الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

الطعن 7380 لسنة 87 ق جلسة 25 / 11 / 2018 مكتب فني 69 ق 115 ص 923

 جلسة 25 من نوفمبر سنة 2018

برئاسة السيد القاضي / عابد راشد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد أحمد خليل، أحمد محمود شلتوت ووليد عادل نواب رئيس المحكمة وخالد فتح الله .

-----------------

( 115 )

الطعن رقم 7380 لسنة 87 القضائية

(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . حكم الإدانة . بياناته ؟

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وإيراده على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة مؤدية لما رتبه عليها . لا قصور .

عدم رسم القانون شكلاً أو نمطاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .

مثال .

(2) إثبات " شهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

إحالة الحكم في بيان شهادة شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر . لا يعيبه . حد ذلك ؟

(3) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

إيراد الحكم مؤدى أقوال شاهدة الإثبات في بيان واف . لا قصور .

(4) قتل عمد . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

قصد القتل . أمر خفي . إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره موضوعي .

تدليل الحكم سائغاً وبما يكفي لاستظهار نية القتل في حق الطاعن . لا قصور .

(5) أسباب الإباحة وموانع العقاب " الدفاع الشرعي " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

التمسك بحق الدفاع الشرعي . شرطه : اعتراف المتمسك به بما وقع منه وبيان ظروفه . نعي الطاعن إغفال المحكمة الرد عليه . غير مقبول . ما دام قد أنكر ما أُسند إليه . علة ذلك ؟

عدم صدور أفعال من المجني عليه تستوجب الدفاع الشرعي . أثره ؟

(6) أعذار قانونية . زنا . قتل عمد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

العذر القانوني المنصوص عليه بالمادة 237 عقوبات . ما يلزم لتوافره ؟

انتهاء علاقة الزوجية بين الطاعن وزوجته بالطلاق البائن مع الإبراء . أثره : انتفاء موجب إعمال المادة 237 عقوبات . التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر في اطراح الدفع بتوافر العذر القانوني . صحيح . لا يغير منه حدوث الواقعة خلال فترة العدة من هذا الطلاق . علة ذلك ؟

مثال .

(7) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

وزن أقوال الشاهد وتقديرها . موضوعي .

مفاد أخذ المحكمة بشهادة شاهد ؟

عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشاهد إلَّا ما تقيم عليه قضاءها . لها تجزءتها والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه .

ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها . غير لازم . كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة .

الجدل الموضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .

(8) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

 العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . حد ذلك ؟

 تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟

مثال .

(9) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .

عدم اشتراط وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة لثبوت الجريمة . كفاية اطمئنان المحكمة إلى الإدانة من ظروف الدعوى وقرائنها . النعي بهذا الشأن . جدل موضوعي في تقدير الدليل .

(10) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير صحة الاعتراف " .

تقدير حجية الاعتراف وقيمته التدليلية . موضوعي . علة ذلك ؟

لمحكمة الموضوع تجزئة الاعتراف والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما سواه دون بيان العلة .

ورود الاعتراف على الواقعة بكافة تفاصيلها . غير لازم . كفاية وروده على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى اقتراف الجاني للجريمة .

(11) إثبات " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تعييب تقرير الصفة التشريحية لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز . علة ذلك ؟

للمحكمة أن تقضي في الدعوى بناء على تقرير الصفة التشريحية . متى اطمأنت له .

(12) إثبات " خبرة " . مسئولية جنائية . قتل عمد . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

بيان الحكم حال تحصيله لتقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه تعزى لإصابته الطعنية . النعي عليه بخلاف ذلك . غير مقبول.

إثبات الحكم اعتداء الطاعن وحده على المجني عليه وإحداث جميع إصاباته دون مشاركة من أحد . كفايته لمساءلته عن جريمة القتل العمد .

(13) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .

لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟

(14) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

التناقض الذي يعيب الحكم . ماهيته ؟

عقيدة المحكمة تقوم على المقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني .

مثال .

(15) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

الخطأ المادي في الحكم الذي لا أثر له على النتيجة التي انتهى إليها . لا يعيبه .

مثال .

(16) إثبات " إقرار " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

تحصيل الحكم لإقرار الطاعن بالتحقيقات بما يتفق في جملته مع ما استند إليه الحكم منه . لا يعيبه .

(17) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

عدم إيراد الحكم بمدوناته بتحقق علم الطاعن بوجود المجني عليه بمسكن الشاهدة الأولى . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول .

(18) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

إيراد الحكم ما يرتد إلى أصل صحيح في الأوراق . لا خطأ في الإسناد .

مثال .

(19) باعث . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

الباعث على الجريمة . ليس من أركانها . الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله . لا يعيب الحكم .

(20) قتل عمد . عقوبة " عقوبة الجريمة الأشد " . نقض " المصلحة في الطعن " .

نعي الطاعن على الحكم بشأن جريمة إحراز سلاح أبيض . غير مجد . متى دانه بعقوبة القتل العمد باعتبارها الأشد .

(21) قضاة " صلاحيتهم " .

الانتقام والرغبة في الإدانة . مسائل داخلية تقوم في نفس القاضي . تقدير الإدانة . متروك لتقديره حسبما يطمئن إليه .

(22) إثبات " شهود " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .

النعي على المحكمة قعودها عن سماع شهود لم يطلب سماعهم . غير مقبول .

للمحكمة الاستغناء عن سماع شهود الإثبات بقبول المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً .

مثال .

(23) نقض " المصلحة في الطعن " .

المصلحة شرط لازم في كل طعن . أثر ذلك ؟

لا مصلحة للطاعن في النعي بانتفاء الارتباط بين الجريمتين اللتين دين بهما .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله " حيث إن واقعة الدعوى حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها مستخلصة من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بالجلسة تتحصل في أنه لوجود خلافات سابقة بين المتهم .... والمجني عليه .... بسبب قيام علاقة عاطفية بين المجني عليه وطليقة المتهم والتي أدت إلى قيام المتهم بتطليقها طلقة بائنة مع الإبراء وبتاريخ .... وحال قيام المتهم بتوصيل طفليه إلى مسكن طليقته ومقابلتها له وتلعثمها في الكلام فتوقع تواجد المجني عليه داخل الشقة ، مما أثار حفيظة المتهم واستشاط غضباً وانتوى قتله والتخلص منه انتقاماً وتشفي لأن علاقته بزوجته تسببت في خراب البيت وتطليق زوجته فدلف المتهم داخلاً الشقة وأحضر سلاحاً أبيض " سكين " وعند محاولة المجني عليه الخروج من داخل الشقة عاجله المتهم بثلاث طعنات قاتلة ونافذة لتجويف الصدر قاصداً من ذلك قتله فسقط المجني عليه غارقاً في دمائه محدثاً به تهتكات بالقلب والرئة اليسرى ونزيف دموي غزير أدى إلى حدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية والوفاة ، وانتقل النقيب .... معاون قسم .... إلى مكان الواقعة عقب إبلاغه بها وتمكن من ضبط المتهم والسلاح الأبيض ( السكين ) المستخدم في الحادث ، ودلت تحريات النقيب .... معاون مباحث قسم .... على وجود خلف سابق بين المتهم والمجني عليه بسبب وجود علاقة عاطفية بين المجني عليه وطليقة المتهم وحال قيام المتهم بإعادة أطفاله إلى طليقته بعد رؤيته لهم عَلم بوجود المجني عليه داخل الشقة فدلف داخلها وأحضر سلاحاً أبيض سكين من المطبخ وما أن ظفر به كال له طعنة بالقلب قاصداً من ذلك قتله ، وأقر المتهم بالتحقيقات بارتكاب الواقعة " . وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات وإقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها يكون ولا محل له .

2- من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهد الرابع متفقة مع أقوال الشاهد الثالث التي أحال عليها الحكم ، فإن منعاه في هذا الشأن يكون في غير محله .

3- لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال شاهدة الإثبات الأولى .... - التي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة – في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله .

4- لما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر ، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلاً على توافر نية القتل في حق الطاعن – مما أوضحه من الظروف والملابسات وما استقاه من عناصر الدعوى – كافياً وسائغاً في استظهار قيامها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً .

5- المقرر أنه يجب على من يتمسك بحالة الدفاع الشرعي أن يكون معترفاً بما وقع منه وأن يبين الظروف التي الجأته إلى هذا الذي وقع منه إذ مما لا شك فيه أن إنكار المتهم ما أُسند إليه وتمسكه في آن واحد بحالة الدفاع الشرعي أمران متناقضان ينفي أحدهما الأخر نفياً صريحاً ، فإذا كان المتهم نفسه قد أنكر بتاتاً ما أُسند إليه ودار دفاع محاميه على هذا الإنكار ، فلا يُقبل منه الطعن في الحكم الصادر عليه بمقولة أنه أغفل الرد على هذا الدفع . هذا فضلاً عن أن واقعة الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه تنبئ عن أنه لم يصدر من المجني عليه أي فعل مستوجب للدفاع الشرعي عن النفس ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك يكون غير سديد .

6- لما كان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن بشأن تمسكه بتطبيق العذر القانوني الوارد بالمادة 237 من قانون العقوبات بقوله " فمردود عليه بأنه من المقرر طبقاً لنص المادة سالفة الذكر أن ( من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 ، 236 ) ومن المقرر قانوناً أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه ، ولما كان ذلك وكان المتهم قد قام بتطليق زوجته طلقة بائنة مع الإبراء ، من ثم تكون علاقة الزوجية بينهما قد انتهت بذلك الطلاق ، كما أن المتهم كان يعلم على وجه اليقين بوجود علاقة غير شرعية بين المجني عليه وطليقته ومن ثم يكون قد قام بقتل المجني عليه من باب الانتقام والتشفي ولا يتوافر في حق المتهم شرط الإعفاء المنصوص عليه بالمادة 237 من قانون العقوبات ومن ثم يكون منعى الدفاع في غير محله مما يتعين الالتفات عنه " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يلزم لتوافر العذر القانوني المنصوص عليه بالمادة 237 من قانون العقوبات قيام علاقة الزوجية ومفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها أو أحدهما ، وكان مفاد ما أورده الحكم أن العلاقة الزوجية بين الطاعن وزوجته قد انتهت بالطلاق البائن مع الإبراء - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن – فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بإعمال المادة 237 سالفة الذكر فإنه يكون التزم صحيح القانون ، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير قويم ، لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه وعذر الزوج في قتل زوجته خاص بحالة مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ، ولا يغير من ذلك ما أثاره الطاعن من أن الواقعة حدثت خلال فترة العدة ؛ إذ إنه لا عقاب على الزنا الذى يقع بعد انحلال رابطة الزوجية بطلاق بائن أيا كان نوعه ولو حصل خلال أيام العدة .

7- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أيضاً أن محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشاهد إلا ما تقيم عليه قضائها ، ولها في سبيل استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة أن تجزئ أقوال الشاهد وتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه طالما أنها لم تمسخ الشهادة أو تحيلها عن معناها ، وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض ، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد .

8- من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا ينظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه . لما كان ما تقدم ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة والتي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها من شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه الحكم عليها من استدلال على صحة ما نسب إلى الطاعن من قتل المجني عليه عمداً ، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون سديداً .

