْمُشْتَرِكُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ مُرَجِّحٍ لِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.
الْمِثَالُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مُعْتِقٌ (بِكَسْرِ التَّاءِ) وَآخَرُ مُعْتَقٌ (بِفَتْحِهَا) وَأَوْصَى بِمَالِ قَائِلًا: (إنَّهُ لِمَوْلَايَ بَعْدَ مَوْتِي) وَلَمْ يُعَيِّنْ فَلَمَّا كَانَتْ كَلِمَةُ (مَوْلَايَ) تَشْمَلُ الْمُنْعِمَ وَالْمُنْعَمَ عَلَيْهِ وَتُطْلَقُ عَلَى (السَّيِّدِ) ، وَهُوَ الْمُعْتِقُ، وَعَلَى (الْعَبْدِ) ، وَهُوَ الْمُعْتَقُ وَبِمَا أَنَّ الْقَصْدَ وَالْغَرَضَ فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى أَنْ تَكُونَ بِمَثَابَةِ اعْتِرَافٍ بِجَمِيلِ الْمُوصَى لَهُ وَكَشُكْرٍ لَهُ عَلَى أَيَادِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى فَهِيَ بِمَثَابَةِ إحْسَانٍ وَزِيَادَةِ تَلَطُّفٍ، وَلِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُعَدُّ مِنْ قِسْمِ الْعُمُومِ، وَيَجِبُ تَحْدِيدُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَقْصُودِ لِلِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ وَهُنَا الْقَصْدُ مَجْهُولٌ، إذْ بِتَعَدُّدِ الْمَقْصُودِ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا، فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَصِيَّةٌ.

(الْمَادَّةُ 61) إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ




(الْمَادَّةُ 61) إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ
يَعْنِي: إذَا تَعَذَّرَتْ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلْكَلَامِ لَا يُهْمَلُ، بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ. فَالْمَعْنَى الْمَهْجُورُ أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَعْمَلِ شَرْعًا وَعُرْفًا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَعَذِّرِ.
وَالتَّعَذُّرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَوَّلًا: تَعَذُّرٌ حَقِيقِيٌّ.
ثَانِيًا: تَعَذُّرٌ عُرْفِيٌّ.
ثَالِثًا: تَعَذُّرٌ شَرْعِيٌّ. وَلِلتَّعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مُمْتَنِعَةً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ لَيْسَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ أَحْفَادٌ - مَالًا لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَبِمَا أَنَّ الْوَاقِفَ هُنَا لَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَوْلَادٌ حَقِيقَةً وَهُمْ الْأَوْلَادُ الصُّلْبِيَّةِ فَيَتَعَذَّرُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَبِمَا أَنَّ الْكَلَامَ يَجِبُ أَنْ لَا يُهْمَلَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى فَيُحْمَلُ عَلَى أَحْفَادِهِ الَّذِينَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ أَوْلَادٌ مَجَازًا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَّفْظِ مُمْكِنَةٌ مَعَ الْمَشَقَّةِ الزَّائِدَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا (لَا آكُلُ مِنْ شَجَرَةِ النَّخْلِ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَيْهَا) . فَلِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ خَشَبِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَا يَكُونُ إلَّا بِصُعُوبَةٍ وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَقْصِدُ بِكَلَامِهِ الْأَكْلَ مِنْ خَشَبِ الشَّجَرَةِ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ثَمَرِهَا إذَا كَانَتْ مُثْمِرَةً، وَعَلَى ثَمَنِ خَشَبِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ، كَذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا بِيَمِينِهِ فِيمَا لَوْ أَكَلَ مِنْ النَّخْلَةِ خَشَبَهَا.
التَّعَذُّرُ الْعُرْفِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلَّفْظِ مَهْجُورًا وَمَتْرُوكًا لِلنَّاسِ كَأَنْ يَحْلِفَ إنْسَانٌ قَائِلًا (لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ) فَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَصْبَحَ مَهْجُورًا مِنْ النَّاسِ وَالْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيهِ هُوَ الْكِنَايَةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِيمَا لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ فِي بَابِ الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا.
التَّعَذُّرُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلَّفْظِ مَهْجُورًا شَرْعًا كَكَلِمَةِ (الْخُصُومَةِ) مَثَلًا: فَإِنَّهَا لَمَّا تُرِكَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ شَرْعًا فَعَلَيْهِ إذَا سَمِعْتَ رَجُلًا يَقُولُ: إنِّي قَدْ وَكَّلْتُ فُلَانًا بِالْخُصُومَةِ عَنِّي فِي دَعْوَى إرْثٍ مَثَلًا: تُصْرَفُ كَلِمَةُ الْخُصُومَةِ إلَى مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ وَالْمُدَافَعَةُ عَنْهُ فِي دَعْوَى أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَقَامَهَا عَلَى غَيْرِهِ دُونَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهَا، وَهُوَ بِأَنْ يَقُومَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُوَكَّلُ بِمُنَازَعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ مَنْ يُنَاوِئُ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَنْ يُرِيدُ الْمُوَكِّلُ مُنَاوَأَتَهُ.

