الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

مذكرة النيابة العمومية في الطلب المقدم من حضرة صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا للتصريح لها ببيع حصة ولديها القاصرين الدكتور سمير صفا

مجلة المحاماة - العدد الخامس
السنة الحادية والثلاثون

مذكرة
النيابة العمومية في الطلب المقدم من حضرة صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا بصفتها وصية شرعية على ولديها القاصرين صاحب الجلالة الملك سيمون وسمو الأميرة ماري لويز للتصريح لها ببيع حصة القاصرين في الممتلكات الموروثة لهما عن المغفور له جلالة الملك فرديناند [(1)]
في الوقائع

قدمت صاحبة الجلالة الملكة جيوفانا - أرملة المغفور له الملك بوريس والمقيمة حاليًا بالإسكندرية - طلبًا في 24 أكتوبر سنة 1950 إلى حضرة صاحب العزة رئيس محكمة الإسكندرية تذكر فيه أن ولديها القاصرين وهما جلالة الملك سيمون ملك بلغاريا سابقًا وسمو الأميرة ماري لويز قد ورثا في تركة جدهما لأبيهما المغفور له الملك فيرديناند الثلث مشاعًا (بواقع السدس لكل منهما) في العقارات الكائنة بمدينة كوبورج في ألمانيا، وقد بينت جلالة الطالبة مفردات هذه العقارات ومساحتها ورقم سجلها العقاري وأضافت أن مدينة كوبورج عرضت على ورثة المغفور له الملك فيرديناند شراء هذه العقارات مقابل مبلغ معين يخص القاصرين فيه حوالي...، وبينت أن هذا الثمن مناسب وقدمت شهادة من موث قكوبورج تثبت هذا، ثم قررت أن للقاصرين مصلحة في بيع هذه العقارات.......، وانتهت بطلب التصريح لها بصفتها وصية ببيع هذه العقارات بالأثمان التي بينتها في طلبها.
ثم قدمت جلالة الطالبة في 6 نوفمبر سنة 1950 طلبًا آخر بينت فيه أن المرحوم الملك فيرديناند توفي في 10 سبتمبر سنة 1948 دون أن يترك وصية وبينت أن ورثته هم: ولديها القاصرين حفيدي المتوفى والأميرتين أيدوكي ونادجيدا أولاد المتوفى المقيمين في ألمانيا، ورددت ما جاء بطلبها الأول السابق ذكره وأضافت إليه طلب تحديد جلسة لإثبات وفاة المرحوم الملك فيرديناند وحصر تركته في الورثة السالف ذكرهم.
وقد قدمت جلالتها صورة شهادة ثبوت وراثة صادرة من محكمة كوبورج في 21 مارس سنة 1948 مثبتًا فيها تاريخ وفاة صاحب الجلالة الملك فيرديناند وورثته الأربعة السالفة ذكرهم ونصيب القصر في هذا الميراث ما يفيد تمثيل جلالة الطالبة شرعًا لولديها القاصرين، وقد طلب من النيابة إبداء رأيها في الطلب الخاص ببيع أموال القاصرين.

في الاختصاص

أولاً: في الاختصاص العام:
هل المحاكم المصرية في جملتها مختصة بنظر هذا الطلب ؟ أم المحاكم الألمانية على أساس وجود عقارات القاصرين بها ؟ للبحث في هذا الاختصاص يجب الرجوع إلى أحكام الاختصاص العام في قانوننا المصري، وقد تبين بعد الاطلاع على قواعد هذا القانون الخاصة بالإجراءات (قانون المرافعات) أن المشرع المصري أغفل حكم تلك الحالة التي نحن بصددها ولم يرد نص بشأنها.
إذن هل للمحاكم الألمانية مختصة بهذا الطلب ؟
نص القانون المدني الألماني في المادة (23) منه على جواز قيام الوصايا حتى بالنسبة للأجانب الذين لا تحميهم الدولة المنتمين إليها، إلا أن المادة (36) من القانون الألماني المعمول به الآن والصادر في 17 مايو سنة 1898 اشترطت أن تكون الوصايا خاصة بالقصر المقيمين في ألمانيا.
يراجع في ذلك

Raape, internationales Privatrecht, 1850, s, 254

ويفهم من هذا النص الأخير أنه إذا كان القاصر مقيمًا في خارج ألمانيا فلا اختصاص للقضاء الألماني بالنسبة لمسائل الوصاية عليه.
وحيث إنه بذلك ففي دعوانا، وثابت بها إقامة القاصرين في مصر لا تكون المحاكم الألمانية مختصة بمسائل الوصاية عليهما.
يبدو - مما تقدم - أن المحاكم المصرية والألمانية غير مختصة وفقًا للنصوص السابقة !!
إذن فمجال البحث أن نتجه إلى أحكام الفقه الدولي والقانون الدولي العام لمعرفة الحل السليم للفصل في مسألة الاختصاص العام.
وحيث إن حق التقاضي، وهو من الحقوق الخاصة للأجانب ينظمه تشريع كل دولة ومبدأ التسوية في المعاملة بالنسبة لتلك الحقوق بين الأجانب والوطنيين معمول به في أغلب التشريعات الحديثة مع استثناءات تقتضيها مصلحة الدولة، وإذا ما تصفحنا ما جاء على لسان فقهاء القانون الدولي تبين أن هناك مبدأ عام مسلم به هو حق الأجنبي في الالتجاء إلى القضاء، وقد جاء في هذا العدد في مؤلف:

A. De lapradalle et J. P. Niboyet (Répertoire de droit international) t. VIII Etranger:
No. 353 – (L’étranger est considéré généralement comme ayant droit à la protection judiciaire de l’Etat où il séjourne sous réserve de particularifes de procedure).

