جلسة 6 من فبراير سنة 1994
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة, وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد والسيد محمد السيد الطحان وإدوار غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة - وبحضور السادة أعضاء الشخصيات العامة وهم: 1 - الأستاذ الدكتور/ علي علي حبيش, 2 - السيد الأستاذ/ برنس محمد حسين صابر, 3 - السيد الأستاذ/ حسين فكري جلال فكري, 4 - السيد المهندس/ حسن محمد شبانه, 5 - السيد المهندس/ عبد الغني حسن السيد.
-------------------
(7)
الطعن رقم 3402 لسنة 38 القضائية
(أ) أحزاب سياسية - لجنة شئون الأحزاب - تشكيلها - طبيعة القرارات الصادرة منها - ضمانات الحيدة والتنحي. المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية معدلاً بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980 و144 لسنة 1983.
تباشر لجنة شئون الأحزاب السياسية سلطاتها في ضوء المبادئ الدستورية والقانونية. تنحصر مهمتها في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس للتأكد من مدى توافر الشروط التي حددها الدستور والقانون - للجنة حق الاعتراض على قيام الحزب إذا تخلف فيه شرط من تلك الشروط - سلطة اللجنة في هذا الشأن سلطة مقيدة - قراراتها يجب أن تكون مسببة - تخضع هذه القرارات لرقابة المحكمة الإدارية العليا بتشكيلها المتميز وفقاً لقانون نظام الأحزاب السياسية - هذه اللجنة هي لجنة إدارية وما يصدر عنها من قرارات بالاعتراض على تأسيس الحزب لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً شكلاً وموضوعاً - لا يسري بشأن رئيس وأعضاء اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاة من أحكام قانونية تتعلق بالحيدة والتنحي والمنع من المشاركة في الحكم - لا وجه للنعي على تشكيل اللجنة بالبطلان لأن رئيسها وبعض أعضائها ينتمون لحزب سياسي آخر - أساس ذلك: أن القانون رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته المشار إليها لم يرد فيه نص صريح بشأن عدم انتماء رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية إلى أي حزب سياسي قائم أو أنه يتعين عليه التنحي عن صفته الحزبية عند رياسته اللجنة - وضع المشرع هذا القيد بالنسبة لأعضاء اللجنة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين - تطبيق.
(ب) مجلس الشورى - صفة العضوية - أثر التجديد النصفي.
المادة (3) من القانون رقم 120 لسنة 1980 بشأن مجلس الشورى.
مدة عضوية أعضاء مجلس الشورى هي ست سنوات ميلادية كاملة - لا تتأثر العضوية بإجراءات التجديد النصفي لأعضاء المجلس المعينين أو المنتخبين - أساس ذلك: أنه يتعين طبقاً للنص المشار إليه إتمام الانتخاب خلال الستين يوماً السابقة على انتهاء مدة العضوية وإتمام التعين خلال الثلاثين يوماً السابقة على انتهائها - إذا انتهت عضوية رئيس مجلس الشورى أو أحد أعضائه خلال التجديد النصفي وانتخب أو عين قبل انتهاء المدة فإن العضوية تظل متصلة قبل الانتخاب أو التعيين أو بعده - مؤدى ذلك: عدم جواز القول بخلو منصب رئيس أو عضو مجلس الشورى لفترة زمنية - تطبيق.
(جـ) أحزاب سياسية - شرط تميز برنامج الحزب.
المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.
شرط تميز برنامج الحزب هو ضمان جديته - ليس المقصود بالتميز التباين التام بين برنامج الحزب وغيره من الأحزاب القائمة - يكفي في مجال التميز استظهار قدرة الحزب على وضع برامجه موضع التطبيق - يجب أن يكون في وجود الحزب إضافة جدية للعمل السياسي ببرنامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها لتحقيق المصالح العامة للشعب – تطبيق (1).
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 26/ 7/ 1992 أودع الأستاذ/ ....... المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن....... عن نفسه وبصفته وكيلاً عن طالبي تأسيس حزب السلام قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل ضد رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية بصفته, وقد طلب الطاعن في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول طعنه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية الصادر بجلسة الأول من يوليو سنة 1992 بالاعتراض على طلب تأسيس حزب سياسي باسم حزب السلام, مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن جلسة 4/ 10/ 1992 حيث نظرته المحكمة بهذه الجلسة وبالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن تقرر حجز الطعن للنطق بالحكم بجلسة 9/ 1/ 1994 ثم أعيد الطعن للمرافعة لذات الجلسة لتغير تشكيل الهيئة, وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 6/ 2/ 1994 وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة:
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 29/ 2/ 1992 وجه الطاعن إلى المطعون ضده إخطاراً كتابياً يطلب فيه الموافقة على تأسيس حزب "السلام" وأرفق بطلبه قائمتين بأسماء الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 91 عضواً منهم 45 عضواً من العمال والفلاحين و46 عضواً من الفئات مصدق على توقيعاتهم جميعاً, وأرفق به برنامج الحزب ولائحة نظامه الداخلي وقد قام رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية باتخاذ إجراءات إخطار رئيس مجلس الشعب, ورئيس مجلس الشورى وكذلك المدعي العام الاشتراكي بأسماء الأعضاء المؤسسين, وبتاريخ 4/ 3/ 1992 م عرض الإخطار بتأسيس الحزب على اللجنة, ونظر بجلساتها المعقودة في أيام 4/ 3، 25/ 3، 29/ 4، 13/ 5، 17/ 5، 20/ 5، 23/ 5/ 1992, وبجلسة 1/ 7/ 1992 أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ ........... بتأسيس حزب سياسي باسم حزب السلام وأقامت اللجنة قرارها على أن برنامج الحزب لم يحافظ على أحد المكاسب الاشتراكية مخالفاً بذلك نص الفقرة الثالثة من البند الأول من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية, فضلاً عن وروده على نحو غير محدد وعدم تميزه الظاهر عن غيره من برامج الأحزاب القائمة أو إيضاح وتحديد أساليب الحزب في تنفيذ هذا البرنامج، وذلك بالمحافظة لنص المادة الثانية, والبند ثانياً من المادة الرابعة من القانون المذكور.
وقد أوردت اللجنة بياناً لذلك أن الحزب يدعو في برنامجه إلى قصر مجانية التعليم على مرحلة التعليم الأساسي فقط, أما غير ذلك من المراحل وهي التعليم الثانوي والفني والجامعي فتكون بمصروفات كاملة ولا تمنح المجانية إلا للمتفوقين. والحزب بما يدعو إليه في هذا الشأن يكون قد أهدر مكسباً اشتراكياً رسخ في ضمير الشعب ويتمثل في أن مجانية التعليم في جميع مراحله حق للمواطنين جميعاً دون تمييز, وهو أمر يتعارض أيضاً مع ما نعى عليه الدستور في المادتين 18، 20 والمادتان واردتان في باب المقومات الأساسية للمجتمع من أن التعليم حق تكفله الدولة وأنه مجاني في مراحله المختلفة.
كما أن برنامج الحزب لا يتميز تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب القائمة أو إيضاح وتحديد وسائل تنفيذه فيما تضمنه والبرنامج في جملته لا يعدو أن يكون تقريرات عامة في مختلف المجالات التي تعرض لها, بما لا يستطاع معه تحديد ماهيته أو أوجه خصوصياته التي تميزه عن برامج الأحزاب الأخرى, فضلاً عن أنه يعرض ما يدعو إليه في أي أمر دون تحديد أو حتى إشارة إلى وسائل تنفيذه ففي مجال السياسة الخارجية يدعو الحزب إلى الترابط بين مصر والبلاد العربية والإسلامية والإفريقية ومختلف دول العالم وهو أمر ليس فيه أي جديد فمصر عضو في هيئة الأمم المتحدة, وعضو في جامعة الدول العربية, وعضو في منظمة الوحدة الإفريقية, وعضو في المؤتمر الإسلامي وتقوم سياستها على أساس السلام والتعاون مع جميع الدول والشعوب. وفي مجال السياسة الداخلية يدعو الحزب إلى إلغاء جميع القوانين التي تحد من حرية الأفراد في التعبير عن رأيهم طالما كان ذلك الرأي غير مخالف للنظام العام والآداب, وإلغاء قوانين الطوارئ والمدعي الاشتراكي ومحاكم أمن الدولة العليا والقيم, كما يدعو إلى أن يكون شكل الحكم جمهورياً برلمانياً وأن ينتخب الرئيس ونائبه مباشرة من الشعب وإلي برلمان مكون من مجلسين, وإلى أن تكون الحكومة من حزب الأغلبية ويختار رئيسها من هذا الحزب, ويكون له حق اختيار معاونيه وأن يكونوا جميعاً مسئولين مسئولية تضامنية أمام البرلمان كما يدعو الحزب إلى عدم الجمع بين العمل في السلطة التنفيذية وعضوية أحد المجلسين وأخيراً يدعو إلى استقلال القضاء وحصانته, وما يدعو إليه الحزب على النحو المتقدم أمور قائمة في معظمها وما يخرج عن ذلك وارد في برامج الأحزاب الأخرى.
وما جاء به الحزب في شأن السياسة الاقتصادية وما يتصل بها من مشاكل الاستثمارات والديون وسعر الصرف مجرد نقل من برامج الأحزاب الأخرى وعرض تفصيلي لا جديد فيه, فحكومة الحزب الوطني تولي هذه الأمور جميعها عنايتها الفائقة وسياستها فيها معلنة لجميع المواطنين وهي سائرة نحو التحرر الاقتصادي ويبدو التقدم في هذا المجال واضحاً وناجحاً يوماً بعد يوم, ولم يقدم البرنامج - فضلاً عن عموميته - أية وسائل لتنفيذه غير ما هو معمول به ومجمع عليه من تحرير القطاع العام وإطلاق الحرية للقطاع الخاص وتشجيعه, والاهتمام بالمستثمرين, فرئيس الجمهورية بدأ برئاسة هيئة الاستثمار بنفسه لسنوات ثم رأسها من بعده رئيس مجلس الوزراء وكل يوم يعلن الاجتماع بالمستثمرين والاستماع إلى مشاكلهم والعمل على حلها, وأما عن الديون فلا يجحد أحد ما تم في شأنها من تخفيض، وما يدعو إليه البرنامج من العمل على سداد الديون عن طريق الشعب بعيداً عن الدولة, فإن الحزب لم يقدم وسيلة في هذا المجال, فضلاً عن أنه كانت هناك تجربة سابقة تبناها المرحوم الأستاذ جلال الحمامصي ولم يكتب لها التوفيق.