(الْمَادَّةُ 60) إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ



(الْمَادَّةُ 60) إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ .
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ: (إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْمَالُ الْكَلَامِ وَاعْتِبَارُهُ بِدُونِ مَعْنًى مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لَهُ أَوْ مَعْنًى مَجَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إهْمَالُ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُهُ لَغْوًا وَعَبَثًا، وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ يَمْنَعَانِ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ. هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا خُلْفٌ لِذَاكَ وَالْخُلْفُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ. عَلَى أَنَّهُ سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَمْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَهُوَ إعْمَالٌ لِلْكَلَامِ إلَّا أَنَّ اللَّفْظَ الْمُرَادَ إعْمَالُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْإِفَادَةُ أَوْلَى مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وُضِعَ لِإِفَادَةِ مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ دُونَ التَّأْسِيسِ إهْمَالٌ لِوَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ، التَّأْكِيدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَقْرِيرُ وَتَقْوِيَةُ مَعْنَى لَفْظٍ سَابِقٍ لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ (إعَادَةٌ أَيْضًا) التَّأْسِيسُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ السَّابِقُ لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ (إفَادَةٌ) أَيْضًا. فَعَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ بِأَنَّهُ مَدْيُونٌ لِآخَرَ بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ مَثَلًا بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ سَبَبَ الدَّيْنِ وَأَعْطَى سَنَدًا بِذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِعَشْرِ جُنَيْهَاتٍ أَيْضًا وَعَمِلَ لَهُ سَنَدًا وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الدَّيْنِ، يُحْمَلُ إقْرَارُهُ فِي كِلْتَا الْمَرَّتَيْنِ عَلَى تَأْسِيسٍ وَيُعْتَبَرُ دَيْنُ السَّنَدِ الثَّانِي غَيْرُ دَيْنِ السَّنَدِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّ السَّنَدَ الثَّانِي كُتِبَ تَأْكِيدًا لِلسَّنَدِ الْأَوَّلِ، كَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ) تَكُونُ طَالِقًا ثَلَاثًا وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الزَّوْجِ إذَا هُوَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّنِي قَصَدْتُ التَّأْكِيدَ فِي تَكْرَارِي كَلِمَةَ الطَّلَاقِ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَمْلُ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ وَالتَّأْسِيسَ مَعًا عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى، فَقَدْ يُحْمَلُ أَحْيَانًا عَلَى التَّأْكِيدِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ (بِعْهُ وَبِعْهُ مِنْ فُلَانٍ) فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْنِيِّ بِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَمَا حَقَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي عَنَاهُ الْمُوَكِّلُ.

