جلسة 6 من يونيه سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.
-----------------
(119)
القضية رقم 229 لسنة 3 القضائية
(أ) إدارة قضايا الحكومة.
ترقيات موظفي إدارة القضايا الفنيين - جريانها بالأقدمية مع الأهلية أو بالكفاية الممتازة في النسبة المعينة لذلك - اختلاف معنى الكفاية المتطلبة في كل نسبة.
(ب) موظف. ترقية.
مرض الموظف - لا يجوز أن يكون مانعاً من الترقية متى توافرت الأهلية لها.
(ج) إدارة قضايا الحكومة.
ترقيات موظفي إدارة القضايا الفنيين - ترك أحدهم فيها لمجرد حداثة عهده بالعمل في الإدارة - غير جائز متى كان عمل الموظف السابق على تعيينه عملاً نظيراً لعمل الإدارة الفني.
----------------
1 - إن الترقية بين رجال النيابة ومن في حكمهم من موظفي إدارة القضايا الفنيين إما أن تكون بالأقدمية مع الأهلية في النسبة المعينة لذلك، أو بالكفاية الممتازة في النسبة المعينة لذلك أيضاً، وغني عن البيان أن قاعدة الترقية في كل منطقة من هاتين المنطقتين تختلف في مفهومها وضوابطها عن الأخرى، لما هو مسلم من أن مستوى الكفاية الممتازة أعلى قدراً من المستوى الآخر.
2 - إن المرض هو سبب خارج عن إرادة الموظف فلا يجوز أن يكون مانعاً من ترقيته ما دام كان أهلاً في ذاته لتلك الترقية.
3 - لا يجوز ترك المدعي في الترقية لمجرد حداثته في إدارة القضايا، ما دام عمله السابق قبل تعيينه فيها هو عمل نظير لعمل الإدارة الفني، ومثله لا يجوز إطراحه وترك تقدير القائم به من ثناياه؛ لأن في إطراحه قطعاً للصلة بين ماضي المدعي في ذلك العمل وحاضره في إدارة قضايا الحكومة، والقانون إذ أجاز تعيينه في هذه الإدارة وحساب أقدميته السالفة عند التعيين، إنما قصد بداهة إلى أنه لا يجوز فصل الماضي عن الحاضر، بل يجب إحكام ربطهما، وأن يؤخذ في الاعتبار ما قدمه الموظف من جهد مثنى عليه في ذلك العمل النظير؛ كيما تقدر صلاحيته للترقية في الإدارة على أساسه، هذا إلى ما ينطوي عليه جب ماضيه وتخطيه في الترقية من غبن لا يرجع إلى نقص في كفايته الذاتية، والأهلية للترقية هي بطبيعتها ذاتية بالنسبة للموظف، بينما تركه بحسب منطق الإدارة مرده إلى سبب غير ذاتي فيه، وإنما هو بطبيعته موضوعي، يدور حول دعوى حداثة المعين في إدارة القضايا، ولو كان في ذاته كفِيّاً وممتازاً.
إجراءات الطعن
في 5 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 13 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 378 لسنة 9 القضائية المقامة من الأستاذ محمد كمال مصطفى المتولي المحامي بإدارة قضايا الحكومة ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة، القاضي "بإرجاع أقدمية المدعي في وظيفة محام من الدرجة الثانية إلى 20 من سبتمبر سنة 1954، تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وبإلزام كل من المدعي والحكومة المصروفات المناسبة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إرجاع أقدمية المدعي في وظيفة محام من الدرجة الثانية إلى 20 من سبتمبر سنة 1954، تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام كل من المدعي والحكومة المصروفات المناسبة، والقضاء برفض هذا الطلب أيضاً، وبإلزام المدعي كافة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة العدل في 9 من مايو سنة 1957، وإلى إدارة قضايا الحكومة في 18 من مايو سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 28 من مايو سنة 1957، ثم عين لنظر الدعوى جلسة 31 من يناير سنة 1959، منها أجل نظر الطعن لجلسة 7 من مارس سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 378 لسنة 9 القضائية ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 11 من نوفمبر سنة 1954 طالباً الحكم: "(1) بإلغاء قرار السيد وزير العدل رقم 91 الصادر بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية في دوره إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية. (2) تسوية أقدميته بين زملائه المحامين بالإدارة تمشياً مع أقدمية تخرجه التي ترجع إلى سنة 1943 ومراعاة لقيده بجدول النظراء لأقسام قضايا الحكومة اعتباراً من 16 من يناير سنة 1944، مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقال شرحاً لدعواه إنه