جلسة 9 من يونيو سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ نبيل عمران "نائب رئيس المحكمة"،
وعضوية السادة القضاة/ محمود التركاوي، د. مصطفى سالمان، د. محمد رجاء "نواب
رئيس المحكمة"، وياسر بهاء الدين.
----------------
(66)
الطعون 9458 ، 9599 ، 9761 لسنة 89 ق
(1 ، 2) قانون "تطبيق القانون".
(1) تطبيق القانون على وجهه الصحيح. التزام
القاضي باستظهار الحكم القانوني الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه. خضوعه
لرقابة محكمة النقض.
(2) محكمة النقض. عدم اقتصار مهمتها على وصف
الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون. التزامها ببيان التطبيق القانوني
الصحيح. عله ذلك.
(3 ، 4) نقل" نقل جوي: خروج المواد
البريدية من نطاق تطبيق اتفاقية مونتريال".
(3) أحكام اتفاقية مونتريال. سريانها فقط على
النقل الجوي الدولي للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع سواء كان القائم بالنقل الدولي
الدولة أو شخص من أشخاص القانون العام أو الأفراد أو الشركات والمؤسسات الخاصة.
شرطه. كون النقل تجاريا. لازمه. استهداف الناقل منه تحقيق الربح مما يحصل عليه من
أجر من المسافرين أو أصحاب البضائع سواء تحقق الربح أو لم يتحقق. قيام النقل
بالمجان بواسطة إحدى طائرات مؤسسات النقل الجوي. مقتضاه. خضوعه لقواعد الاتفاقية.
استبعاد اتفاقية النقل الجوي الدولي للرسائل والطرود البريدية من نطاق تطبيقها
صراحة. مؤداه. عدم مسئولية الناقل في حالة نقل المواد البريدية إلا في مواجهة هيئة
البريد المختصة وطبقا لقواعد العلاقة بينهما. عله ذلك. الفقرة الأولى م1 وم2
اتفاقية مونتريال.
(4) إقامة الطاعن الدعوى بطلب إلزام الهيئة
المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية بالتعويض المطالب به لعدم
اتخاذهما الإجراءات اللازمة لضمان سلامة وصول الطرد البريدي الخاص به إلى المرسل
إليه في وقت مناسب مما ألحق به أضرارا جسيمة. مناطها. نقل مواد بريدية. خروجها من
نطاق تطبيق اتفاقية مونتريال. الفقرة الثالثة من م2 من الاتفاقية. مؤداه. لا محل
لتقدير تعويض وفقا لأحكامها. مخالفة الحكم المطعون فيه ذلك. خطأ. عله ذلك.
(5 ، 6) دعوى" صحيفة الدعوى: بيان أسماء
الخصوم".
(5) الخطأ في بيان الممثل للشخص الاعتباري أو
إغفال هذا البيان. لا يؤثر في صحة اختصامه متى ذكر بصحيفة الدعوى اسمه المميز له.
م115/ 3 مرافعات. عله ذلك.
(6) ذكر اسم الشركة الطاعنة بصحيفة الدعوى
باعتبارها الأصيلة المقصودة بذاتها في الخصومة دون ممثلها. كافيا لصحتها دون
اعتداد بما وقع فيها من خطأ في بيان صاحب الصفة في تمثيلها.
(7) نقض" أسباب الطعن بالنقض: السبب
المجهل".
عدم تحديد الطاعنة لماهية أوجه دفوعها المنعى على التفات الحكم
المطعون فيه عن الرد عليها وأثرها في الفصل في الدعوى. عدم كفاية ذكرها بأنها دفوع
جوهرية. تعميم وتجهيل. نعي غير مقبول.
(8 ، 9) دعوى" شروط قبول الدعوى: العرض
على لجان التوفيق المنصوص عليها بالقانون 7 لسنة 2000".
(8) عرض النزاع ابتداء على لجان التوفيق في
المنازعات المنصوص عليها بالمادة الأولى من ق 7 لسنة 2000. لازمه. أن يكون جميع
أطرافه ممن عددتهم هذه المادة. المادتان 1، 11 من القانون المشار إليه.
(9)
الشركة المطعون ضدها الثانية من شركات قطاع الأعمال العام. خروجها من
نطاق نص المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 2000. مؤداه. للمطعون ضده الأول رفع
دعواه مباشرة أمام القضاء دون أن يسبقها تقديم طلب لعرض النزاع على لجان التوفيق.
التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضاؤه برفض الدفع المبدى من الطاعنة بعدم
قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون. صحيح.
(10 - 12) نقض" أسباب الطعن بالنقض:
السبب المجهل".
(10) وجوب اشتمال صحيفة الطعن بالنقض على
بيان الأسباب التي بني عليها وإلا كان باطلا. م253 مرافعات. مقصوده. تحديد أسباب
الطعن وتعريفها تعريفا دقيقا نافيا عنه الغموض أو الجهالة يبين منها العيب الذي
يعزوه إلى الحكم وموضعه وأثره في قضائه.