(الْمَادَّةُ 59) الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ




(الْمَادَّةُ 59) : الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ.
يُرَادُ بِالْوِلَايَةِ هُنَا نَفَاذُ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَالْوَلِيُّ: هُوَ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ اسْتِحْصَالِ إذْنٍ بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَهَذَا بِعَكْسِ الْوَكِيلِ فَالْوَكِيلُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ فَتَصَرُّفُهُ مَقْرُونٌ بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ. هَذَا وَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ وِلَايَةً فِي النِّكَاحِ وَالْمَالِ، وَالْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ الْجَدُّ أَوْ الْأَبُ أَوْ أَبُو الْجَدِّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي النِّكَاحِ فَقَطْ أَوْ فِي الْمَالِ فَقَطْ فَالْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ فَقَطْ جَمِيعُ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمُّ وَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْوَلِيُّ فِي الْمَالِ فَقَطْ أَوَّلًا أَبُو الصَّغِيرِ.
ثَانِيًا الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُوهُ وَنَصَّبَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا مَاتَ أَبُوهُ.
ثَالِثًا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا مَاتَ.
رَابِعًا جَدُّهُ الصَّحِيحُ أَيْ أَبُو أَبِ الصَّغِيرِ.
خَامِسًا الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْجَدُّ وَنَصَّبَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.
سَادِسًا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ هَذَا، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (974) وَوِلَايَةُ الْوَقْفِ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ أَيْضًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ أَجَّرَ الْقَاضِي عَقَارًا لِلْوَقْفِ بِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْوَقْفِ، وَأَجَّرَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ ذَلِكَ الْعَقَارَ نَفْسَهُ، يَكُونُ إيجَارُ الْمُتَوَلِّي صَحِيحًا وَلَا يُعْتَبَرُ إيجَارُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَلَا يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَالِ الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي، كَذَلِكَ لَا يَحِقُّ لِلْقَاضِي عَزْلُ الْمُتَوَلِّي الْمَنْصُوبِ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْوَاقِفِ عَلَى الْوَقْفِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، كَذَلِكَ لَا يَحِقُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي نُصِّبَ عَلَيْهِ وَصِيٌّ، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَ أَوْ الْيَتِيمَةَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ فِي شَيْءٍ لَا تَأْثِيرَ لِلْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَلَا عَمَلَ لِصَاحِبِهَا، وَأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ الْعَامِّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ غَيْرُ نَافِذٍ. (مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى، وَهُوَ: إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ فَوَصِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصُ الْقَاتِلِ أَوْ إعْفَاؤُهُ مِنْ الْقِصَاصِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ بِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، فَالْقَاضِي هُنَا يَمْلِكُ بِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ مَالًا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ.

(الْمَادَّةُ 58) التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّغْبَةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ







(الْمَادَّةُ 58) : التَّصَرُّفُ عَلَى الرَّغْبَةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَاعِدَةِ " تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ " أَيْ أَنَّ تَصَرُّفَ الرَّاعِي فِي أُمُورِ الرَّعِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. وَالرَّعِيَّةُ هُنَا: هِيَ عُمُومُ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ.
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا لَمْ يُوجَدْ وَلِيٌّ لِلْقَتِيلِ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّهُ فَكَمَا أَنَّ لَهُ حَقًّا بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا أَنْ لَا تَقِلَّ الدِّيَةُ عَنْ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ. كَذَلِكَ الْقَاضِي لَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَأَحْكَامُهُ مَا لَمْ تَكُنْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْمَصْلَحَةِ.
مِثَالٌ: لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي شَخْصًا بِأَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مَالًا لِشَخْصٍ آخَرَ فَإِذْنُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ نَفْسَهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ ذَلِكَ الْمَالَ يَكُونُ ضَامِنًا. كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَهَبَ أَمْوَالَ الْوَقْفِ وَأَمْوَالَ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمَصْلَحَتِهَا أَيْضًا. كَذَلِكَ لَوْ نَصَّبَ حَاكِمٌ مُخَالِفًا شَرْطَ الْوَاقِفِ فَرَّاشًا فِي مَسْجِدٍ فَكَمَا أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ حَرَامٌ عَلَى الْفَرَّاشِ فَالْحَاكِمُ أَيْضًا يَكُونُ ارْتَكَبَ حُرْمَةً بِنَصْبِهِ. كَذَلِكَ إذَا صَالَحَ وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَنْ دَعْوَاهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَذَلِكَ حَسْبَ مَنْطُوقِ الْمَادَّةِ (1540) كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مَدِينِ الصَّغِيرِ حَوَالَةً مَا لَهُ عَلَى شَخْصٍ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْلَأَ، أَيْ أَغْنَى مِنْ الْمُحِيلِ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ لَا حُكْمَ لَهُ عَمَلًا بِالْمَادَّةِ (685) وَالْحَاصِلُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْوَلِيِّ مَقْرُونًا بِالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا جَائِزٍ.

