الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 يونيو 2022

الطعن رقم 89 لسنة 42 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 4 / 6 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيه سنة 2022م، الموافق الرابع من ذى القعدة سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دســوقى والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 89 لسنة 42 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية (الدائرة الأولى - أفراد) بحكمها الصادر بجلسة 28/ 12/ 2019، ملف الدعوى رقم 5178 لسنة 23 قضائية.
المقامة من
عبدالعال محمد عبدالعال، بصفته وليًّــا طبيعيًّــا على ابنه القاصر عبدالله
ضـــد
رئيس هيئة قناة السويس

----------------

" الإجـراءات "
بتاريخ السابع من ديسمبر سنة 2020، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 5178 لسنة 23 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسماعيلية - الدائرة الأولى - بجلسة 28/ 12/ 2019، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية البند (9) من المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهنى الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس رقم 362 لسنة 1983، فيما تضمنه من إعطاء أسبقية خاصة لأبناء العاملين بهيئة قناة السويس الموجودين فى الخدمة أو الذين انتهت خدمتهم بسبب الوفاة أو الإحالة إلى المعاش، وذلك بإضافة عدد من الدرجات إلى مجموعهم تحدده الهيئة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالـة وسـائر الأوراق - في أن المدعى، بصفته وليًــا طبيعيًّــا على ابنه القاصر، كان قد أقام الدعوى رقم 5178 لسنة 23 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية، طلبًــا للحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فيما تضمنه من تخطي نجله في القبول بمركز التدريب المهني التابع لهيئة قناة السويس بالترسانة البحرية ببورفؤاد وفرعه ببورتوفيق، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها: قبول نجله وإلحاقه بمركز التدريب المهني المار ذكره، وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال المدعى شرحًا لدعواه إنه بتاريخ 19/ 6/ 2016، أعلنت هيئة قناة السويس- بموجب الإعلان رقم 5 لسنة 2016 عن قبول دفعة جديدة للالتحاق بمركز التدريب المهني التابع للهيئة بالترسانة البحرية ببورفؤاد وفرعه ببورتوفيق، لحملة الشهادة الإعدادية من خريجي عام 2016، وإذ توافرت في نجله الشروط الواردة في ذلك الإعلان، تقدم بطلب لإلحاقه بالمركز المذكور، وقام نجله باجتياز الاختبارات المقررة، إلا أنه فوجئ بصدور قرار إعلان نتيجة القبول بالمركز متخطيًــا نجله في القبول، في حين أنه تم قبول من هم دونه في مجموع الدرجات، سواء في نتيجة الشهادة الإعدادية أو في نتيجة امتحان القبول، وقد نمى إلى علمه أن الهيئة قامت بمنح أبناء العاملين بها، المتقدمين للالتحاق بالمركز (50) درجة لكل منهم، حتى يتميزون عن باقي المتقدمين، وذلك إعمالاً لنص البند (9) من المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهني التابع لهيئة قناة السويس المشـــار إليهـــا. وبتاريخ 12/ 2/ 2018، تظلم من هذا القرار، إلا أن جهـــة الإدارة لم تجبه لتظلمه، مما حدا به إلى إقامة الدعوى المار ذكرها، بطلباته السالفة البيان. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن نص البند (9) من المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهني، الذي يقضــي بإعطــاء أسبقية خاصــة لأبناء العاملين بهيئة قناة السويس الموجودين في الخدمــة أو الذين انتهت خدمتهـم بسبب الوفاة أو الإحالة إلى المعاش، وذلك بإضافة عدد من الدرجات إلى مجموعهم تحدده الهيئة، يتعارض مع أحكام الدستور، لما انطوى عليه من إهدار لحق المواطنين فى التعليم وعلى الأخص التعليم الفنى والتدريب المهنى، إذ منح أسبقية القبول بالمركز المذكور لأبناء العاملين الحاليين والسابقين بهيئة قناة السويس على الرغم من انقطاع الصلة بين الانتماء الأسرى لمن يتقدم للالتحاق بالمركز والضوابط التى يتعين توافرها للقبول به، مما يوقع النص المحال فى شبهة مخالفة نصى المادتين (19، 20) من الدستور، فضلاُ عن مخالفته لمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما فى المادتين (9، 53) من الدستور، فقضت بجلسة 28 ديسمبر سنة 2019، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند المشار إليه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن اختصاصها في شأن الرقابة على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أيًّــا كان موضوعها ونطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، متى تولدت عنها مراكز قانونية عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها الدستورية. لما كان ذلك، وكانت اللائحة المار ذكرها صادرة عن أحد أشخاص القانون العام بناء على تفويض من المشرع في المادة (6) من القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، بشأن إنشاء وتنظيم مركز التدريب المهنى التابع للهيئة، وتحديد قواعد القبول والدراسة به، والذى يضطلع بمهمة أساسية هى إعداد الفنيين وتأهيلهم عمليًّــا وفنيًّــا فى التخصصات التى عددتها مقدمة هذه اللائحة، وذلك لسد النقص الذى تعانى منه البلاد فى مجال العمالة الفنية، وإمداد الهيئة بالفنيين المدربين لخدمة ذلك المرفق الحيوي الذى تقوم على شئونه هيئة عامة، التي وإن أحلّها قانون إنشائها من التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، وأباح لها اتباع أساليب الإدارة والاستقلال المعمول بها في المشروعات التجارية، إلا أن وشائجها بالسلطة العامة وامتيازاتها ما انفكت وثيقة، وما فتئت هذه الرابطة رابطة تنظيمية، وإذ تضمنت تلك اللائحة نصوصًــا قانونية تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، تنظم شروط وقواعد القبول بالمركز المذكور، فإنها تغدو بهذه المثابة تشريعًــا بالمعنى الموضوعى، مما تنعقد معه الولاية بالرقابة على دستوريتها لهذه المحكمة.
وحيث إن المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهني الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس رقم 362 لسنة 1983 تنص على أن شروط الالتحاق:
..........................
(9) تعطى أسبقية خاصة لأبناء العاملين بهيئة قناة السويس الموجودين في الخدمة أو الذين انتهت خدمتهم بسبب الوفاة أو الإحالة إلى المعاش وذلك بإضافة عدد من الدرجات إلى مجموعهم تحدده الهيئة.
وتنص المادة (2) من مواد إصدار هذه اللائحة على أن تطبق هذه اللائحة على أية مراكز تدريبية أخرى تنشئها الهيئة .....، وقد رددت المادة (34) من اللائحة المشار إليها الأحكام ذاتها فنصت على أن تسرى هذه اللائحة اعتبارًا من تاريخ صدورها.
تسرى اللائحة على أية مراكز تدريب تنشئها هيئة قناة السويس .....
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فـــى الدعـــاوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولهـــا، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًــا للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان نص البند (9) من المادة (1) من اللائحة المشار إليها - المحال - هو أحد الضوابط والشروط التى تحكم القبول بمركز التدريب المهنى، التى تضمنتها هذه المادة، والتى تسرى أحكامها على جميع مراكز التدريب التى تنشئها هيئة قناة السويس، إعمالاً لنص المادة (2) من مواد إصدار هذه اللائحة، والمادة (34) منها، وكان الثابت من الأوراق أن المدعي فى الدعوى الموضوعية أقامها بطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار هيئة قناة السويس بشأن إعلان نتيجة القبول بمركز التدريب المهني التابع لها، فيما تضمنه من تخطي نجله في القبول بذلك المركز، وكان الثابت أن نجل المدعي المذكور قد تقدم بطلب الالتحاق بالمركز واجتاز الاختبارات المقررة في هذا الشأن، إلا أنه لم يتم قبوله بالمركز نظرًا لأن ترتيبه بين المتقدمين جاء متأخرًا، وكان ذلك أثرًا لإعمال الجهة الإدارية النص المحال، فيما تضمنه من إعطاء أسبقية خاصة لأبناء العاملين بهيئة قناة السويس الموجوديـن في الخدمـة أو الذين انتهت خدمتهم بسبب الوفاة أو الإحالة إلى المعاش، وذلك بمنحهم عددًا من الدرجات أضيفت إلى درجات الاختبار الشفوي. ومن ثم، يكون النص المحال هو الحاكم للمسألة المعروضة في تلك الدعوى، وتضحى المصلحة متحققة بالنسبة له، بحسبان القضاء في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر مباشر، وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، وخلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، فإن مفهوم العدل - سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعي، باعتبار أن العـدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في حركتها عنها، والتي تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقًــا لديها، فلا يكون العدل مفهومًـــا مطلقًـــا باطراد، بل مرنًــا ومتغيرًا وفقًــا لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًـــا متواصلاً منبسطًــا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًــا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًــا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًــا، وإلا كان القانون منهيًــا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازمًــا .
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه، على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل والمساواة أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز، التزامًــا دستوريًــا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّــا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة، باعتباره أساسًــا لبناء المجتمع وصــون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور فى المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، فى الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، كما ألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وفى هذا الإطار جعل الدستور بمقتضى نص المادة (19) منه عدم التمييز فى مجال الحق فى التعليم، كحق قرره الدستور لكل مواطن، أحد الأهداف التى تلتزم الدولة بمراعاة تحقيقها، ليغدو كفالة ذلك التزامًــا دستوريًّــا على عاتق الدولة، وقيدًا على كل تنظيم يتناول هذا الحق، إلا أن ذلك لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعامل المواطنون على ما بين فئاتهم من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعًــا، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنصوص المواد (4، 19، 53) المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو الذى يكون تحكميًّــا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما ينطوى عليه من تمييز - مصادمًــا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًــا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّــا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًــا لمبدأ المساواة.
وحيث إن الإخلال بالمساواة أمام القانون، الذى كفله الدستور - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - يتحقق بأي عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز لها أن تفرض تغايرًا في المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنها؛ وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفًا منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًـــا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعيتهـا، واتصال هذه الوسائل منطقيًا بها، ولا يتصور بالتالي أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع، بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التي يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالي أن يكون التقدير الموضوعي لمعقولية التقسيم التشريعي منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور لكل مواطن، إلا أنه ليس هناك ما يمنع المشرع من تناول هذا الحق بالتنظيم، ما دام رائده في ذلك مصلحة عامة معتبرة، سعى إلى تحقيقها من خلال بدائل وخيارات قائمة على أسس موضوعية ترتبط بالغاية المتوخاة من تنظيمه، مستهدفًا بذلك الصالح العام، وفي حدود أحكام الدستور ومتطلباته، فالأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيــم الحقوق - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة. ولما كان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، وكان التعليم من أكثر المهام خطرًا، وأعمقها اتصالاً بإعداد أجيال تكون قادرة - علمًا وعملاً - على أن ترقى بمجتمعها، وانطلاقًا من المسئولية التي تتحملها الدولة في مجال إشرافها عليه - طبقًا لما تقضى به المادة (19) من الدستور القائم - فإنه أصبح لزامًا عليها أن تراعى عند تنظيمها للحق في التعليم أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى منه قدرًا يتناسب مع ميوله وملكاته وقدراته ومواهبه، في حدود ما تضعه الدولــة من سياســات وما ترصده من إمكانات في هذا المجال بما يحقق الربط بين ممارسة هذا الحق وبين حاجات المجتمع والإنتاج، وذلك كله وفق القواعد التي يضعها المشرع تنظيمًا لهذا الحق بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التي يفرضها في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة.
وحيث إن المادة (20) من الدستور تنص على أن تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره والتوسع في أنواعه كافة، وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، ومن ثم كان حريًّــا تنامى الاهتمام بالتعليم الفني والتدريب المهني، لمساهمتهما في تلبية متطلبات سوق العمل وإعداد الخريجين وتحسين قابليتهم للعمل، عن طريق تدريبهم على مواكبة التطور التكنولوجي الهائل، وصقل مهاراتهم العملية في مجالات متخصصة تحتاجها الدولة في إدارة مرافقها الحيوية.
وحيث إن الحقوق جميعها - ويندرج تحتها حق العمل- لا تنشأ إلا بتوافر متطلباتها، ذلك أن الشروط التي يفرضها المشرع لقيام حق من الحقوق، تعتبر من عناصره، بها ينهض سويًّــا على قدميه، ولا يتصور وجوده بدونها، ولا أن يكتمل كيانه في غيبتها. ومن ثم لا تنعزل هذه الشروط عن الحق الذي نشأ مرتبطاً بها، مكتملاً وجودًا بتحققها. وحيث إن لكل حق أوضاعًــا يقتضيها وآثارًا يرتبها، من بينها - في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها، منصفًــا وإنسانيًــا ومواتيًــا، ويتصل بها ألا يكون العمل قسريًّــا، وامتناع التمييز بين العمال في مجال استخدامهم لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، أو النزول بأجورهم عن حد أدنى يكفيهم لمعاشهم. ويتعين دومًــا ضمان راحتهم الأسبوعية، وأن يكون زمن عملهم محددًا، وعجزهم عن العمل مُؤمَّنًــا، وعطلاتهم الرسمية مأجورة، وينبغي بوجه خاص أن يكفل المشرع مساواتهم في الأجر عن الأعمال عينها، دونما تمييز.
وحيث إن البين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 146 لسنة 1957 بنظام هيئة قناة السويس أنه عهد بإدارتها إلى مجلس يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية، ويكون له كافة الصلاحيات والسلطات التي تمكن من تحقيق أهداف المرفق، مع عدم التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، واتباع سبل الإدارة والاستقلال المعمول بها في المشروعات التجارية، وإصدار اللوائح اللازمة لنشاط المرفق، والتي يقتضيها حسن سيره ومتابعة تنفيذها، ثم صدر القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس ملغيًــا القرار بقانون السابق، متبنيًــا أحكامه الأساسية السالفة البيان، وفوض مجلس إدارة هيئة قناة السويس بمقتضى نص المادة (6) منه، في إصدار اللوائح اللازمة لحسن سير المرفق. وتنفيذًا لذلك أصدر رئيس مجلس إدارة الهيئة - بناء على قرار مجلس إدارتها بجلسته السادسة لعام 1983 - القــرار رقـــم (362) لسنة 1983 بلائحة مركز التدريب المهني التابع لهيئة قناة السويس، بهدف إعداد الفنيين ذوي الكفاءات لسد النقص الذي تعاني منه الهيئة والبلاد في مجال العمالة الفنية في التخصصات وفي حدود الأعداد التي تتطلبها الخطة العامة للعمالة بالهيئة، وذلك بالتدريب الفني للطلبة الحاصلين على الشهادة الإعدادية العامة أو ما يعادلها من المدارس الصناعية، لتأهيلهم عمليًّــا وفنيًّــا في أحد التخصصات المختلفة التي تحتاجها هيئة قناة السويس. وحددت تلك اللائحة عدة شروط - بموجب نص المادة (1) منها - لانتقاء أفضل العناصر الوطنية لتدريبهم تدريبًا فنيًّــا، بحيث تتناسب قدرات الطلبة المقبولين مع ما يتطلبه برنامج التدريب المتخصص، ليفرز ذلك مجموعة من الفنيين الأكفاء، بهدف إلحاقهم بعد تخرجهم بالعمل بالشركات التابعة للهيئة، على ما تقضى به المادة (3) من هذه اللائحة، ليتولوا حمل لواء مسئولية تسيير مرفق قناة السويس بانتظام واطراد، كافلاً بذلك تحقيق الربط بين التعليم الفني والتدريب المهني بالمركز وبين حاجات مرفق قناة السويس، متوخيًا بذلك حسن إدارة هذا المرفق, وهى الغايات الحاكمة لتحديد شروط وقواعد القبول بهذا المركز، والضابطة لموضوعيتها، واتساقها مع أحكام الدستور، والتى يناقضها ما تضمنه النص المحال من إعطاء أسبقية خاصة لأبناء العاملين بهيئة قنـاة السويس الموجوديـن فـي الخدمـة أو الذين انتهت خدمتهـم بسبب الوفــاة أو الإحالة إلى المعاش، بإضافة عدد من الدرجات إلى مجموعهم تحدده الهيئة، تلك المعاملة الاستثنائية التى ترتكز في واقعها على أسس منبتة الصلة بطبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، إذ تقوم هذه المعاملة في أساسها ودوافعها على تقرير مزية استثنائية للطلبة المستفيدين منها، قوامها: الانتماء الأسرى لمن يشغل أو كان شاغلاً لوظيفة بعينها، وقائمًــا بأعبائها في جهة بذاتها، أو متوليًــا مسئولياتها في تاريخ معين، بما يتضمنه ذلك من تمييز تحكمى لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، لتناقضه مع الأغراض والغايات التى سعى المشرع إلى تحقيقها بهذا التنظيم القانونى الحاكم لقواعد القبول بالمركز المذكور، والأهداف التى حددها الدستور، وجعل كفالة تحقيقها، التزامًــا دستوريًّــا على عاتق الدولة، ومن بينها كفالة الحق فى التعليم دون تمييز المقرر بنص المادة (19) من الدستور، وكفالة الحق فى الوظيفة العامة على أساس الكفـاءة دون محابـاة أو وساطة، طبقًــا لنص المـادة (14) منـه والتزام الدولة المقرر بنص المادة (53) من الدستور باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، ليضحى النص المحال، وقد اعتد بالانتماء الأسرى للمتقدم كمعيار لأسبقية القبول بالمركز، منطويًــا على تمييز منهى عنه من الوجهة الدستورية، ويتعارض مع مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والحق فى التعليم، التى كفلتها المواد (4، 9، 19، 53) من الدستور، والحق فى العمل والوظيفة العامة المقرر بالمادتين (12، 14) من الدستور، فوق كونه يُعد خروجًــا على الالتزام، بتشجيع التعليم الفنى والتدريب المهنى وتطويره المنصوص عليه فى المادة (20) من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك؛ فإن النص المحال يكون مخالفًــا لأحكام المواد (4، 9، 12، 14، 19، 20، 53) من الدستور؛ متعينًــا القضاء بعدم دستوريته.
وحيث إن إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية البند (9) من المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهني التابع لهيئة قناة السويس الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس رقم (362) لسنة 1983 يمس مراكز قانونية استقرت، فإن هذه المحكمة موازنة منها بين متطلبات الشرعية الدستورية، واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع، وإعمالاً للرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، تحدد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًــا لسريانه وإعمال أثره، دون إخلال باستفادة المدعى، فى الدعوى الموضوعية، من الحكم الصادر بعدم دستورية النص المحال.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية البند (9) من المادة (1) من لائحة مركز التدريب المهني، الصــادرة بقــرار رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس رقــم (362) لسنة 1983.
ثانيًــا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره.

