جلسة 14 مايو سنة 1942
برياسة حضرة علي حيدر حجازي بك وبحضور حضرات: محمد كامل الرشيدي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
-----------------
(159)
القضية رقم 64 سنة 11 القضائية
إثبات:
(أ) العناصر التي كوّنت منها المحكمة اقتناعها. وجوب بيان مؤداها. الاكتفاء بمجرّد الإشارة إليها. قصور.
(ب) التحقيق الذي يصح للمحكمة أن تتخذه سنداً لحكمها. سماع الخبير للشهود. ليس تحقيقاً بالمعنى المقصود. تقدير أقوال أولئك الشهود. يجب أن يكون باعتبارها منضمة إلى معاينة الخبير مكوّنة معه عنصراً واحداً. تعويل المحكمة عليها دون غيرها مما تضمنه تقرير الخبير. لا يصح.
(المواد 177 وما يليها و228 مرافعات)
الوقائع
تتحصل وقائع الدعوى في أن المطعون ضدّه الأوّل مصطفى منيب أفندي اشترى بالمزاد العلني بمحكمة المنصورة المختلطة في 24 من يوليه سنة 1930: 16 فداناً و22 قيراطاً و16 سهماً لأحمد حلمي رخا شائعة في 125 فداناً و20 قيراطاً و14 سهماً مملوكة للمرحوم أحمد رخا بك مشاعاً هو وشركائه. وعقب ذلك رفع المشتري أمام محكمة المنصورة المختلطة على الشركاء دعوى قسمة طلب فيها فرز وتجنيب ما رسا مزاده عليه انتهت بأن خصه 15 فداناً و18 قيراطاً و12 سهماً تسلمها في 18 من سبتمبر سنة 1934. ثم رفع الدعوى رقم 47 سنة 1935 أمام محكمة المنصورة الابتدائية على الورثة طالبهم فيها متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 800 جنيه قيمة ريع الأرض و14 جنيهاً قيمة أموال أميرية دفعها عنهم. وفي 17 من ديسمبر سنة 1935 قضت المحكمة بإلزام الورثة متضامنين بأن يدفعوا له 270 جنيهاً والمصاريف المناسبة ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. استأنف مصطفى منيب أفندي الحكم بالاستئناف رقم 464 سنة 53 قضائية طالباً تعديله والحكم له بطلباته. واستأنفه كذلك المحكوم عليهم بالاستئناف رقم 696 سنة 53 قضائية طالبين إلغاءه. وقضت محكمة استئناف مصر تمهيدياً في 30 من ديسمبر سنة 1936 بندب خبير زراعي لمعاينة الأرض المخلفة عن المورّث أحمد رخا والبحث فيمن كان يضع اليد عليها من تاريخ حكم رسوّ المزاد في 24 من يوليه سنة 1930 لغاية 18 من سبتمبر سنة 1934 تاريخ تسلم مصطفى منيب أفندي القدر الذي اختص به في القسمة مع بيان مقدار وضع يد كل من الورثة في خلال هذه المدّة وهل مقدار وضع يد كل واحد منهم يوازي نصيبه في هذه الأطيان أو يختلف عنه. وبالجملة يبين تحت يد من كانت الحصة التي يملكها أحمد حلمي رخا. وفي 24 من يناير سنة 1939 قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام كل من أحمد حلمي رخا (مورّث المطعون ضدّها الثانية) والشيخ محمد أحمد رخا (الطاعن) بأن يدفعا إلى مصطفى منيب أفندي (المطعون ضدّه الأوّل) بطريق التضامن مبلغ 534 جنيهاً و200 مليم مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة وإخراج باقي الخصوم من الدعوى بلا مصاريف. طعن الشيخ محمد أحمد رخا في هذا الحكم بطريق النقض. وفي 23 من نوفمبر سنة 1939 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة استئناف مصر لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى وألزمت مصطفى منيب أفندي بالمصاريف و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقيد ذلك الطعن برقم 27 سنة 9 قضائية.
