الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 يناير 2024

الطعن 2166 لسنة 6 ق جلسة 2 / 6 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 120 ص 1269

جلسة 2 من يونيه سنة 1963

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(120)

القضية رقم 2166 لسنة 6 القضائية

دعوى - معاشات استثنائية 

- دعوى المنازعة في استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن معاش استثنائي - عدم اعتبارها منازعة بالمعنى المراد في المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات فلا تسقط بمضي مدة الستة الأشهر أو السنة المنصوص عليها في تلك المادة - أساس ذلك.

----------------
تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم السركي المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن".
كما تنص فقرتها الثالثة على أن "كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان".
وبما أن القول بسقوط حق المدعي في منازعته بحجة أنه سبق له تسلم سركي معاشه من مدة تزيد على سنة قبل رفع الدعوى وذلك طبقاً للفقرة الثالثة (معدلة) من المادة السادسة من المرسوم بقانون آنف الذكر مدفوع بأن حكم هذه المادة إنما ينصرف إلى المنازعة في أصل المعاش من جهة استحقاقه أو عدم استحقاقه أو إلى المجادلة في مقدار هذا المعاش من حيث طلب تعديله، أما موضوع الدعوى الحالية فينحصر في المنازعة في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن هذا المقدار الذي لا يجادل فيه المدعي ولا يتصور أن يجادل فيه وهو يعلم أنه قد منحه إياه مجلس قيادة الثورة على سبيل الاستثناء وعلى خلاف ما تقضي به قوانين المعاشات. فالحكومة ترى أن إعانة الغلاء غير مستحقة على معاشه اعتباراً بصفته الاستثنائية، ويزعم المدعي استحقاقها تعويلاً على عموم نص قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950. فمنازعته موجهة إلى ما تنكره عليه الحكومة من استحقاق إعانة غلاء عن هذا المعاش الاستثنائي فهي منازعة من المدعي غير حاصلة في أصل المعاش ولا هي مراد بها تعديل مقداره الذي تم ربطه بواسطة مجلس قيادة الثورة وإنما هي متعلقة بدعوى استحقاقه لإعانة غلاء عن هذا المعاش وهي الإعانة التي تمنح في بعض الحالات لأصحاب المعاشات على أنه ولئن كانت إعانة الغلاء تضاف إلى الراتب أو المعاش إلا أن لها كياناً ذاتياً يمنع من اعتبارها جزءاً من المعاش بدليل عدم جواز منحها لطائفة من أصحاب المعاشات. وبدليل أن حساب مقدار المعاش يجرى على أساس راتب الموظف مجرداً من إعانة الغلاء.
فالمطالبة باستحقاق إعانة الغلاء عن المعاش لا تعتبر منازعة بالمعنى المراد للمادة السادسة من قانون المعاشات سالفة الذكر "أخذاً بالتفسير الضيق لحدود المنازعة أو مفهوم الحق الذي يخضع أيهما لميعاد السقوط، وإذن فالقول بدوران هذه المنازعة حول مقدار المعاش فيه تحريف للحكمة المبتغاة من النص، وتأويل للفظة "المقدار" بما يمسخ مدلولها القانوني الذي كان ماثلاً في ذهن الشارع عند وضع النص المذكور.
وإذا كان مقتضى نظرية الحكومة التي جرى باعتناقها قضاء هذه المحكمة أن إعانة الغلاء لا تمنح أصلاً لصاحب المعاش الاستثنائي فلا يتسق مع منطق هذه النظرية أن تكون المنازعة بشأن عدم استحقاق هذه الإعانة من قبيل المنازعات الحاصلة في مقدار المعاش بحيث يجرى عليها ميعاد السقوط الخاص بالسنة التالية لتاريخ تسلم سركي المعاش المبين به مقداره المقرر للمدعي وهو برمته استثنائي" إذ لا يتصور اعتبار الإعانة في هذه الحالة جزءاً من هذا المقدار مع كونها لا يصح قانوناً إضافتها إلى المعاش، ويترتب على هذا قبول المنازعة في إنكار الإدارة استحقاق المدعي لهذه الإعانة، ما دام الحق الذي يدعيه لم ينقض بالتقادم ويتعين من ثم رفض الدفع بعدم قبول الدعوى.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1960 أودع السيد المحامي بإدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2166 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 30 من مايو سنة 1960 في الدعوى رقم 343 لسنة 4 ق المقامة من السيد/ صديق عبد العاطي هلل ضد السيدين/ وزيري الداخلية والخزانة والقاضي: "باستحقاق المدعي لإعانة غلاء المعيشة على معاشه المقرر له من تاريخ إحالته إلى المعاش بتاريخ أول أكتوبر سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات وطلب السيد المحامي بإدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن وزيري الداخلية والخزانة" قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأبلغ الخصوم بجلسة 3 من نوفمبر سنة 1962 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 7 من إبريل سنة 1963. وفي هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه السيد/ صديق عبد العاطي هلل أقام الدعوى رقم 343 لسنة 14 القضائية ضد وزارتي الداخلية والخزانة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة المذكورة في 30 من نوفمبر سنة 1959 وطلب فيها الحكم له باستحقاقه لإعانة غلاء المعيشة على أساس معاشه الفعلي الذي يتقاضاه منذ تاريخ إحالته إلى المعاش مع صرف الفروق المستحقة له وإلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه كان مفتشاً لضبط مديرية قنا وأحيل إلى المعاش اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 وهو في الدرجة الثالثة. بناء على قرار أصدره مجلس قيادة الثورة في 30 من سبتمبر سنة 1954 وقد منح بناء على هذا القرار معاشاً فعلياً قدره 39 جنيه، ومنذ إحالته إلى المعاش لم تصرف إعانة الغلاء إطلاقاً ولذلك فقد تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية في 10 من يناير سنة 1958 طلب فيه صرف إعانة غلاء المعيشة المستحقة له من تاريخ إحالته إلى المعاش على أساس معاشه الفعلي الذي يقبضه شهرياً ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه مع أن زميلين له في مثل وضعه وهما الصاغ علي صلاح الدين محمود والقائمقام كمال عبد اللطيف جميعي المحال أولهما إلى المعاش بقرار مجلس قيادة الثورة في أول مايو سنة 1956 على أساس منحه معاشاً فعلياً قدره 33.750 مليمجـ وثانيهما بقرار من مجلس قيادة الثورة في أول أكتوبر سنة 1954 على أساس منحه معاشاً فعلياً قدره 45 جنيهاً، حكم لهما من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الرابعة) باستحقاقهما لإعانة غلاء المعيشة على أساس النسبة المقررة للمعاش الذي يتقاضاه كل منهما فعلاً مع صرف الفروق المستحقة له مع إلزام الحكومة بالمصروفات وقال المدعي أن الأسباب التي استندت إليها محكمة القضاء الإداري في هذين الحكمين أسباب قانونية وعادلة وتنطبق على حالته كل الانطباق ويبين أن هذه الأسباب حاصلها أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 جاء مطلق العبارة في تحديد نسبة إعانة غلاء المعيشة لأرباب المعاشات بحيث يؤدي مدلولها إلى استفادة جميع أرباب المعاشات من حكمه بقطع النظر عما إذا كان المعاش مستمداً من قانون المعاشات بقرار صادر من مجلس الوزراء أو من مجلس قيادة الثورة. وهذا النظر يؤكده ما جاء بالكتاب الدوري رقم ف 234 - 13 - 31 الصادر من وزارة المالية في 25 من مارس سنة 1950 في شأن إعانة غلاء المعيشة المنصرفة على المعاشات إذ تقضي الفقرة التاسعة منه بصرف إعانة غلاء المعيشة المقررة فيه على قيم المعاشات الفعلية سواء أكانت هذه المعاشات مقررة بصفة قانونية أم استثنائية. كما يعزز ذلك ما ورد في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 في شأن تثبيت إعانة الغلاء على الماهيات والأجور والمعاشات للموظفين والمستخدمين والعمال وأرباب المعاشات في آخر نوفمبر سنة 1950 إذ تعرضت هذه المذكرة إلى قرار مجلس الوزراء في 11 من يوليه سنة 1944 وما قضى به من تثبيت إعانة الغلاء على أساس الماهيات والمعاشات الاستثنائية بالنسبة للمعاشات ثم استطردت فذكرت أن مجلس الوزراء عاد ووافق بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950 على رفع القيد الخاص بتثبيت إعانة الغلاء وبذلك تمنح الإعانة لجميع الموظفين والمستخدمين على أساس المرتبات والمعاشات الفعلية التي يتقاضاها كل منهم وانتهى المدعي إلى أنه محق في طلبه الحكم له بإعانة غلاء المعيشة المستحق له على أساس معاشه الفعلي الذي يصرف إليه. ومن ثم تكون دعواه على أساس سليم من القانون. وقد ردت الإدارة بأن المدعي أحيل إلى المعاش في أول أكتوبر سنة 1954 بقرار مجلس قيادة الثورة في 30 من سبتمبر سنة 1954 وكانت مدة خدمته المحسوبة في المعاش 5 شهور و12 سنة وهذه المدة لا تخوله الحق في الحصول على معاش قانوني وقد منح معاشاً استثنائياً وطبقاً لما انتهت إليه الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة بفتواها المؤرخة 30 من نوفمبر سنة 1956 وما رأته وزارة الخزانة بكتابها المؤرخ 21 من ديسمبر سنة 1954 لا يجوز منح إعانة غلاء معيشة على المعاشات الاستثنائية إن كان المعاش بأكمله قد منح استثناء تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 2 من ديسمبر سنة 1950 الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة إذ أن المشرع قد أفصح عن نيته في سريان مبدأ إعانة غلاء المعيشة رجوعاً إلى أحكام القرار الصادر في 11 من يوليه سنة 1944. وبجلسة 30 من مايو سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري "باستحقاق المدعي لإعانة غلاء معيشة على معاشه المقرر له من تاريخ إحالته إلى المعاش بتاريخ أول أكتوبر سنة 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات" وأقامت قضاءها على أن ما يصدره مجلس قيادة الثورة من قرارات يعتبر عملاً من أعمال السيادة وما يصدر عنه يكون له طبيعة السيادة التي تعلوا على القانون بمعناه الأعم وعلى أن "منح المدعي وأمثاله معاشاً على آخر مرتب وصل إليه إنما يستمد أساسه من مصدر السيادة العليا في البلاد في ظل الدستور المؤقت. وعلى أن منح المعاشات لا يقتصر على القانون رقم 37 لسنة 1929 وإنما يجوز منح معاش لطوائف خاصة بقواعد مغايرة بحسب ما يتراءى للمشرع من مبررات لذلك ولا يكون المعاش المقرر وفق هذه القواعد التشريعية معاشاً استثنائياً" وعلى أن المعاش الذي قدره مجلس قيادة الثورة في فترة الانتقال للمدعي ليس معاشاً استثنائياً وإنما هو معاش قانوني ولا يؤثر على صفته عدم استحقاق الموظف المفصول معاشاً على حسب الأحكام العادية لقوانين المعاشات لأن هذا المعاش إنما تقرر من سلطة تملك وضع قواعد تشريعية خاصة تنظم بها المعاشات التي تستحق لطوائف معينة بالمخالفة لأحكام قانون المعاشات. وعلى أنه متى كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 قد رفع القيد الخاص بتثبيت إعانة الغلاء وبذلك تمنح الإعانة لجميع الموظفين على أساس الماهيات الفعلية التي يتناولها كل منهم وقد صدر تنفيذاً لذلك كتاب المالية الدوري المؤرخ في 25 من مارس سنة 1950 ناصاً في بنده التاسع على أن تصرف إعانة غلاء المعيشة على قيم المعاشات الفعلية سواء كانت هذه المعاشات مقررة بصفة قانونية أم بصفة فعلية ولا يؤثر ذلك على قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 ديسمبر سنة 1950 إذ أن هذا القرار لم يلغ قرارات مجلس الوزراء السابقة المقررة للإعانة ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 وكل ما هنالك أن قرار 3 من ديسمبر سنة 1950 أعاد تنظيم إعانة غلاء المعيشة ولا شك أن تثبيت إعانة غلاء المعيشة لا يؤدي إلى حرمان الموظف الذي يعين في الحكومة بعد 3 ديسمبر سنة 1950 منها وكذلك لا يحرم منها الموظف الذي ينشأ حقه بعد هذا التاريخ".
وعلى أنه ما دام أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من فبراير سنة 1950 جاء مطلق العبارة بشأن تحديد نسبة إعانة الغلاء لأرباب المعاشات بحيث يؤدي مدلوله إلى استفادة جميع أرباب المعاشات من حكمه بصرف النظر عما إذا كان المعاش مستمداً من قانون المعاشات ذاته أم بناء على قرار من سلطة لها حق التشريع فإنه بالتالي يكون معاش المدعي وهو مقرر بقرار مجلس قيادة الثورة هو معاش قانوني ويستحق عنه إعانة غلاء المعيشة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن "المعاش يعتبر استثنائياً ما دام قد صدر بالمغايرة لأحكام قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 و59 لسنة 1930 ولا يغير من ذلك أن يكون المعاش قد تقرر بقرار من مجلس قيادة الثورة إذ أن هذا القرار لم يتعرض لإعانة غلاء المعيشة فتظل هذه الإعانة محكومة بالقواعد المقررة في شأنها وهذه القواعد لا تسمح بصرف إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات العامة، وقد تأكد هذا المبدأ بالنسبة للضباط بقرار اللجنة المالية الصادر في 20 من نوفمبر سنة 1952 وأن المعاش الذي تقرر للمدعي تقرر له بالذات بقرار فردي خاص" وفي هذا ما يؤكد أن هذا المعاش معاش استثنائي. وعلى أن المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 تنص على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ تسليم السركي إليه فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن.. وبناء على ذلك فكل دعوى يراد بها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان وتحت أية حجة كانت ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو مصالحها. وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في 4 من إبريل سنة 1959 في الطعن رقم 577 لسنة 4 القضائية إذ ارتأت أن نص المادة السادسة من قانون المعاشات الذي سبقت الإشارة إليه هو من الإطلاق والشمول بحيث تدخل فيه المنازعة في المعاش أصلاً ومقداراً وعلى ذلك إذا كانت إعانة غلاء المعيشة المطالب بصرفها على المعاش هي جزء من مقداره وكان المدعي قد تسلم السركي المبين به مقدار المعاش المستحق له منذ فترة طويلة سابقة على رفع دعواه دون أن ينازع في مبلغ المعاش، كان من المتعين طبقاً لنص المادة السادسة آنفة الذكر أن يقضي بعدم قبول دعواه".
ومن حيث إنه لا خلاف بين الخصوم في أن المطعون عليه قد منح معاشاً لا يستند إلى أحكام قوانين المعاشات المعمول بها في مصر فهو معاش استثنائي على هذا المعنى، ذلك أن قوانين المعاشات لم تكن تخوله الحق في أي معاش عند انتهاء خدمته لولا أن منحه قرار مجلس قيادة الثورة معاشاً استثنائياً شهرياً قدره 39 جنيهاً اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954.
( أ ) عن قبول الدعوى:
ومن حيث إن الفقرة الأولى من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية تنص على أنه "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة أشهر من تاريخ السركي المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن".
كما تنص فقرتها الثالثة على أن "كل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان".
ومن حيث إن القول بسقوط حق المدعي في منازعته بحجة أنه سبق له تسلم سركي معاشه من مدة تزيد على سنة قبل رفع الدعوى وذلك طبقاً للفقرة الثالثة (معدلة) من المادة السادسة من المرسوم بقانون آنف الذكر مدفوع بأن حكم هذه المادة إنما ينصرف إلى المنازعة في أصل المعاش من جهة استحقاقه أو عدم استحقاقه أو إلى المجادلة في مقدار هذا المعاش من حيث طلب تعديله، أما موضوع الدعوى الحالية فينحصر في المنازعة في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن هذا المقدار الذي لا يجادل فيه المدعي ولا يتصور أن يجادل فيه وهو يعلم أنه قد منحه إياه مجلس قيادة الثورة على سبيل الاستثناء وعلى خلاف ما تقضي به قوانين المعاشات. فالحكومة ترى أن إعانة الغلاء غير مستحقة على معاشه اعتباراً بصفته الاستثنائية، ويزعم المدعي استحقاقها تعويلاً على عموم نص قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950. فمنازعته موجهة إلى ما تنكره عليه الحكومة من استحقاق إعانة غلاء عن هذا المعاش الاستثنائي فهي منازعة من المدعي غير حاصلة في أصل المعاش ولا هي مراد بها تعديل مقداره الذي تم ربطه بواسطة مجلس قيادة الثورة وإنما هي متعلقة بدعوى استحقاقه لإعانة غلاء عن هذا المعاش وهي الإعانة التي تمنح في بعض الحالات لأصحاب المعاشات. على أنه ولئن كانت إعانة الغلاء تضاف إلى الراتب أو المعاش إلا أن لها كياناً ذاتياً يمنع من اعتبارها جزءاً من المعاش بدليل عدم جواز منحها لطائفة من أصحاب المعاشات، وبدليل أن حساب مقدار المعاش يجرى على أساس راتب الموظف مجرداً من إعانة الغلاء.
ومن حيث إن مطالبة المدعي باستحقاقه إعانة الغلاء عن معاشه لا يعتبر منازعة بالمعنى المراد للمادة السادسة من قانون المعاشات سالفة الذكر "أخذاً بالتفسير الضيق لحدود المنازعة أو مفهوم الحق الذي يخضع أيهما لميعاد السقوط، وإذن فالقول بدور أن هذه المنازعة حول مقدار المعاش فيه تحريف للحكمة المبتغاة من النص، وتأويل للفظة "المقدار" بما يمسخ مدلولها القانوني الذي كان ماثلاً في ذهن الشارع عند وضع النص المذكور.
ومن حيث إنه إذا كان مقتضى نظرية الحكومة التي جرى باعتناقها قضاء هذه المحكمة أن إعانة الغلاء لا تمنح أصلاً لصاحب المعاش الاستثنائي فلا يتسق مع منطق هذه النظرية أن تكون المنازعة بشأن عدم استحقاق هذه الإعانة من قبيل المنازعات الحاصلة في مقدار المعاش بحيث يجرى عليها ميعاد السقوط الخاص بالسنة التالية لتاريخ تسلم سركي المعاش المبين به مقداره المقرر للمدعي وهو برمته استثنائي" إذ لا يتصور اعتبار الإعانة في هذه الحالة جزءاً من هذا المقدار مع كونها لا يصح قانوناً إضافتها إلى المعاش، ويترتب على هذا قبول المنازعة في إنكار الإدارة استحقاق المدعي لهذه الإعانة، ما دام الحق الذي يدعيه لم ينقض بالتقادم ويتعين من ثم رفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن المدعي وهو من مواليد 18 من يناير سنة 1902، قد تخرج في كلية الحقوق في أكتوبر سنة 1928 ثم تدرج في سلك معاوني الإدارة ومأموري المراكز إلى أن رقي مفتشاً للضبط وحصل على الدرجة الرابعة في أول يناير سنة 1948 ثم رقى إلى الدرجة الثالثة في 28 من فبراير سنة 1951. وفي أول مايو سنة 1953 بلغ راتبه الشهري 52 جنيهاً. وقد ثبت في وظيفة في أول مايو سنة 1942 ولم يدفع احتياطي المعاش عن المدة السابقة كما لم يطالب بحسبانها ضمن المدة المحسوبة له في المعاش. وفي 30 من سبتمبر سنة 1954 أحيل إلى المعاش اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1954 مع لفيف من الضباط بقرار صادر من مجلس قيادة الثورة وبلغ مجموع مدد خدمته زهاء اثني عشر عاماً واقترنت هذه الإحالة بتسوية مقتضاها منحه أقصى المعاش على أساس المرتب الذي كان يتقاضاه وعلى ذلك منح معاشاً استثنائياً بلغ 39 جنيهاً مصرياً دون أن يتضمن هذا المنح إعانة غلاء المعيشة.
ومن حيث إن المطعون عليه وتلك مدة خدمته المحسوبة في المعاش - لم يكن يستحق هذا المعاش الاستثنائي الذي تقرر له، إذا التزمت أحكام قوانين المعاشات ولوائحها. فالمادة الثالثة عشرة من المرسوم بقانون رقم 37 الخاص بالمعاشات الملكية الصادر في 28 من مايو سنة 1929 وهو القانون الذي يحكم وضع المدعي تنص على أنه "يستحق الموظف أو المستخدم معاش التقاعد بعد مضي خمس وعشرين سنة كاملة في الخدمة أو عند بلوغه الخمسين من عمره مع قضائه خمس عشرة سنة في الخدمة كما تنص الفقرة الرابعة من المادة العشرين من هذا القانون على أن "من يرفت من خدمة الحكومة من الموظفين أو المستخدمين الدائمين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكي أو بقرار خاص من مجلس الوزراء يكون له حق في المعاش أو المكافأة ويكون حساب المعاش أو المكافأة بمقتضى القواعد الآتية:... فقرة (4) إذا كانت مدة خدمته خمس عشرة سنة أو أكثر من خمس عشرة سنة يعطى معاشاً يعادل جزءاً من خمسين جزءاً من ماهيته الأخيرة أو من متوسط الأجر المستحق في هذه الحالة عن كل سنة من سنين خدمته مع عدم تجاوز النهايات العظمى المقررة في المادة 17 من هذا القانون. ولا شبهة في أن المعاملة التي قرر مجلس قيادة الثورة في 20 من سبتمبر سنة 1954 تسوية حالة المطعون عليه على مقتضاها عند فصله من الخدمة هي معاملة استثنائية بحتة كان مقتضاها ترتيب معاش استثنائي له ما كان له أصل حق فيه لو أنه فصل من الخدمة دون إجراء هذه التسوية الاستثنائية التي أقرها مجلس قيادة الثورة في حقه لا على أساس أنه صاحب حق فيها بل رفقاً بحالته وتخفيفاً من وطأة فصله من الخدمة قبل أن يقضي فيها المدة القانونية التي كانت تسمح له باستحقاق معاش قانوني. وغنى عن البيان أن المناط في تعرف ما إذا كان المعاش استثنائياً من عدمه لا يكون يتحرى الباعث على منحه، وإنما يكون بالبحث فيما إذا كان ذلك المنح قد روعيت فيه سلامة تطبيق القواعد الخاصة بتقدير مبلغ المعاش أم أنه وضع استثناء من تلك القواعد والأحكام، ولا جدال في أن المدعي ما كان يستحق أي معاش بحكم مدة خدمته المحسوبة في المعاش.
ومن حيث إن قرار مجلس قيادة الثورة الذي أحيل بموجبه المدعي إلى المعاش لم يتعرض لموضوع إعانة غلاء المعيشة، وحيال ذلك تظل هذه الإعانة خاضعة للقواعد المقررة في شأنها. وهذه الأحكام صريحة في أنها لا تبيح منح إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي تقرر بالمغايرة لأحكام قوانين المعاشات. فكتاب وزارة المالية الدوري رقم (ف 234 - 13/ 27) الصادر في 16 من أغسطس سنة 1944 بشأن تثبيت إعانة غلاء المعيشة بصفة عامة وتخفيضها في بعض الأحوال والمتضمن أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 يقرر في فقرته الرابعة أن "المعاشات التي تزاد بصفة استثنائية تحسب إعانة الغلاء لأربابها على واقع المعاش القانوني. ومن ثم فمن لم يكن له معاش قانوني أصلاً ورتب له معاش استثنائي لا تصرف له إعانة غلاء إطلاقاً ويدخل في ذلك المعاشات التي كانت تقل عن خمسمائة مليم شهرياً وزيدت إلى هذا القدر". وفي 19 من فبراير سنة 1950 صدر قرار مجلس الوزراء برفع القيد الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة وهذا القرار لم يمس في شيء تلك القاعدة التي انطوى عليها قرار 11 من يوليه سنة 1944 بل ظلت قائمة نافذة المفعول ثم صدر في 3 من ديسمبر سنة 1950 قرار من مجلس الوزراء مقرراً تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس مقدار الإعانة التي استحقت للموظف أو المستخدم أو العامل في يوم 30 من نوفمبر سنة 1950، وقد أفصح المشرع في مذكرة اللجنة المالية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 3 من ديسمبر سنة 1950 عن نيته في استمرار العمل بمبدأ تثبيت إعانة الغلاء رجوعاً إلى أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يوليه سنة 1944 وهو القرار الذي ينهي عن صرف إعانة غلاء إطلاقاً لمن لم يكن له أصل حق في معاش تقرره القوانين وإنما رتب له معاش استثنائي.
ومن حيث إن الإدارة العامة لمعاشات الحكومة قد استفسرت في أكتوبر سنة 1952 من اللجنة المالية عن الأمر فيما يتعلق بتسويات الضباط الذين اقتضى إعادة تنظيم الجيش إبعادهم عن القوات المسلحة فقررت اللجنة المالية بجلستها المنعقدة في 20 من نوفمبر سنة 1952 رداً على هذا الاستفسار بأن "يمنح إعانة الغلاء على أساس المعاش القانوني فقط ولا تمنح إعانة عن الزيادة التي نالها الضباط في المعاش نتيجة التسوية". وهذا الذي أشارت به اللجنة المالية صريح في عدم استحقاق إعانة غلاء المعيشة عن المعاشات التي ترتب بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة الضباط المفصولين أو المحالين إلى المعاش.
ومن حيث إنه على مقتضى هذه القواعد لا يستحق المدعي أية إعانة غلاء عن المعاش الاستثنائي الذي منحه إياه مجلس قيادة الثورة بالمخالفة لأحكام قوانين المعاشات العامة.
ومن حيث إنه لما سلف بيانه يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 3552 لسنة 58 ق جلسة 30 / 10 / 1989 مكتب فني 40 ق 137 ص 816

