جلسة 27 من أكتوبر سنة 1969
برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة,
وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام, ومحمود عطيفة, والدكتور أحمد محمد
إبراهيم, والدكتور محمد محمد حسنين.
--------------
(229)
الطعن 1276 لسنة 39 ق
(2) شرط الضرر كركن في جريمة الإضرار العمدي.
أن يكون حقيقيا وثابتا على وجه اليقين.
(6) الخطأ الجسيم والغش. كلاهما يمثل وجها
للإجرام. يختلف عن الآخر. عدم جواز الخلط بينهما في مجال المسئولية الجنائية.
(10) تساند الأدلة في المواد الجنائية.
----------------
1 - إن إعمال حكم المادة 116 مكرراً (أ) يتطلب توافر أركان ثلاثة:
(الأول) صفة الجاني وهو أن يكون موظفاً عمومياً بالمعنى الوارد في المادة 111 من
قانون العقوبات. و(الثاني) الإضرار بالأموال والمصالح المعهودة إلى الموظف، ولو لم
يترتب على الجريمة أي نفع شخصي له. و(الثالث) القصد الجنائي: وهو اتجاه إرادة
الجاني إلى الإضرار بالمال أو بالمصلحة، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب
الإهمال.
2 - يشترط في الضرر كركن لازم لقيام جريمة
الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، أن
يكون محققاً، أي حالاً ومؤكداً، لأن الجريمة لا تقوم على احتمال تحقق أحد أركانها،
والضرر الحال هو الضرر الحقيقي سواء كان حاضراً أو مستقبلاً، والضرر المؤكد هو
الثابت على وجه اليقين. وإذ كان ذلك، وكان دفاع المتهم قد تأسس على أن الضرر منتف
تماماً، ذلك بأن الشركة التي يرأسها قد اشترت من شركة الوحدة العربية خمس عشرة
سيارة بالعقد المؤرخ في 9 من أكتوبر سنة 1963 بثمن قدرته لجنة من الفنيين في
الشركة وقد نص في عقد الشراء على أن الشركة المشترية لا تلتزم بديون هيئة
التأمينات الاجتماعية، إلا في حدود مبلغ 3500 جنيه, وأنها خصمت هذا المبلغ من ثمن
الشراء، وأن شراءها كان منصباً على عدد من السيارات وليس على منشأة الوحدة العربية
ذاتها، ومن ثم فهي لا تلتزم بديونها، ولا تعتبر خلفاً لها في أدائها لهيئة
التأمينات الاجتماعية وأن السيارات المشتراة لم تنتقل إلى ذمة الشركة محملة بأي
حجوز إدارية، إذ الثابت من محاضر هذه الحجوز، أنه لم يوقع على الشركة البائعة إلا
حجز واحد في 28 ديسمبر سنة 1963, أي بعد تاريخ الشراء في 9 من أكتوبر سنة 1963،
وأنه لم يقدر أي مبلغ لمواجهة الاستهلاك، فإن هذا الدفاع على هذه الصورة في شأن
انتفاء الضرر، يعد دفاعاً جوهرياً يتغير به - إذا صح - وجه الرأي في الدعوى، وإذ
لم تفطن المحكمة إلى فحواه ولم تقسطه حقه ولم تعن بتحقيقه وتمحيصه بلوغاً إلى غاية
الأمر فيه، بل أمسكت عنه إيراداً ورداً واكتفت بعبارات قاصرة أوردتها لا يستقيم
بها الدليل على تحقق الضرر على وجه اليقين، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.
