جلسة 17 من نوفمبر سنة 2018
برئاسة السيد القاضي / عاطف عبد السميع فرج نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد جمال الشربيني، كمال صقر، محمود عبد المجيد وعبد الحميد جابر نواب رئيس المحكمة .
----------------
( 111 )
الطعن رقم 21162 لسنة 87 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حكم الإدانة . بياناته ؟ المادة 310 إجراءات جنائية .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة وظروفها.
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وإيراده على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
مثال .
(2) اتفاق . اشتراك . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
الاشتراك بالاتفاق . مناط تحققه ؟
للقاضي الاستدلال على حصول الاشتراك عن طريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه . التدليل على الاشتراك بطريق الاتفاق بأدلة مادية محسوسة . غير لازم . كفاية استخلاص حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها . حد ذلك ؟
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . موظفون عموميون . تربح . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير توافر اختصاص الموظف بالعمل الذى تربح منه . موضوعي . ما دام سائغاً .
كفاية أن يكون الموظف في جريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام مختصاً بجزء من العمل الذي تربح منه . ولو كان يسيراً .
نعي الطاعن بوقوع المخالفات محل الجريمتين قبل تولي المتهمين العمل بالجهة الإدارية . جدل موضوعي . لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
مثال .
(4) دفوع " الدفع بنفي التهمة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بأن مرتكب الجريمة شخص آخر . نفي للتهمة . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . تربح . إثبات " بوجه عام " .
للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟
جريمتا الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام . لم يجعل القانون لإثباتهما طريقاً معيناً .
(6) نقض " المصلحة فى الطعن " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي على الحكم تعويله في الإدانة على أن الطاعن هو صاحب المصلحة في اقتراف الواقعة . غير مجد . ما دام لم يعول عليها واستند إلى أقوال شهود الإثبات .
(7) بناء . نقض " المصلحة فى الطعن " .
لا مصلحة للطاعن في النعي علي الحكم بشأن عدد أدوار العقار محل المخالفة . ما دامت المخالفات التي دين بها قد تحققت .
(8) إثبات " أوراق رسمية " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي . ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها .
استخلاص المحكمة صورية عقد البيع المبرم بين الطاعن ومتهم آخر واطراحه . موضوعي . حد ذلك ؟
حجية المحررات وإثبات صحتها . محله قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية . ليس في القانون ما يجبر المحاكم الجنائية على ترسمه . علة ذلك ؟
(9) قوة الأمر المقضي . قرارات إدارية .
قوة الأمر المقضي أمام المحاكم الجنائية . للأحكام الجنائية الباتة .
القرارات الإدارية . لا تنقضي بها الدعوى الجنائية وليس لها قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية . أساس ذلك ؟
(10) محكمة الإعادة .
إعادة المحاكمة أمام هيئة أخرى غير التي أصدرت الحكم الغيابي في مواد الجنايات . ليست شرطاً لصحة الإجراءات . المنازعة في هذا الشأن . غير مقبولة . أساس ذلك ؟
(11) نقض " المصلحة في الطعن " .
المصلحة . شرط لازم في كل طعن . انتفاؤها . أثره : عدم قبول الطعن.
مثال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- من المقرر أن المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، إلا أنه من المقرر أيضاً أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، هذا إلى أن الحكم قد عرض لدفع الطاعن بانتفاء أركان الجريمتين واطرحه برد كاف وسائغ يستقيم به ما خلص إليه من رفضه .
2- من المقرر أن الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يكون باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستدل عليه بطرق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بالأسباب السائغة وأورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن مع المتهمين الثلاث الأول - الذين سبقت محاكمتهم - في ارتكاب الجريمتين اللتين دانه بهما ، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه ، ذلك أنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاشتراك بطريق الاتفاق بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيام الاشتراك أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ، ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده ، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن یكون ولا محل له .