جلسة 30 من أكتوبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وفتحي الصباغ.

--------------

(137)
الطعن رقم 3552 لسنة 58 القضائية

(1) حكم "بياناته" "بطلانه". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". 

خلو الحكم من تاريخ إصداره. أثره: بطلانه.
اعتناق الحكم المطعون فيه أسباب الحكم الابتدائي الباطل لخلوه من تاريخ إصداره. يترتب عليه بطلانه.
(2) نقض "أثر الطعن".
نقض الحكم بالنسبة للطاعن. يقتضي نقضه للمتهمة الأخرى التي لم تقرر بالطعن لاتصال وجه الطعن بها.

---------------
1 - لما كان يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي أنه خلا من تاريخ صدوره، ولما كان خلو الحكم المذكور من هذا البيان الجوهري يؤدي إلى بطلانه وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض، وكان الحكم الاستئنافي إذ أخذ بأسباب الحكم الابتدائي ولم ينشئ لقضائه أسباباً جديدة قائمة بذاتها فإنه يكون باطلاً أيضاً لاستناده إلى أسباب حكم باطل.
2 - لما كان نقض الحكم لهذا السبب بالنسبة إلى الطاعن يقتضي نقضه بالنسبة للمتهمة الأخرى التي لم تقرر بالطعن لأن هذا النقض يرجع إلى سبب متعلق بالحكم ذاته فضلاً عن وحدة الواقعة ولحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - .... 2 - ..... بأنهما أحدثا عمداً بـ ..... الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أعجزتها عن أشغالها الشخصية مدة لا تزيد على عشرين يوماً وكان ذلك باستعمال أداة وطلبت معاقبتهما بالمادة 242/ 1، 3 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح قسم أول المنصورة قضت غيابياً بحبس كل من المتهمين ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لوقف التنفيذ.
عارضا، وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت في معارضتهما بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه وبعدم قبول الدعوى المدنية. استأنفا، ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. عارضا، وقضي في معارضتهما بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والاكتفاء بحبس المتهم الأول أسبوعين مع الشغل وتغريم المتهمة الثانية عشرين جنيهاً.
فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب قد شابه البطلان، ذلك أنه وقد أخذ بأسباب الحكم الابتدائي الباطل لخلوه من تاريخ صدوره ولم ينشئ لنفسه أسباباً خاصة به يكون قد صدر باطلاً، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي صحيح لأنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي أنه خلا من تاريخ صدوره، ولما كان خلو الحكم المذكور من هذا البيان الجوهري يؤدي إلى بطلانه وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض، وكان الحكم الاستئنافي إذ أخذ بأسباب الحكم الابتدائي ولم ينشئ أسباباً جديدة قائمة بذاتها فإنه يكون باطلاً أيضاً لاستناده إلى أسباب حكم باطل، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإحالة دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن. ولما كان نقض الحكم لهذا السبب بالنسبة إلى الطاعن يقتضي نقضه بالنسبة للمتهمة الأخرى التي لم تقرر بالطعن لأن هذا النقض يرجع إلى سبب متعلق بالحكم ذاته فضلاً عن وحدة الواقعة ولحسن سير العدالة، مما مقتضاه إعادة بحثها من جميع نواحيها بالنسبة لكل من اتهم فيها.

الطعن 1580 لسنة 6 ق جلسة 26 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 118 ص 1247

جلسة أول يونيه سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

----------------

(119)

القضية رقم 838 لسنة 7 القضائية

(أ) عقد إداري - عقد توريد 

- التزام المتعهد بتوريد الأصناف المتعاقد عليها مع الإدارة على دفعات في المواعيد المعينة في العقد - قيامه بتوريد الباقي من هذه الدفعات بعد فوات الميعاد - يجعله مخلاً بالتزاماته التعاقدية ما يجيز للإدارة إلغاء العقد بالتطبيق للشروط المتفق عليها - قيام الإدارة باستلام هذه الدفعات وتحليل عينة منها لا يفترض نزولها عن حقها في التمسك برفض التوريد طبقاً لشروط العطاء لحصوله بعد الميعاد أو أنها وافقت ضمناً على مد مدة العقد، طالما أنها تسلمتها على سبيل الأمانة وتحت مسئوليته بعد أن أخطرته بتقصيره في الوفاء بالتزاماته وأنذرته باتخاذ الإجراءات القانونية ضده لإخلاله بالتزامه.
(ب) عقد إداري - عقد توريد 

- عينة - قيام جهة الإدارة بتحليل الأصناف الموردة إليها في معاملها المنشأة لهذا الغرض - لا سبيل إلى إلزامها بإجراء التحليل أمام جهة فنية أخرى ولو كانت حكومية ما لم يلزمها العقد بذلك.
(ج) عقد إداري - عقد توريد 

- الأصناف المخالفة للمواصفات وللعينة المعتمدة تبعاً لنتيجة التحليل - قبولها من إطلاقات الإدارة ولا إلزام عليها في ذلك.
(د) عقد إداري - عقد توريد 

- رفض الإدارة قبول التوريد الحاصل بعد الميعاد والمخالف للمواصفات والاشتراطات المتفق عليها، ورفضها إعادة التحليل بمعامل جهة أخرى - اتصال المنازعة فيه بالعقد برمته وما ينشأ عن تنفيذه ويتفرغ عنه - لا أثر في هذا الشأن لتكييف الإجراء الذي يتم به هذا الرفض سواء وصف بأنه مجرد إجراء أو تصرف قانوني أو قرار إداري - عدم إمكان الفصل فيه استقلالاً عن العقد بتجريده منه واطراح ما تضمنه من شروط وأحكام هي المرجع في تقدير سلامة التصرف موضوع المنازعة أو تقرير عدم مشروعيته.