حصل على الليسانس في القوانين المصرية من جامعة القاهرة في عام 1943، وقيد اسمه بجدول المحامين، ثم التحق بوظيفة مفتش بالمراقبة العامة للتسويات العقارية بوزارة المالية اعتباراً من 16 من يناير سنة 1944، ورقي إلى الدرجة الخامسة في أول نوفمبر سنة 1949، وبلغ مرتبه 29 ج شهرياً اعتباراً من أول مايو سنة 1953. وفي 29 من إبريل سنة 1954 أصدر السيد وزير العدل القرار الوزاري رقم 54 لسنة 1954 بتعيينه في وظيفة محام من الدرجة الثالثة بإدارة قضايا الحكومة، على أن يكون ترتيبه الخامس بين هؤلاء المحامين (تالياً للأستاذ حسن زكي)، وتسلم عمله بإدارة قضايا الحكومة في 26 من مايو سنة 1954. وبتاريخ 8 من يونيه سنة 1954 أقعده المرض عن مباشرة عمله، فأحيل إلى الكشف الطبي، وتقرر منحه إجازة مرضية تنتهي في 23 من يونيه سنة 1954، وفي 24 من يونيه سنة 1954 طلب منحه إجازة اعتيادية لمدة أسبوع تنتهي في 30 من يونيه سنة 1954، على أن يمنح بعدها إجازته السنوية الاعتيادية اعتباراً من أول يوليو حتى آخر يوليه سنة 1954؛ ليتسنى له استكمال علاج مرضه. وبتاريخ 31 من يوليه سنة 1954 طلب إحالته إلى القومسيون الطبي العام الذي قرر بجلسته المنعقدة في 16 من أغسطس سنة 1954 أنه مصاب بكسر في الفقرة السادسة من العمود الفقري، ومنحه إجازة مرضية تنتهي في 14 من سبتمبر سنة 1954، وعلى أن يعاد الكشف الطبي عليه في التاريخ المذكور نظراً لخطورة إصابته. وعند إعادة الكشف عليه قرر القومسيون الطبي العام أنه مصاب بكسر في العمود الفقري وبأنه يرتدي قفصاً حديدياً، واكتفى إزاء إصرار الطالب على سرعة العودة إلى عمله بمنحه امتداداً لإجازته المرضية لمدة أسبوع تنتهي في 21 من سبتمبر سنة 1954، على أن يعهد إليه بعمل خفيف المئونة لمدة ثلاثة أشهر، ثم يعاد الكشف الطبي عليه بعدها، وقال إنه تسلم عمله فعلاً بناء على ذلك بإدارة قضايا الحكومة بمأمورية المنصورة في 22 من سبتمبر سنة 1954، وفي 20 من سبتمبر سنة 1954 كان قد أصدر وزير العدل القرار الوزاري رقم 91 لسنة 1954 بترقية بعض المحامين من الدرجة الثالثة بالإدارة إلى الدرجة الثانية متخطياً إياه في الترقية إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية، وإزاء هذا تظلم في اليوم التالي إلى الوزير من هذا التخطي، فرد عليه السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة في 27 من سبتمبر سنة 1954 بأن سبب التخطي يرجع إلى أن الطالب لم يتمكن من القيام بعمل يذكر في الإدارة بسبب مرضه؛ ومن ثم لم تستطع إدارة قضايا الحكومة تقدير درجة كفايته الفنية. ولما لم يجده التظلم نفعاً اضطر إلى الالتجاء إلى القضاء الإداري طاعناً بالإلغاء قي القرار الوزاري الصادر بتخطيه، وطالباً كذلك تسوية حالته بمراعاة أقدمية تخرجه. وقد استند في ذلك إلى أسباب متعددة منها أن من بين من رقي بموجب القرار الوزاري رقم 91 لسنة 1954 بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1954 إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية من كان يليه في ترتيب الأقدمية، أما الاستناد إلى مرض الطالب وهو أمر لا حيلة له في دفعه فلا حجة فيه؛ لأن المرض لم يكن في يوم ما سبباً لحرمان الموظف من حقه في الترقية في دوره، وخاصة بعد أن قرر القومسيون الطبي العام بجلسته المؤرخة 16 من أغسطس سنة 1954 أنه مصاب بكسر في العمود الفقري، ثم عاد فأوصى في 14 من سبتمبر سنة 1954 بأن يزاول بعد رجوعه من إجازته المرضية عملاً هيناً لمدة ثلاثة أشهر، على أن يعاد الكشف الطبي عليه بعدها نظراً لجسامة إصابته. أما عن الكفاية الفنية وعدم إمكان الحكم عليها بسبب المرض فقد كان في استطاعة إدارة القضايا الرجوع إلى ملف خدمته وإلى التقارير المشرفة التي أودعت به والتي سجل فيها التقدير الصحيح لعمله مدة عشر سنوات متتالية بالمراقبة العامة للتسويات العقارية بوزارة المالية، ولا سيما وأن عمله السابق يعد نظيراً لعمله بإدارة قضايا الحكومة، كما أن ما فاضت به التقارير من الإشادة بامتيازه هو الذي دعا إلى تعيينه بإدارة القضايا. أما عن مطالبته بتسوية أقدميته بمراعاة تاريخ تخرجه في كلية الحقوق عام 1943، فقد بناها على سبق قيده بجدول النظراء للموظفين الفنيين بإدارة قضايا الحكومة منذ 16 من يناير سنة 1944، وقد