الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يوليو 2023

الطعن 962 لسنة 3 ق جلسة 14 / 2 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 64 ص 774

جلسة 14من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن وعلي حسن بغدادي المستشارين.

-------------------

(64)

القضية رقم 962 لسنة 3 قضائية

تعيين 

- النقل من إدارات الحكومة المركزية ومصالحها إلى المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية يعتبر تعييناً جديداً إلا فيما حدده القانونان رقما 62 سنة 1955 و190 لسنة 1955 على سبيل الاستثناء - عدم خضوع الموظف المنقول من الحكومة إلى المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية للقيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - أساس ذلك.

------------------
إن الأصل في النقل من إدارات الحكومة المركزية ومصالحها إلى المجالس البلدية أو بالعكس يعتبر أنه بمثابة التعيين؛ إذ يبين من مراجعة نصوص القانونين رقمي 62 لسنة 1955 و190 لسنة 1955 - في ضوء مذكرتيهما الإيضاحيتين - أن المادة الأولى من القانون الأول تنص على أن: "موظفو الحكومة ومستخدموها وعمالها الذين يعينون في المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية ينقلون بالحالة التي يكون عليها كل منهم في تاريخ تعيينه"، ونص في مادته الثانية على أن "تعتبر خدمة الموظفين والمستخدمين والعمال المذكورين في المادة السابقة في كل من الحكومة والمجلس البلدي وحده لا تتجزأ، وتحسب في تسوية ما قد يستحقونه من معاش أو مكافأة عند تركهم الخدمة أو الفصل منها.....". وقد جاء في المذكرة الإيضاحية بياناً للحكمة التشريعية التي دعت إلى إصداره ما يلي: "ورغبة في تمكين المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية من مباشرة اختصاصاته المتشعبة التي قد تقتضي الاستعانة بالموظفين ذوي الخبرة والمران السابق ترى وزارة الشئون البلدية والقروية تيسير نقل موظفي ومستخدمي وعمال الحكومة إلى المجلس البلدي المذكور، على أن توضع قواعد خاصة لنقلهم وتسوية مكافآتهم ومعاشاتهم. وقد أوضح قسم التشريع بمجلس الدولة أنه روعي في تحديد هذه القواعد اعتبار موظفي الحكومة ومستخدميها وعمالها الذين يعينون في مجلس بلدي الإسكندرية منقولين إليه بالحالة التي يكون عليها كل منهم في تاريخ تعيينه، واعتبار مدة الخدمة في كل من الحكومة والمجلس البلدي وحدة لا تتجزأ وتحسب في تسوية ما قد يستحقونه من معاش أو مكافآت".
ومفاد ذلك أن الأصل هو اعتبار النقل تعييناً، وأن الاستثناء هو ما حدده القانون المذكور في الخصوص التي عينه، وفيما عدا ذلك فيعتبر النقل تعييناً منشئاً لعلاقة جديدة؛ وآية ذلك أنه لما أريد استثناء المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية فيما يتعلق بتعيين الموظفين الذين ينقلون إليه من القيد الذي أوردته الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951، صدر القانون رقم 190 لسنة 1955 بإضافة فقرة جديدة بهذا المعنى إن المادة 1 من القانون رقم 62 لسنة 1955، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 190 لسنة 1955 ما يلي "وإن كانت أحكام هذا القانون (62 لسنة 1955) تحفظ لموظفي الحكومة ومستخدميها الذين ينقلون إلى المجلس البلدي جميع حقوقهم المكتسبة مع تسوية حالاتهم كما لو كان نقلاً محلياً، إلا أن هذا النقل لا زال بمثابة التعيين ابتداء؛ لأنه ينشئ علاقة جديدة بين الموظف والمجلس البلدي الذي له شخصيته المعنوية وميزانيته المستقلة عن الحكومة. ونظراً إلى أن المادة 23 من القانون رقم 210 سنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الذي تسري أحكامه على موظفي المجلس البلدي تقضي بعدم جواز التعيين في غير أدنى درجات الكادر إلا في حدود 10% من الدرجات، ولما كانت حاجة البلدية لموظفي الحكومة تستلزم نقل من هم في درجات أعلى من بداية درجات الكادر فإن القيد الذي أوردته المادة 23 المذكورة سيقف عقبة في سبيل تحقيق الغاية من استصدار القانون رقم 62 لسنة 1955 سالف الذكر. وقد رؤى - استكمالاً لتحقيق الغرض المقصود - أن تستثنى بلدية الإسكندرية بالنسبة لحالات تعيين موظفي الحكومة بها من نسبة الـ 10% الواردة بالمادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليها". وظاهر من ذلك كله أن النقل من الحكومة إلى المجلس ما زال يعتبر تعييناً إلا فيما حدده القانونان المشار إليهما اللذان وردا على سبيل الاستثناء؛ ومن ثم فلا يخضع الموظف المنقول من الحكومة إلى المجلس للقيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون سالف الذكر؛ لأنه لا يسري إلا على النقل دون التعيين.