9- لما كان القانون لا يشترط لثبوت الجريمة والحكم على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي على مرتكبها دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهد برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد هو من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها .

10- من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك ، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكامل تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة – كما هو الحال في الدعوى الماثلة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول .

11- لما كان لا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أبدى أيهما اعتراضاً على تقرير الصفة التشريحية ، فإن النعي بتعييب هذا التقرير لا يعدو أن يكون دفعاً لتعييب إجراء من إجراءات التحقيق التي تمت في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا إلى أنه من المقرر أن للمحكمة متى اطمأنت إلى النتيجة التي انتهى إليها التقرير – كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة – فلا تثريب عليها إن قضت في الدعوى بناء على ذلك .

12- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين حال تحصيله لتقرير الصفة التشريحية - الذى عول عليه في الإدانة – أن وفاة المجني عليه إصابية وتُعزى في الأساس إلى إصابته الطعنية بالصدر وما أحدثته من تهتكات بالقلب والرئة اليسرى – خلافاً لما يزعمه الطاعن – فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله . هذا فضلاً عن أن مفاد ما أورده الحكم أن الطاعن وحده هو الذى اعتدى على المجني عليه وأحدث جميع إصاباته ولم يشترك أحد غيره في ضربه ، فإن ما أثبته الحكم من ذلك يكفي ويسوغ به ما انتهى إليه في قضائه من مساءلة الطاعن عن جريمة القتل العمد ، ومن ثم يضحى أيضاً النعي على الحكم في هذا الخصوص غير منتج .

13- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث - وهو الحال في الدعوى الماثلة – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد .

14- من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الأخر فلا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بتهمة القتل العمد من غير سبق إصرار ، فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له ، كما أن ما ساقه الحكم لدى بيانه لواقعة الدعوى – على النحو الذى أشار إليه الطاعن بأسباب طعنه – غير مقصود به سبق الإصرار بمعناه القانوني إذ من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني ، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد .

15- لما كانت الواقعة كما صار إثباتها في الحكم واضحة الدلالة – دون ما تناقض – على استقرار عقيدة المحكمة على أن الطاعن كال للمجني عليه ثلاث طعنات ، فإن إيراده في بعض المواضع منه أنها طعنة واحدة لا يعدو في صورة الدعوى أن يكون خطأ مادياً لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها ، وليس تناقضاً معيباً مبطلاً له ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى التناقض لا يكون له محل .

16- لما كان الحكم المطعون فيه عند تحصيله لإقرار الطاعن بالتحقيقات قد أورد أنه قرر بالتحقيقات أنه دلف للشقة بعد أن أغلق بابها وأحضر سكين من المطبخ ، وكان يبين مما أورده الطاعن في أسباب طعنه نقلاً عن إقراره بالتحقيقات أنه يتفق في جملته مع ما استند إليه الحكم منه ، فإن دعوى الخطأ في الاسناد لا يكون لها محل .

17- لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يورد بمدوناته أن الطاعن كان يعلم على وجه اليقين بوجود المجني عليه بمسكن الشاهدة الأولى – وذلك خلافاً لما يدعيه الطاعن بأسباب طعنه – فإن رمي الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له وجه .

18- لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من أن هناك خلافات بين الطاعن والمجني عليه بسبب قيام علاقة غير شرعية بين الأخير ومطلقة الطاعن يرتد إلى أصل صحيح في الأوراق وذلك على ما يبين من أقوال الشاهدين الثالث والرابع بمحضر جلسة المحاكمة ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل .

19- من المقرر أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركنا من أركانها أو عنصراً من عناصرها ، فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة .

20- لما كان الحكم قد طبق في حق الطاعن المادة 32/2 من قانون العقوبات ، وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد وهى المقررة لجريمة القتل العمد ، فإنه لا مصلحة فيما يثيره من تعييب الحكم لقضائه بإدانته عن جريمة إحراز سلاح أبيض بغير ترخيص رغم عدم توافر أركانها في حقه .

21- لما كانت حالة الانتقام والرغبة في إدانة الطاعن كلها مسائل داخلية تقوم في نفس القاضي ، وتتعلق بشخصه وضميره وترك المشرع أمر تقدير الأدلة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا المنحى لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن .

22- لما كان البين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة المعقودة في .... أن محامي الطاعن حضرها وتنازل عن سماع أقوال باقي الشهود مكتفياً بتلاوتها بعد سماع شهادة الشاهدين الثالث والرابع في جلسة سابقة ثم ترافع وانتهى إلى طلب الحكم ببراءة الطاعن واحتياطياً استعمال الرأفة ولم يكن له طلب أخر ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماع باقي الشهود ، لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تستغنى عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله .

23- من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن فإذا انتفت لا يكون مقبولاً ، وكان لا مصلحة للطاعن فيما ينعاه بشأن انتفاء الارتباط بين الجريمتين اللتين دين بهما ، ومن ثم فإن ما ينعاه على الحكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :

- قتل .... عمداً من غير سبق إصرار أو ترصد بأن انتشل سلاحاً أبيض – سكين – من مسرح الحادث وسدد للمجني عليه طعنة قاسية لصدره قاصداً قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أزهقت روحه .

- أحرز سلاحاً أبيض ( سكين ) دون أن يوجد لإحرازه مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية .

وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/1 من قانون العقوبات ، والمواد 1/1 ، 25 مكرراً /1 ، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم (6) من الجدول رقم (1) الملحق ، مع إعمال المادة 32/2 من قانون العقوبات . بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات عما أسند إليه ومصادرة السلاح الأبيض المضبوط .

فطعـن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

 حيث أن مبنى أوجه الطعن التي تضمنتها تقارير الأسباب الثلاثة المقدمة من الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي القتل العمد وإحراز سلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، والتناقض ، والخطأ في الإسناد والخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك بأنه لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها ، وعول على أقوال الشاهد الرابع ولم يورد مؤداها واكتفى في بيانها بالإحالة إلى ما أورده من أقوال الشاهد الثالث ، كما لم يورد أقوال شاهدة الإثبات الأولى في بيان جلي ومفصل ، ولم يدلل تدليلاً كافياً وسائغاً على توافر نية القتل في حقه وما ساقه في هذا الخصوص مجرد أفعال مادية لا يُستقى منها أن الطاعن ابتغى ازهاق روح المجني عليه ولا يظاهر أقوال الشهود ، وأغفل الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، وأطرح دفعه بتوافر العذر المنصوص عليه بالمادة 237 من قانون العقوبات استناداً إلى انتهاء العلاقة الزوجية بالطلاق البائن ، وهو ما لا يصلح لإطراحه ؛ إذ لم يحدد تاريخ إيقاع الطلاق أو يفطن إلى أن الواقعة حدثت خلال فترة العدة بما تعتبر معه العلاقة الزوجية قائمة ويتحقق به العذر سالف البيان سيما وأن الجريمة قد ارتكبت داخل مسكن الحضانة ، واعتنق تصويراً للحادث على غير مؤدى أقوال شهود الإثبات ولا يتفق مع الوقائع التي شهدوا عليها ويخالف ماديات الدعوى ، وعول على أقوال شاهدة الإثبات الأولى رغم تكذيب الدفاع لها ورغم استحالة تصور حدوث الواقعة وفق روايتها وبالرغم من وجود مصلحة لها في إبعاد شبهة العلاقة المحرمة بينها وبين المجني عليه وتلفيق الاتهام قبل الطاعن ، كما عول في الإدانة على أدلة لا تؤدي إلى ثبوت الاتهام في حقه أو تقطع بتوافر القصد الجنائي الخاص لديه ، ودانه رغم خلو أوراق الدعوى من شاهد رؤية يؤكد صحة حدوث الواقعة ، وعول على إقرار الطاعن بالتحقيقات بعد أن أسقط عند تحصيله لمضمونه ما قرره من أنه قام بالنداء على الجيران قبل أن يخرج المجني عليه من داخل أحد الغرف وأنه تشاجر معه وأن المجني عليه حاول الحصول على السكين للاعتداء عليه إلا إنه لم يمكنه من ذلك وأنه فوجئ بإصابة المجني عليه في صدره ، كما عول على تقرير الصفة التشريحية رغم ما شابه من تضارب في بيان عدد الطعنات التي تلقاها المجني عليه ، كما لم يبين الحكم أياً من الطعنات الثلاثة التي تسببت في وفاة المجني عليه ، واستند الحكم إلى تحريات الشرطة رغم أنها لا تعدو أن تكون رأياً لمجريها وبالرغم من تناقضها وعدم صلاحيتها كدليل للإدانة ، كما أورد الحكم بمدوناته أن الطاعن انتوى قتل المجني عليه لرغبته في التشفي والانتقام منه لخلاف سابق بينهما ووجود علاقة غير شرعية بينه وبين مطلقته ، مما مفاده توافر ظرف سبق الإصرار في حقه ، ثم عاد وانتهى إلى إدانته عن جريمة القتل العمد بغير سبق إصرار ، مما يصم الحكم بالتناقض والتهاتر ، كذلك تناقض الحكم في بيان عدد الطعنات التي كالها الطاعن للمجني عليه فتاره يقرر بأن الطاعن عاجل المجني عليه بثلاث طعنات قاتلة ونافذة لتجويف الصدر وتارة أخرى يقرر أن الطاعن كال له طعنة بالقلب ، كما نسب الحكم للطاعن قولاً – حال تحصيل إقراره بالتحقيقات – بأنه دلف للشقة بعد أن أغلق بابها وأحضر سكين من المطبخ بالمخالفة للثابت بأقواله بالتحقيقات ، كما أن ما أورده الحكم بمدوناته من أن الطاعن كان يعلم على وجه اليقين بوجود المجني عليه بمسكن الشاهدة الأولى لا أصل له بالأوراق ، وافترض وجود خلافات بين الطاعن والمجني عليه بسبب قيام علاقة غير شرعية بين الأخير ومطلقة الطاعن دون سند من الأوراق ، ودانه بجريمة إحراز سلاح أبيض بغير ترخيص رغم عدم توافر أركان تلك الجريمة في حقه ، هذا فضلاً عن أن المحكمة استبدت بها الرغبة في إدانة المحكوم عليه ، ولم تعن بسماع أقوال باقي شهود الإثبات الذين تمسك بسماع شهادتهم ، وأخيراً أعمل الحكم في حقه المادة 32 من قانون العقوبات رغم انتفاء الارتباط بين الجريمتين اللتين دانه بهما – كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

 وحيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله " حيث إن واقعة الدعوى حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها مستخلصة من الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بالجلسة تتحصل في أنه لوجود خلافات سابقة بين المتهم .... والمجني عليه .... بسبب قيام علاقة عاطفية بين المجني عليه وطليقة المتهم والتي أدت إلى قيام المتهم بتطليقها طلقة بائنة مع الإبراء وبتاريخ .... وحال قيام المتهم بتوصيل طفليه إلى مسكن طليقته ومقابلتها له وتلعثمها في الكلام فتوقع تواجد المجني عليه داخل الشقة ، مما أثار حفيظة المتهم واستشاط غضباً وانتوى قتله والتخلص منه انتقاماً وتشفي لأن علاقته بزوجته تسببت في خراب البيت وتطليق زوجته فدلف المتهم داخلاً الشقة وأحضر سلاحاً أبيض " سكين " وعند محاولة المجني عليه الخروج من داخل الشقة عاجله المتهم بثلاث طعنات قاتلة ونافذة لتجويف الصدر قاصداً من ذلك قتله فسقط المجني عليه غارقاً في دمائه محدثاً به تهتكات بالقلب والرئة اليسرى ونزيف دموي غزير أدى إلى حدوث هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية والوفاة ، وانتقل النقيب .... معاون قسم .... إلى مكان الواقعة عقب إبلاغه بها وتمكن من ضبط المتهم والسلاح الأبيض ( السكين ) المستخدم في الحادث ، ودلت تحريات النقيب .... معاون مباحث قسم .... على وجود خلف سابق بين المتهم والمجني عليه بسبب وجود علاقة عاطفية بين المجني عليه وطليقة المتهم وحال قيام المتهم بإعادة أطفاله إلى طليقته بعد رؤيته لهم عَلم بوجود المجني عليه داخل الشقة فدلف داخلها وأحضر سلاحاً أبيض سكين من المطبخ وما أن ظفر به كال له طعنة بالقلب قاصداً من ذلك قتله ، وأقر المتهم بالتحقيقات بارتكاب الواقعة " . وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها للطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات وإقرار المتهم بتحقيقات النيابة العامة ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم لم يحط بواقعة الدعوى وأدلتها يكون ولا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ، وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهد الرابع متفقة مع أقوال الشاهد الثالث التي أحال عليها الحكم ، فإن منعاه في هذا الشأن يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال شاهدة الإثبات الأولى .... - التي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة – في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، فإنه ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر ، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلاً على توافر نية القتل في حق الطاعن – مما أوضحه من الظروف والملابسات وما استقاه من عناصر الدعوى – كافياً وسائغاً في استظهار قيامها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان يجب على من يتمسك بحالة الدفاع الشرعي أن يكون معترفاً بما وقع منه وأن يبين الظروف التي الجأته إلى هذا الذي وقع منه إذ مما لا شك فيه أن إنكار المتهم ما أُسند إليه وتمسكه في آن واحد بحالة الدفاع الشرعي أمران متناقضان ينفي أحدهما الأخر نفياً صريحاً ، فإذا كان المتهم نفسه قد أنكر بتاتاً ما أُسند إليه ودار دفاع محاميه على هذا الإنكار ، فلا يُقبل منه الطعن في الحكم الصادر عليه بمقولة أنه أغفل الرد على هذا الدفع . هذا فضلاً عن أن واقعة الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه تنبئ عن أنه لم يصدر من المجني عليه أي فعل مستوجب للدفاع الشرعي عن النفس فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن بشأن تمسكه بتطبيق العذر القانوني الوارد بالمادة 237 من قانون العقوبات بقوله " فمردود عليه بأنه من المقرر طبقاً لنص المادة سالفة الذكر أن ( من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 ، 236 ) ومن المقرر قانوناً أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه ، ولما كان ذلك وكان المتهم قد قام بتطليق زوجته طلقة بائنة مع الإبراء ، من ثم تكون علاقة الزوجية بينهما قد انتهت بذلك الطلاق ، كما أن المتهم كان يعلم على وجه اليقين بوجود علاقة غير شرعية بين المجني عليه وطليقته ومن ثم يكون قد قام بقتل المجني عليه من باب الانتقام والتشفي ولا يتوافر في حق المتهم شرط الإعفاء المنصوص عليه بالمادة 237 من قانون العقوبات ومن ثم يكون منعى الدفاع في غير محله مما يتعين الالتفات عنه " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يلزم لتوافر العذر القانوني المنصوص عليه بالمادة 237 من قانون العقوبات قيام علاقة الزوجية ومفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها أو أحدهما ، وكان مفاد ما أورده الحكم أن العلاقة الزوجية بين الطاعن وزوجته قد انتهت بالطلاق البائن مع الإبراء - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن – فإذا ما كان الحكم قد أطرح ما دفع به الطاعن من تمسكه بإعمال المادة 237 سالفة الذكر فإنه يكون التزم صحيح القانون ، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير قويم ، لما هو مقرر من أن الأعذار القانونية استثناء لا يقاس عليه وعذر الزوج في قتل زوجته خاص بحالة مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ، ولا يغير من ذلك ما أثاره الطاعن من أن الواقعة حدثت خلال فترة العدة ؛ إذ إنه لا عقاب على الزنا الذى يقع بعد انحلال رابطة الزوجية بطلاق بائن أيا كان نوعه ولو حصل خلال أيام العدة . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أيضاً أن محكمة الموضوع غير ملزمة بأن تورد من أقوال الشاهد إلا ما تقيم عليه قضائها ، ولها في سبيل استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة أن تجزئ أقوال الشاهد وتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه طالما أنها لم تمسخ الشهادة أو تحيلها عن معناها ، وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض ، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا ينظر إلى كل دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه . لما كان ما تقدم ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة والتي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها من شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه الحكم عليها من استدلال على صحة ما نسب إلى الطاعن من قتل المجني عليه عمداً ، فإن النعي عليه في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان القانون لا يشترط لثبوت الجريمة والحكم على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها ، ومتى رأت الإدانة كان لها أن تقضي على مرتكبها دون حاجة إلى إقرار منه أو شهادة شاهد برؤيته حال وقوع الفعل منه أو ضبطه متلبساً بها ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد هو من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها . لما كان ذلك ، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف فلها أن تجزئ هذا الاعتراف وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان علة ذلك ، كما لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكامل تفاصيلها بل يكفي فيه أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة – كما هو الحال في الدعوى الماثلة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان لا يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أبدى أيهما اعتراضاً على تقرير الصفة التشريحية ، فإن النعي بتعييب هذا التقرير لا يعدو أن يكون دفعاً لتعييب إجراء من إجراءات التحقيق التي تمت في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . هذا إلى أنه من المقرر أن للمحكمة متى اطمأنت إلى النتيجة التي انتهى إليها التقرير – كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة – فلا تثريب عليها إن قضت في الدعوى بناء على ذلك . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين حال تحصيله لتقرير الصفة التشريحية - الذى عول عليه في الإدانة – أن وفاة المجني عليه إصابية وتُعزى في الأساس إلى إصابته الطعنية بالصدر وما أحدثته من تهتكات بالقلب والرئة اليسرى – خلافاً لما يزعمه الطاعن – فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله . هذا فضلاً عن أن مفاد ما أورده الحكم أن الطاعن وحده هو الذى اعتدى على المجني عليه وأحدث جميع إصاباته ولم يشترك أحد غيره في ضربه ، فإن ما أثبته الحكم من ذلك يكفي ويسوغ به ما انتهى إليه في قضائه من مساءلة الطاعن عن جريمة القتل العمد ، ومن ثم يضحى أيضاً النعي على الحكم في هذا الخصوص غير منتج . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث - وهو الحال في الدعوى الماثلة – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الأخر فلا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بتهمة القتل العمد من غير سبق إصرار ، فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له ، كما أن ما ساقه الحكم لدى بيانه لواقعة الدعوى – على النحو الذى أشار إليه الطاعن بأسباب طعنه – غير مقصود به سبق الإصرار بمعناه القانوني إذ من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني ، ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت الواقعة كما صار إثباتها في الحكم واضحة الدلالة – دون ما تناقض – على استقرار عقيدة المحكمة على أن الطاعن كال للمجني عليه ثلاث طعنات ، فإن إيراده في بعض المواضع منه أنها طعنة واحدة لا يعدو في صورة الدعوى أن يكون خطأ مادياً لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها ، وليس تناقضاً معيباً مبطلاً له ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى التناقض لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه عند تحصيله لإقرار الطاعن بالتحقيقات قد أورد أنه قرر بالتحقيقات أنه دلف للشقة بعد أن أغلق بابها وأحضر سكين من المطبخ ، وكان يبين مما أورده الطاعن في أسباب طعنه نقلاً عن إقراره بالتحقيقات أنه يتفق في جملته مع ما استند إليه الحكم منه ، فإن دعوى الخطأ في الاسناد لا يكون لها محل . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يورد بمدوناته أن الطاعن كان يعلم على وجه اليقين بوجود المجني عليه بمسكن الشاهدة الأولى – وذلك خلافاً لما يدعيه الطاعن بأسباب طعنه – فإن رمي الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له وجه . لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه من أن هناك خلافات بين الطاعن والمجني عليه بسبب قيام علاقة غير شرعية بين الأخير ومطلقة الطاعن يرتد إلى أصل صحيح في الأوراق وذلك على ما يبين من أقوال الشاهدين الثالث والرابع بمحضر جلسة المحاكمة ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل . هذا فضلاً عن أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركنا من أركانها أو عنصراً من عناصرها ، فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد طبق في حق الطاعن المادة 32/2 من قانون العقوبات ، وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد وهى المقررة لجريمة القتل العمد ، فإنه لا مصلحة فيما يثيره من تعييب الحكم لقضائه بإدانته عن جريمة إحراز سلاح أبيض بغير ترخيص رغم عدم توافر أركانها في حقه . لما كان ذلك ، وكانت حالة الانتقام والرغبة في إدانة الطاعن كلها مسائل داخلية تقوم في نفس القاضي ، وتتعلق بشخصه وضميره وترك المشرع أمر تقدير الأدلة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه ، ومن ثم فإن ما يثار في هذا المنحى لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المرافعة الأخيرة المعقودة في .... أن محامي الطاعن حضرها وتنازل عن سماع أقوال باقي الشهود مكتفياً بتلاوتها بعد سماع شهادة الشاهدين الثالث والرابع في جلسة سابقة ثم ترافع وانتهى إلى طلب الحكم ببراءة الطاعن واحتياطياً استعمال الرأفة ولم يكن له طلب أخر ، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن سماع باقي الشهود ، لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تستغنى عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المصلحة شرط لازم في كل طعن فإذا انتفت لا يكون مقبولاً ، وكان لا مصلحة للطاعن فيما ينعاه بشأن انتفاء الارتباط بين الجريمتين اللتين دين بهما ، ومن ثم فإن ما ينعاه على الحكم في هذا الخصوص يكون غير مقبول . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 26 نوفمبر 2023

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / مَادَّة 1 (إِصْدَارٌ) : إِلْغَاءُ اَلْقَانُونِ اَلسَّابِقِ

عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ


مادة 1 (إصدار) (1)

يلغى القانون المدني المعمول به أمام المحاكم الوطنية والصادر في 28 أكتوبر سنة 1883 ، والقانون المدني المعمول به أمام المحاكم المختلطة والصادر في 28 يونيو سنة 1875 . ويستعاض عنهما بالقانون المدني المرافق لهذا القانون.

المشروع كما قدم للبرلمان :

"مادة 1 يلغى القانون المدني المعمول به أمام المحاكم الوطنية ، والقانون المدني المعمول به أمام المحاكم المختلطة. ويستعاض عنهما بالقانون المدني المرافق لهذا القانون.

وكذلك يلغى كل نص يخالف أحكام القانون المدني المرافق لهذا القانون .".

المشروع في مجلس النواب :

وافق المجلس على هذه المادة دون تعديل .