نص قانون استقلال القضاء على جواز تعيين النظراء لموظفي أقسام القضايا الفنيين في الوظائف القضائية، كما نص قانون المحاماة على حساب مدة القيد بجدول النظراء كاملة. ثم ختم صحيفة دعواه بالقول بأنه قد لحق به بالغ الضرر من جراء تعيينه بسبب كفايته في وظيفة قضائية؛ لأنه كان يشغل وظيفة فنية من الدرجة الخامسة منذ أول نوفمبر سنة 1949 بمربوط من 25 إلى 35 جنيهاً شهرياً، فعين في وظيفة محام من الدرجة الثالثة مربوطها 25 إلى 30 جنيهاً شهرياً، وفي الوقت الذي حرم فيه من الترقية بموجب القرار الوزاري المطعون فيه ضاعت عليه فرصة الترقية إلى الدرجة الرابعة في عمله السابق لو أنه بقي في وظيفته الأولى. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن المدعي لم يرق بموجب القرار المطعون فيه لعدم قيامه، بسبب مرضه، بعمل يذكر بإدارة القضايا تتبين منه إدارة القضايا درجة كفايته الفنية للترقية. ولما تخطى في الترقية بحق بموجب القرار رقم 91 الصادر من وزير العدل في 20 من سبتمبر سنة 1954 - تقدم بتظلم تاريخه 23 من سبتمبر سنة 1954، وردت عليه الإدارة في 27 من سبتمبر سنة 1954 ببيان أسبابها، وأنه بعد ذلك رقي محامياً من الدرجة الثانية بموجب القرار رقم 8 لسنة 1955 المؤرخ 9 من فبراير سنة 1955 في أول حركة تالية للحركة الصادر بها القرار المطعون فيه؛ وطلبت لذلك رفض الدعوى. وقد عقب المدعي (المطعون عليه) على رد الحكومة بمذكرة بملاحظاته أودعها ملف الدعوى في 31 من أغسطس سنة 1955 وأيد فيها دفاعه السابق الوارد بصحيفة دعواه المقامة في 11 من نوفمبر سنة 1954، ولقد أوضح في هذه المذكرة أنه ثابت من ملف خدمته أنه في تاريخ ترقيته في 9 من فبراير سنة 1955 كان ما يزال مريضاً وخاضعاً لإشراف القومسيون الطبي الذي قرر، بسبب خطورة إصابته، وجوب توقيع الكشف الطبي عليه في مواعيد دورية كل ثلاثة أشهر؛ الأمر الذي يبين معه أنه كان على حق في دعواه أن القرار الوزاري المطعون فيه كان مجافياً للصواب؛ إذ تخطاه بغير حق في الترقية إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية، وأنه إزاء هذا لم يحصل على حقه كاملاً حين رقي إلى هذه الوظيفة بالقرار الصادر في 9 من فبراير سنة 1955؛ ومن ثم يتعين أن يقضي بإرجاع أقدميته في وظيفة محامٍ من الدرجة الثانية إلى يوم 20 من سبتمبر سنة 1954، وهو تاريخ صدور القرار المطعون فيه. أما فيما يختص بالطلب الثاني المتعلق بتسوية أقدميته بين السادة المحامين بالإدارة تمشياً مع أقدمية تخرجه في سنة 1943 وبمراعاة قيده في جدول النظراء لموظفي إدارة قضايا الحكومة الفنيين اعتباراً من 16 من يناير سنة 1944، فقد أضاف إلى ما سبق تفصيله في عريضة دعواه أن القانون رقم 606 لسنة 1954، الصادر في 17 من نوفمبر سنة 1954 والخاص بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 الخاص باستقلال القضاء، قد جاء مؤيداً لوجهة نظره حسبما يتضح من المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا التعديل التشريعي؛ إذ نصت الفقرة ب من المادة الأولى من هذا القانون على أن "يعدل البند ب من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 على الوجه الآتي: ب - وكلاء النائب العام من الدرجة الثانية الذين شغلوا هذه الوظيفة مدة سنة على الأقل أو قضوا في وظائف النيابة أو في المحاماة أو اشتغلوا في عمل قانوني مما يعتبر نظيراً لعمل إدارة قضايا الحكومة مدة أو مدداً متوالية لا تقل عن تسع سنوات"، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية الخاصة بالقانون سالف الذكر ما يأتي "رؤى أن تحتسب في مدة التسع السنوات الواردة في النص مدة العمل في المحاماة أو أي عمل قانوني يعتبر نظيراً لعمل إدارة قضايا الحكومة؛ إذ أنه لا مبرر للتفريق بينها وبين العمل بالنيابة في هذا الصدد". واستطرد المدعي قائلاً إنه كان يشغل وقت صدور هذا القانون وظيفة محام من الدرجة الثانية، وهي تعادل وظيفة وكيل النائب العام من الدرجة الثانية درجة ومرتباً، وأنه إذ ثبت أنه وقت صدور هذا القانون كان قد أمضى أكثر من عشر سنوات في عمل نظير لعمل إدارة قضايا الحكومة بسبب سبق قيده في جدول النظراء اعتباراً من 16 من يناير سنة 1944، فإن حالته تندرج حتماً تحت نطاق تطبيق أحكام هذا القانون الذي