جلسة 22 من مايو سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / عابد راشد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد أحمد خليل ، أحمد محمود شلتوت ، عصمت أبو زيد ومحمد صلاح عبد التواب نواب رئيس المحكمة .
----------------
(40)
الطعن رقم 5820 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده أدلة سائغة وكافية لحمل قضائه . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
إحالة الحكم في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شـاهد آخر . لا يعيبه . ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها . اختلافهم في بعض التفصيلات . لا يقدح في سلامته . علة ذلك ؟
(3) إثبات " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه . لا ينال من سلامة الحكم .
مثال .
(4) إثبات " شهود " " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني . غير لازم . كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق .
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها . غير مقبول .
(5) رابطة السببية . مسئولية جنائية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر رابطة السببية " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
مسئولية الجاني في جريمة الضرب عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر . ما لم تتدخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية . مرض المجني عليها . أمر ثانوي لا يقطع هذه الرابطة .
مثال .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة الشهود . مفاده ؟
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت . حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه واطراح ما عداه . لها الأخذ بأقواله في أية مرحلة من مراحل الدعوى دون بيان العلة .
تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع غيرهم أو تناقض رواياتهم . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
للمحكمة الإعراض عن قالة شهود النفي . ما دامت لا تثق بما شهدوا به . إشارتها لأقوالهم . غير لازمة . ما دامت لم تستند إليها . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها . مفاده : اطراحها .
(8) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها . لها أن تورد من أقوال الشهود ما تطمئن إليه واطراح ما عداه .
(9) محكمة الطفل . طفل . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . نيابة عامة . محكمة الجنايات " نظرها الدعوى والحكم فيها " .
مباشرة محكمة الطفل بهيئة استئنافية التحقيق في الدعوى . ليس تصدياً للاتهامات المنسوبة للطاعن البالغ . إحالتها الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شئونها بشأن ما أُسند له من اتهام وتحقيق الأخيرة للدعوى وإحالتها لمحكمة الجنايات ونظرها . صحيح . نعيه ببطلان قرار الإحالة للنيابة العامة . غير مقبول . علة وأساس ذلك ؟
(10) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بانتفاء الصلة بالواقعة . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها استقلالاً . علة ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستقاة من أقوال شهود الإثبات وما أورده التقرير الطبي الشرعي ، وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه ومن شأنها أن تودي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن دعوى القصور في التسبيب لا تكون لها محل في الحكم المطعون فيه .
2- من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، ولا يقدح في سلامة الحكم على فرض صحة ما يثيره الطاعن من عدم اتفاق أقوال الشهود في بعض التفصيلات ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات ولم يركن إليها في تكوين عقيدته ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص ولا محل له .
3- لما كان الحكم قد حصل من التقرير الطبي الشرعي : ( وثبت من تقرير الصفة التشريحية وجود انسكابات دموية بالعنق ودكانة وسيولة بالدم واحتقان شديد وتناثر عدد من كرات الدم الحمراء حول القرن الأيمن للعظم اللامي وكذا وجود نقط نزفية بسطح القلب والرئتين وأن الوفاة تعزى إلى إسفكسيا الخنق نتيجة الضغط المباشر المتصل على العنق خاصة على جانبيه ) فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بعدم إيراده مضمون تقرير الصفة التشريحية لا يكون له محل ، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .
4- من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني ، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة
والتوفيق ، وكان الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يطلب إجراء تحقيق فيما أثاره بهذا الخصوص، فإنه لا يحق له أن ينعى على المحكمة أنها لم تتخذ إجراء لم يطلبه .
5- لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه قام بوضع عنق المجني عليها أسفل إبطه وضغط على عنقها حتى خارت قواها وسقطت على الأرض ، فأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موتها ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعن ووفاة المجني عليها بما أثبته تقرير الصفة التشريحية وأقوال الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليها تعزى إلى إسفكسيا الخنق نتيجة الضغط المباشر المتصل على العنق ويجوز حدوثها من مثل التصوير الوارد بأقوال شقيقتها بقيام المتهم بلف ذراعه حول رقبتها ووضعها تحت إبطه مما أدى إلى خنقها ، فإن في ذلك ما يحقق مسئولية الطاعن - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان واجبه أن يتوقع حصولها ، لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة ، ومن أن مرض المجني عليها - على فرض صحة ما يدعيه الطاعن - إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها ، بل حسبها أن تورد في حكمها من أقوال الشهود ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ، كما أن تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن بها إليها في تكوين عقيدتها ، وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به ، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها ، وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها ، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول .
8- لما كان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود اطراحه لها ، إذ إن المحكمة في أصول الاستدلال لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك ، ومن ثم فإن النعي على الحكم إغفاله إيراد أقوال أحد الشهود يكون غير مقبول .
9- لما كان البيّن من صورة المفردات المرفقة بملف الطعن أن محكمة جنح مستأنف .... باشرت تحقيق الدعوى رقم .... جنايات طفل .... والمستأنفة برقم .... جنايات مستأنف طفل .... بسماع أقوال شهود الإثبات - إعمالاً لنص المادة 413 من قانون الإجراءات الجنائية - ولم تتصدى للوقائع والاتهامات المنسوبة للطاعن - على خلاف ما يزعمه الطاعن - فإن قرارها بإحالة الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شئونها بشأن ما أثير من اتهام للطاعن بقتل المجني عليها وتحقيق النيابة العامة للدعوى وإحالتها إلى محكمة الجنايات ونظر الأخيرة لها يتفق وصحيح القانون ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه لا يكون سديداً ، هذا فضلاً أن دفع الطاعن ببطلان قرار محكمة الجنح المستأنفة بإحالة أوراق الجناية .... مستأنف طفل .... إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها قبل الطاعن فيما نسب إليه بشأن جناية قتل المجني عليها غير موجه إلى قضاء الحكم المطعون فيه ولا يتصل به ، وإنما هو موجه لقضاء محكمة الجنح المستأنفة في الجنحة سالفة البيان ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
10- لما كان الدفع بانتفاء الصلة بالواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب بحسب الأصل رداً صريحاً من المحكمة ، بل يستفاد الرد عليه دلالة من قضاء الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، كما أن من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها استقلالاً ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها اطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامـة الطاعن بأنه :
- قتل الطفلة المجني عليها .... عمداً مع سبق الإصرار وذلك بأن بيت النية وعقد العزم على إزهاق روحها وما إن ظفر بها حتى جذبها عنوة ولف ذراعه حول رقبتها ضاغطاً على جانبي رقبتها بذراعه ضغطاً مباشراً ومتصلاً حتى خارت قواها وسقطت منه فاقدة الوعي قاصداً من ذلك إزهاق روحها فأدى ذلك إلى وفاتها نتيجة إسفكسيا الخنق على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية المرفق بالأوراق وحال كون الجريمة واقعة من بالغ على طفلة على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى والد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة ٢٣٦/1 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة سبع سنوات عما أسند إليه وأمرت بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة ، وذلك بعد تعديل وصف الاتهام المسند له من القتل العمد مع سبق الإصرار إلى الضرب المفضي إلى موت .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها ، وأحال في بيان أقوال شاهد الإثبات الثاني إلى مضمون ما حصله من أقوال الشاهد الأول رغم اختلاف أقوالهما ، واقتصر الحكم على إيراد نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون إيراد مؤداه ، وأغفل الحكم دفاع الطاعن بتناقض الدليلين القولي والفني ، ولم يعن برفع التناقض عن طريق المختص فنياً ، وانقطاع رابطة السببية بين وفاة المجني عليها وإصابتها وذلك لمرضها ، وعول على أقوال شهود الإثبات معتنقاً تصويرهم للواقعة رغم مخالفته للحقيقة والواقع ، وتعدد رواياتهم وتناقضها بمراحل التحقيق المختلفة ، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد التفت عن قالة شهود النفي ، ولم يعرض لأقوال شاهدة الرؤية المصاحبة للمجني عليها والتي تنفي الاتهام عن الطاعن والتي تأيدت بتحريات الشرطة ، ولم يعن بالرد على دفاع الطاعن ببطلان اتصال النيابة العامة بالدعوى بناءً على التحقيقات التي أجرتها محكمة الطفل بهيئة استئنافية بالمخالفة لنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية التي قصرت حق التصدي لمحكمة الجنايات ، وانتفاء صلة الطاعن بالواقعة ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستقاة من أقوال شهود الإثبات وما أورده التقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه ومن شأنها أن تودي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن دعوى القصور في التسبيب لا تكون لها محل في الحكم المطعون فيه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، ولا يقدح في سلامة الحكم على فرض صحة ما يثيره الطاعن من عدم اتفاق أقوال الشهود في بعض التفصيلات ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات ولم يركن إليها في تكوين عقيدته ، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد حصل من التقرير الطبي الشرعي : ( وثبت من تقرير الصفة التشريحية وجود انسكابات دموية بالعنق ودكانة وسيولة بالدم واحتقان شديد وتناثر عدد من كرات الدم الحمراء حول القرن الأيمن للعظم اللامي وكذا وجود نقط نزفية بسطح القلب والرئتين وأن الوفاة تعزى إلى إسفكسيا الخنق نتيجة الضغط المباشر المتصل على العنق خاصة على جانبيه ) فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بعدم إيراده مضمون تقرير الصفة التشريحية لا يكون له محل ، لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل أجزائه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكان الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لم يطلب إجراء تحقيق فيما أثاره بهذا الخصوص ، فإنه لا يحق له أن ينعى على المحكمة أنها لم تتخذ إجراء لم يطلبه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه قام بوضع عنق المجني عليها أسفل إبطه وضغط على عنقها حتى خارت قواها وسقطت على الأرض ، فأحدث بها الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موتها ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعن ووفاة المجني عليها بما أثبته تقرير الصفة التشريحية وأقوال الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليها تعزى إلى إسفكسيا الخنق نتيجة الضغط المباشر المتصل على العنق ويجوز حدوثها من مثل التصوير الوارد بأقوال شقيقتها بقيام المتهم بلف ذراعه حول رقبتها ووضعها تحت إبطه مما أدى إلى خنقها ، فإن في ذلك ما يحقق مسئولية الطاعن - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان واجبه أن يتوقع حصولها ، لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة ، ومن أن مرض المجني عليها - على فرض صحة ما يدعيه الطاعن - إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها ، بل حسبها أن تورد في حكمها من أقوال الشهود ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ، كما أن تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن بها إليها في تكوين عقيدتها ، وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به ، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها ، وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها ، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال بعض الشهود اطراحه لها ، إذ إن المحكمة في أصول الاستدلال لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه منها وتقيم عليه قضاءها وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك ، ومن ثم فإن النعي على الحكم إغفاله إيراد أقوال أحد الشهود يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان البين من صورة المفردات المرفقة بملف الطعن أن محكمة جنح مستأنف .... باشرت تحقيق الدعوى رقم .... جنايات طفل .... والمستأنفة برقم .... جنايات مستأنف طفل .... بسماع أقوال شهود الإثبات - إعمالاً لنص المادة 413 من قانون الإجراءات الجنائية - ولم تتصدى للوقائع والاتهامات المنسوبة للطاعن - على خلاف ما يزعمه الطاعن - فإن قرارها بإحالة الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شئونها بشأن ما أثير من اتهام للطاعن بقتل المجني عليها وتحقيق النيابة العامة للدعوى وإحالتها إلى محكمة الجنايات ونظر الأخيرة لها يتفق وصحيح القانون ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه لا يكون سديداً ، هذا فضلاً أن دفع الطاعن ببطلان قرار محكمة الجنح المستأنفة بإحالة أوراق الجناية .... مستأنف طفل .... إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها قبل الطاعن فيما نسب إليه بشأن جناية قتل المجني عليها غير موجه إلى قضاء الحكم المطعون فيه ولا يتصل به ، وإنما هو موجه لقضاء محكمة الجنح المستأنفة في الجنحة سالفة البيان ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الدفع بانتفاء الصلة بالواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب بحسب الأصل رداً صريحاً من المحكمة ، بل يستفاد الرد عليه دلالة من قضاء الحكم بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، كما أن من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها استقلالاً ، إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم وفي عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على أنها اطرحته اطمئناناً منها للأدلة التي عولت عليها في الإدانة ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