المشروع في مجلس الشيوخ :

 مناقشات لجنة القانون المدني:

محضر الجلسة الثالثة والستين

اقترح الدكتور بهجت بدوي حذف الفقرة الثانية من المادة الأولى من مشروع قانون الإصدار ونصها :" وكذلك يلغى كل نص يخالف أحكام القانون المدني المرافق لهذا القانون .". لأن المراد أن يحل هذا التقنين الجديد محل التقنين الحالي على أن يبقى مكملاً بالقوانين الخاصة . وقد وافقت اللجنة على هذا الاقتراح .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على حذف الفقرة الثانية من المادة الأولى من مشروع قانون الإصدار على أن يكون معلوماً أن المقصود بهذا الحذف هو الإبقاء على التشريعات الخاصة التي صدرت استثناء من القانون المدني منشئة أوضاعاً دائمة أو موقوتة حتى لا ينصرف النص في عمومه إلى إلغاء هذه الأوضاع الأمر الذي لا يدخل في قصد المشرع.

محضر الجلسة الخامسة والستين

اقترح حضرة الشيخ المحترم أحمد رمزي بك أن تضاف العبارة الآتية إلى المادة الأولى : " ويستمر العمل بالقوانين الخاصة المعمول بها الآن والتي وضعت معدلة أو مكملة لبعض أحكام هذين القانونين". لأن الفقرة الثانية من هذه المادة ونصها : " وكذلك يلغى كل نص يخالف أحكام القانون المدني المرافق لهذا القانون". تتنافى مع القوانين الخاصة المكملة لأحكام القانون المدني ، كقانون تجزئة الضمان رقم 13 سنة 1942 وقانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين لأن القاعدة القانونية أن كل نص لاحق يلغي كل نص سابق عليه . ثم قال حضرته وإذا لم تأخذ اللجنة بهذا الاقتراح فإنه يرى حذف الفقرة الثانية من هذه المادة .

وقد ذكر معالي حلمي عيسى باشا أنه يكفي حذف الفقرة الثانية من المادة خصوصا وأن القانون العام لا يلغي القانون الخاص وإنما العكس صحيح .

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة على حذف الفقرة الثانية حتى تظل القوانين الخاصة قائمة ومعمولاً بها وتعديل الفقرة الأولى على الوجه الاتي :

مادة 1 – من قانون الإصدار- يلغى القانون المدني المعمول به أمام المحاكم الوطنية والصادر في 28 أكتوبر سنة 1883 ، والقانون المدني المعمول به أمام المحاكم المختلطة والصادر في 28 يونيه سنة 1875 . ويستعاض عنهما بالقانون المدني المرافق لهذا القانون.

ملحق تقرير اللجنة:

رؤي حذف الفقرة الثانية من المادة الأولى ونصها : " وكذلك يلغى كل نص يخالف أحكام القانون المدني المرافق لهذا القانون". ".

وقد أقرت اللجنة هذا الاقتراح لأن ثمة تشريعات خاصة كالقوانين المقررة لاستثناءات من قواعد القانون المدني ومن أمثلتها قانون تجزئة الضمان رقم 13 لسنة 1942 بمنح تيسير للوفاء بالديون العقارية المقترضة وقانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين. وقد خيف أن يكون في عموم عبارة الفقرة التي تقرر حذفها مدخل للشك في بقاء مثل هذه التشريعات . وعلى ذلك تبقى الفقرة الأولى من هذه المادة مطلقة النص في إحلال نصوص المشروع محل نصوص القانون المدني القائم في خارج حدود النطاق الذي قصد من وراء حذف الفقرة المتقدم ذكرها إلى إبقائه بمعزل عن متناول الإلغاء .

مناقشات المجلس :

جلسة 22 يونيه سنة 1948

مادة 1 – تلي النص :

حضرة الشيخ المحترم عباس الجمل : أريد أن استفهم استفهاما بشأن المادة الاولى فقد ورد في الفقرة الثانية ، وكذلك يلغى .... الخ ".

المقرر : لقد وافقت اللجنة على حذفها لأن هناك قوانين خاصة من الخير بقاؤها قائمة.

الرئيس : والآن هل توافقون حضراتكم على هذه المادة .

(موافقة)



(1) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 168 .

الطعن 141 لسنة 8 ق جلسة 5 / 12 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 14 ص 109

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن السيد أيوب ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(14)

القضية رقم 141 لسنة 8 القضائية

(أ) شركات - مرافق عامة 

- نص القانون رقم 243 مكرراً لسنة 1956 على الإذن لوزير الحربية بشراء جميع أسهم الشركة، وبانتهاء شخصيتها الاعتبارية، وبإلحاقها بمصنع الطائرات وسريان أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 عليها - صيرورة المصنع المملوك لهذه الشركة مرفقاً عاماً.
(ب) موظف عام - تعريفه 

- قرار وزير الحربية رقم 1645 في 14/ 11/ 1956 بناء على السلطة المخولة بالقانون رقم 206 لسنة 1956، بالاستيلاء على مصانع ومنشآت الشركة التي أذن له في شراء جميع أسهمها بالقانون رقم 243 مكرراً لسنة 1956، وانتهاء شخصيتها، وبإلحاقها بمصنع الطائرات. وتضمن هذا القرار تكليف العاملين بها الذين تحددهم إدارة هذا المصنع بالاستمرار في العمل بها للمدد التي تحددها تحت إشرافه - اعتبار هؤلاء العاملين موظفين عموميين تربطهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية لا تعاقدية - أساس ذلك وأثره: فصل العامل بعد انتهاء المدة المحددة لخدمته.