وهو ما معناه:
والأجنبي له حق حماية القضاء في الدولة التي يقيم فيها، كما جاء في البند (354) من المؤلف نفسه:

No. 354 – (On admet généralement qu’il existe à la charge des Etats une obligation de permettre aux étrangers I’accés aux tribunaux, afin que satisfaction soit donnés a leurs prétentions fondées).

وهو ما معناه:
من المسلم به أن على الدولة التزامًا هو السماح للأجانب بالالتجاء إلى القضاء للوصول إلى الحق.
نخلص من كل ما تقدم أن المحاكم المصرية، وقد توطن القاصران وجلالة الطالبة في مصر، أصبحت مختصة بالتصريح لها ببيع أموال القاصرين الموجودة بالخارج.
انتهينا إذن من الاختصاص العام وننتقل بعد ذلك إلى الاختصاص المتعلق بالوظيفة.
ثانيًا: الاختصاص المتعلق بالوظيفة: نصت المادة (12) من قانون نظام القضاء رقم (147) لسنة 1949 على أن المحاكم المدنية تختص بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بغير المصريين وأشارت المادة (13) من نفس القانون إلى أن مسائل الوصاية تدخل ضمن مسائل الأحوال الشخصية وبالتالي فالمحاكم المدنية المصرية تكون مختصة بنظر هذا الطلب.
ثالثًا: الاختصاص النوعي والمحلي:
نصت المادة (810) من المرسوم بقانون رقم (94) لسنة 1937 على أنه (في كل الأحوال التي يشترط قانون البلد فيها أن يحصل الوصي للقيام ببعض الأعمال على الإذن من السلطة القضائية أو الإدارية بمنع ذلك الإذن بأمر على عريضة يصدره رئيس المحكمة الابتدائية المختصة بعد أن تبدي النيابة العمومية رأيها كتابةً).
وحيث إن ما جاء بتلك المادة لبيان المحكمة المختصة محليًا تفسره المواد السابقة في هذا الباب الخاص بالوصاية والقواعد والتي يستفاد جميعًا أن الاختصاص المحلي مرتبط بمحل توطن القاصر وبالتالي فتكون المحكمة المختصة بهذا الطلب محليًا هي محكمة محل توطن القاصرين أي محكمة الإسكندرية.
ومن ثم فتقديم الطلب قد وافق جهة مختصة محليًا ونوعيًا.

في القانون الواجب التطبيق

أولاً: البحث في إسقاط الجنسية (Dénatinalisation):
حيث إنه ثابت من الأوراق أن العائلة المالكة البلغارية قد تركت بلغاريا في سنة 1946 على أثر الظروف السياسية إلى مصر، وقد سقطت الجنسية البلغارية عن أفراد تلك العائلة وحصلت على تصريح بالإقامة في مصر وبذلك أصبح أفراد هذه العائلية لا جنسية لهم وعلى وجه التحديد وأصبح القاصران لا جنسية لهما.
وحيث إن القانون الدولي الخاص يعرف شخصين أولهما من له جنسيات متعددة وثانيهما من لا جنسية له.
فهل من أسقطت عنه جنسية يعتبر في نظر القانون الدولي الخاص ممن لا جنسية له ؟ وبمعنى آخر:
هل إسقاط الجنسية البلغارية عن القاصرين جعلهما في عداد من لا جنسية لهم وفقًا لأحكام القانون الدولي الخاص ؟ أم أن إسقاط الجنسية لا أثر له من ناحية القانون ؟
من الناحية النظرية لا يمكن القول بإسقاط الجنسية عن شخص معين رغم إرادته ولكن من ناحية الواقع الانتماء إلى دولة معينة لا يكون إلا برضاء وموافقة هذه الدولة مما يتعين معه القول بأن إسقاط الجنسية معتمد دوليًا وذو أثر في القانون الدولي الخاص.
يراجع في ذلك:

1- Maury, Nationalité No. 82 bis et 83 dans Laparadelle - Niboyet (Répertoire de droit international) t. IX, p. 284 et 285, Tribunal de la Seine 7 Mars 1929, Sirey 1929. 2. 167.
2- Vichniac (Le Statut international des apatrides) dans Recueil des cours de l’Académie de droit et la Haye, Volume 43, p. 119 et s. et 177 et s.
3- Cluent (Journal de droit international) t. 51, année 1924, P. 5 à 62 ; études prudhomme, Grouber, Idelson et Fruend.