إجراءات الطعن

في 26 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين طعناً قيد بجدول المحكمة برقم 962 لسنة 3 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 2 من يوليه سنة 1957 في الدعوى رقم 761 لسنة 3 قضائية المقامة من السيد/ محمد فهمي أحمد ضد بلدية الإسكندرية، الذي قضى بإلغاء قرار الهيئة الإدارية الصادر في 17 من أبريل سنة 1956، وقرار مدير البلدية تنفيذاً له رقم 47 لسنة 1956، فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط بالبلدية، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 17 من أكتوبر سنة 1957، وإلى المطعون ضده في 2 من نوفمبر سنة 1957، وعينت لنظر الطعن جلسة 8 من نوفمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق- في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 861 لسنة 3 قضائية ضد بلدية الإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 13 من سبتمبر سنة 1956 طالباً الحكم بإلغاء الأمر الإداري الصادر من مدير عام بلدية الإسكندرية برقم 47 لسنة 1956 فيما تضمنه من ترقية السيد/ محمد سامح أحمد حمدي إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط تخطياً له، واستحقاقه للترقية إلى تلك الدرجة من تاريخ نفاذ الأمر المذكور، وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه ألحق بخدمة بلدية الإسكندرية في 12 من مارس سنة 1956 بناء على طلبها، وبمقتضى القرار رقم 1008 لسنة 1955 الصادر من وزارة الأشغال، وفي 17 من مايو سنة 1956 أصدر مدير بلدية الإسكندرية الأمر الإداري رقم 47 لسنة 1956 بترقية السيد/ محمد سامح حمدي إلى الدرجة الرابعة الفنية بالكادر المتوسط على أساس الأقدمية، وأن المدعي أحق منه بالترقية؛ لأنه أقدم في التخرج والدرجة وإن اتحد معه في الدرجة الخامسة الشخصية التي ترجع إلى 7 من مارس سنة 1953، ويسبقه في الدرجة السادسة المقررة لمؤهلهما الدراسي طبقاً لقانون المعادلات الدراسية من تاريخ دخولهما الخدمة في ظل القانون رقم 62 لسنة 1955، المعدل بالقانون رقم 190 لسنة 1955 الخاص بتسوية حالة الموظفين والمستخدمين والعمال الذين نقلوا من المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية إلى الحكومة أو منها إلى المجلس البلدي.
ومن حيث إن الجهة الإدارية ردت على الدعوى بقولها إن المدعي عين بمصلحة المساحة مستخدماً خارج الهيئة في 30 من أبريل سنة 1925، ثم عين في وظيفة مساح مؤقت بالدرجة الثامنة على اعتماد من 22 من مارس سنة 1926، وأصبح مستديماً من أول ديسمبر سنة 1930، ورقي إلى الدرجة السابعة الشخصية بوظيفة مساعد مهندس من أول يوليه سنة 1930، ورقي إلى الدرجة السادسة من أول أبريل سنة 1953، وسويت حالته تطبيقاً لأحكام المعادلات، ومنح الدرجة الخامسة الشخصية من 7 من مارس سنة 1953، ثم نقل في 12 من مارس سنة 1956، إلى الإدارات الهندسية بالبلدية بحالته وبماهيته التي كان يتقاضاها بمصلحة المساحة وقدرها 27 ج في وظيفة بالدرجة الخامسة الشخصية بالكادر الفني المتوسط، وقد وافقت لجنة شئون الموظفين بجلسة 8 من أبريل سنة 1956 على ترقية السيد/ محمد سامح أحمد حمدي إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية باعتباره الأول، والسيد فايق فتوح بالاختيار. ووافقت وزارة الشئون البلدية والقروية في أول مايو سنة 1956، ثم صدر الأمر الإداري رقم 47 لسنة 1956، ولما كان المدعي يسبق المرقى في الأقدمية فقد عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين بجلسة 16 من يونيه سنة 1956، فوافقت على سحب ترقية السيد/ محمد سامح أحمد وترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية باعتباره الأول، وصدر قرار الإدارة بذلك، إلا أن الهيئة الإدارية للمجلس البلدي لم توافق، ورأت ترقية السيد/ محمد سامح، ووافق وزير الشئون البلدية على ذلك في 29 من يوليه سنة 1956، وصدر القرار في 27 من أغسطس سنة 1956 بإعادة العمل بالقرار رقم 47 لسنة 1956، وقدم المفوض تقريراً في 26 من مايو سنة 1957 يطلب الحكم برفض الدعوى، مستنداً إلى أن نقل المدعي من مصلحة المساحة إلى البلدية يعتبر نقلاً بالمعنى المفهوم في المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويسري عليه الحظر الوارد بها من عدم ترقية المنقول بالأقدمية قبل مضي سنة على نقله؛ ومن ثم يكون القرار سليماً.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية بجلسة 2 من يوليه سنة 1957 قضت بإلغاء قرار الهيئة الإدارية الصادر في 17 من أبريل سنة 1956 وقرار مدير البلدية تنفيذاً له رقم 47 لسنة 1956، فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط بالبلدية، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات والأتعاب. واستندت في قضائها إلى أن من المسلم به أن للحكومة شخصية معنوية مستقلة عن شخصية كل من المجالس البلدية، كما أن لكل من تلك المجالس شخصيتها القائمة بذاتها وميزانيتها المستقلة عن الحكومة؛ ومن ثم فإن تعيين أي موظف حكومي بالمجلس البلدي يعتبر منشئاً لعلاقة جديدة بين هذا الموظف وبين المجلس البلدي؛ وبذلك فإن قواعد التعيين هي التي تطبق في هذه الحالة وليست قواعد النقل، وقد أورد هذا المعنى القانون رقم 190 لسنة 1955 بتعديل القانون رقم 62 لسنة 1955، بتسوية حالة الموظفين والمستخدمين والعمال الذين ينقلون من المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية إلى الحكومة أو منها إلى المجلس؛ حيث ورد في مذكرته الإيضاحية أنه وإن كانت أحكام هذا القانون تحفظ لموظفي الحكومة ومستخدميها الذين ينقلون إلى المجلس البلدي جميع حقوقهم المكتسبة مع تسوية حالاتهم كما لو كانت نقلاً محلياً، إلا أن هذا النقل لا زال بمثابة التعيين ابتداء؛ لأنه ينشئ علاقة جديدة بين الموظف والمجلس البلدي الذي له شخصيته المعنوية وميزانيته المستقلة عن الحكومة لذلك فإن القيد الذي أوردته المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على ترقية الموظف المنقول لا ينطبق على الموظفين المنقولين من الحكومة إلى مجلس بلدي الإسكندرية؛ إذ أن هذا النقل - على نحو ما تقدم - يعتبر تعييناً جديداً، فضلاً عن أن نص المادة المذكورة وقد تضمن قيداً من الأصل العام في جواز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى قبل مضي سنة ما دامت قد قامت به شروط الترقية، فإنه يجب إعمال هذا النص في نطاق ضيق، دون التوسع فيه ولا إعمال القياس عليه. وإنه وإن كان تعيين الموظف الحكومي بمجلس بلدي الإسكندرية يكسبه نفس حقوق الموظف المنقول من وزارة إلى أخرى أو من مصلحة إلى أخرى من حيث حساب مدد الخدمة السابقة والمرتب... الخ، فإن ذلك لا يؤدي إلى إعمال القيد الذي أوردته المادة 47 المتقدمة عليه؛ لأن هذا لنص إنما يحكم النقل لا التعيين. وقد طعنت هيئة المفوضين في هذا الحكم مستندة إلى "أن الثابت من الواقع أن المدعي نقل إلى بلدية الإسكندرية في 12/ 3/ 1956، وقد صدر القرار المطعون فيه بالترقية إلى الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط في 17/ 5/ 1956، أي قبل انقضاء سنة على الأقل من تاريخ نقله. وبذلك ما كان يجوز النظر في ترقيته بالتطبيق لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 عند إجراء حركة الترقية التي صدر بها القرار المطعون فيه. غير أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا النظر، بمقولة إن نقل المدعي من الحكومة إلى البلدية ليس نقلاً عادياً، وإنما هو تعيين جديد ينشئ علاقة قانونية جديدة بين المدعي والبلدية، وبذلك لا يدخل في نطاق حكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951؛ وذلك لأن لكل من الحكومة والبلدية شخصية وميزانية مستقلة، هذا مع العلم بأن النقل بين الوزارات والمصالح يعتبر تعييناً للموظف في الجهة التي نقل إليها، ومع ذلك فإن القيد الوارد في المادة السالفة الذكر لم يسن إلا لهذه الحالة، والحكم المطعون فيه لم يبرأ من التناقض؛ لأنه وقد أخذ بوجهة النظر التي آثر الأخذ بها اعتبر المدعي منقولاً نقلاً عادياً حين استند إلى أقدميته في الدرجة الخامسة التي منحها وهو موظف بمصلحة المساحة. فقد صدر القانون رقم 62 لسنة 1955 والقانون رقم 190 لسنة 1955 بتسوية حالة الموظفين والمستخدمين والعمال الذين ينقلون من الحكومة إلى بلدية الإسكندرية ومن البلدية إلى الحكومة، وذلك بالاحتفاظ لهم بشتى مراكزهم القانونية. وإذاً فإن هذا النقل يأخذ حكم النقل المعنى في المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويتعين أن يجرى عليه حكمها، وبخاصة أن الحكمة في ورود هذا القيد على الترقية قائمة بالنسبة للمدعي، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه صادراً على وفق القانون.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر فيما إذا كان النقل من إدارات الحكومة المركزية ومصالحها إلى المجالس البلدية أو بالعكس يعتبر نقلاً عادياً خاضعاً للقيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، بحيث لا تجوز ترقية الموظف المنقول إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله، ما لم تكن الترقية في النسبة الاختيارية أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً، أم أنه يعتبر بمثابة التعيين الجديد فلا يخضع لهذا القيد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه في الخصوص المشار إليه للأسباب التي استند إليها فتأخذ بها هذه المحكمة؛ يقطع – في أن الأصل في هذا النقل أنه بمثابة التعيين - مراجعة نصوص القانونين رقمي 62 لسنة 1955 و190 لسنة 1955 - في ضوء مذكرتيهما الإيضاحيتين، فنص المادة الأولى من القانون الأول "موظفو الحكومة ومستخدموها وعمالها الذين يعينون في المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية ينقلون بالحالة التي يكون عليها كل منهم في تاريخ تعيينه"، ونص مادته الثانية "تعتبر مدة خدمة الموظفين والمستخدمين والعمال المذكورين في المادة السابقة في كل من الحكومة والمجلس البلدي وحده لا تتجزأ، وتحسب في تسوية ما قد يستحقونه من معاش أو مكافأة عند تركهم الخدمة أو الفصل منها....."، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية بياناً للحكمة التشريعية التي دعت إلى إصداره ما يلي "ورغبة في تمكين المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية من مباشرة اختصاصاته المتشعبة التي تقتضي الاستعانة بالموظفين ذوي الخبرة والمران السابق، ترى وزارة الشئون البلدية والقروية تيسير نقل موظفي ومستخدمي وعمال الحكومة إلى المجلس البلدي المذكور، على أن توضع قواعد خاصة لنقلهم وتسوية مكافآتهم ومعاشاتهم. وقد أوضح قسم التشريع بمجلس الدولة أنه روعي في تحديد هذه القواعد اعتبار موظفي الحكومة ومستخدميها وعمالها الذين يعينون في مجلس بلدي الإسكندرية منقولين إليه بالحالة التي يكون عليها كل منهم في تاريخ تعيينه، واعتبار مدة الخدمة في كل من الحكومة والمجلس البلدي وحدة لا تتجزأ وتحسب في تسوية ما قد يستحقونه من معاش أو مكافآت".
ومفاد ذلك أن الأصل هو اعتبار النقل تعييناً، وأن الاستثناء هو ما حدده القانون المذكور في الخصوص التي عينه وفيما عدا ذلك فيعتبر النقل تعييناً منشئاً لعلاقة جديدة، وآية ذلك أنه لما أريد استثناء المجلس البلدي لمدينة الإسكندرية فيما يتعلق بتعيين الموظفين الذين ينقلون إليه من القيد الذي أوردته الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951، صدر القانون رقم 190 لسنة 1955 بإضافة فقرة جديدة بهذا المعنى إلى المادة 1 من القانون رقم 62 لسنة 1955، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 190 لسنة 1955 ما يلي "وإن كانت أحكام هذا القانون (62 لسنة 1955) تحفظ لموظفي الحكومة ومستخدميها الذين ينقلون إلى المجلس البلدي جميع حقوقهم المكتسبة مع تسوية حالاتهم كما لو كان نقلاً محلياً، إلا أن هذا النقل لا زال بمثابة التعيين ابتداء؛ لأنه ينشئ علاقة جديدة بين الموظف والمجلس البلدي الذي له شخصيته المعنوية وميزانيته المستقلة عن الحكومة. ونظراً إلى أن المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الذي تسري أحكامه على موظفي المجلس البلدي تقضي بعدم جواز التعيين في غير أدنى درجات الكادر إلا في حدود 10% من الدرجات. ولما كانت حاجة البلدية لموظفي الحكومة تستلزم نقل من هم في درجات أعلى من بداية درجات الكادر، فإن القيد الذي أوردته المادة 23 المذكورة سيقف عقبة في سبيل تحقيق الغاية من استصدار القانون رقم 62 لسنة 1955 سالف الذكر. وقد رؤى استكمالاً لتحقيق الغرض المقصود أن تستثنى بلدية الإسكندرية - بالنسبة لحالات تعيين موظفي الحكومة بها - من نسبة الـ 10% الواردة بالمادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه". وظاهر من ذلك كله أن النقل من الحكومة إلى المجلس ما زال معتبراً تعييناً إلا فيما حدده القانونان المشار إليهما اللذان وردا على سبيل الاستثناء؛ ومن ثم فلا يخضع الموظف المنقول من الحكومة إلى المجلس للقيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون سالف الذكر؛ لأنه لا يسري على النقل دون التعيين.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن المدعي يسبق المطعون عليه في ترتيب أقدمية الدرجة الخامسة في الكادر الفني المتوسط، فكان أولى بالترقية منه في دوره بحكم أقدميته، ولا يحول دون ذلك قيد المادة 47 سالفة الذكر؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في قضائه، فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 267 لسنة 34 ق جلسة 3 / 3 /1994 إدارية عليا مكتب فني 39 ج 1 توحيد المبادئ ق 4 ص 24

جلسة 3 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة, وعضوية كل من: 1 - السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط, 2 - السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا, 3- السيد الأستاذ المستشار/ رأفت محمد السيد يوسف, 4 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد معروف محمد, 5 - السيد الأستاذ المستشار/ فاروق علي عبد القادر, 6 - السيد الأستاذ المستشار/ د. أحمد مدحت حسن علي, 7 - السيد الأستاذ المستشار/ عويس عبد الوهاب عويس, 8 - السيد الأستاذ المستشار/ جودة عبد المقصود أحمد فرحات, 9 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد أبو الوفا عبد المتعال, 10 - السيد الأستاذ المستشار/ حسني سيد محمد حسن - نواب رئيس مجلس الدولة.