وأما عن سعر الصرف فقد حدد فعلاً وأصبح ثابتاً من سنوات غير قليلة وأما عن الرقابة على البنوك الأجنبية وفروعها في مصر فأمر تكفله حكومة الحزب الوطني بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1975 والقوانين المعدلة له في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي والقانون رقم 50 لسنة 1984 في شأن أحكام قانون البنوك والائتمان على النحو الذي يؤكد إشراف الدولة ورقابتها من خلال البنك المركزي على جميع البنوك العاملة في مصر ولو كانت فروعاً لبنوك أجنبية. وأما عن الشيك وحمايته فهناك مشروع قانون يكفل الحماية التامة للشيك من كافة الأوجه معروض على مجلس الشعب، وما يدعو إليه البرنامج من تكامل اقتصادي بين مصر وليبيا والسودان دون أن يحدد وسائل تنفيذه أمره قائم في الحسبان - وليس فكراً جديداً - مع التدرج فيه عن طريق اللجان المشتركة في ضوء الظروف السياسية والإمكانات المتاحة.
وما يدعو إليه الحزب في مجال الصناعة كله كلام مردد ليس فيه من جديد، وأما عن الدعوة إلى إنشاء بنك للمعلومات في شأنها فإن مركز المعلومات برئاسة مجلس الوزراء قائم بعمله في هذا المجال وكافة المجالات الأخرى وما جاء به الحزب في شأن الطاقة والزراعة واستصلاح الأراضي والتعاونيات محض تقارير عامة لا يتضمن أي جديد.
وأما عن المشكلة السكانية فقد تناقض فيها البرنامج تناقضاً يدعو إلى العجب فإذ يقر في موضع منه بأن الانفجار السكاني أمر واقع وخطير ويتمثل في زيادة السكان مليون نسمة كل ثمانية أشهر بينما لم تزد مساحة الأرض الزراعية في المائة سنة الماضية عن 16%، يعود فيقول أن الشكوى من الزيادة السكانية لا تعدو أن تكون تحايلاً على تقصير لا تريد الدولة أن تعلنه وهو سوء استخدام العنصر البشرى ولم يقدم البرنامج نظراً مقبولاً للمشكلة على أي من وجهيها سوى الدعوة إلى تغير المنظومة التعليمية، وفي هذا الشأن الأخير لم يقل إلا بقصر مجانية التعليم على المرحلة الأساسية والاهتمام بمدرس الأطفال ورفع مستواه وإنشاء تعليم حرفي ومهني بالمجان وربط التعليم بالاحتياجات الحقيقية لخطط الإنتاج وليس في هذا كله من جديد.
وأما عن مشكلة الإسكان فإن البرنامج لم يتضمن أي جديد يميزه، وما يقوله الحزب عن أنه سوف يملأ أرض سيناء زراعة بالنباتات الطبية والعطرية والسير قدماً في اكتشاف البترول والثروات المعدنية والطبيعية والغازات الطبيعية بالإضافة إلى استخدام رمالها في صناعة الزجاج وإيلاء سيناء مزيداً من الاهتمام حيث أن إنسانها لم يحظ بأي اهتمام، كما سيعمل على دمجها في الكيان العضوي للوطن الأم وتحويلها إلى منطقة جذب سكاني يتم الطرد إليها من الوادي ليستوطنها من 5 إلى 8 مليون مواطن، فضلاً عن أن الحزب لم يحدد وسائله في هذا الشأن فإن من المسلمات المعلومة للكافة أن الدولة تولي سيناء وإنسانها كل الاهتمام ففي مجال الإدارة المحلية تضم سيناء محافظتين، ومن الناحية السياحية أصبحت مزاراً يضم عشرات القرى السياحية فضلاً عن زراعتها بأجود أنواع الفاكهة التي أصبحت علامة مميزة لسيناء، ومن الأمثلة الظاهرة الملموسة للعناية البالغة لسيناء ما يشق فيها من طرق بل أنه رصد لها وحدها في الخطة الجديدة ثلث اعتمادات الطرق على مستوى الجمهورية فضلاً عن المشروع القومي لترعة السلام التي تتكلف ما يقرب من ملياري جنيه.
وفي مجال الصحة يستنكر الحزب تقليل الأعداد المقبولة في كليات الطب مناقضاً بذلك رأي جميع العلماء المتخصصين في هذا المجال بجامعات مصر. ويشيد الحزب بصناعة الدواء في مصر ثم يتهمها بسوء الإدارة وزيادة العمال ويطلق القول على عواهنه دون أية بيانات تؤيده ويدعو إلى جعل المستشفيات الحكومية كلها وبغير استثناء هيئات مستقلة ذات ميزانيات خاصة وغير خاضعة للنظام الحكومي مع إلغاء المؤسسات العلاجية، دون أن يحدد وسائل تنفيذ ذلك أو جدواه، والحزب يشن حملة على المستشفيات الاستثمارية ثم يدعو المستثمرين إلى إنشاء مستشفيات خاصة متوسطة أي استثمارية أيضاً.
ويتحدث الحزب عن النقل والمواصلات والسياحة والمرأة والطفولة والشباب والموظفين والمخدرات في عبارات براقة لا تحمل أي مضمون وليس فيها من جديد يميز برنامجه. وأما ما يدعو إليه الحزب من توحيد التشريعات الصادرة في شأن حماية البيئة من التلوث نظراً لتضاربها بسبب تعدد جهات تنفيذها فقد انتهت حكومة الحزب الوطني من إعداد مشروع قانون موحد لحماية البيئة يتضمن تطوير جهاز شئون البيئة الحالي ليستطيع تنفيذ برامج حماية البيئة ويغير اسم جهاز البيئة ليصبح "الجهاز المركزي للبيئة" وإعداد مكاتب فرعية للجهاز في المحافظات تشرف على الشئون الفنية المتصلة بالبيئة.
وفي شأن المعوقين يقول الحزب أنه سيقوم بتوفير احتياجاتهم ليتحولوا من فئة تعتمد على الدولة لإعانتهم إلى فئة منتجة تسهم في إنتاج ورفاهية المجتمع دون أن يحدد وسائله في هذا الشأن، وليس من شك في أن رعاية الدولة للمعوقين أمر قائم فمركز تأهيل المحاربين القدماء وجمعية الوفاء والأمل وغيرهما من الجمعيات المنتشرة في كافة أرجاء البلاد قائمة والقوانين تحدد نسبة معينة للمعوقين عند التعين في الوظائف والدستور ينص في المادة 15 على أن للمحاربين القدماء والمصابين في الحزب أو بسببها ولزوجات الشهداء وأبنائهم الأولوية في فرص العمل، والدولة تكفل لكل معوق استيراد سيارة دون رسوم، والجامعات تقبل المعاقين أسوة بالمكفوفين بكليات الآداب والحقوق بحد أدني 50% فقط من المجموع الكلي في الثانوية العامة.
وأما عن برنامج الحزب بالنسبة لوسائل الإعلام فيطالب الحزب منع الإعلانات المخلة بالنظام العام والآداب بالتليفزيون وكذا الإعلانات الراقصة وأن تمنع السينما عرض الأفلام الفاضحة، وبالرغم من أن الحزب لم يسق تحديداً لذلك، فإن هذا أمر - لو صح ما يدعيه الحزب - لم يقل بغيره أحد.
أما ما يدعيه الحزب من تفرقة الدولة في المعاملة بين الصحافة القومية والصحافة الحزبية فإنه من المسلمات أن الصحافة الحزبية لم تقم أصلاً ثم لم تزدهر من سنوات طويلة إلا في عهد حكومة الحزب الوطني.
وأما عما يطالب به الحزب من إنشاء جهاز لقياس الرأي العام فإن البرنامج نفسه يقدر الجهود المبذولة في هذا المجال في مصر سواء من الجامعات أو مراكز البحوث أو من هيئة الاستعلامات.
وأما ما يدعو إليه من إنشاء مركز قومي للكوارث يجتمع كل شهر ويضم كافة القيادات والقوى الوطنية وأجهزة الدفاع المدني والحريق للتصدي لكافة أنواع الكوارث التي تواجه المجتمع المصري، فإن الحزب لم يوضح عمل المركز الذي يدعو إلى إنشائه ووسيلته إلى ذلك واختصاصاته إلى جانب كافة الأجهزة القائمة والمنوط بها وقاية البلاد من الكوارث والعمل على القضاء عليها.
وأما ما يدعو إليه الحزب من إنشاء ديوان للمظالم يتبع رئيس الحكومة مباشرة وتكون قراراته ملزمة على أن توضع تحت تصرفه الاعتمادات اللازمة والسلطات الضرورية لاستعادة حقوق المظلومين، فضلاً عن أنه كانت هناك تجربة سابقة في هذا الشأن، فإن ما يدعو إليه الحزب أمر يكفله القضاء الذي يؤكد الحزب نفسه على استقلاله وحصانته.
وأما عن الزي الوطني والنشيد القومي والعلم فللبلاد نشيد وعلم، وقد أوضح وكيل المؤسسين عند سماع إيضاحاته أنه يكتفي في الزي الوطني بمجرد شارة وذلك أمر ميسور ولا يستأهل أن يكون معدوداً ضمن برنامج حزب سياسي وما يدعو إليه الحزب من الحفاظ على الوحدة الوطنية فأمر تجمع عليه الأمة قاطبة.