---------------
1 - إذا كانت الجهة الإدارية قد قبلت الدفعتين الأوليين من الأقراص المعدنية اللتين وردهما المدعي في 25 من فبراير سنة 1957 و25 من مارس سنة 1957 نظراً لمطابقتهما للعينة المتعاقد عليها فإن المورد لم يقم بتوريد الدفعتين الباقيتين في المواعيد المقررة في العقد، وإنما تراخى في هذا التوريد وقصر في تنفيذ التزاماته إخلالاً بشروط العقد حتى انقضى الميعاد المحدد فيه لإتمام التوريد وقد سجل سلاح الأسلحة والمهمات عليه في كتابة المؤرخ 21 من مايو سنة 1957 هذا التقصير بعد أن انتهت مدة التوريد في 20 من مايو سنة 1957، وأنذره باتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ولم يشر في هذا الكتاب إلى منحه أية مهلة جديدة للتوريد بل إنه طلب الموافقة على شراء الكمية الباقية التي تخلف عن توريدها بوساطة لجنة ممارسة على حسابه، وحصل على هذه الموافقة من السيد نائب المدير للشئون المالية في 5 و22 من مايو سنة 1957، ولم يسمح بدخول الدفعات الأربع التي قام المدعي بتقديمها بعد انتهاء ميعاد التوريد وبعد إخطاره بتقصيره في الوفاء بالتزاماته الناشئة عن عطائه إلا على سبيل الأمانة وتحت مسئولية مقدمها. فإذا كان السلاح قد قام من قبيل التسامح بتحليل عينات من الأقراص التي وردها المدعي بعد الميعاد، فإن هذا الإجراء من جانبه - إزاء الإنذار بالتقصير وطلب إعادة الشراء على حساب المتعهد المتخلف والتحفظ في الاستلام - لا يلزمه بشيء قبل هذا الأخير ولا يفترض نزوله عن حقه في التمسك برفض التوريد طبقاً لشروط العطاء، إذ أن المد بحسب شروط العطاء يستلزم الإفصاح عن اتجاه الرغبة إليه لتطلبه شروطاً وأوضاعاً خاصة منها توقيع غرامة لزوماً وهو ما لم يفعله السلاح، ولا سيما أن البند الثاني عشر من نصوص العطاء، وهو الخاص بإلغاء العقد، يخول السلاح الحق في أن يلغي العقد لأي سبب من الأسباب التي أورد بيانها، ومنها ما ذكره في الفقرة 1/ هـ من هذا البند، وهي حالة عدم قيام المتعهد بتوريد الكميات المطلوبة أو أي جزء منها في المدة المحددة في البند الثامن، كما ينص في الفقرة 4 منه على أن "حق إلغاء العقد سواء أكان ذلك بموجب نص صريح في العقد أو خلافه لا يمكن أن يؤثر عليه سابقة تنازل عن أي حق أو تساهل سبق منحه للمتعهد أو خصم أي شيء من ثمن العقد."
2 - تنص الفقرة 2 من البند الثامن من شروط المناقصة وهو الخاص بالتوريد والفحص والاستلام، على أن "يقوم المتعهد بتسليم الأصناف المتعاقد عليها، وذلك في المواعيد والأماكن المبينة بقائمة الأثمان خالصة من جميع المصاريف والرسوم ومطابقته لأمر التوريد عداً أو وزناً أو مقاساً طبقاً للمواصفات والبيانات المعتمدة والموقع عليها منه". كما تنص الفقرة 4 من البند ذاته على أنه "إذا وجدت الأصناف غير مطابقة للشروط المتفق عليها رفض قبولها، وعلى المتعهد أن يستوردها بعد إخطاره كتابة بالبريد الموصى عليه بأسباب الرفض وبوجوب سحب الأصناف المرفوضة، كذلك تنص الفقرة 6 من البند عينه على أنه: "إذا طلب المتعهد إعادة تحليل الأصناف المرفوضة لعدم مطابقتها للمواصفات وللعينة المعتمدة معاً، وقبل السلاح طلبه، فتكون مصاريف التحليل الثاني على حساب المتعهد، إلا إذا كانت النتيجة لصالح المتعهد وللسلاح في هذه الحالة أن يعيد التحليل للمرة الثالثة على حسابه". وثابت من الأوراق أن جميع الدفعات الأربع التي وردها المدعي بعد الميعاد قد اتضح من التحليل المتكرر الذي أجرته المعامل المركزية للجيش ومن الاختبار الكيماوي، ومن الفحص الذي قامت به الخدمات الطبية عدم مطابقة أي منها للعينة المتعاقد عليها. وعدم صلاحيتها للاستعمال، إما لوجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وفي الزوايا والأطراف الجانبية وإنما لأنها أقل سمكاً وصلابة من تلك العينة وإما لعدم تجانسها ونقص معدل الصلابة فيها واحتوائها على مادة الزرنيخ الذي يؤذي الجلد عند الاستعمال. وقد أعاد السلاح التحليل للمرة الثانية استجابة لطلب المدعي وكانت النتيجة في غير صالحه. وقد تم هذا التحليل في المعامل المركزية للجيش وهي الجهة المختصة بذلك لكونها منشأة لمثل هذا الغرض وكونها أدرى من غيرها باحتياجات الجيش. وليس في العقد ما يلزم السلاح بإجراء التحليل لدى جهة فنية أخرى أجنبية عن طرفيه ولو كانت حكومية كمعامل كلية الهندسة أو سواها بل إن إعادة التحليل للمرة الثالثة التي يتمسك بها المدعي في دعواه وفي تقرير طعنه بعد إذا استنفد حقه في إعادة التحليل للمرة الثانية، وبعد إذ أيد قرار التحليل الثاني نتيجة التحليل الأول، ليست حقاً له بمقتضى شروط العقد بل هي حق للسلاح وحده مقصور عليه في حالة ما إذا كانت نتيجة التحليل الثاني في صالح المتعهد، وهو ما لم يتحقق في الخصوصية المعروضة ومهما يكن من أمر فإن نصوص العقد تجعل الإدارة هي المرجع في رفض الأصناف المخالفة للمواصفات وللعينة المعتمدة تبعاً لنتيجة التحليل الذي تقوم به بوسائلها وأجهزتها التي تنشئها أو تختارها لهذا الغرض.
3 - ليس في نصوص العقد ما يفرض على جهة الإدارة أن تقبل التوريد غير المطابق بسعر مخفض على نحو ما عرضه عليها المدعي مسلماً بذلك ضمناً ومتابعته توريد كمية جديدة بدلاً من أخرى مرفوضة بما أسفر عنه التحليل من مخالفة الأقراص الموردة للمواصفات المتفق عليها. لا إلزام على الإدارة في شيء من ذلك لأن هذا من إطلاقاتها التي تخضع لتقديرها وإرادتها إذ ما تعذر الحصول على الأصناف الموردة على خلاف العينة للأغراض وقررت لجنة الفحص صلاحية الأصناف الموردة على خلاف العينة للأغراض المطلوبة من أجلها وأنه لا يترتب على قبولها ضرر ما للمصلحة، وذلك وفقاً لنص الفقرة 5 (ثالثاً) من البند الثامن من شروط العقد.
4 - إن رفض الإدارة قبول هذا التوريد الحاصل بعد الميعاد والمخالف للمواصفات والاشتراطات المتفق عليها، وكذا رفضها إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة يكون كلاهما قائماً على سببه المبرر له. وقرار لجنة الفحص في هذا الشأن هو قرار نهائي وفقاً لنص البند 49 من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 بعد أن اعتمده مدير السلاح، وذلك كله بقطع النظر عن تكييف الإجراء الذي تم به هذا الرفض سواء وصف بأنه مجرد إجراء أو تصرف قانوني أو قرار إداري، إذ أن المنازعة القائمة بشأنه، سواء كان مردها ورود البضاعة بعد الميعاد المحدد في العقد للتوريد، أو مخالفة هذه البضاعة للعينة أو للمواصفات المتفق عليها أو رفض إعادة التحليل بوساطة معامل كلية الهندسة، إنما هي منازعة تتصل بالعقد برمته وما ينشأ عن تنفيذه ويتفرع عنه، ولا يمكن الفصل فيها أياً كان وصفها استقلالاً عن العقد بتجريدها منه واطراح ما تضمنه من شروط وأحكام هي المرجع في تقدير سلامة التصرف موضوع المنازعة أو تقرير عدم مشروعيته.