عمل به اعتباراً من 17 من نوفمبر سنة 1954. ولذلك فقد ختم مذكرته بطلب الحكم له بقبول دعواه من حيث الشكل، وفي الموضوع بتعديل طلبيه السابقين على النحو الآتي: أولاً - إرجاع تاريخ ترقيته محامياً من الدرجة الثانية إلى تاريخ 20 من سبتمبر سنة 1954، وهو تاريخ صدور القرار الوزاري رقم 91 لسنة 1954 الذي تخطاه في الترقية، بدلاً من 9 من فبراير سنة 1955، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ثانياً - تسوية أقدميته تمشياً مع أقدمية تخرجه التي ترجع إلى عام 1943 وبمراعاة سبق قيده بجدول النظراء منذ 16 من يناير سنة 1944؛ وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 606 لسنة 1954 الذي سبقت الإشارة إليه. وقد أودع المطعون عليه مذكرة أخرى فصل فيها وجهة نظره، وأضاف إلى ما سبق له إبداؤه بالنسبة إلى الطلب الأول الخاص بالإلغاء أن نقله إلى إدارة قضايا الحكومة بتاريخ 29 من إبريل سنة 1954 كان نقلاً شكلياً؛ لأن طبيعة العمل بالمراقبة العامة للتسويات العقارية التابعة لوزارة المالية والاقتصاد حيث كان، وبإدارة القضايا التي نقل إليها محامياً واحدة؛ لأن النقل من كادر عام إلى كادر خاص على مقتضى الفتوى التي أصدرتها الجمعية العمومية لمجلس الدولة في 30 من مايو سنة 1956 لا يعتبر تعييناً جديداً؛ لأن خدمته متصلة، ولا يؤثر النقل في موعد استحقاق علاوته، باعتبار أن قانون استقلال القضاء لم يتضمن حكماً مانعاً من ذلك، وقال إنه لحظه العاثر نكب بمرض مفاجئ لم يستطيع دفعه، فانتهزت إدارة القضايا هذا الظرف ورقت زملاءه الذين يلونه في الأقدمية، ونوه بأنه لم يكن موظفاً تحت التجربة حتى يحتج عليه بأنه أمضى أو لم يمض فترة التجربة على ما يرام. كما لم يكن غريباً على العمل القضائي لأن نقله يعد استمراراً لعمله القانوني الذي كان يمارسه منذ التحق بخدمة الحكومة. وأشار إلى أن تقاريره السابقة وصفته بأنه عنصر ممتاز وحصل بمقتضاها على أعلى درجات التقدير وهي 100%، وأنه لا ذنب له إذا نقل من إدارة إلى إدارة أخرى نقلاً لا ينطوي على تغيير في طبيعة العمل، ولو صحت نظرية إدارة القضايا لما قبل أي موظف مثل هذا النقل خشية أن يعاد النظر في كفايته. وأضاف إلى ما تقدم أنه كوفئ على تضحيته بصحته عند تعجله العودة إلى عمله بإدارة القضايا قبل استكمال أسباب العلاج فجوزي على ذلك بالتخطي. أما بالنسبة إلى الطلب الثاني فقد حدد طلباته على الوجه الآتي: بطلب "معاملته بموجب الفقرة ب من القانون رقم 188 لسنة 1952 المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 606 لسنة 1954؛ وذلك من تاريخ العمل بأحكامه في 17 من نوفمبر سنة 1954، بترقيته إلى محامٍ من الفئة الممتازة التي تعادل درجة قاضٍ درجة ومرتباً، وذلك اعتباراً من التاريخ المذكور (17 من نوفمبر سنة 1954)، مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق. وقال بياناً لهذا التحديد إنه كان يشغل في التاريخ المشار إليه وظيفة محامٍِ من الدرجة الثانية، وهي تعادل وظيفة وكيل النائب العام من الدرجة الثانية درجة ومرتباً؛ لأنه وقت صدور القانون المذكور في 17 من نوفمبر سنة 1954 كان قد أمضى أكثر من عشر سنوات نظيراً لمن يعملون بإدارة قضايا الحكومة باعتباره مقيداً بجدول النظراء لإدارة القضايا منذ 16 من يناير سنة 1944؛ الأمر الذي يجعل حالته داخلة في نطاق تطبيق أحكام القانون رقم 606 لسنة 1954 اعتباراً من تاريخ صدوره والعمل به في 17 من نوفمبر سنة 1954. وبجلسة 13 من ديسمبر سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري "بإرجاع أقدمية المدعي في وظيفة محامٍ من الدرجة الثانية إلى 20 من سبتمبر سنة 1954، تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام كل من المدعي والحكومة المصروفات المناسبة". وأسست قضاءها بالنسبة للطلب الأول على أن "إدارة قضايا الحكومة لم تنكر في خصوصية هذه الدعوى أنها راعت اتباع الأقدمية مع الكفاءة في الترقية المطعون فيها، ولم تدع أنها سلكت في إجرائها سبيل الاختيار، بل عزت تخطي المدعي إلى عدم قيامه - بسب مرضه - بعمل يذكر بها؛ مما نجم عنه عدم الوقوف على مدى كفايته الفنية للترقية"، وعلى أن "ما ساقته الجهة الإدارية تبريراً لتخطيها المدعي في الترقية لا يصلح في ذاته مبرراً لتخطيه