وأما ما انتهي إليه الحزب في برنامجه من أنه سوف يعمل على تذليل كافة مشاكل الجماهير في الأقسام والمراكز وكافة المرافق، كما سيقوم شبانه وسيداته ورجاله بالمساهمة في دفع عملية الإنتاج كما سيعمل على إيجاد عمل لأعضاء الحزب في كافة المجالات وينشئ المصانع لتشغيل شباب الحزب وأنه سيولي مشكلة محو الأمية اهتماماً كبيراً وينتج الحضانات للأطفال ومراكز التعليم وأشغال الإبرة كما سينشئ المستشفيات لعلاج أعضاء الحزب والمواطنين بأسعار رمزية ويهتم بكافة الأنشطة الرياضية لشباب الحزب وأنه سيكون مدرسة لتنمية القدرات في كافة المجالات ويعمل على ضرب الروتين والبيروقراطية مع الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في كافة أجهزة الدولة وأن جميع أجهزته وأدرته سوف تدار بالكمبيوتر ويربط قيادته بفروعه بشبكة معلومات قوية على مستوى مصر كلها.
وأنه سوف يكون بداية جديدة في مصر لأسلوب العمل الحزبي الواعي والمستنير والذي يهتم بالعمل والإنتاج بعيداً عن المهاترات السياسية، فإن كل ذلك يعد من قبيل الأماني والأحلام التي لا تعكس واقعاً متاحاً أو ملموساً.
وخلصت لجنة شئون الأحزاب السياسية إلى أنه لما تقدم جميعه فإن برنامج حزب السلام تحت التأسيس يكون قد اتسم بعدم التحديد، ولم يحافظ على أحد المكاسب الاشتراكية، كما افتقد شرط التميز الظاهر، ومن ثم لا تتوافر في حق هذا الحزب الشروط التي تتطلبها المادة الثانية والفقرة الثالثة في البند الأول والبند الثاني من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية لتأسيس حزب سياسي الأمر الذي يتعين معه عدم إجازة عمله في الساحة السياسية وبالتالي الاعتراض على تأسيسه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه صدر باطلاً لمخالفته للقانون لأسباب الآتية: -
أولاً: بطلان تشكيل لجنة شئون الأحزاب السياسية وعدم صلاحية أغلبية أعضائها: ذلك أن رئاسة اللجنة كانت معقودة في الأصل لأمين اللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي العربي أو مساعدة وكان القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية قبل تعديله بالقانون رقم 144 لسنة 1980 ينص على أن ينتخب أمين عام للإتحاد الاشتراكي العربي وأمينان مساعدان.. وعليهم وقف نشاطهم الحزبي فور انتخابهم إذا كانوا من المنتمين لأحد الأحزاب السياسية، وإذ كان القانون رقم 144 لسنة 1980 قد ألغى اللجنة المركزية وأسند رئاسة لجنة شئون الأحزاب السياسية إلى رئيس مجلس الشورى فإن ذلك لا يعني الإعفاء من شرط امتناع رئيس اللجنة المذكورة عن مباشرة أي نشاط حزبي بعد اختياره وذلك لكي يؤدي مهمته بالحيدة والاستقلال بين كافة الاتجاهات السياسية التي تعتنقها الأحزاب السياسية وهو ما يتفق مع القوة الإلزامية للمبادئ القانونية وعلى رأسها مبدأ العدالة ولما كانت اللجنة بتشكيلها المنصوص عليه في المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية معدلة بالقانون رقم 144 لسنة 1980 ورقم 114 لسنة 1983 قد أصدرت القرار المطعون فيه وهي مشكلة من رئيس مجلس الشورى رئيساً ووزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلس الشعب بالإضافة إلى ثلاثة من غير المنتمين لأي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم.. ولما كان ذلك وكان رئيس اللجنة وبعض أعضائها ينتمون إلى الحزب الوطني الديمقراطي بل إن رئيسها هو أحد أقطاب هذا الحزب ويباشر نشاطه الحزبي وولاؤه وانتماؤه للحزب المذكور فإنه من ثم لا يكون صالحاً لرئاسة اللجنة حتى يوقف نشاطه الحزبي كما أن الوزراء الثلاثة بحكم مناصبهم لهم علاقات بالنشاط الحزبي ورغم أنه لا يوجد في نصوص الدستور ما يوجب أن يكون الوزراء من المنتمين لأي حزب سياسي - إلا أن المشرع قدر أنهم ما داموا وزراء في حكومة الأغلبية فلا شك أنهم - على الأقل - ممن يؤمنون بمبادئ وأهداف حزب الأغلبية.
يضاف إلى ذلك أنه لما كان النص المذكور قد ضمن تشكيل اللجنة ثلاثة من غير المنتمين لأي حزب سياسي من رؤساء الهيئات القضائية السابقين فإن الثابت أن من اشترك في إصدار القرار المطعون فيه من رؤساء الهيئات القضائية السابقين اثنان فقط مما يصم القرار بالبطلان.
ثانياً: بطلان الأسباب:
لقد استقر في يقين اللجنة منذ البداية الاعتراض على أي حزب جديد، ويذكر لهذه اللجنة أنها لم توافق طيلة عملها على أي حزب سياسي وهو ما ينتظر منها، إذ يرى حزب الأغلبية في برنامجه أنه لا توجد أحزاب سياسية أخرى تستطيع أن تشاركه أو تقف معه على قدم المساواة وبالتالي لا ضرورة لقيام أي حزب جديد وهكذا عقدت اللجنة نيتها على الاعتراض على الحزب ثم ذهبت تتلمس أسباب الاعتراض فجاءت أسبابها مرسلة لا تساندها أية أدلة في أوراق حزب السلام.
1 - فقد رأت اللجنة في قرارها أن ما يدعوا إليه الحزب في برنامجه من قصر مجانية التعليم على مرحلة التعليم الأساسي وأن في هذا إهدار لمكسب اشتراكي يتمثل في أن مجانية التعليم في جميع مراحله حق للمواطنين جميعاً دون تمييز وهو أمر يتعارض مع ما نص عليه الدستور، وهذا الذي ذهبت إليه اللجنة أمر مخالف للواقع حيث أن برنامج الحزب لم يهدر مكسباً اشتراكياً فقد راعى البرنامج أم التعليم الأساسي مجاني فإذا أبدى طالب العلم رغبته واستعداده الذهني للاستمرار في تلقي العلم في مراحله المتقدمة، فلا بد أن يتمكن من تلقي العلم في جميع المراحل بالمجان، أما غير الراغب والمتعسر والمتخلف في التعليم فإن الدولة لا تكرهه ذهنياً وواقعياً على تلقي العلم - وهو وشأنه، وتلقي العلم على هذا الأساس لا يهدر مبدأ مجانيته إذ يجب أن ينال المجانية مستحقوها ممن يرغبون في طلب العلم فعلاً، ومن هنا يأتي تقييم العملية التعليمية كعملية استثمار للطاقات البشرية في موضعها الصحيح بدلا ًمن التعثر فيها. وهل يتصور أن يتحقق ما تنادي به الحكومة الحالية من فتح مراكز تدريب تحويلي مهني لخريجي الجامعات والمعاهد العليا ثم يأتي قرار الجنة بأن الحزب أهدر أحد المكاسب الاشتراكية.
2 - ما قالته اللجنة بعدم تحديد برنامج الحزب وعدم تميزه تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب القائمة أو إيضاح وتحديد وسائل تنفيذه. وهذا السبب ليس بجديد بل هو سبب شاع وتكرر في جميع القرارات التي أصدرتها اللجنة بالنسبة لجميع طلبات تأسيس الأحزاب السياسية التي عرضت عليها، وحين فصلت اللجنة ذلك قالت أنه في مجال السياسة الخارجية يدعو الحزب إلى الترابط بين مصر والبلاد العربية والإسلامية والإفريقية ومختلف دول العالم وأن هذا الذي يدعو إليه الحزب ليس بجديد باعتبار أن مصر عضو في الأمم المتحدة وعضو في الجامعة العربية وفي منظمة الوحدة الإفريقية وعضو في المؤتمر الإسلامي وتقوم سياستها على أساس السلام والتعاون بين جميع الشعوب والدول. وهذا الذي تقول به اللجنة في هذا المجال يعني أنه كان يتعين على حزب السلام طالب التأسيس أن يتضمن برنامجه شيئاً آخر بخلاف ما ذكر حتى يكون متميزاً عما تنتهجه السياسة الخارجية المصرية كأن ينادي برنامج الحزب بقصر التعاون والترابط على مصر والدول العربية فقط دون باقي بلاد العالم حتى يكون متميزاً عن غيره.
وفي مجال السياسة الداخلية فقد رأت اللجنة أن الحزب يدعو إلى إلغاء جميع القوانين التي تحد من حرية الأفراد في التعبير عن رأيهم طالما كان هذا الرأي غير مخالف للنظام العام والآداب ويدعو إلى إلغاء قوانين الطوارئ والمدعي العام الاشتراكي ومحاكم أمن الدولة والقيم، وأن يكون شكل الحكم جمهورياً برلمانياً وأن ينتخب الرئيس ونائبه من الشعب مباشرة وأن يكون البرلمان من مجلسين والحكومة من حزب الأغلبية، كما يدعو الحزب إلى عدم الجمع بين العمل في السلطة التنفيذية وعضوية البرلمان، ويدعو الحزب إلى استقلال القضاء وحصانته وأن ما تقدم - في رأي اللجنة - هي أمور قائمة معظمها أو واردة في برامج أحزاب أخرى - ومرة أخرى ترى اللجنة أن برنامج الحزب طالب التأسيس لم يقدم أية وسائل لتنفيذه ثم تارة تعرض في أسلوب إخباري ما تقوم به حكومة الحزب الوطني من أعمال وإنجازات - ومفاد ذلك كله ومؤداه أنه ما دام الحزب الوطني الديمقراطي قائماً وما دام هو حزب الأغلبية فإن الأمر يستلزم عدم الموافقة على تأسيس أي حزب آخر بجانبه باعتبار أن الحزب المذكور قائم بتنفيذ أفكارهم وبرامجهم، فما دامت اللجنة هي لجنة الحزب الوطني الديمقراطي فهي بهذا الانتماء لا حياد لها وجاءت أسباب القرار المطعون فيه التي ساقتها اللجنة مؤكدة على صدق انتماء غالبية اللجنة للحزب الوطني الديمقراطي.