جدّد مصطفى منيب أفندي استئنافه أمام محكمة الإحالة وطلب أصلياً إلزام المستأنف عليهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 534 جنيهاً و200 مليم واحتياطياً إلزام الشيخ محمد أحمد رخا (الطاعن) والمطعون ضدّها الثانية من مال مورّثها بالتضامن بينهما بأن يدفعا له هذا المبلغ. وفي 26 من ديسمبر سنة 1940 رفع الطاعن استئنافاً فرعياً قيد برقم 265 سنة 58 قضائية طالباً إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. وفي أوّل يناير سنة 1941 رفع ورثة المرحوم أحمد حلمي رخا أفندي (المطعون ضدّها الثانية) استئنافاً فرعياً آخر قيد برقم 253 سنة 58 قضائية، طالبين تعديل الحكم المستأنف إلى مبلغ 135 جنيهاً وإلزامهم منه بمبلغ 5 جنيهات و340 مليماً وإلزام المستأنف عليهم من الثاني إلى السادسة بالباقي، كل بقدر وضع يده يدفعونه للمطعون ضدّه الأوّل مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقد ضم هذان الاستئنافان الفرعيان للاستئنافين الأصليين. ثم قضت المحكمة في 15 من إبريل سنة 1941 بعدم قبول تجديد السير في الدعوى بالنسبة لكل من الشيخ مصطفى رخا وحامد رخا وفاطمة رخا وسكينة رخا (المستأنفين أصلياً في الاستئناف رقم 696 سنة 53 قضائية). وفي موضوع الاستئنافات الثلاثة الأخرى بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الشيخ محمد أحمد رخا بأن يدفع إلى مصطفى منيب أفندي مبلغ 503 جنيهات و600 مليم والمصاريف المناسبة عن الدرجتين وألف قرش أتعاباً للمحاماة عنهما، وإلزام مصطفى منيب أفندي بالمصاريف المناسبة لمبلغ 30 جنيهاً و600 مليم من مصاريف استئناف الشيخ محمد أحمد رخا وكامل مصاريف استئناف ورثة أحمد حلمي رخا ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 11 من سبتمبر سنة 1941 فقرّر الطعن فيه بطريق النقض في 11 من أكتوبر سنة 1941 بتقرير أعلن للمطعون ضدّهما في 11 و16 من ذلك الشهر... إلخ.
المحكمة
وحيث إن مما اشتملت عليه أوجه الطعن أن محكمة الاستئناف ارتكنت في قضائها بإلزام الطاعن بالريع على شهادة شهود سمعوا أمام الخبير ولم يحلفوا اليمين القانونية فلا يمكن أن تكون شهادتهم وحدها سبباً للحكم على الطاعن. لأن شرط الشهادة اليمين فإذا لم تؤد أمام المحكمة كان لشهادة الشهود قيمة استثنائية فقط يجب للأخذ بها أن يعززها دليل آخر وهو ما لم يتوافر في الحكم المطعون فيه إذ أجمل الحكم الأدلة ثم أخذ في تفصيلها فلم يتناول سوى شهادة الشهود. أما غيرها من المستندات والمذكرات ومحاضر أعمال الخبير وتقريره فلم يشر إليها إلا إجمالاً وهي لا تحوي شيئاً يؤدّي إلى النتيجة التي وصلت إليها.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حين عرض للنزاع القائم بين الطرفين قال: "حيث إنه عن الموضوع فإن النقطة الفاصلة فيه هي معرفة من الذي وضع اليد على القدر المطالب بريعه ومن الذي انتفع بهذا الريع من تاريخ نزع الملكية إلى تاريخ استلامه بمعرفة المدعي. وحيث إن هذه المحكمة بعد أن اطلعت على ملف الدعوى وما اشتمل عليه من مستندات ومذكرات وتقرير الخبير ومحاضر أعماله وشهادة الشهود أمامه تبين لها بجلاء أن محمد أحمد رخا (الطاعن) دون سواه هو الذي كان واضعاً يده على نصيب أخيه أحمد حلمي رخا الذي رسا مزاده على البكباشي مصطفى منيب أفندي وهو الذي انتفع به فعلاً......". ثم أخذ الحكم في تدعيم ما قاله بما قرّره الشهود أمام الخبير واستخلص من أقوالهم خلاف ما ذكره الخبير في تقريره بناء عليها من أن محمد أحمد رخا وأحمد حلمي رخا كانا معاً واضعي اليد على أرض النزاع.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن محكمة الموضوع أشارت إلى مصادر الأدلة التي استندت إليها إجمالاً دون بيان لما كوّن لديها منها ما اقتنعت به، ثم انتقلت إلى تقرير أهل الخبرة فخصته بالذكر قاصرة كلامها في هذا الصدد على ما قرّره الشهود لدى الخبير.
