الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أبريل 2023

الطعن 2 لسنة 9 ق جلسة 14 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 42 ص 123

جلسة 14 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(42)
القضية رقم 2 سنة 9 القضائية

(أ) وقف. 

ملكية الواقف لما وقف. الفصل في تحقق هذا الشرط. من اختصاص المحاكم الأهلية. وقف الفضولي أو المشاغب غير ملكه.
(ب) استبدال. كيف يباشر ناظر الوقف الاستبدال؟ 

(المادة 137 من لائحة المحاكم الشرعية)

----------------
1 - إن اشتراط أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ملكاً باتاً إنما يرد على الموقوف قبل أن ينعقد الوقف. فبحثه إذن لا يتعلق بأصل الوقف الذي يمتنع على غير المحاكم الشرعية البحث فيه، بل هو من المسائل التي تجب تصفيتها أمام المحاكم المختصة بنظر المنازعات في الملكية وفروعها قبل أن يأتي دور البحث في صحة أصل الوقف، وإلا لكان مجرّد وقف الفضولي أو المشاغب غير ملكه تكأة له لسلب المحاكم الأهلية اختصاصها بالفصل في النزاع على الملكية ونقله إلى المحاكم الشرعية التي لا شأن لها به.
2 - إن ناظر الوقف المشروط له حق الاستبدال لا يملك ذلك إلا بصفته ناظراً للوقف وبإذن القاضي الشرعي ووساطته (1).


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن محمد علي إسماعيل بك وولده علي محمد علي أفندي (مورثي الطاعنين) كانا يملكان مناصفة فيما بينهما سبعة وستين فداناً كائنة بناحية أرمنت مركز الأقصر، وكانت هذه الأطيان مرهونة للبنك العقاري تأميناً لدين على هذين المالكين.
وفي نوفمبر سنة 1909 باع محمد علي إسماعيل بك إلى غبريال صالح سيدهم المقدار المملوك له وهو ثلاثة وثلاثون فداناً ونصف فدان، ثم اتفق غبريال هذا في ديسمبر من تلك السنة على أن يردّ للبائع (محمد علي إسماعيل بك) نصف ما اشتراه منه ومقداره سبعة عشر فداناً تقريباً في مقابل مبلغ 1200 جنيه يدفعها على أقساط سنوية يضاف إلى ذلك مبلغ 75 جنيهاً يدفعها سنوياً أيضاً إلى البنك العقاري، وهذا المبلغ الأخير هو قيمة ما يخص السبعة عشر فداناً كل سنة من قسط ذلك البنك.
ولما تأخر محمد علي إسماعيل بك وولده علي محمد علي أفندي وغبريال صالح سيدهم في سداد ما يخص كلاً منهم في دين ذلك البنك اتخذ هذا الأخير إجراءات نزع ملكية الـ 67 فداناً المرهونة له جميعاً، ورسا مزادها على غبريال صالح سيدهم بحكم مرسى المزاد الصادر من محكمة مصر الابتدائية المختلطة في 3 من أكتوبر سنة 1917 وذلك في مواجهة المدينين الراهنين وهما المرحومان محمد علي إسماعيل وولده علي محمد علي أفندي مورّثا الطاعنين واستلمها فعلاً بموجب محضر تسليم مؤرّخ في أوّل مايو سنة 1918. ثم أوقفها بعد ذلك بتاريخ 20 من يوليه سنة 1919 بموجب حجة وقف بمحكمة قنا الابتدائية الشرعية. وقد آل النظر أخيراً على هذا الوقف بعد وفاة الواقف إلى المطعون ضدّه (حبيب غبريال أفندي) الذي نازعه الطاعنان في ملكية 17 فداناً و12 قيراطاً من الأطيان الموقوفة. فرفع دعوى عليهما أمام محكمة قنا الابتدائية الأهلية قيدت بجدولها برقم 101 سنة 1934 طلب فيها تثبيت ملكية وقف المرحوم غبريال صالح سيدهم المشمول بنظارته إلى المقدار المتنازع فيه والمبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى مع كف منازعة المدّعى عليهما وإلزامهما بالتسليم والمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة.
وفي إثناء نظر الدعوى وجهت الطاعنة الثانية إلى الطاعن الأوّل دعوى ضمان قيدت برقم 190 كلي قنا سنة 1935 طلبت منه فيها أن يقوم بتقديم المستندات الخاصة بملكية الأطيان التي يطلب الوقف تثبيت ملكيته لها، وانتهت تلك الدعوى أخيراً بالصلح في جلسة 2 من يناير سنة 1937 حيث قدّم الطاعن الأوّل مستندات الملكية وضمت بعد ذلك إلى الدعوى الحالية.
وبعد أن نظرت محكمة قنا الابتدائية هذه الدعوى قضت فيها حضورياً بتاريخ 13 من فبراير سنة 1937 بثبوت ملكية وقف المرحوم غبريال صالح سيدهم المشمول بنظر المطعون ضدّه إلى السبعة عشر فداناً والاثني عشر قيراطاً الموضحة الحدود والمعالم بإعلان الدعوى مع كف منازعة الطاعنين له فيها وإلزامهما بالتسليم والمصاريف وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط الأهلية بالاستئناف رقم 93 سنة 12 قضائية طالبين قبول استئنافهما شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضدّه بصفته مع إلزامه بمصاريف وأتعاب الدرجتين.
وبتاريخ 16 من إبريل سنة 1938 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف وبثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف ضدّه.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 19 من أكتوبر سنة 1938 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 17 من نوفمبر سنة 1938 بتقرير أعلن للمطعون ضدّه بصفته في 28 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على سببين: أرجع أوّلهما إلى خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وأرجع الثاني إلى قصور ذلك الحكم في أسبابه بما يجعله باطلاً.
وفي شرح السبب الأوّل يقول الطاعنان إن سند خصمهما في دعواه كان أن السبعة عشر فداناً موضوع النزاع داخلة في حجة الإيقاف التي أبرمت في 20 من يوليه سنة 1919 وإن التنازل عنها وقد وقع بعد ذلك التاريخ لا يقيد الوقف ولا يلزمه. وكان الرد على هذا الاستناد أن غبريال صالح سيدهم وقت أن أنشأ وقفه لم يكن مالكاً ملكية خالصة لكافة الأرض التي أوقفها بل إن ملكية سبعة عشر فداناً منها كانت مشوبة بنزاع جدّي أساسه عقد ديسمبر سنة 1909. وعلى فرض أن ملكية جميع ما أوقف كانت سليمة من الشوائب وقت الإيقاف فإن الاتفاق الذي تم في 3 من ديسمبر سنة 1920 على أن يتنازل غبريال صالح سيدهم عن السبعة عشر فداناً لمحمد علي إسماعيل بك مقابل ألف وخمسمائة جنيه هو استبدال صحيح لهذا المقدار يلزم غبريال الواقف كما يلزم الوقف من بعده.
كان هذا مناط النزاع فلم يأخذ الحكم المطعون فيه بدفاع الطاعنين واستباح الفصل فيما لا ولاية للمحاكم الأهلية عليه بأن قضى بأن لا شائبة في ملكية الواقف لما ملك وأن الاستبدال غير المنكور الواقع منه لم يكن استبدالاً معتمداً. وبهذا خالف حكم القانون وأخطأ في تطبيقه.. إلخ.
وبما أن الطاعنين قد تناولا بالنقد في تقريرهما وفي مذكرتيهما الحكم الابتدائي كما تناولا الحكم الاستئنافي الذي أخذ بأسباب الحكم الأوّل.
وبما أن ما أورده الحكم الابتدائي وكان مثاراً للطعن هو ما يأتي:
"ومن حيث إنه ليس ثمة أي شك بأن تلك الأطيان التي آلت ملكيتها إلى مورّث المدعي (المطعون ضدّه) بمقتضى حكم مرسى المزاد الذي سبقت الإشارة إليه هي بذاتها تلك التي وقفها أخيراً، ومن بينها ذانك القدران اللذان سبق فأجرهما إلى علي محمد علي أفندي أحد مورّثي المدعى عليهما والظاهر أحمد سليم بك بالتفصيل المتقدم ذكره فإن فريقي الخصومة لا ينازعان في ذلك.......".
"ومن حيث إنه من ناحية أخرى فقد حدث أنه عقد بتاريخ 3 ديسمبر سنة 1920 لجنة الصلح برياسة مأمور مركز الأقصر وعضوية البعض من أعيانه رغبة في التوفيق بين ورثة المرحوم محمد علي بك وبين الواقف مورّث المدعي وأولاده انتهى أمرها بتحرير محضر صلح ورد فيه أنه بعد بحث كل ما كان يشكو منه أحد الفريقين إزاء الآخر اتفق الطرفان على أن يتنازل الخواجة غبريال صالح مورّث المدّعي وأولاده عن السبعة عشر فداناً القائم بشأنها النزاع الآن إلى ورثة محمد علي بك الناظر نظير ما عليها من الثمن الأساسي الذي اشتريت به وما استجد عليه من ديون وفوائد من وقت مشتراها إلى تاريخ تحرير المحضر المذكور الواقع في 3 ديسمبر سنة 1920.......".
"ومن حيث إنه سواء أصح القول بأن هؤلاء الورثة الذين انتهى أمرهم بالتصالح مع مورث المدّعي وأولاده قد قاموا فعلاً بأداء كل ما كلفوا بأدائه كاملاً تنفيذاً لعقد الصلح المتقدّم ذكره وهو ما لم يقم عليه حتى الآن الدليل القاطع أو لم يقوموا بتنفيذه على الوجه الأكمل المشترط فيه، فإن الأمر يجب في الواقع أن يقتصر البحث فيه على مدى ما قد يكون لعقد الصلح المذكور وما تلاه من أوراق وإيصالات صادرة من أحد فريقي الورثة إلى الفريق الآخر من أثر قانوني على ذلك الوقف الذي تم انعقاده وتوافرت شرائط صحته شرعاً. وبعبارة أخرى يجب أن يبحث أوّلاً قبل كل شيء مبلغ ما للواقف من سلطة بالنسبة لملكية الأرض التي سبق فأشهد على نفسه بوقفها وحبسها فجرت بناء على ذلك مجرى الوقف الصحيح".
"ومن حيث إنه ليس ثمة أي شك في أن الوقف بحكم التعريف الذي عرف به شرعاً هو حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدّق بالمنفعة على الفقراء ولو في الجملة أو على وجه من وجوه البر، وأن الوقف ينعقد بصدور لفظ من ألفاظه الخاصة به الصادرة من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه ومستوف شرائط الصحة، وأنه بمجرد انعقاد الوقف صحيحاً يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة ويصير الوقف لازماً، فلا يملك الواقف الرجوع فيه ولا يملك أحد من الموقوف عليهم أو غيرهم بيعاً أو هبة أو غيرها ولا يرهن ولا يورث. وهذا هو موجبه. وقد عرف محل الوقف بأنه المال المتقدم وبشرط كونه عقاراً أو منقولاً من المنقولات المتعارف وقفها. واشترط لجواز الوقف أن تكون العين المراد وقفها معلومة وقت الوقف مملوكة ملكاً باتاً للواقف ولو بعقد فاسد مع قبضه، فإن لم تكن مملوكة للمتصرف فوقفها فضولي على جهة من الجهات بلا إذن مالكها توقف نفاذ الوقف على إجازة المالك فإن أجاه نفذ وإلا فلا. ولا يمنع من صحة الوقف اشتراط الواقف انتفاعه بمنافع العين التي وقفها".
"ومن حيث إن تلك هي الشروط التي اشترطت لانعقاده الوقف صحيحاً، وهي جميعها بغير شك متوافرة فإن الواقف مورّث المدّعي كان وقت الوقف أهلاً للتصرف حراً عاقلاً بالغاً، وكان محل الوقف عقاراً مملوكاً آلت إليه ملكيته بمقتضى حكم مرسى المزاد السابقة الإشارة إليه والذي انتقل التكليف بمقتضاه فعلاً إلى اسم الواقف بمقتضى الكشوف والخريطة التي تقدّم بها الواقف إلى المحكمة الشرعية عند تحرير كتاب الوقف. فوجب إذن أن يكون له الأثر الشرعي المنصوص عليه فتزول به ملكية الواقف عن العين الموقوفة ويصير الوقف لازماً بحيث لا يملك الواقف الرجوع فيه ولا أحد من الموقوف عليهم".
"وحيث إنه متى كان الأمر كذلك كانت النتيجة التي لا محيص منها أن كل ما يصدر من الواقف أو المستحقين من بعده من إقرارات أو اتفاقات من شأنها أن تمس ملكية الأعيان الموقوفة لا يسري في حق الوقف ولا يكون له أي أثر ملزم على أساس أن الوقف قد تكوّنت له بمجرّد انعقاده صحيحاً شخصية معنوية قائمة بذاتها مستقلة عن شخصية الواقف والمستحقين. ويترتب على ذلك أن الواقف وأولاده من بعده إن تصالحوا مع الورثة المدعى عليهم بمقتضى عقد الصلح المؤرّخ 3 ديسمبر سنة 1920 بتنازلهم عن سبعة عشر فداناً من الأعيان الموقوفة لم تكن لهم أية صفة ملزمة لجهة الوقف. وكذلك الحال بالنسبة لكافة الإقرارات والإيصالات المقدًّمة بحافظة مستندات المدعى عليها الأولى الدالة على قيامها بأداء بعض المبالغ وفاء للأموال الأميرية المستحقة على السبعة عشر فداناً موضوع التنازل ولقبض الثمن الذي كان متفقاً عليه في عقد الصلح. ولا يبقى بعد ذلك لها ولمن عداها من الورثة إلا حق الرجوع على من تسلم منهم تلك المبالغ بقيمتها سواء كان هؤلاء هم الورثة المستحقون في الوقف أو غيرهم".
"ومن حيث إنه لا يمكن بعد ذلك أن يسمع من المدعى عليها الأولى ذلك النزاع الذي أثارته بشأن ملكية الواقف لما وقفه فإن حكم مرسى المزاد ومحضر التسليم المتقدّم ذكرهما هما سندا الواقف في ملكيته لما تناوله وقفه من الأطيان، والتأجير الصادر من الواقف إلى علي محمد علي أفندي أحد مورّثي المدعى عليهما إقرار بهذه الملكية وإجازة لكل أثر من الآثار التي رتبها القانون على حكم مرسى المزاد فتنتقل بمجرّد صدوره الملكية إلى الراسي عليه المزاد وخالصة طليقة من أي حق لآخر".
"ومن حيث إنه لا يبقى بعد ذلك سوى مناقشة ذلك العقد الرقيم ديسمبر سنة 1909 الموقع عليه من الواقف المرحوم غبريال صالح بما يفيد أنه اتفق مع المرحوم محمد علي إسماعيل بك أحد مورثي المدعى عليهما على أن يعطيه النصف شائعاً في الـ 33 فداناً و21 قيراطاً و22 سهماً السابق مشتراها منه بمقتضى عقد محرر عليه بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1909 وفي نظير ذلك يكون محمد علي إسماعيل بك ملزماً بأداء 1200 جنيه إليه قيمة ثمن هذا النصف على أن يمهل في أداء المبلغ المذكور بشرط أن يكون ملزماً بأداء 72 جنيهاً في كل سنة مقابل فوائده بواقع 6 % سنوياً مع دفع مبلغ 75 جنيهاً قيمة قسط البنك الذي يخص الأطيان المذكورة أي أن جملة المبلغ المطلوب أداؤه سنوياً مبلغ 147 جنيهاً مصرياً تؤدي في آخر مايو من كل سنة ابتداء من سنة 1910 بحيث إذا تأخر محمد علي إسماعيل بك في أداء هذا المبلغ في الموعد المحدّد له أصبح هذا الاتفاق ملغياً بجملته. ولا يعتبر محمد علي إسماعيل بك مالكاً للأطيان المذكورة يحق له التصرف فيها إلا بعد قيامه بأداء ذلك المبلغ المقدّر بألف ومائتي جنيه كثمن لهذه الأطيان واستمراره في أداء الأقساط السنوية والأموال المستحقة لجهة الحكومة على القدر موضوع التعاقد، فإذا تأخر عن الأداء يفسخ هذا العقد، ولا يمكن أن يكون محل التنفيذ، وذلك بدون حاجة إلى أي إنذار رسمي أو غير رسمي، وأن الأداء لا يثبت إلا بإيصال موقع عليه من الواقف".
"ومن حيث إنه مما لا شك فيه أن تلك الشروط التي نص عليها عقد الاتفاق المذكور لم يحصل تنفيذها من جانب مورث المدعى عليهما. وليس أدل على ذلك من أن الأقساط التي اشترط أداؤها إلى البنك لم تؤد إليه فاتخذ البنك إجراءات الحجز العقاري التي انتهت ببيع الأطيان جميعها بيعاً جبرياً بطريق المزاد العلني حيث رسا مزادها على الواقف مورّث المدعي. فلا يمكن والحالة هذه أن يقام أي وزن لعقد الاتفاق المذكور. على أنه من ناحية أخرى فقد يكفي القول بأن حكم مرسى المزاد قد أزال كل أثر لعقد الاتفاق المذكور".
"ومن حيث إنه يخلص من ذلك كله أن ملكية الوقف المشمول بنظارة المدعي للقدر القائم بشأنه النزاع الآن ملكية لا تشوبها أية شائبة، وأصبح من المتعين إذن إجابة المدعي بصفته ناظراً على وقف والده غبريال صالح سيدهم إلى طلبه عدا النفاذ الذي لا ترى المحكمة محلاً للقضاء به".
أما الحكم المطعون فيه فإنه بعد إيراده وقائع الدعوى ذكر ما يأتي:
"وحيث إن المستأنفين (الطاعنين) يستخلصان من الوقائع سالفة الذكر أن الوقف وقع باطلاً بالنسبة للأطيان موضوع النزاع لخروجها عن ملك الواقف قبل الوقف بورقة سنة 1909 وأنه بافتراض صدور الوقف صحيحاً فإن الواقف قد احتفظ لنفسه فيه بالشروط العشرة. فله أن يستبدلها وقد استبدلها فعلاً بقبوله التنازل عنها أمام المحكمين وبقبضه هو وورثته بما فيهم الابن المحتفظ له بالشروط العشرة أيضاً المبلغ الذي قدّرته لجنة التحكيم كما تقدّم".
"وحيث إن دفاع المستأنفين هذا لا يمكن الأخذ به قانوناً لأن اتفاق سنة 1909 (وقد سحب من الدعوى التي كان مرفقاً بها ولم يودع بعد) لا يمكن الاحتجاج به على الوقف، وأنه لم يسجل باتفاق الطرفين. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الاستبدال الذي يمكن أن يقال إن الواقف كان يقصده عندما قبل التنازل عن الأطيان أمام المحكمين وعندما قبض هو وورثته مقابله لا يمكن أن يتم إلا بصدور إشهاد شرعي به وفقاً لنص المادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية".
"وحيث إنه لذلك وللأسباب الواردة في الحكم المستأنف والتي تأخذ بها هذه المحكمة يتعين رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، والمستأنفان وشأنهما في اتخاذ ما يريانه للمحافظة على ما يمكن أن يكون لهما من الحقوق".
هذا هو نص ما ذكره الحكمان مما كان مثار الطعن.
وبما أن الطاعنين في ذهابهما إلى أنه ما كان للمحكمة الأهلية أن تقضي بخلو العين التي وقفها غبريال صالح سيدهم في 20 من يوليه سنة 1919 من شوائب في الملكية وقت صدور حجة الوقف قد اعتمدا في ذلك التوجيه على قولهما بأن شرط امتلاك الواقف لما يقف هو شرط في صميم أصل الوقف. وعلى هذا فالبحث في تحققه هو من اختصاص المحاكم الشرعية.
وبما أن ما ذهب إليه الطاعنان غير مسلم به. والرأي الصحيح أن استقرار ملكية الواقف فيما وقف أمر يسبق بطبيعة الأشياء إجراءات الوقف، فهو إذن لا يتصل بأصله ولا يجوز أن يفرض اتصاله فيمتنع على غير المحاكم الشرعية البحث فيه مع أنه من الأمور التي يجب أن تصفى أمام المحاكم المختصة بنظر أنواع النزاع على الملكية وفروعها قبل أن يأتي دور البحث في صحة أصل الوقف وإلا لأصبح وقف الفضولي أو المشاغب مال غيره تكأة لنقل النزاع على الملكية إلى المحاكم الشرعية التي لا شأن لها به.
وبما أن قضاء الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد أصاب في موضوع ما قرّره من أن "ملكية الوقف المشمول بنظارة المدّعي (المطعون ضدّه) للقدر القائم بشأنه النزاع الآن ملكية لا تشوبها أية شائبة" وذلك على أساس ما أوضحه في الأسباب المفصلة التي سبق اقتباسها، وأهمها أن عقد ديسمبر سنة 1909 الذي أبرم بين الواقف وبين محمد علي إسماعيل بك بشأن السبعة عشر فداناً المتنازع عليها لم تنفذ شروطه من مورّث الطاعنين، وأن ذلك قد أدّى إلى نزع ملكية هذه القطعة مع سائر الأرض، وعلى أساس أن حكم مرسى المزاد قد أزال كل أثر للعقد المذكور.
فالشق الأوّل من أوّل سببي الطعن لا سند له إذن من القانون.
وبما أن الشق الثاني من ذلك السبب الخاص بالاستبدال مردود بما استقرّ عليه قضاء هذه المحكمة من أن "ناظر الوقف المشروط له حق الاستبدال لا يملك الاستبدال إلا بصفته ناظراً للوقف وبإذن القاضي الشرعي ووساطته" (حكم النقض الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1935 في الطعن رقم 39 سنة 5 قضائية).
وليس من ريب في أنه متى كانت هذه هي القاعدة التي استقرّ عليها القضاء في فهم منحى المادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في 12 من مايو سنة 1931 فإنه لا يلتفت لما خرّجه عنها الطاعنان من أنه في حالة عدم إنكار الاستبدال فإن كل نزاع بشأنه تختص بنظره المحاكم الشرعية - لا يلتفت لهذا التخريج إذ هو يفترض مبدئياً أن الواقف وورثته بما فيهم الناظر المطعون ضدّه لا ينكرون حصول الاستبدال بدليل الإقرار الوارد في اتفاق الصلح المحرّر في 3 من ديسمبر سنة 1920 مع أن هذا الافتراض ممتنع بطبيعته لأن الإقرار المسند للواقف في ورقة ذلك الصلح فوق أنه لا قيمة له لصدوره ممن لا يملكه فقد كان الواقف وقت حصوله مجرّد ناظر وقف لا يستبدل أعيان الوقف إلا بإذن القاضي ووساطته على مقتضى القاعدة التي سبقت الإشارة إليها، فإن تأويل الإقرار بأنه بمثابة عدم إنكار للاستبدال تنقضه سيرة الخصومة المفصلة في الحكم الابتدائي وهي ناطقة بأن المطعون ضدّه لا يقرّ إطلاقاً بحصول استبدال ولا بأنه ملزم بعمله، ولهذا فقد قعد ناظر الوقف وقعد والده من قبل عن السير في الإجراءات اللازمة له وفقاً للمادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
على أنه من الظاهر الجلي أن الاستبدال بمعناه الشرعي وما يتبعه من إقرار به أو إنكار له لا يقوم إلا بوثيقة طبقاً لأحكام تلك اللائحة. وليس للتعهد بالتنازل عن الأطيان الوارد في عقد 3 من ديسمبر سنة 1920 أي وزن في ذلك. ولهذا قالت محكمة أول درجة "إن الواقف وأولاده من بعده إذ تصالحوا مع الورثة المدّعى عليهم بمقتضى عقد الصلح المؤرّخ في 3 من ديسمبر سنة 1920 بتنازلهم عن سبعة عشر فداناً من الأعيان الموقوفة لم تكن لهم أية صفة ملزمة لجهة الوقف". ثم قالت "إن المدّعى عليها الأولى (الطاعنة الثانية) لا يبقى لها بعد ذلك ولمن عداها من الورثة إلا الحق في الرجوع على من تسلم منهم تلك المبالغ (أي الثمن وغيره المذكور في عقد 3 من ديسمبر سنة 1920) بقيمتها سواء أكان هؤلاء هم الورثة المستحقون في الوقف أم غيرهم". كذلك اختتم الحكم المطعون فيه بالعبارة الآتية "والمستأنفان (الطاعنان) وشأنهما في اتخاذ ما يريانه للمحافظة على ما يمكن أن يكون لهما من حقوق".
وبما أنه متى استبان أن ما يقوله الطاعنان بأن الاستبدال غير منكور لا يطابق الواقع أصبح غير منتج البحث فيما إذا كانت المحكمة الشرعية مختصة أو غير مختصة بنظر النزاع في الاستبدال غير المنكور الذي لا قيام له في الدعوى الحالية. أما الاستبدال المنكور فقد سبق بيان حكمه. على أن الطاعنين إنما يصوّران النزاع بأنه نزاع على الاستبدال وهو في الواقع ليس إلا ادّعاء بحصول استبدال بناء على ما اتفق عليه الواقف في ورقة 3 من ديسمبر سنة 1920 ومثله للمحاكم الأهلية أن تقضي فيه بأنه ليس استبدالاً شرعياً.
وبما أنه يبين من ذلك أن الشق الثاني من أوّل سببي الطعن لا أساس له أيضاً.


(1) راجع حكم محكمة النقض الصادر في 14 نوفمبر سنة 1935 في الطعن رقم 39 سنة 5 القضائية ص 947 من الجزء الأول وهو الذي قرر هذه القاعدة ابتداء.

الثلاثاء، 4 أبريل 2023

الطعن 79 لسنة 9 ق جلسة 14 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 41 ص 123

جلسة 14 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(41)
القضية رقم 79 سنة 9 القضائية

تعويض. 

ضرر. إثباته أو نفيه. تقديره موضوعي. متعهد بتوريد أغذية لأحد الملاجئ. إلزامه بالتعويض المشروط في عقد التوريد عن مثل الفعل الذي رأت المحكمة أنه ارتكبه. لا معقب في ذلك لمحكمة النقض.

----------------
إن إثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمور الواقعية التي تقدّرها محكمة الموضوع. فإذا رأت محكمة الاستئناف أن ما وقع من المتعهد بتوريد الأغذية لأحد الملاجئ (ملجأ الأميرة فوقية بطنطا) هو "أمر خطير فيه تعريض لصحة اللاجئات للخطر فضلاً عما فيه من إفساد للمستخدمين الموكول إليهم حمايتهنّ والمحافظة على سلامتهنّ" ثم رأت أن التعويض المشروط في عقد التوريد عن هذا الفعل متناسب وغير جائر فحكمت بإلزام المتعهد به فلا معقب على حكمها لمحكمة النقض.

الطعن 160 لسنة 31 ق جلسة 30 / 12 / 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 216 ص 1377

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.

-----------------

(216)
الطعن رقم 160 لسنة 31 القضائية

حراسة. "حراسة إدارية". "رفع الحراسة". "آثاره". دعوى. "حق التقاضي". "الصفة في الدعوى". أمر أداء. "المعارضة في أمر الأداء".
القيود المفروضة على رعايا الدول المحاربة والرعايا البلغاريين. رفع الحظر على التعاقد. المرسومان الصادران في 12 يونيه سنة 1946 و3 يناير سنة 1947. مقتضى استمرار الحراسة على أموال هؤلاء الرعايا الموجودة في مصر أن يكون للحارس حق التقاضي في شأنها وبالتالي يكون له صفة في المعارضة في أمر الأداء الصادر ضد أحدهم بصحة إجراءات الحجز على تلك الأموال. لا صفة له في المعارضة في الأمر فيما قضى به من الإلزام بالدين متى كان الاتفاق محل المطالبة قد انعقد بعد رفع الحظر على التعاقد.

-----------------
لم يرفع المرسوم الصادر في 12/ 6/ 1946 والمرسوم الصادر في 2/ 1/ 1947 جميع القيود التي كانت مفروضة على رعايا الدول التي كانت محاربة ومنهم الرعايا البلغاريين سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم شركات تجارية وإنما اقتصر هذان المرسومان على إلغاء الحظر من إبرام عقود أو تصرفات أو عمليات تجارية أو مالية أو من أي نوع كان مع هؤلاء الرعايا أو لمصلحتهم وكذلك الحظر من رفع الدعاوى المدنية والتجارية أمام الهيئات القضائية في مصر ومن متابعة السير في الدعاوى المرفوعة أمام هذه الهيئات. وقد نص هذان المرسومان صراحة على استبقاء نظام الحراسة المقررة بالمرسوم بقانون رقم 103 لسنة 1945 وذلك بالنسبة لأموال هؤلاء الرعايا الموجودة في مصر قبل العمل بأحكامه. ومن مقتضى استمرار الحراسة على هذه الأموال أن يكون للحراس عليها - طبقاً للأمر رقم 158 - حق التقاضي عن كل ما يتعلق بهذه الأموال باسم الأشخاص الذين ينوبون عنهم. فإذا كان المال المحجوز عليه من أموال أحد الرعايا البلغاريين التي كانت لهم في مصر قبل العمل بالمرسوم الصادر في 3 يناير سنة 1947 فإن الحارس على هذا المال يكون هو صاحب الصفة الوحيد في التقاضي عنه وبالتالي تكون له صفة في المعارضة في أمر الأداء الصادر للمطعون ضده بصحة إجراءات الحجز واعتباره نافذاً. على أنه إذا كان الاتفاق الذي استند إليه الدائن في المطالبة بالدين قد انعقد بعد رفع الحظر الذي كان مفروضاً على الشركة البلغارية المدينة فيما يختص بحقها في التعاقد والتصرف وحقها في التقاضي فإنه لا يكون للحارس شأن بالمطالبة بهذا الدين طالما أن هذه المطالبة لا تمس الأموال الموضوعة في الحراسة ومن ثم فإنه وإن كانت للحارس صفة في المعارضة بالنسبة لما قضى به أمر الأداء من صحة إجراءات الحجز فإنه لا صفة له في المعارضة فيما قضى به ذلك الأمر من الإلزام بالدين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده استصدر في 12 من أكتوبر سنة 1960 أمر أداء بإلزام جاك ومانوه ليفي بصفتهما ممثلين لشركة دافيد ليفي وولده البلغارية بأن يؤديا له مبلغ 498 ج و210 م والمصاريف وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وبصحة إجراءات الحجز التحفظي الموقع منه بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1960 تحت يد الحارس العام على أموال الرعايا البلغاريين (الطاعن) وجعله نافذاً - وقد استند المطعون ضده في طلب هذا الأمر إلى أنه بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1941 استولى مكتب البلاد المحتلة والخاضعة للرقابة على رسالة قصدير كانت قد وصلت ميناء بور سعيد لحساب الشركة البلغارية المذكورة وقام ببيعها وأودع المتحصل من البيع خزانة الحراسة العامة على أموال الرعايا البلغاريين باسم تلك الشركة. وأنه إذ كانت الشركة المذكورة قد أصدرت إلى المطعون ضده في 29 من مارس سنة 1947 توكيلاً باعتباره محامياً للدفاع عن حقوقها ورعاية مصالحها في مصر واتبعت الشركة ذلك بكتاب أرسلته إليه في 3 من إبريل سنة 1947 وافقت فيه على تحديد أتعابه بمبلغ خمسمائة جنيه إسترليني تسلم منها مبلغ مائة جنيه وأصبح المتبقى له مقوماً بالعملة المصرية هو مبلغ 498 ج و210 م فقد استصدر في 4 من أكتوبر سنة 1960 من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة الابتدائية أمراً بتوقيع الحجز وفاءً لهذا المبلغ على ما للشركة موكلته من أموال لدى الطاعن بصفته ونفذ هذا الأمر بتوقيع الحجز في 6 من أكتوبر سنة 1960 ثم استصدر أمر الأداء آنف الذكر. وبتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1960 رفع الطاعن بصفته معارضة في هذا الأمر أمام محكمة القاهرة الابتدائية قيدت برقم 4358 سنة 1960 مدني كلي القاهرة وأسس معارضته (أولاً) على أن إجراءات الحجز قد شابها البطلان لأن الشركة المحجوز عليها محظور عليها التقاضي أمام أي هيئة قضائية في مصر بمقتضى الأمر العسكري رقم 215 سنة 1942 والذي نص المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 على استمرار العمل بأحكامه وما زالت أموال تلك الشركة في الحراسة مما يمتنع معه على المطعون ضده توجيه أي إجراء قانوني لها إلا عن طريق الحارس على هذه الأموال لأنها ممنوعة من إدارة أموالها (ثانياً) أن تعاقد المطعون ضده مع الشركة المذكورة قد وقع باطلاً لأنه محظور عليها التعامل بمقتضى الأمر العسكري المشار إليه (ثالثاً) أن المطعون ضده لم يقدم للحراسة بياناً عن دينه تنفيذاً لما يقضي به ذلك الأمر وبالتالي يكون طلبه لهذا الدين غير مقبول هذا إلى أن الشركة موكلة المطعون ضده قد اشترطت لاستحقاق الأتعاب التي وافقت عليها أن يصل إلى نتيجة إيجابية بالنسبة لصرف ثمن بضاعته التي استولت عليها الحراسة وهو الأمر الذي لم يتحقق وبالتالي فلا يستحق المطعون ضده شيئاً من هذه الأتعاب وانتهى الطاعن إلى طلب قبول معارضته شكلاً والأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ أمر الأداء المعارض فيه والحكم في موضوع المعارضة بعدم قبول طلبات المطعون ضده واحتياطياً برفضها وقد دفع المطعون ضده بعدم قبول المعارضة لرفعها من غير ذي صفة ومن غير ذي مصلحة تأسيساً على أن القيود التي كانت مفروضة على الرعايا البلغاريين قد ألغيت بالنسبة للأشخاص الطبيعيين بالمرسوم الصادر في 12 يونيه سنة 1946 وبالنسبة للشركات بالمرسوم الصادر في 3 يناير سنة 1947 وأن صفة الحارس في تمثيل هؤلاء الرعايا قد زالت بمقتضى هذين المرسومين وأنه إذ كان التوكيل الصادر إليه والاتفاق على الأتعاب قد صدرا من الشركة بعد تاريخ العمل بذينك المرسومين فإنهما يكونان صحيحين ومن حق المطعون ضده أن يقاضي الشركة شخصياً بشأنهما وأنه لا يغير من ذلك استمرار الحراسة على أموالها إذ أن هذه الحراسة لا يخضع لها سوى ما كان للشركة من أموال في مصر وقت فرض الحراسة وكم ثم لا تشمل المال المحجوز عليه لأنه وجد في مصر في تاريخ لاحق لفرض هذه الحراسة - وبتاريخ 15 من ديسمبر سنة 1960 حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول المعارضة لرفعها من غير ذي صفة فاستأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 58 سنة 78 ق وتمسك بدفاعه الذي أبداه أمام محكمة الدرجة الأولى وبتاريخ 18 من فبراير سنة 1961 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ولما عرض الطعن على دائرة فحص الطعون قررت بجلسة 17 من نوفمبر سنة 1964 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله من وجهين وفي بيان الوجه الأول يقول إن الأمر العسكري رقم 215 سنة 1942 الذي أحال على الأمر العسكري رقم 158 سنة 1941 قد حظر على الرعايا البلغاريين الحق في التعامل والحق في التقاضي وقضى بتعيين حراس لتولي إدارة أموالهم والنيابة عنهم. وأنه على أثر إلغاء الأحكام العرفية صدر المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 نص في الفقرة الأولى من المادة الخامسة منه على استمرار الحراسة على هؤلاء الرعايا كما نصت الفقرتان الثانية والرابعة من المادة المذكورة على بقاء الحظر عليهم في التعامل والتقاضي فلما صدر مرسوم 3 يناير سنة 1947 باستثناء الشركات البلغارية من بعض القيود المفروضة لم يرفع الحظر المنصوص عليه في تينك الفقرتين الأخيرتين إلا بالنسبة للشركات التي يكون مركز إدارتها ومقر عملها الرئيسي في بلغاريا وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق نظام الحراسة المقررة في المادة الخامسة من المرسوم بقانون 103 سنة 1945 على ما يكون لتلك الشركات من أموال أو دور توكيل أو مكاتب في مصر قبل العمل بالمرسوم المذكور ومؤدى ذلك أن المشرع قد استبقى الحظر بالنسبة للأموال التي كانت لتلك الشركات في مصر وهي الأموال التي فرضت عليها الحراسة أثناء الحرب أما الأموال التي يبدأ استثمارها في مصر من بعد العمل بمرسوم 12 يونيه سنة 1946 ومرسوم 3 يناير سنة 1947 فهي وحدها الأموال التي أراد المشرع تشجيع استثمارها في مصر فرفع الحظر عنها نهائياً، وإذ كان المال المحجوز عليه هو من الأموال الخاضعة لنظام الحراسة، فإن الشركة المدينة تكون ممنوعة من التقاضي بشأن هذا المال ويكون الطاعن باعتباره الحارس العام هو صاحب الصفة الوحيد في هذا التقاضي. أما الوجه الثاني فيقول الطاعن في بيانه إنه لما كانت أموال الرعايا البلغاريين الموضوعة تحت الحراسة تشتمل في مجموعها على حقوق والتزامات وكانت مهمة الحارس عليها هي تحصيل ما لها والوفاء بما عليها عن طريق النيابة القانونية المقررة له على أصحابها بموجب الأمر رقم 158 سنة 1941 والأمر رقم 215 سنة 1942 والمرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 وكان الطاعن هو الممثل القانوني لشركة دافيد ليفي فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى عدم قبول المعارضة المرفوعة بمقولة عدم وجود صفة له في رفعها يكون قد خالف القانون.
وحيث إن المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 بشأن حالة رعايا الدول التي كانت محاربة ومن بينها دولة بلغاريا قد استبقى القيود التي كانت مفروضة على هؤلاء الرعايا بمقتضى الأوامر رقم 158 و206 و209 و215 فنص في الفقرة الأولى من المادة الخامسة منه على أن يستمر نظام الحراسة المقررة بمقتضى الأوامر المشار إليها والقرارات المتعلقة بها بالطريقة الجاري العمل بها في تاريخ هذا المرسوم بقانون وذلك بالنسبة للأموال الموجودة في مصر والمملوكة لرعايا الدول التي كانت محاربة كما حظرت الفقرة الثانية على هؤلاء الرعايا إبرام عقود أو تصرفات أو إجراء أي عملية تجارية أو مالية أو من أي نوع كان مع هؤلاء الرعايا أو لمصلحتهم إلا بإذن سابق من وزير المالية ونصت الفقرة الثالثة على أن يحظر أيضاً أن ينفذ لمصلحة هؤلاء الرعايا أي التزام مالي أو غيره ناشئ عن عقد أو تصرف أو عملية أجريت قبل التواريخ التي حددتها الأوامر العسكرية لهذا الغرض ونصت الفقرة الرابعة على أنه لا يجوز لأي شخص من رعايا دولة كانت محاربة أن يرفع دعوى مدنية أو تجارية أمام هيئة قضائية في مصر ولا أن يتابع السير في أي دعوى مرفوعة أمامها كما نصت المادة العاشرة على سريان حكم المادة الخامسة آنفة الذكر على كل شخص يتعامل مع رعايا الدول التي كانت محاربة فيما يتعلق بمعاملاته معهم ولو لم يكن من هؤلاء الرعايا - وبتاريخ 12 من يونيه سنة 1946 صدر مرسوم بإنهاء النظام المقرر بمقتضى المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 إنهاءً جزئياً فنص في مادته الأولى على أن يرفع الحظر المنصوص عليه في الفقرتين الثانية والرابعة عن المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 وذلك بالنسبة للأشخاص الطبيعيين من رعايا ألمانيا واليابان وبلغاريا وفنلندا وهنجاريا ورومانيا ومن يتعامل معهم ولو لم يكن من رعايا هذه الدول ونصت المادة الثانية على أن يستمر نظام الحراسة بالنسبة للأموال الموجودة في مصر والمملوكة لرعايا الدول المتقدم ذكرها كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 كما صدر أيضاً مرسوم بتاريخ 3 يناير سنة 1947 باستثناء الشركات التجارية التابعة للدول المذكورة من بعض القيود الخاصة بحالة رعايا الدول التي كانت محاربة ونص في المادة الأولى على أن يرفع الحظر المنصوص عليه في الفقرتين الثانية والرابعة من المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 عن الشركات التجارية المنتمية للدول المشار إليها - والتي يكون مركز إدارتها ومقر عملها الرئيسي في هذه الدول وعلى كل من يتعامل مع هذه الشركات ما لم يكن ممنوعاً من التعامل بمقتضى نص خاص. ومع ذلك فلا يترتب على رفع هذا الحظر أي إخلال بمقتضى النظام المقرر في المادة الخامسة المتقدم ذكرها على ما يكون لتلك الشركات من أموال أو فروع أو دور توكيل أو مكاتب في مصر قبل العمل بأحكام هذا المرسوم - ولما كان المرسوم الصادر في 12 من يونيه سنة 1946 والمرسوم الصادر في 3 من يناير سنة 1947 كما يدل عنوان كل منهما لم يرفعا جميع القيود التي كانت مفروضة على الرعايا البلغاريين سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم شركات تجارية وإنما اقتصر هذان المرسومان على إلغاء الحظر من إبرام عقود أو تصرفات أو عمليات تجارية أو مالية أو من أي نوع كان مع هؤلاء الرعايا أو لمصلحتهم وكذلك الحظر من رفع الدعاوى المدنية والتجارية أمام الهيئات القضائية في مصر ومن متابعة السير في الدعاوى المرفوعة أمام هذه الهيئات وقد نص هذان المرسومان - صراحة على استبقاء نظام الحراسة المقررة في الفقرة الأولى من المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 وذلك بالنسبة لأموال هؤلاء الرعايا الموجودة في مصر قبل العمل بأحكامه وإذ كان من مقتضى استمرار الحراسة على هذه الأموال بأن يكون للحراس عليها - طبقاً للأمر رقم 158 الذي أحالت إليه الفقرة الأولى من المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 103 سنة 1945 حق التقاضي عن كل ما يتعلق بهذه الأموال باسم الأشخاص الذين ينوبون عنهم وكان المال الذي حجز عليه المطعون ضده في 6 من أكتوبر سنة 1960 هو من الأموال التي كانت لشركة دافيد ليفي وولده البلغارية في مصر قبل العمل بأحكام المرسوم الصادر في 3 يناير سنة 1947 فإن الطاعن بوصفه حارساً على هذا المال يكون هو صاحب الصفة الوحيد في التقاضي عنه وبالتالي فقد كانت له صفة في المعارضة في أمر الأداء الصادر للمطعون ضده وذلك لما قضى به ذلك الأمر من صحة إجراءات الحجز واعتباره نافذاً ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول المعارضة المرفوعة من الطاعن تأسيساً على انعدام صفته في رفعها يكون قد خالف القانون - على أنه إذ كان عقد الوكالة والاتفاق على الأتعاب اللذين استند إليهما المطعون ضده في المطالبة بالدين قد انعقدا بعد رفع الحظر الذي كان مفروضاً على الشركة المدينة فيما يختص بحقها في التعاقد والتصرف وحقها في التقاضي فإنه لا يكون للطاعن شأن بالمطالبة بهذا الدين طالما أن هذه المطالبة لا تمس الأموال الموضوعة في الحراسة ومن ثم فإنه وإن كانت للطاعن صفة في المعارضة بالنسبة لما قضى به أمر الأداء من صحة إجراءات الحجز وجعله نافذاً فإنه لم تكن للطاعن صفة في المعارضة فيما تضمنه ذلك الأمر من إلزام الشركة المدينة بالدين ويكون لذلك قضاء الحكم المطعون فيه بانعدام صفة الطاعن في المعارضة صحيحاً في دعوى الدين وغير صحيح في دعوى صحة إجراءات الحجز.

الطعن 70 لسنة 9 ق جلسة 7 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 40 ص 114

جلسة 7 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(40)
القضية رقم 70 سنة 9 القضائية

وقف. 

متنازع على أصله. أعيانه ليست تحت يد الناظر. قرار تمكين من النظر. حائز أعيان الوقف. عدم اختصامه في قرار التمكين. القرار لا يصلح سنداً للتنفيذ بمقتضاه على الحائز وضع الصيغة التنفيذية عليه. لا يزيده في قوّته. محاولة التنفيذ بمقتضاه. تعرّض في الحيازة. الفصل في ذلك من اختصاص المحاكم الأهلية. قضاؤها بمنع التعرّض ووقف التسليم. لا اعتداء فيه على سلطة المحكمة الشرعية.
(المادة 327 من لائحة المحاكم الشرعية والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)

--------------
إذا صدر قرار بتمكين ناظر من النظر على وقف متنازع على أصله، ولم تكن أعيان الوقف تحت يد الناظر السابق، فإن هذا القرار لا يصلح سنداً للتنفيذ بمقتضاه لاستلام الأعيان جبراً من تحت يد من هي في حيازته ما دام لم يكن مختصماً في قرار التمكين. ووضع الصيغة التنفيذية على هذا القرار ليس فيه ما يزيده في قوّته. فمحاولة التنفيذ بمقتضاه على واضع اليد المذكور إنما هي تعرّض له في الحيازة. والفصل في هذا التعرّض من اختصاص المحاكم الأهلية. فإذا قضت هذه المحاكم بمنع التعرّض ووقف التسليم حتى يصدر حكم به من الجهة المختصة فإن ذلك ليس فيه تعدّ على سلطة المحكمة الشرعية التي أصدرت هذا القرار ما دام قضاؤها لم يكن فيه مخالفة لأي نص من نصوص القرار ولا تأويل لأية عبارة من عباراته.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة وكانت من قبل تحت نظر المحكمة الاستئنافية - في أن المرحوم محمد أحمد باشا أودع في 12 من مايو سنة 1929 بدار القنصلية المصرية بباريس وصية محرّرة بخطه لتحفظ بها إلى ما بعد إجراء عملية جراحية نوى إجراءها على أن يكون له حق استردادها إذا شفى. أما إذا توفى فتقدّم الوصية لوزير الأوقاف لتنفيذ مقتضاها. وقد شفى من مرضه بعد العملية واسترد وصيته هذه. وبعد سنة أحس بالمرض يعاوده وبالحاجة إلى عملية ثانية. فعمل وصية أخرى بإشهاد شرعي في 13 من مايو سنة 1930 أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية أورد فيها أنه مقدم على إجراء عملية جراحية، وأنه لهذا يوصي أنه بعد انقضاء حياته يؤخذ من ماله العقارات والنقود التي عينها في إشهاده للأعمال الخيرية التي أشار إليها، وأوصى لمن يكون وزيراً للأوقاف وقت وفاته أو لمن يتولى هذه الوزارة من بعده أن يقف الأعيان الواردة في الإشهاد. وسلم لوزير الأوقاف الصورة الرسمية لإشهاد الوصية كي ينفذ ما بها إذا حصلت الوفاة. ولما شفي من مرضه أرسل إلى الوزارة خطاباً يقول فيه إنه يرغب في سحب الوصية، ولذا يرجو تسليمها إلى كاتبه، وقد سلمت الوزارة الإشهاد إلى الكاتب المذكور.
وفي فبراير سنة 1937 توفى محمد أحمد باشا. وفي 10 من يونيه سنة 1937 تقدّم وزير الأوقاف محمد صفوت باشا للمحكمة الابتدائية الشرعية بصفته منفذاً للوصية سالفة الذكر ووقف الأعيان الواردة بالإشهاد.
وفي 10 من ديسمبر سنة 1938 استصدر وزير الأوقاف الشيخ مصطفى عبد الرازق بك من محكمة مصر الابتدائية الشرعية في المادة رقم 108 سنة 1938 - 1939 قراراً بتمكينه من النظر على الوقف هذا نصه بعد الديباجة:

"تضمنت الأوراق أن حضرة صاحب السعادة محمد أحمد باشا نجل المرحوم أحمد شهاب الدين نوفل أوصى بمقتضى إشهاد الوصية الصادر من هذه المحكمة في 14 الحجة سنة 1348 الموافق 13 مايو سنة 1930 بأن توقف الأعيان الآتية على الوجوه التي بيّنها بالإشهاد المذكور. وهذه الأعيان هي: (أوّلاً) قطعة أرض فضاء بناحية بلقاس أوّل بمركز شربين بمديرية الغربية بحوض محمد أحمد بك رقم 132 صفحة 14 وصفحة 4 منافع ومساحتها 1048 متراً و16 سنتيمتراً. (وثانياً) مسجد مبني بالطوب الأحمر وملحقاته بعزبة المنيل بحوض السبعين القبلي رقم 53 صفحة 1 بناحية الخلالة بلقاس رابع بمركز شربين مساحته 120 متراً. (وثالثاً) مسجد مبني بالطوب الأحمر وملحقاته بعزبة البساتين بحوض محمود فهمي رقم 57 صفحة 1 بالناحية المذكورة ومساحته 120 متراً. (ورابعاً) قطعة الأرض البالغ قدرها فدانان و12 قيراطاً بناحية بلقاس أوّل بمركز شربين بحوض بحيلة سعد رقم 148 ص 23 وص 28. (وخامساً) الأطيان الزراعية التي قدرها 158 فداناً و5 قراريط و14 سهماً بزمام ناحية بلقاس أوّل بمركز شربين بالأحواض المبينة بالإشهاد. (وسادساً) كل أرض وبناء المنزل رقم 2 بشارع دير البنات بناحية معروف بقسم عابدين محافظة مصر ومساحته 1200 متر المبين كل ذلك بإشهاد الوصية السابق ذكره، وجعل تنفيذ وصيته لمن يكون وقت وفاته وزيراً لوزارة الأوقاف ولكل من يتولى بعده حق تنفيذها. ثم توفى سعادة الوصي ونفذ وصيته حضرة صاحب المعالي محمد صفوت باشا وزير الأوقاف السابق بوقف ما ذكر على جهاته بشروطها بمقتضى الإشهاد الصادر من هذه المحكمة في 10 يونيه سنة 1937 وجعل النظر له ما دام وزيراً للأوقاف ولكل من يتولى هذه الوزارة بعده، ويكون الإشراف على الناظر لأولاد سعادة الموصي وأولاد أولاده وذرّيته طبق ما نص عليه الموصي في كتاب وصيته. وقد زالت صفة حضرة صاحب السعادة محمد صفوت باشا بخروجه من الوزارة، وطلبت وزارة الأوقاف تمكين معالي وزيرها الحالي من النظر على هذا الوقف.


المحكمة

من حيث إن الوقف المذكور مشروط فيه النظر لكل من يتولى وزارة الأوقاف بعد سعادة محمد صفوت باشا وقد زالت صفته بخروجه من هذه الوزارة وتولاها معالي الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق بك وقد طلب تمكينه من النظر على الوقف المذكور تنفيذاً لما شرط الواقف ويجاب في مثل هذا الطلب لما طلب. لهذا مكنا حضرة صاحب المعالي الأستاذ مصطفى عبد الرازق وزير الأوقاف من النظر على الوقف المذكور بصفته ما دام وزيراً للأوقاف ليدير شئونه طبق شروط الواقف".
كما هو نص قرار التمكين. وقد ذيل هذا القرار بالصيغة التنفيذية.
ثم أعلن لورثه المرحوم محمد أحمد باشا. وجاء في صيغة الإعلان إليهم على لسان المحضر ما يأتي:
"أعلنت كلاً منهم بصورة من قرار النظر الصادر من محكمة مصر الابتدائية الشرعية بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1938 في المادة رقم 108 سنة 1938 - 1939 للعلم بما فيه وتنفيذه ونبهت عليهم بتسليم وزارة الأوقاف أعيان وقف محمد أحمد باشا الذي تقرّر إقامة معالي الطالب عليه بدون معارضة وذلك في ظرف أربع وعشرين ساعة تمضي من تاريخه وإلا اتخذت الإجراءات".
فرفعت الست حميدة يوسف أحمد نوفل (المطعون ضدّها الأولى) وهي إحدى الورثة الدعوى المستعجلة رقم 730 سنة 1939 وأعلنت فيها قلم محضري محكمة عابدين الجزئية ووزير الأوقاف وباقي الورثة طالبة الحكم بصفة مستعجلة ببطلان التنبيه المعلن إليها من وزارة الأوقاف وبمنع تعرّض هذه الوزارة لها في حيازتها للأعيان الواردة بقرار التمكين والتي هي ملكها مع باقي الورثة ومنع تنفيذ هذا القرار مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وأسست طلبها - كما جاء بصحيفة دعواها - على أن ما أشار إليه التنبيه المعلن إليها غير صحيح فلا يوجد قرار نظر ولا يوجد وقف، وإنما الذي أشار إليه الإعلان وصُدرت ورقة الإعلان بصورة منه هو ادعاء وزارة الأوقاف أن المرحوم محمد أحمد باشا أوصى بأعيان لجهات خير واختار وزارة الأوقاف لتنفيذ الوصية بوقف هذه الأعيان، وأن الوزارة وقفت فعلاً هذه الأعيان تنفيذاً للوصية ثم طلبت تمكين وزيرها من النظر فصدر قرار بتمكينه وهو المعلن إليها، والمدّعية لا تقرّ الوزارة على أن هناك وصية وعلى أن الموصي مات مصراً عليها وعلى أن الجهات الموصى لها موجودة فعلاً يصح الإنفاق عليها. وإنه فضلاً عن ذلك فإن قرار التمكين لم يصدر في وجه المدّعية ولا في وجه أحد من الورثة، وليست له قوّة الأحكام حتى يصح نفاذه بحكم الصيغة التنفيذية التي ذيل بها، وإنها ترى في هذا الإعلان تعرّضاً لها في حيازتها للأعيان المخلفة لها عن المرحوم محمد أحمد باشا وهي من ورثته وتخشى خطأ قلم المحضرين وقبوله تنفيذ قرار التمكين المعلن إليها، فهي لهذا - في نطاق المادة 28 من قانون المرافعات وخشية فوات الوقت - ترفع الأمر إلى قاضي الأمور المستعجلة ليمنع عنها هذا الأذى الذي عرضها إليه إعلان وزارة الأوقاف.
وبتاريخ 12 من مارس سنة 1939 وفي أثناء نظر الدعوى المذكورة قام محضر للتنفيذ بمقتضى قرار التمكين المتقدّم ذكره، فاستشكل وكيل الست حميدة يوسف أحمد نوفل وطلب وقف التنفيذ على أساس أن هناك دعوى مرفوعة أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر الابتدائية لمنع تنفيذ القرار المعلن إلى موكلته. وقد قيد هذا الإشكال برقم 828 سنة 1939 مستعجل مصر.
وبتاريخ 5 من إبريل سنة 1939 نظر قاضي الأمور المستعجلة الدعويين وهما منع التعرّض والإشكال، وبعد أن قرّر ضمهما بعضهما لبعض أصدر فيهما حكماً واحداً بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وإلزام المدّعية بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة لوزارة الأوقاف.
فاستأنفت المحكوم ضدّها هذا الحكم أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية بصحيفة أعلنت في 9 من مايو سنة 1939 وقيدت برقم 573 سنة 1939 طالبة إلغاءه والقضاء باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وببطلان التنبيه المعلن إليها من وزارة الأوقاف في 26 من يناير سنة 1939 وبمنع تعرّض الوزارة لها في حيازتها للأعيان الواردة بقرار التمكين التي هي ملكها مع باقي ورثة محمد أحمد باشا ومنع تنفيذ هذا القرار مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبعد أن سمعت الدعوى حكمت محكمة مصر الابتدائية في 5 من يونيه سنة 1939 بإلغاء الحكم المستأنف واختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى ومنع تعرض وزارة الأوقاف للمستأنفة في حيازة الأعيان المبينة بقرار التمكين وإيقاف تنفيذه حتى يصدر حكم بتسليم هذه الأعيان من المحكمة المختصة وألزمت الوزارة بالمصاريف عن الدرجتين ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وقد استندت المحكمة في قضائها على الأسباب الآتية:
"وحيث إن الخلاف الحالي ينحصر: (أوّلاً) في قوّة قرار التمكين الصادر من المحكمة الشرعية بتاريخ 10 ديسمبر سنة 1938 وأثره في استلام الأعيان جبراً من واضعي اليد عليها. (ثانياً) في أثر الدعوى الشرعية المرفوعة من أحمد فريد بك (أحد المستأنف عليهم) على وزارة الأوقاف والتي قضى فيها نهائياً بعدم السماع".
"وحيث إن قرار التمكين المقدّم في الدعوى ليس حكماً في خصومة قائمة بين متخاصمين بل هو قرار أصدرته المحكمة الشرعية بصفتها الولائية من هيئة التصرفات في غير مواجهة خصم بناء على طلب صاحب المعالي وزير الأوقاف لإقرار دعواه في صحة تنظره على الوقف تطبيقاً لشرط الواقف".
"وحيث إن هذا القرار ليس قضاء في الالتزام بتسليم المال ضدّ مدعي الملك أو ضدّ واضع اليد، ولا بد من الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم ضدّ من في يده المال لتسليمه ويكون قرار التمكين وسيلة يستعملها صاحب الشأن للمطالبة بالمال ممن تحت يده... إلخ".
"وحيث إن وزارة الأوقاف تعترض بأن نزاع المستأنفة في تسليم الأعيان الواردة بكتاب الوقف نزاع غير جدّي. لأنه بفرض صحة الواقعة الخاصة بالخطاب المنسوب صدوره من محمد أحمد باشا لوزارة الأوقاف فإن ما في الخطاب لا يعتبر عدولاً. ولأن أحمد فريد بك أحد الورثة سبق أن رفع دعوى شرعية ببطلان الوصية بالوقف على اعتبار أن الموصي رجع عن وصيته قبل وفاته واستند إلى ما تستند إليه المستأنفة في الدعوى الحالية، وقد حكم في الدعوى الشرعية بعدم سماع دعوى الرجوع في الوصية، وتقرّر وزارة الأوقاف أن الحكم الشرعي الصادر ضدّ أحمد فريد بك حجة على المستأنفة لأن الوارث ينتصب خصماً عن باقي الورثة في الدعاوى التي يطلب الحكم فيها للتركة بكل حقها أو على التركة بكل ما عليها".
"وحيث إن السند المطلوب التنفيذ بمقتضاه لاستلام الأعيان جبراً من تحت يد المستأنفة هو قرار التمكين لا الحكم بعدم سماع الدعوى، وقد بينا قوّة هذا القرار وأثره في شأن استلام الأعيان من مدعي الملكية فيها".
"وحيث إنه فضلاً عما تقدّم فليس لقاضي الأمور المستعجلة أن يقضي فيما إذا كان الوارث ينتصب خصماً عن باقي الورثة أو لا ينتصب في مثل هذا النزاع الحالي، أو أن يكون الحكم الصادر في مواجهة أحد الورثة كذلك لأن تقرير هذا الحق بالنسبة لمن لم يكن خصماً في الدعوى يستند إلى خلاف قانوني بين الفقهاء، ولا جدال أن القواعد الخاصة بقوّة الشيء المقضى فيه في مثل هذه الحالة من المسائل الخلافية التي يختص بها قاضي الموضوع دون سواه".
"وحيث إن ما تتعرّض له المستأنفة من طعن على صحة الإيصاء بالوقف وبالتالي على الوقف المترتب عليه لا شأن لهذه المحكمة به لأنه خارج عن ولايتها، وكل ما تبحث فيه هذه المحكمة هو صلاحية السند المطلوب التنفيذ بمقتضاه وهو قرار التمكين في التنفيذ باستلام المال جبراً ضد مدّعي الملك الذي لم يختصم في قرار التمكين".
"وحيث إنه متى كان الأمر المطروح للفصل فيه لا يثير إشكالاً في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية كان القاضي المستعجل مختصاً بالفصل في استمرار أو عدم استمرار إجراءات التنفيذ أو حماية واضع اليد من التنفيذ المخالف للقانون".
"وحيث إن موضوع الدعوى الحالية هو خلاف بين الطرفين فيما إذا كان قرار التمكين من النظر يصلح بذاته للتنفيذ بتسليم الأعيان المتنازع عليها من عدمه، وهذا يدخل في حدود ولاية المحاكم الأهلية لأنه متعلق بتسليم أموال لم يقض بعد بتسليمها في مواجهة المتعرّضين".
هذا ما قاله الحكم المطعون فيه.
أعلن هذا الحكم إلى وزارة الأوقاف في 25 من يونيه سنة 1939 فطعنت فيه بطريق النقض في 25 من يوليه سنة 1939 بتقرير أعلن للمدّعى عليهم في 29 من ذلك الشهر و1 و3 و6 من أغسطس سنة 1939 إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لسببين:
(الأوّل) أنه إذ قضى بأن للمحاكم الأهلية ولاية النظر فيما إذا كان قرار التمكين يصلح بذاته سنداً للتنفيذ بتسليم الأعيان المبينة فيه، وإذ انتهى إلى القول بأنه لا يصلح لذلك، يكون قد تعرّض لحجية هذا القرار وحد من آثاره. وهذا يعتبر تأويلاً لمعناه، وهو ممنوع من ذلك بحكم المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
(الثاني) أنه إذ قضى بأن قرار التمكين ليس قضاء في الالتزام بتسليم المال، بل مجرّد وسيلة يستعين بها صاحب الشأن للمطالبة به ممن هو تحت يده يكون قد أبطل نص المادة 327 من اللائحة الشرعية التي تقرّر أن قرارات التمكين والإقامة تصدر مشمولة بالنفاذ، كما أن فيه إهداراً للصيغة التنفيذية التي يحملها، لأن الفكرة في شمولها بالنفاذ وتذييلها بالصيغة التنفيذية هي تمكين صاحب الشأن من التنفيذ بها بتسليمه أعيان الوقف لا مجرد إثبات صفته.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى قرار التمكين محل البحث في هذه الدعوى والذي ذكر نصه فيما سبق يبين أنه لم يصدر في خصومة قضائية، وإنما صدر من المحكمة الشرعية بمقتضى سلطتها الولائية وبغير حضور خصم لمناسبة زوال الصفة عن وزير الأوقاف بخروجه من الوزارة وتولى غيره مكانه ليتمكن الوزير الجديد من النظر على الوقف.
ومن حيث إنه ليس من شأن هذا القرار، وقد صدر بشأن وقف متنازع على أصله ولم يتسلم الناظر السابق أعيانه، أن يخوّل الطاعنة حق تسلم الأعيان وتنفيذ هذا التسليم بالطريق الجبري، وليس في شمول القرار بالصيغة التنفيذية - مع التسليم بجواز ذلك - ما يغير من مدلوله أو يزيد في قوّته.
ومن حيث إنه لذلك لا مسوغ البتة للقول إن الحكم المطعون فيه إذ رأى عدم صلاحية قرار التمكين كسند للتنفيذ بمقتضاه على الورثة بتسليم الأعيان للطاعنة لعدم حجيته عليهم، قد تجاوزت فيه المحكمة اختصاصها، وتعدّت على سلطة المحكمة الشرعية التي أصدرت هذا القرار، ما دامت المحكمة لم تعتمد في النظر الذي ذهبت إليه على مخالفة أي نص من نصوصه أو تأويل أية عبارة من عباراته.
ومن حيث إن محاولة الطاعنة التنفيذ على الأعيان التي تحت يد المطعون ضدّهم بالصورة الثابتة بالحكم إنما هي تعرّض لهم في وضع يدهم على الأعيان. وإذن فالمحكمة إذ قضت باختصاصها بنظر الدعوى ومنع التعرّض ووقف التسليم حتى يصدر حكم بتسليم الأعيان من الجهة المختصة تكون قد أصابت ولم تخالف القانون كما تزعم الطاعنة [(1)].


[(1)] صدر هذا الحكم من نفس الهيئة عدا سعادة لبيب باشا فقد حل محله حضرة عبد الفتاح السيد بك.

الطعن 296 لسنة 31 ق جلسة 30 / 12 / 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 215 ص 1373

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وعباس حلمي عبد الجواد، وسليم راشد أبو زيد.

------------------

(215)
الطعن رقم 296 لسنة 31 القضائية

استئناف "الحكم في الاستئناف". "الطلب الجديد".
طلب إلغاء الحكم المستأنف يندرج فيه طلب القضاء بما رفضه من طلبات المستأنف. إغفال المستأنف طلب صحة التعاقد الذي رفضه الحكم المستأنف سهواً في ختام عريضة الاستئناف عند تحديد الطلبات. إبداؤه هذا الطلب أمام المحكمة الاستئنافية. عدم اعتباره طلباً جديداً لكونه مطلوباً ضمناً في طلب إلغاء الحكم المستأنف ومطروحاً على محكمة الاستئناف للفصل فيه.

-----------------
طلب إلغاء الحكم المستأنف يندرج فيه طلب القضاء بما رفضه الحكم من طلبات المستأنف ذلك لأن طلب إلغاء الحكم لا يمكن أن يكون مقصوداً لذاته وإنما للوصول إلى القضاء بتلك الطلبات. فإذا كان الثابت من عريضة الاستئناف مناقشة الطاعن (المستأنف) قضاء الحكم المستأنف في رفضه طلب صحة ونفاذ العقد وبين ما يعيبه مما يفيد صحة ما قرره من أن طلب صحة التعاقد قد سقط سهواً في ختام عريضة الاستئناف عند تحديد الطلبات وإذ أبداه صراحة أمام المحكمة الاستئنافية وطلب القضاء له به فلا يكون قد أبدى طلباً جديداً لأن هذا الطلب كان مطلوباً ضمناً في طلب إلغاء الحكم المستأنف ومطروحاً بالتالي على محكمة الاستئناف للفصل فيه. وإذ التفت الحكم المطعون فيه عنه بمقولة إنه لم يطلب بالطريق القانوني المرسوم في المادة 405 من قانون المرافعات فإنه يكون مخالفاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع، على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 469 لسنة 1949 مدني كلي الإسكندرية على المطعون ضدهم طالباً الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 14 من يوليه سنة 1947 والصادر له من المطعون ضدها الأولى واعتبار الحكم بعد تسجيله بمثابة عقد ناقل للملكية وقال شرحاً للدعوى إنه بمقتضى عقد بيع مؤرخ 14 من يوليه سنة 1947 باعت له المطعون ضدها الأولى قطعتي أرض فضاء موضحتين بالصحيفة وأثناء معاينته الأرض المبيعة لتحديدها تمهيداً لتحرير العقد النهائي وشهره تعرض له المطعون ضدهما الثاني والثالث مدعيين أن الأرض مملوكة لهما مما حدا به لرفع هذه الدعوى وقد طلب المدعى عليهما الثاني والثالث رفض الدعوى تأسيساً على أن الأرض المبيعة مملوكة لهما وبجلسة 18 من مايو سنة 1959 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 447 سنة 15 ق وانتهى في عريضة الاستئناف إلى طلب إلغاء الحكم المستأنف وثبوت ملكيته لقطعتي الأرض المبينتين بصحيفة افتتاح الدعوى. دفع المطعون ضدهما الثاني والثالث بعدم قبول الاستئناف لاشتماله على طلب جديد هو طلب ثبوت الملكية إذ أنه طلب يختلف عن طلب صحة ونفاذ العقد ورد الطاعن على ذلك بأن طلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع سقط سهواً وأنه يضيفه إلى طلباته وهو بهذه الإضافة لا يعتبر طلباً جديداً لأنه كان معروضاً على محكمة الدرجة الأولى ويعتبر نتيجة طبيعية لطلب إلغاء الحكم الابتدائي وبجلسة 29 من إبريل سنة 1961 قضت محكمة الاستئناف بعدم قبول الاستئناف لاشتماله على طلبات جديدة مستندة إلى أن طلب ثبوت الملكية هو طلب جديد لم يسبق عرضه على محكمة الدرجة الأولى وأنها لا تلتفت إلى طلب صحة ونفاذ العقد الذي أبداه الطاعن في المذكرة المقدمة منه لجلسة 14 من إبريل سنة 1961 لأنه يختلف عن طلب ثبوت الملكية وليس من ملحقاته ولم يبده الطاعن بالطريق الذي رسمته المادة 405 مرافعات فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 9 من فبراير سنة 1965 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن فيهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب وفي بيانهما يقول إنه طلب في صحيفة الدعوى الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 14 من يوليو سنة 1947 ولما قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى استأنف الحكم وطلب في صحيفة الاستئناف إلغاء الحكم المستأنف وثبوت ملكيته لقطعتي الأرض المبينتين بالصحيفة وفي المذكرة المقدمة منه لمحكمة الاستئناف صحح طلباته بأن أضاف إليها طلب الحكم بصحة ونفاذ العقد مقرراً أن هذا الطلب سقط سهواً عند تحرير عريضة الاستئناف إلا أن محكمة الاستئناف قضت بعدم قبول استئنافه لاشتماله على طلبات جديدة مستندة إلى أن طلب ثبوت الملكية هو طلب جديد لم يسبق عرضه على محكمة الدرجة الأولى وأنها لا تلتفت إلى طلب صحة ونفاذ العقد الوارد في مذكرته المقدمة لها لأنه لم يبد بالطريق الذي رسمته المادة 405 مرافعات ولأن طلب ثبوت الملكية الذي طلب في الصحيفة يختلف عنه ولا يعد من ملحقاته، ويرى الطاعن أن هذا الذي استند إليه الحكم المطعون فيه في قضائه مخالف للقانون، ذلك أنه طلب في صحيفة الاستئناف إلغاء الحكم المستأنف - وأن طلب صحة ونفاذ العقد يدخل في طلب إلغاء الحكم المستأنف ويعتبر نتيجة طبيعية له ولأن المستفاد مما ورد بصحيفة الاستئناف أن النزاع الذي عرض على محكمة الاستئناف هو ذات النزاع الذي كان معروضاً على محكمة الدرجة الأولى. وأضاف أن الحكم إذ لم يشر إلى طلب إلغاء الحكم المستأنف الوارد بصحيفة الاستئناف وأغفل الرد على هذا الطلب فإنه يكون معيباً بقصور يبطله.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه وإن كان طلب ثبوت الملكية يعتبر طلباً مغايراً لطلب صحة ونفاذ عقد البيع لاختلاف الموضوع في كل منهما مما يجعل قضاء الحكم المطعون فيه باعتبار الطلب الأول طلباً جديداً لعدم إبدائه أمام محكمة الدرجة الأولى صحيحاً إلا أن ذلك الحكم قد أخطأ مع ذلك في قضائه بعدم قبول الاستئناف برمته ذلك أنه يبين من الصورة الرسمية لعريضة الاستئناف المقدمة من الطاعن أنه طلب في ختامها إلغاء الحكم الابتدائي وثبوت ملكيته لقطعتي الأرض المبينتين بالصحيفة ولما كان طلب إلغاء الحكم الابتدائي يندرج فيه طلب القضاء بما رفضه هذا الحكم من طلبات المستأنف التي كانت معروضة على محكمة الدرجة الأولى إذ أن طلب إلغاء الحكم لا يمكن أن يكون مقصوداً لذاته وإنما للوصول إلى القضاء بتلك الطلبات. لما كان ذلك، وكان يبين إلى جانب هذا من عريضة الاستئناف أن المستأنف (الطاعن) قد ناقش في السبب الرابع من أسباب الاستئناف قضاء الحكم برفض طلب صحة ونفاذ العقد وبين ما يعيبه على هذا القضاء مما يفيد صحة ما قرره أمام محكمة الاستئناف من أن هذا الطلب قد أغفل ذكره سهواً عند تحديد الطلبات في ختام عريضة الاستئناف. لما كان ما تقدم، فإن الطاعن إذا أبدى هذا الطلب صراحة أمام تلك المحكمة وطلبت القضاء له به فلا يكون قد أبدى طلباً جديداً لأن هذا الطلب كان مطلوباً ضمناً في طلب إلغاء الحكم المستأنف ومطروحاً بالتالي على محكمة الاستئناف للفصل فيه وإذ التفت الحكم المطعون فيه عنه بمقولة إنه لم يطلب بالطريق القانوني المرسوم في المادة 405 مرافعات فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه.

الطعن 26 لسنة 31 ق جلسة 29 / 12 / 1965 مكتب فني 16 ج 3 أحوال شخصية ق 214 ص 1362

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد شبل عبد المقصود.

-----------------

(214)
الطعن رقم 26 لسنة 31 ق "أحوال شخصية"

(أ) وقف "الوقف المرتب الطبقات". "الترتيب الأفرادي والترتيب الجملي".
اعتبار الشارع الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً إذا لم ينص الواقف على الترتيب الجملي. المادتان 32 و58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946.
(ب) وقف. "إلغاء الوقف على غير الخيرات". "الوقف المرتب الطبقات". ملكية.
ملكية ما انتهى الوقف فيه. أيلولتها إلى الواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع. فإن لم يكن حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت إلى المستحقين الحاليين. في الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق في طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله.

---------------
1 - تنص المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 على أنه "إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما يستحقه أو كان يستحقه إلى فرعه"، كما تنص المادة 58 من هذا القانون على عدم تطبيق أحكام المواد من 32 إلى 35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها. هذا التلازم بين النصين يدل على أن الشارع أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيباً جملياً. وإذ كان الثابت في الدعوى أن الواقف نص في كتاب وقفه على أنه لا يستحق بطن أنزل مع وجود واحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منهم الطبقة السفلى ومن مات منهم بغير نسل تكون حصته للطبقة العليا، وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين الطبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، فإنه لا تطبق في شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف.
2 - النص في المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق" يدل على أن الشارع أراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع يستوي في ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته، فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته، وفي الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل في الوقف وتناول استحقاقاً فيه وكان من أهل الطبقة التي انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملي - إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التي انحل عليها الوقف ولا من ذوي الاستحقاق، أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهي أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله "وآلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقة كل بقدر حصته أو حصة أصله" ولا تصدق في حق من توفى أصله قبل الدخول في الوقف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن أحمد بدوي أحمد عمر عزت ومصطفى كمال أحمد عمر عزت ونزيهة أحمد عمر عزت أقاموا الدعوى رقم 611 سنة 1956 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد وزارة الأوقاف يطلبون الحكم باستحقاقهم لحصة قدرها ستة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع وقف المرحوم محمد خسرو باشا المبين بحجة الوقف الصادرة من محكمة بني سويف الشرعية في 24 ربيع الثاني سنة 1286 لكل واحد منهم قيراطان مع أمر وزارة الأوقاف بعدم التعرض لهم فيها وتسليمها، وقالوا شرحاً لها إن الواقف أنشأ وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على المذكورين من عتقائه ومن بعدهم على أولاده وأولاد أولادهم وقد توفى الواقف وتوفى كل من عتقائه عقيماً فيما عدا: (1) يوسف صديق (2) عمر عزت (3) مصطفى مهرى (4) عمر فخري (5) محبوب أغا (6) آدم أغا، وبوفاة كل من أولاد مصطفى مهرى وآدم أغا عقيماً انحصر الاستحقاق في أولاد الباقين منهم وهم (1) منيرة بنت يوسف صديق (2) أحمد بن عمر عزت (3) زينب بنت عمر فخري (4) محمد بن محبوب أغا مرابعة بينهم فيخص كل فريق منهم ستة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وإذ أقيمت وزارة الأوقاف في النظر على الوقف وأنكرت على المدعين استحقاقهم الذي آل إليهم عن والدهم أحمد عمر عزت مخالفة بذلك المادتين 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 و3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، فقد انتهوا إلى طلب الحكم لهم به - كما أقامت السيدة فاطمة أحمد مصطفى مهرى الشهير بمصطفى ماهر الدعوى رقم 265 سنة 1953 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد وزارة الأوقاف تطلب الحكم باستحقاقها لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وقالت شرحاً لها إن الواقف أنشأ وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على عتقائه ثم من بعدهم على أولادهم وأولاد أولادهم طبقة بعد طبقة الطبقة الأولى منهم تحجب الطبقة السفلى حجباً مطلقاً بحيث لا يستحق أحد من الطبقة السفلى شيئاً مع وجود الطبقة التي هي أعلى منها ومن يموت من أي طبقة ينتقل نصيبه إلى الموجودين من طبقته، وقد توفى الواقف وانتقل الاستحقاق من بعده إلى عتقائه ومن بعدهم إلى أولاد من مات منهم عن ذرية وهم (1) محمد بن محبوب أغا (2) زينب عمر فخري (3) منيرة بنت يوسف صديق (4) عزت بن آدم أغا (5) محمود وأحمد وجميلة أولاد مصطفى مهرى، وبوفاة جميلة عقيماً انحصر الاستحقاق في الباقين فيخص كل منهم أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف وإذ أنكرت عليها الوزارة استحقاقها الذي انتقل إليها عن والدها أحمد مصطفى مهرى طبقاً للمادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 ومنعتها من الاستيلاء عليه فقد طلبت الحكم لها به - كذلك أقامت السيدة عصمت محمود مصطفى مهرى الدعوى رقم 156 سنة 1953 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد وزارة الأوقاف والسيدة زينب عمر فخري وآخرين تطلب الحكم باستحقاقها لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف وتسليمها مع ريعها والدعوى رقم 212 سنة 1953 تطلب الحكم باستحقاقها بصفتها وصية على أختها القاصر اعتماد محمود مصطفى مهرى لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وقالت شرحاً لهما إن الوقف مرتب الطبقات ترتيباً جملياً وبوفاة الواقف ومن توفى عقيماً من عتقائه انحصر الاستحقاق في ستة أشخاص منهم والدها محمود مصطفى مهرى الذي توفى عنها وعن أختها لأبيها اعتماد. وردت وزارة الأوقاف بأنها لا تعرف أحداً من المستحقين ولم تصرف لهم شيئاً من ريعه فيما عدا الحصة التي فرزت لزينب عمر فخري. وقررت المحكمة ضم هذه الدعاوى جميعها للارتباط. وجرى النزاع في الدعويين الأولين حول نصيب من مات من الموقوف عليهم قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه وهل ينتقل إلى ذريته وتستحقه إعمالاً لشرط الواقف والمادتين 32 من القانون رقم 48 لسنة 1946 و3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 أم لا ينتقل إلى ذريته ولا تستحقه. وبتاريخ 16/ 6/ 1958 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بعدم اختصاصها بنظر طلبي التسليم والريع. (ثانياً) وفي الدعويين 265 سنة 1953 و611 سنة 1956 برفض دعوى كل من أحمد بدوي ومصطفى كمال ونزيهة أولاد أحمد عمر عزت وفاطمة أحمد مصطفى مهرى المدعين في الدعويين المذكورتين وألزمت كلاً منهم بمصاريف دعواه (ثالثاً) وفي الدعويين رقمي 156 سنة 1953 و212 سنة 1953 باستحقاق كل من عصمت واعتماد بنتي محمود مصطفى مهرى لمقدار 1/ 12 من الوقف موضوع الدعوى وذلك في مواجهة المدعى عليهما الأخيرين وألزمت المدعى عليهما الأول والثانية بالمصاريف ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، وأسست قضاءها برفض الدعويين الأولين على أن الوقف مرتب الطبقات ترتيباً جملياً فلا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من أفراد الطبقة التي تعلوها وأن والد المدعين في كل منهما توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه وطبقاً للمادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا يستحق أولادهم شيئاً في الوقف لأنهم من أفراد طبقة أنزل من الطبقة التي نقضت من أجلها القسمة وقد توفى أصلاهم قبل نقض القسمة وقبل أن يدخلا في الوقف واستأنفت السيدة فاطمة هذا الحكم طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها وقيد استئنافها برقم 135 سنة 75 ق، وكذلك استأنفه كل من أحمد بدوي ومصطفى كمال ونزيهة أحمد عمر عزت طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد استئنافهم برقم 137 سنة 35 ق. وقررت المحكمة ضم الاستئنافين، وبتاريخ 23/ 3/ 1961 حكمت بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل مستأنف مصروفات استئنافه وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عن كل استئناف منهما، وأسست قضاءها هذا على الأسباب التي أوردتها وما لا يتعارض معها من أسباب الحكم الابتدائي. وطعن أحمد بدوي عزت ومن معه في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث لم يحضر الطاعنون، وطلبت المطعون عليها التاسعة رفض الطعن ولم يحضر باقي المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً، وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت قبول الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قضى برفض دعوى الطاعنين الاستحقاق في الوقف بحجة أن المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 لا تعطيهم حقاً في الاستحقاق ومستنداً في ذلك إلى أن الحكم المقرر فيها - وعلى ما تقضي به المادة 58 من القانون - لا ينطبق في الأوقاف السابقة على صدور القانون إذا كان في كتاب الوقف نص صريح يخالفه، وقد تضمن كتاب الوقف هذا النص المخالف إذ جاء فيه "لا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منه السفلى"، وهذا الذي أسس الحكم قضاءه عليه خطأ ومخالفة للقانون، ووجه الخطأ والمخالفة أنه اعتبر العبارة الواردة في حجة الوقف مانعاً من تطبيق المادة 32 دون نظر إلى ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون من أنه عدل عن مذهب الحنفية في ترتيب الطبقات وأخذ بالأظهر من مذهب الحنابلة وما ذكره المالكية وهو أن الترتيب ترتيب أفراد على أفراد وأن الفرع يقوم مقام أصله شرط الواقف قيامه أو لم يشرطه فلا يحجب أصل فرع غيره من الموقوف عليهم، فما اعتبره الحكم مانعاً وسماه مخالفة في حجة الوقف لا يصلح أن يكون كذلك لأنه موضوع التشريع والقاعدة التي قصد المشرع مخالفتها وإبطال أحكامها بحيث لا يجوز بشرط من الواقف أن يحجب أصل فرع غيره، يؤكد ذلك عبارة "المراد من الذرية ذرية الموقوف عليهم سواء أكانوا ذرية الواقف أم غيره، وما يستحقه الميت يكون لولده والمراد منه المستحق بالفعل سواء كان أصلياً أم آل إليه من استحقاق موقوف عليهم آخرين وإذا كان الأصل قد مات قبل الاستحقاق فمتى آل الاستحقاق لطبقته، ولو كان حياً لاستحق، فإن فرعه يحل إذ ذاك محله ويستحق ما كان يستحقه أصله لو كان حياً" الواردة في المذكرة، إذ المقصود بها إلغاء فكرة الترتيب الجملي وجعله أفرادياً لأنه بعد صدور القانون رقم 48 لسنة 1946 لم يعد يجوز أن يحجب أصل فرع غيره من الموقوف عليهم في انتظار انقراض طبقة ذلك الأصل - وما ذهب إليه الحكم من أن كتاب الوقف تضمن نصاً يخالف أحكام المادة 32، لا يمنع من تطبيقها على الأوقاف السابقة ومنها الوقف محل النزاع، لأنها وضعت لمخالفة أحكام ما سبق من الأوقاف بقصد تصحيحها بعد ما تبين أنها غير عادلة، والمبدأ الذي أخذ به التشريع هو أن الفرع الذي مات أصله قبل الاستحقاق في الوقف المرتب الطبقات ترتيباً محتملاً للجملي وللأفرادي يستحق مع طبقة أصله سواء مات قبل الاستحقاق أو بعده، وبتطبيقه على واقعة الدعوى يظهر خطأ الرأي الذي ذهب إليه الحكم.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 يبين أنه نص في المادة 32 منه على أنه "إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما يستحقه أو كان يستحقه إلى فرعه.." كما نص في المادة 58 على أنه "لا تطبق أحكام المواد 32 و33 و34 و35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها..." وهذا التلازم بين النصين يدل على أن الشارع أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيباً جملياً, وإذ كان الثابت في الدعوى - ومن بيانات الحكمين المودعين ملف الطعن - أن الواقف نص في كتاب وقفه على أنه "لا تستحق بطن أنزل مع وجود واحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منهم الطبقة السفلى ومن مات منهم بغير نسل تكون حصته للطبقة العليا" وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، تعين القول بأنه لا تطبق في شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 التي استند إليها المستأنفون تنص على أنه إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما استحقه أو كان يستحقه إلى فرعه" وهذه المادة لا تعطي المستأنفين حقاً في الاستحقاق حتى ولو سلمت المحكمة لهم بما فهموه منها لأن المادة 58 من القانون المذكور تنص على أنه لا تطبق أحكام المواد 32 و33 و34 و35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها في الأوقاف الصادرة قبل العمل بهذا القانون والوقف المتنازع عليه في هذه الدعوى صدر في سنة 1286 هجرية أي قبل صدور قانون الوقف بما يربو على تسع وخمسين سنة وفي حجة الوقف ما يخالف بدلالة النص حكم المادة المذكورة فقد ورد في صفحة 8 من الحجة قول الواقف بعد أن ذكر أن الوقف مرتب الطبقات وأن الاستحقاق بالمساواة بين الذكر والأنثى "غير أنه لا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منه الطبقة السفلى" وليس أصرح من دلالة النص في هذه العبارة على مخالفتها لحكم المادة 32 ومن ثم فلا يصح الاستناد إلى هذه المادة في طلب المستأنفين استحقاق أصولهم الذين ماتوا قبل دخولهم في الوقف" - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه جرى في قضائه على أن المادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا تعطي الطاعنين حقاً في الاستحقاق مستنداً في ذلك إلى أن "المستحق" يطلق حقيقة على المستحق بالفعل ومجازاً على المستحق بالقوة الذي يستحق في المستقبل عندما يأتي دوره في الاستحقاق عملاً بقاعدة أن الأصل استعمال اللفظ في الحقيقة ولا يستعمل في المجاز إلا بقرينة، وهو تفسير خاطئ ولا مجال له في مقام تطبيق القانون رقم 180 لسنة 1952 الذي نص في المادة الثالثة منه على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف ملكاً للواقف إذا كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق"، وهذه العبارة الأخيرة من النص صريحة في أن الفرع الذي كان محجوباً مؤقتاً بنص من الواقف يمتلك في الوقف مع طبقة أصله سواء مات أصله قبل الاستحقاق أو بعده، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون أن هذه المادة تحكم جميع الأوقاف ولم تفرق بينها وأعطت كل ذرية كانت محجوبة بأصلها حقاً في الوقف مهما كان سبب الحجب وسواء كان الأصل توفى بعد الاستحقاق بالفعل أو مات قبل أن يستحق ولا محل مع ذلك لما ذهب إليه الحكم من تفسير لمعنى "المستحق" في نطاق القاعدة الأصولية التي لا تبيح استعمال اللفظ في المجاز إلا أن توجد قرينة صارفة تمنع من استعماله في الحقيقة، إذ الأمر بعيد كل البعد عن مجال استعمال هذه القاعدة، وقد أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون عن نيته في تحديد معنى الاستحقاق وسوى بين المستحق فعلاً ومن كان يستحق لو ظل حياً مع طبقته واعتبر كلاهما مستحقاً.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن النص في المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق" يدل على أن الشارع أراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع يستوي في ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته، فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته وفي الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل في الوقف وتناول استحقاقاً فيه وكان من أهل الطبقة التي انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملي - إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التي انحل عليها الوقف ولا من ذوي الاستحقاق، أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهي أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله "وآلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقته كل بقدر حصته أو حصة أصله" ولا تصدق في حق من توفى أصله قبل الدخول في الوقف، وإذ كان الثابت في الدعوى أن المرحوم أحمد عمر عزت جركس توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه لوفاته قبل المرحوم عمر فخري جركس آخر أفراد الطبقة العليا موتاً فلا يصدق على أولاده الطاعنين أنهم من ذرية "من مات من ذوي الاستحقاق" ولا تؤول إليهم ملكية ما انتهى الوقف فيه - إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا تعطي المستأنفين حقاً في طلبهم كما انتهت إليه بحق محكمة أول درجة وتزيد هذه المحكمة أن المستحق يطلق حقيقة على المستحق بالفعل ويطلق مجازاً على المستحق بالقوة وهو الذي يستحق في المستقبل عندما يأتي دوره في الاستحقاق وقد ذكر علماء الأصول أن الأصل هو استعمال اللفظ في حقيقته ولا يصار إلى استعماله في المجاز إلا بقرينة صارفة عن استعماله في الحقيقة ولم توجد هذه القرينة الصارفة بل وجد ما يؤكد استعمال اللفظ في حقيقته - وهو شرط الواقف السابق ذكره وعدم تطبيق المادة 32 إعمالاً لنص المادة 58 ومن ثم فإن ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون حل الوقف من أنه يحل الوقف على المستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، لا يراد بهذا النص إلى ذرية المستحقين بالفعل وهم الذين توفوا بعد دخولهم في الاستحقاق وهذا هو الفهم الصحيح وإلا فكل موقوف عليه ولم يأت دوره في الاستحقاق يعتبر مستحقاً ثم إنه يوجد فرق بين المستحق والموقوف عليه فالموقوف عليه أعم من أن يكون مستحقاً في الحال أو في المآل والمستحق لا يراد به في هذه المادة إلا من دخل في الاستحقاق" - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه "أن كلاً من طرفي الخصومة قدم فتوى لصالحه واستشهد بها فيما يدعيه وكل منهما تناقض الأخرى ولذلك تلتفت المحكمة عنهما" وهو خطأ في الإسناد ومخالفة للثابت في الأوراق وقصور في التسبيب، إذ أن الفتويين من طرف واحد لا من الطرفين وقد قدمهما الطاعنون للاستشهاد بما يتمسكون به من أن من مات أصله قبل الاستحقاق يتملك في الوقف مع طبقة أصله شأنه في ذلك شأن من مات أصله بعد الاستحقاق وهما وإن اختلفتا في الوقائع إلا أنهما تؤيدان هذا الرأي ولا خلاف ولا تناقض بينهما.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق بيانه في صدد الرد على السببين الأولين من أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين على أسباب صحيحة تكفي لحمله، وجرى قضاء هذه المحكمة على أنه متى كان الحكم قد أقيم على أسباب سائغة وكافية لحمله فإنه لا يعيبه ما يكون قد ورد فيه من أسباب نافلة لا تمس جوهر قضائه.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم الابتدائي خلا من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية وفي ذلك ما يبطله طبقاً للمادة 349 من قانون المرافعات، وإذ أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه، فإنه يكون باطلاً هو الآخر.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه وإن كان الحكم الابتدائي قد خلا من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية إلا أن الحكم المطعون فيه أورد ضمن بياناته رأي النيابة العامة واسم عضو النيابة الذي أبدى هذا الرأي وانتهى - على ما سبق بيانه - إلى تأييد الحكم الابتدائي بأسباب مستقلة تكفي لحمله ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يكون غير منتج إذ هو لا يحقق سوى مصلحة نظرية لا يعتد بها.

الطعن 61 لسنة 9 ق جلسة 7 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 38 ص 106

جلسة 7 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(38)
القضية رقم 61 سنة 9 القضائية

(أ) أملاك عامّة. 

حصانتها. مناطها. بقاؤها مخصصة للمنفعة العامّة. زوال تخصيصها لذلك. جواز تملكها بوضع اليد. سور مدينة القاهرة القديم. ليس الآن من المنافع العامّة. (1)
(المادة 9 مدني)
(ب) آثار. 

آثار عامّة. آثار ليست عامّة. آثار غير مملوكة للحكومة.
(القانون رقم 8 لسنة 1918 والمرسوم الصادر في 16 أغسطس سنة 1936)
(جـ) لجنة حفظ الآثار القديمة العربية. الأعمال المنوطة بها. آثار غير مملوكة للحكومة. لا شأن للجنة بها. قيام اللجنة بتسجيل أثر من تلك الآثار. لا يترتب على التسجيل أي حق للحكومة. تسجيل آثار العصر العربي. يجب أن يصدر به قرار من وزير المعارف. دعوى إعلان القرار لصاحب الأثر لكي يترتب عليه حق الارتفاق. حق صاحب العقار في المطالبة بالتعويض. مدّة سقوطه. سنة من تاريخ الإعلان.
(الأمر العالي الصادر في 18 ديسمبر سنة 1881 والقانون رقم 8 لسنة 1918)

-------------------
1 - إن الحصانة التي أسبغها القانون على الأملاك العامة إذ أخرجها من دائرة المعاملات بما نص عليه من عدم جواز بيعها والتصرف فيها إلا بقانون أو أمر مناطها بقاء تلك الأملاك مخصصة للمنفعة العامّة. فإذا ما زال هذا التخصيص لسبب مّا فإنها تدخل في عداد الأملاك الخاصة وتأخذ حكمها من حيث إمكان تملكها بوضع اليد المدّة المكسبة للملكية. ووضع اليد في هذه الحالة لا يكون متعارضاً مع الحصانة المقررة للأملاك العامة إذ هو لا يتهدّد به منها إلا ما فقد بالفعل هذه الصفة فقداناً تاماً على وجه مستمر غير منقطع. وإذن فسور مدينة القاهرة القديم لا يعتبر الآن من المنافع العمومية بعد أن تهدّم واندثرت معالمه وفقد ما خصص له، ثم وضع الناس أيديهم على أجزاء مختلفة منه وأدخلوها في منازلهم.
2 - إن الآثار ليست جميعها عامة، بل إن منها ما أنشأه الأفراد أصلاً وانتقل بالتوارث إلى من خلفهم مما لا وجه معه لعدّها من المنافع العامة. ومنها ما تملكوه بوضع اليد عليه بعد زوال تخصيصه للمنافع العامة مما يعتبر من الآثار غير المملوكة للحكومة التي تسري عليها أحكام القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي.
3 - إن الأمر العالي الصادر في 18 ديسمبر سنة 1881 بإنشاء لجنة حفظ الآثار القديمة العربية قد بيّن على سبيل الحصر أعمال هذه اللجنة فيما نص عليه في المادة الثانية منه. والمفهوم من هذا النص أن هذه الأعمال مقصورة على الآثار العامة. وليس في هذا النص ولا في باقي مواد الأمر العالي المذكور ما يفيد أن أعمال تلك اللجنة تتناول الآثار غير المملوكة للحكومة. فإذا حصل أن قامت اللجنة بتسجيل أثر من الآثار غير المملوكة للحكومة فإن هذا التسجيل لا يمكن أن يترتب عليه أي حق للحكومة قبل صاحب الأثر. أما القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي فالمفهوم من نصوصه أنه يجب لتسجيل الأثر أن يصدر قرار بذلك من وزير المعارف، وأن يعلن هذا القرار لصاحب العقار لكي يترتب عليه حق الارتفاق وليكون الإعلان مبدأ لمدّة السنة المقرّرة لسقوط حق المطالبة بالتعويض. وإذن فإذا كان قرار التسجيل لم يعلن لصاحب العقار فلا يبدأ سقوط الحق في المطالبة.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن مذكرات الخصوم ومستنداتهم المقدّمة لهذه المحكمة والتي قدّمت من قبل لمحكمة الاستئناف - في أن المطعون ضدّها رفعت لدى محكمة مصر الابتدائية دعوى ضدّ وزارة الأوقاف (لجنة حفظ الآثار العربية) قيدت بجدولها برقم 445 سنة 1935 كلي قالت في صحيفتها المعلنة في 22 من يناير سنة 1935 إنها تملك منزلاً بمقتضى عقد شراء عرفي مؤرّخ في 13 من فبراير سنة 1919 ومسجل بمحكمة مصر المختلطة في 20 من أغسطس سنة 1919، وإنه حدث أن أنشئ في سنة 1931 على مقربة منه شارع الأمير فاروق ونزعت ملكية المباني والأراضي اللازمة لإنشائه ومن بينها المنزل الواقع غربي منزلها والمعروف بمنزل السلحدار فتخلف منه جزء صغير أصبح يفصل منزلها عن هذا الشارع، وقد طلبت شراء هذا الجزء لتصل بمنزلها إلى شارع الأمير فاروق، وتمهيداً لهذا الشراء شرعت في إزالة السور الذي كان يفصل منزلها عن هذا الجزء المتخلف من منزل الجار إلا أن مصلحة حفظ الآثار وقفت في سبيلها فعمدت إلى تقديم زوجها إلى المحاكمة الجنائية بتهمة هدم جزء من سور البلد القديم المعتبر من الآثار العربية. وقد حكم عليه بالعقوبة في القضية رقم 118 جنح باب الشعرية سنة 1932 وأيد هذا الحكم استئنافياً في القضية رقم 17365 استئناف مصر سنة 1934. وأعقبت ذلك أن استولت مصلحة الآثار على ذلك الجزء من السور وعلى مساحة أرض طولها 13 متراً و45 سنتيمتراً في عرض 3 أمتار ونصف متر. لهذا فإنها تطلب أن يقضي لها بالتعويض ضدّ الوزارة في مقابل ما استولت عليه مصلحة الآثار من ملكها وفي مقابل الضرر الذي أصابها من عمل الوزارة لمنعها من إيصال ملكها بشارع الأمير فاروق، وقدّرت ذلك بمبلغ 500 جنيه، وطلبت أن يحكم لها بهذا المبلغ مع المصاريف والأتعاب.
نظرت هذه الدعوى، ثم قضت المحكمة في 26 من مايو سنة 1936 حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لأداء المأمورية المبينة بأسباب الحكم. وقد باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1936 قرّر الحاضر عن وزارة الأوقاف أن مصلحة الآثار ضمت لوزارة المعارف العمومية. وبإعلان مؤرّخ في 26 من أكتوبر سنة 1936 اختصمت المطعون ضدّها وزارة المعارف. وبعد أن سمعت المحكمة أقوال طرفي الخصومة حكمت في 26 من مارس سنة 1937 حضورياً برفض دعوى المطعون ضدّها وألزمتها بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب محاماة للوزارة بانية حكمها على أن السور الذي استولت عليه الحكومة والذي تطالب المطعون ضدّها بالتعويض لعدم انتفاعها به إنما هو من المنافع العامة دون أن يؤثر على صفته هذه أنه أصبح غير صالح للغرض الذي أنشئ من أجله، وأنه لا يخرج من عداد الأملاك العامة إلا بقانون أو أمر، ولذلك فلا يجوز تملكه بوضع اليد مهما طالت المدّة.
استأنفت المطعون ضدّها هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبة للأسباب الواردة بصحيفة استئنافها إلغاء الحكم المذكور والقضاء لها بما طلبت أمام المحكمة الابتدائية مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
ومحكمة الاستئناف بعد أن نظرت هذه القضية حكمت حضورياً في 26 من يونيه سنة 1938 بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بالانتقال لمحل النزاع مصحوبة بالخبير الذي ندبته المحكمة الابتدائية. وبعد أن تم الانتقال وأعيد الاستئناف للمرافعة سمعت المحكمة طلبات طرفي الخصومة ثم حكمت في 26 من مارس سنة 1939 حضورياً في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليها بأن تدفع للمستأنفة 136 جنيهاً و500 مليم مع المصاريف عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعنة في 15 من يونيه سنة 1939 فقرّرت بالطعن فيه بطريق النقض في 11 من يوليه سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّها في 22 منه إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة وجوه: يتحصل أوّلها في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك بتقريره أن الأموال العامة يجوز أن تزول عنها صفتها هذه بالفعل وبدون حاجة إلى استصدار قانون أو أمر، مخالفاً بذلك ما تقضي به المادة التاسعة من القانون المدني من جهة، وبنفيه الصفة العامة عن السور المتنازع عليه من جهة أخرى بمقولة إنه تهدّم واندثر ولم يعد صالحاً لردّ غارات الأعداء عن المدينة. وفات الحكم أنه جزء من سور البلد القديم المملوك أصلاً للدولة، فهو بذلك أثر من آثار العصر العربي، وبالتالي من الأموال العامة طبقاً لنص الفقرة العاشرة من المادة التاسعة من القانون المدني ولقانوني الآثار رقم 14 سنة 1912 ورقم 8 سنة 1918.
ويتحصل الوجه الثاني في بطلان الحكم المطعون فيه لإغفاله الرد على دفع جوهري. وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها تمسكت في دفاعها الاحتياطي وفي حالة ما إذا اعتبرت المحكمة هذا الأثر مملوكاً للمطعون ضدّها بسقوط حقها في طلب التعويض بمضي المدة. وذلك لأن العقار المتنازع عليه قد سجلته لجنة حفظ الآثار في سنة 1894 ضمن آثار العصر العربي. وفي 13 من إبريل سنة 1918 صدر القانون رقم 8 سنة 1918 منظماً أحكام حماية الآثار العربية فنصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه على تقرير حق ارتفاق على الأعيان الثابتة غير المملوكة للحكومة والمسجلة في عداد آثار العصر العربي، وأشارت المادة السادسة منه إلى تعويض من يصيبه ضرر بسبب ترتيب حق الارتفاق المذكور. إلا أن المطعون ضدّها لم ترفع دعواها بطلب التعويض المترتب على تقرير حق الارتفاق إلا في 22 من يناير سنة 1935 ولهذا تكون دعواها غير مقبولة لسقوط الحق المطالب به بمضي المدّة، ويكون الحكم المطعون فيه بقضائه بالتعويض قد أغفل هذا الدفع إغفالاً تاماً حيث لم يتعرّض له لا بنفي ولا بإثبات مما يعيبه عيباً جوهرياً موجباً لبطلانه.
وفي الوجه الثالث تقول الطاعنة إنه حتى لو صح أن الأثر مملوك للمطعون ضدّها، وأن الحق في طلب التعويض بسببه لم ينقض بالتقادم المسقط فإن حق الارتفاق المقرر قانوناً بمقتضى قانون 13 من إبريل سنة 1918 سابق في وجوده على عقد شراء المطعون ضدّها للعقار في 13 من فبراير سنة 1919 فهي بذلك تكون قد اشترت العقار مثقلاً بحق الارتفاق فليس لها إذن بعد ذلك حق ولا صفة في المطالبة بقيمته لأن عقدها لا يخوّلها ذلك ولم يطرأ بعد شرائها سبب انتقص حقوقها، ويكون الحكم لها بتعويض لهذا السبب مخالفاً للقانون.
تلك هي أسباب الطعن التي قدّمتها الطاعنة.
ومن حيث إنه تبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أثبت أن السور موضوع النزاع يدخل في حدود منزل المطعون ضدّها، كما ثبت من تقرير الخبير المنتدب من المحكمة الابتدائية الذي تأيد بمعاينة المحكمة الاستئنافية - بعد أن أثبت الحكم ذلك ردّ على دفاع الطاعنة بأن هذا السور يعتبر من المنافع العمومية تأسيساً على الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من القانون المدني بما محصّله أن هذا السور الذي لا يزيد طوله على ثلاثة عشر متراً لا يمكن أن يكون معدّاً لرد غارة الأعداء عن مدينة القاهرة، وأنه إن صح أنه كان في غابر الزمان جزءاً من سور المدنية فإنه لا يصح اعتباره الآن من المنافع العمومية بعد أن تهدّم واندثرت معالمه وفقد ما خصص له، وبعد أن وضع الناس أيديهم على أجزاء مختلفة منه بإدخالها في منازلهم ووضع يدهم عليها كما حصل في هذا الجزء المتنازع عليه الذي دخل في منزل المطعون ضدّها وبقى في وضع يدها من شرائها إياه في 13 من فبراير سنة 1919 وأنه لذلك انتقل من الأملاك العامة إلى الأملاك الخاصة التي يصح تملكها بوضع اليد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يخطئ قانوناً فيما ذهب إليه من جواز تملك الأملاك المخصصة للمنفعة العامة إذا ما زال عنها هذا التخصيص وانتقلت بالفعل إلى الأملاك الخاصة بدون حاجة إلى صدور قانون أو أمر. فقد جرى قضاء هذه المحكمة على ذلك إذ سبق أن قرّرت بتاريخ 23 من نوفمبر سنة 1939 في الطعن رقم 17 سنة 9 قضائية ما يأتي: "القاعدة التي يجب السير عليها في هذا الشأن هي أن الحصانة التي أسبغها القانون على الأملاك العامة فأخرجها من دائرة المعاملات بما قضى به من عدم جواز بيعها والتصرف فيها إلا بقانون أو أمر (المادة 9 من القانون المدني) مقيدة ببقاء تلك الأملاك مخصصة للمنفعة العامة. فإذا ما زال عنها هذا التخصيص لسبب مّا انفصلت هذه الأملاك عن الأملاك العامة ودخلت في عداد الأملاك الخاصة وأخذت حكمها من حيث إمكان تملكها بوضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية. وليس وضع اليد في هذه الحالة متعارضاً مع السياج الذي أحاط به القانون الأملاك العامة لأنه لا يهدّد من هذه الأملاك إلا ما أصبح بالفعل فاقداً لهذه الصفة فقداناً تاماً بطريقة مستمرّة لا انقطاع فيها".
ومن حيث إن الطاعنة تقول إن العين موضوع النزاع إذا لم تعتبر سوراً من الأسوار الواردة بالفقرة الثالثة من المادة 9 من القانون المجني لتهدّمها وعدم صلاحيتها للغرض الذي أنشئت من أجله فهي لهذا أصبحت أثراً من الآثار العامة المنصوص عليها بالفقرة العاشرة من تلك المادة، وأنه لذلك لا يصح تملكها مهما طال وضع اليد عليها - إن ما تقوله الطاعنة من ذلك مردود بأن الآثار ليست جميعها عامة بل إن منها ما أنشأه الأفراد أصلاً وانتقلت ملكيته بالتوارث إلى ذرّيتهم مما لا سبيل إلى اعتباره من المنافع العامة، ومنها ما تملكوه بوضع اليد عليه بعد زوال تخصيصه للمنفعة العامة على ما سبق بيانه مما يعتبر من الآثار المملوكة لغير الحكومة والتي تسري عليه أحكام القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي فيما جاء به خاصاً بالآثار غير المملوكة للحكومة.
ومن حيث إن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من إغفاله الرد على دفعها الذي تمسكت به أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية المتضمن سقوط حق المطعون ضدّها في المطالبة بالتعويض لمضي المدّة القانونية الطويلة والقصيرة من وقت تسجيل هذا الأثر - هذا القول مردود أيضاً بأن الحكم المطعون فيه بعد أن ذكر أن لجنة حفظ الآثار سجلت هذا السور باعتباره من الآثار العربية، وأن هذا التسجيل لا يخرجه من ملكية المطعون ضدّها، وأنه ما دام أن الحكومة لم تنزع ملكيته طبقاً لقانون نزع الملكية للمنفعة العامة فهو باق في ملكية المطعون ضدها - بعد أن ذكر الحكم هذا قال إن التسجيل يفرض على السور - طبقاً للفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 8 لسنة 1918 - نوعاً من الارتفاق. وفي هذا الذي ذكره الحكم الرد الضمني على عدم الأخذ بما دفعت به الطاعنة من سقوط حقها في التعويض، إذ أنه يستخلص منه أن التسجيل في نظر المحكمة لا يؤثر على حق المطعون ضدّها في المطالبة بالتعويض عما أصابها من الضرر بسبب ترتيب حق ارتفاق على ملكها، وأن هذا الحق لم يسقط بمضي المدّة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى القوانين الخاصة بالآثار العربية لمعرفة ما يترتب على تسجيل عقار من العقارات باعتباره أثراً من آثار العهد العربي فإنه يرى أن الأمر العالي الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1881 بإنشاء لجنة الآثار القديمة العربية قد قصر أعمال هذه اللجنة على ما جاء في المادة الثانية في ذلك الأمر ونصها كما يأتي:
"(أوّلاً) إجراء اللازم لجرد وحصر الآثار العربية القديمة التي يكون فيها فائدة صناعية أو تاريخية".
"(ثانياً) ملاحظة صيانة تلك الآثار ورعاية حفظها من التلف وإخبار نظارة الأوقاف بالتصليحات والمرمات المقتضى إجراؤها فيها مع إيضاح المهم منها".
"(ثالثاً) النظر في الرسومات والتصميمات التي تعمل عن المرمات اللازمة لهذه الآثار والتصديق عليها وملاحظة إجراء تلك المرمات".
"(رابعاً) حفظ رسومات جميع الأشغال التي تنتهي بكتبخانة الأوقاف وإعلان النظارة المذكورة عن القطع التي تتخلف من العمارة ويلزم نقلها للأنتيكخانة لأجل حفظها بها".
والذي يفهم من هذا أن أعمال اللجنة كلها انحصرت في القيام على شئون الآثار العامة إذ لم يرد بالأمر العالي المذكور ما يفهم منه أن أعمالها يصح أن تتناول الآثار غير المملوكة للحكومة. فإذا فرض وقامت اللجنة بتسجيل أي أثر غير مملوك للحكومة فلا يترتب على حصول هذا التسجيل أي حق للحكومة قبل صاحب هذا الأثر. أما القانون رقم 8 لسنة 1918 الصادر لحماية آثار العصر العربي فإنه بعد أن بيّن بمادته الأولى ما يعدّ أثراً من آثار العصر العربي نص في المادة الرابعة على أن الأعيان الثابتة غير المملوكة للحكومة المسجلة الآن أو التي تسجل في المستقبل في عداد آثار العصر العربي تجرى عليها الأحكام الآتية: (أوّلاً) يجوز للحكومة أن تنزع ملكيتها طبقاً لقوانين نزع الملكية للمنافع العامة (ثانياً) لا يجوز هدمها ولا نقلها ولا تجديدها ولا ترميمها ولا تعديلها إلا برخصة من وزارة المعارف بعد أخذ رأي لجنة حفظ الآثار العربية. ونص في المادة الخامسة على أن تسجيل هذه الآثار يحصل بقرار يصدر من وزير المعارف، وفي المادة السادسة على أنه إذا ترتب على حق الارتفاق المفروض في الفقرة الثانية من المادة الرابعة ضرر بأحد الأفراد، فله الحق في تعويض من وزارة المعارف بالكيفية المبينة بتلك المادة. ثم ختمت هذه المادة بما يأتي:
"ويسقط الحق في التعويض إذا لم يطلبه صاحبه طلباً صريحاً في بحر السنة من يوم إعلانه من وزارة المعارف بقرار التسجيل". فالذي يؤخذ من نصوص هذا القانون أنه يجب أن يصدر قرار بتسجيل الأثر من وزير المعارف، وأن هذا القرار يجب أن يعلن لصاحب العقار حتى يترتب عليه حق الارتفاق، وأن حق المطالبة بالتعويض يسقط بمضي سنة من تاريخ إعلان قرار التسجيل.
ومن حيث إنه ما دام أنه لم يثبت أن الطاعنة قد أعلنت المطعون ضدّها بقرار التسجيل طبقاً لأحكام القانون رقم 8 سنة 1918 ذلك الإعلان الذي بغيره لا يبدأ سقوط حق المطالبة بالتعويض عن الارتفاق فليس لها أن تتمسك ضدّها بأي نوع من أنواع السقوط في دعوى المطالبة بالتعويض.
وليس لها كذلك أن تتمسك بما جاء في الوجه الثالث من أن المطعون ضدّها قد اشترت العقار مثقلاً بحق الارتفاق ولم يحصل بعد شرائها انتقاص لملكيتها - ليس للطاعنة أن تتمسك بذلك لأن المطعون ضدّها إنما اشترت العقار بجميع ماله وعليه من حقوق حالة بذلك محل البائع لها.


(1) راجع أيضاً القاعدة رقم 5 من هذا الجزء.

الطعن 28 لسنة 9 ق جلسة 7 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 37 ص 99

جلسة 7 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(37)
القضية رقم 28 سنة 9 القضائية

شريك على الشيوع. 

إيجار حصته. وضع المستأجر يده على جزء من الأرض معادل لهذه الحصة. ادعاء الشريك الآخر حصول تعرّض له في وضع يده من المستأجر. طلبه استرداد حيازته منه. غير مقبول. النزاع هنا حول طريقة الانتفاع. محله دعوى محاسبة أو قسمة. 

(المادة 373 مدني)

----------------
لكل مالك على الشيوع حق الملكية في كل ذرّة من العقار المشاع فلا يستطيع الشريك الآخر إخراجه منه. والشركاء في هذا سواء، لا تفضيل لواحد على واحد إلا بناء على حق آخر غير الملكية المشاعة كالإجارة مثلاً. فإذا أجر الشريك حصته، ووضع المستأجر يده على جزء من الأرض المشاعة معادل لها، فلا يقبل من الشريك الآخر أن يدعي حصول تعرّض له في وضع يده من المستأجر، أو أن يطلب استرداد حيازته منه، فإن النزاع في هذه الصورة لا يكون إلا على طريقة الانتفاع، وهذا محله دعوى محاسبة أو قسمة.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات المقدّمة وكانت من قبل تحت نظر المحكمة الاستئنافية - في أن إبراهيم بركات أفندي المطعون ضدّه الثالث يمتلك أطياناً مساحتها خمسة عشر فداناً شائعة في 160 فداناً و18 قيراطاً وسهمين بناحية ألفنت ورثها الطاعنون عن والدتهم السيدة فريدة هانم فتحي وهي خالة المطعون ضدّه الثالث. وقد أجر المذكور هذه الأطيان بحالة الشيوع للسيدة المذكورة لمدّة عشر سنوات ابتداء من أوّل نوفمبر سنة 1927. وقبل انتهاء أجل تلك الإجارة توفيت السيدة فريدة هانم فأجر المطعون ضدّه هذه الأطيان بحالة الشيوع التي هي عليها للمطعون ضدّه الثاني وأنذر في 8 من سبتمبر سنة 1937 الطاعن الأوّل بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمستأجر الجديد. فردّ عليه ذلك الطاعن بإنذار في 25 من هذا الشهر قال فيه إن تسليم القدر الشائع غير مستطاع وإنه لا يمكن التسليم إلا في قطع محدودة. ثم رفع هو وسائر الطاعنين بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1937 أمام محكمة الفشن الجزئية الدعوى رقم 167 سنة 1938 على المطعون ضدّهم وطلبوا فيها في أوّل الأمر إلزام المطعون ضدّهما الأوّلين في وجه الثالث بعدم التعرّض لهم وكف المنازعة في الأطيان المبينة بصحيفة الدعوى، ثم عدّلوا هذه الطلبات بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1937 إلى طلب الحكم بصفة مستعجلة بإعادة وضع يدهم على 15 فداناً و12 قيراطاً و10 أسهم مبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها إليهم ومنع تعرض الخصوم لهم فيها مع إلزامهم متضامنين بالمصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبالنسخة الأصلية للحكم.
ولما نظرت الدعوى دفع المطعون ضدّه الثالث بعدم اختصاص المحكمة الجزئية بنظر الدعوى المستعجلة. والمحكمة قضت بتاريخ 14 من إبريل سنة 1938 برفض هذا الدفع وباختصاص المحكمة وفي الموضوع برفض دعوى المدّعين (الطاعنين) وألزمتهم بالمصاريف ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة بني سويف الابتدائية وقيدوا استئنافهم تحت رقم 155 سنة 1938 طالبين بصحيفة الاستئناف المعلنة في 4 من مايو سنة 1938 قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع القضاء بصفة مستعجلة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإعادة وضع يدهم على الخمسة عشر فداناً وكسر المبينة بصحيفة تعديل الطلبات الابتدائية وإلزام الخصوم بمصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين... إلخ.
ومحكمة بني سويف قضت بصفة استئنافية في 13 من يونيه سنة 1938 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين (الطاعنين) بالمصاريف وبمائتي قرش أتعاباً للمحاماة للمستأنف عليهم (المطعون ضدّهم).
لم يعلن هذا الحكم للطاعنين ولكن محاميهم طعن فيه بطريق النقض في 12 من إبريل سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّهم في 15 و16 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على أن الحكم المطعون فيه قد أخذ بأسباب الحكم الابتدائي وأضاف إليها سببين جديدين. وهذه الأسباب جميعاً معيبة في نظر الطاعنين لما يأتي:
(فأوّلاً) الحكم الابتدائي لم يبين موضوع النزاع على حقيقته وخلط بين دعوى وضع اليد ودعوى الموضوع. وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن ذلك الحكم قد ذكر في أسبابه أنه لا نزاع بين المدّعين (الطاعنين) وبين المدعى عليه الثالث (المطعون ضدّه الثالث) في أنه يملك هذا القدر وأن له حق الانتفاع به كيف شاء، وإنما وجه الخلاف بينهم هو أن الطاعنين يقولون بأن إبراهيم بركات أفندي المذكور لا يملك حق تأجير هذا القدر مفرزاً ما دام أنه لا يملكه إلا على الشيوع، وأنه برغم ذلك قد اختار أجود الأطيان تربة ووضع يده عليها وأجّرها مفرزة. وهذا القول من المحكمة قلب لوقائع الدعوى له أثره في تكييفها إذ حقيقة الأمر أن الطاعنين إنما يتظلمون من طريقة انتفاع خصومهم بالأرض المشاعة ومن اغتصابهم أرضاً هم واضعو اليد عليها معتمدين في ذلك على حكم القوّة، لا أن أولئك الخصوم وضعوا يدهم على جزء تربته جيدة، فيكون مناط النزاع دعوى حساب كما قالت المحكمة، فالحكم الابتدائي مشوب إذن بخلوّه من الأسباب إذ أن ما ذكره لم يبين النزاع على حقيقته، ومشوب أيضاً بخلطه بين دعوى وضع اليد ودعوى الموضوع.
(وثانياً) لقد ذكر الحكم الاستئنافي أن الطاعنين معترفون في تحقيق الشكوى الإدارية بوضع يد خصومهم على الأرض قبل رفع الدعوى مع أن عريضة الدعوى قدّمت للإعلان في 6 من نوفمبر سنة 1937 والاغتصاب وقع في 7 منه أي بعد تقديم الدعوى. وذكر الحكم الاستئنافي أيضاً أن شرط دعوى رد الحيازة أن تكون الحيازة نزعت بالقوّة، وأن ليس في القضية دليل على اقتران حيازة المطعون ضدّهم بالقوّة والتهديد، وأن للمطعون ضدّه الثالث الانتفاع بنفسه بالقدر المؤجر بعد أكتوبر سنة 1937. ويقول الطاعنون إن هذا الذي ذكرته محكمة ثاني درجة خطأ في تطبيق القانون؛ فالاستيلاء على أرض خلسة كما فعل المطعون ضدّهم يعتبر غصباً. ثم إن الحكم المطعون فيه قد سار على الخطأ الذي وقع فيه حكم محكمة أوّل درجة بأن تعرض مثله في دعوى وضع اليد إلى أصل الحق وبنى أسبابه في ذلك على الاعتراف بأساس حق المطعون ضدّه الثالث مع وجوب قصر تلك الأسباب على ركني دعوى الحيازة وهما الحيازة والغصب. هذا هو ما بني عليه الطعن المقدّم.
وبما أن ما يعيبه الطاعنون على الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه هو ما يأتي:
جاء في الحكم الابتدائي الفقرات التالية بعد ذكره وقائع الدعوى:
"وحيث إنه عقب ذلك تحرّر عقد إيجار بين مورّثة المدّعين والمدّعى عليه الثالث بتأجير هذا القدر لمدّة 10 سنوات تنتهي في أكتوبر سنة 1937 وقبل حلول نهاية هذه المدّة توفيت مورّثة المدّعين وابتدأ النزاع بين ورثتها وبين المدّعى عليه الثالث على قيمة الإيجار. فأرسل المدّعى عليه الثالث إنذاراً إلى المدّعي الأول بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1937 بصفته قد حل محل مورّثته التي انتهى عقد إيجارها وأنه قد أجرى تأجير الـ 15 فداناً المذكورة إلى المدّعى عليه الثاني ويحتم تسليم الأرض للمستأجر الجديد. وقد تمكن المستأجر الجديد (المدّعى عليه الثاني) من وضع اليد على هذا القدر وزرعه فعلاً. فرفع المدّعون هذه الدعوى وطلبوا أوّلاً في عريضة دعواهم منع تعرّض المدّعى عليهما الأوّلين في مواجهة المدّعى عليه الثالث. ولما تبين أن دعوى منع التعرّض لا تستقيم قبل المدّعى عليه الثالث وممثليه دفع المدّعى عليه الثالث بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المستعجلة فضمت المحكمة الدفع للموضوع".
"وحيث إنه عن الدفع فهو غير جدّي وقد سار القضاء على اعتبار القاضي الجزئي هو قاضي الأمور المستعجلة".
"وحيث عن الموضوع فلا نزاع بين المدعين وبين المدعى عليه الثالث في أنه يملك هذا القدر وأن له حق الانتفاع به كيف شاء. ووجه الخلاف بين المدعين والمدعى عليه في أن الطرف الأوّل يقول بأن المدعى عليه لا يملك حق تأجير هذا القدر مفرزاً في حين أنه يملكه على الشيوع، وأنه قد اختار أجود الأطيان تربة ووضع يده عليها وأجرها مفرزة".
"وحيث إن هذا الاعتراض محل دعوى حساب تقام على حدة حتى يتم اختصاص كل من المدعين والمدعى عليه بحصته مفرزة سواء بقسمة نهائية برضاء الجميع أو بقسمة قضائية".
أما الحكم المطعون فيه فقد أجملت أسبابه في الفقرتين الآتيتين:
"وحيث إن الحكم المستأنف في محله للأسباب التي بني عليها. يضاف إلى ذلك أنه ثابت من الشكوى الإدارية رقم 958 سنة 1938 إداري الفشن والتي تم تحقيقها في 7 نوفمبر سنة 1937 أن المستأنف الأوّل معترف في هذه الشكوى بالتاريخ المذكور بأن المستأنف عليهما الأوّلين وضعا اليد فعلاً على الـ 15 فداناً موضوع الدعوى ولم ترفع الدعوى أمام محكمة أوّل درجة إلا بعد هذا التاريخ أي في 9 نوفمبر سنة 1937. فالقول في عريضة تعديل الطلبات الحاصلة في 16 ديسمبر سنة 1937 بأن المستأنف ضدّهما الأوّلين وضعا اليد خلسة وعنوة في خلال فترة تأجيل القضية لا يتفق مع ما هو ثابت في الشكوى سالفة الذكر".
"وحيث إنه فضلاً عن ذلك فمن أركان دعوى استرداد الحيازة القوّة، ولا دليل في القضية على استعمالها أو التهديد بها، بل الثابت أن مورّثة المستأنفين كانت مستأجرة الأرض من المستأنف عليه الثالث بعقد تنتهي مدّته في أكتوبر سنة 1937. ومن هذا التاريخ للمستأنف عليه الثالث، ولمن استأجر منه الحق في الانتفاع بنصيبه، وهو ما حصل بدون أن يقترن بأي قوّة. ومن ثم يتعين تأييد الحكم المستأنف".
تلك هي أسباب الحكمين التي كانت مثار الطعن.
وبما أن مناط الفصل فيما تناوله طرفاً الخصومة دفعاً ودفاعاً هو استظهار حكم القانون في شأن حق الشريك على الشيوع في الانتفاع بما يملك.
وبما أنه لا نزاع في أن كل مالك على الشيوع له حق الملكية في كل ذرّة من العقار المشاع ولا يستطيع شريكه إخراجه منه أو نزع حيازته. وهذا الحق سواء بين الشركاء لا يمتاز به واحد عن الآخر إلا إذا كان يستمسك بحق مردّه سند آخر غير الملكية المشاعة كالإجارة مثلاً.
وبما أن الوقائع التي استعرضها الحكمان المطعون فيهما ثابت فيها أن مورّثة الطاعنين كانت مستأجرة على المشاع الأرض المتنازع عليها ولما توفيت وحلوا محلها كانت هذه الإجارة قد انتهت فأصبحوا هم والمطعون ضدّه الثالث سواء في حق وضع اليد على الأرض المشاعة بينهم للانتفاع بها، ولما اختلفوا في طريقة هذا الانتفاع كان الطاعنون ينكرون على المطعون ضدّه الثالث أن ينتفع بملكه بغير طريق التأجير لهم أنفسهم أو للمستأجر منهم، على ما ذكروه صراحة في تقرير الطعن، وهو يرى أنه في حل من التأجير لمن يشاء. وقد فعل ووضع مستأجره يده على جزء من الأرض المشاعة على أساس أنه معادل لنصيب المطعون ضدّه الثالث، فبرز النزاع في شكل الدعوى الحالية التي رفعها الطاعنون وكيفوها أوّلاً بأنها دعوى تعرّض في وضع اليد ثم عدّلوها إلى دعوى استرداد حيازة من المستأجر من شريكهم.
وبما أن تكييف الدعوى بهذا الوصف أو ذاك غير صحيح، فالدعوى ليست إلا نزاعاً بين شركاء على الشيوع في طريقة انتفاع كل منهم بنصيبه الشائع. وقد حام الحكمان المطعون فيهما حول هذا التكييف، ثم أشارا، رغبة في التزيد، إلى شروط دعوى وضع اليد، ونفيا تحققها.
وبما أن القضاء برفض الدعوى هو القضاء السليم الذي يتفق مع التكييف الصحيح السابق بيانه إذ لا ريب أن الطاعنين لا يستطيعون الاستمساك بالإجارة الصادرة لمورّثتهم وقد انتهت وهم ليس لهم من سند في وضع يدهم غير الملكية الشائعة التي لخصمهم مثلها. فالنزاع إذن هو على طريقة الانتفاع، ومحله دعوى محاسبة أو دعوى قسمة لا دعوى ردّ حيازة التي هي من دعاوى وضع اليد.
وبما أنه ليس من محل بعد هذا البحث لما قدّرته محكمة الموضوع من عدم ثبوت غصب مادي أو ثبوته فقد كان ذلك نافلة من القول الدعوى في غنى عنه.
وبما أن وجوه الطعن جميعاً تصبح بما سبق بيانه على غير أساس لبنائها على دعوى هي من دعاوى وضع اليد، ويتعين إذن رفضه برمته.