وفي حالتنا - طبقًا للمبادئ السابقة - يعتبر القاصران بعد أن سقطت عنهما الجنسية البلغارية لا جنسية لهما.
ثانيًا: في القانون الواجب التطبيق موضوعًا.
نصت المادة (25) من القانون المدني المصري على أنه:
(يعين القاضي القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد).
وحيث إن الأعمال التحضيرية الخاصة بهذه المادة تفيد بأن القاضي يعتد في حالة التنازع السلبي للجنسية بقانون موطن الشخص أو محل إقامته.
وبالتالي فإعمالاً لهذا النص وفقًا لما جاء بالأعمال التحضيرية يكون المقصود بعبارة القانون الذي يعينه القاضي هو قانون موطن الشخص أو محل إقامته.
تلك هي نظرة المشرع المصري بالنسبة للقانون الواجب التطبيق لمن لا جنسية لهم.
وليس هذا التفسير بغريب عن الفقه أو التشريعات الأجنبية بل إن الفقه المصري والفرنسي قد اتفقا على الأخذ به:
يراجع:
1 - حامد زكي كتاب القانون الدولي الخاص صـ 579 إلى 582.
2 - باتيفول Battifol (Traité élémentaire de droit international privé) 1949 No. 387 texte et note I et 2
كما أن الفقه الألماني أيد الفقه المصري والفرنسي في هذه النظرة كما أخذ التشريع الألماني بهذه النظرية في المادة (29) المعدلة بالقانون الصادر في 12 إبريل سنة 1938.
كما أن معاهدة جنيف الدولية المبرمة في 28 أكتوبر سنة 1933 قد أوصت بالأخذ بهذا الرأي.
وحيث إن الموطن هو المحل الذي يختاره الشخص ليكون المأوى النهائي له وذلك بصفة حقيقية ومستمرة وليكون مركز لعلاقته القانونية ولأشغاله.
يراجع:
1 - حامد زكي كتاب القانون الدولي الخاص صـ 593 بند (497).
2 - عبد الحميد أبو هيف في القانون الدولي الخاص الجزء الأول صـ 82 بند من (87 - 89).
وحيث إنه قد ثبت أن القاصرين قد توطنا في مصر وفقًا للتفسير السالف الذكر لذلك يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق طبقًا لقاعدة الإسناد المنصوص عنها في المادة (25) السابق ذكرها.
وحيث إن قانون المحاكم الحسبية رقم (99) لسنة 1947 هو القانون الواجب التطبيق في المسائل الخاصة بالوصاية باعتبارها من المسائل المتعلقة بالولاية على المال دون النظر إلى ملة المتقاضين.
وحيث إن هذا القانون نص في المادة (20) منه على أنه لا يجوز للوصي مباشرةً التصرف في أموال القاصر بالبيع إلا بعد الحصول على إذن من المحكمة.
وحيث إن المادة (860) من المرسوم بقانون رقم (94) لسنة 1937 الخاص بالإجراءات في مواد الأحوال الشخصية للأجانب أوجبت على الوصي في حالة اشتراط القانون الحصول على إذن من السلطة القضائية أن يحصل على ذلك الإذن من رئيس المحكمة الابتدائية.
وحيث إن هذه المادة توجب قبل صدور ذلك الإذن أن تبدي النيابة رأيها فإننا نختتم هذا البحث بالموافقة على صدور إذن لجلالة الطالبة ببيع نصيب القاصرين بعد أن ثبت أن هذا البيع في مصلحتها.
---------------------------
[(1)] حررها الدكتور سمير صفا وكيل نيابة الأحوال الشخصية بمحكمة الإسكندرية.

بحث في قانون الإصلاح الزراعي الأراضي البور والضريبة الإضافية عبده عبد السلام شرارة المحامي

مجلة المحاماة - العدد الرابع
السنة الرابعة والثلاثون

بحث في قانون الإصلاح الزراعي الأراضي البور والضريبة الإضافية
للسيد الأستاذ عبده عبد السلام شرارة المحامي