3 - ما ساقته اللجنة من أن برنامج حزب السلام لم يقدم أية وسائل لتنفيذه - وهذا الذي تراه اللجنة يستلزم أن يكون لدى الحزب - وهو حزب جديد تحت التأسيس - صورة مفصلة عن حجم المشكلة وأسباب نشأتها والإمكانيات المتاحة التي يمكن الاستعانة بها في دراسة الحلول المقترحة وحجم المشكلات وإمكانيات التنفيذ ليست أمام أي حزب وبالتالي لا يستطيع أن يضع الخطة التنفيذية لحل أية مشكلة ويبقى له أن يقول رأيه في المشاكل وحلولها بصفة عامة دون أن يلتزم بالخطط التفصيلية لاستحالة ذلك واقعاً ومنطقاً - وهكذا تمضي الأسباب التي ساقتها اللجنة غير محددة وغير واضحة مما يجعل القرار المطعون فيه فاقداً لسنده القانوني والواقعي لإصداره ومن ثم أقام طعنه للقضاء له بطلباته.
ثم أتبع الطاعن طعنه بمذكرة نعى فيها على القرار المطعون فيه مخالفته للواقع والقانون للأسباب الآتية:
1 - صدروه مشوباً بعيب عدم الاختصاص وعيب الإجراءات والشكل:
عيب عدم الاختصاص زمنياً لرئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية: ذلك أن قرار اللجنة المطعون عليه قد صدر برئاسة السيد الدكتور رئيس مجلس الشورى بجلسة 1/ 7/ 1992 بعد جلسات 4/ 3، 25/ 3، 29/ 4، 13/ 5، 17/ 5، 23/ 5 1992 وأن قرار رئيس الجمهورية بشأن التجديد النصفي لمجلس الشورى لعام 1992 قد صدر بتاريخ 7/ 6/ 1992، وقد تم إخلاء مقعد الدكتور مصطفى كمال حلمي فيكون القرار قد صدر من غير مختص زمنياً ومن ثم مشوباً بالبطلان.
أما عيب الشكل والإجراءات في القرار المطعون فيه لبطلان تشكيل لجنة شئون الأحزاب السياسية وعدم صلاحية أغلبية أعضائها وذلك لعدم امتناع رئيس اللجنة عن مباشرة نشاطه الحزبي ولعدم حياد أغلب الأعضاء على ما سبق تفصيلاً بتقرير الطعن.
2 - صدور القرار مشوباً بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله:
ذلك أنه في الوقت الذي تعترف فيه اللجنة بأن برنامج ومبادئ وأهداف الحزب تتمشى مع القانون رقم 140/ 1977 ثم تناقض نفسها بالاعتراض على قيام وتأسيس الحزب المذكور... وبالنسبة لما ساقته عن تعارض برنامج الحزب مع أحد المكاسب الاشتراكية وهو مجانية التعليم تحيل مذكرة الطاعن إلى تقرير الطعن وتزيد عليه أن الحزب الوطني الديمقراطي هو الذي عدل عن الفكر الاشتراكي ولم يحافظ على المكاسب الاشتراكية وأن ما يقول به بالنسبة للحزب تحت التأسيس هي مجرد تبريرات للاعتراض على تأسيسه شأنه شأن غيره من الأحزاب التي تم الاعتراض عليها وقامت بأحكام القضاء وعلى النحو المفصل بالمذكرة.
3 - عن تحديد برنامج الحزب وتميزه تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى فإن المادة (5) من الدستور الدائم والمعدلة طبقاً لنتيجة الاستفتاء الذي أجرى يوم 22 مايو عام 1980 تنص على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية وتنظيم القانون لأحزاب يستند إلى أساسيين أولهما أن يكون التعدد الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور, وثانيهما الالتزام بالشروط الواردة في القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية وتعديلاته وهي شروط لازمة لقيام الحزب ولاستمراره, ثم عرضت المذكرة لبعض المقومات الأساسية للمجتمع وانتقلت إلى الشروط اللازمة لتأسيس واستمرار الحزب وفقاً للمادة (4) من قانون الأحزاب السياسية، كما عرضت لما يجب أن يشتمل عليه النظام الداخلي للحزب من القواعد التي تنظم شئونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية طبقاً للمادة (5) من القانون المشار إليه وعن التميز في برنامج الحزب طالب التأسيس فقد عرضت المذكرة لهذا الشروط في ضوء أحكام المحكمة الإدارية العليا التي أقرت بتوافر الشرط المشار إليه متى تحقق التفرد والانفصال في برنامج الحزب وسياساته... إلخ وأن لجنة شئون الأحزاب السياسية عارضت مضمون ما قضت به المحكمة الإدارية العليا وقالت اللجنة أن التميز لا يتحقق باقتباس أجزاء من برامج أو سياسات وأساليب أحزاب أخرى واللجنة بهذا النهج لا تبقي فسحة لأعمال أصل المبدأ الدستوري المتعلق بحرية المساهمة في الحياة العامة وتعدد الأحزاب كنظام سياسي يقوم عليه التكوين الدستوري - والتمايز طبقاً لما ساقه الطاعن في مذكرته الخاصة بشرط التمايز هو زحف فكر جديد في بعض نواحيه وليس فيها نحو الساحة السياسية أما إذا صرفنا معنى التمايز إلى ضرورة أن يشمل التجديد كل فقرة من فقرات البرنامج فمؤدى هذا أن مجرد فكرة جيدة خلاقه تحقق رجاء الجماهير لا ينبغي لها أن تولد، وهذه الفكرة ينبغي ألا تمس الثوابت في المجتمع والتي هي مقوماته الأساسية وإنما يمكن أن تمس بعض المتغيرات في المجتمع على ما ساقه الطاعن تفصيلاً في مذكرته آنفة البيان. وخلص الطاعن لما تقدم إلى أن قرار اللجنة صدر على غير أساس من القانون ويتعين الحكم بإلغاء هذا القرار.
ومن حيث إن هذه المحكمة بتشكيلها المتميز الذي حددته المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدل بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980 و114 لسنة 1983 إنما تلتزم في إعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب بأحكام الدستور والقانون، ويقتضي ذلك ابتداء تحديد دور هذه اللجنة في أداء مهمتها الواردة بالقانون والصلاحيات والإمكانيات التي أتيحت لها في بسط رقابتها على برامج الأحزاب تحت التأسيس وذلك في ضوء أحكام مواد الدستور والقانون المنظم لصلاحيات تلك اللجنة، وقد صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية الذي عمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 7 من يوليو سنة 1977 ونص في المادة (30) منه على أن "تستمر قائمة التنظيمات السياسية الثلاثة الحالية وهى: 1 - حزب مصر العربي الاشتراكي 2 - حزب الأحرار الاشتراكي 3 - حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. وتتمتع بالشخصية الاعتبارية وتمارس نشاطها كأحزاب طبقاً لأحكام هذا القانون.
وقد نصت المادة الأولى من هذا القانون على أن "للمصرين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون" وتنص المادة الثانية على أن "يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية والديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم" وحددت المادة الثالثة دور الأحزاب السياسية بأن نصت على أن "تسهم الأحزاب التي تؤسس طبقاً لأحكام القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية، وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية والديمقراطية.
وقد أورد القانون المذكور الأحكام المتعلقة بشروط التأسيس للأحزاب السياسية واستمرارها وانقضائها، وأنشأ لجنة خاصة لشئون الأحزاب تقدم إليها طلبات تأسيس الأحزاب، ويكون لها حق الاعتراض عليها بقرار مسبب، إذا كان قيامها يتعارض مع أحكام القانون. وفي 11/ 4/ 1979 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء حيث تضمن الموضوعات المحدد طرحها للاستفتاء الشعبي ومنها ما ورد تحت البند ثانياً الخاص بإعادة تنظيم الدولة على الأسس التالية تدعيماً للديمقراطية.. إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية.." وبعد موافقة الشعب على ما طرح في الاستفتاء فقد تم تعديل المادة الخامسة من الدستور على مقتضى نتيجة الاستفتاء الذي تم في 22/ 5/ 1980 وأصبح نصها على النحو الآتي:
"النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 صدرت بمراعاة ما قررته أحكام الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها دستور سنة 1971 من حق المصريين في تكوين الجمعيات بما يشمل الجمعيات السياسية أو الأحزاب بشرط ألا تكون معادية لنظام المجتمع، أو تقوم على تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، وبناء على الحريات العامة المقررة في هذه الدساتير مثل حرية الرأي والتعبير وكذا حق الاجتماع، وأن قيام الأحزاب بناء على كونها حق عام للمصريين، كان معلقاً على إزالة الحظر القانوني الذي فرض انفراد الإتحاد الاشتراكي بالساحة السياسية، ومن ناحية أخرى فإن تعديل أحكام الدستور لجعل النظام السياسي يقوم على أساس تعدد الأحزاب لم يأت بجديد في شأن إطلاق إنشاء حرية كل الأحزاب السياسية، وحق الانتماء إليها دستورياً، بل أن ذلك مجرد تأكيد لهذا الحق الدستوري للمصريين، كما أن ذلك يعتبر تسجيلاً للإرادة الشعبية التي أفصحت عنها جموع الشعب في الاستفتاء الذي أجرى على القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن تعدد الأحزاب السياسية وإطلاق حرية تكوينها، وبذلك فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها أو الانتماء إليها يكون هو الأصل والمبدأ العام الدستوري الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام الديمقراطي الذي تتوخاه جمهورية مصر العربية ليس فقط لأن ذلك تنفيذاً لأحكام المادة الخامسة من الدستور بعد تعديلها بل لأن ذلك حق متفرع عن حق تكوين الجمعيات والحزب السياسي "جمعية سياسية" وبناء على ما نص عليه الدستور في المادة (47) من حرية الرأي والعقيدة، وفي المادة (48) من حرية التعبير في جميع مسائل الإعلام والنشر وتعد نوعاً من المساهمة في الحياة العامة التي نصت عليها المادة (62) من الدستور واعتبرتها واجباً وطنياً. بل أن وجود الأحزاب وتعددها يعد في ذاته ضرورة لاتصاله أوثق الصلة بنظام المؤسسات الدستورية وكيفية سيرها وطريقة اضطلاعها بالاختصاصات المقررة لها بمقتضى الدستور والقانون، ومن وجه آخر لأن النظم الديمقراطية تقوم على أساس سليم من خلال تعدد الأحزاب السياسية باعتبار ذلك ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها (حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 44 لسنة 7 ق).