الطعن رقم 71 لسنة 41 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 4 / 6 / 2022

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يونيه سنة 2022م، الموافق الرابع من ذى القعدة سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيـم سليم ومحمـــود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 71 لسنة 41 قضائية دستورية.

المقامة من
عزة محمد تاج الدين، رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط - بالمعاش
ضد
1 - رئيس الجمهوريـــة
2 - وزير الموارد المائية والرى
3 - رئيس الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط
4 - مدير الإدارة العامة للري بأسيوط

-----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الحادي والعشرين من أكتوبر سنة 2019، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، فيما نصت عليه من أن تعطى للمنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّــا: بعدم قبول الدعوى. واحتياطيًّــا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
-----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 19306 لسنة 29 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط، ضد المدعى عليهم، عدا الأول، طالبة الحكم، بصفة مستعجلة: وقف تنفيذ القرار رقم 46 لسنة 2017، الصادر بإخلائها من وحدة السكن الإدارى التى تقيم فيها، وفى الموضوع، أصليًّــا: بإلغاء ذلك القرار، واعتبار الترخيص لها بالانتفاع والإقامة فى تلك الوحدة ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، وما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطيًّــا: بإلزام المدعى عليهما الثانى والثالث بعدم التعرض لها، لحين توفيرهما سكنًــا ملائمًــا لها وأسرتها. وذلك على سند من القول بأنه بمناسبة عملها بالإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، رخصت لها جهة عملها بالإقامة فى إحدى وحدات السكن الإدارى الكائن بمحافظة أسيوط، التابعة لوزارة الموارد المائية والرى، واستمرت فى الانتفاع بتلك الوحدة حتى تاريخ بلوغها سن التقاعد فى سنة 2017، لقاء المقابل المحدد بنسبة 10% من راتبها الأساسى، وبعد إحالتها للتقاعد، قامت بسداد الزيادة التى تقررت على هذا المقابل. وبتاريخ 3/ 10/ 2017، صدر القرار رقم 46 لسنة 2017، من الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، بإخلائها من تلك العين، استنادًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة1969 المار ذكره، فأقامت دعواها الموضوعية طعنًــا على قرار الإخلاء، وحال نظر الدعوى بجلسة 25/ 9/ 2019، قدمت مذكرة، ضمنتها دفعًا بعدم دستورية المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، لاتحاد موضوع الدعويين الموضوعية والدستورية، إذ اقتصرت طلبات المدعية فى مذكرة دفاعها المقدمة لمحكمة الموضوع بجلسة 25/ 9/ 2019، على الدفع بعدم دستورية النص المطعون فيه، دون أن تضمن تلك المذكرة طلبًــا موضوعيًّــا، فمردود، بأن من المقرر أن اتحاد الدعويين الموضوعية والدستورية شرطه اتحاد هاتين الدعويين فى محلهما، بحيث لا يكون أمام محكمة الموضوع ما تجيل فيه بصرها، بعد أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى دستورية النصوص التشريعية المطعون فيها، سواء بتقرير صحتها أو بطلانها، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الدعوى الموضوعية والدعوى الدستورية تتوجهان فى جميع جوانبهما لغاية واحدة ومسألة وحيدة ينحصر فيها موضوعهما، هى الفصل فى دستورية النصوص التشريعية المطروحة عليهما. متى كان ذلك، وكانت الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، تنصب على طلب أصلى بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 46 لسنة 2017 الصادر من الجهة الإدارية، والمتضمن إخلاء المدعية من وحدة السكن الإدارى الذى تقيم فيه، واعتبار الترخيص لها بالإقامة والانتفاع ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، وطلب احتياطـــى بعـــدم التعرض لهـــا لحيـــن توفيـــر المسكـــن الملائــم لهـــا ولأسرتها، وهى الطلبات التى لاتزال مطروحة على محكمة الموضوع، وإذ خلت أوراق الدعوى الموضوعية من تنازل المدعية عن طلباتها، ومن ثم فإن الفصـــل فى دستورية قـــرار رئيس الجمهورية المطعون فيه، لا يُعد فصلاً فى الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا يترتب عليه استنفاد تلك المحكمة ولايتها فى الفصل فى طلبات المدعية المرددة أمامها، مما يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع.
وحيث إن المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية - قبل إلغائه بقرار رئيس الجمهورية رقم 351 لسنة 2021 - كانت تنص على أن يُعمل بالقواعد المرافقة فى شأن تنظيم انتفاع العاملين المدنيين بالحكومة ووحدات الإدارة المحلية بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية.
ونصت المادة (1) من تلك القواعد على أن يتم حصر الوحدات السكنية الموجودة بكل وزارة، والمخصصة لإقامة العاملين فيها أو الملحقة بمبانيها، وما تشتمل عليه فى سجلات تُعد لهذا الغرض.
ويتم شغل العامل للوحدة السكنية بقرار من الجهة التى يتبعها، تحدد فيه معاملته المالية ونسبة الخصم من راتبه، وتحديد ما إذا كان ممن تقضى مصلحة العمل بإقامته فيها أو ممن يشغلها بالترخيص.
ونصت المادة (2) من تلك القواعد على أن يتم شغل الوحدة السكنية بإيجار المثل بما لا يجاوز (10%) من ماهيته الأصلية إذا كان ممن تقضى مصلحة العمل بإقامته فيها، وبما لا يجاوز (15%) من هذه الماهية إذا كان مرخصًــا له فى السكن بها .
وبينت المادة (3) أسس محاسبة المنتفع عن مقابل استهلاك المياه والكهرباء دون أن تتحمل الدولة أية أعباء نظير هذا الاستهلاك.
ونصت المادة (4) على أن يجوز بقرار من الوزير المختص، بعد أخذ رأى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، ووزارة الخزانة، إعفاء العاملين الذين تقتضى مصلحة العمل إقامتهم بالمسكن من مقابل الانتفاع بالوحدة السكنية ومن مقابل استهلاك النور والمياه وغير ذلك، فى أى من الحالات الآتية:
( أ ) إذا كانت الوحدة السكنية أعدت لترغيب العاملين فى العمل بجهات معينة.
(ب) إذا كانت الوحدة السكنية ببلد ناء أو لا تتوافر فيه وسائل المعيشة المعتادة.
(ج) عند عدم وجود مساكن غير حكومية صالحة للإقامة بها.
( د) إذا كان راتب العامل لا يجاوز 15 جنيهًــا شهريًّــا .