---------------
(1) في 6 من يونيه 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 وقضى في مادته الأولى بأن "يرخص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ش. م. م وذلك في حدود مبلغ 91000 جنيه" كما قضى في مادته الثانية بأن "تنتهي الشخصية الاعتبارية لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية" وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه لما كانت أغراض شركة سيرفا المشار إليها ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي ونظراً لأهمية قيام تلك الصناعة في مصر من الوجهة الحربية، وتذليلاً للصعاب التي تعترض طريق إنتاج تلك المعدات الحربية فقد رأت وزارة الحربية أن تقوم الحكومة بشراء تلك الشركة على أن تلحق بعد شرائها بمصنع الطائرات الحربية الذي أنشئ بالقانون رقم 3 لسنة 1954 وذلك لشدة احتياج مصنع الطائرات الحربية لمنتجات الشركة المذكورة.
ويستفاد مما تقدم أن المصنع المملوك أصلاً لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كان - على ما هو واضح من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 - يقوم على أغراض ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي وينتج من المعدات الحربية ما كان مصنع الطائرات الحربية في حاجة شديدة إليه، وهو بهذه المثابة وباستيلاء الحكومة عليه في 14 من نوفمبر سنة 1965 وتوليها إدارته بواسطة إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية لاستخدامه في الأغراض العامة، قد أصبح مرفقاً عاماً.
(2) صدر الأمر رقم 1645 في 14 من نوفمبر 1956 من وزير الحربية بناء على أن العلاقة بين المدعي والمدعى عليها أصبحت علاقة لائحية وليست مادته الأولى على أن "يستولى فوراً على مصانع ومنشآت ومتعلقات شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كاملة بتجهيزاتها". وفي المادة الثانية على أن "تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلام مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المشار إليها في المادة الأولى من هذا الأمر لاستخدامها في الأغراض المطلوبة". وفي المادة الثالثة على أن "يكلف أفراد الشركة المذكورة الذين تحددهم إدارة مصانع الطائرات بالاستمرار في العمل للمدد التي تحددها وتحت إشرافها".
إن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى، ولما كان الموظف والعمال الذين كانت شركة... تستخدمهم أصلاً قد كلفوا - بمقتضى الأمر سالف الذكر الذي صدر أمر الاستيلاء مقروناً به - بالاستمرار في العمل بالمصنع المستولى عليه تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية وألحقوا بموجب هذه الأداة الاستثنائية الخاصة بخدمة تلك الإدارة وأصبحوا تابعين لها، فإنهم بحكم كونهم أداتها في تسيير ذلك المرفق العام الذي تقوم عليه، يعدون موظفين عموميين وتسري عليهم تبعاً لذلك الأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة وعمالها فيما لم يرد به نص خاص في أمر التكليف الصادر إليهم وفي القانون الذي ينظم إصداره، فعلاقتهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية أو تنظيمية لا تعاقدية كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - وقد بدأت وقامت على أمر التكليف الصادر إليهم من وزير الحربية بإرادته المنفردة دون دخل لإرادتهم أو تعليق على رضائهم الذي لا قيام لتعاقد مع انتفائه.
ومن حيث إن أمر التكليف المشار إليه، والذي تخضع الرابطة بين العمال المكلفين والحكومة للأحكام الخاصة الواردة به، قد نص على أن يكون عملهم بإدارة مصانع الطائرات للمدد التي تحددها هذه الإدارة، ومن ثم كان الأمر في تحديد الوقت الذي تنتهي عنده خدمة كل منهم مرده إليها تترخص فيه على هدي متطلبات انتظام العمل بالمصنع وحسن سيره، وقرارها في هذا الشأن لا تعقيب عليه ما برئ من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، وإذا كانت جهة الإدارة في الدعوى المطروحة قد أنهت بالقرار المطعون فيه خدمة المدعي في الوقت الذي حددته، فإن قرارها هذا يجد سنده القانوني فيما خول لها صراحة في أمر التكليف على نحو ما تقدم مما لا محل معه للنعي على القرار بمخالفة القانون.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 30 من ديسمبر سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيدين وزير الحربية ومدير عام الهيئة العامة للمصانع الحربية بصفتيهما تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 30 من أكتوبر سنة 1961 من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في الدعوى رقم 86 لسنة 7 القضائية والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً , وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 22 من يناير سنة 1962, ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة بجلسة 23/ 6/ 1962 وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 86 لسنة 7 القضائية ضد السيد وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى للمصانع الحربية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 7 من نوفمبر سنة 1959 طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري الصادر بتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 والمبلغ له في 4 من ديسمبر سنة 1958 والذي قضى بفصله من الخدمة واعتبار هذا القرار كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال بياناً للدعوى إنه التحق بالعمل بشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) عام 1954 ولدماثة خلقه ولأنه معروف بين زملائه بالتضحية ونكران الذات فقد انتخبوه رئيساً لنقابة عمال ومستخدمي تلك الشركة، وبتاريخ 6 من يونيه سنة 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 بالترخيص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم الشركة على أن تنتهي الشخصية الاعتبارية لها من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية، وتنفيذاً لهذا القانون أصدر السيد الوزير أمراً بالاستيلاء على الشركة استيلاء مؤقتاً حتى يتم شراء أسهمها، وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 صدر القرار رقم 211 لسنة 1958 من وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع الحربية جاء به "إنهاء خدمة السيد/ حسن بحر عبد المولى رئيس قسم التجميع بمصنع سيرفا بمقتضى المادتين 36، 37 من المرسوم بقانون 317 لسنة 1952 وإلغاء أمر التكليف الصادر له بالعمل في مصنع سيرفا وحفظ حقوقه طبقاً للمادتين سالفتي الذكر وذلك لتزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل، وعند انعقاد مجلس التحقيق يقصد التأثير على إجراءاته". واستطرد المدعي قائلاً إنه أخطر بهذا القرار في 4 من ديسمبر سنة 1958 وتظلم منه للسيد الوزير ومضى على التظلم أكثر من ستين يوماً وأعقب ذلك بطلب معافاته من الرسوم القضائية في الطلب رقم 645 لسنة 6 القضائية وأنه ينعى عليه مخالفته للقانون لأن المادة الثانية من القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 تقضي بأن تنتقل إلى وزارة الحربية جميع حقوق والتزامات الشركة ومن ضمن هذه الالتزامات احترام لائحة الجزاءات الخاصة بالشركة، وفضلاً عن أن ما وجه إليه من اتهامات أو مخالفات لا صحة له لأنه كرئيس لنقابة العمال والمستخدمين إنما كان يعمل على رعاية مصالحهم وحمايتهم، فإن توقيع جزاء الفصل عليه كان خاطئاً إذ أن البند 19، 24 من لائحة الجزاءات المشار إليها قد نص على أن جمع التوقيعات بدون إذن أو الادعاء كذباً على الرؤساء أو الزملاء مما قد يؤدي إلى تعطيل العمل يوجب جزاء قدره خصم نصف يوم من الأجر للمرة الأولى وخصم يوم للمرة الثانية ويومين للمرة الثالثة وثلاثة أيام للمرة الرابعة وبعد ذلك يجوز توقيع عقوبة الفصل، وخلص المدعي من ذلك إلى أن تصرف الجهة الإدارية كان مخالفاً للقانون أو على الأقل فيه تعسف في استعمال الحق بفرض أنه قد ارتكب جرماً يستوجب الجزاء.
وردت الهيئة العامة للمصانع الحربية على الدعوى بمذكرة مؤرخة 9 من فبراير سنة 1960 تضمنت أن وزارة الحربية وضعت يدها على مصنع شركة سيرفا سابقاً (حالياً مصنع رقم 333) وكان رأس ماله قد نفذ مرتين مما دعى المساهمون في أول الأمر إلى مناشدة الحكومة التدخل فساهمت في رأس ماله، وفي المرة الثانية اضطرت الوزارة إلى استصدار قرار بالاستيلاء عليه وإدارته بمعرفتها وذلك حتى لا يشرد عماله. وكان المأمول من المدعي الذي كان رئيساً لنقابة عمال ومستخدمي الشركة أن يتعاون مع الوزارة إلى أن تتحسن أحوال المصنع غير أنه استغل صفته ووظيفته لتحريض العمال على تقديم شكاوى ضد بعض المسئولين بالمصنع، الأمر الذي أوجد حالة من البلبلة أثرت على إنتاج المصنع إلى حد كبير وهو الذي يعتبر مصنعاً حربياً ومكملاً لإنتاج بعض الأسلحة، وأنه عقب شكوى قدمت للمسئولين شكلت لجنة لتحقيق ما جاء بها، غير أن المدعي رأى أن يستغل وجود اللجنة ليحول الاتهامات إلى بعض خصومه هو الشخصيين من القائمين بالأعمال في المصنع، فتقدم فعلاً بشكوى وحصل على توقيعات العمال عليها، وباستجوابه اتضح أنه لم يكن يقصد الصالح العام وراء شكواه وإنما كان يقصد الإضرار بخصومه مما يدل على أنه كان يستغل النقابة التي كان يرأسها لقضاء مصالحه الخاصة، وأن لائحة الجزاءات التي أشار إليها قد وضعت وقت أن كان المصنع يتبع شركة مدنية ليست لها علاقة مباشرة بالحكومة وبحركة التصنيع والإنتاج الحربي في البلاد، ولذلك كانت جزاءاتها سهلة هينة. ولما كانت الهيئة ترى أن من حقها المحافظة على أموال الدولة التي أنفقتها في سبيل إصلاح حال المصنع المذكور كما أنها ترى من حقها تأمين إنتاج المصنع لضمان الإنتاج ولإمداد القوات المسلحة بحاجتها من الذخيرة والعتاد وخاصة أن النقابات هي من التشكيلات المحظور تكوينها أو إنشاؤها في المصانع الحربية طبقاً للمادة الأولى من قانون النقابات القديم، وخشية من سيطرة أحدهم عليها مما قد يضر بالمصلحة العامة ولما ثبت من أن المدعي استغل صفته ووظيفته كرئيس لنقابة العمال وقام بتحريضهم، لذلك رأت الهيئة الاستغناء عن خدماته مع معاملته معاملة عادلة بصرف كل حقوقه له طبقاً للقوانين، فصدر القرار الإداري رقم 211 لسنة 1958 متضمناً إنهاء خدمته بمقتضى المادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 مع إلغاء أمر التكليف الصادر له بالعمل في مصنع سيرفا مع حفظ حقوقه طبقاً للمادتين سالفتي الذكر، وانتهت المذكرة إلى طلب رفض الدعوى بناء على أنها غير قائمة على أساس سليم من القانون.