إجراءات الطعن

في 16 من فبراير سنة 1961 أودع الأستاذ عبد المجيد الشرقاوي المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن السيد/ سعد زخاري سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 738 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 904 لسنة 12 القضائية المقامة من السيد/ سعد زخاري ضد السيد/ وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى لسلاح الأسلحة والمهمات، القاضي برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار إدارة العقود والمشتريات الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية المبلغ إلى المدعي في 15 من إبريل سنة 1958 والمؤسس على قرار إدارة العقود والمشتريات برفض طلب المدعي بإحالة العينة المختلف عليها إلى معامل كلية الهندسة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الحربية في 23 من فبراير سنة 1961. وعقبت هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 2 من مارس سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 17 من يناير سنة 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 11 من مايو سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 6 من إبريل سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 904 لسنة 12 القضائية (ابتداء) ضد السيد/ مدير العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 31 من مايو سنة 1958 ذكر فيها أنه قدم في 23 من ديسمبر عرضاً إلى لجنة الممارسة بإدارة العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات عن توريد 204000 قطعة معدنية لحاجة الإدارة لتحقيق الشخصية بسعر القطعة الواحدة سبعة مليمات. وفي 20 من يناير سنة 1957 اعتمدت إدارة العقود والمشتريات العينة المقدمة منه وحررت له خطاباً باعتماد التوريد، وقد قام من جانبه بتوريد نصف الكمية ولم تعترض الإدارة على القطع الموردة وقامت بصرف قيمتها إليه. ثم قام بتوريد باقي الكمية المتفق عليها في الميعاد الثابت في خطاب الاعتماد، ولكن الإدارة ردت عليه برفض البضاعة بمقولة أنها تخالف العينة التي قدمها وقد اعترض هو على هذا الرفض مقرراً أن البضاعة الموردة أخيراً تطابق العينة ولا تختلف عنها في شيء، وطلب إيضاح أسباب الرفض فردت عليه الإدارة بأنها قامت بتحليل البضاعة على العينة في معاملها فظهر لها أنها تخالفها. ولكنه أرسل إليها تظلماً أبدى فيه استعداده لتحليل البضاعة والعينة في معمل كلية الهندسة بجامعة القاهرة. وهي الجهة الفنية التي لا غبار عليها. فكان الرد من المدعى عليه أنه لا يوافق على تحليل البضاعة في أية جهة أخرى ولو كانت الحكومة اكتفاء بالتحليل الذي تم في معامله ولو كان القرار الخاص برفض 102000 قطعة الموردة من المدعي حسب (الخطاب) الوارد إليه باعتماد التوريد في 20 من يناير سنة 1957 باطلاً، فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية المبلغ إلى الطالب في 15 من إبريل سنة 1958 مع إلزام المعلن إليه بالمصاريف والأتعاب".
وقد دفعت الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، فقام المدعي بتصحيح شكل الدعوى بأن وجه طلباته المتقدم ذكرها إلى السيد/ وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى لسلاح الأسلحة والمهمات، وذلك بصحيفة أعلنت إلى هذا الأخير في 24 من يناير سنة 1960.
وقد ردت وزارة الحربية على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أنها قبلت العطاء الذي تقدم به المدعي عن توريد كمية مقدارها 204000 قرص معدني لتحقيق الشخصية بسعر 7 مليمات للقرص، أي مبلغ 1428 جنيهاً لكل الكمية، وذلك بعد إذ ثبت من تقرير المعامل المركزية للجيش أن العينة التي قدمها لتكون أساساً للتوريد هي أصلح من العينات الأخرى التي تقدم بها منافسوه من حيث الصلابة وعدم القابلية للصدأ واعتدال السعر. وعلى هذا أخطر بأمر التوريد من اشتراط أن يكون التوريد حسب العينة المقدمة منه من جميع الوجوه ولا سيما من حيث الخامة والمقاس والحجم، وأن يتم على دفعات شهرية مقدار كل منها 51000 قرص بحيث ينتهي خلال أربعة أشهر من تاريخ تسلم الأمر الصادر به، وهو الذي تسلمه المدعي في 20 من فبراير سنة 1957 وتم قبولها بعد إذ ثبت مطابقتها للعينة. كما قام بتوريد الدفعة الثانية بذات القدر في 25 من مارس سنة 1957 وتم قبولها أيضاً بناء على قرار المعامل المركزية للجيش. إلا أنه تراخى بعد ذلك في تنفيذ العقد ولم يورد شيئاً في المواعيد المتفق عليها مما اضطر سلاح الأسلحة والمهمات إلى إرسال كتاب مسجل إليه في 21 من مايو سنة 1957 يخطره فيه بأن مدة التوريد قد انتهت في 20 من مايو سنة 1957. وأنه سيتخذ ضده الإجراءات القانونية لتقصيره في التوريد وعلى أثر ذلك قام في 25 من مايو سنة 1957 بتوريد 51000 قرص أرسلت منها عشرة أقراص للتحليل وعينة أقراص أخرى للتجربة على الآلات، فوردت نتيجة التحليل للمعامل المركزية للجيش في 4 من سبتمبر سنة 1957 بأنه بالاختبار الكيماوي لوحظ: (1) حول الثقب الذي تمر به السلسلة صدأ. (2) في الزوايا الأخرى والأطراف الجانبية أيضاً صدأ. وعلى أساس هذه النتيجة قررت لجنة الفحص رفض التوريد وأخطرت المدعي لتسلم المرفوض. وفي 3 من يونيه سنة 1957 ورد 51000 قرص صرح بدخولها على مسئوليته على سبيل الأمانة، ولكن لجنة الفحص رفضتها لمخالفتها للعينة نظرياً حيث إنها أقل منها سمكاً. وقد تم إخطاره بذلك في 17 من يونيه سنة 1957 - وطلب منه سحبها. فقام بتوريد 37000 قرص في 27 من يونيه سنة 1957 تم رفضها لذات العيب وأبلغ بذلك في 13 من يونيه سنة 1957 مع تكليفه بسحبها. وأخيراً ورد 51000 قرص في 3 من أغسطس سنة 1957 على سبيل الأمانة لتوريدها بعد الميعاد، وقد قررت لجنة الفحص رفضها تأسيساً على نتيجة التحليل بالمعامل المركزية للجيش وأخطر بالرفض مع التنبيه عليه بتسلمها. وفي 27 من سبتمبر سنة 1957 قدم طلباً لقبول التوريد من الحاصلين في 25 من مايو سنة 1957 و27 من سبتمبر سنة 1957 بالتخفيض. وقد اجتمعت اللجنة وقررت في 3 من نوفمبر سنة 1957 أنها ما زالت عند رأيها الأول في رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض حيث يترتب على قبوله ضرر، وتم إبلاغه ذلك في 4 من نوفمبر سنة 1957. وقد طلب بكتابه المؤرخ 13 من نوفمبر سنة 1957 تحليل التوريد والعينة بكلية الهندسة فرد عليه السلاح في 20 من نوفمبر سنة 1957 بأنه سبق تحليل التوريد ورفضه. وأنه إذا كان يرغب في إعادة التحليل فإن ذلك سيتم بالمعامل المركزية للجيش لكونها الجهة المختصة بمصاريف على حسابه. ولكنه أصر على إعادة التحليل بكتاب مؤرخ 23 من نوفمبر سنة 1957. وقد تم ذلك وجاءت النتيجة أن التوريد غير متجانس وأنه يقل عن درجة الصلابة في العينة المتعاقد عليها وأخطر بذلك وبوجوب سحب المرفوض بكتاب مؤرخ 7 من يناير سنة 1958. ولكنه كرر شكواه في 10 من يناير سنة 1958 طالباً التجاوز عن هذا الاختلاف وقبول التوريد بالتخفيض. وقد استطلعت اللجنة رأي الخدمات الطبية التي ردت بأنه لا يمكن قبول التوريد بالتخفيض لوجود مادة الزرنيخ في الأقراص الموردة. وعلى هذا قررت لجنة الفحص في 7 من إبريل سنة 1958 رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض لهذه الأسباب حيث إن مادة الزرنيخ ينتج عنها ضرر عند الاستعمال وأبلغ المدعي بذلك وطلب منه إرسال مندوب لاستلام المرفوض. ومن ثم فإن الخلاف بينه وبين الوزارة ينحصر في الدفعتين اللتين وردهما في 25 من مايو سنة 1957 و3 من أغسطس سنة 1957، وقد تم توريدهما بعد انتهاء ميعاد التوريد في 20 من مايو سنة 1957 وبعد إخطاره بكتاب مؤرخ 21 من مايو سنة 1957 بأنه قصر في التوريد في الميعاد المقرر في العقد وبأن الإجراءات القانونية ستتخذ ضده، وذلك وفقاً للبند التاسع من شروط المناقصة التي قبلها المدعي ورفعها بشأن التأخير في التوريد. ولم يشر كتاب السلاح إلى منح المذكور أية مهلة جديدة للتوريد ومؤدى ذلك أنه كان على هذا الأخير أن يكف عن التوريد بعد انتهاء مدته يؤكد هذا أن كل كمية من الأقراص تم توريدها بعد انتهاء مدة التوريد كان يصرح بدخولها على سبيل الأمانة وعلى مسئولية صاحبها، وهذا السبب وحده كاف لرفض التوريد من موضوع الدعوى وإذ كان السلاح قد قبل تحليل عينات منهما فلا يعنى هذا سقوط حقه في التمسك برفض التوريد لحصوله بعد الميعاد المتفق عليه في العقد. هذا فضلاً عن مخالفة الأقراص الموردة بعد الميعاد للعينة المتفق عليها وعدم تجانسها ونقص رقم الصلابة فيها ووجود مادة الزرنيخ الضارة بها. ولا حجة فيما يطلبه المدعي من تحليل عينات من التوريد بمعامل كلية الهندسة إذ لا يمكن إلزام السلاح بتحليل تلك العينات بمعامل كلية الهندسة ولديه المعامل المركزية للجيش وهي الجهة المختصة بذلك. على أن السلاح قد أعاد تحليل الأصناف (المرفوضة) لعدم مطابقتها للعينة المعتمدة استجابة لطلب المدعي. فكانت نتيجة التحليل مخالفة التوريد للعينة من حيث درجة الصلابة. بل إن السلاح قد أخذ رأي الخدمات الطبية التي أجابت بأنه لا يمكن قبول التوريد بالتخفيض لاحتواء الأقراص على مادة الزرنيخ الضارة عند الاستعمال. وخلصت وزارة الحربية من هذا إلى طلب "الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بمصروفاتها ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق قبله".
وقد عقب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرتين أوضح فيهما أن البضاعة المرفوضة هي من ذات المعدن الذي قدم منه العينة والكمية التي قبلت، وأن سلاح الأسلحة والمهمات طلب إليه بخطابه المؤرخ 16 من نوفمبر سنة 1957 تقديم نوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفنية لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ، وهذا دليل على أن السلاح لا يعرف شيئاً عن المعدن المذكور، وأن تحليله كان صورياً لأن البيانات الرئيسية كانت خافية عليه قبل هذا الخطاب، وأنه لم يكن يطلب عينة أو مواصفات معينة بل ترك أمرها للموردين، وأن التحليل السابق لم يكن على أسس سليمة لاختفاء العناصر الرئيسية. هذا إلى أن تناقض السلاح في بيان سبب الرفض، إذ يعزوه مرة إلى مخالفة السمك الأصلي، ومرة ثانية إلى ضعف الصلابة، ومرة ثالثة إلى وجود مادة الزرنيخ التي ينتج عنها ضرر في الاستعمال، فضلاً عن تراخي السلاح في التحليل الذي قام به. ولا حجة له في أن التوريد قد تم بعد الميعاد وأن من حقه إلغاء العقد ومصادرة التأمين، ما دام لم يشر إلى هذا الإلغاء في كتابه المؤرخ 31 من مايو سنة 1957. وما دام قد قبل الكميات التي وردت بعد ذلك في تواريخ متلاحقة تالية. وما كان ثمة محل لأخذ رأي قسم الخدمات الطبية بعد أكثر من عام لكي يقرر أن الأقراص المعدنية الموردة بها مادة الزرنيخ، مع أنه ثابت منذ الوهلة الأولى من تحليل العينة أن بها هذه المادة. وجملة القول أن الحكومة قد قبلت ضمناً مد ميعاد التوريد، إذ لم تعد باقي الكميات فور توريدها مؤشراً عليها بالرفض باعتبار العقد مفسوخاً للتأخير في التوريد، ولم يرد في خطاباتها اللاحقة ما يفيد أنها اعتبرت العقد مفسوخاً لهذا السبب، بل إنها اعتمدت في الرفض على عدم صلاحية الكميات الموردة، ولم تطرح مناقصة أخرى عن توريد كمية من الأقراص بدلاً من المرفوضة واختتم المدعي دفاعه بأنه قبل حسما للنزاع نتيجة التحليل الذي تجريه كلية الهندسة ويصمم على طلباته، ويطلب "احتياطياً إلزام المدعى عليه بمبلغ 714 جنيهاً والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "أن تحكم المحكمة برفض الدعوى، مع إلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وبجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات" وأقامت قضاءها على أن تصرف سلاح الأسلحة والمهمات برفض البضاعة الموردة من المدعي بعد الميعاد المحدد والمخالفة للعينة المتفق عليها هو إجراء يدخل في نطاق عقد التوريد وما ينشأ عن تنفيذه من خلافات، فلا تعتبر المنازعة بشأنه داخلة في نطاق قضاء الإلغاء كما صور المدعي طلباته، وإنما يختص بنظرها القضاء الإداري في حدود ولاية القضاء الكامل باعتباره مختصاً بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية. والثابت من الأوراق، بغير منازعة من المدعي، أن هذا الأخير قد قصر في توريد الدفعات الثالثة وما بعدها التي انتهى الموعد المحدد لتوريدها في 20 من مايو سنة 1957، ثم وردها بعد الميعاد دون الحصول على مهلة من السلاح الذي أنذره في 21 من مايو سنة 1957 بالتقصير وبأنه سيتخذ الإجراءات القانونية ضده وقد أعد السلاح في ذات التاريخ مذكرة طلب فيها الموافقة على شراء الكمية الباقية على حساب المذكور، ووافق نائب المدير للشئون المالية على ذلك في 22 من مايو سنة 1957. وأياً كان الوضع بالنسبة لقبول الكميات الموردة من المدعي بعد الميعاد المقرر فإن لجنة الفحص قد انتهت إلى رفضها جميعاً إما لما اتضح من تحليل المعامل المركزية للجيش من وجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وفي الزوايا والأطراف الجانبية، وإما لمخالفة البضاعة الموردة للعينة المتعاقد عليها نظرياً لكونها أقل منها سمكاً وصلابة، وما دام قرار لجنة الفحص الصادر برفض البضاعة الموردة من المدعي قد اعتمد من مدير السلاح، فإنه يعتبر طبقاً لنصوص الفقرتين الثانية والرابعة من البند الثاني من شروط العطاء والبند التاسع والأربعين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يونيه سنة 1948 نهائياً ولا سيما أنه قام على قرار المعامل المركزية للجيش التي باشرت التحليل وانتهت إلى أن التوريد غير متجانس وأنه يقل عن رقم الصلابة في العينة. هذا فضلاً عن كونه إجراء سليماً مطابقاً لنصوص العقد ومتفقاً مع أحكام لائحة المخازن والمشتريات التي أبرم في ظلها هذا العقد. وقد أعاد السلاح التحليل استجابة لطلب المدعي فكان قرار المعامل المركزية للجيش في هذه المرة مؤيداً لقرارها الأول بعدم مطابقة التوريد للعينة. ومن ثم فلا وجه لإلزام السلاح بإعادة التحليل في معامل كلية الهندسة، ولا سيما أن معامل الجيش المركزية هي المختصة بإجراء الفحص والتحليل في كل ما يتعلق باحتياجات الجيش. كما لا وجه لإلزام السلاح بأن يقبل البضاعة المرفوضة بتخفيض، إذ أن هذا من إطلاقات الإدارة، وهو حق مقرر لها بمقتضى الفقرة الخامسة من البند الثاني من شروط العطاء إذا رأت صلاحية الأصناف الموردة للأقراص المطلوبة من أجلها وأنه لا يترتب على قبولها ضرر ما للمصلحة. وعلى هذا فإن قرار لجنة الفحص الصادر في حدود اختصاصها بعدم قبول الأصناف الموردة بالتخفيض يكون سليماً لا مطعن عليه ولا يغير من ذلك ما ارتآه السلاح من الاستئناس برأي الخدمات الطبية إمعاناً في تحقيق العدالة وفي نفي مظنة إساءة استعمال السلطة. ولا حجة فيما أثاره المدعي من أن السلاح قد أعلن عن أصناف لم يحدد عيناتها تحديداً ثابتاً، إذ أن التعاقد تم على أساس العينة المقدمة منه من جميع الوجوه، وهي التي يتعين التوريد والفحص والتحليل على أساسها، وهو ما تم فعلاً. ولا يقدح في هذا ما طلبه السلاح من المدعي خاصاً بنوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفينة لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ، إذ أن ذلك قد تم بناء على طلب إدارة السجلات العسكرية ولم يكن له شأن في رفض الأقراص الموردة، كما لم يكن لوجود مادة الزرنيخ شأن في رفض هذه الأقراص. ومن ثم فإن الدعوى تكون غير قائمة على أساس سليم من العقد أو الواقع أو القانون مما يتعين معه القضاء برفضها مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 16 من فبراير سنة 1961 طعن المدعي في هذا الحكم طالباً "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار إدارة العقود والمشتريات - الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية - المبلغ إلى المدعي في 15 من إبريل سنة 1958 والمؤسس على قرار إدارة العقود والمشتريات برفض طلب المدعي بإحالة العينة المختلف عليها إلى معامل كلية الهندسة". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى بأن دائرة العقود الإدارية هي المختصة بنظر المنازعة موضوع الدعوى باعتبار أنها لا تدخل في نطاق قضاء الإلغاء ذلك أن تصرف سلاح الأسلحة والمهمات برفض التوريد ورفض طلب إجراء التحليل بواسطة معامل كلية الهندسة إنما هو قرار إداري يحق للمتضرر منه طلب إلغائه بسبب ما ترتب عليه من خسارة مادية لحقت بالمدعي. ولا يقدح في هذا حصول التوريد بعد انتهاء مدة العقد، إذ أن قبول الإدارة للصنف المورد ولو على سبيل الاحتياط ثم الموافقة على تحليله للتأكد من مطابقته للعينة إنما معناه قبول التوريد ضمناً. ولما كان العقد لم ينص على طريقة معينة لمطابقة الأصناف الموردة على العينة. فقد كان أحرى بالإدارة إحالة تلك الأصناف إلى جهة محايدة كمعامل كلية الهندسة للقيام بتحليلها. فإذا كان الحكم قد أخطأ في تكييف الدعوى رافضاً التصوير الذي ذهب إليه المدعي بأنها مطالبة بإلغاء قرار، ومكيفاً إياها بأنها دعوى عقدية صرفة، فإنه يكون قد جاء معيباً، إذ أن المحاكم العادية لا تستطيع إلزام الإدارة بأن تقبل معملاً للتحليل غير المعمل الذي ارتضته، وإنما الذي يملك ذلك هو دائرة الإلغاء بمحكمة القضاء الإداري. وإذ أصدرت الإدارة قراراً برفض طلب المدعي إحالة التحليل إلى كلية الهندسة الذي قبل المدعي نتيجته مقدماً، فإنها تكون متعسفة ويكون قرارها واجب الإلغاء.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأسست رأيها على أن قرار الإدارة برفض البضاعة الموردة من المدعي أياً كان تكييفه إنما تدخل المنازعة بشأنه في نطاق العقد بوصفها منازعة عقدية، ولا تدخل في نطاق قضاء الإلغاء. ما دام القرار قد صدر في مواجهة المتعاقد تنفيذاً لأحكام العقد. وقد أجاب سلاح الأسلحة والمهمات المدعي إلى طلبه إعادة التحليل وأرسل عينات من التوريد إلى المعامل المركزية للجيش التي جاء قرارها الثاني مطابقاً لقرارها الأول، ولا وجه بعد ذلك لإلزام السلاح بأن يعيد التحليل، مرة ثالثة، لأن نص الفقرة السادسة من البند الثامن من عقد التوريد لا يسمح بذلك، إذ أن إعادة التحليل للمرة الثالثة هي حق للسلاح في حالة ما إذا كانت نتيجة التحليل الثاني قد جاءت لصالح المتعهد. وهو ما ليس متوافراً في الدعوى الراهنة كما لا وجه لإلزام السلاح بأن يعيد التحليل في معامل كلية الهندسة بوصفها جهة فنية بعيدة عن الجيش. ذلك أن رفض السلاح لهذا الطلب، مع التسليم بأنه قرار إداري إنما أساسه أحكام العقد، ولا سيما أن معامل الجيش المركزية هي المختصة بإجراء التحليل الخاص باحتياجات الجيش، وهي أدرى من غيرها بهذه الاحتياجات، ولا يوجد أي نص في العقد يجيز إحالة ما يطرأ من خلافات فنية بصدد تنفيذه إلى جهة أجنبية عن طرفيه ولو كانت حكومية، بل إن نصوص العقد تجعل الإدارة هي المرجع في رفض الأصناف المخالفة للمواصفات، وفقاً للتحليل الذي تقوم به ومن ثم فإن قرار إدارة العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات برفض البضاعة الموردة من المدعي لمخالفتها للمواصفات وللعينة المعتمدة بناء على نتيجة التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش، هو قرار يدخل النزاع بشأنه، باعتباره نزاعاً عقدياً، غير نطاق القضاء الكامل، وقد جاء سليماً مطابقاً لأحكام العقد.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن سلاح الأسلحة والمهمات بالجيش تعاقد مع المدعي بناء على عطاء تقدم به وقبلته منه لجنة بالممارسة على توريد 204000 قرص معدني لتحقيق الشخصية بسعر سبعة مليمات للقرص الواحد، أي بمبلغ 1418 جنيهاً للكمية كلها، وذلك طبقاً للعينة المقدمة منه من جميع الوجوه وبالأخص من حيث الخامة والمقاس والحجم والصلاحية للاستعمال وهي العينة التي سبق لكل من إدارة السجلات العسكرية والمعامل المركزية للجيش أن اختبرنا مدى صلابتها واحتمالها للصدأ، وقررتا صلاحيتها على أن يتم التوريد على دفعات شهرية مقدار كل منها 51000 قطعة، بحيث تنتهي مدة التوريد في بحر أربعة شهور من تاريخ تسلم أمر التوريد وقد تسلم المدعي أصل أمر التوريد في 20 من يناير سنة 1957 وقدم خطاب ضمان رقم 919 في 23 من يناير سنة 1957 على بنك الاستيراد والتصدير المصري بقيمة التأمين النهائي عن هذا الأمر وفي 25 من فبراير سنة 1957 قام بتوريد الدفعة الأولى وقدرها 51000 قرص ثبت مطابقتها للعينة وتم قبولها، ثم قام بتوريد الدفعة الثانية وقدرها 51000 قرص في 25 من مارس سنة 1957 وتم قبولها أيضاً لمطابقتها للعينة. وقد انتهت مدة توريد الدفعتين الثالثة والرابعة في 20 من إبريل سنة 1957 و20 من مايو سنة 1957 دون أن يورد شيئاً مما اضطر السلاح إلى إنذاره بأنه سيتخذ الإجراءات القانونية ضده لتقصيره في التوريد، وإلى طلب الموافقة على شراء الكمية الباقية التي تخلف عن توريدها بلجنة الممارسة على حسابه. وقد وافق السيد نائب المدير للشئون المالية على ذلك. وفي 21 من مايو سنة 1957 أرسل إليه السلاح كتاباً يبلغه فيه أن مدة التوريد قد انتهت في 20 من مايو سنة 1957 وأنه سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ضده لتقصيره في التوريد وفي 25 من مايو سنة 1957 قام المذكور بتوريد 51000 قرص معدني، كما قام في 4 من يونيه سنة 1957 بتوريد 51000 قرص معدني آخر صرح بقبولها على سبيل الأمانة وتحت مسئولية التاجر. كذلك ورد في 27 من يونيه سنة 1957 - 3700 قرص قبلت أيضاً على سبيل الأمانة تحت مسئوليته وفي 3 من أغسطس ورد 51000 قرص قبلت كذلك بذات التحفظ، وقد وردت نتيجة فحص الدفعة الأولى من هذه الدفعات الأربع الموردة بعد الميعاد ثابتاً بها أنه اتضح من التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش ومن الاختبار الكيماوي وجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وكذا في الزوايا والأطراف الجانبية وعلى هذا الأساس قررت لجنة الفحص رفض التوريد وأبلغت المدعي لتسلم المرفوض. أما الدفعتان الثانية والثالثة من الدفعات المشار إليها فقد قررت لجنة الفحص رفضهما لمخالفتهما نظرياً للعينة المتعاقد عليها حيث إنها أقل منها سمكاً وصلابة. وقد أخطر بذلك ودعى إلى سحبها. وأما الدفعة الرابعة فقد قررت لجنة الفحص رفضها بناء على نتيجة التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش والذي أسفر عن مخالفتها للعينة التي تم التعاقد عليها. وقد قدم المدعي في 27 من سبتمبر سنة 1957 طلباً لقبول الكميتين الموردتين منه في 25 من مايو سنة 1957 و3 من أغسطس سنة 1957، فرد عليه السلاح في 4 من نوفمبر سنة 1957 بأن لجنة الفحص ما زالت عند رأيها الأول في رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض حيث يترتب على استعمال الأقراص الموردة ضرر كقرار المعامل، إلا أنه عاود الكرة طالباً بكتابه المؤرخ 13 من نوفمبر سنة 1957 إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة، فرد عليه السلاح في 20 من نوفمبر سنة 1957 بأنه سبق إجراء تحليل بمعامل الجيش المختصة بذلك ورفض التوريد لمخالفته للعينة المتعاقد عليها ولم يقبل بالتخفيض لأنه ينجم عن استعمال الأقراص المرفوضة ضرر بالجنود، وأنه كان يرغب في إعادة التحليل للمرة الثانية فإن ذلك سيتم على حسابه بوساطة الجهة التي قامت بالتحليل الأول. وقد أصر المدعي في كتابه المؤرخ 23 من نوفمبر سنة 1957 على إعادة التحليل فكانت النتيجة التي انتهت إليها معامل الجيش المركزية المختصة بعد التحليل الثاني هو الرفض لعدم التجانس حيث إن بعض الأقراص الموردة يعطي رقم صلابة أقل من رقم صلابة العينة المتعاقد عليها وقد كرر المذكور شكواه في 10 من يناير سنة 1958 ملتمساً التجاوز عن هذا الاختلاف وقبول التوريد بالتخفيض وبعد استطلاع رأي الخدمات الطبية قررت لجنة الفحص في 7 من إبريل سنة 1958 عدم قبول التوريد بالتخفيض لوجود مادة الزرنيخ في الأقراص الموردة التي ستكون ملامسة للجلد باستمرار طوال مدة خدمة الجندي الأمر الذي تنتج عنه أضرار من الاستعمال بسبب امتصاص هذه المادة عن طريق الجلد.
ومن حيث إن الفقرة 7 الخاصة بالتأخير في التوريد من البند الثامن المتعلق بالتوريد والفحص والاستلام من شروط المناقصة التي قبلها المدعي ووقعها في 20 من يناير سنة 1957 وقدم عطاءه على أساسها تنص على أنه "إذا تأخر المتعهد في توريد كل الكميات المطلوبة أو جزء منها في الميعاد المحدد بالعقد فيجوز للسلاح اتخاذ أحد الإجراءات الثلاثة التالية، وذلك دون حاجة إلى إنذار أو اتخاذ إجراء ما أو التجاء إلى القضاء:
( أ ) إعطاء مهلة للتوريد مع توقيع غرامة:...
(ب) الشراء على حساب المتعهد:...
(ج) إلغاء العقد ومصادرة التأمين:...
ومن حيث إنه ثابت مما سلف إيراده في مقام سرد الوقائع أنه فيما عدا الدفعتين الأوليين البالغ قدرهما 102000 قرص معدني اللتين وردهما المدعي في 25 من فبراير سنة 1957 و25 من مارس سنة 1957 وتم قبولهما لمطابقتهما للعينة المتعاقد عليها لم يقم المذكور بتوريد الدفعتين الباقيتين في المواعيد المقررة في العقد. وإنما تراخى في هذا التوريد وقصر في تنفيذ التزاماته إخلالاً بشروط العقد حتى انقضى الميعاد المحدد فيه لإتمام التوريد وقد سجل سلاح الأسلحة والمهمات عليه في كتابه المؤرخ 21 من مايو سنة 1957، هذا التقصير بعد أن انتهت مدة التوريد في 20 من مايو سنة 1957، وأنذره باتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ولم يشر في هذا الكتاب إلى منحه أية مهلة جديدة للتوريد، بل إنه طلب الموافقة على شراء الكمية الباقية التي تخلف عن توريدها بوساطة لجنة ممارسة على حسابه، وحصل على هذه الموافقة من السيد نائب المدير للشئون المالية في 5 و22 من مايو سنة 1957، ولم يسمح بدخول الدفعات الأربع التي قام المدعي بتقديمها بعد انتهاء ميعاد التوريد وبعد إخطاره بتقصيره في الوفاء بالتزاماته الناشئة عن عطائه إلا على سبيل الأمانة وتحت مسئولية مقدمها. فإذا كان السلاح قد قام من قبيل التسامح بتحليل عينات من الأقراص التي وردها المدعي بعد الميعاد، فإن هذا الإجراء من جانبه - إزاء الإنذار بالتقصير وطلب إعادة الشراء على حساب المتعهد المتخلف والمتحفظ في الاستلام - لا يلزمه بشيء قبل هذا الأخير ولا يفترض نزوله عن حقه في التمسك برفض التوريد طبقاً لشروط العطاء، إذ أن المد بحسب شروط العطاء يستلزم الإفصاح عن اتجاه الرغبة إليه لتطلبه شروطاً وأوضاعاً خاصة منها توقيع غرامة لزوماً وهو ما لم يفعله السلاح، ولا سيما أن البند الثاني عشر من نصوص العطاء، وهو الخاص بإلغاء العقد، يخول السلاح الحق في أن يلغي العقد لأي سبب من الأسباب التي أورد بيانها ومنها ما ذكره في الفقرة 1/ هـ من هذا البند، وهي حالة عدم قيام المتعهد بتوريد الكميات المطلوبة أو أي جزء منها في المدة المحددة في البند الثامن، كما ينص في الفقرة 4 منه على أن "حق إلغاء العقد سواء أكان ذلك بموجب نص صريح في العقد أو خلافه لا يمكن أن يؤثر عليه سابقة تنازل عن أي حق أو تساهل سبق منحه للمتعهد أو خصم أي شيء من ثمن العقد".
ومن حيث إن الفقرة 2 من البند الثامن من شروط المناقصة وهو الخاص بالتوريد والفحص والاستلام، تنص على أن "يقوم المتعهد بتسليم الأصناف المتعاقد عليها، وذلك في المواعيد والأماكن المبينة بقائمة الأثمان خالصة من جميع المصاريف والرسوم ومطابقة لأمر التوريد عداً أو وزناً أو مقاساً طبقاً للمواصفات والبيانات المعتمدة والموقع عليها منه". كما تنص الفقرة 4 من البند ذاته على أنه: "إذا وجدت الأصناف غير مطابقة للشروط المتفق عليها رفض قبولها، وعلى المتعهد أن يستردها بعد إخطاره كتابة بالبريد الموصى عليه بأسباب الرفض وبوجوب سحب الأصناف المرفوضة كذلك تنص الفقرة 6 من البند عينه على أنه "إذا طلب المتعهد إعادة تحليل الأصناف المرفوضة لعدم مطابقتها للمواصفات وللعينة المعتمدة معاً، وقبل السلاح طلبه، فتكون مصاريف التحليل الثاني على حساب المتعهد، إلا إذا كانت النتيجة لصالح المتعهد. وللسلاح في هذه الحالة أن يعيد التحليل للمرة الثالثة على حسابه". وثابت من الأوراق أن جميع الدفعات الأربع التي وردها المدعي بعد الميعاد قد اتضح من التحليل المتكرر الذي أجرته المعامل المركزية للجيش ومن الاختبار الكيماوي، ومن الفحص الذي قامت به الخدمات الطبية عدم مطابقة أي منها للعينة المتعاقد عليها، وعدم صلاحيتها للاستعمال، إما لوجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وفي الزوايا والأطراف الجانبية وإما لأنها أقل سمكاً وصلابة من تلك العينة وإما لعدم تجانسها ونقص معدل الصلابة واحتوائها على مادة الزرنيخ الذي يؤذي الجلد عند الاستعمال. وقد أعاد السلاح التحليل للمرة الثانية استجابة لطلب المدعي وكانت النتيجة في غير صالحه. وقد تم هذا التحليل في المعامل المركزية للجيش وهي الجهة المختصة بذلك لكونها منشأة لمثل هذا الغرض وكونها أدرى من غيرها باحتياجات الجيش. وليس في العقد ما يلزم السلاح بإجراء التحليل لدى جهة فنية أخرى أجنبية عن طرفيه ولو كانت حكومية كمعامل كلية الهندسة أو سواها بل أن إعادة التحليل للمرة الثالثة التي يتمسك بها المدعي في دعواه وفي تقرير طعنه بعد إذ استنفذ حقه في إعادة التحليل للمرة الثانية، وبعد إذ أيد قرار التحليل الثاني نتيجة التحليل الأول، ليست حقاً له بمقتضى شروط العقد بل هي حق للسلاح وحده مقصور عليه في حالة ما إذا كانت نتيجة التحليل الثاني في صالح المتعهد، وهو ما لم يتحقق في الخصوصية المعروضة ومهما يكن من أمر فإن نصوص العقد تجعل الإدارة هي المرجع في رفض الأصناف المخالفة للمواصفات وللعينة المعتمدة تبعاً لنتيجة التحليل الذي تقوم به بوسائلها وأجهزتها التي تنشئها أو تختارها لهذا الغرض، وليس في هذه النصوص ما يفرض عليها أن تقبل التوريد غير المطابق بسعر مخفض على نحو ما عرضه عليها المدعي مسلماً بذلك ضمناً وبمتابعته توريد كمية جديدة بدلاً من أخرى مرفوضة بما أسفر عنه التحليل من مخالفة الأقراص الموردة للمواصفات المتفق عليها. لا إلزام على الإدارة في شيء من ذلك لأن هذا من إطلاقاتها التي تخضع لتقديرها وإرادتها إذا ما تعذر الحصول على الأصناف المتعاقد عليها بطريقة أخرى وقررت لجنة الفحص صلاحية الأصناف الموردة على خلاف العينة للأغراض المطلوبة من أجلها وأنه لا يترتب على قبولها ضرر ما للمصلحة، وذلك وفقاً لنص الفقرة 5 (ثالثاً) من البند الثامن من شروط العقد ولا دليل على صحة ما يزعمه المدعي من أن التحليل الذي تم كان صورياً بمقولة أن البيانات الرئيسية الخاصة بنوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفنية لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ كانت خافية على السلاح لعدم اشتراطه مواصفات معينة أو تطلبه عينة بذاتها وتركه الأمر في هذا لمشيئة الموردين، لا دليل على صحة هذا الزعم لأن الواقع يدحضه، إذ أن التعاقد قد تم على أساس العينة المقدمة من المدعي من جميع الوجوه ولا سيما من حيث الخامة والمقاس والحجم والصلاحية للاستعمال، وهي العينة التي سبق قبل التعاقد أن قامت المعامل المركزية للجيش باختبار مدى صلاحيتها واحتمالها للصدأ وصلاحيتها للاستعمال ووافقت عليها، والتي كان يتعين التوريد طبقاً لها، والتي تم الفحص والتحليل على أساسها. أما الاستعلام عن بعض المواصفات الفنية للمعدن المصنوعة منه الأقراص فيما بعد فقد كان بناء على طلب إدارة السجلات العسكرية بكتابها المؤرخ 3 من نوفمبر سنة 1957، ولم يكن له ولا لوجود مادة الزرنيخ أي تأثير في رفض التوريد الذي استند إلى أسباب أخرى. ومن ثم فإن رفض الإدارة قبول هذا التوريد الحاصل بعد الميعاد والمخالف للمواصفات والاشتراطات المتفق عليها. وكذا رفضها إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة يكون كلاهما قائماً على سببه المبرر له. وقرار لجنة الفحص في هذا الشأن هو قرار نهائي وفقاً لنص البند 49 من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 بعد أن اعتمده مدير السلاح، وذلك كله بقطع النظر عن تكييف الإجراء الذي تم به هذا الرفض، سواء وصف بأنه مجرد إجراء أو تصرف قانوني أو قرار إداري. إذ أن المنازعة القائمة بشأنه، سواء كان مردها ورود البضاعة بعد الميعاد المحدد في العقد للتوريد، أو مخالفة هذه البضاعة للعينة أو للمواصفات المتفق عليها، أو رفض إعادة التحليل بوساطة معامل كلية الهندسة، إنما هي منازعة تتصل بالعقد برمته وما ينشأ عن تنفيذه ويتفرع عنه، ولا يمكن الفصل فيها أياً كان وصفها وتكييفها استقلالاً عن العقد بتجريدها منه واطراح ما تضمنه من شروط وأحكام هي المرجع في تقدير سلامة التصرف موضوع المنازعة أو تقرير عدم مشروعيته. وقد استبان مما تقدم أنه صحيح سليم مطابق للقانون ولأحكام العقد.
ومن حيث إنه لكل ما سلف يكون المدعي على غير حق في دعواه، سواء فيما يتعلق بطلبه الأصلي الخاص بإلغاء القرار الصادر برفض اعتماد التوريد تأسيساً على رفض طلبه إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة، أو بطلبه الاحتياطي الخاص بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ 714 جنيهاً وهو الذي أبداه بمذكرته المودعة في 23 من نوفمبر سنة 1958 وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه برفض هذه الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها، فإنه يكون قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون الطعن في هذا الحكم، والحالة هذه على غير أساس من القانون متعيناً رفضه، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 2638 لسنة 58 ق جلسة 26 / 10 / 1989 مكتب فني 40 ق 136 ص 813