ونصت المادة (6) على أن تعطى للمنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازمًــا للفصل فى الطلبات الموضوعيـة المرتبطـــة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى تدور رحاه حول طلب المدعية القضاء أصليًّـا: بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 46 لسنة 2017، الصادر بتاريخ 3/ 10/ 2017، من الإدارة المركزية للموارد المائية والرى بمحافظة أسيوط، بإخلاء المدعية من السكن الإدارى السابق تخصيصه لها من جهة عملها للإقامة فيه، بعد أن انتهت صفتها الوظيفية، وطلب المدعية اعتبار الترخيص لها بالإقامة فى ذلك السكن ممنوحًــا لها مجددًا من تاريخ إحالتها للتقاعد، واحتياطيًّــا: عدم التعرض لها لحين توفير جهة الإدارة سكنًــا ملائمًــا بديلاً لها ولأسرتها، وكان قرار الإخلاء المشار إليه قد استند إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، الذى نص فى المادة (6) من القواعد المشار إليها على إعطاء المنتفع الذى زال سبب انتفاعه لأى سبب من الأسباب، مهلة لا تجاوز ستة شهور لإخلاء الوحدة السكنية التى يشغلها، ومن ثم فإن الفصل فى دستورية نص تلك المادة يرتب انعكاسًــا أكيدًا وأثرًا مباشرًا على الطلبات فى الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على دستوريته، ويتحدد فيه - وحده - نطاق الدعوى المعروضة.
ولا ينال من توافر المصلحة فى الدعوى المعروضة، إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه، بموجب المادة السابعة عشرة من قراره رقم 351 لسنة 2021 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، الذى تناول تنظيم المسائل ذاتها التى اشتمل عليها القرار الملغى، ونصت المادة الثامنة عشرة منه على أن يُعمل بأحكامه اعتبارًا من 1/ 7/ 2021، ومن ثم لا يخل بجريان الآثار التى رتبها القرار السابق عليه، خلال الفترة التى ظل فيها قائمًــا، إذ جرى قضاء هذه المحكمة على أن إلغاء النص التشريعى المطعون فيه لا يحول دون النظر والفصل فى الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم، خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستوريته، ذلك أن الأصل فى القاعدة القانونية هو سريانها اعتبارًا من تاريخ العمل بها، على الوقائع التى تتم فى ظلها، وحتى إلغائها، فإذا أحل المشرع محلها قاعدة قانونية جديدة، تعين تطبيقها اعتبارًا من تاريخ نفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد مجال سريان كل من القاعدتين من حيث الزمان، فما نشأ مكتملاً من المراكز القانونية - وجودًا وأثرًا - فى ظل القاعدة القانونية القديمة، يظل محكومًــا بها وحدها، وما نشأ من مراكز قانونية ، وترتبت أثاره فى ظل القاعدة القانونية الجديدة، يخضع لهذه القاعدة وحدها.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه - فى النطاق السالف تحديده - مخالفة الالتزام المقرر بنص المادة (78) من الدستور، الذى يقضى بأن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وذلك بحرمانه العاملين المخصص لهم وحدات سكن إدارى من جهة عملهم، من الإقامة فيها بعد إحالتهم للتقاعد، ودون أن توفر لهم مسكنًــا بديلاً، معرضًــا حقهم فى الحياة للخطر، هم ومن يعولون، ولم يحقق ذلك النص التوازن بين مصلحة الجهة الإدارية فى استرداد وحدات السكن الإدارى ممن كانوا يشغلونها، بعد انتهاء العلاقة الوظيفية، وحق شاغلى تلك الوحدات فى توفير سكن ملائم لهم، فى ظل أزمة مساكن طاحنة لم تكن موجودة وقت صدور القرار الجمهورى المشتمل على ذلك النص، بما يفقده ضرورته الاجتماعية، سبب بقائه، فضلاً عما يمثله ذلك النص من مخالفة للعدالة الاجتماعية وانحراف تشريعى، لعدم توافقه مع الغايات التى نص عليها الدستور.
وحيث إن سلطة رئيس الجمهورية فى إصدار القرار رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه تجد سندها الدستورى فيما نصت عليه المادة (121) من الدستور الصادر سنة 1964، المعمول به فى تاريخ صدور هذا القرار - وتقابلها المادة (146) من الدستور الصادر سنة 1971 والمادة (171) من الدستور الصادر سنة 2014 - التى تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة، وبمقتضاه جعل الدستور الاختصاص بترتيب المصالح العامة، والذى يشمل إنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة - على ما هو مقرر بقضاء هذه المحكمة - لرئيس الجمهورية وحده، وذلك لخطورة وأهمية هذا الاختصاص، إذ إن إنشاء وتنظيم مثل هذه المرافق يتطلب استخدام وسائل القانون العام التى تمس حقوق الأفراد وحرياتهم، مما يستتبع إحاطة هذا الإنشاء أو التنظيم بالضمانات التى تكفل التأكد من أن ما تمسه من هذه الحقوق والحريات له ما يبرره من واقع الحال، ولذلك ناط الدستور هذا الاختصاص برئيس الجمهورية وحده، ولم يمنحه الحق فى تفويض غيره فى ممارسة هذا الاختصاص. وتنطوى تحت لواء هذا الاختصاص أمور عدة، من بينها كيفية تكوين هذه المرافق والمصالح العامة، ووضع القواعد التى تبين طريقة إدارتها وتحديد اختصاصاتها. ويندرج تحتها تحديد الشروط والقواعد المنظمة لانتفاع العاملين المدنيين بالدولة بوحدات السكن الإدارى الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية التى يعملون بها، فى ضوء الطبيعة الغائية المؤقتة لحق الانتفاع بها، الناشئ عن الترخيص به من الجهة الإدارية، والذى يدخل تنظيمه فى إطار القواعد الحاكمة لتنظيم المرافق والمصالح العامة وإدارتها، الهادفة إلى ضمان سيرها بانتظام واطراد، لتضحى ممارسة هذا الاختصاص مقصورة على رئيس الجمهورية وحده دون غيره.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن النصوص التشريعية التى ينظم بها المشرع موضوعًــا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر من فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام عليها المشرع هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًــا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًــا منطقيًّــا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًــا للدستور.