وحيث إن مجرّد الإشارة إلى مصادر اقتناع المحكمة من مستندات ومذكرات وتقرير خبير الدعوى - كما سلك الحكم المطعون فيه - ليس إلا إبهاماً في إيراد الأدلة لا سبيل معه إلى تعرّف ما كوّن لدى المحكمة اقتناعها بوجهة نظرها من مختلف هذه الأوراق وما اشتملت عليه من أخذ ورد ودفاع ومدافعة وغير ذلك، ولا إلى التحقيق من أن ما عوّلت عليه مما يمكن عدّه دليلاً قانونياً يصح تأسيس الحكم عليه. وفي هذا من إعجاز محكمة النقض عن مراقبة تطبيق القانون ما يجعل الحكم غير مسبب تسبيباً قويماً من هذه الناحية.
وحيث إنه من جهة أخرى فإن التحقيق الذي يسوغ للمحكمة أن تتخذه سنداً أساسياً في حكمها هو التحقيق الذي تجريه وفق أحكام القانون المفصلة في المادة 177 وما يليها من قانون المرافعات. فقد تضمنت هذه الأحكام وجوب حصول التحقيق أمام المحكمة ذاتها أو أحد القضاة الذي تندبه خصيصاً لذلك. كما أوجبت تحليف الشاهد اليمين متى زادت سنه على أربع عشرة سنة. وجاءت كفيلة ببيان القواعد والإجراءات التي يجب اتباعها في التحقيق. أما ما يكون من الخبير من سماع شهود بترخيص من المحكمة فلا يمكن والحالة هذه عدّه تحقيقاً بالمعنى القانوني يصح للمحكمة أن تستمد منه وحده اقتناعها وتتخذه دليلاً تبني عليه حكمها، بل هو لا يعدو أن يكون عنصراً من العناصر التي يستهدي بها الخبير في أداء مهمته على الوجه الأكمل. ولذا فقد نصت المادة 228 من قانون المرافعات على عدم تحليف الخبير الشهود اليمين. وعلى هذا الاعتبار يكون تقدير المحكمة لأقوال هؤلاء الشهود على أساس انضمامها إلى غيرها من الأعمال التي نيط بالخبير أداؤها في دائرة مهمته الفنية أو معاينته الشخصية للماديات التي أرادت المحكمة الاستعانة به على كشف حقيقتها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إجمالاً إلى المصادر التي استقت منها محكمة الموضوع اقتناعها كما سلف أتى ببعض البيان عن تقرير خبير الدعوى من ناحية ما قرّره الشهود لديه من الأقوال، واستمد منها وحدها ما اقتنعت به المحكمة في الدعوى. والحكم إذ فعل ذلك يكون قد أسبغ على التحقيق الذي أجراه الخبير قيمة التحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها فخالف بذلك حكم القانون.
وحيث إنه لما تقدّم جميعه يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مشوباً بالبطلان طبقاً للمادة 103 من قانون المرافعات وهو ما يقتضي نقضه مع إحالة الدعوى إلى محكمة استئناف مصر لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.