كان الناس يتهافتون على استثمار أموالهم في الأراضي الزراعية ويتنافسون في الاستحواز عليها لأنها تدر إيرادًا عاجلاً، وقلما كانوا يقبلون على المخاطرة بأموالهم في استصلاح أرضٍ لم تكن مزروعة حتى أصبحت الأرض الزراعية هي مجال الاستثمار الأساسي في البلاد ومن ثم امتنع على الاقتصاد المصري أن يسير قدمًا نحو التنمية الاقتصادية.
ولهذا كان أهم ما استهدفه قانون الإصلاح الزراعي هو تعديل نظام ملكية الأرض الزراعية وتشجيع كل استثمار جديد نحو استصلاح الأراضي.
ولتحقيق ذلك نص المرسوم بقانون (178) سنة 1952 على تحديد ملكية الفرد فحرم عليه أن يمتلك من الأراضي الزراعية أكثر من مائتي فدان كما أوجب الاستيلاء على ما يجاوز ذلك المقدار، وفي ذات الوقت أجاز القانون للشركات والجمعيات أن تمتلك أكثر من مائتي فدان في الأراضي التي تستصلحها لبيعها كما أجاز ذلك للأفراد في الأراضي البور والأراضي الصحراوية لاستصلاحها ونص على أنه لا يسري على هذه الأراضي أحكام التحديد والاستيلاء إلا بعد انقضاء خمس وعشرين سنة من وقت تملكهم.
والأراضي البور كما عرفتها اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بجلسة 4/ 11/ 1952 هي الأراضي غير المزروعة على وجه الإطلاق ولم يسبق زراعتها والأراضي التي يقرر المالك أنها بور أو مستصلحة حديثًا ولم يمضِ على تاريخ تملكها أو تاريخ البدء في استصلاحها خمسة وعشرون عامًا.
وقد هدف المشرع من استثناء الأراضي البور من أحكام التحديد والاستيلاء إلى تشجيع قيام نوع جديد من الاستثمار العقاري يؤدي إلى توسيع رقعة الأرض المزروعة باستصلاح أرض جديدة لبيعها لصغار الزراع أو الاحتفاظ بها في حدود ملكية لا تزيد على مائتي فدان للفرد الواحد وفضلاً عن ذلك إتاحة الفرصة للمالك للإفادة من الأرض التي أصلحها بتعويض ما أنفق من مال وبذل من جهد.
وقد حدد المشرع لبقاء تلك الأراضي تحت يد مالكها مدة خمس وعشرين سنة من وقت التملك حسب نص القانون أو من تاريخ أول زرعة استصلاحية، كما جاء في تفسير اللجنة العليا، وبعد انقضاء تلك المدة تعامل الأرض البور معاملة الأرض الزراعية من حيث خضوعها لأحكام التحديد والاستيلاء.
وقد أجاز القانون لمالك الأراضي البور أن يتصرف فيها قبل انقضاء هذه المدة، ولعموم هذا النص فإن الشارع يكون قد أطلق للمالك كل حرية في التصرف في تلك الأراضي بغير أن يقيد ذلك من ناحية شخص المتصرف إليه ولا من ناحية مقدار الأرض المتصرف فيها أو خضوع التصرف لأية رقابة قضائية كما فعل بالنسبة للتصرف في الأراضي الزراعية، وتطبيقًا لذلك يكون للمالك أن يباشر كافة التصرفات القانونية على أرضه البور لمن يشاء وكيف يشاء، فيكون له مثلاً أن يتصرف فيها إلى من يملك مائتي فدان من الأرض الزراعية كما يجوز له أن ينقل ملكيتها لمن يشاء من فروعه وزوجه وأزواج فروعه كما يجوز له أن يجعلها وقفًا على الخيرات.
وعندي أن إطلاق حرية المالك في التصرف في هذه الأراضي لا يخلو من عيوب تناقض حكمة تحديد الملكية وبخاصة إذا تعلق الأمر بملكيات كبيرة تجمعت في يد أسرة أو في يد فرد واحد، ومن هذه العيوب أن يستطيع المالك أن ينقل ملكية هذه الأراضي إلى فروعه وزوجه وأزواج فروعه دون أن يتقيد - في هذا التصرف - بحد محدود ودون أن يكون التصرف خاضعًا لرقابة جهة قضائية تقره أو ترفضه في حين أن هذه الأراضي المعتبرة بورًا من الناحية القانونية بحسب تفسير اللجنة العليا قد تكون أرضًا لا تقل جودة وخصوبة عن الأراضي الزراعية.
ومن ذلك أيضًا أن يستطيع المالك أن يتصرف في تلك الأراضي - بطريق الصورية - إلى من يصطفي من تابعيه، وبهذا يضمن بقاء تلك الأرض في ملكيته الحقيقية وتصرفه المستور.
ونصت المادة (17) من القانون على عقوبة الحبس لمن يتعمد من مالكي الأراضي التي يتناولها حكم القانون أن يحط من معدنها أو يضعف تربتها أو يفسد ملحقاتها بقصد تفويت الانتفاع بها وقت الاستيلاء عليها، ونحسب أن هذا النص قاصر عن أن ينال بالعقاب مالك الأرض البور إذا ترك استصلاحها.
ولم ينظم قانون الإصلاح الزراعي علاقة مستأجر الأرض البور بمالكها كما فعل بالنسبة لمستأجر الأرض الزراعية في المواد (31)، وما بعدها من القانون، ومع هذا فلا شك في سريان هذه القواعد على الأرض البور وأن تنظم علاقة مستأجرها بمالكها على أساس ما قررته من أحكام إذ أن ما جاء بهذه النصوص من تحديد حد أقصى للإيجار وأقل مدة للتأجير يعتبر من النظام العام، ولعل ذلك أن يكون هو اتجاه المشرع نفسه وإن لم ينص عليه صراحةً، ذلك أن اللجنة العليا للإصلاح الزراعي قد وضعت تفسيرًا لتحديد إيجار الأراضي التي تكون ضريبتها جنيهًا واحدًا أو أقل فقررت أن يكون الإيجار مزارعة أو نقدًا - في الحدود المبينة في القانون - بحسب اختيار المالك، ولا شك أن اللجنة العليا كانت تعني - بهذا التفسير - الأراضي البور والمستصلحة.
ونص القانون أيضًا على إعفاء الأراضي البور من الضريبة الإضافية التي فرضها على الأراضي الزراعية وهي خمسة أمثال الضريبة الأصلية.
وقررت اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بجلسة 4/ 11/ 1952 أنه لإعفاء الأراضي البور من الضريبة الإضافية يجب على المالك أن يقدم بيانًا شاملاً عن تلك الأراضي ترافقه خرائط مساحية لها وكذلك المستندات الدالة على تاريخ التملك وتاريخ أول زرعة استصلاحية وتاريخ ربط أول ضريبة أموال عليها وتاريخ الإفادة من مشروعات الري والصرف.
وعندما يقدم المالك هذه البيانات والمستندات تؤلف لجنة من ثلاثة أعضاء - تعينهم اللجنة العليا تكون مهمتها معاينة تلك الأراضي والتثبت من كونها أرضًا بورًا فترفع بذلك تقريرًا للجنة العليا لتصدر قرارها في الموضوع.
ويظهر بوضوح أن كل هذه الإجراءات تستغرق وقتًا قد يطول إلى ما يزيد على أربع سنوات حتى تنتهي عمليات المعاينة والتحديد والاستيلاء.
ومع ذلك فقد أصدرت اللجنة العليا قرارًا بأن يبقى ملاك الأراضي البور خاضعين لأحكام القانون الخاصة بالضريبة الإضافية حتى تبت اللجنة في أمر أراضيهم.
وبهذا يلزم مالك الأرض البور بأن يؤدي الضريبة الإضافية - فضلاً عن الضريبة الأصلية - طول تلك المدة ولا يبرر هذا الإلزام أن يكون للمالك بعد ذلك أن يسترد المبالغ المدفوعة أو يخصمها من الأموال الأميرية المستحقة عليه إذا صدر قرار اللجنة باعتبار أرضه بورًا وكيف يستطيع أن يدفع ستة أمثال الضريبة على أراضيه البور إذا لم تدر عليه تلك الأراضي ما يوازي ذلك المقدار، ولو فرضناها تدر عليه حتى سبعة أمثال الضريبة لما بقي في يده ما ينفقه على استصلاحها في الوقت الذي أبقاها القانون في يده ليشجعه على استصلاحها وليمكنه من الإفادة منها، وبهذا يضيع الهدف المقصود من التشجيع على الاستثمار الزراعية وتنمية الثروة الزراعية كما أراد الشارع ونصت عليه المذكرة التفسيرية، وبهذا أيضًا تصبح الأرض البور عبئًا ثقيلاً على كاهل المالك مع أن القانون أراد أن تكون تحت يده.
وعندي أن المشرع جدير بأن يعيد النظر في هذا ليرفع عن ملاك هذه الأراضي عبء الضريبة الإضافية بتفسير يعالج هذه المشكلة - مؤقتًا - وحتى يصدر قرار اللجنة العليا.
واقترح لذلك أن يعتبر المشرع أرضًا بورًا تعفى من الضريبة الإضافية مؤقتًا... كل أرض لا تزيد ضريبتها عن جنيه واحد، وكل أرض ربطت عليها الضريبة لأول مرة في خلال مدة سابقة على صدور قانون تحديد الملكية، ويمكن تحديد هذه المدة بعشر سنوات مثلاً، وكل أرض كانت مملوكة أصلاً لمصلحة الأملاك الأميرية ولم يمضِ على تاريخ تسجيل عقد الشراء منها خمس وعشرون سنة.
ولضمان الحصول على الضريبة الإضافية إذا ما اتضح في النهاية أن بعض هذه الأراضي أو كلها ليس بورًا فليس ثمة ما يمنع قانونًا من النص على تقدير حق امتياز على تلك الأراضي بما يعادل الضريبة الإضافية حتى وقت صدور قرار اللجنة بشأنها، وبهذا تنتقل ملكية الأرض من مالك إلى مالك محملة بحق عيني لوفاء هذه الضريبة.
ولا شك في أن هذا التفسير كفيل بأن يحقق غرض الشارع في تنمية الثروة الزراعية وتعويض ملاك الأراضي البور.