(11) محكمة النقض. ليس من مهمتها أن تتقصى بنفسها
وجوه الخطأ في القانون وأن تستخرج من الأوراق ما تعيب به الحكم المطعون فيه. عبء
ذلك يقع على عاتق الطاعن نفسه ومحله صحيفة طعنه ذاتها.
(12) نعي الطاعنة على الحكم المطعون فيه
مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه. شرطه. بيان ماهية الاتفاقيات الدولية للبريد
والقواعد التنظيمية للاتحاد الدولي للبريد المنظمة للعلاقة بينها وبين المطعون ضده
الأول وانضمام جمهورية مصر العربية إلى هذه الاتفاقيات وتصديقها عليها وكيفية
تنظيم القانون رقم 16 لسنة 1970 بشأن نظام البريد وماهية مخالفة القانون والخطأ في
تطبيقه وموطنه من الحكم وأثره فيه. إغفالها ذلك. عبارة النهي مبهمة غامضة. أثره.
نعي مجهل وغير مقبول.
(13 ، 14) هيئات "هيئة البريد".
(13) هيئة البريد. مسئوليتها. نقل الرسائل
والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسل إليهم وتحمل مسئولية الهلاك والتلف
والتأخير في التسليم. مؤداه. اعتبارها أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة في الوقت نفسه
ولو استعانت بغيرها فهي الآمرة والمسيطرة عليها. ضمانها لخطأ أمين النقل الذي
اختارته بغير تداخل المرسل. اعتبار عملها عملا تجاريا. م5 (ح)، والمواد 208 وما
بعدها، والمواد 273 وما بعدها ق التجارة. عله ذلك. طبيعة مسئوليتها. تعاقدية تنشأ
عن إخلالها بواجبها في تنفيذ عقد النقل. لازمه. الالتزام بالتعويض طبقا لقواعد ق
المدني. نطاقه. مشروعية شروط الإعفاء من المسئولية أو تحديدها.
(14) قيام الهيئة الطاعنة بنقل الطرد الخاص
بالمطعون ضده الأول بصفتها أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة عن طريق أمين نقل هو
الشركة المطعون ضدها الثانية. مقتضاه. تكون الهيئة ضامنة للخطأ الذي يقع من
الأخيرة. مؤداه. عدم استطاعتها الدفع عن نفسها المسئولية بخطأ أمين النقل الذي
اختارته هي بغير تدخل من صاحب الطرد.
-----------------
1 - المقرر في قضاء محكمة النقض أنه يتعين على قاضي الموضوع استظهار
حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وهو في ذلك يخضع لرقابة
محكمة النقض.
2 - إن واجب محكمة النقض لا يقتصر على مجرد
وصف الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وإنما عليها أن تبين في حكمها
التطبيق القانوني الصحيح لأن تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يحتاج إلى طلب
الخصوم بل هو واجب القاضي.
3 - إذ كانت اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل
الجوي الدولي، مونتريال لسنة 1999، التي أصبحت تشريعا داخليا- بعد الموافقة عليها
بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 276 لسنة 2004 الصادر بتاريخ 28/ 8/ 2004 والمنشور
بتاريخ 23/ 4/ 2005 في الجريدة الرسمية- والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 25/ 4/
2005، وبمقتضاها تم تحديث اتفاقية وارسو لعام 1929 والوثائق المتصلة بها، قد نصت
في الفقرة الأولى من المادة الأولى منها على أنه "تسري هذه الاتفاقية على كل
نقل دولي للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع تقوم به طائرة بمقابل وتسري أيضا على
النقل المجاني بطائرة الذي تقوم به مؤسسة للنقل الجوي". وفي المادة الثانية
منه على أن "1- تسري هذه الاتفاقية على النقل الذي تقوم به الدولة أو الأشخاص
الاعتباريون الآخرون الخاضعون للقانون العام وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة
(1). 2- عند نقل المواد البريدية يكون الناقل مسئولا فقط تجاه إدارة البريد
المختصة طبقا للقواعد التي تنطبق على العلاقة بين الناقلين وإدارات البريد. 3-
فيما عدا ما ورد في الفقرة (2) من هذه المادة لا تسري أحكام هذه الاتفاقية على نقل
المواد البريدية"، يدل على أن أحكام اتفاقية مونتريال لسنة 1999 لا تسري إلا
على النقل الجوي الدولي للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع، ويشترط أن يكون النقل
تجاريا؛ أي ذلك النقل الذي يستهدف الناقل منه تحقيق الربح مما يحصل عليه من أجر من
المسافرين أو أصحاب البضائع، وسواء تحقق الربح أو لم يتحقق، ومع ذلك يخضع النقل
بالمجان لقواعد الاتفاقية المذكورة إذا قامت به طائرة إحدى مؤسسات النقل الجوي،
وأنه تسري أحكام هذه الاتفاقية سواء كان القائم بالنقل الدولي هو الدولة أو شخص من
أشخاص القانون العام أو الأفراد أو الشركات والمؤسسات الخاصة وفقا للشروط الواردة
في المادة الأولى، وقد استبعدت اتفاقية النقل الجوي الدولي الرسائل والطرود
البريدية من نطاق تطبيقها، ونصت صراحة على عدم مسئولية الناقل في حالة نقل المواد
البريدية إلا في مواجهة هيئة البريد المختصة وطبقا لقواعد العلاقة بينهما. وهذا
الذي نصت عليه اتفاقية مونتريال لسنة 1999 بشأن استبعاد نقل المواد البريدية من
نطاق تطبيقها لم يكن جديدا وإنما هو امتداد لما انتهجته ابتداء اتفاقية وارسو
(فارسوفيا) لسنة 1929 بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي.