ورد المدعي على مذكرة الوزارة بأنه حتى تاريخ فصله لم تكن شركة سيرفا قد زالت شخصيتها الاعتبارية إذ في ذات تاريخ الفصل 4 من ديسمبر سنة 1958 تم التوقيع على عقد بيع الشركة للمصانع الحربية، أما قبل ذلك التاريخ فكان هناك قرار استيلاء مؤقت بوضع الشركة تحت إدارة وزارة الحربية، وبذا لم يكن هناك مانع من قيام النقابة بل لو أن هناك مانعاً لما توانت المصانع الحربية عن استصدار قرار بحلها. فوجود النقابة وكون المدعي رئيساً لها لا يمكن أن يفسر ضده، وأنه إذا كان قد استغل صفته لتحريض العمال فقد تولت لائحة الجزاءات تنظيم هذه الأمور وهي اللائحة الواجبة التطبيق بنص القانون الذي نقل الشركة إلى المصانع الحربية بنفس الميزات التي كانت لهم من قبل، وأن وزارة الحربية اعترفت بأن الشكوى المقدمة كان مقصوداً بها النيل من بعض الأشخاص الذين يشغلون وظائف رئيسية في الشركة ولعل في هذا الاعتراف دليل على أن أولئك الرؤساء قد قصدوا الانتقام من المدعي، وساق المدعي بعد ذلك أدلته على الفصل التعسفي فذكر أن الفصل تم دون تحقيق وأنه لم يواجه في التحقيق الذي أجري بأي اتهام وكان واجباً أن يعطى فرصة للدفاع عن نفسه، وأنه ليس في الأوراق ما يفيد أن الشكوى المقدمة من المدعي وزملائه قد أثرت على إنتاج المصنع، وأن وزارة الحربية حين استولت على المصنع لم تعلن أنها قد ألغت لائحة الجزاءات بل ظلت تطبقها حتى زالت الشخصية المعنوية للشركة في 4 من ديسمبر سنة 1958 وليس من المعقول أن يعاقب المتهم بقانون لا يعلمه، وأنه قدم في دعوى المعافاة شهادات من المهندس العقيد عبد الحميد هنداوي تشهد له بأنه كان مخلصاً في عمله وعلى دراية وخبرة فنية ممتازة ومستقيماً، ومما يثير التساؤل أن يشهد مدير المصنع هذه الشهادة وهو الرئيس المباشر للمدعي في الوقت الذي تتهمه فيه الإدارة بسوء الخلق وخلق المنازعات والتأثير على إنتاج المصنع.
وقد قدم مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 30 من أكتوبر سنة 1961 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية حكمها في الدعوى قاضياً بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وقد ذكر الحكم في أسبابه أن المدعي أقام الدعوى رقم 2334 لسنة 1959 تجاري كلي عمال القاهرة ضد السيدين مدير شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ووزير الحربية طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين أولاً بإعادته إلى عمله واعتبار قرار فصله كأن لم يكن، وثانياً إلزامهما بأن يدفعا له مبلغ 300 جنيه كتعويض، وأنه بتاريخ 6 من إبريل سنة 1959 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وبعدم اختصاصها بنظرها وأعفت المدعي من المصروفات. وأسست قضاءها على أن قرار فصل المدعي هو قرار إداري تختص بنظره محاكم القضاء الإداري، كما تضمنت أسباب حكم المحكمة الإدارية أن "المدعي قد التحق بخدمة شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) بموجب عقد محرر في 17 من نوفمبر سنة 1954 نص فيه على أن شروط هذا الاستخدام خاضعة لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي وكذلك للوائح الشركة. وقد أصدر وزير الحربية قراراً في 14 من نوفمبر سنة 1956 بالاستيلاء على مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المذكورة على أن تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلامها لاستخدامها في الأغراض المطلوبة لها. وصدر أمر تكليف للمدعي بالاستمرار في العمل تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات. وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية قراراً بإنهاء خدمة المدعي بالتطبيق لأحكام المادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 الخاص بعقد العمل الفردي آنف الذكر مع إلغاء أمر التكليف له بالعمل في مصنع سيرفا، ومن ثم تكون العلاقة بين المدعي والحكومة علاقة عقدية يحكمها عقد العمل الفردي". ثم عرض الحكم بعد ذلك للشكوى المشار إليها في دفاع الوزارة أمام هذه المحكمة فقال "ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع الحربية أمراً بتشكيل مجلس تحقيق للتحقيق في واقعة تقدم السيد/ حمزة عبد السلام أدهم مدير الأفراد بمصنع سيرفا بتقرير مؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1958 إلى السيد/ كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم، وكذلك فيما تضمنه ذلك التقرير. وقد استجوب المجلس 26 موظفاً وعاملاً من بينهم المدعي وقد اعترف السيد/ حمزة عبد السلام بأنه مقدم الشكوى موضوع التحقيق، وقال إنها ليست شكوى بالمعنى المفهوم وإنما هي تقرير عن أخطاء لاحظها وكيفية علاجها، وأن الدافع له في تقديم التقرير إلى السيد/ كمال الدين حسين هو زمالته السابقة له ولصالح المجموعة التي يعيش فيها وصالح المصانع الحربية باعتبارها عاملاً من العوامل الأساسية في نهضتنا الحالية. وأثناء قيام المجلس بالتحقيق تقدم المدعي - بصفته رئيساً لنقابة مستخدمي وعمال الشركة - بشكوى إلى رئيس مجلس التحقيق موقع عليها منه ومن أعضاء مجلس إدارة النقابة وبعض مستخدمي وعمال الشركة ضد السيد/ حسن محمد توفيق المدير الإداري للمصنع. وقد قرر مجلس التحقيق أن السيد/ حسن بحر عبد المولى (المدعي) ارتكب المخالفات الآتية:
(1) تزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية ذكرت في أقواله.
(2) حصوله على بعض التوقيعات على الشكوى أثناء العمل والتحقيق بقصد التأثير في إجراءاته".
وبعد أن استعرض الحكم الأقوال التي أبديت في التحقيق خلص إلى ما يأتي "ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن ثمة شكوى وقعها رئيس وأعضاء مجلس إدارة النقابة - التي أوصى مجلس التحقيق بحلها على أن تؤول أموالها إلى لجنة إدارية تنشأ بالمصنع - وعدد كبير من المستخدمين والعمال ضد السيد/ حسن محمد توفيق المدير الإداري للمصنع بدار النقابة يوم الجمعة الموافق 24 من أكتوبر سنة 1958 وقد حمل المدعي بصفته رئيساً للنقابة الشكوى قبل انصرافه من دار النقابة وظلت معه حتى وقت تقديمها، كما طلب من بعض الموظفين والعمال في اليوم التالي أثناء العمل بالمصنع التوقيع على الشكوى، إلا أنه لم يثبت في حق المدعي أنه هو الذي دعا إلى اجتماع بدار النقابة أو أنه محرر الشكوى أو أنه تزعم العمال ووجههم ضد بعض الموظفين، كما أن مجلس التحقيق قد انتهى إلى مساءلة المشكو في حقه... ومن حيث إن العلاقة بين المدعي والحكومة هي علاقة عقدية يحكمها قانون عقد العمل الفردي ولائحة الجزاءات الخاصة بشركة سيرفا فإنه وعلى فرض ثبوت التهمتين المذكورتين الموجهتين للمدعي والذي على ضوئهما فصل من الخدمة وهما لا تخرجان عن كون المدعي قد ادعى كذباً على رؤسائه أو زملائه لأسباب شخصية وحصوله - لتزعمه العمال - على بعض التوقيعات على شكوى أثناء العمل. ولما كانت لائحة الجزاءات الخاصة بالشركة المذكورة والصادر بها قرار من وزير الشئون الاجتماعية في 4 من إبريل سنة 1953 تنص على أن جمع التوقيعات بدون إذن أو الادعاء كذباً على الرؤساء أو الزملاء مما يؤدي إلى تعطيل العمل يعاقب عليه بخصم نصف يوم في المرة الأولى ويوم في المرة الثانية ويومين في المرة الثالثة وثلاثة أيام في المرة الرابعة وإذا تكررت المخالفة لأكثر من رابع مرة قبل مضي ستة أشهر على وقوع المخالفة السابقة لها جاز فصل العامل مع صرف المكافأة. ولما كان الثابت أن مخالفة المدعي للنص المشار إليه كانت للمرة الأولى، ومن ثم يكون ما وقع على المدعي من عقوبة الفصل مخالفاً للقانون وبالتالي طلب إلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة مستنداً على أساس سليم من القانون.
وبصحيفة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 30 من ديسمبر سنة 1961 طعن الطاعنان في حكم المحكمة الإدارية المشار إليه طالبين إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده، وقام الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تكييف العلاقة بين المدعي والحكومة على أنها علاقة عقدية يحكمها عقد الاستخدام والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي، وأن هذا التكييف سليم، إلا أنه عند التطبيق على واقعة الدعوى وطلبات المدعي خرج الحكم عن نطاق تطبيق القانون المذكور، ذلك أن المدعي قد فصل من الخدمة بمقتضى المادة 36 من هذا القانون ونصها يعطي لكل من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة الحق في إلغاء العقد بإرادته المنفردة بعد إمهال الطرف الآخر أو تعويضه عن مدة المهلة، وهذا الحكم هو ما تضمنته أيضاً المادة 694 من القانون المدني في فقرتها الثانية، وحكمة تقرير هذا الحق لكل من طرفي العقد هو القضاء على كل شبهة بشأن أبدية العقد، بمعنى أن العقد غير المحدد المدة عقد مؤقت فلا يجوز التنازل مطلقاً عن الحق في فسخه, واستعمال هذا الفسخ بالإرادة المنفردة لا يترتب أية مسئولية طالما استند إلى مبرر، فإذا أعوزه المبرر كان للطرف الذي أصابه الضرر من هذا الفسخ الحق في تعويض تقدره المحكمة عملاً بنص المادة 39 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 والفقرة الثانية من المادة 695 مدني، ومناقشة المبررات التي دعت إلى إصدار القرار المطعون فيه لبيان ما إذا كان قد صدر في وقت لائق أم أنه جاء مشوباً بالتعسف مكانها الطبيعي في دعوى التعويض عن الفصل لا في الدعوى الراهنة.