جلسة 19 من ديسمبر 1964
برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.
---------------
(27)
القضية رقم 1027 لسنة 7 القضائية
(أ) بطلان - تأديب - محاكمة تأديبية - ديوان المحاسبة
- لا يسوغ القول بأن كل مخالفة للشكل أو الإجراءات يترتب عليها البطلان - وجوب التمييز بين ما إذا كانت المخالفة قد أصابت الشروط الجوهرية التي تمس صالح الأفراد أو اقتصرت على المساس بالشروط اللاجوهرية التي لا يترتب على إهدارها مساس بمصالحهم - ترتيب البطلان في الحالة الأولى دون الثانية - البطلان جزاء مخالفة الميعاد المقرر لرئيس ديوان المحاسبة للطعن في القرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية - لا بطلان في حالة عدم تقيد النيابة الإدارية بالميعاد المنصوص عليه في المادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 لمباشرة الدعوى التأديبية.
(ب) موظف - تأديب - مخالفة مالية - ديوان المحاسبة
- الميعاد المخول لرئيس ديوان المحاسبة وفقاً للمادة 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958 للاعتراض على الجزء التأديبي - من مواعيد السقوط - الأصل سريانه اعتباراً من تاريخ إخطار رئيس الديوان بالقرار الصادر في شأن المخالفة المالية - طلب الديوان خلال الميعاد بعض أوراق الموضوع ومستنداته - لا يبدأ حساب الميعاد في هذه الحالة إلا من التاريخ الذي تكون الأوراق أو البيانات المطلوبة قد وصلت إلى الديوان - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 29 من مارس سنة 1961 أودع السيد محامي الحكومة سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1027 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لموظفي وزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 29 من يناير سنة 1961 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم (149) لسنة 2 القضائية المقدمة من النيابة الإدارية ضد محمد علي إبراهيم امارة المهندس بالإرشاد الزراعي من الدرجة السادسة, والذي قضى: (بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد). وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, وإحالة الموضوع إلى المحكمة التأديبية لتقضي فيه مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب). وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 20 من سبتمبر سنة 1962. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من يناير سنة 1964 ومنها لجلسة 28 من مارس سنة 1964 ثم لجلسة 16 من مايو لضم الأوراق وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية للمرافعة بجلسة 7 من نوفمبر سنة 1964 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقدم المطعون عليه مذكرة بدفاعه في 3 من نوفمبر سنة 1964 انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن وبتأييد الحكم المطعون فيه ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.ض
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن النيابة الإدارية أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية لموظفي وزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين، في تاريخ سابق لجلسة 7 من أغسطس سنة 1960 قرار الاتهام وتقريره، وصورة من مذكرة ديوان المحاسبة المؤرخ 21 من إبريل سنة 1960 ضد الموظف محمد علي إبراهيم امارة مهندس الإرشاد الزراعي بوحدة فارسكور الزراعية سابقاً وحالياً مهندس المقننات بتفتيش السرو بوزارة الزراعة، وهو من الدرجة السادسة، لأنه في شهر أكتوبر عام 1957 وما بعده، بوحدة فارسكور الزراعية، بصفته موظفاً عمومياً بالوحدة: (1) باع ثلاثين علبة من مادة العقدين مملوكة للدولة، كانت في عهدته، واحتفظ بثمنها وقدره أربعة جنيهات ونصف. (2) تراخى في رد عدد (78) علبة عقدين كانت قد سلمت إليه في أكتوبر سنة 1957 إلى قسم الميكروبولوجي، إلى ما بعد انتهاء مدة صلاحيتها للاستعمال. وقررت النيابة الإدارية أن الموظف المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد: (73)، (82) مكرر و(83) من القانون رقم (210) لسنة 1951 والقوانين المعدلة له، وطلبت محاكمته تأديبياً على أساس هذه المواد، والفقرة الأولى من المادة (31) من القانون رقم (117) لسنة 1958. وجاء في تقرير الاتهام أن قسم الميكروبولوجيا بمراقبة الأراضي التابع لوزارة الزراعة، كان قد أرسل في شهر أكتوبر سنة 1957 للوحدة الزراعية بفارسكور عدد (108) علبة من مادة العقدين لاستعمالها في مشروع تعميم التلقيح البكتيري للمحاصيل البقولية. وقد سلمت تلك الكمية للموظف المذكور بوصفه مهندس الإرشاد الزراعي بالوحدة في ذلك الوقت، ليتولى بيعها نقداً لحساب القسم المشار إليه ولإعادة الكميات غير المباعة منها، قبل انتهاء مدة صلاحيتها للاستعمال. وفعلاً قام الموظف المذكور ببيع ثلاثين علبة بمبلغ أربعة جنيهات ونصف، بيد أنه لم يواف القسم الميكروبولوجي بالمستندات الدالة على أنه قد ورد ثمن الكميات المباعة لحساب القسم أو إعادة الكميات غير المباعة قبل انقضاء مدة الصلاحية المقررة، الأمر الذي اعتقد معه القسم بأنه قد تم بيع جميع الكمية المرسلة إليه، وراح القسم يطلب مراراً من الوحدة الزراعية بفارسكور موافاته بالأوراق والمستندات الدالة على سداد القيمة لحساب القسم دون جدوى. ومن ثم رفع الأمر إلى قسم الخدمات الإقليمية التابع لمراقبة الإرشاد الزراعي فأجرى تحقيقاً مبدئياً في الموضوع ثم أحاله إلى النيابة الإدارية المختصة فقامت بدورها بالتحقيق وسألت كلاً من: (1) الموظف محمد علي امارة، مهندس الإرشاد من الدرجة السادسة. (2) محمود أحمد لطفي وكيل قسم الميكروبولوجيا من الدرجة الثالثة. فقرر الأول (المتهم) أنه إبان اشتغاله مهندساً للإرشاد الزراعي بوحدة فارسكور الزراعية كان قد استلم عدد (108) علبة عقدين باع منها ثلاثين علبة بمبلغ أربعة جنيهات ونصف قام بتوريده، في حينه لصراف ناحية السرو. وبمواجهته بأنه بالاتصال بمديرية الدقهلية أفادت بأنه لم يتبين من يومية صراف ناحية السرو، سابقة توريد المبلغ المذكور، عدل المتهم عن أقواله وراح يقرر أنه ورد المبلغ لصراف ناحية الزرقا. وبمواجهته بأنه تبين أيضاً عدم توريد المبلغ لذلك الصراف، أصر على أنه قام بتوريد المبلغ ولكنه لا يتذكر جهة الصرف التي ورد بها، وادعى أن قسيمة التوريد قد فقدت منه، وطلب البحث بيوميات جميع صيارف مركز فارسكور للتأكد من صحة ما يدعيه. وعزا عدم إرجاعه علبة العقدين غير المباعة طوال المدة من أكتوبر سنة 1957 إلى 6 من يونيو سنة 1959 مما ترتب عليه تلفها، إلى السهو، واختتم دفاعه قائلاً إن علبة العقدين لا تكلف الوزارة، على كل حال، أكثر من ثلاثة مليمات - وبسؤال الثاني، وكيل القسم (محمود أحمد لطفي) قرر أنه بوصفه المشرف على مشروع تعميم التلقيح البكتيري للمحاصيل البقولية، وعلى توزيع مادة العقدين كان قد أرسل عدد (108) علبة لوحدة فارسكور لتقوم ببيعها للمزارعين، وإعادة العلب غير المباعة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إرسالها لأن مادة العقدين تتلف بعد تلك المدة، بيد أن الوحدة المذكورة لم تواف القسم بالمستندات الدالة على بيع العلب المرسلة إليها أو إعادتها ثانية خلال المدة المقررة على الرغم من مطالبتها بذلك مراراً، مما اضطره إلى رفع الأمر للجهات المختصة.