(الْمَادَّةُ 57) لَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِقَبْضٍ




(الْمَادَّةُ 57) : لَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِقَبْضٍ 
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَأَصْبَحَ الْوَاهِبُ حِينَئِذٍ مُجْبَرًا عَلَى أَدَاءِ شَيْءٍ لَيْسَ بِمُجْبَرٍ عَلَى أَدَائِهِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِرُوحِ التَّبَرُّعِ فَالتَّبَرُّعُ هُوَ إعْطَاءُ الشَّيْءِ غَيْرِ الْوَاجِبِ، إعْطَاؤُهُ إحْسَانًا مِنْ الْمُعْطِي.
مِثَالٌ: لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِذَلِكَ الْمَالِ. كَذَا لَوْ عَدَلَ شَخْصٌ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ نُقُودًا بِيَدِهِ لِيُعْطِيَهَا فَقِيرًا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ - عَنْ إعْطَائِهِ إيَّاهَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهِبَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَا عِوَضٍ أَوْ كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَتَمَامُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلُزُومُهَا لِلْوَرَثَةِ نَاشِئٌ عَنْ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ الَّذِي لَهُ وَحْدَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ تَبَرُّعِهِ.

(الْمَادَّةُ 56) الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ




(الْمَادَّةُ 56) : الْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ.
بِمَا أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَاَلَّذِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً قَدْ يَجُوزُ بَقَاءً مِثَالٌ: لِلشَّرِيكِ أَنْ يُؤَجِّرَ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ لِشَرِيكِهِ الْآخَرِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ حِصَّتَهُ لِأَحَدِ شُرَكَائِهِ إذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أَوْ لِشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ، أَمَّا لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ جَمِيعَهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُ، ثُمَّ بَعْدَ إجْرَاءِ عَقْدِ الْإِيجَارِ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِنِصْفِ تِلْكَ الدَّارِ وَأَثْبَتَ الْمُسْتَحِقُّ مِلْكِيَّتَهُ بِنِصْفِهَا لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَتَكُونُ صَحِيحَةً بَقَاءً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً، كَذَلِكَ لَوْ نَصَّبَ حَاكِمٌ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِذَلِكَ فَذَلِكَ النَّصْبُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْأَحْكَامُ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا تَكُونُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَكِنْ إذَا حَكَمَ ذَلِكَ النَّائِبُ فِي شَيْءٍ وَالْحَاكِمُ الَّذِي أَنَابَهُ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُصْبِحُ الْحُكْمُ مُعْتَبَرًا وَصَحِيحًا فَالْإِنَابَةُ هُنَا جَازَتْ بَقَاءً أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً.

(الْمَادَّةُ 55) يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ



(الْمَادَّةُ 55) : يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ.
فَقَاعِدَةُ يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِانْتِهَاءِ. هِيَ مِنْ قَبِيلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: هِبَةُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً فَتَصِحُّ انْتِهَاءً، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ لِآخَرَ حِصَّةً شَائِعَةً فِي دَارِ مَثَلًا: فَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ، أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ جَمِيعَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِحِصَّةٍ فِي تِلْكَ الدَّارِ، فَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ وَيَبْقَى لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّارِ بَعْدَ أَخْذِ تِلْكَ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ مِنْهَا.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ دَارِهِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ سِوَاهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوهِبُ تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الثُّلُثَيْنِ وَتَصِحُّ فِي الثُّلُثِ فَقَطْ إذَا لَمْ تُقِرَّهَا الْوَرَثَةُ، وَالسَّبَبُ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ فِي الثُّلُثِ هُنَا - مَعَ أَنَّهُ حِصَّةٌ شَائِعَةٌ، وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الشَّائِعِ هُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ وَالْهِبَةُ كَانَتْ لِجَمِيعِ الدَّارِ.
كَذَلِكَ الْوَكِيلُ يَبِيعُ مَالًا لَهُ، لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ آخَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ الْمَالِ الْمُوَكَّلِ بِبَيْعِهِ، لَكِنْ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَبَاعَ الْمَالَ فُضُولًا وَالْوَكِيلُ أَجَازَ الْبَيْعَ تَكُونُ إجَازَتُهُ صَحِيحَةً وَالْبَيْعُ نَافِذًا، كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِلْأَجْنَبِيِّ حِصَّتَهُ فِي الْأَثْمَارِ غَيْرِ النَّاضِجَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ أَرَادَ قَطْفَ الْأَثْمَارِ وَأَخْذَ حِصَّتِهِ مِنْهَا لَتَضَرَّرَ الشَّرِيكُ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ الشَّرِيكَانِ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرِ لِشَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ بَعْدَ الْبَيْعِ فَسَخَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ بِالتَّرَاضِي مَعَ الْمُشْتَرِي لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَيَبْقَى صَحِيحًا.