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى أبدت فيه أن مجرد تكليف بعض العمال والموظفين بالاستمرار في شركة سيرفا المستولى عليها لا يقلب صفة هؤلاء العمال والموظفين من أفراد يخضعون لأحكام القانون الخاص وتربطهم بالشركة علاقة عقدية يحكمها قانون العمل الفردي إلى موظفين عموميين تربطهم بالجهة الإدارية علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ذلك أن الجهة الإدارية لم تنصرف إرادتها إلى تعيين هؤلاء العمال والموظفين واعتبارهم ضمن عمالها وموظفيها وإنما قصدت فقط إلى إلحاقهم بالعمل في نفس وظائفهم وبنفس حالتهم بصفة مؤقتة مراعاة لحسن سير المرفق بانتظام واطراد وعلى مقتضى هذا تظل علاقتهم بالشركة المشرفة عليها إدارة مصانع الطائرات بموجب قرار الاستيلاء علاقة عقدية يحكمها قانون عقد العمل الفردي ولوائح الشركة المذكورة ومن بينها اللائحة الخاصة بالجزاءات، أنه لما كان قانون عقد العمل الفردي لم يجز في أحكامه إلغاء قرار فصل العامل أو إنهاء خدمته إذا فسخ عقده دون مبرر وإنما كل ما قرره للعامل من حقوق في هذا الشأن هو استحقاقه لتعويض عن فصله دون مهلة فضلاً عن استحقاقه للمكافأة على الوجه المبين بالقانون، وأنه لا محل بعد ذلك لبحث سبب قرار إنهاء خدمة المطعون ضده ومدى مطابقته أو مخالفته للقانون بغية الوصول إلى إلغائه، وانتهت هيئة المفوضين إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وقد قدم المطعون ضده مذكرة ختامية طلب فيها رفض الطعن مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأورد فيها أنه كان قد رفع الدعوى 2334 لسنة 1959 عمال كلي القاهرة بطلب إعادته إلى عمله واعتبار قرار فصله كأن لم يكن وتعويضه بمبلغ 3000 جنيه وقد دفع فيها الحاضر عن الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع بناء على أن العلاقة بين المدعي والمدعى عليها أصبحت علاقة لائحية وليست تعاقدية ويختص بنظرها مجلس الدولة استناداً إلى أحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 وقد أخذت المحكمة بالدفع المذكور وحكمت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإزاء هذا الحكم بادر برفع الدعوى الحالية أمام المحكمة الإدارية المختصة واستطرد المطعون ضده قائلاً إن العلاقة بينه وبين الجهة الإدارية في مرحلة الاستيلاء المؤقت هي علاقة لائحية ذلك أنه عند استيلاء الوزارة على الشركة أصدرت أمراً للعمال والموظفين بتكليفهم الاستمرار في العمل وفي إصدار هذا الأمر إهدار لأهم شرط في عقد العمل وهو ركن الرضا، ولئن كان قرار الفصل قد قرر معاملته بأحكام قانون العمل فإن هذا لا يخلع عن العلاقة صفتها اللائحية إذ للجهة الإدارية الحق في الاسترشاد بالقوانين المعمول بها، على أن هذا البحث لا محل له من شراء الحكومة للمصنع في 4 من ديسمبر سنة 1958 إذ تنقلب العلاقة بحكم القانون إلى علاقة لائحية والمطعون ضده قد أبلغ قرار الفصل في ذلك اليوم ومن ثم يجوز له أن يلجأ للقضاء الإداري بطلب إلغاء القرار المذكور بالتطبيق لأحكام قانون مجلس الدولة، وأضاف المطعون ضده أنه إذا أخذ برأي الدفاع عن الحكومة ورأي هيئة المفوضين من أن العلاقة ينطبق عليها قانون عقد العمل الفردي فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب فيما ذهب إليه بعد أن تبين أن الفصل من الوظيفة إنما تم بسبب نشاط المطعون ضده النقابي ويتعين إعادته للعمل بالتطبيق للمادة 39 مكرر من ذلك القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه في يوم 6 من يونيه سنة 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 وقضى في مادته الأولى بأن "يرخص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ش. م. م. وذلك في حدود مبلغ 91000 جنيه" كما قضى في مادته الثانية بأن "تنتهي الشخصية الاعتبارية لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية" وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه لما كانت أغراض شركة سيرفا المشار إليها ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي ونظراً لأهمية قيام تلك الصناعة في مصر من الوجهة الحربية وتذليلاً للصعاب التي تعترض طريق إنتاج تلك المعدات الحربية فقد رأت وزارة الحربية أن تقوم الحكومة بشراء تلك الشركة على أن تلحق بعد شرائها بمصنع الطائرات الحربية الذي أنشئ بالقانون رقم 3 لسنة 1954 وذلك لشدة احتياج مصنع الطائرات الحربية لمنتجات الشركة المذكورة - وأعقب هذا القانون صدور الأمر رقم 1645 في 14 من نوفمبر سنة 1956 من وزير الحربية بناء على السلطة المخولة له بالقانون رقم 206 لسنة 1956 وهو ينص في مادته الأولى على أن "يستولى فوراً على مصانع ومنشآت ومتعلقات شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كاملة بتجهيزاتها". وفي المادة الثانية على أن "تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلام مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المشار إليها في المادة الأولى من هذا الأمر لاستخدامها في الأغراض المطلوبة". وفي المادة الثالثة على أن "يكلف أفراد الشركة المذكورة الذين تحددهم إدارة مصانع الطائرات بالاستمرار في العمل للمدد التي تحددها وتحت إشرافها" وفي 22 من أكتوبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع أمراً بتشكيل مجلس تحقيق للتحقيق مع السيد/ حمزة عبد السلام أدهم من مصنع سيرفا لتقدمه بتقرير مؤرخ في 19 من أكتوبر سنة 1958 عن المصانع الحربية لجهة غير مختصة وكذلك التحقيق فيما تضمنه ذلك التقرير من وقائع - وفي 24 من نوفمبر سنة 1958 أصدر وكيل الحربية لشئون المصانع القرار رقم 211 لسنة 1958 (وهو القرار المطعون فيه) قاضياً بإنهاء خدمة كل من حمزة عبد السلام أدهم والمدعي تطبيقاً للمادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 وإلغاء أمر التكليف الصادر لكل منهما بالعمل في مصنع سيرفا مع حفظ حقوقهما طبقاً للمادتين سالفتي الذكر وذلك - بالنسبة للأول - لما أتاه من تصرفات محاولاً إثارة الضجة وإظهار المصانع الحربية بصورة بعيدة عن الواقع مع علمه بأنه ليس لديه أدلة تؤيد ما ادعاه في تقريره المؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1958 المرفوع للسيد وزير التربية والتعليم المركزي الأمر الذي يترتب عليه إزعاج السلطات العليا دون مبرر، وبالنسبة للثاني أي المدعي لتزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل وعند انعقاد مجلس التحقيق بقصد التأثير على إجراءاته، كما قضى القرار المطعون فيه بأن تتخذ الإجراءات القانونية لحل نقابة مستخدمي وعمال شركة سيرفا ويستعاض عنها بإنشاء لجنة للنشاط الرياضي والاجتماعي تتبع الاتحاد العام للنشاط الرياضي والاجتماعي للمصانع الحربية، وبأن ينشر على موظفي وعمال مصنع سيرفا بأن أي طلبات أو تظلمات يجب أن ترفع بالطريق القانوني المنصوص عليه في لائحة عمال المصانع الحربية ومصانع الطائرات وأن أي خروج عن هذه القواعد سوف يعرض مرتكبوها لأشد الإجراءات.
ويستفاد مما تقدم أن المصنع المملوك أصلاً لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كان - على ما هو واضح من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 - يقوم على أغراض ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي وينتج من المعدات الحربية ما كان مصنع الطائرات الحربية في حاجة شديدة إليه، وهو بهذه المثابة وباستيلاء الحكومة عليه في 14 من نوفمبر سنة 1956 وتدويلها إدارته بواسطة إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية لاستخدامه في الأغراض العامة، قد أصبح مرفقاً عاماً.
إن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى، ولما كان الموظفون والعمال الذين كانت شركة سيرفا تستخدمهم أصلاً قد كلفوا - بمقتضى الأمر سالف الذكر الذي صدر أمر الاستيلاء مقروناً به - بالاستمرار في العمل بالمصنع المستولى عليه تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية وألحقوا بموجب هذه الأداة الاستثنائية الخاصة بخدمة تلك الإدارة وأصبحوا تابعين لها، فإنهم بحكم كونهم أداتها في تسيير ذلك المرفق العام الذي تقوم عليه، يعدون موظفين عموميين وتسري عليهم تبعاً لذلك الأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة وعمالها فيما لم يرد به نص خاص في أمر التكليف الصادر إليهم وفي القانون الذي ينظم إصداره، فعلاقتهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية أو تنظيمية لا تعاقدية - كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - وقد بدأت وقامت على أمر التكليف الصادر إليهم من وزير الحربية بإرادته المنفردة دون دخل لإرادتهم أو تعليق على رضائهم الذي لا قيام لتعاقد مع انتفائه.
ومن حيث إن أمر التكليف المشار إليه، والذي تخضع الرابطة بين العمال المكلفين والحكومة للأحكام الخاصة الواردة به، قد نص على أن يكون عملهم بإدارة مصانع الطائرات للمدد التي تحددها هذه الإدارة، ومن ثم كان الأمر في تحديد الوقت الذي تنتهي عنده خدمة كل منهم مرده إليها تترخص فيه على هدي متطلبات انتظام العمل بالمصنع وحسن سيره، وقرارها في هذا الشأن لا تعقيب عليه ما برئ من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، وإذا كانت جهة الإدارة في الدعوى المطروحة قد أنهت بالقرار المطعون فيه خدمة المدعي في الوقت الذي حددته فإن قرارها هذا يجد سنده القانوني فيما خول لها صراحة في أمر التكليف على نحو ما تقدم مما لا محل معه للنعي على القرار بمخالفة القانون، أما عن النعي عليه بإساءة استعمال السلطة فليس ثمة في أوراق الدعوى أي دليل على أن جهة الإدارة بإنهائها خدمة المدعي وإلغاء تكليفه قد صدر عن الهوى أو الغرض واستهدفت غير وجه الصالح العام، وقد صدر قرارها هذا في مناسبة ما نسب إليه بعد تحقيقات أجريت ممن تزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل وعند انعقاد مجلس التحقيق بقصد التأثير على إجراءاته، وهو ما ينأى بقرارها عن منطقة الانحراف إذ لا يخفي ما يحيط بالعمل في ذلك المرفق الهام مرفق المصانع الحربية من اعتبارات خاصة تدعو إلى أبلغ الحرص على سيره في انتظام وهدوء وعلى تجنيبه أي عامل للقلقلة أو الاضطراب.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بمصاريفها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1273 لسنة 7 ق جلسة 5 / 12 / 1964 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 13 ص 102