3- من المقرر أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي تربح منه هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان الحكم قد أثبت في حق المتهمين الثلاث الأول - السابق الحكم عليهم- أنهم يعملون مهندسين بالإدارة الهندسية بحي .... مختصون بمتابعة الإنشاءات العقارية بالمنطقة محل الترخيص والتابعة للإدارة جهة عملهم والمنوط بهم تباعاً التأكد من مدى مطابقة تنفيذ أعمال البناء للعقار محل الترخيص على الطبيعة للرسومات الهندسية الصادر بشأنها الترخيص وعدم تجاوز شروطه حدوداً وارتفاعاً ، وأورد من واقع تقرير اللجنة الفنية المشكلة بمعرفة النيابة العامة أنه في خلال فترة عمل المتهم الأول بالمنطقة تم تكملة بناء الدور التاسع وبناء الدور العاشر العلويين ، وفي فترة عمل المتهم الثاني تم بناء الأدوار الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر العلويين ، وفي فترة عمل المتهمة الثالثة تم بناء جزء من الدور الرابع عشر علوي ، كل ذلك بدون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة ، وكان لا يشترط في جريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل بل يكفي أن يكون مختصاً بجزء منه وأي قدر من الاختصاص ولو يسير يكفي ويستوفي الصورة التي يتخذها اختصاصه بالنسبة للعمل ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن وقوع المخالفات قبل تولى المتهمون الثلاث الأول لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
4- لما كان دفاع الطاعن القائم على أن مرتكب الجريمة شخص آخر ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن تقوم بتحقيقه بغير موجب تراه ، إذ هو في حقيقته نفي للتهمة يكفي لرده ما ساقته المحكمة من أدلة الثبوت وبحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن منعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير سدید ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لهذا الدفع واطرحه برد كاف وسائغ يستقيم به ما خلص إليه من رفض الدفع .
5- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، لا سيما وأن القانون لم يجعل لإثبات جريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام طريق معين ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سليماً .
6- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات ، ولم يعول في ذلك على كون الطاعن هو صاحب المصلحة في اقتراف الواقعة ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سدید .
7- لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت أن العقار على الحال الذي أراد المدافع عن الطاعن إثباته قد تحققت معه ذات المخالفات التي دين بها الأخير لكون الرخصة - بغير خلاف - لا تتعدى الطوابق الثمانية ، فلا مصلحة للطاعن في القول بأن العقار مكون من اثني عشر طابقاً وليس أربعة عشر طابقاً ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لذلك الدفع واطرحه بأسباب سائغة .
8- لما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد عرضت لعقد البيع المبرم بين الطاعن والمتهم الخامس ، ومحصته واستخلصت منه ومن ظروف الواقعة استخلاصاً لا شائبة فيه أنه نتاج تحايل واتفاق بين الطاعن والمتهم الخامس بهدف إفلات الأول صاحب الترخيص الأصلي مما سيحرر قبله من محاضر مخالفات بعيداً عن الاتفاق مع الموظفين الثلاث الأول وانتهت إلى كون هذا العقد صوري لا وجود له ولم تعتد به ، ولما كان هذا الذي انتهى إليه الحكم من قبيل فهم الواقع في الدعوى مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التي لها أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها ، ومتى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن نطاق الاقتضاء العقلي والمنطقي فلا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه ما دام استخلاصاً سائغاً ، أما ما يتحدى به الطاعن من إهدار الحكم لحجية عقد البيع سالف البيان والقول بصوريته خلافاً لما توجبه أحكام القانون المدني ، خاصة وأنه قد تم بموجبه نقل التراخيص للمتهم الخامس بقرار إداري صادر من الجهة المختصة فمردود بأن ما جاء في القانون من حجية المحررات وإثبات صحتها إنما محله أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت أحكام لها وألزم القاضي بأن يجري في أحكامه على مقتضاها وليس في القانون ما يجبر المحاكم الجنائية على ترسمه لأنها في الأصل حرة في انتهاج السبيل الموصل إلى اقتناعها ، ولم يرسم القانون في المواد الجنائية طريقاً يسلكه القاضي في تحرى الأدلة .