(الْمَادَّةُ 54) يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا



(الْمَادَّةُ 54) : يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَقَاعِدَةُ (يُغْتَفَرُ لِشَيْءٍ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ قَصْدًا) قَرِيبَةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَتُتَرْجَمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ التُّرْكِيَّةِ قَدْ يَجُوزُ تَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ، أَمَّا لَوْ أَعْطَى الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ كِيسًا لِيَضَعَ فِيهِ الْمَبِيعَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْ الْمُشْتَرِي وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَجَوَازِهَا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مُسَلِّمًا وَمُسْتَلِمًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ عَقْدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ اثْنَانِ وَأَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْطَى وِعَاءً لِلْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ عَمِلَ بِإِشَارَتِهِ يُعَدُّ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَبْضُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ كَانَ تَبَعًا فَصَحَّ. كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ قَمْحًا وَطَلَبَ إلَيْهِ أَنْ يَطْحَنَ الْقَمْحَ وَالْبَائِعُ طَحَنَهُ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا الْقَمْحَ تَبَعًا لِطَلَبِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَطْحَنَهُ، كَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ عَقَارًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ وَقْفُهَا وَلَمْ يَكُنْ جَائِزًا عُرْفًا وَعَادَةً يَصِحُّ وَقْفُهَا تَبَعًا وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ فِيهَا غَيْرَ جَائِزٍ ابْتِدَاءً، كَذَا وَقْفُ حَقِّ الشُّرْبِ غَيْرِ الْجَائِزِ يَصِحُّ إذَا وَقَفَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، كَذَلِكَ بَيْعُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي شُرْبٍ أَيَّامًا مِنْ حَقِّهِ فِي الشُّرْبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا بِيعَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ مَثَلًا.

(الْمَادَّةُ 53) إذَا بَطَلَ الْأَصْلُ يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ





(الْمَادَّةُ 53) : إذَا بَطَلَ الْأَصْلُ يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ.
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ إيفَاءُ الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ إيفَاءُ الْبَدَلِ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ مَا دَامَ إيفَاءُ الْأَصْلِ مُمْكِنًا. لِأَنَّ إيفَاءَ الْأَصْلِ هُوَ (الْأَدَاءُ) أَمَّا إيفَاءٌ بِالْخُلْفِ عَنْ الْأَصْلِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْخُلْفِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ غَيْرُ جَائِزٍ. كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ مَثَلًا فَهُوَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ يَجِبُ رَدُّهُ عَيْنًا وَلَا يَجُوزُ إيفَاءُ بَدَلِهِ مَعَ وُجُودِهِ.
مِثَالٌ: لَوْ اغْتَصَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ شَيْئًا وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ تَحْتَ يَدِهِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَمْ يَقْبَلْ بِذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْبَدَلِ، إنَّ الْأُصُولِيِّينَ يُعَبِّرُونَ عَنْ إيفَاءِ الْمَغْصُوبِ بِالذَّاتِ بِالْأَدَاءِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ هُوَ أَدَاءٌ حَقِيقَةً، هَذَا غَيْرُ أَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فُقِدَ مِنْهُ وَأَصْبَحَ رَدُّهُ عَيْنًا غَيْرُ مُمْكِنٍ يُصَارُ حِينَئِذٍ إلَى الْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِإِيفَائِهِ بِمِثْلِهِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ (الْقَضَاءَ بِالْمِثْلِ الْمَعْقُولِ أَوْ الْقَضَاءَ الْكَامِلُ) لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الْمِثْلِيَّةَ مُطَابِقَةٌ لِبَعْضِهَا صُورَةً وَمَعْنًى، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ هِيَ مَعْنَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَالْأَمْوَالُ الْمِثْلِيَّةُ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْقِيمَةِ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ مُتَقَارِبَةٌ فِي ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ فَتُؤَدَّى قِيمَتُهُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ (الْقَضَاءَ الْقَاصِرَ) لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْ النُّقُودِ لَا تُمَاثِلُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى.