4 - إذ كان البين من الأوراق أن الطاعن قد
أقام دعواه الماثلة بطلب إلزام الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها
الثانية بالتعويض المطالب به على سند من عدم اتخاذهما الإجراءات اللازمة لضمان
سلامة وصول الطرد البريدي الخاص به إلى المرسل إليه في وقت مناسب مما ألحق به
أضرارا جسيمة، فإن الدعوى الماثلة تكون متعلقة بنقل مواد بريدية والتي تخرج من
نطاق تطبيق اتفاقية مونتريال لسنة 1999 وفقا لصريح نص الفقرة الثالثة من المادة
الثانية منها على النحو السالف بيانه، وبالتالي فلا يكون هناك أي محل لتقدير
التعويض وفقا لأحكامها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد الحكم
الابتدائي الذي قدر التعويض المقضي به للطاعن بما يعادل 17 وحدة حقوق سحب خاصة عن
كل كيلو جرام طبقا لوزن الطرد المرسل محل التداعي وفقا لقيمتها بالجنيه المصري لدى
البنك المركزي وقت صدور الحكم استنادا إلى المعايير المنصوص عليها في هذه
الاتفاقية، كما قضى له بمبلغ مائة ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية
وفقا للمادة 22 (6) من ذات الاتفاقية، على الرغم من عدم انطباقها على وقائع الدعوى
الماثلة وخضوع تقدير التعويض لأحكام القواعد العامة في القانون المدني بالنظر إلى
المسئولية التعاقدية الناشئة عن عقد النقل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون،
وقد حجبه هذا الخطأ عن تحقيق عناصر الضرر الذي أصاب الطاعن وتقدير التعويض الجابر
له.
5 - يدل النص في الفقرة الثالثة من المادة
115 من قانون المرافعات وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية على أنه نظرا لتعدد
صور الشخص الاعتباري العام وتنوعها ما بين هيئات ومؤسسات وشركات عامة وغيرها وما
قد يحدث من إدماج بعضها أو تغيير تبعيتها أو تعديل شخص من يمثلها فقد ارتأى المشرع
تخفيفا عن المتقاضين ومنعا لتعثر خصوماتهم صحة اختصام الشخص الاعتباري متى ذكر
بصحيفة الدعوى اسمه المميز له دون أن يؤثر في ذلك الخطأ في بيان ممثله أو اسم هذا
الممثل أو إغفال هذا البيان كلية.
6 - إذ كان البين من الأوراق أن الدعوى قد
وجهت إلى الشركة الطاعنة كشخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية ممثلها القانوني،
باعتبارها الأصيلة المقصودة بذاتها في الخصومة دون ممثلها، فإن ذكر اسمها في صحيفة
الدعوى يكون كافيا لصحتها دون اعتداد بما يكون قد وقع فيها من خطأ في بيان صاحب
الصفة في تمثيلها، ومن ثم يكون النعي على غير أساس.
7 - إذ كانت الطاعنة لم تحدد ماهية أوجه
دفوعها التي تقول إن الحكم المطعون فيه التفت عن الرد عليها وأثرها في الفصل في
الدعوى، وكان لا يكفي في تحديدها مجرد ما قالته من أنها دفوع جوهرية إذ في هذه
العبارة من التعميم والتجهيل ما لا يمكن أن يفهم معه ماهية هذه الدفوع ومدى
جوهريتها وأثرها في قضاء الحكم، فإن النعي بهذا السبب يكون مجهلا وبالتالي غير
مقبول.
8 - مؤدى النص في المادتين الأولى والحادية
عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000، أنه يلزم لعرض النزاع ابتداء على تلك اللجان
(التوفيق في بعض المنازعات) أن يكون جميع أطراف النزاع ممن عددتهم المادة الأولى
من القانون المشار إليه.