ومن حيث أن القانون رقم 40 لسنة 1977 في شأن نظام الأحزاب السياسية بعد أن حدد الأسس والمبادئ الأساسية لتنظيم الأحزاب السياسية، نظم الأحكام الخاصة بشروط تأسيس هذه الأحزاب واستمرارها وحلها وكيفية وصولها كحزب سياسي إلى الساحة السياسية فقد نصت المادة الرابعة من القانون المشار إليه على أنه "يشترط لتكوين أو استمرار حزب سياسي ما يلي:
أولاً: عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع:
1 - مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع.
2 - مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952، 15 مايو1971.
3 - الحفاظ على الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، والنظام الاشتراكي الديمقراطي، والمكاسب الاشتراكية.
ثانياً: تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
ثالثاً: ......... رابعاً: ........... تاسعاً: ............."
كما تنص المادة السابعة من القانون المشار إليه بعد تعديلها بالقانون رقم 144 لسنة 1980 على أنه "يجب تقديم إخطار كتابي إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص عليها في المادة التالية عن تأسيس الحزب موقعاً عليه من خمسين عضواً من أعضائه المؤسسين، ومصدقاً رسمياً على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب..."
وتنص المادة الثامنة على أن "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالي:
1 - رئيس مجلس الشورى................ رئيس
2 - وزير العدل 3 - وزير الداخلية
4 - وزير الدولة لشئون مجلس الشعب
5 - ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم يصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية.
.......................
وتختص اللجنة بالنظر في المسائل المنصوص عليها في هذا القانون بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكامه.
ولا يكون اجتماع اللجنة صحيحاً إلا بحضور رئيسها وأربعة من أعضائها بينهم الأعضاء المنصوص عليهم في البنود 2، 3، 4 من الفقرة الأولى من هذه المادة.
.........................
وعلى اللجنة أن تصدر قرارها بالبت في تأسيس الحزب على أساس ما ورد في إخطار التأسيس الابتدائي وما أسفر عنه الفحص أو التحقيق وذلك خلال الأربعة أشهر التالية على الأكثر لعرض الإخطار بتأسيس الحزب على اللجنة.
ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن.
............................
ويجوز لطالبي تأسيس الحزب خلال الثلاثين يوماً التالية لنشر قرار الاعتراض في الجريدة الرسمية أن يطعنوا بالإلغاء في هذا القرار أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا التي يرأسها رئيس مجلس الدولة على أن ينضم لتشكيلها عدد مماثل من الشخصيات العامة يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية من الكشوف الخاصة بالشخصيات العامة.
وتفصل المحكمة المذكورة في الطعن خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ إيداع عريضته إما بإلغاء القرار المطعون فيه أو بتأييده وعند تساوي الأصوات يرجح رأي الجانب الذي منه الرئيس.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم من أحكام أن مهمة اللجنة وسلطاتها إزاء الأحزاب المزمع تأسيسها تتحدد في ضوء المبادئ الدستورية والقانونية سالفة البيان في أن مهمتها تنحصر في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس للتأكد من مدى توافر الشروط التي حددها الدستور، وأورد القانون تفصيلاً لها ويكون للجنة حق الاعتراض على قيام الحزب قانوناً إذا ما تخلف في حقه شرط أو أكثر من الشروط المتطلبة وفي هذه الحالة فإن عليها أن تصدر قرارها مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن باعتبار أنها تتصرف في إطار "سلطة مقيدة" بنص الدستور وأحكام القانون وفي مجال ممارسة حرية من الحريات التي كفلها الدستور، وعلى أن يخضع ما تقرره اللجنة للرقابة القضائية من هذه المحكمة التي شكلها المشرع وأوكل لها إعمال هذه الرقابة والتحقق من مدى سلامة قرار اللجنة ومطابقته لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إن نصوص القانون المشار إليه أكدت هذا المعنى عندما عبر المشرع في المادة السابعة عن الطلب المقدم بتأسيس الحزب بأنه "إخطار" أي إبلاغ عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية على الوجه الذي يكفله الدستور والقانون، كما عبر المشرع عن سلطة اللجنة عند البت في الإخطار بعبارة "الاعتراض" على التأسيس مستبعداً وبحق عبارتي الموافقة أو الرفض حرصاً منه على التأكيد على أن مهمة اللجنة تقف عند حد فحص أوراق الحزب والتحقق من توافر الشروط الواردة في الدستور والقانون أو الاعتراض عليها، فاللجنة تباشر سلطة مقيدة لا يسمح لها أن تقف حائلاً في سبيل ظهور أي حزب إلى ميدان السياسة إلا إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية - وفقاً لما هو وارد بنص دستوري وقانوني - ما يبرر عدم السماح لمؤسسي الحزب وإقامته إعلاء للشرعية واحتراماً لأحكام الدستور والديمقراطية.
ومن حيث إنه عما آثاره الطاعن ببطلان تشكيل لجنة شئون الأحزاب السياسية التي أصدرت القرار المطعون فيه وعدم صلاحية أغلبية أعضائها ذلك أن اللجنة بتشكيلها المنصوص عليها في المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية معدلة بالقانون رقم 144 لسنة 1980 ورقم 114 لسنة 1983 قد أصدرت القرار المطعون فيه وهي مشكلة من رئيس مجلس الشورى رئيساً ووزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلس الشعب بالإضافة إلى ثلاثة من غير المنتمين لأي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية أو نوابهم أو وكلائهم.. ولما كان ذلك وكان رئيس اللجنة وبعض أعضائها ينتمون إلى الحزب الوطني الديمقراطي بل إن رئيسها هو أحد أقطاب هذا الحزب ويباشر نشاطه الحزبي وولاؤه وانتماؤه للحزب المذكور فإنه من ثم لا يكون صالحاً لرئاسة اللجنة حتى يوقف نشاطه الحزبي كما أن الوزراء الثلاثة بحكم مناصبهم لهم علاقات بالنشاط الحزبي ورغم أنه لا يوجد في نصوص الدستور ما يوجب أن يكون الوزراء من المنتمين لأي حزب سياسي - إلا أن المشرع قدر أنهم ما داموا وزراء في حكومة الأغلبية فلا شك أنهم - على الأقل - ممن يؤمنون بمبادئ وأهداف حزب الأغلبية، يضاف إلى ذلك أنه لما كان النص المذكور(المادة الثامنة من القانون رقم40/ 1977) قد ضمن تشكيل اللجنة ثلاثة من غير المنتمين لأي حزب سياسي من رؤساء الهيئات القضائية السابقين فإن الثابت أن من اشترك في إصدار القرار المطعون فيه من رؤساء الهيئات القضائية السابقين اثنان فقط مما يصم القرار بالبطلان.
ولما كان الثابت أن طلب تأسيس حزب السلام قدم إلى اللجنة في ظل العمل بالمادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 معدلاً بالقانون رقم 144 لسنة 1980 والقانون رقم 114 لسنة 1983 ومفاد ذلك وفي ضوء ما نصت عليه المادة الخامسة من دستور سنة 1971 معدلة في ضوء الاستفتاء الشعبي الذي أجرى في 22 مايو سنة 1980 بأن "ينظم القانون الأحزاب السياسية" أن القانون رقم 40 لسنة 1977 معدلاً لم يرد فيه نص صريح بشأن عدم انتماء رئيس لجنة شئون الأحزاب إلى أي حزب سياسي قائم أو أنه يتعين عليه التنحي عن صفته الحزبية عند رياسته الجلسة وذلك أمر قصده القانون ولم يكن غافلاً عنه بدليل وضعه هذا القيد بالنسبة لأعضاء اللجنة من رؤساء الهيئات القضائية السابقين، فضلاً عن أن اللجنة سالفة الذكر - وعلي ما سلف بيانه تفصيلاً - بحسب تكوينها واختصاصاتها وسلطاتها في البحث والتقصي هي لجنة إدارية وأن ما يصدر عنها من قرارات بالاعتراض على تأسيس الحزب لا يعدو في حقيقة تكييفه الصحيح أن يكون قراراً إدارياً شكلاً وموضوعاً وأنه خاضع للرقابة القضائية بالطعن عليه بالإلغاء أمام هذه المحكمة ومن ثم لا يسري بشأن رئيس وأعضاء اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاة من أحكام قانونية تتعلق بالحيدة والتنحي والمنع من المشاركة في الحكم، وباعتبار أن من أسباب الطعن على القرار الإداري عامة الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها، وإذا كان النص سالف الذكر قد ترك للجنة شئون الأحزاب حرية في البحث والدراسة والتحقق والتمحيص وأجاز لها الاتصال بجهات أخرى وطلب ما تراه لازماً للفصل في طلب تأسيس الحزب كما أجاز لها طلب المستندات والأوراق والبيانات اللازمة من ذوي الشأن فإن الطعن على قرارها يثير بالضرورة - لدى المحكمة المختصة - التحقق من الأسباب التي استندت إليها اللجنة في الاعتراض ومدى قيامها على أسباب ثابتة في الأوراق التي كانت تحت نظر اللجنة عند إصدار القرار الإداري محل الطعن ومؤديه - واقعاً وقانوناً - إلى النتيجة التي ساقتها اللجنة وأقامت عليها قرارها، وإذ كان عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هو من العيوب القصدية التي يتعين على من يتمسك بها إثباتها أمام المحكمة بأدلة راجحة القبول وإذ خلت الأوراق من ذلك ولم يقدم الطاعن ثمة دليل يؤيد قوله بعدم الحيدة فيتعين الالتفات عما أثاره الطاعن في هذا الشأن.