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ حسين كامل حنفي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور علي فاضل ومحمد زايد نائبي رئيس المحكمة ومحمد حسام الدين الغرياني وزكريا الشريف.

--------------

(136)
الطعن رقم 2638 لسنة 58 القضائية

حكم "حجيته". حجية الشيء المحكوم فيه. محكمة القيم. حراسة. دعوى جنائية "نظرها والحكم فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إيجار أماكن. خلو رجل.
لا حجية للأحكام الصادرة من محكمة القيم أمام المحاكم الجنائية. أساس ذلك؟
الحكم الصادر من محكمة القيم لا تنقضي به الدعوى الجنائية.
إجراءات فرض الحراسة لا توقف السير في إجراءات الدعوى الجنائية. المادة 24 من القانون رقم 34 لسنة 1971.
الإعفاء من عقوبة جريمة خلو الرجل المنصوص عليه في المادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981. رهن بتحقق موجباته.

---------------
البين من استقراء نصوص القانون رقم 95 سنة 1980 بإصدار قانون حماية القيم من العيب أن المشرع لم يجعل للأحكام الصادرة من محكمة القيم حجية أمام المحاكم الجنائية، وكانت المادة 24 من القانون رقم 34 سنة 1971 تنص على أن إجراءات فرض الحراسة بموجب أحكامه لا تحول دون السير في إجراءات الدعوى الجنائية وتوقيع العقوبات التي يقضي بها القانون، وكان الطاعن لا يمارى في أن موجب الإعفاء من عقوبة جريمة خلو الرجل لم يتحقق له على الوجه الذي تطلبته المادة 24 من القانون رقم 136 سنة 1981 - وهو رد مبلغ الخلو ودفع مثليه لصندوق الإسكان الاقتصادي بالمحافظة - فإن سائر نعيه على الحكم بأنه التفت عن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية لصدور حكم بوضعه تحت الحراسة، وعن طلب إيقاف الدعوى الجنائية وعن طلب إعفائه من العقاب يكون ظاهر الفساد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تقاضى المبالغ المبينة بالأوراق خارج نطاق عقد الإيجار "خلو رجل". وطلبت عقابه بالمادتين 26، 77 من القانون رقم 49 سنة 1977. ومحكمة أمن الدولة الجزئية بالقاهرة قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة ألف جنيه لوقف التنفيذ وتغريمه مبلغ عشرين ألف جنيه وإلزامه بأن يرد للمجني عليه مبلغ عشرة آلاف جنيه وبأن يدفع مبلغ عشرين ألف جنيه إلى صندوق تمويل الإسكان الاقتصادي بمحافظة القاهرة. استأنف، ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه، والأستاذ....... المحامي عن الأستاذ....... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين - على خلاف ما يزعمه الطاعن - واقعة الدعوى والأدلة التي استند إليها في قضائه بإدانته بجريمة خلو الرجل ثم عرض لما تمسك به الطاعن من أن المبلغ المدفوع كان ثمناً لبيع جزء من العين المؤجرة للمجني عليه، وخلص بأسباب سائغة إلى رفض هذا الدفاع بعد أن استخلصت المحكمة من ظروف الدعوى أن الإشارة في عقد الإيجار إلى ذلك البيع قصد بها التحايل على أحكام القانون، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب أو بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الصدد يكون غير مقبول. ولما كان البين من استقراء نصوص القانون رقم 95 سنة 1980 بإصدار قانون حماية القيم من العيب أن المشرع لم يجعل للأحكام الصادرة من محكمة القيم حجية أمام المحاكم الجنائية، وكانت المادة 24 من القانون رقم 34 سنة 1971 تنص على أن إجراءات فرض الحراسة بموجب أحكامه لا تحول دون السير في إجراءات الدعوى الجنائية وتوقيع العقوبات التي يقضي بها القانون، وكان الطاعن لا يمارى في أن موجب الإعفاء من عقوبة جريمة خلو الرجل لم يتحقق له على الوجه الذي تطلبته المادة 24 من القانون رقم 136 سنة 1981 - وهو رد مبلغ الخلو ودفع مثليه لصندوق الإسكان الاقتصادي بالمحافظة - فإن سائر نعيه على الحكم بأنه التفت عن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية لصدور حكم بوضعه تحت الحراسة، وعن طلب إيقاف الدعوى الجنائية وعن طلب إعفائه من العقاب يكون ظاهر الفساد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون قد أفصح عن عدم قبوله موضوعاً.

الطعن 4809 لسنة 58 ق جلسة 25 / 10 / 1989 مكتب فني 40 ق 135 ص 809

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ ناجي اسحق وفتحي خليفة نائبي رئيس المحكمة وسري صيام وإبراهيم عبد المطلب.

---------------

(135)
الطعن رقم 4809 لسنة 58 القضائية

(1) نقض "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام". نظافة عامة.
حق الطعن بالنقض. قصره على الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح دون المخالفات. إلا ما كان منها مرتبطاً بجناية أو جنحة. المادة 30 من القانون 57 لسنة 1959.
جريمة الإضرار بالصحة العامة. المؤثمة بالمادتين 4/ هـ، 9 من القانون 38 لسنة 1967 المعدل بالقانون 129 لسنة 1982 والمعاقب عليها بالغرامة التي لا تزيد عن مائة جنيه. من المخالفات. عدم جواز الطعن على الحكم الصادر فيها بالنقض.
(2) دعوى جنائية "انقضاؤها بمضي المدة".
مجال بحث انقضاء الدعوى الجنائية. يأتي بعد أن يتصل الطعن بمحكمة النقض اتصالاً صحيحاً.

---------------
1 - لما كان المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد قصرت حق الطعن على الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح دون المخالفات إلا ما كان منها مرتبطاً بجناية أو جنحة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعنة بوصف أنها قامت بتربية الدواجن والحيوانات بالعقار الخاص بها ما يؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة وهي مخالفة طبقاً للمادتين 4/ هـ، 9 من القانون رقم 38 لسنة 1967 في شأن النظافة العامة، إذ نصت المادة التاسعة من القانون - المار ذكره - والمعدلة بالقانون رقم 129 لسنة 1982 - الذي حدثت الواقعة في ظله - على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بغرامة لا تزيد على مائة جنيه"، ولما كانت الجريمة التي دينت الطاعنة بها معاقب عليها بالغرامة التي لا تزيد على مائة جنيه، فإنها تعد من المخالفات المنصوص عليها في المادة 12 من قانون العقوبات والمعدلة بالقانون رقم 169 لسنة 1981، وقد صدر الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعنة على هذا الأساس، فإن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض يكون غير جائز.
2 - من المقرر أن مجال بحث انقضاء الدعوى الجنائية يتأتى بعد أن يتصل الطعن بمحكمة النقض اتصالاً صحيحاً بما يتيح لها أن تتصدى لبحثه وإبداء حكمها فيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها قامت بتربية الدواجن والحيوانات بالعقار الخاص بها مما يؤدي إلي الإضرار بالصحة العامة وطلبت عقابها بالمادتين 4/ هـ، 9 من القانون رقم 38 لسنة 1967 المعدل بالقانونين رقمي 31 لسنة 1976، 209 لسنة 1980. ومحكمة جنح الزيتون قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بتغريم المتهمة عشرين جنيهاً والإيقاف، استأنفت المحكوم عليها. ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ/ ....... المحامي نيابة عن المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد قصرت حق الطعن على الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح دون المخالفات إلا ما كان منها مرتبطاً بجناية أو جنحة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعنة بوصف أنها قامت بتربية الدواجن والحيوانات بالعقار الخاص بها مما يؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة وهي مخالفة طبقاً للمادتين 1، 9 من القانون رقم 38 لسنة 1967 في شأن النظافة العامة، إذ نصت المادة التاسعة من القانون - المار ذكره - والمعدلة بالقانون رقم 129 لسنة 1982 - الذي حدثت الواقعة في ظله - على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بغرامة لا تزيد على مائة جنيه"، ولما كانت الجريمة التي دينت الطاعنة بها معاقب عليها بالغرامة التي لا تزيد على مائة جنيه، فإنها تعد من المخالفات المنصوص عليها في المادة 12 من قانون العقوبات والمعدلة بالقانون رقم 169 لسنة 1981، وقد صدر الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعنة على هذا الأساس، فإن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض يكون غير جائز. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين التقرير بعدم قبول الطعن، ومصادرة الكفالة، ولا يغير من هذا النظر أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة لمرور أكثر من سنة من تاريخ التقرير بالطعن وإيداع أسبابه حتى تاريخ الجلسة المحددة لنظره، إذ أن عدم جواز الطعن يحول دون بحث ذلك، لما هو مقرر من أن مجال بحث انقضاء الدعوى الجنائية يتأتى بعد أن يتصل الطعن بمحكمة النقض اتصالاً صحيحاً بما يتيح لها أن تتصدى لبحثه وإبداء حكمها فيه.

الطعن 1131 لسنة 7 ق جلسة 25 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 117 ص 1240

جلسة 25 من مايو سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

---------------

(117)

القضية رقم 1131 لسنة 7 القضائية

تعليم - تعهد - إثبات 

- شهادة مرضية - التزام أحد الطلبة بدفع المصروفات المدرسية حال إخلاله بتعهده بالاستمرار في الدراسة واشتغاله بمهنة التدريس ما لم يكن انقطاعه بعذر مقبول - تقديمه شهادة مرضية محررة من طبيب خاص لتبرير الانقطاع عن الدراسة - لا يجوز الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام المشار إليه - أساس ذلك هو خضوع أمثال هذا الطالب في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وذلك بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 7/ 1955.