-------------------

(4)

الطعن رقم 267 لسنة 34 القضائية

عاملون مدينون بالدولة - إعارة - مهلة الستة أشهر.
قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس سنة 1975. لجهة لإدارة سلطة إصدار تعليمات ومنشورات وأوامر مصلحيه تتضمن تفسير القوانين والتشريعات القائمة وكيفية تنفيذها - تصدر هذه التعليمات من رئيس المصلحة إلى مرءوسيه الذين يلزمون باحترامها وإطاعة ما فيها من أوامر طالما أنها متفقة وأحكام القانون- لا يجوز للتعليمات إضافة أحكام جديدة إلى التشريع القائم - القاعدة التي أقرها مجلس الوزراء في 6/ 8/ 1975 بمنح المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء مدة إعارته لا يعتبر خلالها منقطعاً عن العمل وذلك بغرض تدبير أمر عودته هو وأفراد أسرته وأنها متعلقاته بالخارج - هذه القاعدة ليست صادرة تنفيذاً لأي نص يقررها - هذه القاعدة تتضمن إضافة جديدة لأحكام المنظمة لإعارات وأجازات وانقطاع العاملين بأجهزة الدولة ومصالحها المختلفة - أثر ذلك: عدم اعتبارها من اللوائح التنفيذية أو اللوائح المستقلة (التنظيمية) التي تصدر دون الاستناد إلى تشريع قائم - أساس ذلك: أن الدستور ناط برئيس الجمهورية وحده سلطة إصدار تلك اللوائح - هذه القاعدة لا ينطبق عليها وصف التعليمات أو المنشورات أو الأوامر المصلحية - أساس ذلك: أنها تضمنت أحكاماً جديدة لم تقررها التشريعات القائمة - مجلس الوزراء غير مخول بوضع تنظيم لمثل تلك المسألة المتعلقة بأوضاع العاملين في الدولة - مؤدى ذلك: أن هذه التعليمات لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات أصدرها مجلس الوزراء بمقتضى الاختصاص الممنوح له بالمادة 156 من الدستور بتوجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات والجهات التابعة لها - يؤكد ذلك أنه كان في وسع مجلس الوزراء أصدر هذه القاعدة في صورة قانون معدل لتشريعات العاملين السارية آنذاك أسوة ببعض القوانين التي تضمنت الإشارة إلى مثل هذه المهلة كما هو الحال بالنسبة لمهلة الشهر المنصوص عليها في المادة (30) من القانون رقم 112 لسنة 1959 بشأن تنظيم البعثات والأجازات الدراسية والمنح ومهلة الستة أشهر المنصوص عليها في المادة 175 من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات- تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 23/ 12/ 1987 أودع الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والترقيات) بجلسة 29/ 10/ 1987 والدعوى رقم 1692 لسنة 38 ق والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 458 لسنة 1983 الصادر في 7/ 7/ 1983 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن اعتباراً من 25/ 4/ 1983 مع ما يترتب على ذلك من أثار وإلزام الجهة الإدارية المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبتاريخ 26/ 12/ 1987 أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه للأسباب المبينة به الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 24/ 12/ 1990 وتدوول نظر الطعن أمام تلك الدائرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 11/ 3/ 1991 إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة للاختصاص وحددت لنظره أمامها جلسة 28/ 4/ 1991, وتدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها إلى أن قررت بجلسة 20/ 10/ 1991 إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمامها جلسة 19/ 11/ 1991 وقد تدوول نظر الطعن أمام هذه الدائرة الأخيرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 14/ 7/ 1992 - إزاء ما تبين لها من وجود تعارض بين ما جرى عليه قضاء الدوائر الثانية والثالثة والرابعة بالمحكمة الإدارية العليا - إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة للفصل فيما إذا كان منح المهلة المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 8/ 1975 أمراً ملزماً للجهة الإدارية المعنية أم أنه جوازي يخضع لسلطتها التقديرية.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه أن القاعدة التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 8/ 1975 لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات غير ملزمة تخضع إعمالها للسلطة التقديرية لكل جهة إدارية على حدة وفقاً لصالح العمل وحده.
وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 7/ 1/ 1993, وفيها وفي الجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة بجلسة 4/ 11/ 1993 إصدار الحكم بجلسة 6/ 1/ 1994 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 3/ 3/ 1994 لإتمام المداولة وفي هذه الجلسة الأخيرة قررت الدائرة إعادة الطعن إلى المرافعة لتغيير تشكيل الهيئة ثم قررت النطق بالحكم آخر الجلسة. وبجلسة اليوم صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات, وإتمام المداولة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بصحيفة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 20/ 12/ 1983 أقام الطاعن الدعوى رقم 1692 لسنة 38 ق طالباً فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 458 لسنة 1983 الصادر في 7/ 8/ 1983 بإنهاء خدمته للانقطاع عن العمل بدون إذن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذكر الطاعن شرحاً لدعواه أنه التحق بالعمل في الجهاز المركزي للمحاسبات بعد حصوله على ليسانس الحقوق عام 1960 وتدرج في وظائفه إلى أن رقى إلى وظيفة مراقب وقد أعير للعمل بديوان المحاسبة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات وقبل إنهاء إعارته في 25/ 4/ 1983 تقدم بطلب لتجديدها وفقاً للنظام المطبق بالجهاز أو إمهاله لحين انتهاء أولاده من الدراسة بمدارس الإمارات حرصاً على مستقبلهم, وكذلك لإنهاء متعلقاته بالدولة المعار إليها, إلا أن الجهاز رفض الموافقة على طلبه, وأصدر بتاريخ 7/ 8/ 1983 القرار رقم 458 لسنة 1983 بإنهاء خدمته للانقطاع اعتباراً من 25/ 4/ 1983 وقد بادر إلى التظلم منه فور علمه وذلك بتاريخ 18/ 10/ 1983 إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه فأقام دعواه الماثلة ناعياً على القرار المشار إليه مخالفته لحكم المادتين 35 و79 من لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات إذ لم تحدد هذه اللائحة مدة زمنية للإعارة كما أن الجهاز لم يراع مدة الإنذار المنصوص عليها في المادة 79 فضلاً عن عدم منحه مهلة الستة أشهر المقررة لإنهاء متعلقاته قبل إنهاء خدمته للانقطاع وذلك وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 أغسطس 1975.
وقد تدوول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري حيث قدمت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات ومذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً برفض الدعوى تأسيساً على أن المدعي أعير للخارج لمدة ست سنوات متتالية وهى الحد الأقصى للإعارة المسموح بها وفقاً للنظام المتبع بالجهاز, وأنه قد تم إخطاره قبل إنهاء مدة إعارته رداً على طلبه - بعدم الموافقة على تجديد إعارته لمدة عام آخر, ونظراً لعدم عودته فقد تم إنذاره على الوجه الذي تقضي به لائحة العاملين بالجهاز ثم أعقب ذلك صدور قرار إنهاء خدمته, أما فيما يتعلق بعدم منحه مهلة الستة أشهر المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر عام 1975 فمردود عليه بأن العاملين بالجهاز يخضعون تنظيم شئونهم الوظيفية للائحة خاصة تنظم أمورهم بالنسبة لجميع شئونهم الوظيفية.
كما أودع المدعي حافظة مستندات ومذكرة بدفاعه صمم فيها على طالباته، وأودع الحاضر عن الجهاز المدعى عليه مذكرة أخرى بدفاعه اختتمت بذات طلباته في مذكرة دفاعه السابقة.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من أثار. وإلزام المدعى عليه المصروفات وقد تدوول نظر الدعوى أمام المحكمة حيث قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها تعقيباً على تقرير مفوض الدولة طلبت فيها رفض الدعوى تأسيساً على أن ما جاء بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 أغسطس 1975 لا يعدو أن يكون مجرد توجيهات أو توصيات غير ملزمة قانوناً للجهاز المدعى عليه. كما أودع المدعي حافظة مستندات أخرى.
وبجلسة 10/ 4/ 1986 أودع الحاضر عن الجهاز المركزي للمحاسبات حافظتي مستندات كما قدم مذكرتين بدفاعه وقع في أولهما بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة تأسيساً على أن التوكيل الرسمي العام صادر بتاريخ لاحق على تاريخ رفع الدعوى وصمم في الثانية على طلباته. كما أودع المدعي حافظة مستندات ثالثة.
وبجلسة 29/ 10/ 1987 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها برفض الدعوى تأسيساً على أن المدعي قد أعير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة لمدة ست سنوات اعتباراً من 27/ 4/ 1977 وحتى 24/ 4/ 1983 وأن الجهاز قد أخطره قبل انتهاء إعارته بثلاثة عشر شهراً في 25/ 3/ 1982 ثم في 10/ 6/ 1982، 28/ 12/ 1982، 2/ 7/ 1983 بعدم تجديد إعارته ونبه عليه بعدم الارتباط بأية ارتباطات تعاقدية تقتضي تواجده بدولة الإمارات بعد انتهاء تاريخ الإعارة والتنبيه عليه بالعودة واستلام العمل اعتباراً من 25/ 4/ 1983, وإزاء عدم عودته قام الجهاز بإنذاره بكتابه رقم 2115 المؤرخ 2/ 7/ 1983 بضرورة العودة وإلا سيطبق عليه نص المادة 79 من لائحة العاملين بالجهاز, ونظراً لإصرار المدعي على عدم العودة فقد أصدر الجهاز القرار رقم 458 لسنة 1983 في 7/ 8/ 1983 بإنهاء خدمته للانقطاع ومن ثم يكون القرار قد صدر صحيحاً ومتفقاً وأحكام القانون ولا وجه للقول بأحقية المدعي في الاستمرار في إعارته لمدة ستة أشهر بعد انتهائها وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 8/ 1975 الذي يجيز للوزير المختص منح العامل المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء الإعارة لإنهاء متعلقاته هو وأسرته لأن منح المهلة أمر جوازي للسلطة المختصة.