3 - إذا كان ما أورده الحكم من إهدار المتهم
لإشارة المستشار القانوني للمؤسسة على مشروع العقد ومن اعتراض بعض موظفي الشركة
على إبرامه، دليلاً على قيام القصد الجنائي لدى المتهم، لا يسوغ به التدليل على
توافر قصد الإضرار لديه، بمعنى انصراف نيته إلى إلحاق الضرر بالشركة التي يعمل
بها، ذلك أن دفاعه قد بني على أن إبرام مثل هذا العقد إنما يدخل في إطلاقات سلطته
التقديرية باعتباره القائم على إدارة الشركة محل مجلس إدارتها والمسئول عن تحقيق
سياستها، وأنه غير مقيد بآراء مرءوسيه، وأنه فضلاً عن ذلك فقد حرص من جانبه على
الحصول على موافقة رئيس المؤسسة والوزير المختص على إبرام الصفقة، فإن هذا الدفاع
يعد في خصوص الدعوى المطروحة دفاعاً جوهرياً، كان على محكمة الموضوع أن تمحص
عناصره وتستظهر مدى جديته وأن ترد عليه بما دفعه، إن رأت الالتفات عنه لاختلاط ما
هو مسند إلى المتهم بعناصر جريمة الإهمال المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (ب)،
أما وقد أمسكت المحكمة عن ذلك، فإن ذلك مما يصم حكمها بالقصور.
4 - الخطأ في جريمة الإهمال المنصوص عليها في
المادة 116 مكرراً (ب) قوامه، تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل،
أو كان عليه أن يتوقعها، ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها.
5 - الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة، من صور
الخطأ، وينصرف معناه إلى الاستهانة والتفريط بمقتضيات الحرص على المال أو المصلحة
وإساءة استعمال السلطة، إذ أن المشرع وإن كان قد ترك للموظف بعضاً من الحرية في
ممارسة سلطاته يقرره بمحض اختياره في حدود الصالح العام ووفقاً لظروف الحال، ما
يراه محققاً لهذه الغاية، وهو ما يسمى بالسلطة التقديرية، إلا أنه إذا انحرف عن
غاية المصلحة العامة التي يجب عليه أن يتغياها في تصرفه وسلك سبيلاً يحقق باعثاً
لا يمت لتلك المصلحة، فإن تصرفه يكون مشوباً بعيب الانحراف في استعمال السلطة.
6 - يتعين عدم الخلط بين الخطأ الجسيم وبين
الغش، إذ أن كلاً منهما يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الآخر اختلافا تاماً ويناقضه،
فالخطأ هو جوهر الإهمال، والغش هو محرر العمد، وإن جاز اعتبارهما صنوين في مجال
المسئولية المدنية أو المهنية، إلا أن التفرقة بينهما واجبة في المسئولية
الجنائية، يؤكد ذلك أن المشرع أدخل بالمادة 116 مكرراً عقوبات جريمة الإضرار العمد
في ذات التعديل الذي استحدث به جريمة الإهمال الجسيم، فاستلزم الغش ركناً معنوياً
في الجريمة الأولى، واكتفى بالخطأ الجسيم ركناً في الجريمة الثانية.
7 - لا تقع جريمة الاستيلاء بغير حق على مال
للدولة أو لإحدى الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات أو المنشآت التي تساهم
الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما، إلا إذا انصرفت نية الجاني وقت
الاستيلاء إلى تملكه وتضييعه على ربه. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد قصر في استظهار
هذه النية، فإنه يكون معيباً بالقصور.
8 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد، وتقدير
الظروف التي يؤدي فيها شهادته، وتعويل القضاء عليها، وإن كان مرجعه إلى محكمة
الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، إلا أنه يشترط
في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختياراً، وهي لا تعتبر كذلك،
إذا صدرت أثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه.
9 - متى كان الثابت مما أورده الحكم في
مدوناته ومن محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن المتهمين قد أثار أمام المحكمة أن
إكراهاً وتعذيباً وتهديداً قد وقع على الشهود - وقد كان البعض منهم متهماً أصلاً
في الدعوى - وأن وقائع الإكراه والتهديد قد تمثلت في حجز الشهود في ثكنات ...
العسكرية التي كان يجري فيها التحقيق، وفي إطلاق كلب متوحش عليهم ينهش في أجزاء
حساسة من أجسامهم وفي تهديد البعض منهم بالفصل من الخدمة، وفي طلب المباحث
العسكرية فصل خمسة منهم من وظائفهم، وأن قسوة التعذيب دفعت أحدهم إلى الشروع في
الانتحار، وأن هذه الحادثة كانت موضوع تحقيق أجرته السلطات المختصة وأرفقت أوراقه
بملف الدعوى، فإن هذا الذي أثاره الدفاع وأفاض في شرحه، إنما يعد دفعاً ببطلان
أقوال هؤلاء الشهود لصدورها أثر إكراه، وهو دفع جوهري كان يتعين على المحكمة أن
تعرض له بالمناقشة والتفنيد لتتبين مدى صحته، ولا يعصم الحكم قول المحكمة إنها
تطمئن إلى أقوال الشهود، ما دامت أنها لم تقل كلمتها فيما أثاره الدفاع من أن تلك
الأقوال إنما أدلى بها الشهود نتيجة الإكراه الذي وقع عليهم، ذلك أنه لا يكفي
لسلامة الحكم أن يكون الدليل صادقاً، متى كان وليد إجراء غير مشروع.