وحيث إن تتبع قوانين إيجار الأماكن، بدءًا من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، معدلاً بالقرار بقانون رقم 564 لسنة 1955، ومرورًا بالقانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين، وانتهاءً بالقانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، يتبين منها حرص المشرع على النص فيها على عدم سريان أحكامها - فى خصوص امتداد عقد الإيجار، وتحديد الأجرة القانونية - على المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت التى تشغل بسبب العمل. وقد تناولت قواعد تنظيم الانتفاع بتلك المساكن الإدارية، عدة قرارات صدرت من رئيس الجمهورية، منها قراره رقم 2095 لسنة 1969، قبل أن يحل محله قراره رقم 351 لسنة 2021 بتنظيم شروط وقواعد انتفاع العاملين المدنيين بالدولة بالمساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية. والبين من تقصى التطور التشريعى لأوضاع المساكن التى تنشئها جهة العمل لعمالها ليأووا إليها، أنها استهدفت توفير ظروف أفضل لأداء ما نيط بهم من أعمال، فلا يكون شغلهم لها منفصلاً عنها، بل متطلبًــا لاستيفاء ضرورة تتعلق بكمال تسييرها، بما مؤداه اتصال هذه الأعمال ببيئتها الأكثر تطورًا فـى مجـال تحقيق أهدافهـا، فلا يكـون العمـل بدونهـا سويًّــا ولا منتجًــا بصورة مرضية، ومن ثم يكون العمل - سواء تعلق بنشاط يباشره مرفق عام، أم كان واقعًــا فى منطقة القانون الخاص - سببًــا لإقامتهم فيها، ولا يتصور بالتالى أن يمتد مكثهم بها إلى ما بعد انقطاع صلتهم بجهة عملهم وزوال حقهم فى الأجر؛ وإنما يكون لها أن تتسلمها منهم حتى تعدها لعمال آخرين ينهضون بالأعمال ذاتها أو بغيرها، فلا تتعثر خطاها؛ ومؤدى ذلك ولازمه أن تخصيص جهة العمل مساكن لعمالها، إنما يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها، ومعها تدور وجودًا وعدمًــا، ولا يمكن القول بأن جهة العمل قد كفلتها ليقيم عمالها فى مساكنها دائمًــا أبدًا، ولا أنها عرضتها عليهم وعلى غيرهم من آحاد الناس يتزاحمون فيما بينهم لطلبها، ولا أن صفتهم كعمال لديها لم تكن اعتبارًا ملحوظًــا فى تخصيصها لهم، وإنما مناطها الأعمال التى يؤدونها، تلابسها وتزول بانتهائها.
وحيث إنه عن النعى على النص المطعون فيه، فيما قرره من إخلاء المسكن الإدارى من المنتفع به بعد انفصام عرى الوظيفة، تعارضه مع ما كان ينبغى أن يكون عليه من امتداد الانتفاع بذلك المسكن، امتدادًا قانونيًّــا، شأنه فى ذلك شأن غيره من الأماكن المؤجرة التى أخضعها المشرع لتنظيم خاص من طبيعة استثنائية، فمردود أولاً: بأن القيود التى فرضها هذا التنظيم الخاص فى شأن امتناع إنهاء الإجارة بانقضاء مدتها، أملتها أزمة الإسكان وفرضتها حدة ضغوطها وإذ كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان مسارها محددًا على ضوء الأوضاع التى اقتضتها، فإن امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التى تمنحها جهة العمل لعمالها مقابل العمل، لا يكون إنفاذًا لمتطلباتها. ومردود ثانيًــا : بأن القيود التى فرضها المشرع على تأجير الأماكن، كان ملحوظًــا فيها ما ينبغى أن يقوم من توازن بين حقوق مؤجريها ومستأجريها، صونًــا لمصالحهم، فلا يكون أيهم غابنًــا، ولا كذلك الأوضاع التى يواجهها النص المطعون فيه، والتى ترتد فى أساسها إلى ميزة كان العمل سببها، فلا يعتبر الحرمان منها بعد زوال الحق فيها، إهدارًا لها أو انتقاصًــا منها، ولا يجوز بالتالى أن تمتد إليها تدابير استثنائية تنفصل - فى مجال تطبيقها - عنها، ولا أن تعتبر استثناءً من قواعد تضمنتها هذه التدابير التى لا تتناولها أصلاً، وإنما حجبها المشرع عن عمال لم تعد لهم صلة بجهة عملهم، استصحابًــا لأصل مقرر فى شأن روابط العمل، مؤداه أنها - بطبيعتها - عصية على التأبيد، تقديرًا بأن مآلها إلى زوال؛ إما باستكمال الأعمال موضوعها أو بانتهاء المدة المحددة لإتمامها، فلا تبقى بزوالها الحقوق التى أنتجتها ولا المزايا التى كفلتها، ويندرج تحتها أماكن دبرتها جهة العمل لسكنى عمالها، وهو ما يعنى أن بقاءهـم فيهـا بعـد انتهـاء عملهـم، لا يستقيم قانونًــا.
وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص التشريعى المطعون فيه، ما نصت عليه المادة (78) من الدستور الحالى، من أن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، فإنه مردود، أولاً: بأن قضــاء هذه المحكمة قــد جــرى على أن كفالــة الدولــة للحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى لكل مواطن، مؤداه على ما نصت عليه المادة (78) من الدستور، والمادة (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزام الدولة وضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية فى تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضى الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية فى إطار تخطيط عمرانى شامل للمدن والقرى وإستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة. ومع ذلك فلا تقتضى كفالة الدولة للحــق فى السكن، قيامها ببناء مساكن لجميع مواطنيها، ولا ضمانها سكنًــا خاصًــا لكل من لا سكن له، اعتبارًا بأن الحق فى السكن يشمل اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون التشرد، والتركيز على الفئات الأكثر ضعفًــا وتهميشًــا، وضمان لياقة السكن لكل مواطن، وهى تدابير ذات طبيعة تشريعية وتنفيذية، يتم اتخاذها فى إطار من السياسة العامة للدولة، وبرامجها التنموية، وأولوياتها الخططية، فى حدود مواردها المتاحة. ومردود ثانيًــا: بأن التنظيم التشريعى الذى أقامه قرار رئيس الجمهوريــة رقـم 2095 لسنة 1969 - المشتمـل على النص المطعـون فيه - لا صلة له بكفالة الدولة للحق فى السكن، ولا يُعد صورة من صور وفاء الدولة به، وكفالتها له، إذ إن هذا التنظيم قصد به إرساء الشروط والقواعد المنظمة لانتفاع العاملين المدنيين بالدولة، بوحدات السكن الإدارى الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية التى يعملون فى خدمتها، فى ضوء الطبيعة الغائية والمؤقتة لحق الانتفاع بها، وذلك فى إطار عام شامل لتنظيم المرافق العامة، وما يستلزمه هذا التنظيم من ضمان سيرها بانتظام واطراد. بينما ترتكز التزامات الدولة فى سبيل كفالة الحق فى السكن الملائم على التنظيم التشريعى لهذا الحق، والإنفاذ الفعلى له من خلال البرامج التى تتبناها. ومردود ثالثًا: بأن السبيل لفض تزاحم المواطنين - بمن فيهم العمال الذين انتهى سبب شغلهم للمسكن الإدارى - على المساكن المحدودة التى توفرها الدولة، لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى الأشد منهم احتياجًــا، على نحو يتولد عنها مراكز قانونية متماثلة تكشف عن الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين فى الانتفاع بهذه الفرص. ومردود رابعًــا: بأن النص المطعون فيه، وإن رتب على انتهاء العلاقة الوظيفية، لأى سبب من الأسباب، إخلاء المنتفع من المسكن الإدارى، إلا أنه منحه مهلة زمنية - ستة شهور - لإخلاء المسكن، حتى يتسنى له تدبير مسكن بديل، رغم علمه المسبق بأن انتفاعه بهذا المسكن مؤقت، ومرهون باستمرار العلاقة الوظيفية. وقد هدف المشرع بمنح العامل تلك المهلة إلى جانب التدابير المتقدمة، إلى تحقيق التوازن بين مصالح أطراف علاقة العمل سواء العامل أو الجهة الإدارية، بما يسهم فى كمال سير المرفق العام بانتظام واطراد، من خلال توفير ظروف أفضل لأداء العامل ما يناط به من أعمال. بما مؤداه اتفــاق الوسيلة التـى أوجــدها المشرع - استرداد الجهة الإدارية للمسكن الإدارى - مع الغاية التى سعى لتحقيقها، وهى كفالة حسن سير أداء المرافق العامة للمهام الموكلة إليها. ومردود خامسًــا: بأن تغليب المصلحة الخاصة للمنتفع بالمسكن الإدارى الذى زال سبب انتفاعه به، يناهض فى الأساس الغاية التى من أجلها خصص له هذا المسكن، ممثلة فى ضمان حسن سير المرفق العام. ومن ثم، فإن قالة افتقاد النص المطعون فيه لضرورته الاجتماعية، وعدم مراعاته المصالح المتعارضة، والادعاء بأنه يشكل انحرافًــا تشريعيًّــا فى تنظيم حق السكن، يكون فاقدًا سنده.