9 - إذ كان البين من الأوراق أن المطعون ضده
الأول أقام دعواه الماثلة بطلب الحكم بإلزام الهيئة الطاعنة والشركة المطعون ضدها
الثانية بمبلغ التعويض المطالب به، وكانت الشركة الأخيرة باعتبارها من شركات قطاع
الأعمال العام، من غير من عناهم الشارع بنص المادة الأولى المشار إليها، فإن شرط
تطبيق أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف البيان يكون غير متوافر ومن ثم يحق
للمدعي (المطعون ضده الأول) رفع دعواه مباشرة أمام القضاء دون أن يسبقها تقديم طلب
لعرض النزاع على اللجان آنفة البيان، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى
برفض الدفع المبدى من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه
القانون، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويضحى النعي بهذا الوجه على غير أساس.
10 - العبرة في تفصيل أسباب الطعن وعلى ما
جرى به قضاء محكمة النقض- هي بما جاء بصحيفة الطعن وحدها، ذلك أن المادة 253 من
قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض بذاتها على بيان الأسباب
التي بني عليها الطعن، قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفا واضحا
كاشفا عن المقصود منها كشفا وافيا نافيا عنها الغموض والجهالة وأن يبين منها العيب
الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد
التحدي به يجب أن يكون مبينا بيانا دقيقا، وأن تقدم معه لمحكمة النقض المستندات
الدالة عليه وإلا كان النعي به غير مقبول.
11 - إذ كان من الأصول المقررة أنه ليس من
مهمة محكمة النقض أن تتقصى بنفسها وجوه الخطأ في القانون، وأن تستخرج من الأوراق
ما تعيب به الحكم المطعون فيه، وإنما يقع عبء ذلك على عاتق الطاعن نفسه، ومحله
صحيفة طعنه ذاتها.
12 - إذ كان البين من صحيفة الطعن أن الطاعنة
نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وساقت نعيها بعبارة
مبهمة غامضة؛ فلم تبين ماهية الاتفاقيات الدولية للبريد والقواعد التنظيمية
للاتحاد الدولي للبريد التي تقول إنها تنظم العلاقة بينها وبين المطعون ضده الأول،
وما إذا كانت جمهورية مصر العربية قد انضمت إلى هذه الاتفاقيات وتم التصديق عليها
من قبلها من عدمه، كما لم تبين كيف أن ذات العلاقة ينظمها القانون رقم 16 لسنة
1970 بشأن نظام البريد، وبغير تحديد لماهية مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه
وموطنه من الحكم وأثره فيه، فلا تكون الطاعنة بذلك قد أوردت سبب الطعن على النحو
الذي يتحقق به غرض الشارع، ومن ثم يكون النعي بهذا الشق نعيا مجهلا غير مقبول.
13 - المقرر في قضاء محكمة النقض أن هيئة
البريد وهي تباشر ضمن عملياتها نقل الرسائل والطرود تعتبر أمينة للنقل ووكيلة
بالعمولة في الوقت نفسه، فهي تتسلم الرسائل والطرود من أصحابها ثم تقوم بنقلها
بواسطة عمالها وسياراتها أو بواسطة قطارات السكة الحديد أو طائرات الرحلات
الداخلية إلى المرسل إليهم داخل مصر، أو تقوم بنقلها بواسطة طائرات الرحلات
الخارجية إن كان المرسل إليهم في الخارج، وكل هؤلاء أمناء نقل كل منهم في دائرة
عمله واختصاصه، وتتولى هيئة البريد الاتفاق معهم بغير تداخل من المرسل. وعلى ذلك
فإن هيئة البريد حين تنقل الرسائل والطرود بنفسها ووسائلها الخاصة تبقى دائما
أمينا للنقل، وإن استعانت بغيرها واختارت هي هذا الغير صارت وكيلا بالعمولة للنقل
لأنها هي المشرفة على العملية من بدايتها إلى نهايتها، أو بمعنى آخر هي الآمرة
والمسيطرة عليها بغير تداخل من المرسل، ويعتبر عملها هذا عملا تجاريا تحكمه المادة
5(ح)، والمواد 208 وما بعدها، والمواد 273 وما بعدها من قانون التجارة التي توجب
عليها نقل الرسائل والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسل إليهم وتحمل مسئولية
الهلاك والتلف والتأخير في التسليم. والمسئولية هنا بطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ
عن إخلالها بواجبها في تنفيذ عقد النقل، فتلتزم بالتعويض طبقا للقواعد المقررة في
القانون المدني وفي نطاق مشروعية شروط الإعفاء من المسئولية أو تحديدها.
14 - إذ كانت الهيئة الطاعنة بوصفها أمينة
للنقل ووكيلة بالعمولة على النحو السالف بيانه قد قامت بنقل الطرد الخاص بالمطعون
ضده الأول عن طريق أمين نقل هو الشركة المطعون ضدها الثانية، فإن هذه الهيئة تكون
ضامنة للخطأ الذي يقع من الأخيرة، ولذلك فلا تستطيع هيئة البريد أن تدفع عن نفسها
المسئولية بخطأ أمين النقل الذي اختارته هي بغير تداخل من صاحب الطرد، ومن ثم يكون
النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الشق على غير أساس.