وإذ لم يصادف هذه الحكم قبولاً لدى المدعي فقد أقام الطعن رقم 267 لسنة 34 ق علياً ناعياً على هذا الحكم بما يلي:
(أولاً) مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله فقد أصدر مجلس الوزراء في السادس من أغسطس 1975 قراراً يقضي بأن للوزير المختص منح المعار الذي يستمر في الخارج رغم انتهاء مدة إعارته فترة ستة أشهر يجوز بعدها اعتباره مستقيلاً من العمل في حالة عدم عودته وذلك بقرار منه أو ممن يباشر سلطاته, وقد أشار وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بكتابه المؤرخ 18/ 3/ 1976 والموجه إلى أجهزة الدولة بأنه قد روعي في إصدار هذا القرار منح العامل المهلة التي تسمح له بإنهاء معلقاته هو وأسرته بالخارج وهذا القرار يعد من قبيل إلزام الجهة الإدارية - ممثلة في مجلس الوزراء - نفسها بضوابط تتبعها إذا اتجهت نيتها إلى إعمال قرينة الاستقالة الضمنية في حق العامل المنقطع. أما فيما يتعلق بسريان قرار مجلس الوزراء على العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات فقد سبق لمحكمة القضاء الإداري أن قضت في حكمها الصادر بجلسة 30/ 3/ 1983 في الدعوى رقم 3764 لسنة 35 ق بأنه ليس من شك في سريان توجيهات مجلس الوزراء بقراره الصادر في 6/ 8/ 1975 على العاملين بالجهاز المدعى عليه باعتباره أنه ولئن كان تابعاً لمجلس الشعب إلا أنه أحد الأجهزة الإدارية بالدولة التي تقوم بمهمة محددة بشأن الرقابة المالية على أجهزة الدولة الأخرى.
(ثانياً) القرار المطعون فيه مشوب بعيب التعسف في استعمال السلطة والانحراف بها ومظاهر ذلك أن الجهاز رفض الاستجابة إلى كافة المساعي التي بذلها ديوان المحاسبة بدولة الإمارات العربية المتحدة والمساعي الدبلوماسية التي بذلها التمثيل الدبلوماسي لمصر بدولة الإمارات لمدة إعارته.
(ثالثاً) أن الطاعن تقدم بطلب إلى الجهاز أوضح فيه أنه مع تمسكه بعلاقته الوظيفية بالجهاز فإنه يطلب إما إمهاله لحين انتهاء السنة الدراسية أو قبول استقالته إلا أن الجهاز رفض طلبه كما رفض قبول استقالته وأصدر قرار إنهاء خدمته وبذلك يبين أن القرار المطعون فيه لم يقصد به تحقيق أية مصلحة عامة ولم يبرأ من قصد الإضرار به عمداً فرفض قبول استقالته إنما يعني أن الجهاز يتمسك ببقائه في الخدمة ورغم ذلك فقد قرر إنهاء خدمته فالغاية من ذلك هي إخضاع حساب معاشه للقواعد المعمول بها بالنسبة للعاملين المدنيين بالدولة وحرمانه بالتالي من حساب المعاش وفقاً لنص المادة 78/ 2 من لائحة العاملين بالجهاز فضلاً عن حرمانه من المكافآت المقررة بقرار رئيس الجهاز رقم 143 لسنة 1983 في حالة قبول استقالته وهو الأمر الذي لم يقصد منه سوى الإضرار بالطاعن والانتقام منه بما ينطوي على عقوبة مقنعة.
ومن حيث إن المسألة مثار البحث تنحصر فيما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أغسطس 1975 بمنح العامل المعار مهلة ستة أشهر لإنهاء متعلقاته بالخارج قبل إنهاء خدمته لانقطاع يعد بمثابة قرار ملزم للجهات المخاطبة به أم أنه أمر جوازي يخضع لسلطتها التقديرية.
ومن حيث إنه إلى جانب اللوائح التنظيمية، اللوائح التنفيذية التي تملك السلطة التنفيذية إصدارها تجد أنه في سبيل التيسير على جهات الإدارة في إدارة أنشطة المرافق العامة التي تتولاها ومن أجل كفالة سير هذه المرافق بانتظام واطراد على الوجه السليم فقد خرج الأمر على الاعتراف لجهة الإدارة بسلطة إصدار تعليمات ومنشورات وأوامر مصلحيه توجه إلى العاملين لديها وهي تصدر من رئيس المصلحة إلى مرءوسيه متضمنة تفسير القوانين والتشريعات القائمة وكيفية تنفيذها, فهي موجهة أصلاً إلى العاملين الذين يلزمون باحترامها وإطاعة ما فيها من أوامر طالما أنها متفقة وأحكام القانون, وهي تدور في هذا الإطار فلا ينبغي أن تضيف جديداً إلى التشريع القائم ولا قيمة لها إلا بحسب مدى تطابقها مع التشريعات التي تصدر بناء عليها.
ومن حيث إنه بإنزال ما تقدم يبين أن القاعدة أقرها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة بتاريخ 6/ 8/ 1975 بمنح المعار مهلة ستة أشهر بعد انتهاء مدة إعارته لا يعتبر خلالها منقطعاً عن العمل وذلك بغرض تدبير أمر عودته هو وأفراد أسرته وإنهاء معلقاته بالخارج - هذه القاعدة ليست صادرة تنفيذاً لأي نص قانوني يقررها وأنها تتضمن إضافة جديدة لأحكام المنظمة لإعارات وأجازات وانقطاع العاملين بأجهزة الدولة ومصالحها المختلفة وهي لذلك تخرج على أحكام اللوائح التنفيذية كما لا تعتبر من قبيل اللوائح المستقلة (التنظيمية) التي تصدر دون الاستناد إلى تشريع قائم باعتبار أن الاختصاص بإصدار هذه اللوائح وفقاً لنص الدستور عن رئيس الجمهورية وحده ولا ينطبق عليها أيضاً وصف التعليمات أو المنشورات أو الأوامر المصلحية وفقاً للمفهوم السالف بيانه.
ومن حيث إن هذه القاعدة قد صدرت - وفقاً لما هو ثابت من كتاب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء والمتابعة والرقابة المؤرخ 18/ 3/ 1976 إلى أجهزة الدولة - لمواجهة ما تردد خلال الفترة التي سبقت صدورها من اتجاه بعض الأجهزة إلى عدم تجديد لإعارات العاملين الذين تجاوزوا الحد الأقصى لمدة الإعارة وأنه قد روعي في إصدارها منح المعار المهلة التي تسمح له بإنهاء متعلقاته هو وأسرته بالخارج وتدبير أمر عودته وتهيئة الاستقرار المنشود للخبرات المصرية العاملة في الدول العربية.
ومن حيث إن مجلس الوزراء - بوصفه السلطة المصدرة لتلك القاعدة - غير مخول بوضع تنظيم ملزم لمثل تلك المسألة المتعلقة بأوضاع العاملين في الدولة ومن ثم فإنها لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات أصدرها مجلس الوزراء بمقتضى الاختصاص الممنوح له بمقتضى المادة 156/ ب من المادة 156 من الدستور والتي تنص على أنه: يمارس مجلس الوزراء بوجه خاص الاختصاصات التالية: ( أ )......... (ب) توجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الوزارات والجهات التابعة لها والهيئات والمؤسسات العامة وقد جاءت صياغة هذه القاعدة على النحو الذي أقره مجلس الوزراء بما ينفي عنها الصفة الإلزامية فقد استهلت بالعبارة التالية: "يكون للوزير منح المعار..........." مما يعني أن إدارة الجهة مصدرة هذه القاعدة قد اتجهت إلى جعل منح تلك المهلة أمراً جوازياً يخضع للسلطة التقديرية لكل جهة إدارية تجريها في إطار صالح العمل وحده. ومما يؤكد ذلك أنه كان في وسع مجلس الوزراء إصدار هذه القاعدة في صورة قانون معدل أحكام تشريعات العاملين السارية المفعول آنذاك وهي القانون رقم 58 لسنة 1971 بنظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 61 بنظام العاملين بالقطاع العام. هذا فضلاً عن أن التشريعات المنظمة لأوضاع العاملين اللاحقة في صدورها لتاريخ تقرير تلك القاعدة قد عمدت ليس فقط إلى عدم الإشارة إليها بل وإلي عدم تنظيم هذه المسألة ضمن أحكامها ولو أراد المشرع الأخذ بها وتقريرها كقاعدة عامة ملزمة لنص على ذلك صراحة في تلك التشريعات اللاحقة ونعى بذلك القانون رقم 47 لسنة 1978 نظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام, كما هو الحال بالنسبة للقانون رقم 112 لسنة 1959 بشأن تنظيم البعثات والإجازات الدراسية والمنح الذي قرر في المادة 30 منه منح المبعوث مهلة لمدة شهر للعودة إلى أرض الوطن من تاريخ انتهاء دراسته. وكما هو الحال أيضاً بالنسبة للقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات حينما نص صراحة في المادة 175 على عدم جواز إنهاء خدمة عضو هيئة التدريس المعار- لانقطاعه عن العمل فور انتهاء مدة إعارته - إلا بعد انقضاء ستة أشهر على انقطاعه بحيث إذا عاد خلال هذه المدة سويت فترة الانقطاع على الوجه المحدد قانوناً أما إذا لم يعد اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن إلزامية تلك القاعدة إنما تستمد من الحكمة من تقريرها وهي تمكين العامل المعار من أمر عودته هو وأفراد أسرته إذا كان له أبناء يتلقون العلم بمدارس الدولة المعار إليها مما يرتبط بميعاد انقضاء العام الدراسي وكذلك تسوية متعلقاته المالية بالدولة المعار إليها وتهيئة الاستقرار للعمالة المصرية بالخارج، ذلك أن هذه أمور كلها يمكن للعامل المعار أن يتدبرها مقدماً قبل انتهاء إعارته بوقت كاف لا سيما إذا كانت مدة الإعارة قد بلغت الحد الأقصى المسموح به وكان يعلم سلفاً بعدم اتجاه نية جهة عمله إلى التصريح له بمدة أخري فإذا لم يتيسر له - لسبب أو لآخر- تدبير أموره فهنا يظهر مجال السلطة التقديرية لجهة الإدارة في تقدير العذر المبرر لانقطاعه عن العمل وعدم عودته فور انتهاء مدة إعارته وهو أمر تملكه جهة الإدارة وفقاً للاختصاص المخول لها قانوناً متى تقدم العامل بما يثبت أن انقطاعه كان له ما يبرره وفي هذه الحالة تتم تسوية مدة انقطاعه عن العمل على النحو المحدد قانوناً سواء باعتبارها من رصيد إجازاته الاعتبارية متى سمح هذا الرصيد بذلك أو بحرمانه من الأجر المستحق عنها وذلك على حسب الأحوال وبهذه الصورة فإن المشرع يكون قد نظم كيفية تسوية مدة انقطاع العامل التالية لإعارته متى حال دون عودته عذر مقبول فهو لم يجعل من مجرد انتهاء الإعارة وعدم عودة العامل المعار سبباً لانتهاء خدمته وإنما رخص لجهة الإدارة تقدير العذر المبرر لعدم عودته وهو أمر تقدره جهة الإدارة بالنسبة لكل عامل معار على حدة ومن البديهي أن ممارسة من جهة الإدارة لسلطتها التقديرية هذه لا معقب عليها طالما خلت هذه الممارسة من عيب إساءة استعمال السلطة بحيث إذا ما تبين وجود هذا العيب كان من حق العامل الالتجاء إلى القضاء الإداري طعناً على القرار الصادر من جهة الإدارة برفض منحه هذه المهلة.