---------------
وافق مجلس الوزراء في 18/ 7/ 1955 على قواعد معينة للالتحاق ببعض المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها حتى لا يعاد الكشف الطبي عند التعيين - ومن مقتضى هذه القواعد أن يخضع هؤلاء في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للاستمرار في الدراسة للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين - ومتى كان الأمر كذلك وكانت تلك القواعد بمثابة لائحة عامة تنظيمية متعلقة بحسن سير مرفق عام فإنه لا مناص من اتباعها دون حاجة للنص عليها صراحة في العقد الإداري المبرم بين المطعون ضدهما والحكومة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المطعون ضده الأول الطالب بالمدرسة أن يتبع الإجراء المنصوص عليه، فيما يتعلق بالكشف الطبي والأجازات المرضية في القوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وعلى ذلك فإنه لا يجوز قبول شهادة مرضية منه عن مرضه صادرة على خلاف ما رسمه القانون في مثل هذه الحالة... وهو وإن كان المرض واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة الطرق إلا أنه متى وضع المشرع قواعد للإثبات تعين اتباعها، فلا يجوز للمطعون ضدهما إثبات المرض بالشهادة المرضية المقدمة منهما والمحررة بمعرفة طبيب خارجي وبغير الطريق المرسوم قانوناً كما لا يجوز لهذا السبب الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام.


إجراءات الطعن

في 26 من إبريل سنة 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد وزير التربية والتعليم سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26/ 2/ 1961 في القضية رقم 366 لسنة 14 القضائية المرفوعة من وزارة التربية والتعليم ضد السيدين عبد اللطيف سيد حسن عجمية وسعد حسن عجمية والقاضي برفض دعوى الوزارة مع إلزامها المصروفات، وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن: "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا للوزارة مبلغ 15 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن ونظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا والتي بعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أنه بموجب عريضة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من ديسمبر سنة 1959 أقامت وزارة التربية والتعليم الدعوى رقم 366 لسنة 14 القضائية طالبة الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 15 جنيهاً والفوائد بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وذكرت بياناً لدعواها أن المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) التحق بمدرسة المعلمين العامة بالإسكندرية في العام الدراسي 56/ 1957. بعد أن وقع تعهداً في 20/ 4/ 1956 التزم بمقتضاه القيام بالتدريس مدة الخمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته حسب الشروط التي تقرها الإدارة المدعية بحيث إذا لم يقم بذلك أو انقطع عن الدراسة بغير عذر مقبول أو فصل لأسباب تأديبية يكون ملتزماً برد المصروفات التي أنفقتها عليه الوزارة بواقع خمسة عشر جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها، والمكافآت التي تكون قد صرفت إليه أثناء الدراسة... وقد تعهد المدعى عليه الثاني (المطعون ضده الثاني) مع المدعى عليه الأول في تنفيذ هذا الالتزام بطريق التضامن، وقد انقطع الطالب المذكور عن الدراسة أكثر من المدة القانونية ولم ينتظم بها ولم يتقدم بعذر مقبول يبرر انقطاعه الأمر الذي أوجب فصله في 16/ 12/ 1956 ورتب حقاً للوزارة في مطالبة المدعى عليهما متضامنين بمصروفات سنة دراسية وتبلغ 15 جنيهاً.. وأثناء سير الدعوى وبجلسة 17/ 5/ 1960 أي بعد الفصل بحوالي أربعة سنوات تقدم المدعى عليهما بشهادة صادرة عن عيادة خاصة لطبيب كتب على تذكرته الطبية أنه "مفتش صحة" وجاء بهذه الشهادة أن المدعى عليه الأول كان مريضاً ويعالج بمعرفة الطبيب مقدم الشهادة في الفترة من 5/ 10/ 1956 إلى 11/ 12/ 1956 ووضع لهذه الشهادة تاريخ هو 15/ 12/ 1956 علماً بأنه لا يجوز بغير قرار من القومسيون الطبي العام إثبات عذر المرض لطلبة المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها وذلك طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 7/ 1955 هذا إلى أن الشهادة المقدمة من المدعى عليهما ظاهرة الاصطناع بدليل أنه لم يسبق تقديمها إلى المدرسة، إذ قدمت رأساً إلى المحكمة بمعرفة المدعى عليهما وإذا كان صحيحاً ما يزعماه من أنهما أرسلا هذه الشهادة إلى المدرسة لإبداء العذر المبرر للغياب، لظلت تحت يد المدرسة، كما أن المدعى عليهما لم يقدما أي دليل على إرسالها إلى المدرسة، مثل إيصال من موظف مختص أو إيصال البريد المسجل ولا يوجد أي دليل في سجلات المدرسة على تقديم تلك الشهادة، ورغم أن الشهادة المذكورة تقرر أن المدعى عليه الأول كان مريضاً حتى يوم 11/ 12/ 1956 في حين أن الفصل تم في 16/ 12/ 1956 أي أنه كان في استطاعة المدعى عليه الأول بعد انتهاء مرضه (المزعوم) أن يعود إلى استئناف الدراسة قبل فصله، لو أن مثل هذا العذر كان صحيحاً أو كان للشهادة تاريخ ثابت... دفع المدعى عليهما (المطعون ضدهما) الدعوى بأن العدوان الثلاثي على مصر حصل في نوفمبر سنة 1956 وكان من نتيجته أن تعطلت الدراسة في جميع المدارس حتى جلت قوات العدوان عن أرض القنال في ديسمبر سنة 1956، وعلى ذلك فإن المدعى عليه الأول لم ينقطع عن الدراسة إلا بعذر قهري هو تعطيل الدراسة ثم بالمرض المفاجئ والدراسة لم تنتظم قبل أول يناير سنة 1957 لاشتراك عدد كبير من الطلاب في كتائب الحرس الوطني ومنظمات الدفاع الوطني ولقيام المظاهرات في كافة المدن منددة بالعدوان الآثم، وهذه الظروف مضافاً إليها حالة المرض الثابت بشهادة مفتش صحة مطوبس وهي الجهة الوحيدة التي أمكن للمدعى عليه الأول في ظروف العدوان المنوه عنها أن يتقدم إليها خاصة وقد دهمه في بلدته مطوبس، ومفتش الصحة - رسمياً - هو المختص بالتبليغ عن مرض الموظفين ومن في حكمهم، إذ أن شهادة مفتش الصحة تثبت مرض المدعى عليه الأول الذي قام في حدود الظروف الملابسة بالتبليغ عن مرضه ولدى مدرسة المعلمين بالإسكندرية ما يثبت حدوث هذا التبليغ لها، ولكن تعنت ناظر المدرسة إزاء الطالب هو السر في اتخاذه هذا الموقف الجائز المنافي للقانون والتعليمات".
وبتاريخ 26/ 2/ 1961 قضت المحكمة المذكورة برفض الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات بانية حكمها على أن المرض واقعة مادية يثبت بكافة طرق الإثبات ولم يحدد القانون طريقاً معيناً لإثباته ولصاحب الشأن أن يبرر إخلاله بالالتزام ويثبت قيام هذا العذر بكافة الطرق، والمحكمة تقدر بعد ذلك ثبوت قيام العذر أو عدم ثبوته... والشهادة التي قدمها المدعى عليه الأول لإثبات العذر موقع عليها من مفتش صحة مطوبس وهو طبيب موظف ببلدة المدعى عليه الأول وترتاح المحكمة لما جاء فيها وهذه الشهادة مؤرخة في 15/ 12/ 1956 وهو تاريخ معاصر لمرض المدعى عليه الأول الأمر الذي يدل على أنه لم يتغيب عن الدراسة إلا بسبب ما ألم به من مرض. وبما أنه وقد ثبت قيام المرض كعذر يحتج به المدعى عليه الأول لإخلاله بالتزاماته المشار إليها، ومن ثم فلا محل لإلزام المدعى عليهما بدفع مبلغ 15 جنيهاً وتكون دعوى الوزارة على غير أساس متعينة الرفض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الشهادة المقدمة من طبيب خارجي لا تصلح دليلاً لإثبات العذر المقبول للانقطاع إذ أن طلبة المعاهد والمدارس التي يؤخذ على طلبتها تعهد بالعمل كمدرسين مثل المدعى عليه الأول يخضعون للائحة القومسيونات الطبية العامة وفقاً لمذكرة مجلس الوزراء الصادرة في 18 من يوليه سنة 1955 وقد جاء بها "ثالثاً - يكشف طبياً على هؤلاء التلاميذ والطلبة بصفة عامة بمعرفة القومسيون الطبي العام أو قومسيون التربية والتعليم بالقاهرة أو هيئة أخرى يندبها القومسيون الطبي العام تبعاً لظروف العمل وفي الأقاليم والمحافظات يقوم بالكشف الطبي عليهم الإدارات الصحية المدرسية المختصة في هيئة مشتركة على عضو من قومسيون المديرية أو المحافظة". "رابعاً - يخضع تلاميذ وطلبة هذه المدارس والمعاهد إلى ما تقضي به لائحة القومسيونات الطبية العامة" فالمرض بالنسبة لطلبة هذه المعاهد والمدارس يعتبر واقعة مادية لا يمكن إثباتها بكافة الطرق لأنه فيما يتعلق بالكشف الطبي عليهم والأجازات المرضية يعاملون معاملة الموظفين وتطبق عليهم جميع اللوائح والإجراءات والنظم التي تطبق بالنسبة لموظفي الدولة، وهذه الإجراءات نظمت طريقة الكشف على الموظف وكيفية منح الأجازات المرضية بحيث لا يجوز للموظف أن يثبت مرضه أو يقوم بأجازة مرضية إلا طبقاً لهذه النظم والقواعد وقرار مجلس الوزراء المشار إليه صريح في تطبيق تلك القواعد على طلبة المعاهد بحيث لا يجوز لأحد منهم أن يمنح أجازة مرضية إلا بالطريق الذي رسمه القانون وحددته اللوائح والقرارات المنظمة لذلك. ومن المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها قواعد الإثبات أنه يتعين أن يكون الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون ومن ثم فقد خالف الحكم المطعون فيه القانون إذ اعتمد على الشهادة المرضية المقدمة من المطعون ضده الأول بحجة أنها موقعة من مفتش صحة بطوبس وهو طبيب موظف عمومي ببلدة المطعون ضدهما، ذلك لأن الشهادة المذكورة ليست موقعة من الطبيب المذكور بصفته موظف عمومي كما وأن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن تاريخ الشهادة الطبية هو تاريخ معاصر لمرض المطعون ضده الأول مردود عليه بأن الشهادة المذكورة ورقة عرفية لا رسمية فلا تكون حجة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت.
ومن حيث إنه قد تبين من الأوراق المودعة ملف الطعن أن المطعون ضده الأول التحق بمدرسة المعلمين العامة بالإسكندرية في أكتوبر سنة 1955 وقد وقع المذكور تعهداً في 20/ 4/ 1956 من موجبه أن يستمر في الدراسة بالمدرسة إلى أن يتخرج فيها وأن يقوم بالتدريس مدة الخمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته فيها على حسب الشروط التي تقرها وزارة التربية والتعليم فإذا أخل بأحد هذين الالتزامين أو بكليهما أو فصل من المدرسة أو الخدمة خلال السنوات الخمس التالية لأسباب تأديبية أو لتغيبه مدة أكثر من 15 يوماً لغير عذر تقبله الوزارة، يكون ملزماً بدفع المصروفات التي أنفقتها الوزارة عليه بواقع 15 جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها للقسم الخارجي هو 40 جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها للقسم الداخلي، وقد ضمنه في ذلك والده المطعون ضده الثاني على وجه التضامن..." ويتضح من المستندات المقدمة من الحكومة أن المطعون ضده الأول قد انقطع عن الدراسة أكثر من خمسة عشر يوماً بغير عذر فتقرر فصله من تاريخ 16/ 12/ 1956 بعد أن أمضى سنة دراسية في المدرسة المذكورة وقد أظهرت التحريات التي عملت بعد ذلك في سنة 1957 أن المطعون ضده الأول يعمل في شركة النشا تبع قسم محرم بك بالإسكندرية وأنه لا يملك شيئاً وأما والده (المطعون عليه الثاني) فيملك 80 فداناً بزمام مطوبس وهو عمدتها. وفي 13/ 5/ 1957 أرسلت المدرسة إلى المطعون ضده الثاني تطالب بدفع 15 جنيهاً قيمة نفقات التعليم عن العام الدراسي 55/ 1956 وفي حالة التأخير ستضطر المدرسة إلى رفع الأمر إلى الوزارة لإجراء اللازم، وذلك لإخلال نجله (المطعون ضده الأول) بالتعهد المأخوذ عليه بضمانتكم وبعد أن عرض الأمر على إدارة الشئون القانونية وما ارتأته في هذا الموضوع وإفادتها بذلك في كتابها المؤرخ 8/ 1/ 1958 تقرر رفع الأمر إلى القضاء ثم أقيمت الدعوى في 3/ 12/ 1959 بطلب 15 جنيهاً قيمة مصروفات سنة دراسية واحدة وفوائد هذا المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية. وقد أعلن المطعون ضدهما بعريضة الدعوى الافتتاحية في 17/ 12/ 1959. وفي جلسة المناقشة أمام هيئة المفوضين والتي حدد لها 17/ 5/ 1960 حضر وكيل عن المدعى عليهما وتقدم بشهادة مرضية مؤرخة 15/ 12/ 1956 تحمل توقيع مفتش صحة مطوبس. تضمنت أن المطعون ضده الأول كان مريضاً بعرق نسا أيسر ويعالج بمعرفته في المدة من 5/ 10/ 1956 إلى 11/ 12/ 1956 ولم يحضر المدعى عليهما بعد ذلك في الجلسات أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن العذر الذي يبرر به المطعون ضده الأول غيابه عن المدرسة أكثر من خمسة عشر يوماًَ إنما مبناه شهادة مرضية محررة بمعرفة طبيب بصفته الخاصة وليس بصفته مفتش صحة وهي الوظيفة التي كان يشغلها في بلدة مطوبس عند تحرير هذه الشهادة.
ومن حيث إن مجلس الوزراء قد وافق في 18/ 7/ 1955 على قواعد معينة للالتحاق ببعض المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها حتى لا يعاد الكشف الطبي عند التعيين - ومن مقتضى هذه القواعد أن يخضع هؤلاء في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للاستمرار في الدراسة للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين - ومتى كان الأمر كذلك وكانت تلك القواعد بمثابة لائحة عامة تنظيمية متعلقة بحسن سير مرفق عام فإنه لا مناص من إثباتها دون حاجة للنص عليها صراحة في العقد الإداري بين المطعون ضدهما والحكومة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المطعون ضده الأول الطالب بالمدرسة أن يتبع الإجراء المنصوص عليه، فيما يتعلق بالكشف الطبي والأجازات المرضية في القوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وعلى ذلك فإنه لا يجوز قبول شهادة مرضية منه عن مرضه صادرة على خلاف ما رسمه القانون في مثل هذه الحالة.. وهو وإن كان المرض واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة الطرق إلا أنه متى وضع المشرع قواعد الإثبات، تعين اتباعها فلا يجوز للمطعون ضدهما إثبات المرض بالشهادة المرضية المقدمة منهما والمحررة بمعرفة طبيب خارجي وبغير الطريق المرسوم قانوناً كما لا يجوز لهذا السبب الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذا اعتد بالشهادة المرضية المشار إليها في تقدير العذر وإسقاط الالتزام قد خالف القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه لذلك فليس ثمة عذر قدمه المطعون ضدهما يصح أن يكون موضع تقدير في قيام الالتزام أو إسقاطه وبالتالي يكون المطعون ضدهما قد أخلا بالتزاماتهما ووجب إذن تطبيق نصوص العقد الإداري المبرم بينهما وبين الحكومة والسابق الإشارة إليه.
ومن حيث إن مقتضى التعهد الموقع عليه من المطعون ضدهما أن ثمة التزاماً أصلياً من جانب المدعى عليه الأول هو التزام بعمل محله الاستمرار في الدراسة بالمدرسة إلى أن يتخرج فيها وأن يقوم بالتدريس مدة خمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته فيها، وكأثر احتياطي بعدم الوفاء بالتزام آخر محله رد جميع ما أنفقته عليه الوزارة بواقع 15 جنيهاً في السنة أو جزء منها، ولما كان محل الالتزام هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار ينحصر في قيمة المصروفات التي أنفقتها الحكومة عليه أثناء الدراسة، وكان الثابت أن المذكور وضامنه قد تأخرا عن الوفاء بقيمة هذه النفقات التي بلغت 15 جنيهاً على الرغم من مطالبة الحكومة أباهما به فإنه تستحق على هذا المبلغ فوائد تأخيرية لصالح الحكومة بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء وهو ما يتعين الحكم به.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للوزارة المدعية مبلغ خمسة عشر جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 3 من ديسمبر سنة 1959 حتى السداد مع المصروفات.

الطعن 1059 لسنة 7 ق جلسة 25 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 116 ص 1225

جلسة 25 من مايو سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

----------------

(116)

القضية رقم 1059 لسنة 7 القضائية

(أ) عقد إداري 

- مميزاته - التفرقة بينه وبين القرار الإداري والعقد المدني.
(ب) عقد إداري 

- العلاقة القائمة بين وزارة التموين والشركة العامة لمصانع التكرير والسكر المصرية في شأن إنتاج السكر الخام وتكريره وتنظيم تصريف هذه الأصناف في ضوء المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والقرارات الوزارية الصادرة استناداً إليه - عدم توافر عناصر العقد في هذه العلاقة، بل هي ناشئة عن تكليف تشريعي.
(ج) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري 

- صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها دون التزام القيود المفروضة عليها من الوزارة في صرف وتوزيع السكر بمقتضى البطاقات - اعتباره مخالفة لأحكام القرارات الوزارية المشار إليها وليس مخالفة لعقد تستوجب المسئولية العقدية - عدم اختصاص القضاء الإداري بهذه المنازعة.