-----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق
الطعن- تتحصل في أن الطاعن في الطعن الأول أقام على الهيئة المطعون ضدها الأولى
والشركة المطعون ضدها الثانية في ذات الطعن الدعوى رقم .... لسنة 2012 تعويضات كلي
شمال القاهرة بطلب الحكم بإلزامهما أن يؤديا له مبلغ 3.500.000 جنيه تعويضا عن الأضرار
المادية والأدبية التي لحقت به من جراء خطئهما المتمثل في عدم اتخاذهما الإجراءات
اللازمة التي تضمن سلامة وصول الطرد الخاص به إلى المرسل إليه في الميعاد المناسب،
وبيانا لذلك قال إنه أرسل عن طريق هيئة البريد السريع المصري طردا اشتمل على أوراق
الاختبار لإحدى الدورات المعقودة بالمركز الخاص به إلى هيئة الممتحنين بإنجلترا،
وبتاريخ 7/ 7/ 2011 وصل الطرد إلى قسم التصدير الرئيسي بالبريد السريع، وبتاريخ 8/
7/ 2011 وردت له رسالة بريد إلكتروني من شركة .... للشحن الجوي تفيد وضع الطرد ضمن
إرسالية عامة إلى لندن على متن الرحلة رقم .....، إلا إنه فوجئ بوصول الطرد إلى
الجهة المرسل إليها بتاريخ 4/ 1/ 2012، ولما كان ذلك التأخير قد ألحق أضرارا مادية
وأدبية بالمركز الخاص به، ومن ثم كانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرا لأداء المأمورية
المبينة بمنطوق حكمها وبعد أن أودع تقريره، أقامت الشركة المطعون ضدها الثانية
دعوى ضمان فرعية ضد الشركة المطعون ضدها الثالثة، وبتاريخ 6/ 7/ 2017 حكمت المحكمة
(أولا) بعدم قبول دعوى الضمان شكلا. (ثانيا) بإلزام الهيئة المطعون ضدها الأولى
والشركة المطعون ضدها الثانية بالتضامن أن يؤديا للطاعن ما يعادل 17 وحدة حقوق سحب
خاصة عن كل كيلو جرام طبقا لوزن الطرد المرسل محل التداعي وفقا لقيمتها بالجنيه
المصري لدى البنك المركزي وقت صدور الحكم وكذا مبلغ مائة ألف جنيه تعويضا عن
الأضرار المادية والأدبية. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم ...... لسنة
21ق أمام محكمة استئناف القاهرة، كما استأنفته الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة
المطعون ضدها الثانية بالاستئنافين رقمي ......، ..... لسنة 21ق أمام ذات المحكمة،
وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين الثاني والثالث إلى الأول قضت بتاريخ 13/ 3/ 2018
بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض برقم 9458 لسنة 88ق، كما طعنت عليه
الشركة المطعون ضدها الثانية والهيئة المطعون ضدها الأولى في الطعن الأول بذات
الطريق بالطعنين رقمي 9599، 9761 لسنة 88ق، وقدمت النيابة العامة ثلاث مذكرات أبدت
فيها الرأي بالرفض، وإذ عرضت الطعون الثلاثة على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت
جلسة لنظرهم، وفيها ضمت الطعنين الثاني والثالث إلى الأول ليصدر فيها حكم واحد،
والتزمت النيابة رأيها.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعون الثلاث استوفت أوضاعها الشكلية.
أولا- عن الطعن رقم 9458 لسنة 88ق
حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بسببي الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ
في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم ولئن انتهى
صحيحا إلى ثبوت خطأ الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية، إلا
أنه عند تقدير التعويض المقضي به استند إلى اتفاقية مونتريال الصادر بها قرار رئيس
الجمهورية رقم 276 لسنة 2004 بتاريخ 28/ 8/ 2004، في حين أن تلك الاتفاقية قد نصت
في الفقرة الثالثة من المادة الثانية منها على عدم سريانها على نقل الرسائل
والطرود البريدية وتركت تطبيق أحكامها للقانون الوطني للدولة، فضلا عن أن الحكم قد
التفت عن مستنداته التي تثبت تكبده خسائر جسيمة من جراء خطأ الهيئة المطعون ضدها
الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أنه
يتعين على قاضي الموضوع استظهار حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة
عليه وهو في ذلك يخضع لرقابة محكمة النقض، وأن واجب محكمة النقض لا يقتصر على مجرد
وصف الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وإنما عليها أن تبين في حكمها