9- من المقرر أن قوة الأمر المقضي أمام المحكمة الجنائية لا تكون إلا للأحكام الجنائية الباتة ، ومن ثم فإن القرارات الإدارية لا تنقضي بها الدعوى الجنائية وليس لها قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية - طبقاً لنص المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص بعيداً عن محجة الصواب .
10- من المقرر أن قانون الإجراءات الجنائية لم يستوجب في مواد الجنايات أن تعاد المحاكمة أمام هيئة أخرى غير الهيئة التي أصدرت الحكم الغيابي في حالة حضور المحكوم عليه أو القبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة كشرط لصحة الإجراءات بل كل ما تطلبته المادة 395 من ذلك القانون في هذه الحالة هو إعادة نظر الدعوى أمام المحكمة ، ومن ثم فإن ما يقوله الطاعن من وجوب نظرها أمام هيئة أخرى غير الهيئة التي أصدرت الحكم الغيابي لا يكون على سند .
11- من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن ، فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من خطأ الحكم لعدم تحديد قيمة الربح أو النفع الذي عاد عليه ، وبالتالي عدم توقيع عقوبة الرد عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم بأنهم : المتهمون الأول والثاني والثالث : 1– بصفتهم موظفين عموميين " .... " والمختصين وظيفياً بتحرير المحاضر المثبتة لمخالفات البناء حصلوا لنفسهم وللغير " المتهمين الرابع والخامس " على ربح ومنفعة بدون وجه حق من عمل من أعمال وظيفتهم وكان ذلك بأن امتنعوا عمداً عن اتخاذ الإجراءات القانونية في حينها والمتمثلة في تحرير قرارات إيقاف أعمال ومحاضر مخالفة إعمال وقرارات إزالة ومحاضر استئناف أعمال ومحاضر غرامة يومية بشأن العقار محل التحقيقات والمملوك للمتهمين الرابع والخامس والكائن بدائرة اختصاصهم المكاني رغم علمهم بذلك مما مكن سالفي الذكر من إتمام البناء بالعقار بدون ترخيص من الجهة المختصة وبالمخالفة لقيود الارتفاع وللقوانين المعمول بها في هذا الشأن على النحو المبين بالتحقيقات . 2– بصفتهم آنفة البيان تسببوا عمداً في إلحاق أضرار جسيمة بأموال ومصالح الغير والمعهود بها لجهة عملهم بأن ارتكبوا الجريمة الموصوفة بالبند أ على النحو المبين بالتحقيقات . المتهمان الرابع " الطاعن " والخامس : اشتركا مع المتهمين الأول والثاني والثالثة بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمتين الموصوفتين بالبند 1 بأن اتفقا معهم على ارتكابها وساعدهما على ذلك فتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ثانياً ، ثالثاً ، 41 /1 ، 115 ، 116 مكرراً/1 ، 118 ، 119/أ ، 119 مكرراً/أ من قانون العقوبات وبعد إعمال المادة 17 والمادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه - بمذكرتي أسباب طعنه - أنه إذ دانه بجريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ، والخطأ في تطبيق القانون ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه خلا من بیان واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة مطرحاً برد غیر سائغ دفوعه بانتفاء أركان الجريمتين اللتين دين بهما لكونهما من الجرائم العمدية التي ترتكب بفعل إيجابي ولا يتصور وقوع أي منهما نتيجة فعل سلبي كما أثبت الحكم ، وبعدم توافر عناصر الاشتراك في حقه لتولي المتهمون الثلاث الأول - السابق محاكمتهم - مهام عملهم في الحي بعد تمام كافة المخالفات المقول بوقوعها وأن المختص شخص آخر ، وبانتفاء مسئوليته الجنائية عن الجريمتين المسندتين إليه لإسناده أعمال البناء إلى مقاول متخصص أقر بمسئوليته عن كافة المخالفات البنائية الفنية والهندسية فضلاً عن سابقة بيعه العقار للمتهم الخامس بموجب عقد البيع الابتدائي المؤرخ .... قبل ارتكاب المخالفات المسندة إليه ، وعول في قضائه بالإدانة على تحريات الشرطة فضلاً عن أن الطاعن صاحب المصلحة رغم كونهما لا يصلحا دليلاً على الاتهام ، ورد بما لا يصلح رداً على ما تمسك به من أن العقار محل الجريمة مكون من اثني عشر طابقاً وليس أربعة عشر مطرحاً مستنداته الدالة على ذلك ، والتفت عن دفعه بعدم ولاية المحكمة في استخلاص صورية عقد البيع المحرر منه للمتهم الخامس سيما وقد تم نقل الترخيص بقرار إداري فضلاً عن التزامها عند أخذها بالصورية بالقضاء ببراءة الأخير ، هذا إلى أن الهيئة التي أصدرت الحكم غير صالحة لنظر الدعوى لإبدائها الرأي من قبل أثناء محاكمته غيابياً ، وأخيراً فقد أغفل الحكم تحديد قيمة الربح أو المنفعة الذي عاد على الطاعن مما حدا به إلى إغفال عقوبة الرد ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
