جلسة 6 من مارس سنة 1999
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد يسري زين العابدين عبد الله - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: مصطفى محمد عبد المنعم صالح، ولبيب حليم لبيب، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، وعطية عماد الدين نجم - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(43)
الطعن رقم 3020 لسنة 39 قضائية عليا
دعوى - عوارض سير الخصومة - ترك الخصومة - الإقرار القضائي الذي يعتد به.
المواد 141، 142، 143 من قانون المرافعات، المادة 408 من القانون المدني.
الإقرار الذي يعتد به في مواجهة الصادر منه هذا الإقرار والذي يستصحب معه حجية قاطعة هو الإقرار القضائي الصادر من هذا الشخص أمام المحكمة التي تنظر الدعوى التي تتعلق بها واقعة الإقرار - الإقرار الذي يقع على خلاف ذلك لا يعد إقراراً قضائياً وبالتالي يخضع لتقدير المحكمة - ترك الخصومة في الدعوى هو تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء - العدول عن الإقرار بترك الخصومة أمام هيئة مفوضي الدولة والتشكيك في انصراف إرادة الصادر منه الإقرار إلى ترك الخصومة يوجب على المحكمة أن تعتد بالإدارة الحقيقية المبداة أمامها وتطرح الادعاء بترك الخصومة جانباً، طالما لم يتأكد صدوره عن إرادة صريحة قاطعة - تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 27/ 5/ 1993 أودع الأستاذ/ ...... المحامي نائباً عن الأستاذ/ ....... المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ..... تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 3020/ 39. ق. ع ضد السيد/ رئيس مجلس إدارة البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي بصفته في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - بجلسة 2/ 3/ 1992 في الدعوى رقم 1507/ 43 ق والقاضي (بإثبات ترك المدعي للخصومة وإلزامه بالمصروفات).
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بعريضة الطعن الحكم المقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، مع عدم الاعتداد بإقرار التنازل المنسوب إلى الطاعن وكل ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
أعلن الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى مع إبقاء الفصل في المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة والتي قررت بجلسة 8/ 6/ 1998 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية لنظره بجلسة 27/ 9/ 1998 حيث نظر بجلسة و30/ 1/ 1999 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث الشكل فإن الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 2/ 3/ 1992 - وبتاريخ 28/ 4/ 1992 تقدم الطاعن بطلب مساعدة قضائية رقم 126 لسنة 38 ق، وقبل طلبه في 7/ 4/ 1993 وأقيم الطعن في 27/ 5/ 1993 واستوفى سائر أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أنه بتاريخ 13/ 12/ 1988 أقام المدعي - الطاعن - الدعوى رقم 1507 لسنة 43 بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري - (دائرة التسويات) طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من استبعاد اسمه من كشوف العاملين الذين تقرر منحهم العلاوة الخاصة بانقضاء ثلاثين عاماً على خدمة البنك والصادر في 28/ 6/ 1988 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال المدعي - الطاعن - شرحاً لدعواه إنه يعمل بالبنك المدعى عليه - المطعون ضده - منذ 15/ 2/ 1955 ويشغل حالياً وظيفة أخصائي ممتاز بالدرجة الأولى بقطاع التنمية والاستثمار، وأنه يقوم بعمله بكل همة واقتدار وتقارير كفايته بدرجة ممتاز طيلة خدمته، فضلاً عن حصوله على علاوة الجدارة، وفي 19/ 6/ 1988 قرر مجلس إدارة البنك باعتماد مبدأ منح العلاوة الخاصة لعام 87/ 1988 بمناسبة انقضاء 30 سنة في خدمة البنك، وفوض المجلس رئيسه في اعتماد قرار لجنة شئون العاملين في منح العلاوة للمستحقين لها، وطبقاً لنص المادة (59) من لائحة العاملين بالبنك تم اعتماد التقرير الخاص بانجازات المدعي واعتمد من المسئولين على أساس توافر شروط الاستحقاق فيه وبتاريخ 28/ 6/ 1988 اعتمد رئيس مجلس إدارة البنك محضر لجنة شئون العاملين بمنح هذه العلاوة لعدد من العاملين بالبنك وليس من بينهم المدعي الذي تم شطب اسمه من كشوف المستحقين لتلك العلاوة بالمخالفة للوائح والقواعد المنظمة لهذه العلاوة - وبتاريخ 29/ 6/ 1988 أصدر قراره بمنح العلاوة دون المدعي فتظلم منه بتاريخ 13/ 8/ 1988 وإذ لم يتلق رداً على تظلمه فقد أقام الدعوى الماثلة بطلباته سالفة البيان.