فلهذه الأسباب

قررت المحكمة بأن القاعدة التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 8/ 1975 لا تعدو أن تكون مجرد توجيهات غير ملزمة, وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.

الطعن 246 لسنة 3 ق جلسة 14 / 2 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 2 ق 63 ص 769

جلسة 14 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفي كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

--------------------

(63)

القضية رقم 246 لسنة 3 القضائية

دعوى 

- صدور حكم من محكمة القضاء الإداري باعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك - المنازعة فيما إذا كان مقتضى هذا الحكم أن يوضع المدعيان في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبل المطعون في ترقيتهم أم أن مقتضاه غير ذلك - هذه المنازعة ليست دعوى مبتدأه وإنما هي دعوى لتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة مربوطاً بالأسباب التي قام عليها قضاؤها - اختصاص محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم بنظر هذه المنازعة طبقاً للمادة 366 مرافعات - لا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية.

----------------------

إن كان مثار المنازعة هو ما إذا كان من مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري باعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك أن يوضعا في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبلهم أم أن مقتضاه غير ذلك، فإن المنازعة على هذا الوجه هي في حقيقتها خلاف بين المدعيين والإدارة في فهم الحكم وتأويل مقتضاه، والمنازعة بهذه المثابة ليست دعوى مبتدأه وإنما هي دعوى في فهم الحكم وتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة، مربوطاً ذلك بالأسباب التي قام عليها قضاؤها، ولهذا الخلف في الفهم ما قد يبرره على حسب الظاهر؛ لأن الأسباب في ذاتها لم تتضمن تحديد الترتيب في الأقدمية بين ذوي الشأن، وإن كانت النتيجة انتهت إلى إلغاء ترك المدعيين في الترقية في دورهما، مما يقتضي من المحكمة التي أصدرت الحكم تحديداً في هذا الخصوص. وعلى هذا الوجه تكون المحكمة المختصة هي التي أصدرت الحكم طبقاً للمادة 366 من قانون المرافعات؛ للحكمة التشريعية الظاهرة لذلك، وهي أن المحكمة التي أصدرت الحكم هي الأقدر على فهم مقصوده وتحديده وإزالة ما قد يثور من غموض، وهي هنا محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية دون محكمة القضاء الإداري؛ لأن محل إعمال حكم القانون الجديد لو أن الدعوى أقيمت ابتداء بعد هذا القانون أو كانت مقامة قبل نفاذه ولما يفصل فيها من محكمة القضاء الإداري، أما إذا كان قد فصل فيها من محكمة القضاء الإداري وكانت المنازعة مقصورة على تفسير الحكم، فغنى عن القول أنها هي التي تختص بهذا التفسير بالتطبيق للمادة 366 من قانون المرافعات.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 16 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 17 من ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 276 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيدين عزمي درباس وردخان وعبد الرحمن فهمي طه ضد مصلحة السكك الحديدية، والقاضي "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، وإعادة القضية إليها للفصل فيها من جديد". وقد أعلن الطعن للحكومة في 17 من مارس سنة 1957، وللمدعي في 18 منه، وعين لنظره جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958، وأجلت لجلسة 6 من ديسمبر سنة 1958 للسبب المبين بالمحضر. وفي هذه الجلسة سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 276 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات يطلبان فيها الحكم بتعديل أقدميتهما بحيث تسبق أقدمية السيد/ محمد صادق فرغلي تنفيذاً للحكم الصادر لصالحهما من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 117 لسنة 2 القضائية. وقالا شرحاً لذلك إنهما كانا يشغلان وظيفة كتابية من الدرجة السابعة بإدارة المخازن عندما طعنا في القرارين الصادرين في 30 من سبتمبر سنة 1947 و30 من أكتوبر سنة 1947 المتضمنين ترقية السادة محمد صادق فرغلي ومحمد عبد المنعم الغزولي وأحمد كمال فيما تضمناه من تخطيهما في الترقية إلى الدرجة السادسة طبقاً لقواعد التنسيق. وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 16 من يونيه سنة 1948 حكمها بإلغاء القرارين المشار إليهما فيما تضمناه من تركهما في الترقية إلى الدرجة السادسة بالتطبيق لقواعد التنسيق، وقد كان الواجب على المصلحة عند قيامها بتنفيذ هذا الحكم أن تنفذه تنفيذاً كاملاً بما يترتب عليه من نتائج، أهمها أن يكون ترتيبهما في كشف الأقدمية سابقاً على من قضى بإلغاء ترقيتهم، ولكنها اكتفت بأن رقتهما وقتئذ على درجتين خاليتين من درجات الميزانية، ثم استصدرت قراراً بإعطائهما الفروق المالية التي يستحقانها طبقاً للحكم وبإرجاع أقدميتهما إلى 31 من مارس سنة 1947 بالنسبة للأول وأول يونيه سنة 1947 بالنسبة للثاني، فترتب على ذلك أن ظل محمد صادق فرغلي يسبقهما في ترتيب الأقدمية. ولذلك فهما يطلبان الحكم بتعديل أقدميتهما بجعلها سابقة على أقدمية السيد/ محمد صادق فرغلي. وقد ردت الحكومة على ذلك بأنها قامت بتنفيذ الحكم ورقت المدعيين على درجتين سادسة كتابية خاليتين بالميزانية، واعتبرت أقدميتهما طبقاً لقواعد التنسيق في التاريخ الذي يستحق كل منهما الترقية فيه. وبجلسة 17 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة. وأسست قضاءها على أن الخلاف في هذه الدعوى ينحصر في الخلاف بين الطرفين على تفسير الحكم الصادر بجلسة 16 من يونيه سنة 1948 في القضية رقم 117 لسنة 2 القضائية؛ ومن ثم فإنه طبقاً لنص المادة 366 من قانون المرافعات يكون الاختصاص في تفسيره للمحكمة التي أصدرت الحكم وهي محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من حكم هذه القاعدة ما نص عليه في المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 من أن جميع القضايا المنظورة الآن أمام محكمة القضاء الإداري وأصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية تحال بحالتها إلى المحكمة المختصة ما لم تكن مهيأة للفصل فيها؛ إذ أن المقصود من ذلك هي الدعاوى التي لم تصل بعد إلى درجة أنها أصبحت مهيأة للفصل فيها، فإذا ما وصلت إلى هذه الدرجة امتنعت إحالتها، ومن باب أولى إذا كان قد حكم فيها فعلاً وأصبحت محل دعوى تفسير، فإن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه - طبقاً للمادة 367 من قانون المرافعات - متمماً للحكم الذي يفسره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن كلاً من المدعيين يستهدف من هذه الدعوى تعديل أقدميته على مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 117 لسنة 2 القضائية؛ فهي بهذه الصورة دعوى مبتدأه، سند المدعي فيها الحكم المذكور؛ ومن ثم فإنها إن اعتبرت كذلك أو اعتبرت دعوى تفسير للحكم المشار إليه رغم أن منطوقه واضح لا غموض فيه ولا إبهام، فإنها على الحالين مما تختص به المحكمة الإدارية التي حلت محل محكمة القضاء الإداري في المنازعات المتعلقة بالموظفين أمثال المدعي الذين هم من غير الفئة العالية أو الضباط بموجب القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فإنه يكون قد خالف القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن مثار المنازعة الحالية هو ما إذا كان من مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 16 من يونيه سنة 1948 اعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك، وأن تنفيذ الحكم على أساس هذا الفهم يقتضي أن يوضعا في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبلهم، أم أن مقتضاه غير ذلك.
ومن حيث إن مثار المنازعة على هذا الوجه هو في حقيقته خلاف بين المدعيين والإدارة في فهم الحكم وتأويل مقتضاه، والمنازعة بهذه المثابة ليست دعوى مبتدأه، وإنما هي دعوى في فهم الحكم وتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة، مربوطاً ذلك بالأسباب التي قام عليها قضاؤها، ولهذا الخلف في الفهم ما قد يبرره على حسب الظاهر؛ لأن الأسباب في ذاتها لم تتضمن تحديد الترتيب في الأقدمية بين ذوي الشأن، وإن كانت النتيجة قد انتهت إلى إلغاء ترك المدعيين في الترقية في دورهما؛ مما يقتضي من المحكمة التي أصدرت الحكم تحديداً في هذا الخصوص. وعلى هذا الوجه تكون المحكمة المختصة هي التي أصدرت الحكم طبقاً للمادة 366 من قانون المرافعات؛ للحكمة التشريعية الظاهرة لذلك، وهي أن المحكمة التي أصدرت الحكم هي الأقدر على فهم مقصوده وتحديده وإزالة ما قد يثور من غموض، وهي هنا محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية دون محكمة القضاء الإداري، لأن محل إعمال حكم القانون الجديد لو أن الدعوى أقيمت ابتداء بعد هذا القانون أو كانت مقامة قبل نفاذه ولما يفصل فيها من محكمة القضاء الإداري، أما إذا كان قد فصل فيها من محكمة القضاء الإداري، وكانت المنازعة مقصورة على تفسير الحكم، فغنى عن القول أنها هي التي تختص بهذا التفسير بالتطبيق للمادة المشار إليها؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 5821 لسنة 75 ق جلسة 15 / 6 / 2022 مكتب فنى 73 هيئة عامة ق 5 ص 48

جلسة 15 من يونيو سنة 2023

برئاسة السيد القاضي/ محمد عيد محجوب " رئيس محكمة النقض " وعضوية السادة القضاة/ محمود سعيد محمود، عبد العزيز إبراهيم الطنطاوي، عاطف عبد الجليل الأعصر، رفعت أحمد فهمي العزب، نبيل أحمد صادق، محمد أحمد أبو الليل، سمير حسن حسين، صلاح الدين محمود مجاهد، د. مصطفى محمد سالمان ومحمد عبد العزيز أبازيد " نواب رئيس المحكمة ".