وبعد انتهاء هذا التحقيق أعدت النيابة الإدارية مذكرة بنتيجة التحقيق مؤرخة في 14 من ديسمبر سنة 1959 قال فيها إن الموظف (اماره) تارة يقرر أنه ورد مبلغ الأربعة جنيهات ونصف لصراف ناحية السرو، وأخرى يقرر أنه قام بتوريده لصراف ناحية الزرقا ثم يعدل عن ذلك ويطلب البحث في دفاتر جميع صرافي مركز فارسكور. ومضت النيابة الإدارية تقول أن ظاهر هذا الطلب غير جدي، وأن القصد منه هو تعطيل الإجراءات والتصرف النهائي في القضية، فضلاً عن أنه كان من واجب الموظف (اماره) أن يقدم الدليل على انتفاء مسئوليته، بعد أن أفسح التحقيق صدره إلى المدى الذي وصل إليه ليحقق دفاعه بالإضافة إلى أن تصرفه يدخل في نطاق القانون العام. واستطردت النيابة الإدارية تقول إنه ثبت من التحقيق أن قسم الميكروبولوجيا كان دائم التحرير لوحدة فارسكور الزراعية للمطالبة ببيان سداد ثمن العلب المرسلة إليه (108) علبة عقدين وأن القسم المذكور لم يرفع الأمر إلى المختصين بمجرد انتهاء مدة صلاحية مادة العقدين اعتقاداً منه أن جميع الكمية كان قد تم بيعها على المزارعين ذلك لأن الموظف (اماره) كان يعلم أن هذه المادة تفقد صلاحيتها بمضي ثلاثة شهور، ومن ثم فلا مسئولية على القسم المشار إليه في هذا الشأن، وخلصت النيابة الإدارية من تقريرها إلى أنها تقترح: (1) النظر بشدة في أمر الموظف (اماره) لأنه تصرف بالبيع في ثلاثين علبة عقدين كانت من بين ما في عهدته البالغ قدرها (108) علبة، ولم يورد ثمنها وقدره 4.5 (أربعة جنيهات ونصف) للخزانة وفضلاً عن ذلك فإنه لم يرد باقي العلب التي كانت في عهدته وقدرها (78) علبة في المدة من أواخر عام 1957 لغاية يونيو سنة 1959 مما أفقد محتويات تلك العلب صلاحيتها. (2) إبلاغ النيابة العامة بالواقعة لما تنطوي عليه من جانب جنائي، ثم إعمال وجه التعليمات المقررة بشأن تحصيل قيمة الخسارة. (3) حفظ الموضوع بالنسبة لقسم الميكروبولوجيا. - وقد وافقت الإدارة العامة للنيابة الإدارية على ما انتهت إليه تلك المذكرة ثم قامت النيابة الإدارية بإبلاغ النيابة العامة بالحادث. وبعرض أوراق الموضوع على السيد مدير عام الإدارة العامة للخدمات الزراعية الإقليمية قرر في 28 من يناير سنة 1960 ما يأتي: (1) مجازاة (محمد علي اماره) بخصم خمسة أيام من مرتبه، وتحصيل مبلغ (17.870 مليمجـ) قيمة الـ (108) علبة عقدين مضافاً إليها عشرة في المائة مصاريف إدارية. (2) حفظ الموضوع بالنسبة للسيد/ محمود أحمد لطفي.
وأخطرت الوزارة ديوان المحاسبة بقرار الجزاءات الإدارية المذكور في 4 من فبراير سنة 1960، ولكن دون إرفاق أوراق الموضوع فيما عدا صورة من مذكرة النيابة الإدارية وحدها. فبادر ديوان المحاسبة بكتابه رقم (2517) بتاريخ 17 من فبراير سنة 1960 إلى طلب موافاته بأوراق الموضوع والتحقيقات كي يتسنى له إبداء الرأي في الجزاء الإداري الموقع على الموظف المذكور. ولكن الوزارة أبلغت ديوان المحاسبة بكتابها رقم (1255) سري الذي وصل الديوان في 7 من إبريل سنة 1960 بأن الأوراق أرسلت إلى النيابة العمومية لإجراء شئونها فيها من الناحية الجنائية وذلك بكتاب النيابة الإدارية رقم (1808) في 15 ديسمبر سنة 1959. ثم قامت المراقبة القضائية، بديوان المحاسبة، بفحص الموضوع، ولاحظت أن ما وقع في الحالة المعروضة من الموظف (محمد علي اماره) يعد أمراً بالغ الخطورة والجسامة إذ الدلائل متوافرة على أنه قد عمد إلى الاستيلاء بغير حق على مبلغ أربعة جنيهات ونصف. وهي قيمة علب العقدين المباعة بواسطته، حيث عجز عن إثبات قيامه بتوريد المبلغ المذكور لحساب قسم الميكروبولوجيا بوزارة الزراعة. ولا شك أن ادعاءاته بتوريد المبلغ المذكور ما هي إلى محاولة منه لستر تلاعبه والتنصل من المسئولية. وعلى فرض صحة ما يدعيه، فإن ما وقع منه يعد إهمالاً جسيماً ومن شأنه المساس بأموال الدولة وهذا إلى أنه تسبب في تلف (78) علبة عقدين بإهماله في