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النص المطعون عليه لمبدأ المساواة أمام القانون، مردود بأن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، كما حرص الدستور فى المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، فى الحقوق والحريات والواجبـات العامـة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضـــة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادتين (4، 53) المشار إليهمـا، بمـا مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهـا هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامـة التى يسعى المشـرع إلى تحقيقهـا من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعى قد ينطوى على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سـواء من خـلال الأعباء التى يلقيهـا على البعض أم من خلال المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التى ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخى تحقيقها بالوسائل التى لجأ إليها، منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
متى كان ذلك، وكانت غاية المشرع من إقرار هذا النص، تنظيم الانتفاع بالسكن الإدارى التابع للمرافق والمصالح والمنشآت العامة، باعتباره أحد عناصرها ومكوناتها، التى رصدها فى خدمة أغراضها، بما يعينها والعاملين بها على النهوض بالمهام الموكلة إليهم، ويضمن استمرار سيرها بانتظام واطراد، وبالتالى كان الانتفاع بها من قبل العاملين بتلك المرافق والمنشآت مرتبطًــا بالطبيعة القانونية للترخيص لهم بهذا الانتفاع، وهى التأقيت المرتبط بقيام العلاقة الوظيفية، ليكون انفصامها لأى سبب من الأسباب مرتبًــا زوال علة الانتفاع بالسكن الإدارى، بوصفه مزية عينية تمنح للعامل بسبب الوظيفة، وطوال مدة قيام العلاقة الوظيفية بين العامل والجهة الإدارية، وينتهى هذا الانتفاع والترخيص بها بانتهائها. وعلى ذلك فإن النص المطعون فيه، بمنحه العامل مهلة ستة أشهر من تاريخ زوال سبب الانتفــاع لإخــلاء العين، يكون قد أتى بقاعــدة عامـة مجردة لا تتضمن تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامها، غايتها تحقيق الأهداف والأغراض التى سعى المشرع إلى بلوغها من سنها، وتحقيق التوازن بين مصلحة العامل ومقتضيات المصلحة العامة، فى وجوب استمرار وحدات الإسكان الإدارى فى أداء دورها لخدمة المرافـق والمصالح العامـــة التى تتبعها، ويغدو النص المطعون فيه - بهذه المثابة - الوسيلة التى قدر المشرع مناسبتهـــا لبلوغ تلك الأغراض والأهداف، وكفالة تحقيقها، وجاء مستندًا إلى أسس موضوعيـة تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّــا ولا يتعـارض - من ثم - مع مبدأ المســاواة الذى كفله الدستـــور فى المادتين (4، 53) منه.
وحيث إنه فى خصوص ما تنعاه المدعية على النص المطعون فيه مخالفته لمفهوم العدالة الاجتماعية، فهو مردود بأن مفهوم العدل - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينبغى أن يتمثل دائمًــا فيما يكون حقًــا وواجبًــا، سواء فى علائق الأفراد فيما بينهم أو فى نطاق صلتهم بمجتمعهم، بحيث يتم دومًــا تحديده من منظور اجتماعى، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن القيم الاجتماعية السائدة فى مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة، ومن ثم فإن مفهومه لا يكون مطلقًــا، ولا يعنى شيئًــا ثابتًــا باطراد، بل تتباين معانيه، تبعًــا لمعايير الضمير الاجتماعى ومستوياتها، ويتعين بالتالى أن توازن علائق الأفراد فيما بينهم بأوضاع مجتمعهم والمصالح التى يتوخاها، من أجل التوصل إلى وسائل عملية تكفل إسهام أكبر عدد من بينهم لضمان أكثر المصالح والقيم الاجتماعية تعبيرًا عن النبض الاجتماعى لإرادتهم، ليكون القانون طريقًــا لتوجههم الجمعى.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد أتى تعبيرًا عن ضرورة اجتماعية فرضها الواقع والظروف الاجتماعية التى صدر فى ظلها القرار الجمهورى رقم 2095 لسنة 1969 المشار إليه، التى أوجبت توفير المسكن الإدارى الملائم للعاملين بالمرافق والمصالح العامة، التى تلحق بهذه المنشآت وتُعد أحد مكوناتها وعناصرها وترصد لخدمتها، ليكون استمرار قيامها بدورها فى خدمة المرفق أو المنشأة العامة موجبًــا تقرير الحكم الذى ضمنه النص المطعون فيه، واعتبار انتهاء رابطة العمل تفيد بالضرورة انقضاء الحق فى تلك المزية العينية، فلا يكون طلبها بعد أن صارت هذه الرابطة منقضية، كافلاً عدلاً، إذ ليس من مؤداه أن تتحمل جهة العمل أعباء ترهقها أو تنوء بها من خلال إلزامها بأن تعد لعمالها الوافدين إليها مساكن جديدة تُضيفها إلى ما هو قائم منها، وما برح عمالها القدامى شاغلين لها دون سند، بل إن حَمْلها على إبقائهم فيها، يتمحض إخلالاً بالفرص التى كان يمكن أن تتيحها لآخرين للعمل بها بدلاً عنهم؛ إذ عليها عندئذ أن تقيم بمواردها مساكن جديدة تقدر ضرورتها لتنفيذ العمل، وقد لا تكفيها مواردها هذه، فَتَحْبِطَ أعمالها. كذلك فإن إلزامهـا بالتخلى عما هو قائم من مساكنها لعمال لم يعد لهم حق فيها، إنما يناقض ما هو مقرر قانونًــا من أن القواعد القانونية الحاكمة لشغلهم لها إنما تندرج ضمن التنظيم القانونى الذى يحكم علاقة العمل، بحسبانها تنطوى على تقرير مزية عينية تدخل فى مفهوم المقابل الذى يتقاضونه من عملهم، نائية بطبيعتها عن أحكام الإجارة، ومنقضية وجوبًــا بانتهاء علاقة العمل. الأمر الذى يكون معه النص المطعون فيه غير مخالف للعدالة الاجتماعية التى كفلها الدستور بنصى المادتين (4، 8) منه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض وأى حكم آخر فى الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 7422 لسنة 85 ق جلسة 17 / 5 / 2017 مكتب فني 68 ق 102 ص 640