كادر عمال اليومية والقواعد الأساسية التي يقوم عليها تطبيق أحكامه يوسف داود المحامي

مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الحادية والثلاثون

كادر عمال اليومية والقواعد الأساسية التي يقوم عليها تطبيق أحكامه
للأستاذ يوسف داود المحامي بإدارة قضايا الحكومة

بتاريخ 23 نوفمبر و28 ديسمبر سنة 1944 وافق مجلس الوزراء على كادر عمال اليومية وأصدرت وزارة المالية كتابًا دوريًا في 16 أكتوبر سنة 1945 بنشر أحكام هذا الكادر على جميع الوزارات ومصالح الحكومة.
وقد نظم هذا الكادر قواعد التعيينات والترقيات والعلاوات بالنسبة لجميع عمال اليومية، وفقًا لأسس معينة وقواعد موحدة، وانتهى بصدور هذا الكادر العمل بالأنظمة السابقة التي لم تكن تجري على وتيرة واحدة بل كانت في حالات كثيرة لا تربطها وحدة ولا تناسق ولا يرجع في تطبيقها إلى تفسيرات واضحة ومستقرة.
وكما وضع كادر عمال اليومية نظامًا جديدًا لحالات التعيين اللاحقة على صدوره فقد انطوى على أحكام عامة لإنصاف جميع قدامى الصناع الذين التحقوا بالخدمة قبل تنفيذ الكادر، ومن مقتضى هذا الإنصاف أن أعيدت تسوية حالات هذا الفريق الأخير بافتراض تعيينهم في درجة معادلة للدرجة التي دخلوا بها الخدمة وتدرجهم بعد ذلك بالعلاوات والترقيات وفقًا لنظام مقرر حتى 1/ 5/ 1945 تاريخ تنفيذ الكادر.
والقضايا المتعلقة بتنفيذ كادر العمال تدخل في عداد قضايا التسوية التي تختص محكمة القضاء الإداري بنظرها باعتبار أنها من المنازعات الخاصة بالمرتبات، طبقًا للمادة (3) فقرة (2) من القانون رقم (9) لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة.
وهذه المنازعات تتخذ إحدى صورتين، إما مطالبة بتطبيق هذا الكادر أو بإعادة التسوية وفقًا لأحكامه.
وسنقتصر في هذا المقال على بحث الصورة الأولى من هذه المنازعات وهي الخاصة بتطبيق الكادر لأنها من أهم الصور التي تطرح على محكمة القضاء الإداري مما يتصل بشؤون العمال من حيث دقة الموضوع وتفرق القواعد الخاصة بها في الكادر.
تطبيق كادر عمال اليومية:
استهدف الكادر حالة الصناع المعينين باليومية وخصهم بالقسط الأكبر من عنايته باعتبار أن هذا الفريق يمثل الأغلبية الساحقة من الصناع والعمال، ولذلك سمي بكادر عمال اليومية وإذا كان الكادر قد عنى في المقام الأول بحالة أرباب اليومية فهناك من عداهم من المستخدمين الفنيين المعينين على درجات الميزانية استفادوا من أحكام الكادر بشروط معينة سنعرض لها فيما بعد.
ولم يرد في الكادر نص صريح بتحديد الشروط الواجب توافرها في أرباب اليومية لإمكان انتفاعهم بأحكامه، والمبدأ الذي يمكن استخلاصه من مجموع قواعد الكادر هو أن الشارع اتخذ التعيين في وظيفة الصانع بصفة عامة على اختلاف أنواعها، أساسًا للانتفاع بأحكامه، أي أن تطبيق الكادر على الصانع باليومية، مشروط فيه أن يكون قد عين أصلاً في إحدى الوظائف المدرجة بالكادر، وبذلك يخرج عن متناول هذا التطبيق، القيام بعمل الوظيفة أو التكليف بأداء عملها.
ومبدأ التعيين في وظيفة الصانع، مستفاد من النصوص العديدة التي عرضت لتسوية حالات العمال، وحسبنا أن نشير إلى النصوص الواردة في البند (4) الخاص بالصناع والعمال الفنيين، والبند (5) بشأن الصناع الممتازين، والبند (6) الخاص بالأسطوات، والبند (7) المتعلق بالملاحظين، والبند (8) الذي تناول حالة العمال الكتبة والحكم الوارد في البند (رابعًا) بشأن سائقي السيارات.
ويوجد إلى جانب صناع اليومية، مستخدمون معينون على درجات، أجاز لهم الشارع الانتفاع بتسويات الكادر بتوافر شروط معينة، وهؤلاء المستخدمون ورد ذكرهم على سبيل الحصر في الفقرة (2) من البند الثالث عشر تحت عنوان (قواعد عامة)، وهم نوعان، المستخدمون الصناع والموظفون الفنيون المؤقتون.
أما المستخدمون الصناع فالمقصود بهم الخدمة الخارجون عن الهيئة المدرجة وظائفهم بكادر الصناع، وبذلك لا يستفيد من الكادر من كان من هؤلاء الخدمة مقيدًا على وظيفة بكادر غير الصناع.
وأما الموظفون الفنيون فهم الذين يشغلون وظيفة فنية في الميزانية العامة، ولها نظير في كادر العمال، وهؤلاء الموظفون تتراوح درجاتهم بين الثامنة والسادسة الفنية.
ونص الكادر على تسوية حالة المتقدم ذكرهم من المستخدمين الصناع والموظفين الفنيين على أساس ما يناله زملاؤهم أرباب اليومية الذين يتعادلون معهم في الوظائف ولو جاوزوا بهذه التسوية نهاية ربط الدرجة، بشرط ألا تزيد ماهية المستخدم على نهاية ربط الدرجة المحددة في الكادر لنظيره من عمال اليومية.
وأجاز الكادر لهؤلاء المستخدمين الصناع والفنيين، تحويل وظائفهم من سلك الدرجات إلى سلك اليومية بموافقتهم، وفي هذه الحالة تنقل الوظائف إلى اعتمادات اليومية، ومن لم يوافق منهم على تحويل وظيفته إلى سلك اليومية لا يمنح أية علاوة بعد 30/ 4/ 1945 في حالة تجاوز ماهيته نهاية ربط درجته ما لم يرقَ إلى درجة أعلى يسمح مربوطها بمنحة العلاوات المقررة.