ردها قبل فوات المدة المقررة لصلاحية استعمالها, ومن ثم يكون الجزاء الموقع عليه إدارياً، وهو خصم خمسة أيام من راتبه، لا يتناسب في نظر ديوان المحاسبة مع ما وقع منه في الحالة المعروضة مما يستوجب إحالته إلى المحاكمة التأديبية إعمالاً لحكم المادة (13) من القانون رقم (117) لسنة 1958. كما لاحظت المراقبة القضائية بديوان المحاسبة أن الأوراق خلو من أية إشارة تفيد ما إذا كانت أحكام المادة (79) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات قد طبقت على حالة المتهم المذكور من حيث فحص أعماله في جميع شتى خدمته من عدمه. وفيما عدا هاتين الملاحظتين فإن المراقبة القضائية ليس لها اعتراض على ما تم من تصرف. واقترحت المراقبة على السيد رئيس الديوان الموافقة على ما يأتي (1) إحالة الأوراق إلى الإدارة العامة للنيابة الإدارية لتتولى إقامة الدعوى التأديبية ضد المتهم المذكور لمحاكمته تأديبياً عما وقع منه في الحالة المعروضة وذلك عملاً بحكم المادة (13) سالفة الذكر. (2) التحرير للوزارة لتقوم بتطبيق أحكام المادة (79) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات على حالة الموظف المذكور من حيث فحص أعماله في جميع شتى خدمته وإفادة الديوان بما يتم في هذا الصدد وبما تم في أمر تحصيل مبلغ (17.870 مليمجـ) الذي تقرر تحصيله منه، وأفادته أيضاً بنتيجة تصرف النيابة العامة في الموضوع من الناحية الجنائية. وقد أعدت هذه المذكرة بتاريخ 20 من إبريل سنة 1960 فأشر عليها في ذات التاريخ السيد (علي التمتامي) بعبارة (موافق على ما انتهت إليها هذه المذكرة، ويعرض على السيد الدكتور رئيس الديوان). وبعد ذلك أشر السيد رئيس الديوان بالموافقة في 21 من إبريل سنة 1960.
وقد عين لنظر الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية لموظفي وزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين جلسة 7 من أغسطس سنة 1960 وفيها وفي الجلسات التالية نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر تلك الجلسة وقدم الموظف المتهم مذكرة يدفع فيها بعدم قبول الدعوى لأن ديوان المحاسبة لم يعترض على الجزاء الإداري في الميعاد المحدد في المادة (13) من القانون رقم (117) لسنة 1958 الخاص بالنيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
وبجلسة 29 من يناير سنة 1961 حكمت المحكمة التأديبية (بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد) وأقامت قضاءها هذا على أن ديوان المحاسبة أعلن بقرار الجزاء الموقع على الموظف المتهم مرافقاً له مذكرة النيابة الإدارية في 4 من فبراير سنة 1960 ولم يعترض الديوان على هذا الجزاء الإداري إلا في 21 من إبريل سنة 1960 ومن ثم يكون اعتراض الديوان قد وقع بعد فواد الميعاد المذكور في المادة (13) من القانون رقم (117) لسنة 1958 وأن هذا الميعاد المحدد لاعتراض ديوان المحاسبة إنما هو ميعاد سقوط تمشياً مع الحكمة من ضرورة استقرار الأوضاع الإدارية وحسم المراكز القانونية والروح التي سادت وضع أحكام القانون المذكور من البت في المسائل التأديبية على وجه السرعة. وتأسيساً على ذلك يكون الدفع المقدم من الموظف المتهم قد صادف وجه القانون ويتعين الحكم بقبوله، ولا يغير من الأمر شيئاً ما استشفع به الديوان من أن السبب المباشر في تأخيره في الاعتراض هو عدم موافاته بأوراق الموضوع التي كانت قد أرسلت إلى النيابة العامة فهذا الذي ذهب إليه الديوان لا يسوغ قبوله منه لأن الميعاد المقرر للاعتراض هو ميعاد سقوط، فضلاً عن أنه كان تحت نظره قرار الجزاء متضمناً في ديباجته سببه ومحله، ومذكرة النيابة الإدارية مشتملة على ظروف الموضوع وأقوال الإشهاد وتقدير النيابة العامة الإدارية لمدى الجرم، ومن ثم فقد علم الديوان بقرار الجزاء بمحتوياته علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً يسري معه ميعاد السقوط.