---------------
1 - إذا كان القرار الإداري هو عمل قانوني غير تعاقدي يصدر عن إرادة منفردة من جانب إحدى السلطات الإدارية ويحدث بذاته آثاراً قانونية معينة متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً فإن العقد الإداري شأنه شأن العقد المدني من حيث العناصر الأساسية لتكوينه لا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على تراضي بين طرفين أحدهما هو الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية بيد أنه يتميز بأن الإدارة تعمل في إبرامها له بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها وذلك بقصد تحقيق نفع عام أو مصلحة مرفق من المرافق العامة كما أنه يفترق عن العقد المدني في كون الشخص المعنوي العام يعتمد في إبرامه وتنفيذه على أساليب القانون العام ووسائله أما بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص سواء كانت هذه الشروط واردة في ذات العقد أو مقررة بمقتضى القوانين واللوائح أو بمنح المتعاقد مع الإدارة فيه حقوقاً لا مقابل لها في روابط القانون الخاص بسبب كونه لا يعمل لمصلحة فردية بل يعاون السلطة الإدارية ويشترك معها في إدارة المرفق العام أو تسييره أو استغلاله تحقيقاً للنفع العام فبينما مصالح الطرفين في العقد المدني متساوية ومتوازنة إذا بكفتي المتعاقدين غير متكافئة في العقد الإداري تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الفردية مما يجعل للإدارة في هذا الأخير سلطة مراقبة تنفيذ شروط العقد وتوجيه أعمال التنفيذ واختيار طريقته وحق تعديل شروطه المتعلقة بسير المرفق وتنظيمه والخدمة التي يؤديها وذلك بإرادتها المنفردة حسبما تقتضيه المصلحة العامة دون أن يتحدى الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وكذا حق توقيع جزاءات على المتعاقد وحق فسخ العقد وإنهائه بإجراء إداري دون رضاء هذا المتعاقد إنهاء مبتسراً ودون تدخل القضاء، هذا إلى أن العقد الإداري.. تتبع في إبرامه أساليب معينة كالمناقصة أو المزايدة العامة أو الممارسة ويخضع في ذلك لإجراءات وقواعد مرسومة من حيث الشكل والاختصاص وشرط الكتابة فيه التي تتخذ عادة صورة دفتر شروط لازم إذا ما أبرم بناء على مناقصة أو مزايدة عامة أو تم بممارسة جاوزت قيمتها قدراً معيناً.
2 - يبين من استقراء نصوص القرارات الوزارية الصادرة من وزارة التموين استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين الذي خولها في مادته الأولى حق فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من الحاجات الأولية وخامات الصناعة وتداولها واستهلاكها والاستيلاء عليها وتحديد أسعارها والإشراف على توزيعها. أن العلاقة بين الإدارة وبين الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية قد حددتها وبينت طبيعتها القرارات المشار إليها لذا نصت المادة 16 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1945 - وهي التي رددت حكم المادة الأولى من الأمر العسكري رقم 266 الصادر في 31 من مايو سنة 1944 بشأن الاستيلاء على مقادير السكر المخزونة لدى الشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وعلى ما تنتجه منه - على أن "يجرى الاستيلاء على المقادير المخزونة من السكر الخام والمكرر الموجودة في تاريخ صدور هذا القرار والمملوكة للشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وكذلك على جميع ما تنتجه الشركة المذكورة من السكر ويكون تصريف مقادير السكر المستولى عليها وتوزيعها وفقاً للأحكام الواردة في هذا القرار". كما نص القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الصادر بفرض بعض أحكام خاصة بالسكر في مادته الأولى على أن "يكلف عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية ومديروها وجميع موظفيها وعمالها كل فيما يخصه بتنفيذ ما يأتي: أولاً - إنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير بالحوامدية. ثانياً - تكرير السكر الخام بمصنع التكرير بالحوامدية. ثالثاً - شحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وتبلغه إليها وزارة التموين..." ونص في مادته الثانية على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 16 من القرار المشار إليه (رقم 504 لسنة 1945) يحظر على المذكورين في المادة الأولى بغير ترخيص خاص من وزارة التموين التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر التي تنتجها الشركة سواء منها والأصناف المسعرة تسعيراً جبرياً أو غير الخاضعة للتسعير الجبري". وقد بينت المادة 7 من هذا القرار الجزاء على مخالفة أحكامه.
ويخلص من استظهار النصوص المتقدمة أن مادة السكر التي تنتجها الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية المدعى عليها - وهي التي لا تزال محتفظة بالطابع الخاص كشركة اقتصاد مختلط بعد فرض الحراسة عليها في 24 من أغسطس سنة 1955 بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 وبعد صدور القانون رقم 196 لسنة 1956 بتصفية الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية وإنشاء شركة جديدة هي شركة مساهمة مصرية باسم شركة السكر والتقطير المصرية وصدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة - يخلص من النصوص المذكورة أن هذه المادة تستولى على كل إنتاج الشركة منها منذ سنة 1942 سواء السكر الخام أو المكرر ما كان منه مسعراً جبرياً أو غير خاضع للتسعير الجبري كما يتضح أن القرارات والأحكام المتعلقة بتنظيم تصريف الأصناف المختلفة من هذا السكر وتوزيعها إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة وفرضت على الشركة دون تفاوض معها كطرف ثان أو قبول صريح أو ضمني من جانبها في الشكل وبالإجراءات والأوضاع التي يتم فيها عادة إبرام العقد الإداري بما يتميز به من شروط وخصائص ومقومات على نحو ما سلف بيانه ودون أن تتوافر في الوضع الخاص الذي فرض على الشركة جبراً عناصر التعاقد القائم على الرضا اللازم كركن لانعقاد العقد والذي أساسه الإرادة الحرة المتبادلة للمتعاقدين تلك الإرادة التي لا يسوغ افتراضها على الوجه الذي تذهب إليه الحكومة إزاء افتقاد الدليل عليها وقيام القرينة من ظروف الحال على نقيضها وإذ كان موقف الشركة في إنتاج السكر وتوزيعه بالأسعار المحددة أو تصريفه بالبطاقات في ظل القرارات التنظيمية الصادرة في هذا الشأن إنما يقوم على ضرورة إذعانها لأحكام هذه القرارات ووجوب تنفيذ ما تضمنته من أوامر ونواة وإلا تعرضت للعقوبات الجنائية المنصوص عليها فيها فإن مساهمتها الإجبارية في هذا المرفق ليس أساسها علاقة عقدية رضائية بل تكليف تشريعي بإنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير وتكريره بالمصنع وشحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وزارة التموين وحظر للتصرف بغير ترخيص خاص من الوزارة في أصناف السكر الخام والمكرر المسعر منه وغير الخاضع للتسعير الجبري وكل أولئك بغير استناد إلى تعاقد سابق أو أصل اتفاق.
3 - إذا كان المنسوب إلى الشركة المدعى عليها هو أنها درجت خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين بزيادة عما ظهر أنهم يستحقونه بموجب البطاقات التي استخرجت لهم فيما بعد يقابلها فرق سعر بين السكر الحر وسكر البطاقات قدر بمبلغ 77717.493 مليمجـ هو موضوع المطالبة في الدعوى الحالية فإن تصرف الشركة على هذا النحو لا يعدو أن يكون مخالفة لأحكام القرارات الوزارية الصادرة في هذا الخصوص تستتبع مساءلتها وفقاً لهذه الأحكام وأخذها بالجزاءات المنصوص عليها فيها لهذه المخالفة ولا يمكن أن يكون أساس الرجوع على الشركة بهذا التكييف هو المسئولية العقدية. ومتى انتفى قيام العقد الإداري انحسرت تبعاً لذلك ولاية القضاء الإداري واختصاصه بنظر المنازعة الراهنة لخروجها من نطاق العقود الإدارية وكذا من نطاق المنازعات الأخرى التي يفصل فيها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بولايته المقررة. وإذ قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها المطعون فيه بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فإنها تكون قد أصابت الحق في النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها.