10 - إن الأدلة في المواد الجنائية متساندة
يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد
تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه
المحكمة.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في خلال المدة من يونيو سنة
1962 إلى ديسمبر سنة 1964 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية: (أولا) المتهم
الأول. بصفته مندوبا مفوضا على شركة ...... المملوكة للدولة والتابعة لمؤسسة
الصوامع والتخزين واعتباره في حكم الموظفين العموميين أحدث عمدا أضراراً بأموال
ومصالح الشركة المذكورة بأن أبرم صفقة شراء خمس عشرة سيارة نقل من المتهم الثاني
.... بمبلغ 9000 جنيه وسلم هذا الثمن غافلا ما شرطه المستشار القانوني للمؤسسة من
وجوب التحقق من عدم وجود أعباء مالية على السيارات مما أدى إلى انتقال ملكية
السيارات إلى الشركة المذكورة وهي محملة بحجوزات إدارية تزيد على 24 ألف جنيه
لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية (ثانيا) المتهم الأول أيضا: 1- بصفته مندوبا
مفوضا على شركة ....... المملوكة للدولة ارتكب تزويرا في محرر للشركة المذكورة هو
عقد بيع السيارات موضوع التهمة السابقة حال تحريره المختص بوظيفته بجعله واقعة
مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بهذا العقد تاريخا سابقا على
تاريخ إبرامه الحقيقي ليمكن المتهم الثاني من الإفلات من إجراءات تأميم السيارات.
2- استعمل المحرر المزور سالف الذكر بأن قدمه إلى اللجنة المشكلة للتحفظ على شركات
السيارات المزمع تأميمها وذلك مع علمه بتزويرها. 3- بصفته سالفة الذكر وباعتباره
في حكم الموظف العام سهل للمتهم الثاني الاستيلاء بغير حق على مبلغ 263 جنيه من
أموال شركة فاروس هي رسوم رخص السيارات المبيعة عن شهر أكتوبر سنة 1963 بأن أمر
بأن تتحمل الشركة هذه الرسوم في حين أن السيارات كانت في حوزة المتهم الثاني ويقوم
بتشغيلها لحسابه الخاص. 4- بصفته سالفة الذكر وباعتباره في حكم الموظف العام سهل
للمتهم الثاني الاستيلاء بغير حق على مبلغ 4471ج للشركة المذكورة المملوكة للدولة
بأن اتفق معه على أن يحاسب أصحاب السيارات الذين يتعاملون مع الشركة ويقدم فواتير
باسم أولاده بأسعار تزيد على الأسعار الفعلية وتمكن المتهم الثاني بذلك من الاستيلاء
على المبلغ المذكور 5- بصفته سالفة الذكر أيضا - أحدث عمدا إضرار بأموال ومصالح
الجهة التي يعمل بها (شركة ......) بأن اقترح على المؤسسة التابع لها إبرام عقد مع
المتهم الثاني لإدارة بعض عمليات النقل محددا عمولة بنسبة 49% من الإيراد بعد خصم
المصروفات والاستهلاكات فلما أجازت المؤسسة إبرام هذا العقد اسقط مقابل الاستهلاك
عند التعاقد وترتب على ذلك أن تمكن المتهم الثاني من تجاوز حصته المشروعة في
الأرباح. 6- أعطى مبلغا قدره 171 جنيها على سبيل الرشوة في صورة مكافأة تشجيعية
للمدعو ..... وآخرين من موظفي وزارة التموين وهم أعضاء اللجنة المشكلة من الوزارة
لرفع الغرامات على شركة ...... وذلك للإخلال بواجبات وظيفتهم ليعملوا على رفع
الغرامات الموقعة على الشركة المذكورة ولمكافأة المدعو ....... 7- بصفته سالفة
الذكر اختلس مبلغ 120ج مسلمة إليه بسبب وظيفته من أموال شركة ........ بأن تسلم
هذا المبلغ من رئيس حسابات الشركة وأمره باحتسابه خصما على إحدى العمليات التي