طعنت الحكومة في الحكم التأديبي المذكور وطلبت الحكم بإلغائه وبإحالة الموضوع إلى المحكمة التأديبية لتقضي فيه. وأقامت الحكومة طعنها على أن الميعاد المحدد لديوان المحاسبة لممارسة اختصاصه في الاعتراض على الجزاء التأديبي الإداري المتعلق بالمخالفات المالية لا يسري في حق الديوان إلا بعد اليوم الذي يتم فيه علمه بعناصر الموضوع ليتمكن من إبداء رأيه على الوجه الذي يرضيه ولا يقدح في ذلك أن يكون الميعاد المذكور في مواعيد السقوط لأن مجرد قيام الديوان بطلب كافة أوراق الموضوع أو استيفاء أحد عناصره في الميعاد القانوني هو بمثابة مزاولة اختصاصه خلال المدة المقررة قانوناً.
ومن حيث إن المادة (13) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (117) لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تنص على أنه (يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية والمشار إليها في المادة السابقة - 12 - ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار، أن يطلب تقديم الموظف إلى المحاكمة التأديبية. وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوماً التالية). على أنه ولئن كانت المذكرة الإيضاحية قد أشارت إلى أنه "نظراً لما للمخالفات المالية من أهمية خاصة بالنسبة إلى مالية الدولة، فقد أوجب المشرع إخطار رئيس ديوان المحاسبة بقرارات الجهة الإدارية الصادرة في شأن هذه المخالفات وأعطى لرئيس الديوان الحق في أن يطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى أمام المحكمة التأديبية المختصة وفي هذه الحالة يتعين على النيابة الإدارية مباشرة الدعوى". لئن كان ذلك كذلك إلا أن المشرع قد أغفل النص على تقرير جزاء على مخالفة هذه الإجراءات وعلى عدم مراعاة المواعيد التي قررها النص المذكور. والأصل المسلم به قضاء وفقهاً هو أنه إذا كان نص القانون قد أوجب على جهة الإدارة أن تلتزم الأوضاع الشكلية أو الإجراءات التي أوصى المشرع باتباعها إلا أنه لا يستساغ القول بأن كل مخالفة للشكل أو للإجراءات يكون الجزاء عليها هو بطلان القرار المترتب عليها.
وإنما يتعين التمييز بين ما إذا كانت المخالفة قد أصابت الشروط الجوهرية وهي التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة قد مست الشروط اللاجوهرية بمعنى تلك التي لا يترتب على إهدارها مساس بمصالحهم فرتب الأصل المسلم به على المخالفة الأولى بطلان القرار لأن الأوضاع والإجراءات التي خولفت إنما هي تتعلق بمصالح الأفراد، واعتبرت وكأنها ضمانات لسلامة قصد الإدارة نحوهم بينما لا يرتب الأصل المسلم به على المخالفات الثانية بطلان القرار لأن الأوضاع والإجراءات التي خولفت إنما هي قد رسمت للجهة الإدارية وحدها فلها أن تتمسك بها إن شاءت ذلك أو تغض الطرف عنها ما دامت تلك الأوضاع والإجراءات لا تؤثر على مصالح الأفراد. ومن هذا الأصل استقى المشرع المادة (25) من قانون المرافعات (يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون على بطلانه أو إذا شابه عيب جوهري ترتب عليه ضرر الخصم). وإعمالاً لذلك الأصل وهذا النص يكون الميعاد الذي خوله نص المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية لرئيس ديوان المحاسبة - خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف - من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على عدم مراعاتها البطلان، ذلك لأن هذا الميعاد إنما شرع لصالح الموظف المتهم الذي أوقعت عليه جهته الإدارية ما قدرته لذنبه من جزاء إداري. وغني عن البيان أن من شأن الإخلال بهذا الميعاد أثر بالغ في المركز القانوني للموظف وعاء الجزاء - والأمر على خلاف ذلك في شأن الميعاد الثاني المنصوص عليه بنفس المادة - وعلى النيابة الإدارية مباشرة الدعوى خلال الخمسة عشر يوماً التالية - فهذا الميعاد ليس إلا من قبيل المواعيد التنظيمية التي لا يترتب على إغفالها أي بطلان. لأن هذا الميعاد لا يمس مصالح الأفراد ما دام طلب تقديم الموظف للمحاكمة التأديبية قد صدر من رئيس ديوان المحاسبة في الميعاد المحدد قانوناً.