حيث إنه من المقرر أن المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، إلا أنه من المقرر أيضاً أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، هذا إلى أن الحكم قد عرض لدفع الطاعن بانتفاء أركان الجريمتين واطرحه برد كاف وسائغ يستقيم به ما خلص إليه من رفضه ، وكان الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يكون باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه ، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستدل عليه بطرق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بالأسباب السائغة وأورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن مع المتهمين الثلاث الأول - الذين سبقت محاكمتهم - في ارتكاب الجريمتين اللتين دانه بهما ، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه ، ذلك أنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاشتراك بطريق الاتفاق بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيام الاشتراك أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ، ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده ، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن یكون ولا محل له ، وكان من المقرر أيضاً أن توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي تربح منه هو من الأمور الموضوعية التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت في الأوراق، وكان الحكم قد أثبت في حق المتهمين الثلاث الأول - السابق الحكم عليهم- أنهم يعملون مهندسين بالإدارة الهندسية بحي .... مختصون بمتابعة الإنشاءات العقارية بالمنطقة محل الترخيص والتابعة للإدارة جهة عملهم والمنوط بهم تباعاً التأكد من مدى مطابقة تنفيذ أعمال البناء للعقار محل الترخيص على الطبيعة للرسومات الهندسية الصادر بشأنها الترخيص وعدم تجاوز شروطه حدوداً وارتفاعاً ، وأورد من واقع تقرير اللجنة الفنية المشكلة بمعرفة النيابة العامة أنه في خلال فترة عمل المتهم الأول بالمنطقة تم تكملة بناء الدور التاسع وبناء الدور العاشر العلويين ، وفي فترة عمل المتهم الثاني تم بناء الأدوار الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر العلويين ، وفي فترة عمل المتهمة الثالثة تم بناء جزء من الدور الرابع عشر علوي ، كل ذلك بدون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة ، وكان لا يشترط في جريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل بل يكفي أن يكون مختصاً بجزء منه وأي قدر من الاختصاص ولو يسير يكفي ويستوفي الصورة التي يتخذها اختصاصه بالنسبة للعمل ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن وقوع المخالفات قبل تولى المتهمون الثلاث الأول لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان دفاع الطاعن القائم على أن مرتكب الجريمة شخص آخر ليس من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة أن تقوم بتحقيقه بغير موجب تراه ، إذ هو في حقيقته نفي للتهمة يكفي لرده ما ساقته المحكمة من أدلة الثبوت وبحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن منعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير سدید ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لهذا الدفع واطرحه برد كاف وسائغ يستقيم به ما خلص إليه من رفض الدفع . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، لا سيما وأن القانون لم يجعل لإثبات جريمتي الاشتراك في التربح والإضرار العمدي بالمال العام طريق معين ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سليماً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات ، ولم يعول في ذلك على كون الطاعن هو صاحب المصلحة في اقتراف الواقعة ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سدید . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد أثبت أن العقار على الحال الذي أراد المدافع عن الطاعن إثباته قد تحققت معه ذات المخالفات التي دين بها الأخير لكون الرخصة - بغير خلاف - لا تتعدى الطوابق الثمانية ، فلا مصلحة للطاعن في القول بأن العقار مكون من اثني عشر طابقاً وليس أربعة عشر طابقاً ، هذا فضلاً عن أن الحكم قد عرض لذلك الدفع واطرحه بأسباب سائغة . لما كان ذلك ، وكانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة من باقي الأدلة القائمة في الدعوى . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد عرضت لعقد البيع المبرم بين الطاعن والمتهم الخامس ، ومحصته واستخلصت منه ومن ظروف الواقعة استخلاصاً لا شائبة فيه أنه نتاج تحايل واتفاق بين الطاعن والمتهم الخامس بهدف إفلات الأول صاحب الترخيص الأصلي مما سيحرر قبله من محاضر مخالفات بعيداً عن الاتفاق مع الموظفين الثلاث الأول وانتهت إلى كون هذا العقد صوري لا وجود له ولم تعتد به ، ولما كان هذا الذي انتهى إليه الحكم من قبيل فهم الواقع في الدعوى مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التي لها أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة من جماع الأدلة المطروحة عليها ، ومتى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن نطاق الاقتضاء العقلي والمنطقي فلا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه ما دام استخلاصا سائغاً ، أما ما يتحدى به الطاعن من إهدار الحكم لحجية عقد البيع سالف البيان والقول بصوريته خلافاً لما توجبه أحكام القانون المدني ، خاصة وأنه قد تم بموجبه نقل التراخيص للمتهم الخامس بقرار إداري صادر من الجهة المختصة فمردود بأن ما جاء في القانون من حجية المحررات وإثبات صحتها إنما محله أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية حيث عينت الأدلة ووضعت أحكام لها وألزم القاضي بأن يجري في أحكامه على مقتضاها وليس في القانون ما يجبر المحاكم الجنائية على ترسمه لأنها في الأصل حرة في انتهاج السبيل الموصل إلى اقتناعها ، ولم يرسم القانون في المواد الجنائية طريقاً يسلكه القاضي في تحرى الأدلة هذا فضلاً عن أنه من المقرر أن قوة الأمر المقضي أمام المحكمة الجنائية لا تكون إلا للأحكام الجنائية الباتة ، ومن ثم فإن القرارات الإدارية لا تنقضي بها الدعوى الجنائية وليس لها قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم الجنائية - طبقاً لنص المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص بعيداً عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قانون الإجراءات الجنائية لم يستوجب في مواد الجنايات أن تعاد المحاكمة أمام هيئة أخرى غير الهيئة التي أصدرت الحكم الغيابي في حالة حضور المحكوم عليه أو القبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة كشرط لصحة الإجراءات بل كل ما تطلبته المادة 395 من ذلك القانون في هذه الحالة هو إعادة نظر الدعوى أمام المحكمة ، ومن ثم فإن ما يقوله الطاعن من وجوب نظرها أمام هيئة أخرى غير الهيئة التي أصدرت الحكم الغيابي لا يكون على سند . ولما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن ، فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً وكان لا مصلحة للطاعن فيما يثيره من خطأ الحكم لعدم تحديد قيمة الربح أو النفع الذي عاد عليه ، وبالتالي عدم توقيع عقوبة الرد عليه . لما كان ما تقدم ، فان الطعن برمته يكون قائماً على غير أساس متعیناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