تقوم بها الشركة ثم اختلسه لنفسه. 8- بصفته عضو مجلس إدارة شركة ........ المصرية
المملوكة للدولة وفي حكم الموظف العام اختلس مبلغ 50جنيها من أموال الشركة المذكورة
بأن تسلم هذا المبلغ من رئيس حسابات الشركة وأمره باحتسابه خصما على إحدى العمليات
التي تقوم بها الشركة ثم اختلسه لنفسه 9- بصفته سالفة الذكر تسبب بخطئه الجسيم في
إلحاق ضرر جسيم بأموال الشركة التي يعمل بها وكان ذلك ناشئا عن إهمال جسيم في أداء
وظيفته بأن كلف من قبل المؤسسة التابع لها بنقل الزيت المعبأ الخاص بوزارة التموين
فأبرم عقدا مع المقاول ....... كلفه خطأ بمقتضاه بنقل الزيت الخاص بالجمعية
التعاونية الاستهلاكية ودفع مبلغ 400ج مقدما كعربون وعندما أراد المقابل تنفيذ
العقد تبين أن الزيت المطلوب نقله خاص بوزارة التموين وترتب على ذلك ضياع العربون
المدفوع للمقاول واضطرت الوزارة للتعاقد مع مقاول أخر كما رفع المتعاقد مع المتهم
دعوى للمطالبة بالتعويض (ثالثا) المتهم الثاني 1- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة
مع المتهم الأول في جناية الإضرار العمدي - موضوع التهمة الأولى - وذلك بأن اتفق
معه على ارتكابها وساعده في ذلك بأن قدم له السيارات موضوع الصفقة ووثق عقود بيعها
قبل تحرير عقد البيع النهائي دون أن يقدم الشهادات الدالة على خلوها من الأعباء
المالية وجعل أولاده يوقعون على هذا العقد فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق
وتلك المساعدة 2- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جناية
التزوير سالفة الذكر بأن اتفق معه على ارتكابها وساعده في ذلك بأن طلب إلى أولاده
التوقيع على العقد بأن حدد له تاريخا سابقا على تاريخ إبرامه فوقعت الجريمة بناء
على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 3- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول
في ارتكاب الجناية موضوع التهمة الثانية بأن اتفق معه على أن تتحمل الشركة مبلغ
263ج قيمة رسوم رخص السيارات المبيعة عن شهر أكتوبر سنة 1963 وساعده في ذلك بأن
قدم له المستندات التي تم بمقتضاها دفع الرسوم المذكورة من أموال الشركة ووقعت
الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة 4- اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع
المتهم الأول في ارتكاب الجناية موضوع التهمة الرابعة بأن اتفق معه على عدم خصم
مقابل الاستهلاك عند احتساب نصيبه في عقد المشاركة في الأرباح بناء على هذا
الاتفاق وتلك المساعدة 5- بصفته مكلفا بخدمة عامة (مشرفا على عمليات نقل المواد
التموينية) لشركة ........ المملوكة للدولة استولى بغير حق على مبلغ 4471ج من
الشركة المذكورة هو الفرق بين الأسعار الفعلية التي كان يحاسب بها مقاولي النقل
المتعاملين من الشركة والفواتير التي كان يقدمها باسم أولاده عن ذات العملية.
وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40/2 و3
و41 و111/5 و6 و112/6 و113/1 و116 و116 مكرراً أو 116 مكرراً ب و118 و119 و213
و214 مكرراً 1 و3 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت في
الدعوى حضوريا عملا بالمواد 40/2 و3 و41 و111/5 و6 و116 مكرر (أ) و119 و214 مكرر 1
و2 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من ........ بالسجن لمدة خمس سنوات وبتغريم
كل منهما خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
-------------
المحكمة