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم المطعون فيه، قد أصاب وجه الحق إذ قرر أن الميعاد المخول لرئيس المحاسبة ليعترض فيه على الجزاء الإداري يعتبر من مواعيد السقوط إلا أن الحكم المذكور قد أخطأ صحيح فهم القانون من حيث مبدأ سريان ميعاد الخمسة عشر يوماً الأولى من الفقرة الثانية من المادة (13) سالفة الذكر. صحيح أن الأصل هو أن يسري هذا الميعاد من تاريخ إخطار رئيس الديوان بالقرار الإداري الصادر في شأن المخالفة المالية إلا أن قضاء هذه المحكمة العليا قد أطرد على أن ديوان المحاسبة لا يتسنى له تقدير ملاءمة الجزاء الإداري الذي وقعته جهة الإدارة على الموظف المذنب إلا إذا كانت كافة عناصر التقدير من أوراق وتحقيقات وملابسات واقعة تحت بصره ومعروضة عليه. فإذا فات الميعاد المذكور دون أن يبادر الديوان إلى طلب موافاته بما يراه لازماً من أوراق الموضوع وما يتعلق به من بيانات فإن ذلك الفوات للميعاد يعد قرينة على اكتفاء الديوان بما تلقاه من الأوراق. ولا ترتفع هذه القرينة إلا بأن يبادر الديوان خلال الميعاد المذكور، يطلب ما لم يكن قد وصله من أوراق ومستندات، وفي هذه الحالة لا يبدأ حساب الميعاد إلا من التاريخ الذي تكون الأوراق المطلوبة أو البيانات قد وصلت فيه إلى الديوان.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، وبالرجوع إلى أوراق هذا الطعن، يبين أن ديوان المحاسبة قد أحيط علماً بقرار الجزاء الإداري في 4 من فبراير سنة 1960 دون أن ترفق جهة الإدارة بقرارها الجزائي سوى صورة من مذكرة النيابة الإدارية من دون أوراق الموضوع فطلب الديوان بكتابه رقم (2517) والمؤرخ 17 من فبراير سنة 1960 - أي في خلال الميعاد المنصوص عليه في أول الفقرة الثانية من المادة (13) من القانون رقم (117) لسنة 1958 موافاته بأوراق الموضوع ليتسنى له إبداء رأيه في موضوع المخالفة المالية وما وقعته جهة الإدارة على الموظف المذنب من جزاء إداري. ولكن الجهة الإدارية أبلغت الديوان بكتابها رقم (1355) سري الذي وصل الديوان في 7 من إبريل سنة 1960 ما يفيد أن الأوراق المطلوبة سبق أن أرسلت إلى النيابة العامة لإجراء شئونها في الموضوع من حيث الجانب الجنائي. وعندئذ قامت المراقبة القضائية بديوان المحاسبة بفحص الموضوع على هدي ما وصل إليها من الأوراق وقررت إحالة الطاعن إلى المحاكمة التأديبية، فوافق السيد رئيس الديوان على ذلك في 21 من إبريل سنة 1960 وبذلك يكون الديوان قد طلب تقديم الموظف الطاعن إلى المحاكمة التأديبية خلال مدة الخمسة عشر يوماً المقررة وذلك من تاريخ رد الجهة الإدارية - وزارة الزراعة - على الديوان بكتابها المؤرخ 7 من إبريل سنة 1960، وفي ذلك ما يكفي لاعتبار الدعوى التأديبية قد رفعت في الميعاد ومن ثم تكون مقبولة شكلاً.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً لصحيح فهم القانون وتأويله ولما سبق أن قضت به هذه المحكمة العليا في هذا الشأن فإنه يكون قد خالف القانون ويكون الطعن عليه في محله.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة القضية إلى المحكمة التأديبية المختصة للفصل فيها.