ومن حيث أن نص المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 سالف الإشارة قد أورد أن اجتماع اللجنة لا يكون صحيحاً إلا بحضور رئيسها وأربعة من أعضائها من بينهم الأعضاء المنصوص عليهم في البنود 2 و3 و4 (أي كل من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الدولة لشئون مجلس الشعب) ومفاد ذلك أن حضور اثنين فقط من أعضاء الهيئات القضائية بما يكمل النصاب (الرئيس وأربعة أعضاء) وعدم حضور الثالث لا يبطل اجتماع اللجنة بل يغدو اجتماع اللجنة صحيحاً بحضور الرئيس والأربعة أعضاء من بينهم اثنان فقط من أعضاء الهيئات القضائية.
ومن حيث إنه على ما تقدم بيانه يكون النعي على تشكيل اللجنة بالبطلان لانتماء الرئيس والأعضاء المنصوص عليهم في البنود 2 و3 و4 من المادة (8) من قانون نظام الأحزاب السياسية للحزب الوطني الديمقراطي، وأيضاً لحضور اثنان فقط من رؤساء الهيئات القضائية أو نوابهم أو وكلائهم وعدم حضور الثالث - إنما هو نعي غير سديد وعلى غير أساس صحيح من الواقع أو القانون جدير بالرفض.
ومن حيث إنه عما أثاره الطاعن من أن القرار المطعون فيه قد صدر خلال فترة إخلاء مقعد الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى ورئيس اللجنة بحكم منصبه وأنه لذلك يكون القرار قد صدر من غير مختص زمنياً بإصداره ومن ثم صدر مشوباً بالبطلان. وإذ تنص المادة (3) من القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى على أن "مدة عضوية مجلس الشورى ست سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له ويتحدد انتخاب واختيار نصف الأعضاء المنتخبين والمعينين كل ثلاث سنوات، ويجوز إعادة انتخاب وتعيين من انتهت مدة عضويته من الأعضاء، ويتم تجديد من تنتهي مدة عضويتهم في نهاية الثلاث سنوات، الأول بطريق القرعة التي يجريها المجلس وفقاً للقواعد التي يضعها في لائحته الداخلية، ويجب أن يتم الانتخاب خلال الستين يوماً السابقة على انتهاء مدة العضوية ويتم التعيين خلال الثلاثين يوماً السابقة على انتهائها.
ومفاد هذا النص أن مدة عضوية أعضاء مجلس الشورى ورئيس مجلس الشورى هي ست سنوات ميلادية كاملة ولا تتأثر العضوية بإجراءات التجديد النصفي لأعضاء المجلس سواء بالنسبة للأعضاء المنتخبين أو المعينين إذ يتعين طبقاً للنص السالف إتمام الانتخاب خلال الستين يوماً السابقة على انتهاء مدة العضوية وكذا إتمام التعيين خلال الثلاثين يوماً السابقة على انتهائها. فلو انتهت عضوية رئيس مجلس الشورى أو أحد أعضائه خلال التجديد النصفي فإذا انتخب أو عين قبل انتهاء المدة بستين يوماً أو بثلاثين يوماً على انتهاء مدة العضوية فإن عضويته في الواقع تظل متصلة قبل الانتخاب أو التعيين أو بعده ولا يسوغ القول بخلو منصب رئيس أو عضو مجلس الشورى لفترة زمنية وإذ كان الثابت من الأوراق أن القرعة التي أجراها مجلس الشورى بتاريخ 14/ 4/ 1992 لتحديد من انتهت عضويتهم من أعضاء المجلس ثم أجريت الانتخابات في 7/ 6/ 1992 بالقرار الجمهوري رقم 162 لسنة 1992 وكان من بين من خاضوا الانتخابات رئيس مجلس الشورى د. مصطفى كمال حلمي، وبتاريخ 22/ 6/ 1992 صدر القرار الجمهوري رقم 266 لسنة 1992 بتعيين بعض الأعضاء بمجلس الشورى بدلاً من الأعضاء الذين انتهت عضويتهم بطريق القرعة على أن يعمل بهذا القرار اعتباراً من 25/ 6/ 1992 وقد فاز د. مصطفى كمال حلمي في الانتخابات واستمر رئيساً لمجلس الشورى ومن ثم فإن رئاسته لهذا المجلس تغدو متصلة - على ما سلف البيان - سواء قبل وأثناء التجديد النصفي وإجراء الانتخاب أو بعده، وقد صدر القرار المطعون فيه بجلسة 1/ 7/ 1992 بعد إتمام كل تلك الإجراءات ومن ثم يكون ما نعاه الطاعن في خصوص عدم اختصاص رئيس مجلس الشورى زمنياً بإصدار القرار غير قائم على أساس متعيناً رفضه.
ومن حيث إن لجنة الأحزاب السياسية قد أصدرت قرارها المطعون فيه بالاعتراض على الطلب المقدم من الطاعن بصفته بتأسيس حزب سياسي باسم حزب (السلام) وذلك على سند من أن اللجنة استظهرت - على النحو الوارد بأسباب الاعتراض - أن برنامج الحزب لا يتميز تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب القائمة أو إيضاح وتحديد وسائل تنفيذه فيما تضمنه البرنامج في جملته لا يعدو أن يكون تقريرات عامة في مختلف المجالات التي تعرض لها بما لا يستطاع معه تحديد ماهيته أو أوجه خصوصياته التي تميزه عن برامج الأحزاب الأخرى، فضلاً عن أنه يعرض ما يدعو إليه في أي أمر دون تحديد أو حتى مجرد إشارة إلى وسائل تنفيذه.
ومن حيث إن من بين الشروط والضوابط التي أوردها القانون رقم 40 لسنة 1977 لتأسيس الأحزاب السياسية أو استمرارها ما ورد بالبند ثانياً من المادة الرابعة التي تشترط لتأسيس الحزب واستمراره تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى - وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بدستورية هذا الشرط بحسبانه ضماناً للجدية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون في وجود الحزب إضافة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها لتحقيق المصالح العامة للشعب (الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 7/ 5/ 1988 في القضية رقم 44 لسنة 7 ق دستورية).
ومن حيث إنه يتعين الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية القائمة أو التي تطلب التأسيس تلتزم أساساً باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور والتي نظمها في الباب الثاني منه متمثلة في المقومات الاجتماعية والخلقية الواردة في الفصل الأول، والمقومات الاقتصادية الواردة في الفصل الثاني من الباب المذكور وتلتزم تلك الأحزاب بألا تتعارض في مقوماتها أو مبادئها أو أهدافها أو برامجها أو سياستها أو أساليب ممارستها لنشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع ومبادئ ثورتي 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971 كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية على النحو المنصوص عليها في القانون رقم 40 لسنة 1977 ومقتضى ذلك أن الدستور ومن بعده القانون المشار إليه قد تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب في أمور غير مسموح في شأنها بالاختلاف أو التميز دستوراً وقانوناً سواء في المبادئ والمقومات أو في الأساليب والسياسات، ومن ثم فإن دائرة التميز المطلوب كشرط لتأسيس الحزب المزمع قيامه سوف يكون دائماً خارج إطار تلك المبادئ والأهداف الأمر الذي يؤدي إلى أن التماثل الذي قد يقترب من التطابق مفترض حتماً في تلك المبادئ والأهداف الأساسية التي تقوم عليها الأحزاب، ولذلك فإن عدم التميز أو التباين في هذا المجال الوطني والقومي لا يمكن أن يكون حائلاً دون تأسيس أي حزب، كذلك فإن التميز المطلوب قانوناً في حكم الفقرة الثانية من المادة الرابعة المشار إليها سلفاً، لا يمكن أن يكون مقصود الانفصال التام في برامج الحزب وأساليبه عن برامج وأساليب الأحزاب الأخرى مجتمعه فليس في عبارة النص المشار إليه - أو دلالته ومقتضاه - ما يوحي بأن التميز يجب أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى جميعها ذلك أن الأخذ بمنطق هذا التفسير إلى منتهاه يفرض قيداً هو أقرب إلى تحريم تكوين أي حزب جديد ومصادرة حقه في ممارسة الحياة السياسية منه إلى تنظيم هذا الحق ومن ثم فليس المطلوب في التميز لبرنامج الحزب وسياساته أن يكون هناك تناقض واختلاف وتباين تام وكامل بينه وبين جميع الأحزاب الأخرى، بل أن هذا التميز يظل قائماً ومنتجاً لآثاره القانونية والدستورية ولو وجدت بعض أوجه التشابه بين برامجه أو أساليبه أو اتجاهاته مع الأحزاب الأخرى فذلك أمر منطقي وطبيعي، مرده إلى أن جميع الأحزاب تخضع لحكم عام واحد يمثل جانباً من النظام العام السياسي والدستوري للبلاد، يلزمهم جميعاً، وفقاً للمبدأ الأساسي لالتزام الأحزاب بالمقومات الأساسية للمجتمع المصري التي تواضعت عليها الإدارة الشعبية واكتسبتها وتمسكت بها من خلال تجاربها عبر العصور التي انصهرت في بوتقة التاريخ، وكونت لها شخصيتها المصرية المتميزة المتعارف عليها بين الدول، فكل حزب - يتكون في مصر – لا بد أن يحمل على كاهله وهو يعد برامجه وسياساته - تراث آلاف السنين وتجارب المصريين في صراعهم المستمر في سبيل الحياة وفي سبيل الحرية والتقدم وبناء مجتمع يتمتع بالقوة والرفاهية، وهذه التجارب والقيم الناتجة عنها قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الشخصية المصرية عند التعامل مع الأحداث والنوازل.......... ووضع الحلول اللازمة للمشاكل التي يواجهها المجتمع مما يفرض فوراً وحتماً عديداً من أوجه الشبه بين جميع الأحزاب المصرية حتى في وضعها للسياسات ولبرامج الخاصة بكل منها وتنظيم مباشرة جهدها وقدرتها على مواجهة المشاكل، دون أن ينفي ذلك عن كل حزب شخصيته المتميزة التي تشكل منه إضافة لا تتكرر للحياة السياسية المصرية.