أحيلت الدعوى بعد إعلان صحيفتها قانوناً إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وأثناء التحضير قدم البنك المدعى عليه (المطعون ضده) صورة من لائحة العاملين به وإقراراً موثقاً صادر من المدعي - الطاعن - بتاريخ 20/ 1/ 1989 بتنازله عن هذه الدعوى تنازلاً شاملاً أصل الحق المرفوع به الدعوى وبجلسة التحضير المعقودة بتاريخ 9/ 6/ 1991 قرر المدعي برجوعه عن التنازل المقدم منه وباستمراره في السير في الدعوى وقدم مذكرة بذلك ذكر فيها أن هذا الإقرار قد صدر منه بضغط التهديد بخصم الحوافز منه، كما قدم حافظة بمستنداته، وقدمت الجهة الإدارية - المدعى عليها - مذكرة بدفاعها طلبت فيها أولاً: - الاعتداد بإقرار التنازل الصادر من المدعي استناداً للمادتين 10، 11 من قانون الإثبات. ثانياً: أصلياًَ بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد ولعدم سابقة التظلم واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي المصروفات كما قدمت حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من مذكرة إدارة شئون العاملين بشأن نسب وقواعد صرف العلاوة الخاصة وموافقة مجلس الإدارة عليها.
وتحدد لنظر الدعوى جلسة 11/ 11/ 1991 وتم تداولها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 6/ 1/ 1992 حضر المدعي شخصياً وقرر بعدم ترك الدعوى وقدم حافظة مستندات، وبجلسة 3/ 2/ 1992 قدم الحاضر عن البنك حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية للتنازل المقدم من المدعي عن الدعوى رقم 1426/ 43 ق كما قدم مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلبات البنك..
وبجلسة 2/ 3/ 1992 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وشيدت قضاءها بعد استعراضها لنصوص المواد 141، 142، 143 من قانون المرافعات على أساس أن الثابت من المستندات المقدمة من البنك المدعى عليه أن المدعي قدم إقراراً صريحاً غير معلق على شرط موقعاً منه قرر فيه بتنازله عن هذه الدعوى تنازلاً شاملاً لأصل الحق المرفوعة به الدعوى مع تحمله بالمصروفات وأتعاب المحاماة وتم توثيق هذا التنازل بمكتب توثيق روض الفرج بتاريخ 20/ 1/1989 ومن ثم فلا يقبل منه بعد ذلك ما قرره من عدوله عن هذا الترك طالما قد تمسك به المدعى عليه - البنك - كما لا يقبل منه ما تعلل به من صدور هذا الإقرار تحت تأثير إكراه وقع عليه باعتبار أن ما أثاره لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً لا يقوم عليه دليل ويكون هذا التنازل قد وقع صحيحاً منتجاً لآثاره القانونية في ترك الخصومة في الدعوى مما يتعين معه إثباته.
وإذا لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فبادر بإقامة طعنه الماثل استناداً إلى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله على أساس أنه يتعين الأخذ بالإدارة الحقيقية للطاعن المبداة أمام هيئة مفوضي الدولة، وأمام محكمة القضاء الإداري، وذلك بعدوله - عن إقراره بترك الخصومة والاستمرار في دعواه بحسبان أن هذا التنازل وقع نتيجة إكراه.
ومن حيث إن المادة (141) من قانون المرافعات تنص على أن (يكون ترك الخصومة بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو ببيان صريح في مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله مع إطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفوياً في الجلسة وإثباته في المحضر).
كما تنص المادة (142) من ذات القانون على أن (لا يتم الترك بعد إبداء المدعى عليه طلباته إلا بقبوله. ومع ذلك لا يلتفت لاعتراضه على الترك، إذا كان قد دفع بعدم اختصاص المحكمة، أو بإحالة القضية إلى محكمة أخرى، أو ببطلان صحيفة الدعوى أو طلب غير ذلك مما يكون القصد منه منع المحكمة من المضي في سماع الدعوى).
كما تنص المادة (143) منه على أن (يترتب على الترك إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى والحكم على التارك بالمصاريف، ولكن لا يمس ذلك الحق المرفوعة به الدعوى).