(الْمَادَّةُ 52) إذَا بَطَلَ شَيْءٌ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ



(الْمَادَّةُ 52) : إذَا بَطَلَ شَيْءٌ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ. 
فَقَاعِدَةُ " الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ " مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا. وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَادَّةِ: أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي ثَبَتَ ضِمْنًا إذَا بَطَلَ مُتَضَمِّنُهُ لَا يَبْقَى لَهُ الْحُكْمُ.
مِثَالٌ: لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ الْيَمِينَ الْمُوَجَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَاكَمَةِ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الشِّرَاءُ بَاطِلًا فَإِسْقَاطُ الْيَمِينِ الَّذِي فِي ضِمْنِهِ بَاطِلٌ أَيْضًا، كَذَا لَوْ تَصَالَحَ طَرَفَانِ فَأَبْرَأَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَكَتَبُوا بِذَلِكَ سَنَدَاتٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ فَاسِدٌ، فَكَمَا أَنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ الَّذِي فِي ضِمْنِهِ بَاطِلًا أَيْضًا.
" مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنًى وَاحِدٌ وَذَلِكَ إذَا تَصَالَحَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى حَقِّ الشُّفْعَةِ، فَالصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ، فَهُنَا مَعَ بُطْلَانِ الصُّلْحِ لَمْ يَبْطُلْ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ ضِمْنِ الصُّلْحِ، كَمَا تَقْتَضِي الْقَاعِدَةُ.

(الْمَادَّةُ 51) السَّاقِطُ لَا يَعُودُ



(الْمَادَّةُ 51) : السَّاقِطُ لَا يَعُودُ.
يَعْنِي إذَا أَسْقَطَ شَخْصٌ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الْحَقُّ وَبَعْدَ إسْقَاطِهِ لَا يَعُودُ. أَمَّا الْحَقُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لَهُ. مِثَالٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَأَسْقَطَهُ عَنْ الْمَدِينِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فَنَدِمَ عَلَى إسْقَاطِهِ الدَّيْنَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ، وَهُوَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَدِينِ وَيُطَالِبَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنْ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ الدَّائِنِ حَقَّهُ فِيهِ، أَمَّا لَوْ أَبْرَأَ شَخْصٌ آخَرَ مِنْ طَرِيقٍ لَهُ أَوْ سَيْلٍ أَوْ كَانَ لَهُ قِطْعَةٌ وَأَبْرَأَهُ بِهَا، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بِمَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ وَيَجِبُ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِيهَا إجْرَاءُ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مَثَلًا. هَذَا وَإِلَيْكَ بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ: إذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي مَالًا مِنْ آخَرَ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ لِحِينِ قَبْضِ الثَّمَنِ، كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ (281) ، وَلَكِنْ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ عِنْدَهُ لِحِينِ قَبْضِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، كَمَا قُلْنَا: كَذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِي مَالًا بِدُونِ أَنْ يَرَاهُ لَهُ حَقُّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهُوَ إذَا بَاعَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَجَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَآهُ يَسْقُطُ حَقُّ خِيَارِهِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (335) فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ الْمَبِيعِ بِحَقِّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ كَذَا الصُّلْحُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحُقُوقِ، فَلَيْسَ لِلطَّرَفَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهِ، كَذَلِكَ لَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ شَاهِدٍ بِتُهْمَةِ الْفِسْقِ فِي دَعْوَى مِنْ الدَّعَاوَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ فِي نَفْسِ الدَّعْوَى فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بُطْلَانُ تِلْكَ التُّهْمَةِ.

(الْمَادَّةُ 50) إذَا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ




(الْمَادَّةُ 50) : إذَا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ.
إنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَشْبَاهِ بِعِبَارَةِ (يَسْقُطُ الْفَرْعُ إذَا سَقَطَ الْأَصْلُ) وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا قَاعِدَةُ (التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ) وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّابِعُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ أَوْ يَسْقُطُ الْفَرْعُ بِسُقُوطِ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا سَقَطَ الْفَرْعُ أَوْ سَقَطَ التَّابِعُ، فَلَا يَسْقُطُ الْمَتْبُوعُ.
مِثَالُ ذَلِكَ. لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنْ الدَّيْنِ فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ وَالْكَفِيلُ فَرْعٌ فَبِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصْلِ يَسْقُطُ عَنْ الْفَرْعِ طَبْعًا، أَمَّا لَوْ عُكِسَتْ الْقَضِيَّةُ وَكَانَ الْكَفِيلُ هُوَ الْمُبَرَّأُ مِنْ قِبَلِ الدَّائِنِ، فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْ الْفَرْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْفَرْعُ دُونَ أَنْ يَثْبُتَ الْأَصْلُ وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى اثْنَيْنِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا اسْتَدَانَ مِنْهُ أَلْفَ قِرْشٍ وَالثَّانِي كَفَلَهُ فِي ذَلِكَ الْمَبْلَغِ فَأَنْكَرَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ وَالْمُدَّعِي عَاجِزٌ عَنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ إلَّا أَنَّ الْكَفِيلَ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ فَيُحْكَمُ عَلَى الْكَفِيلِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهِ بِالدَّيْنِ دُونَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ.