ومن ثم فإن التميز يكمن صدقاً وحتماً - في تلك المقولات والتعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ترد في برامج الحزب وأساليبه وسياساته التي ارتضاها لنفسه ليكون ملامح شخصية حزبية متميزة - وتعبر عن توجه فكري مميز في مواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لها من البدائل المتعددة في ظروف الحياة الواقعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين المصريين ينفرد به على باقي الأحزاب.. ويفرق بينها بحيث لا يكون نسخة ثابتة مقلدة من البرامج والسياسات التي يتبناها ويتميز بها حزب قائم بالفعل أو صورة مطابقة له. فالمحظور هو التطابق التام بين الحزب تحت التأسيس وأي حزب من الأحزاب القائمة إذ أن السماح لمثل هذا الحزب الذي يطابق غيره بالظهور على الساحة السياسية لا يشكل أي جدوى أو إضافة جديدة تثري العمل الوطني - وبناء على ما سلف جميعه فإن التميز بهذه المثابة يختلف عن الانفراد وعن الامتياز والأفضلية عن باقي الأحزاب، فالتميز الظاهر وهو مناط ومبرر شرعية وجود حزب جديد - لو توافرت باقي الشروط التي حتم توافرها الدستور والقانون - يعني ظهور ملامح الشخصية المتميزة للحزب تحت التأسيس وتفردها على باقي الأحزاب الأخرى بينما الانفراد يعني عدم تماثل أي أمر من أمور الحزب تحت التأسيس مع أي من الأحزاب القائمة وهو أمر مستحيل في ظل الدستور وقانون الأحزاب الحاليين وذلك لأن الأهداف والغايات الأساسية للمجتمع والأسس التي تمثل النظام العام الدستوري المصري يلتزم بها أي حزب وتنعكس بالتالي هذه الوحدة في النظام الجوهري للأسس المبدئية لأي من الأحزاب المصرية على أية برامج أو سياسات تضعها بما يحتم توفر قدر من الشبه أو التماثل في بعض هذه البرامج والسياسات دون بلوغ درجة التطابق أو الشبه والتماثل الكامل أو شبه الكامل الذي يفقد معه الحزب تحت التأسيس شخصيته المتميزة، والتميز الظاهر يبرر جدوى وجدية أهدافه وغايته ويبرر وجوده في الحياة الدستورية والسياسية المصرية - ولما كان الامتياز والأفضلية لحزب على غيره إنما تقوم على مدى قدرة الحزب على تحقيق برامجه وسياساته، وأن ينقل أفكاره من دائرة العقل والشعور إلى ميدان التطبيق الواقعي في حياة أعضائه وغيرهم من المواطنين بأبسط السبل وأيسرها الامتياز بهذا المعنى يدخل في نطاق الرقابة على الممارسة والأداء ويخرج عن نطاق الرقابة في النشوء المبتدأ الذي يقتصر على توافر الجدية والجدوى من برامج وسياسات الحزب المتميزة ظاهرياً، فالامتياز يدخل في نطاق الرقابة الشعبية التي يكون لها وحدها الحق - في المفاضلة بين الأحزاب القائمة - لترى أيها أقدر سياسياً وحزبياً وأهدى سبيلاً إلى تحقيق أمالها وأحلامها على أرض الواقع، ومن ثم يخرج عن نطاق الرقابة على تأسيس الحزب السياسي مهمة التأكد من مدى قدرة الحزب طالب التأسيس على الامتياز على غيره في نشاطه وممارسته في الساحة السياسية الحزبية لتحقيق البرامج التي يطرحها بنجاح - فكل برنامج قابل للنجاح أو الفشل بدرجات متباينة، ولا يمكن أن يتأكد ذلك إلا في ساحة العمل والممارسة الحزبية والنضال السياسي - ومن ثم يكفي ليكون الحزب جاداً فيما قدمه من برامج أن تكون جدية ومتميزة وبها عناصر متعددة جديدة، ويتحقق ذلك بأن تكون الأساليب التي أوردها الحزب بحسب الثابت في عيون الأوراق لتحقيق سياسات وبرامج منطقية وممكنة عقلاً ومؤدية بطريقة معقولة وواقعية إلى النتائج التي انتهى إليها ولا يكفي لطرح الثقة بهذه البرامج الادعاء بأنها مغرقة في الخيالات والأوهام، ما دام الحزب قد قدم في الأوراق تصوراً محدداً للخطوات التنفيذية المنطقية والعملية التي يجدها مؤدية لتحقيق برامجه، ما لم يتأكد فنياً وعلي أساس علمي ومنطقي دحض هذه الآراء واستحالة تنفيذها - وبعبارة أخرى إذا تأكد انفصال هذه الآراء عن واقع الحياة وعن قدرات الشعب ومكانته الاجتماعية والاقتصادية وغيرها بحيث تبدو تلك الآراء مجرد تطلعات وأماني يتمناها الجميع ويفتقرون إلى القدرة على تحقيقها - وعلي أن يتقرر على سند علمي وفني مناقشة برنامج الحزب تحت التأسيس لبيان زيف توقعات الحزب وضحالة أفكاره وأنه حزب غير جاد في رعاية مصالح الجماهير مستهيناً بعقلها ومغامراً بثقتها مما يستوجب حجبه عن حلبة الصراع السياسي تجنباً لإهدار الكثير من الطاقات والقدرات والأموال بغير طائل.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم من تحديد لشرط التمايز على برنامج حزب السلام تحت التأسيس، وبعد استعراض كامل للبرنامج تبين أن حزب السلام تحت التأسيس يدعو في مجال السياسية الخارجية وأخذاً في الاعتبار أن مصر دولة إسلامية عربية أفريقية وأنها قلب العالم العربي - مما يستوجب عدم دخولها في أية محاور مع أو ضد أية دولة إسلامية لتصبح هي الحكم في النزاعات بين هذه الدول وليست طرفاً فيها، فالبادي المعلوم أن مصر أحد الأعضاء البارزين في جامعة الدول العربية وفي منظمة الوحدة الأفريقية وهيئة الأمم المتحدة وفي دول عدم الانحياز وفي المؤتمر الإسلامي وتقوم سياستها المعلنة على أساس التعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشروعية وفي مجال السياسة الداخلية فيدعو الحزب إلى إلغاء القوانين التي تحد من حرية الأفراد في التعبير عن رأيهم غير المخالف للنظام العام والآداب، وإلغاء قوانين المدعي الاشتراكي ومحاكم أمن الدولة والقيم، وأن يكون شكل الحكم جمهورياً برلمانياً, وأن يكون انتخاب الرئيس ونائبه من الشعب مباشرة وهي أمور كلها سبقته إليها برامج أحزاب أخرى قائمة.
وفي مجال السياسة الاقتصادية - وبعد أن استعرض الحزب في برنامجه مشاكل البلاد الاقتصادية ونادى بوضع خطتين للإصلاح إحداهما عاجلة والأخرى آجلة أما العاجلة فهي إطلاق الحرية للقطاع الخاص بغير حدود وبغير رقابة من الدولة وبغير ضرورة للحصول على موافقات أو إذن من أية جهة على أن يترك للقطاع العام الحرية في الإدارة والتمويل والتطوير والإبداع، والخطة الآجلة تقضي باستمرار القطاع العام في الصناعات الثقيلة ويترك للقطاع الخاص الصناعات الخفيفة، ويدعو الحزب إلى التكامل الاقتصادي بين مصر وليبيا والسودان كنواه للوحدة العربية والسوق العربية المشتركة وهي سياسة توليها الحكومة القائمة أهمية كبرى، وأفراد القطاع العام للصناعات الثقيلة والخاص للصناعات الخفيفة أمر يكاد يكون مطبقاً فعلاً أو تضمنته نظريات عفى عليها الزمن أو برامج لأحزاب أخرى، أما عن الديون وكيفية سدادها فقد قطعت الحكومة القائمة شوطاً كبيراً في هذا السبيل، فضلاً عن عدم بيان الحزب تحت التأسيس لكيفية سداد باقي الديون عن طريق الشعب في ضوء قدرات الشعب وما هي الوسيلة لذلك، وبالنسبة لسعر الصرف فقد أصبح موحداً وثابتاً ومعمولاً به في الواقع، كما تكفل التشريعات القائمة إشراف الدولة ورقابتها من خلال البنك المركزي على جميع البنوك العاملة في مصر، وأما عن دعوة الحزب لتغليظ العقوبة على التلاعب في الشيك فثمة مشروع قانون بشأن حماية الشيك معروض على مجلس الشعب، وأما عن دعوة الحزب إلى التكامل الاقتصادي بين مصر وليبيا والسودان كنواه للوحدة والسوق العربية المشركة فقد سبقت هذه الدعوة عدة تجارب في هذا الصدد وإن لم يكتب لها النجاح إلا أنها ما زالت مطروحة على الساحة ومطلباً لكافة الشعوب العربية وخاصة شعوب الدول الثلاث وتطرحها برامج كثير من الأحزاب.