في الترقية، ولا سيما وأن الحركة المطعون فيها قد تمت بالأقدمية؛ ذلك لأن المرض فضلاً عن أنه حالة طارئة لا يد للمدعي فيها ولا حيلة له في دفعها، فإن ما منحه من إجازات مرضية بسببه كان بناء على قرارات طبية صادرة من القومسيون الطبي العام، وهي الجهة ذات الاختصاص الأصيل في ذلك، وما دام الأمر كذلك فلا يسوغ التحدي بعدم إنتاج المدعي وعدم صلاحيته للترقية لهذا السبب وحده - لا يجوز التحدي بذلك؛ إذ أن الثابت أن الوظيفة التي كان يشغلها المدعي بالمراقبة العامة للتسويات العقارية هي من الوظائف الفنية المعتبرة نظيراً لأعمال إدارة قضايا الحكومة، ولا أدل على ذلك من أن المدعي قد قيد بجدول النظراء لأعمال إدارة قضايا الحكومة اعتباراً من بدء شغله إياها في 16 من يناير سنة 1944، كما أن ملف خدمته زاخر بالتقارير السرية التي تنطق بكفايته، وكان آخر تقرير وضع عنه في عام 1953 آية صادقة على ذلك؛ إذ نال أقصى درجات الكفاية وهي مائة درجة، وكان يتعين على إدارة قضايا الحكومة أن ترجع إلى هذه التقارير لتقدير درجة كفايته عند إجراء الترقيات المطعون فيها، لا أن تطرحها جانباً؛ بذريعة أن مرض المدعي قد حال بينها وبين تقدير كفايته الفنية"، كما أقامت هذا القضاء على "أن إدارة قضايا الحكومة ذاتها قد أضافت إلى المدعي سنداً جديداً يؤيد وجهة نظره؛ ذلك بأن رقته إلى وظيفة محامٍ من الدرجة الثانية بالقرار رقم 8 لسنة 1955 الصادر في 9 من فبراير سنة 1955 بعد صدور القرار المطعون فيه بمدة وجيزة، ولم يكن قد برئ من علته أو أبل من مرضه نهائياً. ولا يجدي في هذا المقام ما تدفع به الإدارة من أن المدعي قد عاد إلى عمله في 24 من أكتوبر سنة 1954 بشعبة الطعون، وقدرت هيئة التفتيش كفايته بدرجة "أزيد من المتوسط" في 11 من يناير سنة 1955، وبالتالي رقته في 9 من فبراير سنة 1955 بالقرار رقم 8 سالف الذكر؛ ومن ثم فإنها حالما تبينت مدى كفاية المدعي رقته؛ الأمر الذي يحول بينه وبين الحركة المطعون فيها؛ إذ لم تكن قد استبانت كفايته - لا يجدي ذلك لتبرير تصرف الإدارة حيال المدعي؛ إذ أن ذلك سند ضدها لا لها"، "وأنه إذ رقي المدعي في القرار سالف الذكر فإن مصلحته غدت منحصرة في إرجاع أقدميته في هذه الوظيفة إلى 20 من سبتمبر سنة 1954، تاريخ صدور القرار المطعون فيه" وأقامت قضاءها بالنسبة إلى رفض الطلب الثاني على أنه "يبين من الرجوع إلى القانون رقم 606 لسنة 1954 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء أنه نص في مادته الأولى على أن "يعدل البند ب من المادة 3 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 على الوجه الآتي: يعين قضاة من الدرجة الثانية من: أ - ...... ب - وكلاء النائب العام من الدرجة الثانية الذين شغلوا هذه الوظيفة مدة سنة على الأقل أو قضوا في وظائف النيابة أو المحاماة أو اشتغلوا في عمل قانوني مما يعتبر نظيراً لعمل إدارة قضايا الحكومة مدة أو مدداً متوالية لا تقل عن تسع سنوات"، وأبانت المذكرة الإيضاحية أنه "رؤى أن تحتسب في مدة التسع السنوات الواردة في النص مدة العمل في المحاماة أو أي عمل قانوني يعتبر نظيراً لعمل إدارة قضايا الحكومة؛ إذ أنه لا مبرر للتفريق بينهما وبين العمل بالنيابة في هذا الصدد..."، وعلى أن "مفهوم هذا النص أن قضاء تسع سنوات في عمل يعتبر نظيراً لعمل إدارة قضايا الحكومة يعتبر شرط صلاحية للتعيين في وظيفة قاضٍ من الدرجة الثانية ليس إلا، فإذا ما توافرت باقي الشروط الأخرى وعين في هذه الوظيفة تحددت أقدميته وفقاً لنص المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952، وليس في التاريخ التالي لقضائه تسع سنوات، أو تاريخ العمل بالقانون رقم 606 لسنة 1954 سالف الذكر" وعلى أن "أقدمية المدعي قد حددت بالقرار الصادر بتعيينه رقم 49 بتاريخ 29 من إبريل سنة 1954 في وظيفة محام من الدرجة الثالثة، وأن هذا القرار قد اكتسب حصانة تعصمه من أي إلغاء لفوات ميعاد الستين يوماً المقررة قانوناً للطعن بالإلغاء قي القرارات الإدارية من تاريخ علم المدعي به، وهو بلا شك ذات التاريخ الذي صدر فيه"، وعلى أنه "على هذا المقتضى يكون هذا القانون قد نص على شروط الصلاحية للتعيين في وظيفة قاضٍ من الدرجة الثانية وما يماثلها ولم ينص على تسوية حالة المدعي وأمثاله على نحو معين".