ومما يلاحظ في هذا الصدد أن الكادر لم يحدد موعدًا لتقديم طلبات التحويل نظرًا لأن انتهاء المصالح من تطبيق أحكامه على عمالها كان مرهونًا بعددهم في كل منها كثرة أو قلة فلم يكن من سبيل إلى أن يحدد الكادر التاريخ الذي يتعين فيه تقديم طلب التحويل، على أن العادة جرت على أخذ إقرار على صاحب الشأن بقبوله التحويل من عدمه فإذا خلا ملفه من هذا الإقرار كان له - على الأرجح - أن يتقدم في أي وقت بطلب التحويل.
وانتفاع المستخدمين الصناع والموظفين الفنيين بأحكام الكادر ليس مطلقًا بل هو مرهون بشرطين أساسيين:
1 - أن يكونوا صناعًا أو عمالاً فنيين.
2 - أن يكون لهم مثيل من عمال اليومية في نفس المصلحة، والمقصود بالمثيل من عمال اليومية أن يكون من نفس الوظيفة كنجار أو سائق سيارة مثلاً، واشترط الكادر علاوة على ذلك أن يكون المثيل في نفس المصلحة، أي أن يكون كلاهما تابعين لمصلحة واحدة فإن اختلفت المصلحتان انتفى الشرط، وكذلك الحكم إذا كان كلاهما يتبعان وزارة واحدة ولكنهما يعملان في إدارتين، لكل منهما ميزانية مستقلة.
ومن القضايا المعروضة على محكمة القضاء الإداري للفصل فيها، ما يدور النزاع فيها حول تطبيق كادر العمال على جماعات من أرباب الدرجات وستكون هذه الأحكام المرتقب صدورها، مقررة لوجهة نظر القضاء الإداري في مرامي هذه النصوص ومرجعًا يسترشد به في تفسير هذه القواعد وتطبيقها على الحالات التي تجد مستقبلاً، وعلى هدي هذه الأحكام سيبين مدى سلامة التعليمات التي أصدرتها وزارة المالية تفسيرًا لقواعد الكادر.
وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري أخيرًا حكمًا هامًا أكدت فيه الشروط الواجب توافرها لانطباق كادر العمال على المعينين على درجات وذلك في القضية رقم (97) سنة 4 ق التي رفعها بعض سائقي سيارات البوليس بطلب تطبيق أحكام هذا الكادر عليهم أسوة بزملائهم سائقي السيارات بمصالح الحكومة الأخرى، وفي هذا الحكم الذي صدر بجلسة 12/ 4/ 1951 قضى برفض الدعوى تأسيسًا على أن لسائقي سيارات البوليس كادرًا خاصًا بهم مدرجة فيه درجات وظائفهم ضمن الدرجات العسكرية وأنه لما كان الثابت أن هذه الدرجات ليست مدرجة في الميزانية بالكادر الفني أو بكادر الخدمة الخارجين عن هيئة الصناع في 30/ 4/ 1945 وأن لا مثيل لهم من عمال اليومية في نفس المصلحة (البوليس) كان الشرطان اللازمان لتطبيق كادر العمال على هؤلاء السائقين غير متوافرين طبقًا للفقرات (2) و(3) و(4) من البند (13) من كادر العمال.
وأخيرًا نذكر أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 نوفمبر سنة 1944 بالموافقة على أحكام الكادر تضمن نصًا يقضي بأنه لا يجوز الاستثناء من قواعد الكادر إلا بموافقة وزارة المالية، ومؤدى هذا النص أن سلطة الاستثناء التي خولها مجلس الوزراء لوزارة المالية قاصرة على الحالات الفردية التي يطلب إعادة تسويتها على خلاف قواعد الكادر، ولا نرى أن أثر هذا الاستثناء ينصرف إلى نصوص الكادر من حيث إدخال تعديل عليها أو تقرير قواعد جديدة، ذلك لأن قواعد الكادر حددت بموافقة مجلس الوزراء فلا يجوز تعديلها إلا بموافقة السلطة التي أصدرتها.
على أنه يلاحظ بصدد هذا الاستثناء أن وزارة المالية تقدمت بعد ذلك بمذكرة إلى مجلس الوزراء اقترحت فيها تفويضها سلطة البت في الحالات الفردية التي تعرض عليها بطلب تسوية حالات بعض المستخدمين والعمال الذين لم تسوَ حالاتهم تسوية صحيحة بمقتضى كادر العمال كما اقترحت بالنسبة للحالات الخاصة بفئات من المذكورين أن يرجع في ذلك إلى مجلس الوزراء، وقد وافق المجلس على هذه الاقتراحات بجلسة 17/ 5/ 1950.
ولم يكن ثمة ما يدعو وزارة المالية إلى الرجوع لمجلس الوزراء في طلب تفويضها سلطة الاستثناء بالنسبة للحالات الفردية دون الحالات الخاصة بفئات من المستخدمين والعمال بينما تملك حق الاستثناء بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 23/ 11/ 1944 بالموافقة على قواعد الكادر حيث منحها سلطة أوسع في إجراء هذا الاستثناء على الأفراد والفئات على السواء.
ولم نتبين الحكمة التي حدت بوزارة المالية إلى الالتجاء إلى مجلس الوزراء في طلب الحد من سلطتها في إجراء هذه الاستثناءات المخولة لها من قبل على مدى أوسع، على أن وزارة المالية قد كشفت في المذكرة التي وافق عليها مجلس الوزراء بجلسة 17/ 5/ 1950، عن الباعث لها على ذلك حيث أشارت إلى قرار سابق صدر من نفس المجلس بتاريخ 20/ 11/ 1949 يقضي بامتناع الوزارات والمصالح عن تقديم أي طلب إلى وزارة المالية لإعادة تسوية حالات العمال والمستخدمين على خلاف ما تقضي به أحكام الكادر، وإذا كانت الوزارة فهمت أن هذا القرار الأخير فيما تضمنه من حظر موجه إلى الوزارات والمصالح، قد سلبها سلطة الاستثناء المخولة لها بقرار 23/ 11/ 1944 فإنه ليس من شأن هذا الحظر أن يؤثر على حق الاستثناء في ذاته ما دام أن القرار لم يتصدَ له بالإلغاء، فهذا الحق قائم ولكن استعماله موقوف إلى أن يرفع الحظر فلا يؤثر هذا الحظر بأي حال على سلطة الاستثناء بحيث يؤدي إلى إلغائها أو الحد منها.