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

----------------

(13)

القضية رقم 1273 لسنة 7 القضائية

مسئولية 

الخطأ المرفقي - تعريفه - تعدد الأخطاء المرفقية والشخصية التي ساهمت في إحداث الضرر، وتفاوت درجاتها - أثره: تقسيم الضرر (المسئولية) بين المرفق العام لتأديته الخدمة على وجه سيء، والموظف الذي ثبت تقصيره، وقامت علاقة السببية بين هذا التقصير والضرر، ولم تنتف بسبب أجنبي أو بفعل الغير.

---------------
يبين من مساق الوقائع ومن تقرير اللجنة الفنية أن هناك أخطاء عديدة في إدارة هذا المرفق وأنه ينسب إليها الضرر الذي وقع ولم يوجد من بينها الخطأ الذي يجب الآخر بل كلها ساهمت في إنتاج الضرر وإن تفاوتت درجاتها، وهذه الأخطاء بعضها مرفقي وبعضها شخصي، ومنها ما عرف الشخص الذي اقترف الخطأ ومنها من لم يعرف مقترفه.
ومن حيث إنه لا يمكن نسبة الخطأ الذي ولد الضرر إلى المرفق وحده واعتباره خطأ مرفقياً، إذ الخطأ المرفقي هو ما لا يمكن اعتباره خطأ شخصياً، ومن ثم تسأل عنه إدارة المرفق وحدها.
ومن حيث إنه من جهة أخرى قام الدليل على أن الطاعن لم يؤد واجبه دون تقصير ومظهر تقصيره أنه وقع على استلام العلبة الفاقدة دون أن يتأكد من محتوياتها، ولم يكن دقيقاً في استلامه وتسلمه لها وفي التوقيع على الأوراق الخاصة بها رغم ما فيها من عديد الأخطاء ولم يجر عليه مطابقة رقم الإيصال الذي استلم به المصوغات الفاقدة على الرقم المدون بالاستمارة، وإجراؤها أمر لازم وجوهري، ولا يقبل منه القول أن كثرة الأخطاء الواردة بهذه الأرقام تمنع من إجراء المطابقة إذ أن كثرتها لا تحول دون إجراء عملية المضاهاة، وكان عليه أن يصوب هذه الأرقام أو يطلب تصويبها أو يمتنع عن التوقيع، كما لا يقدح في دفع المسئولية عنه الظروف التي ذكرها وهي ضغط العمل وتزاحم أصحاب الشأن، إذ لو قيل بأن هذه الظروف من شأنها أن تعدم المسئولية لأضحى الأمر فوضى ولا ضابط له ولضاعت ثقة الناس في أمانة هذا المرفق بحجة هذه التعللات التي يلجأ إليها كل من يباشر عملاً في مثل هذه الظروف.
ومن حيث إن المحكمة تستنتج من مساق هذه الوقائع أن الطاعن لم يكن حريصاً كل الحرص على أداء واجبه، بل وقع منه تقصير ساهم في إنتاج الضرر، كما يوجد تقصير آخر بعضه مرفقي والآخر شخصي، ومن ثم كان الحكم المطعون فيه على صواب في تقسيمه الضرر وتحميله المرفق العبء الكبير من الضرر لتأديته هذه الخدمة على وجه سيء، بعضه مادي والبعض الآخر شخصي، لما كشف عنه التحقيق وتقرير اللجنة الفنية كما كان هذا الحكم موفقاً في إلقاء جانب يسير من المسئولية على عاتق الطاعن وقد ثبت تقصيره وقامت علاقة السببية بين هذا التقصير والضرر الذي حدث ولم تنتف هذه العلاقة بسبب أجنبي أو بفعل الغير، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ويتعين القضاء برفضه.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق أول يونيه سنة 1961 أودع الأستاذ رمسيس فرعون نيابة عن الأستاذ حلمي شاهين المحامي المقبول أمام هذه المحكمة والوكيل عن شحاتة محمد أحمد يوسف سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الاقتصاد والخزانة في الدعوى رقم 108 لسنة 7 ق بجلسة 3/ 4/ 1961 وطلب الطاعن اعتماداً على أسباب طعنه إلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء الأمر الإداري رقم 73 المؤرخ 22/ 3/ 1959 الصادر من مصلحة الدمغ والموازين فيما تضمنه من مجازاته بإنذاره وإلزامه بدفع قيمة علبة المصوغات المفقودة مع رد ما سبق استقطاعه من راتبه بسبب ذلك دون وجه حق.
وقد أعلن الطعن في 8/ 6/ 1961 وتعين له أولاً جلسة أمام دائرة فحص الطعون فقررت بإحالته إلى هذه الدائرة فنظرته على النحو الوارد في محاضر الجلسات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد مطالعة الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات هذه المنازعة تتلخص في أن الطاعن أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 73 الصادر في 22/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاته بالإنذار وبإلزامه بدفع قيمة علبة المصوغات المفقودة مع رد ما سبق خصمه من راتبه دون وجه حق، وبسط دعواه بأنه يعمل رئيس خزانة مصلحة دمغ المصوغات الذهبية، وفي 29 من شهر يوليه سنة 1954 فقدت علبة مصوغات ذهبية خاصة بشركة الوادي للمعادن قيمتها 289 جنيهاً و990 مليماً وأبلغ الأمر للنيابة فحققته وانتهت من تحقيقها إلى قيده ضد مجهول، وفي 4/ 8/ 1954 كونت لجنة فنية لتحديد أسباب الفقد فأثبتت في تقريرها أن الإجراءات المتبعة في نظام استلام المصوغات وتداولها بين الأقسام الفنية في مراقبة الدمغ والموازين مشوبة بعيوب وأخطاء من شأنها عدم إمكان تحديد المسئولية عن فقدانه كمية من المصوغات. ثم أجرت النيابة الإدارية تحقيقاً خلصت منه إلى نفس النتيجة، وقالت بعدم إمكان تحديد المسئولية الجنائية أو الإدارية قبل شخص معين لشيوع المسئولية، ومن ثم تقدمت وزارة الاقتصاد إلى وزارة الخزانة بطلب إضافة قيمة المصوغات المفقودة على جانب الحكومة، فرفضت الأخيرة ذاكرة أن شيوع المسئولية لا يبرر هذا الطلب ثم ارتأت إعادة التحقيق، ثم عرض الأمر على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فرأت عدم جواز مطالبة موظفي مراقبة الدمغ والموازين بأداء ثمن المصوغات الفاقدة، إلا أن وزارة الخزانة لم تقبل هذا الرأي وطلبت إعادة عرض الموضوع مرة أخرى على إدارة الفتوى والتشريع لأخذ رأيها فيما إذا كانت هذه الحالة يحكمها نص المادة 349 من لائحة المخازن والمشتريات.
فقالت إدارة الفتوى بأن نص هذه المادة لا يطبق لعدم توافر شروط تطبيقه ولكنها ذهبت إلى أنه ما دام أن شخصاً معيناً بالذات كتب على نفسه إيصالاً باستلام العلبة الفاقدة فيمكن مساءلته، وعندئذ أعادت النيابة الإدارية التحقيق فارتأت مساءلة الطاعن مسئولية محققة لظروف العمل السابق إيضاحها.
وفي 8/ 9/ 1958 حددت النيابة الإدارية مسئوليته على أساس أنه وقع على إيصال استلام العلبة الفاقدة ومن أنه اعترف في التحقيق باستلام العلب بحسب عددها لا بحسب أرقامها وأنه اختار لنفسه هذه الطريقة الخاطئة، وأضاف إلى ما تقدم أنه التظلم من القرار الصادر موضوع هذه الدعوى وأن السيد مفوض الدولة رأى إلغاءه فلم تستجب وزارة الاقتصاد لرأيه، فأقام المدعي هذه الدعوى قضي فيها برفض طلب إلغاء القرار في شقه الأول وبأحقيته في استرداد ما خصم منه زائداً عن مبلغ خمسين جنيه قيمة التعويض الذي يتعين إلزامه به وبتقسيم مصروفات الدعوى مناصفة. وأقامت المحكمة قضاءها على أنه اتضح لها من تحقيق النيابة العامة ومن تقرير اللجنة الفنية ما يأتي:
(1) كثرة الأخطاء في كتابة الأرقام السرية.
(2) نقل علب المصوغات إلى الخزينة داخل صناديق مفتوحة يعهد بها إلى عامل المصعد دون رقابة عليه.
(3) استلام الخزينة للعلب بحسب عددها وتسليمها للوزانين حسب أوزانها لا حسب أرقامها السرية نظراً لكثرة الأخطاء في كتابتها.
(4) عدم ذكر الأرقام بالكامل في الدفاتر وفي الكشوف المتبادلة بين الأقسام الفنية وبين الخزينة مما يؤدي إلى اللعب في الرقم الذي يختصر.
(5) إسناد الأعمال الفنية إلى السعاة والفراشين وعمال القناة.
(6) دخول عمال اليومية إلى الأقسام الفنية حيث توجد المصوغات موضوعة على المناضد لتقديم المشروبات إلى المستخدمين والعمال.
(7) التصريح لبعض المستخدمين والعمال بالانصراف في أثناء ساعات العمل دون تفتيش قبل الانصراف.
(8) عدم تبليغ البوليس بالحادث فور ظهوره يوم 29/ 7/ 1954.
(9) عدم تعاون رئيس قسم الإحصاء مع مدير إدارة الدمغ وانصراف غيره من الموجودين بالرغم من استدعائه من منزله للاستعانة به.
ثم نعت هذه الظروف بأنها أسهمت في إحداث الضرر وبأنها كلها تعتبر أسباباً للحادث، ومن ثم يكون الطاعن قد أهمل في عمله وكان من الواجب أن يتبع طريقاً سليماً في أدائه لعمله بأن يتحقق من مطابقة الأرقام الواردة على الاستمارات المرافقة لعلب المصوغات على الأرقام الواردة بالإيصالات التي يطلب منه التوقيع عليها باستلام تلك العلب ثم يوقع بالاستلام على ما تطابقت أرقامه ويرفض التوقيع على غيره ولكنه لم يفعل ذلك وسار على النهج الجاري في العمل وهي استلام العلب طبقاً لأرقامها السرية دون مطابقة الأرقام على الإيصالات التي وقع عليها ثم تسليمها للوزانين دون إيصال، الأمر الذي استحال معه عدم معرفة الشخص الذي أخذ العلبة الفاقدة ولا يقدح في مسئوليته دفعها بأن النظام الذي سارت عليه المصلحة كان خاطئاً إذ الخطأ لا يبرر الخطأ، ويكون القرار المطعون عليه في محله في شقه الخاص بالإنذار. أما شقة الثاني فإن الأسباب قد تعددت فلا يسأل إلا عن بعض الضرر ومن ثم قدرته تقديراً جزافياً بمبلغ خمسين جنيهاً فقط من قيمة العلبة البالغ 289 جنيهاً و990 مليماً التي دفعتها مصلحة الدمغ والموازين إلى الشركة مالكة العلبة الفاقدة بعد أن استصدرت حكماً بإلزامه به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه وقع في تناقض وانتهى إلى نتيجة تخالف منطقه وذلك بأن قرر:
أن الإيصالات المشتملة على الأرقام السرية لا يمكن التعويل عليها لكثرة الأخطاء بها ثم عاد فقرر أيضاً أنه كان يتعين على الطالب أن يتحقق من مطابقة الأرقام الواردة في الاستمارات المرفقة بعلب المصوغات على الأرقام الواردة بالإيصالات المطلوب منه التوقيع عليها باستلام تلك العلب، أي أن المحكمة ارتأت مسئوليته بناء على توقيعه على الإيصال مع تسليمها بأن هذا الإيصال لا يمكن التعويل عليه.
وأن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه على أساس الأرقام السرية التي تعطى للمصوغات مع أن النظام الجاري لم يعول على هذه الأرقام إطلاقاً وأن العمل جرى على الأخذ بنظام العد لا بنظام الأرقام السرية وأنه ظهر من جرد عهدته بعد الحادث أنها كانت سليمة، ومن ثم يكون الحكم وقد أدانه بالإهمال قد جانب الصواب.
كما أن إعطاء النيابة الإدارية حق إعادة بحث الموضوع بعد الانتهاء منه منذ أربع سنوات فيه إهدار لحقوقه وفيه ضياع لمعالم الجريمة، ومن ثم يكون تحقيقها الجديد الذي أقامت عليه المحكمة حكمها باطلاً وما تأسس عليه من جزاء كذلك.
وأخيراً فإن الطاعن لم يسلك طريقة خاطئة في العمل وإنما العمل كان سارياً على الأخذ بنظام عد الطلب، ومن ثم لا يكون هو مسئولاً عن فقد هذه العلبة إذ لم يثبت في حقه إهمال ما.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها في هذه المنازعة ذهبت فيه إلى القول بأن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً ثم عالجت ناحيته الموضوعية بأن أشارت إلى ما أثبتته اللجنة الفنية من أن العمل سار في مصلحة الدمغ والموازين على نحو غير دقيق مما يسمح بفقد المصوغات دون إمكان تحديد المسئولية سواء أكانت الجنائية أو الإدارية ودون إمكان نسبتها إلى شخص معين بالذات، وأن الفقد يرجع إلى هذا النظام المعيب ولم يكن بإهمال الطاعن الذي لم يقم إلا بتنفيذ ذلك النظام والسير على نهجه ولم يبد منه مسلك يعتبر خطأ، ولا يمكن إلقاء مسئولية عليه بمقولة إنه كان يتعين أن يتحقق من مطابقة الأرقام الواردة في الاستمارات المرفقة بتلك المصوغات على الأرقام الواردة بالإيصالات التي يطلب منه التوقيع عليها كرئيس خزنة لأن هذه الأرقام كانت فيها أخطاء كثيرة مما يجعل مطالبته بالتحقق من تلك الأرقام أمراً غير ممكن تحقيقه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير هذا النظر يكون حكماً خاطئاً وبالتالي يتعين إلغاؤه وإلغاء القرار الصادر في 22/ 3/ 1959 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالإنذار وبإلزامه بدفع قيمة المصوغات المفقودة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قدمت مذكرة بدفاع وزارة الاقتصاد والخزانة في الدعوى أشارت فيها إلى أن تقرير اللجنة الفنية السالف ذكره قد بحث نظام العمل ولم يتناول الخطأ الذي تردى فيه الطاعن، وقد كشف تقرير هذه اللجنة بحق أن أخطاء عديدة وجدت في الإيصالات التي يطلب من الطاعن التوقيع عليها ولكن كثرة الأخطاء لا تمنع من إجراء المطابقة بل إن مطالبة الطاعن بالتحقق من مطابقة الأرقام لازمة لكشف هذه الأخطاء، وليس من المقبول أن يقال أن تحقق التطابق أمر غير ممكن وكان له أن يرفض التوقيع إن استحالت عليه عملية المطابقة وأنه كان في إمكانه أن ينهج نهجاً سليماً في العمل ولم يكن النظام الذي اتبعه مفروضاً عليه بدليل ما قرره في التحقيق التكميلي من أنه اتبع هذا النظام الخاطئ لضغط العمل، ولم يقل أنه كان مضطراً إلى تنفيذ تعليمات معينة ونظام مفروض لا يملك مخالفته والخروج عليه.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة ختامية تمسك فيها بما سبق أن أبداه من دفاع وكذلك بشهادة مراقب عام المصلحة وقت الحادث الذي سمعت أقواله محكمة أول درجة والتي قرر فيها أن نظام العمل بالمصلحة كان مشوباً بعيوب جسام من ناحية هندسة المبنى وقلة الضوء فيه ومن ناحية النظام الإداري وقلة عدد الموظفين والخطأ في كتابة الأرقام السرية، وكذلك تمسك بأقوال من سئل في محاضر التحقيق ونعتها بأنها تدفع عنه المسئولية وترفع عنه كل خطأ وفي نهاية المذكرة صمم على طلباته السابقة.
ومن حيث إنه يبين من مساق الوقائع ومن تقرير اللجنة الفنية المشار إليها آنفاً أن هناك أخطاء عديدة في إدارة هذا المرفق وأنه ينسب إليها الضرر الذي وقع ولم يوجد من بينها الخطأ الذي يجب الآخر بل كلها ساهمت في إنتاج الضرر وإن تفاوتت درجاتها، وهذه الأخطاء بعضها مرفقي وبعضها شخصي، ومنها ما عرف الشخص الذي اقترف الخطأ ومنها من لم يعرف مقترفه.
ومن حيث إنه لا يمكن نسبة الخطأ الذي ولد الضرر إلى المرفق وحده واعتباره خطأ مرفقياً؛ إذ الخطأ المرفقي هو ما لا يمكن اعتباره خطأ شخصياً ومن ثم تسأل عنه إدارة المرفق وحدها.
ومن حيث إنه من جهة أخرى قام الدليل على أن الطاعن لم يؤد واجبه دون تقصير، ومظهر تقصيره أنه وقع على استلام العلبة الفاقدة دون أن يتأكد من محتوياتها، ولم يكن دقيقاً في استلامه وتسلمه لها وفي التوقيع على الأوراق الخاصة بها رغم ما فيها من عديد الأخطاء ولم يجر عليه مطابقة رقم الإيصال الذي استلم به المصوغات الفاقدة على الرقم المدون بالاستمارة، وإجراؤها أمر لازم وجوهري، ولا يقبل منه القول أن كثرة الأخطاء الواردة بهذه الأرقام تمنع من إجراء المطابقة إذ أن كثرتها لا تحول دون إجراء عملية المضاهاة، وكان عليه أن يصوب هذه الأرقام أو يطلب تصويبها أو يمتنع عن التوقيع كما لا يقدح في دفع المسئولية عنه الظروف التي ذكرها وهي ضغط العمل وتزاحم أصحاب الشأن، إذ لو قيل بأن هذه الظروف من شأنها أن تعدم المسئولية لأضحى الأمر فوضى ولا ضابط له ولضاعت ثقة الناس في هذا المرفق بحجة هذه التعللات التي يلجأ إليها كل من يباشر عملاً في مثل هذه الظروف.
ومن حيث إن المحكمة تستنتج من مساق هذه الوقائع أن الطاعن لم يكن حريصاً كل الحرص على أداء واجبه، بل وقع منه تقصير ساهم في إنتاج الضرر، كما يوجد تقصير آخر بعضه مرفقي والآخر شخصي، ومن ثم كان الحكم المطعون فيه على صواب في تقسيمه الضرر وتحميله المرفق العبء الكبير من الضرر لتأديته هذه الخدمة على وجه سيء بعضه مادي والبعض الآخر شخصي لما كشف عنه التحقيق وتقرير اللجنة الفنية، كما كان هذا الحكم موفقاً في إلقاء جانب يسير من المسئولية على عاتق الطاعن وقد ثبت تقصيره وقامت علاقة السببية بين هذا التقصير والضرر الذي حدث، ولم تنتف هذه العلاقة بسبب أجنبي أو بفعل الغير، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ويتعين القضاء برفضه.
ومن حيث إنه لذلك يتحمل الطاعن عبء مصروفات الطعن إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.