جلسة 15 من يناير سنة 1991
برئاسة السيد المستشار: أحمد نصر الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسين محمد حسن عقر نائب رئيس المحكمة، مصطفى حسيب عباس، فتحي محمود يوسف وعبد المنعم محمد الشهاوي.
----------------
(34)
الطعن رقم 85 لسنة 58 القضائية "أحوال شخصية"
(1، 2) المسائل الخاصة بالمسلمين "تطليق". دعوى الأحوال الشخصية "نظر الدعوى".
(1) الدفع بعدم جواز نظر دعوى تطليق للهجر لسابقة الفصل فيها بحكم في دعوى تطليق للضرر. التفات المحكمة عنه. لا خطأ. طالما استندت الزوجة في دعواها الثانية إلى وقائع مغايرة لتلك التي رفعت الدعوى الأولى على أساسها.
(2) بعث حكمين. شرطه. تكرار شكوى الزوجة بطلب التطليق وعدم ثبوت الضرر في الدعوى الثانية. إقامة الحكم المطعون فيه قضاءه بالتطليق على ما خلص إليه من هجر الطاعن للمطعون ضدها. النعي عليه بعدم اتخاذ إجراءات التحكيم. لا أساس له.
(3) دعوى الأحوال الشخصية "الإثبات".
تقدير أدلة الدعوى والموازنة بينها لترجيح ما تطمئن إليه. من سلطة محكمة الموضوع.
طالما أقامت حكمها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 1822 لسنة 1985 أحوال شخصية كلي الجيزة ضد الطاعن للحكم فيها بتطليقها عليه للهجر. وقالت بياناً لدعواها إنها زوجته بصحيح العقد الشرعي ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلا أنه هجرها مدة خمس سنوات متصلة وإذ تضررت من هذا الهجر فقد أقامت الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن سمعت شهود الطرفين حكمت بتاريخ 21/ 5/ 1987 برفض الدعوى. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 627 لسنة 104 ق أحوال شخصية وبتاريخ 7/ 4/ 1988 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبتطليق المطعون ضدها على الطاعن. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض - قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني والوجه الأخير من السبب الثالث منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع. وفي بيان ذلك يقول إنه دفع أمام محكمة أول درجة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 334 لسنة 1984 أحوال شخصية كلي الجيزة. التي أقامتها المطعون ضدها بطلب التطليق عليه للضرر إعمالاً للمادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 وقضى برفضها وتأيد هذا الحكم بالحكم الصادر في الاستئناف 326 لسنة 102. ثم أقامت الدعوى الماثلة بذات الطلبات في الدعوى السابقة إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفع ولم يرد عليه ولم يتخذ إجراءات التحكيم عملاً بالمادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 وطبقاً للإجراءات المبينة بالمواد من السابعة إلى الحادية عشر من ذات القانون رغم عدم ثبوت الضرر بالدعويين الأولى والثانية، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن النص في المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أنه "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين على الوجه المبين بالمواد 7، 8، 9، 10، 11 يدل على أن من حق الزوجة أن ترفع دعوى جديدة تطلب فيها التطليق لذات السبب وهو الضرر على أن تستند في ذلك إلى وقائع مغايرة لتلك التي رفعت الدعوى الأولى على أساسها، لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أن الموضوع مختلف في الدعويين لأن الدعوى الأولى رقم 334 لسنة 1984 كلي أحوال شخصية الجيزة رفعت عن الوقائع المتمثلة في سب وضرب الطاعن للمطعون ضدها، أما الدعوى الماثلة فقد رفعت عن واقعة أخرى مغايرة هي الضرر المتمثل في هجره لها. فإنه لا على الحكم المطعون فيه إن التفت عن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى السابقة - وكان شرط بعث الحكمين - إذا كررت الزوجة شكواها بطلب التطليق للضرر - ألا يثبت الضرر في الدعوى الثانية، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بالتطليق على ما خلص إليه من هجر الطاعن للمطعون ضدها، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بباقي السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن المطعون ضدها هجرت منزل الزوجية دون مبرر على الرغم من أنه هيأ لها مسكناً شرعياً ويقوم بالإنفاق عليها وقد بذل كافة المحاولات لإنهاء هذا الهجر وطلبه إليها بثلاث إعلانات فاعترضت عليها بالدعاوى أرقام 203 لسنة 1981، 845 لسنة 1983، 856 لسنة 1983 أحوال شخصية كلي الجيزة واستأنفها بالاستئناف رقم 105 لسنة 103 ق القاهرة، وطعن عليها بالنقض بالطعن رقم 57 لسنة 57 ق والذي لم يفصل فيه بعد - إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن ذلك وعول على ما شهد به شاهدي المطعون ضدها رغم أن أولهما شقيقها مما لا تجوز شهادته، وبما يجعل نصاب الشهادة غير متوافرة فضلاً عن أن شهادة الشاهد الثاني سماعية وهو ما لا يجوز في إثبات الضرر، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بالتطليق على سند من الطاعن لم يسعَ لإنهاء الهجر وهو ما ليس له أصل ثابت في الأوراق ويعيب الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي مردود ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير أدلة الدعوى والموازنة فيها لترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه ما دامت تقيم حكمها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بثبوت الضرر الموجب للتطليق على سند مما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضدها من هجر الطاعن للمطعون ضدها مدة استطالت إلى عدة سنوات وكان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من بيّنة شرعية صحيحة ويكفي لحمل قضاء الحكم. وإذ يدور النعي حول تعييب هذا الاستخلاص فإنه لا يعدو جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الطاعن لم يسبق له التمسك أمام محكمة الموضوع بأن أحد شاهدي المطعون ضدها شقيق لها وأن الآخر شهادته سماعية، وهو واقع يخالطه قانون لم يسبق طرحه أمام محكمة الموضوع ومن ثم يكون غير مقبول ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.