في عالم القانون راغب حنا المحامي

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة الرابعة والثلاثون

في عالم القانون
للأستاذ راغب حنا المحامي وكيل النقابة

تشريعات العمل:
لم يكن في مصر تشريع ينظم العلاقات بين العمال وأرباب الأعمال إلى أن صدر قانون عقد العمل الفردي رقم (41) لسنة 1944.
وقد أثبت تطبيق القانون المذكور قصوره عن معاجلة كثير من منازعات العمل، لا سيما بعد أن تضاعف عدد المصانع في البلاد، وتضاعف تبعًا لذلك عدد العمال، الأمر الذي اقتضى تشجيع تكوين نقابات عمالية تعمل على خدمة أعضائها بصفة عامة وتوفير الخدمات الاجتماعية لهم بصفة خاصة كما اقتضى توسيع اختصاص لجان التوفيق والتحكيم وتبسيط إجراءاتها.
وقد واجه العهد الجديد هذه الحالة بإصدار ثلاثة تشريعات:
الأول: المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 الخاص بعقد العمل الفردي.
الثاني: المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 الخاص بالتوفيق والتحكيم في منازعات العمل.
الثالث: المرسوم بقانون رقم (319) لسنة 1952 بشأن نقابات العمال.
وأخيرًا أدخل على القانون الأول تعديل بإضافة مادة جديدة هي المادة (39) مكررًا، وذلك بالقانون رقم (165) سنة 1953 الذي أعطى للعامل الذي يفصل بغير مبرر أن يطلب وقف تنفيذ الفصل بإجراءات سريعة مبسطة.
وعنى المشرع بأن يقوم على تطبيق هذه التشريعات قضاة متخصصون ومن ثم أنشئت دوائر خاصة لشؤون العمال في المدن الكبيرة - جزئية وكلية - كما خصصت بمحاكم الاستئناف دوائر للتحكيم بين العمال وأرباب الأعمال.
ولما كان قانون عقد العمل الفردي هو القانون الأساسي في تشريعات العمل، وكان قد تضمن تعديلات هامة لأحكام القانون القديم، كما استحدث أحكامًا جديدة، فقد كانت الحاجة ماسة لجمع تشريعات العمل ومقارنة النصوص القديمة بالنصوص الجديدة وبالأحكام العامة التي وردت في القانون المدني الجديد.
وقد تكفل بهذا العمل الزميل الأستاذ يحيى رأفت بسيوني المحامي بالاشتراك مع الأستاذ محمد رفعت مدير شؤون العمل بمصانع ياسين للزجاج، إذ أخرجا سفرًا قيمًا في تشريعات العمل، تضمن في الباب الأول أحكام المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 الخاص بعقد العمل الفردي ومقارنة لها بأحكام القانون رقم (41) لسنة 1944 وبأحكام التقنين المدني الجديد مع شرح مقارن على النصوص وخصص الباب الثاني للمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952، أما الباب الثالث فقد جمع فيه الأستاذان كل التشريعات المختلفة التي صدرت في المسائل العمالية مع مذكراتها الإيضاحية والقرارات الوزارية المنفذة لأحكامها.
ويقع الكتاب في 224 صحيفة من القطع المتوسط، ولا شك أن سد نقصًا كبيرًا إذ جمع بين دفتيه كل تشريعات العمل ومذكراتها التفسيرية مع شرح مقارن على النصوص، مما لا يستغني عنه كل مشتغل بالقانون عامة وبمنازعات العمال خاصة.