-----------------

(5)

الطعن رقم 5821 لسنة 75 القضائية " هيئة عامة "

(1) اتفاقيات دولية " شروط اعتبارها من قوانين الدولة ".

الاتفاقيات الدولية التي تبرمها مصر. صيرورتها من قوانين الدولة. شرطه. موافقة مجلس النواب عليها وصدور قرار جمهوري بها.

(2) معاهدات دولية " التحلل منها ".

الدول الأعضاء في المعاهدات الدولية. عدم جواز تحللها منها بعملٍ منفردٍ. علة ذلك.

(3 - 7) جمارك " التخفيضات الجمركية الواردة باتفاقية منظمة التجارة العالمية وجداولها ".

(3) منظمة التجارة العالمية " الجات ". ماهيتها. التزام الدول الأعضاء فيها بتقديم تنازلات في التعريفة الجمركية تنفذ على مراحل زمنية تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية سواء في ذلك الأعضاء الأصليين أو المنضمين للاتفاقية. شرطه. عدم اعتراض دولة من الأعضاء على ذلك في الجدول الخاص بها. علة ذلك.

(4) التنازلات في التعريفة الجمركية الملحقة باتفاقية التجارة العالمية. اعتبارها جزءًا لا يتجزأ منها. انضمام مصر إلى الاتفاقية. مقتضاه. التزامها بالاتفاقية وسريانها كقانونٍ من قوانين الدولة. لازمه. تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة وفق الترتيب الزمني المحدد بالاتفاقية وبروتوكول مراكش على خمس مراحل حتى نهاية المدة المبينة بالجداول. علة ذلك.

(5) تطبيق أحكام المعاهدات ولو تعارضت مع أحكام القوانين الداخلية للدول. مؤداه. نفاذ جداول التزامات مصر من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية. أثره. تطبيقها على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفق المراحل الزمنية التي وردت بالجداول الملحقة بها. علة ذلك.

(6) تطبيق الدول الأعضاء للتخفيضات الجمركية يتم وفق مدى زمني محدد خمس سنوات. م 2 بروتوكول مراكش. مؤداه. الالتزام بالجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول. علة ذلك.

(7) التعريفة الجمركية المخفضة المنصوص عليها باتفاقية منظمة التجارة العالمية والجداول المكملة لها. سريانها من تاريخ نفاذ الاتفاقية في 1/1/1995 مع مراعاة المدى الزمني المحدد بالجداول والتدرج في تخفيضها. تطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من التاريخ الأخير. إقرار الهيئة ذلك المبدأ والعدول عما يخالفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن الاتفاقيات التي تُبرمها حكومة جمهورية مصر العربية تُصبح بصدور القرار الجمهوري الخاص بها وبعد الموافقة عليها من مجلس النواب قانونًا من قوانين الدولة.

2- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه ليس للدول الأعضاء في المعاهدات التحلل من أحكامها بعملٍ منفردٍ، وذلك أخذًا بأحكام القانون الدولي في شأن المعاهدات.

3- مفاد النص في البند رقم 2 من المادة الرابعة عشرة من اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 72 لسنة 1995 الصادر بتاريخ 20 مارس 1995 ووافق عليها مجلس الشعب – النواب حاليًا - بجلسته المعقودة في 16 إبريل 1995 ونُشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 1995 فأصبحت قانونًا من قوانين الدولة، والنص في المادة الثانية من بروتوكول مراكش الملحق بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 أنه تمشيًا مع كون منظمة التجارة العالمية هي الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات التجارية الدولية وذلك على أساسٍ من حرية التجارة في مجالات السلع والخدمات والحقوق الفكرية وما تهدف إليه من إزالة الحواجز والقيود الجمركية بين الدول الأعضاء من أجل تنشيط التجارة ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية ومنع التفرقة بين المنتج المحلي والمستورد، ولتكون السوق العالمية سوقًا واحدة، فقد ألزمت اتفاقية إنشاء المنظمة الدول الأعضاء فيها بإجراء تنازلات في التعريفة الجمركية التي وردت في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع - ومنها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 والتي تُعرف باسم اتفاقية جات 1994 - والملحقة باتفاقية المنظمة التي نصت في البند رقم 2 من المادة الثانية منها على اعتبار الاتفاقات متعددة الأطراف الملحقة بها جزءًا لا يتجزأ منها ومُلزمة لجميع الأعضاء، كما فرضت الاتفاقية وكذا بروتوكول مراكش المنعقد في 15/4/1994 نظامًا محددًا يحكم تنفيذ التخفيضات في التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي والتي تلتزم بها الدول الأعضاء وتُدرج بجداول تعهداتها التي تُرفق بالاتفاقية وتُعد أيضًا جزءًا لا يتجزأ منها - مقتضاه أن التخفيضات في التعريفة تنفذ على مراحل زمنية خمس تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية في يناير 1995، وقد ساوت الاتفاقية في ذلك بين الدول الأعضاء الأصليين الموقعين على الاتفاقية قبل دخولها حيز النفاذ وبين الأعضاء المنضمين إليها بعد نفاذها بحيث يلتزم الأعضاء الآخرون بالبرنامج الزمني المُحدد سلفًا لحصول التخفيضات وما يستتبعه من المبادرة إلى تنفيذ ما يكون قد تجمع من مراحـل للتخفيضات على التعريفة حل أجلها قبل انضمامهم إلى الاتفاقية وذلك ما لم يكن قد اتُفق في الجدول الخاص بالدولة العضو على خِلاف ذلك.

4- التنازلات في التعريفة الجمركية الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الملحقة باتفاقية منظمة التجارة العالمية فصارت جزءًا لا يتجزأ منها وتعتبر مُلزمة للدولة المصرية بموجب انضمامها إلى عضوية المنظمة وإدراجها في جدول التزاماتها المرفق بالاتفاقية، فإنها تُطبق على الرسائل الواردة بعد تاريخ سريان الاتفاقية كقانونٍ من قوانين الدولة بمقتضى نشرها بالجريدة الرسمية، ويخضع تنفيذ هذه التنازلات في التعريفة للتنظيم الوارد بالاتفاقية وبروتوكول مراكش الذي تلتزم به الدول الأعضاء وهو ما أكدته مصر في جدول التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية - الجدول LXIII المرفق بالاتفاقية - إذ تعهدت فيه بتنفيذ التخفيضات في التعريفة خلال فترة خمس سنوات على خمس مراحل متساوية ابتداءً من دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز النفاذ في يناير 1995، بما لازمه وجوب تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة التي قبلتها مصر في مفاوضاتها مع الدول الأعضاء وكانت محلًا للاتفاقات التي تضمَّنتها الوثيقة الختامية المُتضمِّنة نتائج جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف بتاريخ 15/4/1994 والملحقة بالاتفاقية وقت نفاذها وفقًا للترتيب الزمنى الوارد بجدول التزامات مصرLXIII، وذلك على خمس مراحل من التخفيضات حتى نهاية المدة المبينة بالجداول، والقول بغير ذلك يخل بالتوازن الاقتصادي بين الدول الأعضاء في علاقتها التجارية ويقوض الأساس الذي قامت عليه اتفاقية منظمة التجارة العالمية من تحرير التجارة الدولية من القيود والعوائق الجمركية.

5- وفقًا للمبدأ المعمول به في القانون الدولي والتي جاءت المادة ۲۷ من معاهدة فيينا لسنة ١٩٦٩ تقنينًا له أن أحكام المعاهدات - بحسبانها اتفاقًا دوليًا معقودًا بين دولٍ ويخضع للقانون الدولي - تسمو على القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثم فلا يجوز لهذه الدول بجميع سلطاتها وأجهزتها الحكومية والإدارية أن تُعطل أحكام معاهدة انضمت إليها أو تمتنع عن تنفيذها متذرعة في ذلك بقوانينها الداخلية طالما أنها لم تتحفظ على حكم معين فيها عند الموافقة عليها، ويُشكل هذا المبدأ بلا شك أحد الأسس التي ترتكز عليها القوة الإلزامية للمعاهدة الدولية طبقًا للمادة ٢٦ من معاهدة فيينا التي وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٥ لسنة ۱۹۸۱ الصادر في أول أكتوبر ۱۹۸۱ والتي مؤداها أن الاتفاقات الدولية التي تُبرمها الدول تعتبر موجودة قانونًا ويُفترض عِلمها بها من تاريخ الموافقة والتصديق عليها من السلطة المختصة، فتسري في مواجهة هذه الدول المتعاقدة باعتبارها من أشخاص القانون الدولي من ذلك التاريخ وتلتزم بتنفيذها ولو لم تُنشر في الجريدة الرسمية عملًا بالمادة ٢٧ من الاتفاقية السالف الإشارة إليها، وبما مؤداه أن المعاهدة الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها تُصبح واجبه الإعمال فيما يثور من نزاع بشأن المسائل التي تنظمها ولو تعارضت أحكامها مع قانون آخر داخلي، وهو ما يتعيَّن معه اعتبار جدول التزامات مصر نافذًا من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية كقانونٍ من قوانين الدولة وتطبيق أحكامه على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفقًا للمراحل الزمنية التي وردت بتلك الجداول وتم النص عليها صراحةً بالاستدراك ذاته المنشور في 29 أغسطس 2002، لا سيما وأنه لم يصدر عن مصر حال انضمامها إلى الاتفاقية والموافقة والتصديق عليها أي تحفظ.