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن "نص المادة 61 من القانون رقم 188 لسنة 1952 على أن التعيين في وظيفة وكيل نيابة يكون بطريق الترقية من الدرجة السابقة، يتضمن في حد ذاته القاعدة الخاصة بالترقية في وظائف وكلاء النائب العام، وإذ ترك المشرع للجهة الإدارية حرية إجراء الترقية، فإنه يكون قد تركها إلى الأصل، وما تتمتع به الجهة الإدارية من سلطة تقديرية، وبالتالي تتعين طريقة الترقية بطريقة الاختيار au choix إحدى الطريقتين المعروفتين في ترقيات الموظفين. ويقوم الاختيار في الترقية على اجتهاد الموظف وكفايته وابتكاره في عمله، أي على كفاءة الموظف وجدارته للترقية إلى الوظيفة الأعلى. وإذ أطلق المشرع الاختيار للجهة الإدارية، فإنه يكون قد منحها سلطة التقدير، سواء بالنسبة إلى تقدير كفاية الموظف أو بالنسبة إلى تقدير الملائم منها للترقية في كل مناسبة لها. وعلى وجه العموم يكون المشرع قد منح الجهة الإدارية سلطة التقدير في جميع عناصر الاختيار للترقية إلى الوظيفة الأعلى. هذا مع مراعاة قاعدة قضائية مستخلصة من طبيعة الوظيفة العامة سجلها القضاء الإداري المصري، مقيماً بذلك تحديداً على سلطة الإدارة في الاختيار هي أنه عند التساوي في درجة الكفاية بين المرشحين للترقية تكون الأولوية للأقدم في ترتيب الأقدمية، ومن ذلك يمكن جمع قاعدة الترقية في الحركة المطعون فيها على أن الترقية إلى وظائف وكلاء النائب العام والموظفين الفنيين بإدارة قضايا الحكومة مناطها الجدارة مع مراعاة الأقدمية، فالترقية إلى تلك الوظائف سببها الاختيار الذي مناطه الجدارة مع مراعاة الأقدمية"، وعلى أنه "بتطبيق القاعدة القانونية على واقعة الدعوى يبين أنه تعذر في حالة المدعي تقدير كفايته لمرضه، وإذا كان المرض استحالة قانونية وعذراً قاهراً يعفى من حصول التقدير، فإن المبدأ يقضي أيضاً باستبعاد نتيجة الإعفاء من حساب الاختيار عند الترقية، وإذ كان المدعي معيناً من الخارج ولم يسبق للجهة الإدارية أن قدرته بها فإنه يتخلف عنصر من عناصر الاختيار، وبالتالي يتخلف سبب الترقية؛ ومن ثم كان يتعين إسقاط المدعي من الترقيات إلى الوظيفة الأعلى، وهذا ما اتبعته الجهة الإدارية في حركة 20 من سبتمبر سنة 1954"، وعلى أنه "لا يحاج بأن الوظيفة التي كان يشغلها المدعي بالمراقبة العامة للتسويات العقارية هي من الوظائف الفنية المعتبرة نظيراً لأعمال إدارة قضايا الحكومة، ولا أدل على ذلك من أن المدعي قد قيد بجدول النظراء لأعمال إدارة قضايا الحكومة اعتباراً من 16 من يناير سنة 1944، كما أن ملف خدمته زاخر بالتقارير السرية التي تنطق بكفايته، وكان آخر تقرير وضع عنه عام 1953 آية صادقة على ذلك؛ إذ نال أقصى درجات الكفاية وهي مائة درجة، وكان يتعين على إدارة قضايا الحكومة أن ترجع إلى هذه التقارير لتقدير كفايته عند إجراء الترقيات المطعون فيها لا أن تطرحها جانباً بذريعة أن مرض المدعي قد حال بينها وبين تقدير كفايته - لا يحاج بذلك؛ إذ أن تقدير الكفاية في عمل معين لا يستتبع ذات التقدير في عمل آخر، فتقدير العمل بمراقبة التسويات لا يستتبع التقدير في العمل بإدارة قضايا الحكومة؛ إذ لكل عمل تقديره، بل لكل حركة تقديرها، وإن ارتكز على التقديرات السابقة"، وعلى أنه "لا يغير من النظر السابق أيضاً أن الإدارة رقت المدعي إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية بالقرار رقم 8 في 9 من فبراير سنة 1955؛ لأن هذه الترقية قد جاءت بعد تقدير هيئة التفتيش له في 11 من يناير سنة 1955 بدرجة "أزيد من المتوسط" بعد أن استلم عمله في 22 من سبتمبر سنة 1954 وأمكن تقدير عمله اعتباراً من 24 من أكتوبر سنة 1954، وبالتالي يكون قد توافر للاختيار عنصر تقدير كفاية المدعي، وأمكن للجهة الإدارية أن تجري الترقية على أساس الاختيار الذي مناطه الجدارة مع مراعاة الأقدمية، أما قبل هذا التقدير فلم يتوفر للمدعي في قرار 20 من سبتمبر سنة 1954 سبب الترقية الذي هو الاختيار لتخلف عنصره وهو تقدير الكفاية، وكل قرار يقوم بذاته، ولا يصح سحب سبب قرار إلى آخر لإقامته. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره، وقامت به حالة من حالات الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا".