(الْمَادَّةُ 49) مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ




(الْمَادَّةُ 49) : مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ.
إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا مَثَلًا مَلَكَ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِنْ ضَرُورَاتِ الدَّارِ وَالدَّارُ بِدُونِ طَرِيقٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَالسُّكْنَى فِيهَا، فَعَلَيْهِ كُلُّ دَارٍ تُبَاعُ مِنْ الْمُشْتَرِي تَدْخُلُ طَرِيقُهَا فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ وَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ إنَّنِي لَمْ أَبِعْ الطَّرِيقَ، بَلْ بِعْتُ الدَّارَ فَقَطْ، كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا يُصْبِحُ مَالِكًا مَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَهَا تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (1174) ، فَعَلَيْهِ يَحِقُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ إنْشَاءُ مَا يَشَاءُ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِعْلَاءُ سُمْكِهِ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُ، كَمَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي الْأَرْضِ إلَى أَعْمَاقِهَا.

(الْمَادَّةُ 48) التَّابِعُ لَا يُقَرَّرُ بِالْحُكْمِ




(الْمَادَّةُ 48) : التَّابِعُ لَا يُقَرَّرُ بِالْحُكْمِ 
فَالْجَنِينُ الَّذِي فِي بَطْنِ الْحَيَوَانِ لَا يُبَاعُ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ هِبَةُ الْحَيَوَانِ الْمَوْجُودِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ بَقَرَةً حَامِلًا وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا مِنْ الْهِبَةِ تَكُونُ الْهِبَةُ لِلِاثْنَيْنِ مَعًا. وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لَغْوًا، كَذَلِكَ إذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَكَانَ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ وَظَهَرَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ زِيَادَةٌ عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ بَاعَ شَخْصٌ حَجَرًا مِنْ الْمَاسِ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ خَمْسَةَ قَرَارِيطَ فَظَهَرَ أَثْنَاءَ التَّسْلِيمِ أَنَّ وَزْنَهُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ يُصْبِحُ ذَلِكَ الْحَجَرُ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الثَّمَنِ الَّذِي صَارَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْقِيرَاطِ تَابِعٌ لِلْكُلِّ، فَلَا يُقَرَّرُ بِالْحُكْمِ. " مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُسْتَثْنَيَاتٌ، وَهِيَ كَمَا يَلِي: إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ لِجَنِينٍ أَيْ لِحَمْلٍ بِمَالِ مَعَ بَيَانِ سَبَبٍ مَعْقُولٍ يَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا بِشَرْطِ أَنْ يُولَدَ ذَلِكَ الْحَمْلُ فِي بَحْرِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ تَارِيخِ الْإِقْرَارِ، فَهُنَا مَعَ كَوْنِ الْجَنِينِ تَابِعًا فِي الْوُجُودِ لِوَالِدَتِهِ فَقَدْ أُقِرَّ بِالْحُكْمِ وَاعْتُبِرَ الْإِقْرَارُ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْجَنِينَ إذَا وُلِدَ حَيًّا يَرِثُ مِنْ وَالِدِهِ الْمُتَوَفَّى قَبْلًا. كَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ إلَيْهِ الْكَفِيلَ يُصْبِحُ بَرِيئًا، وَالْحَالُ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَابِعَةٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ بَاقٍ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَلَّا يُفْرَدَ الْكَفِيلُ بِحُكْمٍ، كَذَلِكَ لَوْ أَنَّ شَخْصًا يُطْلَبُ لَهُ مِنْ آخَرَ عُمْلَةٌ خَالِصَةٌ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ أَخْذِ دَيْنِهِ بِتِلْكَ الْعُمْلَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا عُمْلَةً (مَغْشُوشَةً) فَإِسْقَاطُهُ هَذَا صَحِيحٌ، وَالْحَالُ أَنَّ خُلُوصَ الْعُمْلَةِ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ وَتَابِعَةٌ لَهُ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَدَمَ إعْطَاءِ حُكْمٍ بِحَقِّهَا.