6- إذ كانت المادة الثانية من بروتوكول مراكش قد نصت على المراحل الزمنية التي يتم خلالها تطبيق التزامات وتعهدات الأعضاء وأهمها التخفيضات الجمركية وذلك وفقًا لمدى زمني محدد، وهى أن تُوضع موضع التنفيذ على مدى خمس سنوات (وعلى خمس مراحل تخفيض متساوية) ابتداءً من تاريخ التنفيذ للعضو المعني، وكان النص على هذا المدى الزمني – الذي كان بالقطع محل تقدير واعتبار عند إقرار الاتفاقية من المشرع المصري- قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة، وهي أن التعريفة الجمركية يتعيَّن أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة وأن قصورها عن أداء هذا الدور - إزاء الزيادة المضطردة في القوانين الاستثنائية التي تُقرر إعفاءً ضريبيًا، وكذلك حال انتفاء الأغراض الحيوية التي يتعيَّن أن يكون التخفيض في الضريبة الجمركية مرتبطًا بها – يؤدي إلى تقليص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، ويفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير في الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي مصلحة مُعتبرة يحرص المشرع دومًا على صونها، ومن ثم يتعيَّن الالتزام بهذا الجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول - الملحقة ببروتوكول مراكش- بحيث يبدأ المدى الزمني في تنفيذ التخفيضات الجمركية من تاريخ سريان الاتفاقية ونفاذها في مصر، على خمس مراحل تنتهي بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، بحيث تسري التخفيضات تباعًا حتى الوصول للقيمة النهائية للتعريفة الجمركية الواردة بتلك الجداول .

7- إذ كانت بعض دوائر المحكمة قد ذهبت في أحكامها إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العِلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المُشار إليه آنفًا العدول عن هذا الرأي وإقرار المبدأ الذي تبنَّته الدوائر في أحكامها إلى الاعتداد بتاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ، مع مراعاة المدى الزمني المنصوص عليه في الجداول وذلك بالتدرج في تخفيض التعريفة الجمركية وتطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، ومن هذا التاريخ تسري القيمة النهائية للتخفيضات في التعريفة الجمركية المنصوص عليها بتلك الجداول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهيئــــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، وبعد المداولة.

حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم.... لسنة ۲۰۰۳ مدني كلي بورسعيد قِبل المطعون ضدهم بصفاتهم بطلب الحكم أصليًا بإلزامهم برد مبلغ ۲۱۱۷۰۰جنيهٍ (مائتين وأحد عشر ألفًا وسبعمائة جنيهٍ) قيمة فروق الرسوم الجمركية بين ما هو مُستحق طبقًا لاتفاقية الجات والمسدد الفعلي الذي سددته للمطعون ضدهم دون وجه حـق ضِمــن استحقاقات شهادات الوارد المدونة بصلب صحيفة الدعوى والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، واحتياطيًا ندب أحد خبراء وزارة العدل لتحقيق عناصر الدعوى، على سندٍ من القول إن الشركة الطاعنة قامت باستيراد أربع رسائل بلوكات رخام من دولتي إيطاليا وتركيا الموقعتين على اتفاقية منظمة التجارة العالمية (الجات)، التي انضمت إليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٢ لسنة ١٩٩٥ بتاريخ ۲۰ مارس ١٩٩٥، وصدر بشأنها قرار وزير الخارجية رقم ٤٢ لسنة ١٩٩٥ بتاريخ 17 من مايو 1995 الذي أقر العمل بالاتفاقية اعتبارًا مـن ١/١/١٩٩٥، وكان صنف بلوكات الرخام ضمن السلع المُدرجة بجداول تعهدات جمهورية مصر العربية المرفقة بالاتفاقية يخضع وفقًا لهذه الجداول لفئة الضريبة الجمركية مقدارها 15% من قيمة الرسالة ابتداءً من 1/1/2000، إلا أن مصلحة الجمارك امتنعت عن تطبيق الاتفاقية دون سندٍ وطبَّقت فئة ضريبة جمركية مقدارها 43%، فكانت الدعوى، وبتاريخ 27/9/2003 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم.... لسنة 44 ق لدى محكمة استئناف الإسماعيلية – مأمورية بورسعيد - التي ندبت خبيرًا في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 28/2/2005 برفض الاستئناف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت الرأي في موضوع الطعن برفضه، وإذ عُرض الطعن على الدائرة التجارية والاقتصادية بالمحكمة في غرفة المشورة والتي حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة وجدت تباينًا في الأحكام الصادرة من دوائر المحكمة في شأن تاريخ سريان التخفيضات الواردة على التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي التي تلتزم بها الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية وأُدرجت بجداول تعهداتها؛ إذ اتجهت بعض الدوائر إلى أنه يُفترض عِلم جهة الإدارة بهذه الجداول من تاريخ صدورها فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ ولو لم تُنشر بالجريدة الرسمية، ولا يُقبل منها التحدي بعدم نفاذها في حقها إلا بنشرها، مُرتبًا على ذلك الاعتداد بها من تاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 والتزام جهة الإدارة بها ولو تأخر نشر الجداول، بينما ذهبت دوائر أخرى إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية في الجريدة الرسمية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة.

وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة بجلستها المعقودة بتاريخ 3/5/2023 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها ؛ عملًا بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 - المُعدل- للفصل في هذا الاختلاف، وإقرار المبدأ الذي استقرت عليه دوائر المحكمة من أنه يفترض علم جهة الإدارة بهذه الجداول من تاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتكون نافذة في مواجهتها اعتبارًا من هذا التاريخ ولو لم تُنشر بالجريدة الرسمية، ولا يُقبل منها التحدي بعدم نفاذها في حقها إلا بنشرها.

وإذ حددت الهيئة جلسة 16/5/2023 لنظر الطعن، وأودعت النيابة العامة لدى محكمة النقض مذكرة برأيها أبدت فيها الرأي بالأخذ بالمبدأ الذي تبنته أحكام الاتجاه الأول التي انتهت إلى الاعتداد بتاريخ نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 72 لسنة 1995 بالجريدة الرسمية الحاصل في 15/6/1995، في شأن تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة المدرجة بجداول التزامات مصر لدى منظمة التجارة العالمية المرفقة ببروتوكول مراكش الذي تضمَّنته الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 المدرج بالملحق رقم 1/أ المسمى بالاتفاقات متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع، والعدول عن رأي النيابة السابق برفض الطعن موضوعًا، والانتهاء في موضوعه إلى نقض الحكم المطعون فيه، وبجلستي 16/5/2023، 30/5/2023 تداولت الهيئة في المسألة المعروضة عليها من الدائرة المُحيلة، والتزمت النيابة رأيها، وقررت الهيئة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