ومن حيث إن طعن هيئة المفوضين - إذ اقتصر على ما قضى به الحكم المطعون فيه من إرجاع أقدمية المطعون عليه في وظيفة محام من الدرجة الثانية بإدارة قضايا الحكومة إلى 20 من سبتمبر سنة 1954 تاريخ صدور القرار المطعون فيه - تعين من ثم مناقشة هذا القضاء وتمحيصه دون التعرض لما قضى به الحكم المطعون فيه في خصوص رفض الطلب الثاني الخاص بالإفادة من حكم المادة الأولى من القانون رقم 606 لسنة 1954 من تاريخ العمل بأحكامه؛ حيث لا ارتباط بين الطلبين يستوجب إثارة موضوع الحكم برمته.
ومن حيث إن مثار البحث هو ما إذا كان غياب المطعون عليه عقب تعيينه بإدارة القضايا لمرض مقعد استطال حتى صدر القرار المطعون فيه واستحال تقدير أهليته في العمل المنوط به نتيجة لذلك - يشفع في تخطيه في الترقية إلى من يليه أم لا.
ومن حيث إنه لا خلاف بين هيئة المفوضين والمطعون عليه من جهة الوقائع التي سلف تفصيلها على نحو ما تقدم وعلى الأخص واقعة تغيب المطعون عليه عقب تسلمه العمل بإدارة القضايا حتى صدر القرار المطعون فيه، ومن المحقق الذي لا مرية فيه أنه بعد عودته إلى العمل في 22 من سبتمبر سنة 1954 أصبح للمطعون عليه عمل بإدارة القضايا، حتى إذا قدرت كفايته بعد تبين هذا العمل "بأزيد من المتوسط" في يناير سنة 1955، صدرت على أساسه حركة 9 من فبراير سنة 1955 بترقيته إلى وظيفة محام من الدرجة الثانية.
ومن حيث إن القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة قد أحال في مادته السابعة على ما نظمه قانون استقلال القضاء والقوانين المعدلة له بشأن رجال النيابة في خصوص تحديد مرتبات الموظفين الفنيين بإدارة القضايا وشروط تعيينهم، فنصت هذه المادة (معدلة بالقانون رقم 43 لسنة 1948) على أن "يكون شأن الرئيس بالنسبة إلى المرتب وشروط التعيين شأن وكيل مجلس الدولة، أما المستشارون الملكيون والمستشارون المساعدون فشأنهم في ذلك شأن مستشاري قسم الرأي والتشريع بمجلس الدولة ومستشاريه المساعدين، وشأن باقي الموظفين الفنيين في ذلك شأن رجال النيابة العمومية، وفيما عدا من تقدم ذكرهم تسري في شأنهم القواعد المقررة بالنسبة لسائر الموظفين". ولا مشاحة في أن سياق لفظة "التعيين" يدل على أنها استعملت في معناها الشامل الذي ينتظم التولية في الوظيفة والترقية إلى وظيفة أعلى، وذلك كله تمكيناً للتناسق وتمشياً مع مبدأ التعادل بين وظائف إدارة قضايا الحكومة ووظائف النيابة، ذلك التعادل الذي استتبع أن يجرى على رجال إدارة قضايا الحكومة السابق تحديدهم ذات شروط التعيين والترقية التي تسري على رجال النيابة، حسبما عينها قانون استقلال القضاء.