ومن حيث إن المستفاد من هذه النصوص أنه لصاحب الدعوى الحق في النزول عن دعواه إلى ما قبل صدور حكم فاصل في النزاع إذا تحققت له مصلحة في التنازل على أن يتم ذلك بإحدى الطرق التي أوردتها المادة (141) على سبيل الحصر، بشرط قبول خصمه إن جاء التنازل بعد إبدائه طلباته في الدعوى أو دون موافقته عند انتقاء مصلحة المشروعة في استمرار نظرها، ويترتب على هذا التنازل إلغاء جميع إجراءات الخصومة وكافة الآثار القانونية المترتبة على قيامها.
ومن حيث إن المادة (408) من القانون المدني تنص على أن (الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة).
ويبين من حكم هذه المادة أن الإقرار الذي يعتد به في مواجهة الصادر منه هذا الإقرار والذي يستصحب معه حجية قاطعة هو الإقرار القضائي الصادر من هذا الشخص أمام المحكمة التي تنظر الدعوى التي تتعلق بها واقعة الإقرار، أما الإقرار الذي يقع على خلاف ذلك فلا يعد إقراراً قضائياً وبالتالي فإنه يخضع لتقدير المحكمة.
ومن حيث إن ترك الخصومة في الدعوى هو تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء ومتى كان الإقرار المقدم من الطاعن بتاريخ 20/ 1/ 1989 بتنازله عن الدعوى رقم 1507/ 43 ق، لا يعد في ضوء ما تقدم إقراراً قضائياً لعدم حصوله أمام المحكمة وبالتالي لا يحوز حجية قاطعة ومن ثم فإنه يخضع لتقدير المحكمة التي لها أن تأخذ المدعي به أو أن تعرض عنه إذا ما تبين لها أن ثمة عيباً من عيوب الرضا شاب إرادة المدعي عند التوقيع على هذا الإقرار.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قدمت بجلسة 7/ 4/ 1990 (تحضير) أصل إقرار المدعي - الطاعن - بتنازله عن الدعوى رقم 1507/ 43 ق - الصادر بشأنها الحكم المطعون فيه - إلا أن الثابت من الأوراق أن المدعي حضر شخصياً بجلسة 9/ 6/ 1990 - (تحضير) وأثبت في محضرها أن التنازل لا يعتد به ويعتبر ملغي وبجلسة 17/ 11/ 1990 - حضر المدعي شخصياً وقدم مذكرة تفيد عدوله عن التنازل حيث إنه قد أجبر على التوقيع عليه بالشهر العقاري، وقرر بمحضر الجلسة المشار إليها رجوعه عن هذا التنازل المقدم منه للإدارة واستمراره في السير في الدعوى وبجلسة 6/ 1/ 1992 حضر المدعي شخصياً أمام المحكمة وقرر بعدم ترك الدعوى.
وحيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه إذا أبدى المدعي أمام هيئة مفوضي الدولة عدوله عن إقراره بترك الخصومة واستمراره في دعواه، وشكك في انصراف إرادته إلى ترك الخصومة وجب على المحكمة أن تعتد بالإرادة الحقيقية المبداة أمامها وتطرح الادعاء بترك الخصومة جانباً، طالما لم يتأكد صدوره عن إرادة صريحة قاطعة.
ومن حيث إن الطاعن قد قرر بجلسة التحضير المعقودة بتاريخ 9/ 6/ 1991 بأنه قرر الرجوع عن التنازل المقدم منه وباستمراره في السير في الدعوى وقدم مذكرة بذلك ذكر فيها أن هذا الإقرار قد صدر منه بضغط التهديد بخصم الحوافز منه ومن ثم يبين من ذلك أن إرادة المدعي - الطاعن - في التوقيع على التنازل عن دعواه لم تكون إرادة حرة صدرت عن رضاء صحيح بل إن هذه الإرادة - قد اعتورها عيب من العيوب المفسدة للرضا وهو إكراه المدعي على توقيع هذا التنازل تحت وطأة التهديد بالحرمان من الحوافز.
ومن حيث إنه ترتيباً على كل ما تقدم فإن الإقرار الصادر من المدعي بتنازله عن دعواه باعتباره تصرفاً إرادياً، يكون قد وقع باطلاً وليس من شأنه بالتالي أن يرتب أي أثر قانوني، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تحصيل الواقع على نحو أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم فيما قضى به بإثبات ترك المدعي للخصومة وإلزامه المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات) للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى مع إبقاء الفصل في المصروفات.