التطبيق القانوني الصحيح لأن تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يحتاج إلى طلب
الخصوم بل هو واجب القاضي. وكانت اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي،
مونتريال لسنة 1999، التي أصبحت تشريعا داخليا- بعد الموافقة عليها بموجب قرار
رئيس الجمهورية رقم 276 لسنة 2004 الصادر بتاريخ 28/ 8/ 2004 والمنشور بتاريخ 23/
4/ 2005 في الجريدة الرسمية- والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 25/ 4/ 2005، وبمقتضاها
تم تحديث اتفاقية وارسو لعام 1929 والوثائق المتصلة بها، قد نصت في الفقرة الأولى
من المادة الأولى منها على أنه "تسري هذه الاتفاقية على كل نقل دولي للأشخاص
أو الأمتعة أو البضائع تقوم به طائرة بمقابل وتسري أيضا على النقل المجاني بطائرة
الذي تقوم به مؤسسة للنقل الجوي". وفي المادة الثانية منه على أن "1-
تسري هذه الاتفاقية على النقل الذي تقوم به الدولة أو الأشخاص الاعتباريون الآخرون
الخاضعون للقانون العام وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة (1). 2- عند نقل
المواد البريدية يكون الناقل مسئولا فقط تجاه إدارة البريد المختصة طبقا للقواعد
التي تنطبق على العلاقة بين الناقلين وإدارات البريد. 3- فيما عدا ما ورد في
الفقرة (2) من هذه المادة لا تسري أحكام هذه الاتفاقية على نقل المواد
البريدية"، يدل على أن أحكام اتفاقية مونتريال لسنة 1999 لا تسري إلا على النقل
الجوي الدولي للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع، ويشترط أن يكون النقل تجاريا؛ أي ذلك
النقل الذي يستهدف الناقل منه تحقيق الربح مما يحصل عليه من أجر من المسافرين أو
أصحاب البضائع، وسواء تحقق الربح أو لم يتحقق، ومع ذلك يخضع النقل بالمجان لقواعد
الاتفاقية المذكورة إذا قامت به طائرة إحدى مؤسسات النقل الجوي، وأنه تسري أحكام
هذه الاتفاقية سواء كان القائم بالنقل الدولي هو الدولة أو شخص من أشخاص القانون
العام أو الأفراد أو الشركات والمؤسسات الخاصة وفقا للشروط الواردة في المادة
الأولى، وقد استبعدت اتفاقية النقل الجوي الدولي الرسائل والطرود البريدية من نطاق
تطبيقها، ونصت صراحة على عدم مسئولية الناقل في حالة نقل المواد البريدية إلا في
مواجهة هيئة البريد المختصة وطبقا لقواعد العلاقة بينهما. وهذا الذي نصت عليه
اتفاقية مونتريال لسنة 1999 بشأن استبعاد نقل المواد البريدية من نطاق تطبيقها لم
يكن جديدا وإنما هو امتداد لما انتهجته ابتداء اتفاقية وارسو (فارسوفيا) لسنة 1929
بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن
الطاعن قد أقام دعواه الماثلة بطلب إلزام الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة
المطعون ضدها الثانية بالتعويض المطالب به على سند من عدم اتخاذهما الإجراءات
اللازمة لضمان سلامة وصول الطرد البريدي الخاص به إلى المرسل إليه في وقت مناسب
مما ألحق به أضرارا جسيمة، فإن الدعوى الماثلة تكون متعلقة بنقل مواد بريدية والتي
تخرج من نطاق تطبيق اتفاقية مونتريال لسنة 1999 وفقا لصريح نص الفقرة الثالثة من
المادة الثانية منها على النحو السالف بيانه، وبالتالي فلا يكون هناك أي محل
لتقدير التعويض وفقا لأحكامها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد الحكم
الابتدائي الذي قدر التعويض المقضي به للطاعن بما يعادل 17 وحدة حقوق سحب خاصة عن
كل كيلو جرام طبقا لوزن الطرد المرسل محل التداعي وفقا لقيمتها بالجنيه المصري لدى
البنك المركزي وقت صدور الحكم استنادا إلى المعايير المنصوص عليها في هذه
الاتفاقية، كما قضى له بمبلغ مائة ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية
وفقا للمادة 22 (6) من ذات الاتفاقية، على الرغم من عدم انطباقها على وقائع الدعوى
الماثلة وخضوع تقدير التعويض لأحكام القواعد العامة في القانون المدني بالنظر إلى
المسئولية التعاقدية الناشئة عن عقد النقل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون،
وقد حجبه هذا الخطأ عن تحقيق عناصر الضرر الذي أصاب الطاعن وتقدير التعويض الجابر
له، بما يوجب نقضه في هذا الخصوص على أن يكون مع النقض الإحالة.