وحيث إنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن الاتفاقيات التي تُبرمها حكومة جمهورية مصر العربية تُصبح بصدور القرار الجمهوري الخاص بها وبعد الموافقة عليها من مجلس النواب قانونًا من قوانين الدولة، وأنه ليس للدول الأعضاء في المعاهدات التحلل من أحكامها بعملٍ منفردٍ، وذلك أخذًا بأحكام القانون الدولي في شأن المعاهدات، وأن النص في البند رقم 2 من المادة الرابعة عشرة من اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 72 لسنة 1995 الصادر بتاريخ 20 مارس 1995 ووافق عليها مجلس الشعب – النواب حاليًا - بجلسته المعقودة في 16 إبريل 1995 ونُشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 1995 فأصبحت قانونًا من قوانين الدولة، على أن " على العضـــو الذى يقبل الاتفاقية الحالية بعد دخولها حيز التنفيذ أن يُنفذ التنازلات والالتزامات الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف والتي تُنفذ على فترة زمنية تبدأ بدخول الاتفاقية الحالية حيز النفاذ كما لو كان قد قبل الاتفاقية الحالية في تاريخ دخولها حيز النفاذ "، والنص في المادة الثانية من بروتوكول مراكش الملحق بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 على أن " تخفيضات التعريفة التي يوافق عليها كل عضو تنفذ على خمس شرائح متساوية إلا إذا ورد خِلاف ذلك في جدول العضو. ويُعمل بأول هذه التخفيضات في تاريخ نفاذ اتفاق المنظمة، ويُعمل بكل تخفيض ثانٍ في أول كانون الثاني / يناير من كل سنة من السنوات التالية، ويُعمل بآخر شريحة في موعد لا يتأخر عن أربع سنوات من نفاذ اتفاقية المنظمة، إلا إذا ورد خِلاف ذلك في جدول ذلك العضو. وما لم يرد خِلاف ذلك في الجدول فإن العضو الذي يقبل اتفاق المنظمة بعد نفاذه يكون عليه في تاريخ سريان الاتفاق بالنسبة له أن يُطبق جميع تخفيضات التعريفة التي حدثت بالفعل مع التخفيضات التي كان مُلزمًا بها بموجب الجملة السابقة في أول كانون الثاني / يناير من السنة التالية، وأن يُطبق جميع تخفيضات التعريفة المتبقية على الجدول المذكور في الجملة السابقة. ويجب في كل حالة تقريب رقم التعريفة المخفضة في كل مرحلة إلى أقرب عشرة...." مفاده أنه تمشيًا مع كون منظمة التجارة العالمية هي الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات التجارية الدولية وذلك على أساسٍ من حرية التجارة في مجالات السلع والخدمات والحقوق الفكرية وما تهدف إليه من إزالة الحواجز والقيود الجمركية بين الدول الأعضاء من أجل تنشيط التجارة ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية ومنع التفرقة بين المنتج المحلي والمستورد، ولتكون السوق العالمية سوقًا واحدة، فقد ألزمت اتفاقية إنشاء المنظمة الدول الأعضاء فيها بإجراء تنازلات في التعريفة الجمركية التي وردت في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع - ومنها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 والتي تُعرف باسم اتفاقية جات 1994 - والملحقة باتفاقية المنظمة التي نصت في البند رقم 2 من المادة الثانية منها على اعتبار الاتفاقات متعددة الأطراف الملحقة بها جزءًا لا يتجزأ منها ومُلزمة لجميع الأعضاء، كما فرضت الاتفاقية وكذا برتوكول مراكش المنعقد في 15/4/1994 نظامًا محددًا يحكم تنفيذ التخفيضات في التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي والتي تلتزم بها الدول الأعضاء وتُدرج بجداول تعهداتها التي تُرفق بالاتفاقية وتُعد أيضًا جزءًا لا يتجزأ منها - مقتضاه أن التخفيضات في التعريفة تنفذ على مراحل زمنية خمس تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية في يناير 1995، وقد ساوت الاتفاقية في ذلك بين الدول الأعضاء الأصليين الموقعين على الاتفاقية قبل دخولها حيز النفاذ وبين الأعضاء المنضمين إليها بعد نفاذها بحيث يلتزم الأعضاء الآخرون بالبرنامج الزمني المحدد سلفًا لحصول التخفيضات وما يستتبعه من المبادرة إلى تنفيذ ما يكون قد تجمع من مراحل للتخفيضات على التعريفة حل أجلها قبل انضمامهم إلى الاتفاقية وذلك ما لم يكن قد اتُفق في الجدول الخاص بالدولة العضو على خِلاف ذلك، ومن ثم فإن التنازلات في التعريفة الجمركية الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الملحقة باتفاقية منظمة التجارة العالمية فصارت جزءًا لا يتجزأ منها وتُعتبر مُلزمة للدولة المصرية بموجب انضمامها إلى عضوية المنظمة وإدراجها في جدول التزاماتها المرفق بالاتفاقية، فإنها تُطبق على الرسائل الواردة بعد تاريخ سريان الاتفاقية كقانونٍ من قوانين الدولة بمقتضى نشرها بالجريدة الرسمية، ويخضع تنفيذ هذه التنازلات في التعريفة للتنظيم الوارد بالاتفاقية وبرتوكول مراكش الذي تلتزم به الدول الأعضاء وهو ما أكدته مصر في جدول التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية - الجدول LXIII المرفق بالاتفاقية - إذ تعهدت فيه بتنفيذ التخفيضات في التعريفة خلال فترة خمس سنوات على خمس مراحل متساوية ابتداءً من دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز النفاذ في يناير 1995، بما لازمه وجوب تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة التي قبلتها مصر في مفاوضاتها مع الدول الأعضاء وكانت محلًا للاتفاقات التي تضمَّنتها الوثيقة الختامية المُتضمِّنة نتائج جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف بتاريخ 15/4/1994 والملحقة بالاتفاقية وقت نفاذها وفقًا للترتيب الزمني الوارد بجدول التزامات مصرLXIII، وذلك على خمس مراحل من التخفيضات حتى نهاية المدة المبينة بالجداول، والقول بغير ذلك يخل بالتوازن الاقتصادي بين الدول الأعضاء في علاقتها التجارية ويقوض الأساس الذي قامت عليه اتفاقية منظمة التجارة العالمية من تحرير التجارة الدولية من القيود والعوائق الجمركية؛ ذلك أنه من المقرر وفقًا للمبدأ المعمول به في القانون الدولي والتي جاءت المادة ۲۷ من معاهدة فيينا لسنة ١٩٦٩ تقنينًا له أن أحكام المعاهدات - بحسبانها اتفاقًا دوليًا معقودًا بين دول ويخضع للقانون الدولي - تسمو على القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثم فلا يجوز لهذه الدول بجميع سلطاتها وأجهزتها الحكومية والإدارية أن تُعطل أحكام معاهدة انضمت إليها أو تمتنع عن تنفيذها متذرعة في ذلك بقوانينها الداخلية طالما أنها لم تتحفظ على حكم معين فيها عند الموافقة عليها، ويُشكل هذا المبدأ بلا شك أحد الأسس التي ترتكز عليها القوة الإلزامية للمعاهدة الدولية طبقًا للمادة ٢٦ من معاهدة فيينا التي وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٥ لسنة ۱۹۸۱ الصادر في أول أكتوبر ۱۹۸۱ والتي مؤداها أن الاتفاقات الدولية التي تُبرمها الدول تعتبر موجودة قانونًا ويُفترض عِلمها بها من تاريخ الموافقة والتصديق عليها من السلطة المختصة، فتسري في مواجهة هذه الدول المتعاقدة باعتبارها من أشخاص القانون الدولي من ذلك التاريخ وتلتزم بتنفيذها ولو لم تُنشر في الجريدة الرسمية عملًا بالمادة ٢٧ من الاتفاقية السالف الإشارة إليها، وبما مؤداه أن المعاهدة الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها تصبح واجبه الإعمال فيما يثور من نزاع بشأن المسائل التي تُنظمها ولو تعارضت أحكامها مع قانون آخر داخلي، وهو ما يتعيَّن معه اعتبار جدول التزامات مصر نافذًا من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية كقانونٍ من قوانين الدولة وتطبيق أحكامه على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفقًا للمراحل الزمنية التي وردت بتلك الجداول وتم النص عليها صراحةً بالاستدراك ذاته المنشور في 29 أغسطس 2002، لا سيما وأنه لم يصدر عن مصر حال انضمامها إلى الاتفاقية والموافقة والتصديق عليها أي تحفظ، وكانت المادة الثانية من بروتوكول مراكش قد نصت على المراحل الزمنية التي يتم خلالها تطبيق التزامات وتعهدات الأعضاء وأهمها التخفيضات الجمركية وذلك وفقًا لمدى زمني محدد، وهى أن تُوضع موضع التنفيذ على مدى خمس سنوات (وعلى خمس مراحل تخفيض متساوية) ابتداءً من تاريخ التنفيذ للعضو المعني، وكان النص على هذا المدى الزمني – الذي كان بالقطع محل تقدير واعتبار عند إقرار الاتفاقية من المشرع المصري- قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة، وهي أن التعريفة الجمركية يتعيَّن أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة وأن قصورها عن أداء هذا الدور - إزاء الزيادة المضطردة في القوانين الاستثنائية التي تُقرر إعفاءً ضريبيًا، وكذلك حال انتفاء الأغراض الحيوية التي يتعيَّن أن يكون التخفيض في الضريبة الجمركية مرتبطًا بها – يؤدي إلى تقليص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، ويفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير في الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي مصلحة مُعتبرة يحرص المشرع دومًا على صونها، ومن ثم يتعيَّن الالتزام بهذا الجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول - الملحقة ببروتوكول مراكش - بحيث يبدأ المدى الزمني في تنفيذ التخفيضات الجمركية من تاريخ سريان الاتفاقية ونفاذها في مصر، على خمس مراحل تنتهي بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، بحيث تسري التخفيضات تباعًا حتى الوصول للقيمة النهائية للتعريفة الجمركية الواردة بتلك الجداول.

لما كان ما تقدم، وكانت بعض دوائر المحكمة قد ذهبت في أحكامها إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العِلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر، ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المُشار إليه آنفًا العدول عن هذا الرأي وإقرار المبدأ الذي تبنَّته الدوائر في أحكامها إلى الاعتداد بتاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ، مع مراعاة المدى الزمني المنصوص عليه في الجداول وذلك بالتدرج في تخفيض التعريفة الجمركية وتطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، ومن هذا التاريخ تسري القيمة النهائية للتخفيضات في التعريفة الجمركية المنصوص عليها بتلك الجداول.

ومن ثم فإن الهيئة – وبعد الفصل في المسألة المعروضة – تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه، وفقًا لِما سبق، وطبقًا لأحكام القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 2629 لسنة 31 ق جلسة 3 / 3 /1994 إدارية عليا مكتب فني 39 ج 1 توحيد المبادئ ق 3 ص 21

جلسة 3 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة, وعضوية كل من: 1 - السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط, 2 - السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا, 3 - السيد الأستاذ المستشار/ رأفت محمد السيد يوسف, 4 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد معروف محمد, 5 - السيد الأستاذ المستشار/ فاروق علي عبد القادر, 6 - السيد الأستاذ المستشار/ د. أحمد مدحت حسن علي, 7 - السيد المستشار/ عويس عبد الوهاب, 8 - السيد الأستاذ المستشار/ جودة عبد المقصود أحمد فرحات, 9 – السيد الأستاذ المستشار/ محمد أبو الوفا عبد المتعال, 10 - السيد الأستاذ المستشار/ حسني سيد محمد حسن نواب رئيس مجلس الدولة.

-----------------

(3)

الطعن رقم 2629 لسنة 31 القضائية

إصلاح زراعي - 

التقادم المكسب للملكية في الأراضي الزراعية الخاضعة لقوانين الإصلاح الزراعي.

-------------------
قوانين الإصلاح الزراعي أرقام 178 لسنة 1952 و127 لسنة 1961 و50 لسنة 1969. التاريخ الذي يعتد به في اكتمال مدة التقادم المكسب للملكية للأراضي الزراعية الخاضعة لأحكام القانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه هو تاريخ الاستيلاء الفعلي على هذه الأراضي - التاريخ الذي يعتد به في اكتمال مدة التقادم المكسب للملكية بالنسبة للأراضي الزراعية الخاضعة لاستيلاء طبقاً لأحكام القانونين رقمي 127 لسنة 1961 و50 لسنة 1969 هو تاريخ العمل بهذين القانونين كل حسب نطاق سريانه - تطبيق.


إجراءات الطعن

من حيث أن الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا قررت بجلسة 9/ 6/ 1992 إحالة الطعن الماثل إلى الهيئة المشكلة بالمادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة للفصل في تحديد التاريخ الذي يعتد به في اكتمال مدة التقادم المكسب للملكية في الأراضي الزراعية الخاضعة لقوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا قد استقر قضاؤها على أن التاريخ الذي يعتد به في اكتمال مدة التقادم المكسب للملكية بالنسبة للأراضي الزراعية الخاضعة لأحكام قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 هو تاريخ الاستيلاء الفعلي على هذه الأراضي. كما استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا أيضاً على أن التاريخ الذي يعتد به في اكتمال مدة التقادم المكسب للملكية بالنسبة للأراضي الزراعية الخاضعة للاستيلاء طبقاً لأحكام قانوني الإصلاح الزراعي التاليين للقانون رقم 178 لسنة 1952 سالف الذكر وهما القانون رقم 127 لسنة 1961 والقانون رقم 50 لسنة 1969، هو تاريخ العمل بهذين القانونين كل حسب نطاق سريانه.
ومن حيث إن ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن بالنسبة للقوانين الثلاثة المشار إليها آنفاً يتفق وصحيح حكم القانون وذلك استناداً إلى صريح نصوص المادة 13 مكرراً من القانون رقم 178 لسنة 1952 والمادة 6 من كل من القانونين رقمي 127 لسنة 1961 و50 لسنة 1969.
ومن حيث إنه لم يصدر عن المحكمة الإدارية العليا حتى الآن أي حكم يخالف ما استقر عليه قضاؤها بالنسبة لكل من القوانين الثلاثة سالفة الذكر.

فلهذه الأسباب

قررت المحكمة إعادة الطعن رقم 2629 لسنة 31 ق إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه.