(104)
جلسة 8 من مارس سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكي عبد الرحمن اللمعي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود إبراهيم محمود على عطا الله، ويحيى خضري نوبي محمد عبد المجيد، وعبد المجيد أحمد حسن المقنن، وعمر ضاحي عمر ضاحي نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد إبراهيم عبد الصمد مفوض الدولة
وحضور السيد/ محمد عويس عوض الله سكرتير المحكمة
-------------
الطعن رقم 6597 لسنة 45 قضائية. عليا:
أموال الدولة العامة - الانتفاع بها - ضوابطه.
المال المملوك للإدارة يكتسب صفة العمومية بتخصيصه لمنفعة عامة بإحدى الطرق المقررة قانونًا - ملكية الأموال العامة تكون للدولة ومن حق الملكية حق استعمال المال واستثماره والتصرف فيه بمراعاة أغراض المنفعة العامة المخصص لها المال، ويحول هذا التخصيص دون التصرف في المال العام إلا إذا انطوى ذلك على نية تجريده من صفة العمومية فيه - يجرى ترتيب سبل الانتفاع بالمال العام وفقًا للأوضاع والإجراءات المنظمة لذلك قانونًا - مؤدى ذلك: المال العام لا يمكن أن يكون محلاً لتصرفات مدنية ومنها عقود الإيجار المعروفة في القانون الخاص لأن هذه الاتفاقات والعقود المدنية لا تتفق وطبيعة الأغراض التي يخصص لها المال العام، وهو الاستعمال والانتفاع العام من الكافة - لجهة الإدارة أن تتحفظ على المال العام بسلطتها كاملة بأن تنظم الانتفاع بالمال العام بترخيص يصدر بقرار إداري منها أو أن تفرغ الاتفاق في صورة عقد إداري تكون الإدارة أحد طرفيه بوصفها سلطة عامة؛ حيث يتصل العقد بنشاط مرفق عام ويقصد تسييره أو تنظيمه ويتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية بما تتضمنه من شروط استثنائية متميزة تتفق مع طبيعة الانتفاع بالمال العام وتحكم ذلك العقد الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع – تطبيق.
الإجراءات
في يوم الأربعاء الموافق 7/ 7/ 1999 أودع الأستاذ/ علي عبد القوي محسن (المحامي) نائبًا عن الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور (المحامي) بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العمومي تحت رقم 6597 لسنة 45 ق. في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية "الدائرة الأولى" في الدعوى رقم 4565 لسنة 1 ق بجلسة 17/ 5/ 1999، والقاضي منطوقه أولاً: بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإنهاء الترخيص الصادر من هيئة قناة السويس برقم 744 وإلزام....... بتسليم الأرض محل الترخيص بالحالة التي تسلمها عليها أثناء الترخيص للهيئة. ثانيًا: رفض طلب إلغاء القرار الصادر بإنهاء الترخيص في 7/ 4/ 1993م وألزمته المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار والحكم مجددًا بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وبإحالتها إلى القضاء المدني، وبالنسبة لدعوى الطاعن الحكم مجددًا بإلغاء القرار الصادر بإنهاء الترخيص في 7/ 4/ 1993، وفي جميع الأحوال بإلزام الهيئة المطعون ضدها المصاريف شاملة أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي. وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن مصروفات الطعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5/ 3/ 2003 وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 15/ 10/ 2003 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة - موضوع" وحددت لنظره أمامها جلسة 9/ 3/ 2004 ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات.
وبجلسة 21/ 12/ 2004 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 8/ 3/ 2005 وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع النزاع سبق بيانها بالحكم المطعون فيه وهو ما تحيل معه المحكمة في شأن هذه الوقائع إلى الحكم المذكور وتعتبره مكملاً لقضائها، فيما عدا ما يقتضيه حكمها من بيان موجز حاصله أن الهيئة المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم 108 لسنة 1988 أمام محكمة بورسعيد الابتدائية "مستعجل" بموجب صحيفة مودعة قلم كتابها بتاريخ 28/ 8/ 1988 طالبة في ختامها الحكم في مادة مستعجلة بإلزام المدعى عليه "الطاعن" بأن يخلي الأرض المرخص له بشغلها الواقعة بشمال الحوض الصناعي بشارع رقم 100 ببورسعيد وأن يسلمها خالية من أية منشآت مقامة عليها وإلزامه المصروفات على سند من القول إن الطاعن يشغل الأرض المملوكة لها رقم 744 ومساحتها 753.75م2 المشار إليها وذلك بموجب ترخيص إشغال مؤرخ في 29/ 5/ 1976 يسري اعتبارًا من 1/ 7/ 1976 وحتى 30/ 6/ 1977 وتتجدد مدته سنويًا ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر برغبته في إنهاء الترخيص قبل انتهاء المدة الجارية بشهرين على الأقل وقد قررت الهيئة المطعون ضدها إنهاء هذا الترخيص اعتبارًا من 30/ 6/ 1988 واستلام الأرض لإقامة مشروعات سكنية للعاملين بها فأخطرت المدعي بذلك بكتاب موصى عليه برقم 1456 في 27/ 4/ 1988 مشفوعًا بإنذار على يد محضر في ذات التاريخ إلا أن الطاعن لم يستجب لطلب الإخلاء.
وبجلسة 21/ 11/ 1988 قضت المحكمة المذكورة بصفة مستعجلة أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة مكانيًا بنظر الدعوى وباختصاصها. ثانيًا: بطرد المدعى عليه من الأرض موضوع التداعي وتسليمها للمدعي بصفته بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد وإلزام المدعى عليه المصروفات فطعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 143 لسنة 1988 مستأنف مستعجل بورسعيد، وبجلسة 19/ 1/ 1989 قضت محكمة الاستئناف: أولاً: برفض الدفع المبدى من المستأنف ضده ببطلان صحيفة الاستئناف وبقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وأبقت الفصل في المصروفات.
ونفاذًا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وقيدت بجدولها برقم 939 لسنة 11 ق.
وتدوولت بالجلسات أمامها وبجلستها المنعقدة في 24/ 4/ 1991 قضت برفض طلب المدعي العاجل وألزمته مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها، ونفاذًا لقرار رئيس مجلس الدولة بإنشاء محكمة القضاء الإداري ببورسعيد أحيلت الدعوى إليها وقيدت بجدولها برقم 1725 لسنة 1 ق. ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية نفاذاً لقرار رئيس مجلس الدولة بإنشاء محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية وقيدت هذه الدعوى مع الدعويين التاليتين برقم واحد هو 4565 لسنة 1 ق.
وعن الدعوى الثانية فإن الطاعن أقام الدعوى رقم 1199 لسنة 2 ق. أمام محكمة القضاء الإداري ببورسعيد بموجب عريضة مودعة قلم كتابها بتاريخ 18/ 8/ 1993 بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إزالة البناء المؤجر له، مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها استمرار العلاقة الإيجارية بينه وبين الهيئة المدعى عليها وإلزام المدعى عليه المصروفات على سند من القول إنه يستأجر من الهيئة المدعى عليها قطعة أرض مقام عليها مخزن بموجب عقود إيجار بدأت مع الشركة الفرنسية القائمة على إدارة قناة السويس وتجددت تلك العقود بعد نقل اختصاصات قناة السويس إلى الهيئة وآخر تلك العقود كان بتاريخ 29/ 5/ 1976 ويتجدد هذا العقد تلقائيًا حتى الآن إلا أن الهيئة المدعى عليها أرادت إنهاء التعاقد وأقامت لذلك الدعوى رقم 180 لسنة 1988 مستعجل بورسعيد والتي تدوول نظرها طبقًا لما سلف بيانه ثم فوجئ بصدور قرارها المطعون فيه متضمنًا إنهاء العقد المبرم معه بالطريق الإداري، وأرسل القرار لقسم شرطة العرب لتنفيذه إداريًا وإزالة المبنى الخاص به والذي يزاول فيه أعمالاً تجارية ناعيًا على القرار المطعون فيه بعيب مخالفته القانون والانحراف بالسلطة، وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى أمام المحكمة المذكورة، وبجلستها المنعقدة في 6/ 11/ 1993 قررت ضم هذه الدعوى إلى الدعوى رقم 1725 لسنة 1 ق. للارتباط وأمرت بإحالتهما إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير واحد فيهما.
وعن الدعوى الثالثة فأقامها الطاعن أمام محكمة بورسعيد الجزئية بموجب صحيفة مودعة قلم كتابها بتاريخ 17/ 8/ 1993 وقيدت بجدولها برقم 214 لسنة 1993 بطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر من الهيئة المدعى عليها فيما تضمنه من إنهاء العقد المبرم معه وإلزامه المصروفات مستندًا إلى ذات الأسباب الواردة بعريضة دعواه رقم 1199 لسنة 2 ق. المشار إليها سلفًا.
وبجلسة 1/ 1/ 1994 قضت محكمة بورسعيد الجزئية في مادة تنفيذ وبصفة مستعجلة بقبول الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري ببورسعيد وأبقت الفصل في المصروفات، ونفاذًا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى المحكمة الأخيرة وقيدت بجدولها برقم 640 لسنة 3 ق. وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى أمامها بالجلسات على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلستها المنعقدة في 6/ 8/ 1994 قررت ضم هذه الدعوى إلى الدعوى رقم 1725 لسنة 1 ق. وأمرت بإحالتها إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها مع الدعويين رقمي 1275 لسنة 1 ق. و1199 لسنة 3 ق. وإعداد تقرير واحد في الدعاوى الثلاث، ونفاذًا لقرار رئيس مجلس الدولة بإنشاء محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية أحيلت الدعاوى الثلاث إلى المحكمة الأخيرة وقيدت بجدولها برقم واحد "4565 لسنة 1 ق".
وبجلسة 17/ 5/ 1999 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية "الدائرة الأولى" حكمها المطعون فيه وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لطلب هيئة قناة السويس المطعون ضدها الأولى في دعواها المشار إليها الحكم بإلزام المدعى عليه "الطاعن" بإخلاء الأرض المرخص له بشغلها.. وبأن يسلمها إليها خالية من أية منشآت أقامها عليها .. على أن الترخيص محل هذه المنازعة هو من قبيل الانتفاع العادي بجزء من المال العام ومن ثم يصطبغ بصبغة العقد الإداري وتحكم هذا الترخيص الشروط الواردة فيه، وأن الثابت من العقد المبرم بين الطرفين أن مدة الترخيص سنة تبدأ من 1/ 7/ 1976 وتنتهي في 30/ 6/ 1977 ويجدد لمدة سنة أخرى ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بخطاب موصى عليه بعلم الوصول قبل انتهاء المدة الجارية بشهرين على الأقل، وظل هذا العقد يجدد تلقائيًا حتى أعلنت الهيئة عن رغبتها في إنهاء العقد بكتابها المسجل بعلم الوصول رقم 1456 بتاريخ 27/ 4/ 1988 بأنها قررت إنهاء الترخيص الصادر لورثة..... اعتبارًا من 30/ 6/ 1988 ومن ثم فإنه إعمالاً لنصوص العقد التي تنظم الانتفاع بالمال العام فقد انتهت المدة المتفق عليها ويتعين على المدعى عليه "الطاعن" إنهاء العقد وإخلاء المكان وتسليمه إلى الهيئة المدعية بالحالة التي تسلمتها عليها وهي أرض فضاء طبقًا لما نص عليه في البند الأول من العقد. وقد قررت الهيئة أن إلغاء الترخيص يرجع لرغبتها في إنشاء مساكن على الأرض محل الترخيص للعاملين بها، وبناءً على ذلك قضت بانتهاء الترخيص الصادر من هيئة قناة السويس للمدعى عليه رقم 744 وإلزام المدعى عليه بتسليم الأرض محل الترخيص بالحالة التي تسلمها عليها أثناء الترخيص.
كما أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لطلب الطاعن الحكم بإلغاء القرار الصادر من الهيئة المطعون ضدها بتاريخ 7/ 4/ 1993 المتضمن إنهاء العلاقة الإيجارية بالطريق الإداري وإخلاء الأرض من شاغليها على أساس ما سبق أن انتهت إليه في الدعوى المقامة من الهيئة ضد المدعى عليه "الطاعن" هو ما صدر به القرار المطعون فيه والذي أصدرته الهيئة بما لها من حق طبقًا للبند الحادي عشر من الترخيص المبرم بين الطرفين، وبذلك يكون هذا القرار قد صدر قائمًا على سببه الصحيح مطابقًا للقانون.
وإذ لم يلقَ هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد أقام الطعن الماثل ناعيًا على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ومجحفًا بحقوقه، كما شابه عيب الفساد في الاستدلال فضلاً عن أنه هدر دفاع الطاعن وذلك للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن، وتوجز في أن الحكم الطعين أخطأ حينما اعتبر علاقة الطاعن بالهيئة علاقة منتفع عادي بجزء من المال العام في حين أن تلك العلاقة ترجع إلى تاريخ سابق على تأميم شركة قناة السويس التي قامت بتأجير قطعة من أراضيها إلى الطاعن ويستحيل أن يتحول المال الخاص إلى مال عام لمجرد تأميم الشركة، كما خالف شروط هذا العقد التي تؤكد الطبيعة المدنية للعقد موضوع النزاع، ويترتب على ذلك أن علاقة الإيجار موضوع هذا العقد يحكمها القانون المدني دون غيره، وأن القضاء المختص بنظر هذا النزاع هو القضاء المدني، وحتى مع التسليم بأن النزاع محكم بحكم إحالة من القضاء المدني للقضاء الإداري، فإنه كان يجب على القضاء الإداري أن يطبق أحكام القانون المدني على المنازعة.
وأضاف الطاعن أن الحكم المطعون فيه أهدر المستندات المقدمة في الدعوى والتي تتمثل في أن العين المؤجرة للطاعن يرجع شغلها إلى أكثر من أربعين عامًا، وأن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية مالكة العين آنذاك قد رخصت للطاعن المستأجر ببناء مخزن، وظل هذا المبنى منذ إنشائه عام 1948 إلى أن تم تأميم تلك الشركة عام 1956 وحلت محلها هيئة قناة السويس، ومؤدى ذلك: أن عين النزاع لم تعد أرضًا فضاءً منذ عام 1948، بل أصبحت مكانًا مؤجرًا خاضعًا لأحكام قوانين الإسكان ومنها أحكام الامتداد القانوني، ويظل هذا العقد ساريًا لمدد غير محددة ولا تملك الجهة المؤجرة أية سلطة في قبول التجديد أو رفضه، ومع هذا الامتداد القانوني لا يجوز طلب الإخلاء إلا لأحد الأسباب التي أوضحتها المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 باعتباره القانون الواجب التطبيق.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة أوراق الطعن أن قطعة الأرض مثار النزاع الماثل كائنة بشمال القناة الداخلية (الحوض الصناعي) والمتصلة بقناة السويس وميناء بورسعيد - ومساحتها 753.75م2 - تقع ضمن أملاك هيئة قناة السويس المخصصة للمنفعة العامة وأنشأت هذه القناة لتخفيف عبء تكدس البضائع بالميناء الرئيسي وذلك بسحب هذه البضائع إلى هذه القناة الداخلية، وتم تخصيص الأرض الكائنة على شواطئها لتخزين البضائع بالمخازن التي أنشئت لهذا الغرض، ومن حيث إن المادة (87) من القانون المدني تنص على أنه"
1 - تُعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص...
2 - وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المال المملوك للإدارة يكتسب صفة العمومية بتخصيصه لمنفعة عامة بإحدى الطرق المقررة قانونًا ولما كانت ملكية الأموال العامة تكون للدولة ومن حق الملكية حق استعمال المال واستثماره والتصرف فيه بمراعاة أغراض المنفعة العامة المخصص لها المال، ويحول هذا التخصيص دون التصرف في المال العام إلا إذا انطوى ذلك على نية تجريده من صفة العمومية فيه، ويجرى ترتيب سبل الانتفاع بالمال العام وفقًا للأوضاع والإجراءات المنظمة قانونًا للانتفاع بالمال العام، ومعنى ذلك أن المال العام لا يمكن أن يكون محلاً لتصرفات مدنية ومنها عقود الإيجار المعروفة في القانون الخاص لأن هذه الاتفاقات والعقود المدنية لا تتفق وطبيعة الأغراض التي يخصص لها المال العام وهو الاستعمال والانتفاع العام من الكافة، ومن ثم فإن لجهة الإدارة أن تتحفظ على المال العام بسلطتها كاملة طبقًا للنظام القانوني الذي يحدد قواعد الانتفاع بالمال العام بأن تنظم الانتفاع بالمال العام بترخيص يصدر بقرار إداري منها، كما أن لها أن تفرغ الاتفاق في صورة عقد إداري تكون الإدارة أحد طرفيه بوصفها سلطة عامة؛ حيث يتصل العقد بنشاط مرفق عام وبقصد تسييره أو تنظيمه ويتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه شروط هذه العقود من شروط استثنائية متميزة تتفق مع طبيعة الانتفاع بالمال العام وتحكم ذلك العقد الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع، وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقًا يختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقرر عليه وتتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة بالترخيص بشرط أن يقوم المنتفع بالالتزامات الملقاة على عاتقه، وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع، فلا يسوغ لها إلغاء الترخيص إلا إذا اقتضت المصلحة العامة إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الترخيص محل هذه المنازعة أن هيئة قناة السويس رخصت لمورث الطاعن بجزء من الأموال العامة لانتفاعه الخاص مقابل مبلغ معين وبشروط محددة تخرج عن نطاق القواعد المقررة في القانون الخاص خاصة ما تعلق منها بالأسعار مقابل الأشغال أو ما يقدمه من خدمات أو في طبيعة المنشآت التي يقيمها وتقرير حق الهيئة في أن تشغل الأرض موضوع هذا العقد بصفة مؤقتة أو أن تباشر فيها أعمالاً متعلقة بنشاطها ولا يجوز للمنتفع أن يعترض على شغلها لهذه الأرض أو على هذه الأعمال أو أن يطالبها بأي تعويض بسبب التعرض له في الأشغال، وأنه في حالة التأخير في دفع مقابل الأشغال عن ميعاد استحقاقه يعتبر الترخيص لاغيًا فورًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار من جانب الهيئة، وكذا في حالة مخالفة الشروط والبنود الواردة بهذا الترخيص، ولا سيما ما يتعلق منها بالاستعمال الذي من أجله رخص بشغل هذه الأرض، ويعتبر الترخيص لاغيًا إذا لم يقم المنتفع بإزالة المخالفة في المهلة التي تحددها له الهيئة بخطاب موصى عليه وعندئذ يحق للهيئة أن تسترد في الحال بالطريق الإداري العين المرخص بشغلها مع إلزام المنتفع بدفع مقابل الأشغال عن باقي مدة الترخيص وإعادة المكان إلى ما كان عليه وإزالة أسباب المخالفة، فضلاً عن إلزامه بكافة التعويضات التي تترتب على ذلك، وأيضًا جاء بهذا الترخيص أنه بمجرد انتهاء هذا الترخيص أو فسخه يلتزم المنتفع بأن يعيد إلى الهيئة العين المرخص بشغلها وإلا ألزم بدفع تعويض عن مدة التأجير ... وذلك دون حاجة لأي تنبيه أو إنذار مع عدم الإخلال بحق الهيئة المطعون ضدها في طرد الشاغل بالطريق الإداري، وتعاد العين خالية من كافة المباني، وبالحالة التي سلمت بها إليه وإلا فإن الهيئة تقوم بنفسها أو بواسطة غيرها ودون أية مسئولية عليها وبمصاريف على عاتق المنتفع بإزالة كافة المنشآت المقامة على الأرض المرخص بإشغالها وإعادة الأرض إلى حالتها وذلك دون الإخلال بحقها في مطالبة الشاغل بالتضمينات التي تترتب على ذلك.
ومن حيث إنه ترتيبًا على ما تقدم فإن الترخيص للطاعن بالانتفاع بقطعة الأرض فضاء من أملاك الدولة العامة كائنة على ضفاف القناة الداخلية المشار إليها لا يعدو أن يكون عقدًا إداريًا استوفى مقومات وخصائص العقود الإدارية، وحيث إنه لا خلاف بين أطراف الخصومة في أن الترخيص مثار النزاع الماثل كانت مدته سنة وكان يجدد سنويًا بين الهيئة ومورث الطاعن ثم جدد مع ورثته من بعده بذات الشروط الواردة بالترخيص السابق وبذات رقم الترخيص 744 وذلك بتاريخ 1/ 7/ 1976 - ناصًا في البند الثاني منه (مدة هذا الترخيص اثنا عشر شهرًا تبدأ من أول يوليو سنة 1976 وتنتهي في 30 يونيه سنة 1977 ويجدد لمدة سنة أخرى ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر بخطاب موصى عليه برغبته في إنهاء الترخيص قبل انتهاء المدة الجارية بشهرين على الأقل). كما نص البند الحادي عشر من هذا العقد على أن (بمجرد انتهاء هذا الترخيص أو فسخه يلزم الطرف الثاني بأن يعيد إلى الطرف الأول العين المرخص بشغلها....).
ومن حيث إن سلطة جهة الإدارة في تعديل العقد بما يشمله من إنهائه أو في تعديل طريقة تنفيذه هي الطابع الرئيسي لنظام العقود الإدارية، بل هي أبرز الخصائص التي تميز العقود الإدارية عن نظام العقود المدنية، ومقتضى هذه السلطة أن للإدارة دائمًا سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن ظروفًا استجدت تستدعى هذا الإنهاء، كما إذا أصبح العقد غير ذي فائدة للمرفق العام أو أضحى لا يحقق المصلحة العامة المقصودة في ظل من تغير ظروف الحال عنها وقت التعاقد مع المنتفع، وهو ما ينطبق على العقد الماثل محل النزاع؛ حيث تم استغناء جهة الإدارة عن القناة الداخلية: "الحوض الصناعي" بعد زيادة أرصفة الميناء الرئيسي بما يسمح باستيعاب البضائع الواردة، كما قامت محافظة بورسعيد بردم القنال الداخلي وترتب على ذلك عدم الحاجة إلى وجود المخازن التي رخص بإنشائها على الأراضي التابعة لهيئة قناة السويس والمطلة على القناة الداخلي، فضلاً عن حاجة الهيئة لهذه الأراضي لإنشاء مساكن إدارية للعاملين بها.
ومن حيث إنه متى ثبت أن الهيئة المطعون ضدها أخطرت الطاعن بخطاب موصى عليه بعلم الوصول برقم 1456 في 27/ 4/ 1988 بأنها قررت إنهاء الترخيص المشار إليه اعتبارًا من 30/ 6/ 1988، وطالبته بتسليم الأرض بالحالة التي كانت عليها عند منح الترخيص، وذلك في الموعد المحدد سابقًا مع إزالة أي منشآت قد تكون على هذه الأرض قبل التسليم وإلا ستضطر للقيام بإزالتها على نفقته، ثم أصدرت قرارها الطعين بتاريخ 7/ 4/ 1993 متضمنًا إنهاء العلاقة الإيجارية بالطريق الإداري وإخلاء الأرض من شاغليها، وفي حالة الامتناع عن الإخلاء طوعًا يتم الإخلاء بالقوة الجبرية.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الثابت مما تقدم أن الهيئة المطعون ضدها قد بادرت بإنهاء هذا العقد بمقتضى السلطة المخولة قانونًا لها؛ حيث تترخص في تجديد العقد أو عدم تجديده طبقًا لما تراه محققًا للمصلحة العامة إعمالاً لنص البند الثاني من الترخيص المشار إليه - ومن ثم أضحت يد الطاعن يدًا متعدية على أموال عامة مملوكة للدولة تستوجب إزالتها إداريًا وبناءً عليه أصدرت جهة الإدارة قرارها المطعون فيه المتضمن إنهاء العلاقة الإيجارية بالطريق الإداري وفقًا لما يقتضيه صحيح حكم القانون بما لا يمثل أي مطعن على مسلكها هذا.
من حيث إنه يبين مما سلف جميعه أن الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح حكم القانون فيما قضى به للأسباب التي استند إليها والنتيجة التي خلص إليها ويكون الطعن عليه غير سديد وفي غير محله متعينًا رفضه وإلزام الطاعن بالمصاريف طبقًا لحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.