إجراءات الطعن

في يوم 5 من إبريل سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير التموين بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة بجدولها تحت رقم 1059 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بجلسة 5 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 269 لسنة 13 القضائية المقامة من: وزارة التموين ضد الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية القاضي (بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصروفات". وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً والحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والحكم باختصاصها بنظرها وإعادة القضية لمحكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) للفصل في موضوعها مع إلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى الشركة المطعون عليها في 17 من إبريل سنة 1961 وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير الرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن مع إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير سنة 1963 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 23 من مارس سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 18 من فبراير سنة 1963 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن وزارة التموين أقامت ضد الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية الدعوى رقم 269 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بصحيفة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 9 من ديسمبر سنة 1958 ذكرت فيها أنه تبين للوزارة أن الشركة المدعى عليها كانت قد درجت على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين، وقد اعترفت بذلك في كتاب وجهته إلى الوزارة أشارت فيه إلى أنها أوقفت الصرف ابتداء من أول نوفمبر سنة 1955 وقد قررت الوزارة صرف بطاقات تموين لموظفي الشركة وعمالها ممن يدعون عدم وجود بطاقات لديهم على أن تكلف الشركة بتوريد فرق السعر عن الكميات التي كانت قد صرفتها لهؤلاء الموظفين والعمال خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 إلى آخر أكتوبر سنة 1955 وقد قامت فعلاً جميع مراقبات التموين الواقعة في دائرتها مصانع الشركة باستخراج بطاقات جديدة لمن ليست لديهم بطاقات من موظفي الشركة وعمالها فبلغت 1499 بطاقة تشمل 7636 فرداً وتتضمن 3818 أقة سكر شهرياً كما قامت إدارة الخبراء بالوزارة بحصر كميات السكر الواجب صرفها بموجب هذه البطاقات في الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 فتبين أن الشركة قامت بصرف 170.146 أقة من السكر الحر يبلغ الفرق بين سعرها وبين سعر البطاقات 84666.253 مجـ وبما أن كميات السكر التي كان يجب صرفها بموجب البطاقات التي تم استخراجها في المدة سالفة الذكر هي 145084 أقة بلغ فرق السعر المستحق عنها 6948.760 مجـ بالنظر إلى اختلاف سعر السكر الحر في تلك المدة. فإن فرق السعر المستحق للوزارة يكون 77717.493 مجـ وإذ لم تجد المطالبة الودية فإن الوزارة تطلب الحكم بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للوزارة مبلغ 77717.493 مجـ "سبعة وسبعين ألفاً وسبعمائة وسبعة عشر جنيهاً وأربعمائة وثلاثة وتسعين مليماً" وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية بواقع 4٪ حتى السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت شركة السكر والتقطير المصرية على هذه الدعوى بمذكرة دفعت فيها أصلياً "بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وذلك استناداً إلى نص المادتين 16، 54 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 والمادتين 2، 7 من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 إذ يبين من هذه المواد أن مادة السكر التي تنتجها الشركة مستولى عليها جميعها طبقاً للأحكام الواردة تفصيلاً في القرارين المشار إليهما وأن مخالفة أي حكم من أحكام هذين القرارين تقتضي تطبيق الجزاء المقرر لهذه المخالفة، ولما كانت مطالبة الوزارة لا تندرج تحت أية حالة من الحالات التي حددتها المواد 8، 9، 10 من قانون مجلس الدولة، فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون في محله ويتعين قبوله. كما دفعت الشركة "احتياطياً" بسقوط حق الوزارة المدعية بالتقادم وذلك تأسيساً على أنه على فرض أن الشركة قامت بتوزيع سكر من إنتاجها على بعض موظفيها وعمالها دون أن تكون لديهم بطاقات تموينية مخالفة بذلك بعض أحكام القرارين الوزاريين آنفي الذكر فإن الوزارة قد علمت بهذا التوزيع بصفة قاطعة من تاريخ الإخطار الوارد لها من الحراسة في 23 من سبتمبر سنة 1955 وهي الحراسة التي فرضت بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 المنشور في 24 من أغسطس سنة 1955 ولما كانت الدعوى قد رفعت بعد مضي أكثر من المدة القانونية للتقادم فإن الشركة تتمسك بهذا الدفع الذي يتعين قبوله.
وقد عقبت وزارة التموين على دفاع الشركة المدعى عليها بمذكرة قالت فيها أن الدفع بعدم الاختصاص مردود بأن العلاقة بين الشركة وبين الوزارة فيما يختص بقيام الشركة بتوزيع السكر على موظفيها وعمالها إنما هي علاقة عقد إداري إذ تعتبر الشركة في هذا الخصوص بمثابة التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي ينضم إلى الوزارة ويسهم معها في إدارة مرفق التموين، ومن ثم يلتزم بأحكام هذه العلاقة العقدية من نصوص لائحية وما يترتب عليها من منازعة تدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري بمقتضى المادة 10 من القانون رقم 165 لسنة 1955 باعتبارها منازعة متعلقة بعقد إداري ذلك أن السكر قد أصبح بموجب القرارات المنظمة لإنتاجه وتداوله مادة مستولى عليها إذ تقوم الحكومة وحدها بتنظيم إنتاجه محلياً واستيراده ولها وحدها الإشراف على تداوله وتوزيعه في أنحاء البلاد لضمان حصول الأفراد والمصانع على حاجتهم منه بمقتضى بطاقات التموين وبسعر مناسب وقد حددت سعراً أعلى للسكر الذي يصرف خارج نظام البطاقات وذلك كله لمنع التلاعب بالأسعار وجعلها في متناول أفراد الشعب مع تعويضها عن شيء مما تتحمله الخزانة في سبيل توفير السكر في السوق بأسعار معتدلة أما دور التجار في هذا التنظيم سواء كانوا تجار جملة أو تجار تجزئة فقد أصبح دور المساهم أو الشريك في إدارة المرفق ينضم إلى الحكومة باختياره ليعاونها في عملية التصريف والتوزيع لقاء ربح معلوم ويلتزم بتوزيع الكميات التي يتسلمها منها بالأذون الخاصة بذلك وبيعها بالأسعار المحددة سواء كان التوزيع بالبطاقات أو بغيرها ومساهمة التاجر على هذا الوجه في إدارة المرفق تجعل علاقته بالحكومة علاقة عقدية من علاقات القانون الإداري تحكمها النصوص التنظيمية الواردة في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره. ومن مقتضى هذا العقد أن يلتزم التجار أحكام القرارات المذكورة سواء فيما يتعلق بطريقة التوزيع أو بنظام الصرف بالبطاقات مع التزام الأسعار التي تحددها الحكومة سواء لما يصرف بالبطاقات أو بدونها بحيث إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر الحر وذلك باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه وأن كل إخلال بالنظام الذي تضعه لتوزيعه يعود على خزانتها بخسارة مالية ويزيد من الأعباء التي تتحملها في توفيره بالأسعار المعتدلة التي تحددها والحال أن مدار المنازعة في هذه الدعوى هو مخالفة الشركة لأحكام العقد الإداري الذي يربطها بالحكومة والتزامها نتيجة لذلك بدفع الفرق بين سعر السكر الذي قامت بتوزيعه على موظفيها وعمالها باعتباره سكراً حراً وبين سعره باعتباره سكر بطاقات واستحقاق الحكومة بالتالي لهذا الفرق، ومن ثم فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون في غير محله متعيناً رفضه كما لا يكون هناك وجه للدفع بالتقادم الذي ذهبت إليه الشركة من باب الاحتياط دون أن تبين سنده ولا نوع التقادم الذي تعنيه ذلك أن المطالبة الحالية إنما تستند إلى العقد وليس إلى دفع غير المستحق.
وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى أن تحكم المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 5 من فبراير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصروفات". وأقامت قضاءها على أنه باستقراء القرارات الصادرة بتنظيم عملية تصريف السكر ومطابقتها على ما هو منسوب للشركة المدعى عليها يبين أن الأمر لا يعدو أن يكون مخالفة من جانب هذه الأخيرة لما نصت عليه المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 التي حظرت على الشركة أن تتصرف في أي صنف من أصناف السكر دون ترخيص من الوزارة المختصة وقد وردت في المادة السابعة من هذا القرار العقوبة المترتبة على مخالفة هذا النص هذا إلى أن جميع القرارات والأوامر كقرارات الاستيلاء وأوامر التكليف وحظر البيع إنما صدرت من الوزارة المدعية بإرادة منفردة لم تكن الشركة المدعى عليها طرفاً فيها كما لم يؤخذ رأيها أو موافقتها على شيء من ذلك حتى يمكن أن تكون هناك شبهة تعاقد بل إن الشركة المذكورة تخضع للعقوبات المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 إذا ما أقدمت على مخالفة القرارات الإدارية التي أصدرتها الوزارة المدعية وما دام الأمر كذلك فلا يسوغ القول بأن العلاقة بين الوزارة والشركة هي علاقة تعاقدية من أي ونوع كانت ولا سيما إذا ما روعي أن توزيع السكر فرض على الشركة المدعى عليها طبقاً للأحكام والأوامر المنظمة لهذه العملية فلم تكن لها إرادة في التوزيع حتى يمكن القول بأن العلاقة بينها وبين الوزارة علاقة تعاقدية إنما هي علاقة جبرية لا رضائية إذ أن الوزارة قد قامت بالاستيلاء على السكر وكلفت الشركة بأن تستمر في إنتاجه وتكريره وشحنه وصرفه لمن بيده ترخيص وحظرت عليها صرف أي شيء منه لخلاف هؤلاء الأمر الذي يؤخذ منه أن العلاقة المذكورة بعيدة كل البعد عن العلاقة التعاقدية حكماً وعرفاً، ومن ثم فإن المنازعة المعروضة لا تكون مما يختص بنظره مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لأحكام المادة العاشرة من قانونه هذا فضلاً عن أن اختصاص محكمة القضاء الإداري محدد بما نصت عليه المواد 8، 9، 10، 11 من قانون تنظيم مجلس الدولة وليس في المنازعة الراهنة ما يدخل في نطاق هذا الاختصاص إذ أن موضوعها - وقد انتفت العلاقة العقدية - لا يخرج عن كونه عملاً غير مشروع إذا ثبت ذلك في حق الشركة المدعى عليها ومسئولية هذه الأخيرة عنه هي مسئولية جنائية وتقصيرية مما لا يجوز للمحكمة النظر فيه الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 5 من إبريل سنة 1961 طعنت وزارة التموين في هذا الحكم طالبة "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً والحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والحكم باختصاصها بنظرها وإعادة القضية لمحكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) للفصل في موضوعها مع إلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وأسست طعنها على ما سبق أن أبدته في دفاعها أمام محكمة القضاء الإداري من أن دور التجار سواء كانوا تجار جملة أو تجار تجزئة في التنظيم الخاص بتداول السكر وتصريفه هو دور المساهم في إدارة هذا المرفق يعاون الحكومة باختياره في عملية التوزيع لقاء ربح معلوم ويلتزم بتوزيع الكميات التي يتسلمها من الوزارة ببيعها بالأسعار المحددة سواء كان التوزيع بالبطاقات أو بغيرها ومساهمة التاجر على هذا الوجه تجعل علاقته عقدية من علاقات القانون الإداري تحكمها وتسري عليها النصوص التنظيمية الواردة في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره ومن مقتضى هذا العقد أن يلتزم التجار والموزعون أحكام هذه القرارات وكذا الأسعار التي تحددها الحكومة بحيث إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر الحر وذلك باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه فالعلاقة بين الوزارة وبين الشركة فيما يتعلق بقيام هذه الأخيرة بتوزيع السكر على موظفيها وعمالها إنما هي علاقة عقد إداري إذ تعتبر الشركة في هذا الخصوص بمثابة التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي يساهم مع الوزارة في إدارة مرفق التموين ويلتزم بالتالي بأحكام العلاقة العقدية والنصوص اللائحية الخاصة بتداول السكر وتحديد أسعاره وهذه العلاقة وما يترتب عليها من منازعة تدخل ولا شك في اختصاص محكمة القضاء الإداري طبقاً للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة باعتبارها متعلقة بعقد إداري وبذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى على خلاف هذا النظر قد جانب الصواب ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً خلصت فيه إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن مع إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستندت في رأيها إلى أن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني وأن هذا التعريف المصطلح عليه في نطاق القانون الخاص يسري بالنسبة للعقود الإدارية في نطاق القانون العام لأن العقد الإداري هو في جوهره عقد بالمعنى المعروف يقوم على توافق إرادتين ويفترض أن كلاً من الإدارة والمتعاقد معها قد قبل مختاراً الالتزام بما يفرضه عليه العقد من التزامات وهذا هو ما يميز الرابطة التعاقدية عن القرارات الإدارية التي تصدر من الجهة الإدارية بإرادتها المنفردة إذ أن إرادة المتعاقد مع الإدارة ليست أجنبية في تكوين العقد وإبرامه بل يوجد ثمة قبول حقيقي تتوافر فيه عناصر التعاقد والإرادة المشتركة للمتعاقدين، وواقع الحال أن جميع الأحكام والقرارات المنظمة لإنتاج السكر وتداوله وتوزيعه وبيعه إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة ولم يصدر من الشركة المدعى عليها أي قبول صريح أو ضمني لها إذ أنها لم تطلع على هذه الأحكام والقرارات مقدماً ولم تدرسها أو تبد ملاحظات أو تحفظات بشأنها كما هو الحال في العقود الإدارية ولا يعدو ما نسب إليها أن يكون مخالفة منها لنص المادة 2 من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الذي حظر على الشركة أن تتصرف في أي صنف من أصناف السكر قبل الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة المختصة وحدد العقوبة الجنائية على مخالفة هذا الحكم ولم يبين تقرير الطعن الأساسي الذي يستند إليه للقول بأن علاقة وزارة التموين بالشركة المدعى عليها هي علاقة عقدية من علاقات القانون الإداري تسري عليها النصوص التنظيمية في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره فيما عدا ما ذكره من أن دور التاجر هو دور المساهم في إدارة المرفق يعاون الحكومة في عملية التوزيع لقاء ربح معلوم وهو أمر مردود عليه بأن التعاقد لا يمكن افتراضه على هذا النحو بل يجب إثبات الرضاء به سواء صراحة في شروط مكتوبة أو على الأقل ضمناً بأن يستخلص من الظروف ولا شك في أن عنصر الرضا في المنازعة الحالية منعدم تماماً وليست كل مساهمة من جانب الأفراد في تسيير مرفق عام علاقة عقدية ما دامت هذه المساهمة إجبارية مفروضة على الأفراد وليس التزام الشركة لأحكام القرارات التنظيمية التي أصدرتها وزارة التموين سواء فيما يتعلق بطريقة توزيع السكر أو اتباع نظام صرفه بالبطاقات أو التزام الأسعار التي تحددها الحكومة أساسه العقد بل أساسه ضرورة الإذعان لهذه الأحكام وتنفيذها وإلا تعرضت الشركة للعقوبات الجنائية المنصوص عليها وإذا سلم في الجدل بأنه إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه فإن هذا الحكم يصدق بالنسبة إلى الموزع الذي يتقدم برضائه واختياره على وزارة التموين طالباً صرف كمية من السكر ليقوم بتوزيعها على المستهلكين إذ يمكن أن يقال في هذه الحالة أن العلاقة عقدية لأن أساسها رضاء الموزع وقبوله بخلاف الحال في الدعوى الراهنة حيث إن الشركة المدعى عليها بعد أن تم الاستيلاء على ما تنتجه من السكر لم تتقدم برضائها طالبة الترخيص لها بالتوزيع بل كلفت بإنتاج السكر وتكريره وشحنه إلى جميع مناطق الاستهلاك وحظر عليها أن تتصرف في السكر الذي تنتجه بغير ترخيص من وزارة التموين سواء ما كان منه مسعراً أو غير خاضع للتسعير فإذا خالفت هذا الحكم وقامت بتوزيع السكر لموظفيها وعمالها دون ترخيص أو بتوزيعه بسعر سكر البطاقات في حين أنه يدخل ضمن السكر الحر فإن أساس الرجوع يكون المسئولية التقصيرية والجنائية لا المسئولية العقدية كما ذكر الحكم المطعون فيه بحق ولما كانت محكمة القضاء الإداري غير مختصة بنظر المنازعات المترتبة على المسئولية التقصيرية أو الجنائية لأن اختصاصها قد حددته مواد قانون مجلس الدولة ولا يدخل فيه النظر في هذه المنازعات فإن الطعن يكون على غير أساس سليم من القانون. ومن حيث إن مثار المنازعة التي يقوم عليها الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى الحالية هو ما إذا كانت العلاقة بين وزارة التموين والشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية في خصوص تنظيم تداول السكر الذي تنتجه هذه الأخيرة وتوزيعه وبيعه سواء للجمهور أو لموظفيها وعمالها هي علاقة من علاقات القانون العام أساسها عقد إداري مما يدخل النزاع بشأن تنفيذه أو مخالفة أحكامه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري باعتبار أن الشركة إنما تقوم في هذا الخصوص بدور التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي ينضم إلى الوزارة ويسهم معها في إدارة مرفق التموين ويلتزم تبعاً لذلك بأحكام هذه العلاقة العقدية والنصوص اللائحية الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره كما تذهب إلى ذلك وزارة التموين في دعواها وفي عريضة طعنها أم أن هذه العلاقة لا تعدو أن تكون مخالفة للقرارات الوزارية المنظمة لإنتاج مادة السكر والتصرف فيها تقتضي تطبيق الجزاء المقرر لهذه المخالفة في تلك القرارات دون أن تستند إلى رابطة عقدية ناشئة عن عقد إداري أو عن عقد آخر من أي نوع كان لكونها علاقة جبرية لا رضائية بعد إذ استولت الوزارة على جميع مقادير السكر التي تنتجها الشركة وكلفت هذه الأخيرة الاستمرار في إنتاج السكر وتكريره وشحنه وصرفه لمن بيده ترخيص خاص وحظرت عليها التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر الذي تنتجه سواء ما كان منه مسعراً تسعيراً جبرياً أو غير خاضع لهذا التسعير الأمر الذي يمكن أن يجعل أساس الرجوع هو المسئولية التقصيرية والجنائية لا المسئولية المدنية بوصف أن الشركة بتوزيعها السكر على موظفيها ومستخدميها وعمالها بغير ترخيص خاص من وزارة التموين إنما أتت عملاً غير مشروع يتضمن مخالفة للقواعد التنظيمية الواردة في القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن وهو ما يخرج عن ولاية القضاء الإداري على نحو ما تذهب إليه الشركة المدعى عليها وما سايرها فيه كل من حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه ورأي هيئة مفوضي الدولة.
ومن حيث إنه إذا كان القرار الإداري هو عمل قانوني غير تعاقدي يصدر عن إرادة منفردة من جانب إحدى السلطات الإدارية ويحدث بذاته آثاراً قانونية معينة متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً فإن العقد الإداري شأنه شأن العقد المدني من حيث العناصر الأساسية لتكوينه لا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على التراضي بين طرفين أحدهما هو الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية بيد أنه يتميز بأن الإدارة تعمل في إبرامها له بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها وذلك بقصد تحقيق نفع عام أو مصلحة مرفق من المرافق العامة كما أنه يفترق عن العقد المدني في كون الشخص المعنوي العام يعتمد في إبرامه وتنفيذه على أساليب القانون العام ووسائله أما بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص سواء كانت هذه الشروط واردة في ذات العقد أو مقررة بمقتضى القوانين واللوائح أو بمنح المتعاقد مع الإدارة فيه حقوقاً لا مقابل لها في روابط القانون الخاص بسبب كونه لا يعمل لمصلحة فردية بل يعاون السلطة الإدارية ويشترك معها في إدارة المرفق العام أو تسييره أو استغلاله تحقيقاً للنفع العام فبينما مصالح الطرفين في العقد المدني متساوية ومتوازنة إذا بكفتي المتعاقدين غير متكافئة في العقد الإداري تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الفردية مما يجعل للإدارة في هذا الأخير سلطة مراقبة تنفيذ شروط العقد وتوجيه أعمال التنفيذ واختيار طريقته وحق تعديل شروطه المتعلقة بسير المرفق وتنظيمه والخدمة التي يؤديها وذلك بإرادتها المنفردة حسبما تقتضيه المصلحة العامة دون أن يتحدى الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وكذا حق توقيع جزاءات على المتعاقد وحق فسخ العقد وإنهائه بإجراء إداري دون رضاء هذا المتعاقد إنهاء مبتسراً ودون تدخل القضاء هذا إلى أن العقد الإداري تتبع في إبرامه أساليب معينة كالمناقصة أو المزايدة العامة أو الممارسة ويخضع في ذلك لإجراءات وقواعد مرسومة من حيث الشكل والاختصاص وشرط الكتابة فيه التي تتخذ عادة صورة دفتر شروط لازم إذا ما أبرم بناء على مناقصة أو مزايدة عامة أو تم بممارسة جاوزت قيمتها قدراً معيناً.
ومن حيث إنه في خصوص المنازعة الحالية يبين من استقراء نصوص القرارات الوزارية الصادرة من وزارة التموين استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين الذي خولها في مادته الأولى حق فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من الحاجات الأولية وخامات الصناعة وتداولها واستهلاكها والاستيلاء عليها وتحديد أسعارها والإشراف على توزيعها أن العلاقة بين الإدارة وبين الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية قد حددتها وبينت طبيعتها القرارات المشار إليها إذ نصت المادة 16 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1945 - وهي التي رددت حكم المادة الأولى من الأمر العسكري رقم 266 الصادر في 31 من مايو سنة 1944 بشأن الاستيلاء على مقادير السكر المخزونة لدى الشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وعلى ما تنتجه منه - على أن "يجرى الاستيلاء على المقادير المخزونة من السكر الخام والمكرر الموجودة في تاريخ صدور هذا القرار والمملوكة للشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وكذلك على جميع ما تنتجه الشركة المذكورة من السكر ويكون تصريف مقادير السكر المستولى عليها وتوزيعها وفقاً للأحكام الواردة في هذا القرار". كما نص القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الصادر بفرض بعض أحكام خاصة بالسكر في مادته الأولى على أن "يكلف عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية ومديروها وجميع موظفيها وعمالها كل فيما يخصه بتنفيذ ما يأتي: أولاً - إنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير بالحوامدية. ثانياً - تكرير السكر الخام بمصنع التكرير بالحوامدية. ثالثاً - شحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وتبلغه إليها وزارة التموين..." ونص في مادته الثانية على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 16 من القرار المشار إليه (رقم 504 لسنة 1945) يحظر على المذكورين في المادة الأولى بغير ترخيص خاص من وزارة التموين التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر التي تنتجها الشركة سواء منها الأصناف المسعرة تسعيراً جبرياً أو غير الخاضعة للتسعير الجبري". وقد بينت المادة 7 من هذا القرار الجزاء على مخالفة أحكامه.
ومن حيث إنه يخلص من استظهار النصوص المتقدمة أن مادة السكر التي تنتجها الشركة العامة لمصانع السكر والتقطير المصرية المدعى عليها - وهي التي لا تزال محتفظة بالطابع الخاص كشركة اقتصاد مختلط بعد فرض الحراسة عليها في 24 من أغسطس سنة 1955 بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 وبعد صدور القانون رقم 196 لسنة 1956 بتصفية الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية وإنشاء شركة جديدة هي شركة مساهمة مصرية باسم شركة السكر والتقطير المصرية وصدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة - يخلص من النصوص المذكورة أن هذه المادة مستولى على كل إنتاج الشركة منها منذ سنة 1942 - سواء السكر الخام أو المكرر ما كان منه مسعراً جبرياً أو غير خاضع للتسعير الجبري كما يتضح أن القرارات والأحكام المتعلقة بتنظيم تصريف الأصناف المختلفة من هذا السكر وتوزيعها إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة وفرضت على الشركة دون تفاوض معها كطرف ثان أو قبول صريح أو ضمني من جانبها في الشكل وبالإجراءات والأوضاع التي يتم فيها عادة إبرام العقد الإداري بما يتميز به من شروط وخصائص ومقومات على نحو ما سلف بيانه ودون أن تتوافر في الوضع الخاص الذي فرض على الشركة جبراً عناصر التعاقد القائم على الرضا اللازم كركن لانعقاد العقد والذي أساسه الإرادة الحرة المتبادلة للمتعاقدين تلك الإرادة التي لا يسوغ افتراضها على الوجه الذي تذهب إليه الحكومة إزاء افتقاد الدليل عليها وقيام القرينة من ظروف الحال على نقيضها وإذ كان موقف الشركة في إنتاج السكر وتوزيعه بالأسعار المحددة أو تصريفه بالبطاقات في ظل القرارات التنظيمية الصادرة في هذا الشأن إنما يقوم على ضرورة إذعانها لأحكام هذه القرارات ووجوب تنفيذ ما تضمنته من أوامر ونواة وإلا تعرضت للعقوبات الجنائية المنصوص عليها فيها فإن مساهمتها الإجبارية في هذا المرفق ليس أساسها علاقة عقدية رضائية بل تكليف تشريعي بإنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير وتكريره بالمصنع وشحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وزارة التموين وحظر للتصرف بغير ترخيص خاص من الوزارة في أصناف السكر الخام والمكرر المسعر منه وغير الخاضع للتسعير الجبري وكل أولئك بغير استناد إلى تعاقد سابق أو أصل اتفاق.
وإذا كان واقع الأمر كذلك وكان المنسوب إلى الشركة المدعى عليها هو أنها درجت خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين بزيادة عما ظهر أنهم يستحقونه بموجب البطاقات التي استخرجت لهم فيما بعد يقابلها فرق سعر بين السكر الحر وسكر البطاقات قدر بمبلغ 77717.493 مجـ هو موضوع المطالبة في الدعوى الحالية فإن تصرف الشركة على هذا النحو لا يعدو أن يكون مخالفة لأحكام القرارات الوزارية الصادرة في هذا الخصوص تستتبع مساءلتها وفقاً لهذه الأحكام وأخذها بالجزاءات المنصوص عليها فيها لهذه المخالفة ولا يمكن أن يكون أساس الرجوع على الشركة بهذا التكييف هو المسئولية العقدية. ومتى انتفى قيام العقد الإداري انحسرت تبعاً لذلك ولاية القضاء الإداري واختصاصه بنظر المنازعة الراهنة لخروجها من نطاق العقود الإدارية وكذا من نطاق المنازعات الأخرى التي يفصل فيها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بولايته المقررة بالنص. وإذ قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها المطعون فيه بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فإنها تكون قد أصابت الحق في النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها. ومن ثم فإن طعن وزارة التموين في هذا الحكم يكون على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض، مع إلزام الوزارة المدعية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.