ثانيا- عن الطعن رقم 9599 لسنة 88ق
حيث إن الشركة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول الخطأ
في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن المطعون ضده الأول قد اختصم في دعواه رئيس
مجلس إدارة الشركة على الرغم من انعدام صفته في تمثيلها قانونا، إذ إن صاحب الصفة
في تمثيلها بوصفها إحدى شركات قطاع الأعمال العام هو عضو مجلس الإدارة المنتدب
عملا بالمادتين 23، 24 من القانون رقم 203 لسنة 1991، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في الفقرة الثالثة من المادة
115 من قانون المرافعات على أنه "وإذ تعلق الأمر بإحدى الوزارات، أو الهيئات
العامة، أو مصلحة من المصالح، أو بشخص اعتباري عام، أو خاص، فيكفي في تحديد الصفة
أن يذكر اسم الجهة المدعى عليها في صحيفة الدعوى"، يدل وعلى ما أفصحت عنه
المذكرة الإيضاحية على أنه نظرا لتعدد صور الشخص الاعتباري العام وتنوعها ما بين
هيئات ومؤسسات وشركات عامة وغيرها وما قد يحدث من إدماج بعضها أو تغيير تبعيتها أو
تعديل شخص من يمثلها فقد ارتأى المشرع تخفيفا عن المتقاضين ومنعا لتعثر خصوماتهم
صحة اختصام الشخص الاعتباري متى ذكر بصحيفة الدعوى اسمه المميز له دون أن يؤثر في
ذلك الخطأ في بيان ممثله أو اسم هذا الممثل أو إغفال هذا البيان كلية. لما كان
ذلك، وكان البين من الأوراق أن الدعوى قد وجهت إلى الشركة الطاعنة كشخصية اعتبارية
مستقلة عن شخصية ممثلها القانوني، باعتبارها الأصيلة المقصودة بذاتها في الخصومة
دون ممثلها، فإن ذكر اسمها في صحيفة الدعوى يكون كافيا لصحتها دون اعتداد بما يكون
قد وقع فيها من خطأ في بيان صاحب الصفة في تمثيلها، ومن ثم يكون النعي على غير
أساس.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني
الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها قد تمسكت أمام
محكمة الاستئناف بدفوع جوهرية، إلا إن الحكم المطعون فيه التفت عن الرد عليها
مكتفيا بالإحالة في قضائه إلى الحكم الابتدائي والذي جاء خاليا من الرد على هذه
الدفوع، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت الطاعنة لم تحدد ماهية أوجه دفوعها التي تقول إن
الحكم المطعون فيه التفت عن الرد عليها وأثرها في الفصل في الدعوى، وكان لا يكفي
في تحديدها مجرد ما قالته من أنها دفوع جوهرية إذ في هذه العبارة من التعميم
والتجهيل ما لا يمكن أن يفهم معه ماهية هذه الدفوع ومدى جوهريتها وأثرها في قضاء
الحكم، فإن النعي بهذا السبب يكون مجهلا وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث من
أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إنه أسس قضاءه
على أحكام قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، في حين إن اتفاقية مونتريال لسنة 1999
هي الواجبة التطبيق على الدعوى الماثلة، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك بأن الثابت من مدونات الحكم
الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه لم يعمل أحكام قانون التجارة المصري
بالنسبة إلى الطاعنة وإنما طبق أحكام اتفاقية مونتريال- دون تعييب أو نعي من
جانبها على ذلك التطبيق على أي نحو- وفق ما سلف بيانه من رد على سببي الطعن الأول
رقم 9458 لسنة 88ق.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ثالثا- عن الطعن رقم 9761 لسنة 88ق
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعى بالوجه الأول من سبب الطعن على الحكم
المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى برفض الدفع المبدي منها بعدم قبول
الدعوى لعدم سبق اللجوء إلى لجان التوفيق في المنازعات المنصوص عليها في القانون
رقم 7 لسنة 2000 قبل رفع الدعوى رغم أن الخصومة لا تندرج ضمن الأنزعة المستثناة من
اللجوء فيها إلى تلك اللجان، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة الأولى من القانون
رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات
والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها على أن "ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو
هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المنازعات
المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها
وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة"، وفي المادة الحادية عشرة منه على
أنه "... لا تقبل الدعوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات
الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات
الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول ..."،
مؤداه أنه يلزم لعرض النزاع ابتداء على تلك اللجان أن يكون جميع أطراف النزاع ممن
عددتهم المادة الأولى من القانون المشار إليه. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق
أن المطعون ضده الأول أقام دعواه الماثلة بطلب الحكم بإلزام الهيئة الطاعنة
والشركة المطعون ضدها الثانية بمبلغ التعويض المطالب به، وكانت الشركة الأخيرة
باعتبارها من شركات قطاع الأعمال العام، من غير من عناهم الشارع بنص المادة الأولى
المشار إليها، فإن شرط تطبيق أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف البيان يكون غير
متوافر ومن ثم يحق للمدعي (المطعون ضده الأول) رفع دعواه مباشرة أمام القضاء دون
أن يسبقها تقديم طلب لعرض النزاع على اللجان آنفة البيان، وإذ التزم الحكم المطعون
فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدي من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير
الطريق الذي رسمه القانون، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويضحى النعي بهذا
الوجه على غير أساس.