جلسة 17 من مايو سنة 2017
برئاسة السيد القاضي/ محمد حسن العبادي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ يحيى عبد اللطيف موميه، أمين محمد طموم، مصطفى ثابت عبد العال وأحمد كمال حمدي نواب رئيس المحكمة.
-----------------

(102)
الطعن رقم 7422 لسنة 85 القضائية

(1 - 4) بيع" بيع المحل التجاري". محاكم اقتصادية" اختصاص المحاكم الاقتصادية: الاختصاص بالمنازعة في بيع المحل التجاري" "الطعن بالنقض على أحكام المحاكم الاقتصادية: شرط جواز الطعن على حكم الدائرة الاستئنافية بهيئة استئنافية" نقض" أسباب الطعن: الأسباب المتعلقة بالنظام العام".
(1) المحاكم الاقتصادية. تشكيلها. اختصاصها. الدوائر الابتدائية. نصابها. عدم مجاوزة قيمة الدعوى خمسة ملايين جنيه. الدوائر الاستئنافية. نصابها. مجاوزة قيمة الدعوى خمسة ملايين جنيه أو كونها غير مقدرة القيمة فضلا عن نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية. المادتان الأولى والسادسة ق 120 لسنة 2008.

(2) الدعاوى الاقتصادية المستأنفة أمام المحكمة الاقتصادية بهيئة استئنافية. عدم جواز الطعن عليها بالنقض. شرطه. عدم مخالفة الحكم لقواعد الاختصاص الولائي والنوعي والقيمي. علة ذلك.

(3) المسائل المتعلقة بالنظام العام. لمحكمة النقض من تلقاء ذاتها وللنيابة العامة وللخصوم إثارتها ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن. شرطه.

(4) اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالإذن ببيع مقومات المحل التجاري المرهون. م 14 ق 11 لسنة 1940. الاختصاص بنظر ذلك الإذن في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية. انعقاده للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية. التظلم من الأمر الصادر ببيع المحال التجارية المرهونة. اعتباره خروجا عن الأحكام العامة في شأن طبيعة الأمر على العرائض واختصاص قاضي الأمور المستعجلة. أساس ذلك. اعتباره يمس أصل الحق دون أن يكون إجراء وقتي أو تحفظي. مؤداه. عدم اعتباره من المسائل المستعجلة. أثره. اختصاص الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه بنظر التظلم من الأمر. مثال.

----------------

1 - مؤدى نص المادتين الأولى والسادسة من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- أن المشرع بموجب هذا القانون نظم المحاكم الاقتصادية ككيان قضائي خاص داخل جهة المحاكم على شكل يختلف عن تشكيل جهة المحاكم العادية بتشكيلها من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية حدد اختصاصهما بمنازعات لا تدخل في اختصاص أي من جهة المحاكم العادية أو جهة القضاء الإداري وميز في اختصاص تلك الدوائر بحسب قيمة الدعوى وبحسب المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق قوانين معينة نصت عليها المادة السادسة منه فحص الدوائر الابتدائية- دون غيرها- بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر وخصص الدوائر الاستئنافية بالنظر ابتداء في ذات المنازعات والدعاوى إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة كما أناط بها- دون غيرها- نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية.

2 - مؤدى المادة 11 من (قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية) أن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية القابلة للطعن بالنقض هي التي تصدر ابتداء من الدوائر الاستئنافية أما الدعاوى التي تنظرها بهيئة ابتدائية ويكون الفصل في الطعن عليها أمام المحكمة- بهيئة استئنافية – فلا يجوز الطعن فيها بطريق النقض دون إخلال بحكم المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بيد أن مناط إعمال هذه القاعدة القانونية التي اختص بها المشرع الدعاوى أمام المحاكم الاقتصادية ألا تكون المحكمة قد خالفت قواعد الاختصاص الولائي أو النوعي أو القيمي التي رسمها وألا تخرج صراحة أو ضمنا على ما كان من تلك القواعد متعلقا بالنظام العام، فإن وقع الحكم مخالفا لأي من تلك القواعد فلا يتحصن من الطعن عليه أمام محكمة النقض.

3 - يحق لمحكمة النقض من تلقاء نفسها كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة أو الخصوم إثارة الأسباب المتعلقة بهذا الاختصاص ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن بالنقض متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم.

4 - إذ كانت المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 بشأن بيع ورهن المحال التجارية قد أسندت لقاضي الأمور المستعجلة اختصاصا خاصا هو سلطة إصدار أمر على عريضة بالإذن بأن يباع بالمزاد العلني مقومات المحل التجاري كلها أو بعضها التي يتناولها امتياز البائع أو الراهن وبإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر انعقد الاختصاص بنظر الإذن ببيع المحال التجارية المرهونة في المنازعات والدعاوى الناشئة عن تطبيق القوانين التي تختص بها تلك المحاكم للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة منه، وأنه ولئن كان التظلم من الأوامر الصادرة عن القاضي سالف الذكر- الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية- ينعقد للدوائر الابتدائية بتلك المحاكم- دون غيرها- وفقا لما تقرره الفقرة الثانية من المادة العاشرة من ذات القانون بيد أن المشرع كان قد اختص – بمقتضى المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 سالف الذكر إجراءات التنفيذ على المحال التجارية المرهونة وبيعها بالمزاد العلني بأحكام خاصة تعد استثناء من القواعد العامة التي تتطلب وجوب حصول الدائن المرتهن على حكم نهائي بالدين والتنفيذ بموجبه - كما جرى قضاء محكمة النقض- على أن التظلم من الأمر ببيع تلك المحال المرهونة لا يعد من المسائل المستعجلة ولا يتعلق بإجراء وقتي أو تحفظي وإنما يمس أصل الحق فيما يقضي به من استيفاء الدين من حصيلة البيع، وأن هذا الطابع الاستثنائي للتظلم الذي يعد خروجا عن الأحكام العامة الواردة في قانون المرافعات في شأن طبيعة الأمر على العرائض ونطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينسحب بدوره على المحكمة المختصة بنظر التظلم، فإنه متى كانت هذه المحكمة تتعرض حال فصلها في التظلم لأصل الحق وللدين الذي ينبغي للدائن الراهن استيفائه من حصيلة بيع المحل المرهون فإن الاختصاص بنظره ينعقد- في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية – لذات المحكمة التي تختص بنظر المنازعات في أصل الحق سواء كانت الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه، وكان الثابت من الأوراق أن طلب البنك المطعون ضده الأول هو استصدار أمر بيع كافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المرهون عن طريق المزاد العلني وفاء لجزء من مديونية الشركة الطاعنة له بمبلغ 6848435.97 جنيه حق 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عوائد مركبة بواقع 20% سنويا والعمولات والمصاريف - وتم تعديله لمبلغ 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% سنويا حتى تمام السداد فتكون قيمة الدعوى قد جاوزت خمسة ملايين جنيه وينعقد الاختصاص بنظر التظلم من الأمر الصادر برفض الإذن ببيع المحل التجاري للدائرة الاستئنافية للمحكمة الاقتصادية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في موضوع الاستئناف منطويا- بذلك- على اختصاص محكمة الدرجة الأولى- ضمنا– بنظر التظلم فإنه يكون قد خالف قواعد الاختصاص القيمي المتعلقة بالنظام العام مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.