ومن حيث إن المادة 21 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء، ولئن عرضت لقيود وضوابط الترقية بالنسبة لرجال القضاء، إلا أن حكمها يسري أيضاً على رجال النيابة رغم ورودها في الفصل الخامس الخاص بترقية القضاة، وقد نصت المادة المذكورة على أن "تشكل بوزارة العدل لجنة تسمى (لجنة الترقية) من وكيل الوزارة الدائم رئيساً ومن..... ولا يكون اجتماع اللجنة صحيحاً إلا بحضور ثلاثة من أعضائها على الأقل، وتقوم هذه اللجنة باستعراض حالة القضاة من الدرجة الثانية ووكلاء النيابة من الدرجة الأولى ومن في درجتهم من الموظفين القضائيين بالديوان العام وبمحكمة النقض من واقع أعمالهم وتقارير التفتيش عنهم ثم تعد كشفين: أحدهما بأسماء من ترى ترقيتهم بحسب أقدميتهم، ويراعى في إعداد هذا الكشف أن يحتوي على ضعف عدد المنظور ترقيتهم أو تعيينهم بحسب المحال الخالية، والآخر بأسماء من ترى ترقيتهم بكفايتهم الممتازة ممن أمضوا ثلاث سنوات على الأقل في درجتهم... وتجرى الترقيات من واقع الكشفين المذكورين على ألا يزيد عدد من يختارون لكفايتهم الممتازة على الثلث، ويكون اختيارهم بترتيب الأقدمية فيما بينهم، وفيما عدا ذلك يجرى الاختيار في الوظائف الأخرى على أساس درجة الأهلية، وعند التساوي تراعى الأقدمية". وتحقيقاً لهذا المعنى رؤى تشكيل مجلس استشاري أعلى للنيابة العامة بوزارة العدل (الفقرة الأولى من المادة 76 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952)، كي يتولى إبداء الرأي في ترقيات رجال النيابة، كما نصت المادة 77 من المرسوم بقانون آنف الذكر على أن "تنشأ إدارة للتفتيش على أعمال أعضاء النيابة يصدر بنظامها وتشكيلها واختصاصها قرار من وزير العدل بعد أخذ رأي النائب العام، ويجب أن يحاط رجال النيابة علماً بكل ما يلاحظ عليهم".
ومن حيث إنه يستفاد مما سلف إيراده من نصوص أن الترقية بين رجال النيابة ومن في حكمهم من موظفي إدارة القضايا الفنيين إما أن تكون بالأقدمية مع الأهلية في النسبة المعينة لذلك أو بالكفاية الممتازة في النسبة المعينة لذلك أيضاً. وغني عن البيان أن قاعدة الترقية في كل منطقة من هاتين المنطقتين تختلف في مفهومها وضوابطها عن الأخرى؛ لما هو مسلم من أن مستوى الكفاية الممتازة أعلى قدراً من المستوى الآخر.
ومن حيث إنه لا وجه لترك المدعي في الترقية إلى وظيفة محامٍ من الدرجة الثانية التي حل دوره فيها بحكم أقدميته بدعوى أنه كان مريضاً منذ تعيينه حتى تاريخ الحركة التي رقي فيها أقرانه، ولا بدعوى أنه لم يمض عليه في العمل الجديد وقت كاف لتقدير صلاحيته وأهليته للترقية؛ لأن المرض هو سبب خارج عن إرادته، فلا يجوز أن يكون مانعاً من ترقيته، ما دام كان أهلاً في ذاته لتلك الترقية، كما لا يجوز تركه فيها لمجرد حداثته في إدارة القضايا ما دام عمله السابق قبل تعيينه فيها هو عمل نظير لعمل الإدارة الفني، ومثله لا يجوز إطراحه وترك تقدير القائم به من ثناياه؛ لأن في إطراحه قطعاً للصلة بين ماضي المدعي في ذلك العمل وحاضره في إدارة قضايا الحكومة، والقانون إذ أجاز تعيينه في هذه الإدارة وحساب أقدميته السالفة عند التعيين إنما قصد بداهة إلى أنه لا يجوز فصل الماضي عن الحاضر، بل يجب إحكام ربطهما، وأن يؤخذ في الاعتبار ما قدمه الموظف من جهد مثنى عليه في ذلك العمل النظير كيما تقدر صلاحيته للترقية في الإدارة على أساسه، هذا إلى ما ينطوي عليه جب ماضيه وتخطيه في الترقية من غبن لا يرجع إلى نقص في كفايته الذاتية، والأهلية للترقية هي بطبيعتها ذاتية بالنسبة للموظف، بينما تركه بحسب منطق الإدارة مرده إلى سبب غير ذاتي فيه، وإنما هو بطبيعته موضوعي، يدور حول دعوى حداثة المعين من جهة أخرى في إدارة القضايا، ولو كان في ذاته كفيّاً وممتازاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإرجاع أقدمية المدعي في وظيفة محامٍ من الدرجة الثانية إلى 20 من سبتمبر سنة 1954، تاريخ صدور القرار المطعون فيه بالإلغاء، وما يترتب على ذلك من آثار، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات المدعي - يكون قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن في غير محله، متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.