(الْمَادَّةُ 47) التَّابِعُ لِلشَّيْءِ فِي الْوُجُودِ تَابِعٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ



(الْمَادَّةُ 47) : التَّابِعُ تَابِعٌ.
يَعْنِي: التَّابِعُ لِلشَّيْءِ فِي الْوُجُودِ تَابِعٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ، فَلَوْ بِيعَتْ بَقَرَةٌ مَثَلًا: فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ دَخَلَ الْجَنِينُ فِي الْبَيْعِ بِلَا نَصٍّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْحُكْمِ، كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ بُسْتَانًا مِنْ آخَرَ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ أَثْمَرَ شَجَرُ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ، فَلَا يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْنِيَ ذَلِكَ الثَّمَرَ لِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي تَبَعًا، كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (236) أَنَّ الزَّوَائِدَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي، كَذَا زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ الْحَاصِلَةُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ هِيَ تَابِعَةٌ لِلْمَغْصُوبِ بِالْوُجُودِ أَيْضًا فَتَكُونُ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
مِثَالٌ: لَوْ اغْتَصَبَ شَخْصٌ فَرَسًا مِنْ آخَرَ وَنَتَجَتْ عِنْدَهُ مُهْرًا مَثَلًا: فَالْمُهْرُ لِصَاحِبِهَا تَبَعًا لَهَا وَلَيْسَ لِلْمُغْتَصِبِ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ.
كَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ، فَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عِنْدَ شَخْصٍ نَاقَةً وَنَتَجَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالنِّتَاجُ يَكُونُ رَهْنًا أَيْضًا تَبَعًا لَهُ، وَلَا يَحِقُّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ فَكِّ الرَّهْنِ.









(الْمَادَّةُ 46) إذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي يُقَدَّمُ الْمَانِعُ




(الْمَادَّةُ 46) : إذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي يُقَدَّمُ الْمَانِعُ 
أَيْ إذَا وُجِدَ فِي مَسْأَلَةٍ سَبَبٌ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِهَا وَسَبَبٌ آخَرَ يَمْنَعُ الْعَمَلَ يُرَجَّحُ الْمَانِعُ.
مِثَالُ ذَلِكَ: الرَّهْنُ، لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عِنْدَ آخَرَ دَارِهِ مَثَلًا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ بَيْعِهَا مَعَ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكِيَّةَ الدَّارِ تَقْتَضِي أَنْ يَتَصَرَّفَ صَاحِبُهَا بِهَا كَيْفَ شَاءَ، إلَّا أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّارِ وَجَعْلَهَا وَثِيقَةً فِي يَدِهِ لِحِفْظِ مَالِهِ مَانِعٌ، وَالْمَانِعُ مُرَجَّحٌ عَلَى الْمُقْتَضِي فَيُعْمَلُ بِهِ، كَذَلِكَ لَوْ بِيعَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ وَآخَرُ مَجْهُولٌ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَصِحُّ لِمُعَارَضَةِ الْمَانِعِ، وَهُوَ جَهَالَةُ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْمُقْتَضِي، وَهُوَ صِحَّةُ الْعَقْدِ فِي الْمَبِيعِ الْمَعْلُومِ، كَذَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ مُتَقَوِّمًا وَغَيْرَ مُتَقَوِّمٌ مَعًا كَمِّيَّةً، كَذَلِكَ الْبِنَاءُ الَّذِي أَسْفَلُهُ مَمْلُوكٌ لِشَخْصٍ وَأَعْلَاهُ مِلْكُ شَخْصٍ آخَرَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمُقْتَضَى مِلْكِيَّتِهِ بِدُونِ رِضَاءِ الْآخَرِ بِصُورَةٍ مُضِرَّةٍ لِمُعَارَضَةِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْإِضْرَارُ، كَأَنْ يَكْشِفَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ الْعُلْوِيِّ سَقْفَ الْبِنَاءِ السُّفْلِيِّ الَّذِي هُوَ أَرْضُ مَحِلِّهِ، أَوْ يَهْدِمَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ السُّفْلِيِّ حَائِطًا مُرْتَكِزًا عَلَيْهَا قِسْمٌ مِنْ الْبِنَاءِ الْعُلْوِيِّ. كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ مَعَهُ بِمَالِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَا يُعْتَبَرُ فَيَكُونُ مَانِعًا.