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعى بالشق الأول من الوجه الثاني من سبب
الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول
إن العلاقة بينها والمطعون ضده الأول تنظمها الاتفاقيات الدولية للبريد والقواعد
التنظيمية للاتحاد الدولي للبريد والقانون رقم 16 لسنة 1970 الخاص بنظام البريد
غير أن الحكم المطعون فيه خالف ذلك كله وقام بتطبيق اتفاقية مونتريال 1999، مما
يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن العبرة في تفصيل أسباب الطعن-
وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- هي بما جاء بصحيفة الطعن وحدها، ذلك أن المادة
253 من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض بذاتها على بيان
الأسباب التي بني عليها الطعن، قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه
تعريفا واضحا كاشفا عن المقصود منها كشفا وافيا نافيا عنها الغموض والجهالة وأن
يبين منها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم
فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبينا بيانا دقيقا، وأن تقدم معه لمحكمة
النقض المستندات الدالة عليه وإلا كان النعي به غير مقبول. وكان من الأصول المقررة
أنه ليس من مهمة محكمة النقض أن تتقصى بنفسها وجوه الخطأ في القانون، وأن تستخرج
من الأوراق ما تعيب به الحكم المطعون فيه، وإنما يقع عبء ذلك على عاتق الطاعن
نفسه، ومحله صحيفة طعنه ذاتها. لما كان ذلك، وكان البين من صحيفة الطعن أن الطاعنة
نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وساقت نعيها بعبارة
مبهمة غامضة؛ فلم تبين ماهية الاتفاقيات الدولية للبريد والقواعد التنظيمية
للاتحاد الدولي للبريد التي تقول إنها تنظم العلاقة بينها وبين المطعون ضده الأول،
وما إذا كانت جمهورية مصر العربية قد انضمت إلى هذه الاتفاقيات وتم التصديق عليها
من قبلها من عدمه، كما لم تبين كيف أن ذات العلاقة ينظمها القانون رقم 16 لسنة
1970 بشأن نظام البريد، وبغير تحديد لماهية مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه
وموطنه من الحكم وأثره فيه، فلا تكون الطاعنة بذلك قد أوردت سبب الطعن على النحو
الذي يتحقق به غرض الشارع، ومن ثم يكون النعي بهذا الشق نعيا مجهلا غير مقبول.
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعى بالشق الثاني من الوجه الثاني من سبب
الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ ألزمها بالتعويض المقضي
به على الرغم من انتفاء الخطأ في جانبها لقيامها بتسليم الطرد محل النزاع- بعد
يومين فقط من تاريخ استلامها له- للشركة المطعون ضدها الثانية التي تقع عليها
وحدها مسئولية التعويض عن الضرر المزعوم في حالة تحققه، مما يعيب الحكم ويستوجب
نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن
هيئة البريد وهي تباشر ضمن عملياتها نقل الرسائل والطرود تعتبر أمينة للنقل ووكيلة
بالعمولة في الوقت نفسه، فهي تتسلم الرسائل والطرود من أصحابها ثم تقوم بنقلها
بواسطة عمالها وسياراتها أو بواسطة قطارات السكة الحديد أو طائرات الرحلات
الداخلية إلى المرسل إليهم داخل مصر، أو تقوم بنقلها بواسطة طائرات الرحلات
الخارجية إن كان المرسل إليهم في الخارج، وكل هؤلاء أمناء نقل كل منهم في دائرة
عمله واختصاصه، وتتولى هيئة البريد الاتفاق معهم بغير تداخل من المرسل. وعلى ذلك
فإن هيئة البريد حين تنقل الرسائل والطرود بنفسها ووسائلها الخاصة تبقى دائما
أمينا للنقل، وإن استعانت بغيرها واختارت هي هذا الغير صارت وكيلا بالعمولة للنقل
لأنها هي المشرفة على العملية من بدايتها إلى نهايتها، أو بمعنى آخر هي الآمرة
والمسيطرة عليها بغير تداخل من المرسل، ويعتبر عملها هذا عملا تجاريا تحكمه المادة
5 (ح)، والمواد 208 وما بعدها، والمواد 273 وما بعدها من قانون التجارة التي توجب
عليها نقل الرسائل والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسل إليهم وتحمل مسئولية
الهلاك والتلف والتأخير في التسليم. والمسئولية هنا بطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ
عن إخلالها بواجبها في تنفيذ عقد النقل، فتلتزم بالتعويض طبقا للقواعد المقررة في
القانون المدني وفي نطاق مشروعية شروط الإعفاء من المسئولية أو تحديدها. لما كان
ذلك، وكانت الهيئة الطاعنة بوصفها أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة على النحو السالف
بيانه قد قامت بنقل الطرد الخاص بالمطعون ضده الأول عن طريق أمين نقل هو الشركة
المطعون ضدها الثانية، فإن هذه الهيئة تكون ضامنة للخطأ الذي يقع من الأخيرة،
ولذلك فلا تستطيع هيئة البريد أن تدفع عن نفسها المسئولية بخطأ أمين النقل الذي
اختارته هي بغير تداخل من صاحب الطرد، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه
بهذا الشق على غير أساس.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.