وفي مجال الصناعة يقسم الحزب تحت التأسيس الصناعات إلى ثقيلة تتبناها الدولة، وخفيفة إنتاجية ومغذية وقطع غيار وتترك للقطاع الخاص، ويدعو إلى نقل التكنولوجيا ووقف تصدير المواد الخام التي يمكن تصنيعها في مصر, ويدعو الحزب إلى ترشيد استهلاك الكهرباء وتصنيع معدات الطاقة الشمسية كاملاً في مصر والاهتمام بالطاقة الجديدة، والبحث عن تصنيع كل ما يمكن تصنيعه من مشتقات البترول وتصديرها إلى الدول الأوروبية، وهي كلها أمور ليس فيها من جديد والدعوة إليها من قبل برامج أحزاب أخرى بل يدعو إليها الأفراد والكتاب على صفحات الجرائد بصفة دورية.
وفي مجال الزراعة واستصلاح الأراضي: تقوم سياسة الحزب تحت التأسيس على تشجيع رأس المال المصري في تكوين شركات متخصصة في هذا المجال، وتوزيع الأراضي الصحراوية الصالحة للزراعة على الشباب وتعميم نظام الصرف المغطي، والتوسع رأسياً وأفقياً في الأراضي المزروعة وحماية مياه النيل من التلوث، وكلها مجالات مطروحة سلفاً من قبل أحزاب أخرى، أو موضع اجتهاد الحكومة القائمة وهدفاً لها تصبو إلى تحقيقه وإن عجزت عنه إمكانياتها ووسائلها.
وفي مجال الإسكان تقوم سياسة الحزب على اقتصار مهمة الدولة على التخطيط للمدن، وإعادة النظر في قوانين الإسكان لحل المشكلة عن طريق العرض والطلب، وعرض الأراضي المملوكة للدولة في المدن الجديدة والصحراء بأسعار رمزية، وتشجيع إقامة مجتمعات صناعية وجعل القاهرة مدينة مغلقة، وعدم فرض رسوم أو ضرائب على مواد البناء وعدم تجديد المصانع القائمة حالياً داخل المدن الكبرى وتشجيع هدم المباني القديمة وإقامة منتزهات وحدائق عليها مع الاهتمام باتساع الشوارع وهي أمور توليها الحكومة القائمة عنايتها وتدعو إليها برامج أحزاب أخرى.
كما يدعو الحزب إلى تعمير سيناء بالزراعات المناسبة مثل النباتات الطبية والعطرية وزراعة الزيتون واستخدام الطاقة الشمسية والرياح في استخراج مياه الآبار والبحث عن المعادن بسيناء وهي أمور إن لم يكن قد طبق معظمها فعلاً فهي في الطريق إذ تمت زراعة سيناء بأشجار الزيتون وبالفواكه والنباتات العطرية والطبية ومهدت بها الطرق ومشروع ترعة السلام.
وعن التعليم فقد عرض برنامج الحزب لمشاكله ويدعو إلى ربط التعليم بالأهداف والقدرات الذهنية والعلمية وفقاً لضوابط أجملها فيما يأتي:
لا مجانية إلا للمتفوقين، الالتحاق بأي مرحلة تالية لكل الطلبة بشرط أداء النفقات، تشجيع التعليم الفني، إنشاء التعليم المهني، تغير النظرة للتعليم الجامعي فلا يلتحق به إلا المتفوقين وبالمجان ولغيرهم بالمصروفات. ومجانية التعليم للمتفوقين على النحو السالف بيانه وإن كانت تدخل في مفهوم تنظيم التعليم وترشيده ولا تذهب إلى حد المنع والحرمان لغير المتفوقين إلا أنها دعوة مسبوقة من خبراء التعليم ومن الأحزاب الأخرى بل إن تحديد حداً أدنى للدرجات للالتحاق ببعض المدارس والجامعات إنما هو تطبيق لذات المعيار في تنظيم التعليم والدعوة إلى الجامعة الأهلية تكتمل بإتمامها منظومة التعليم على نحو ما ينادي به الحزب وغيره في مجال التعليم.
وفي مجال الصحة يرى الحزب تحت التأسيس أنه ليس ثمة برنامج محدد للقضاء على المرض، وأصبح المواطن العادي لا يجد الرعاية الطبية الكاملة أو شبه الكاملة في المستشفيات الحكومية التي تردت إلى حالة من الفوضى والإهمال، وانتشرت ظاهرة المستشفيات التخصصية، ويذكر الحزب أن سياساته في مجال الصحة تقوم على عدة أسس هي أن يكون لكل طفل بطاقة صحية مع تأثيم عدم التردد على الطبيب كل ستة أشهر، وجعل المستشفيات الحكومية هيئات مستقلة بميزانيات خاصة، رفع دخول الأطباء، تطوير نظام التأمين الصحي, تشجيع إنشاء المستشفيات الخاصة المتوسطة والبادي أن الحكومة القائمة تولي نظام التأمين الصحي رعايتها وجعلت لكل تلميذ بطاقة صحية وثمة هيئات تتبعها المستشفيات، وما خلا ذلك من أمور دعى إليها الحزب مجرد تصورات وأماني لا تطابق حقيقة الواقع فضلاً عن تناقضها في الدعوى إلى القضاء على المستشفيات الخاصة ثم الدعوة إليها كمستشفيات خاصة متوسطة.
وعن تلوث البيئة يرى الحزب تحت التأسيس أن يكون ثمة برنامج متكامل لحماية البيئة من التلوث بمنع إقامة المصانع القريبة من المدن، وإرغام تلك المصانع على معالجة نفاياتها. وإنشاء معمل خاص لذلك وتطوير استخدام تكنولوجيا الغاز الحيوي وقيام هيئة متخصصة لحماية البيئة. وقد انتهت الحكومة القائمة من إعداد مشروع قانون موحد لحماية البيئة يتضمن تطوير جهاز شئون البيئة الحالي، وتغيير اسم جهاز البيئة ليصبح "الجهاز المركزي للبيئة" وإعداد مكاتب فرعية للجهاز في المحافظات تشرف على الشئون الفنية المتصلة بالبيئة.
وعن النقل والمواصلات يرى الحزب تحت التأسيس تطوير النقل البري من خلال مد الطرق الرئيسية إلى أطراف وحدود مصر شرقاً وغرباً، وتيسير نقل المواطنين داخل المدن، ومد خطوط الطرق الرئيسية إلى السودان، وربط المحافظات الجديدة ببعضها عن طريق السكك الحديدية، وتطوير الأسطول البحري وتشجيع الاستثمار في هذا المجال ونقل وزارة النقل البحري إلى الإسكندرية وفتح مواني الترانزيت، وتحويل شركة مصر للطيران إلى شركة مساهمة مصرية حتى يمكن تطويرها مع إنشاء مواني جوية حديثة، وهي كلها دعوات ومطالب تحقق بعضها والبعض الآخر موضع الاهتمام من الحكومة الحالية ومن برامج الأحزاب الأخرى.
وعن السياحة يدعو الحزب إلى إلغاء القوانين والقرارات التي تسبب مضايقة للسائح وتلك التي تعرقل عمل شركات السياحة وتشجيع جهود تلك الشركات، وتشجيع الاستثمار في السياحة، وإنشاء مجلس أعلى للسياحة, وتطوير فنادق القطاع العام، وهي كلها أمور ملموسة من الحكومة القائمة ولم تدخر وسعاً في هذا المجال التي تجمع كل الآراء في أهمية هذا القطاع وحيويته وتبنى تلك الوسائل وغيرها للنهوض به.
وعن الشباب يدعو الحزب إلى مد جسور الحوار والفكر المستنير مع الشباب وأن تهتم أجهزة الدولة بكافة أموره ويركز الحزب على الحل الاقتصادي لمشاكل الشباب باعتباره الحل الأساسي لجميع مشاكله.
من حيث حاجته إلى العمل والمسكن والزواج - وإذا كان الحزب قد حدد عناصر المشكلة ومواطن الداء على نحو يتفق معه كل ذي فكر ورأي من الأحزاب الأخرى وغيرها من الحكومة الحالية إلا أن الحزب تحت التأسيس لم يحدد الوسيلة لمعالجة المشاكل والوصول إلى المرجو فيها من أهداف حين كان عليه أن يوجه جهده ويعمل فكره في إيجاد الوسيلة وتدبير العلاج.
ومن حيث إنه يتبين مما تقدم ومن سائر ما تضمنه برنامج الحزب طالب التأسيس أن المشروعات والأفكار التي عرضها الحزب في برنامجه المودع ملف الطعن لا تعدو أن تكون شعارات حماسية سياسية تتضمن مجموعة من الأفكار والأقوال المرسلة التي لا يتوافر فيها الجدية الواجبة ولا يتحقق من ورائها أية جدوى ظاهرة وتفتقر إلى تحديد وسائل تحقيقها حتى يمكن الحكم على مدى جديتها وجدواها وخيرها، فضلاً عن عدم وضوح الرؤية وعدم التحديد لمؤسسي الحزب مما جعلهم يفقدون السبيل إلى صياغة برنامج يحدد المشاكل ويضع الحلول التي تتلاءم مع ظروف العصر وارتباطها بالحلول التي تتبناها الأغلبية العظمى من الأمة لقضايا المجتمع.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإن البرنامج المقدم من الحزب محل الطعن يفتقر إلى ملامح الشخصية الحزبية المتميزة التي تشكل إضافة جادة للعمل السياسي، ومن ثم فإنه يكون غير جدير بالانضمام مع باقي الأحزاب القائمة في قائمة العمل السياسي.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه وإذ انتهت لجنة الأحزاب إلى افتقار برنامج الحزب للتحديد والتميز وأصدرت قرارها بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ ................. بتأسيس حزب السلام، فإنها تكون قد أصابت الحق فيما انتهت إليه، ويكون الطعن على قرارها قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الطاعن قد خسر طعنه ومن ثم فإنه يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.
(1) الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 7/ 5/ 1988 في القضية رقم 44 لسنة 7 ق دستورية.