------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن البنك المطعون ضده الأول- بنك- ...... - تقدم بالطلب رقم ..... لسنة 2005 لرئيس محكمة شبرا الخيمة الجزئية- بصفته قاضيا للأمور المستعجلة- لاستصدار أمر بيع بالمزاد العلني لكافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المعنون- حاليا- باسم الشركة الطاعنة والمرهون له بموجب عقد الرهن الرسمي رقم ..... لسنة 1993 توثيق بنوك- والمجدد الإيداع برقم 52 بتاريخ 16/5/2000- وفاء لمديونية بمبلغ 6848435.97 جنيه حتى 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 20% بخلاف المصاريف والعمولات وحتى تمام السداد والناتجة عن تسهيلات ائتمانية، وبتاريخ 21/12/2005 رفض الطلب فتظلم منه لدى محكمة شبرا الخيمة الجزئية برقم ... لسنة 2005 مدني، ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 23/4/2014 بعدم اختصاصها نوعيا وبإحالة التظلم لمحكمة طنطا الاقتصادية- الدائرة الابتدائية- حيث قيد لديها برقم .... لسنة 2014 اقتصادي، تدخل البنك المطعون ضده الثاني- .... - هجوميا في الدعوى بطلب إلغاء أمر الرفض المتظلم منه والقضاء له مجددا بالإذن بالبيع- وفاء لمديونية قدرها 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% حتى تمام السداد، وقال بيانا لذلك بأن البنك المطعون ضده الأول أحال له حقوقه لدى الغير ومنها الحق المدعى به، بتاريخ 26/10/2014 أجابت المحكمة البنك المتدخل إلى طلباته، استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا الاقتصادية برقم .... لسنة 7ق وبتاريخ 15/2/2015 قضت بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم للسبب المبدى منها ببطلان الحكم لمخالفته قواعد الاختصاص القيمي، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية، حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, ورأي دائرة فحص الطعون الاقتصادية، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر, المرافعة, وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث أنه عن الدفع المبدى من النيابة العامة ببطلان الحكم المطعون فيه لمخالفته قواعد الاختصاص القيمي المتعلق بالنظام العام فإنه سديد، ذلك بأن مؤدى نص المادتين الأولى والسادسة من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن المشرع بموجب هذا القانون نظم المحاكم الاقتصادية ككيان قضائي خاص داخل جهة المحاكم على شكل يختلف عن تشكيل جهة المحاكم العادية بتشكيلها من دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية حدد اختصاصهما بمنازعات لا تدخل في اختصاص أي من جهة المحاكم العادية أو جهة القضاء الإداري وميز في اختصاص تلك الدوائر بحسب قيمة الدعوى وبحسب المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق قوانين معينة نصت عليها المادة السادسة منه فحص الدوائر الابتدائية – دون غيرها - بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر وخصص الدوائر الاستئنافية بالنظر ابتداء في ذات المنازعات والدعاوى إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة كما أناط بها - دون غيرها - نظر استئناف الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية، كما أن مؤدى المادة 11 من ذات القانون أن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية القابلة للطعن بالنقض هي التي تصدر ابتداء من الدوائر الاستئنافية أما الدعاوى التي تنظرها بهيئة ابتدائية ويكون الفصل في الطعن عليها أمام المحكمة - بهيئة استئنافية – فلا يجوز الطعن فيها بطريق النقض دون إخلال بحكم المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بيد أن مناط إعمال هذه القاعدة القانونية التي اختص بها المشرع الدعاوى أمام المحاكم الاقتصادية ألا تكون المحكمة قد خالفت قواعد الاختصاص الولائي أو النوعي أو القيمي التي رسمها وألا تخرج صراحة أو ضمنا على ما كان من تلك القواعد متعلقا بالنظام العام، فإن وقع الحكم مخالفا لأي من تلك القواعد فلا يتحصن من الطعن عليه أمام محكمة النقض ويحق لهذه المحكمة من تلقاء نفسها كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة أو الخصوم إثارة الأسباب المتعلقة بهذا الاختصاص ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن بالنقض متى توافرت عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التي سبق عرضها على محكمة الموضوع ووردت هذه الأسباب على الجزء المطعون فيه من الحكم، وكانت المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 بشأن بيع ورهن المحال التجارية قد أسندت لقاضي الأمور المستعجلة اختصاصا خاصا هو سلطة إصدار أمر على عريضة بالإذن بأن يباع بالمزاد العلني مقومات المحل التجاري كلها أو بعضها التي يتناولها امتياز البائع أو الراهن وبإصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سالف الذكر انعقد الاختصاص بنظر الإذن ببيع المحال التجارية المرهونة في المنازعات والدعاوى الناشئة عن تطبيق القوانين التي تختص بها تلك المحاكم للقاضي المشار إليه في المادة الثالثة منه، وأنه ولئن كان التظلم من الأوامر الصادرة عن القاضي سالف الذكر- الأوامر على عرائض والأوامر الوقتية في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية- ينعقد للدوائر الابتدائية بتلك المحاكم- دون غيرها- وفقا لما تقرره الفقرة الثانية من المادة العاشرة من ذات القانون بيد أن المشرع كان قد اختص- بمقتضى المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1940 سالف الذكر إجراءات التنفيذ على المحال التجارية المرهونة وبيعها بالمزاد العلني بأحكام خاصة تعد استثناء من القواعد العامة التي تتطلب وجوب حصول الدائن المرتهن على حكم نهائي بالدين والتنفيذ بموجبه – كما جرى قضاء هذه المحكمة - على أن التظلم من الأمر ببيع تلك المحال المرهونة لا يعد من المسائل المستعجلة ولا يتعلق بإجراء وقتي أو تحفظي وإنما يمس أصل الحق فيما يقضي به من استيفاء الدين من حصيلة البيع، وأن هذا الطابع الاستثنائي للتظلم الذي يعد خروجا عن الأحكام العامة الواردة في قانون المرافعات في شأن طبيعة الأمر على العرائض ونطاق اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينسحب بدوره على المحكمة المختصة بنظر التظلم، فإنه متى كانت هذه المحكمة تتعرض حال فصلها في التظلم لأصل الحق وللدين الذي ينبغي للدائن الراهن استيفائه من حصيلة بيع المحل المرهون فإن الاختصاص بنظره ينعقد – في المسائل التي تختص بها المحاكم الاقتصادية – لذات المحكمة التي تختص بنظر المنازعات في أصل الحق سواء كانت الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية بحسب قيمة المنازعة الصادر بشأنها الأمر المتظلم منه، وكان الثابت من الأوراق أن طلب البنك المطعون ضده الأول هو استصدار أمر بيع كافة المقومات المادية والمعنوية للمحل التجاري المرهون عن طريق المزاد العلني وفاء لجزء من مديونية الشركة الطاعنة له بمبلغ 6848435.97 جنيه حق 27/5/2002 بخلاف ما يستجد من عوائد مركبة بواقع 20% سنويا والعمولات والمصاريف - وتم تعديله لمبلغ 14745668.97 جنيه حق 31/5/2007 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 14.5% سنويا حتى تمام السداد فتكون قيمة الدعوى قد جاوزت خمسة ملايين جنيه وينعقد الاختصاص بنظر التظلم من الأمر الصادر برفض الإذن ببيع المحل التجاري للدائرة الاستئنافية للمحكمة الاقتصادية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في موضوع الاستئناف منطويا- بذلك- على اختصاص محكمة الدرجة الأولى- ضمنا– بنظر التظلم فإنه يكون قد خالف قواعد الاختصاص القيمي المتعلقة بالنظام العام مما يعيبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث أسباب الطعن.

ولما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص الدائرة الابتدائية بمحكمة طنطا الاقتصادية قيميا بنظر الدعوى وانعقاد الاختصاص بنظرها للدائرة الاستئنافية بذات المحكمة حيث يتم التداعي أمامها بإجراءات جديدة عملا بحكم المادة 269/1 من قانون المرافعات.