ملاحظات واقتراحات على بعض نصوص قانون التوفيق والتحكيم في منازعات العمل يحيى محمد مسعود

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة الرابعة والثلاثون

ملاحظات واقتراحات على بعض نصوص قانون التوفيق والتحكيم في منازعات العمل
لحضرة الأستاذ يحيى محمد مسعود رئيس محكمة استئناف أسيوط

في 8 ديسمبر سنة 1952 صدرت المراسيم الثلاثة بالقوانين (317) و(318) و(319) لسنة 1952 منظمة لشؤون العمال، وفي إبريل سنة 1953 صدر القانون رقم (165) لسنة 1953 معدلاً لأحكام المادة (29) من المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي، وقد دل العمل على أن هذه القوانين وإن سدت ثغرة في التشريع السابق على صدورها إلا أن هناك ملاحظات على كفاية بعض أحكامها لتحقيق الأغراض التي وضعت لتحقيقها وأهمها إنماء العلاقات الحسنة بين العمال وصاحب العمل وحصر النزاع بينهما في أضيق الدوائر توخيًا لصالح الصناعة، وقد دل التطبيق على وجوب تعديل بعض النصوص أو الإضافة إليها خصوصًا في قانون التوفيق والتحكيم وفيما يلي ما نراه من ملاحظات وما نقترحه من تعديل في هذه النصوص:
1 - نصت المادتان (15) و(16) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على اختصاص هيئة التحكيم والإجراءات التي تتبعها عند نظر النزاع المعروض عليها والذي يبدو أن هذه الهيئة بحكم تكوينها المنصوص عليه في المادة (11) من ذلك المرسوم بقانون تعتبر من بين الهيئات ذات الاختصاص القضائي الإداري وأن قراراتها مما يجوز الطعن فيها أمام محكمة القضاء الإداري على الرغم مما نص عليه في المادة (16) من المرسوم بقانون من أن القرار الذي تصدره الهيئة نهائي وله قوة الأحكام النهائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه وكان مقتضى ذلك أن تكون الهيئة التي تختص بالنظر في الطعن في قرار الهيئة من ناحية القانون هي محكمة النقض، وأن يكون القرار غير قابل للطعن فيما عدا ذلك على أنه يتعين تحقيقًا للغرض المطلوب من تجنب إطالة أمد النزاع تحديد مواعيد قصيرة لتقديم مثل هذا الطعن والنص على طرق سريعة للإعلان وهذا هو ما أخذ به في النظام الفرنسي للتحكيم.
2 - نص في المواد (13) و(15) و(16) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على الإجراءات التي تتبع عند نظر النزاع أمام هيئة التحكيم ويلاحظ أن هذه الإجراءات مما ينطبق على بعض القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بالنسبة للتحقيق وإجراءات الإثبات، ولما كان غرض المشرع سرعة الفصل في النزاع إذ حدد لهذا الفصل في سرعة التحكيم للمواعيد المقررة المنصوص عليها في المادتين (13) و(15) فإن من المتعين لضمان عدم تعطيل الفصل في النزاع أن تطبق هيئة التحكيم إلى جان بذلك أحكامًا أخرى واردة في قانون المرافعات وذلك فيما يختص بحق القاضي في الحكم بالجزاءات التي نص عليها القانون عند تخلف أحد الطرفين عن إيداع المستندات والمذكرات أو عند تخلف الشاهد عن الحضور أمام المحكمة ولا يغني عن ذلك بالنسبة لهذه الحالة الأخيرة ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة (15) من المرسوم بقانون عن تطبيق أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية المقررة لأن لإجراءات هيئة التحكيم وقراراتها صبغة مدنية لا شك فيها، ومن ثم فإن من المتعين أن يُضاف إلى المادة (15) من المرسوم بقانون النص على جواز توقيع الجزاءات المقررة في قانون المرافعات في الأحوال الواردة فيه.
3 - دل العمل عند السير في نظر النزاع أمام هيئة التحكيم على أن ميعاد الشهر الذي حدده المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 في المادة (15) منه للفصل في النزاع لا يكفي لذلك إذا ما كان النزاع جسيمًا ومتشعب الأطراف كما هو الحال في أكثر النزاعات التي عرضت أمام هيئات التحكيم أو إذا ما احتاج الأمر في النزاع إلى سماع الشهود أو ندب أهل الخبرة أو المعاينة فضلاً عن كثرة عدد النزاعات التي عرضت والتي بلغت أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة نحو المائتين في الأشهر الستة الأولى من عام 1953 على أنه مما يلاحظ أن هذا الميعاد الذي حتمه القانون كثيرًا ما ينقص منه غياب أحد الطرفين عن الجلسة الأولى التي تحدد لنظر النزاع أو عدم ورود ما يدل على استلامه الكتاب الموصى عليه الذي يخطر فيه بتاريخ هذه الجلسة، وقد ينقص من الميعاد المذكور طلب الطرفين أو أحدهما التأجيل لتقديم مستنداتهما أو إعداد دفاعهما، ومما ترتب على ذلك أن هيئات التحكيم لم تستطع التزام الميعاد الذي حدده القانون في غير النزاعات التي خلت من مثل هذه العوائق وإزاء ما تبين من ذلك جميعه لا شك أن الأمر أصبح يدعو إلى تعديل نص المادة (15) بجعل مدة الفصل في النزاع لا تتجاوز ثلاثة أشهر من بدء نظره بدلاً من شهر واحد.
ولما كان النزاع لا يحال إلى هيئة التحكيم من لجنة التوفيق أو من مكتب العمل إلا عند تعذر تسويته وديًا، وذلك طبقًا لما نص عليه قانون التوفيق والتحكيم فإن من المستطاع أن ينص في القانون على وجوب أن تقوم هاتان الجهتان عند إصدار قرار بإحالة أوراق الموضوع إلى هيئة التحكيم بتكليف الطرفين بإيداع مستنداتهما ومذكرات بدفاعهما في قلم كتاب هذه الهيئة في مدة لا تتجاوز أسبوعين، وذلك حتى ولو لم يكونا قد تسلما بعد كتاب إخطارهما بالجلسة التي تحدد لنظر النزاع أمام هيئة التحكيم وأن يثبت هذا التكليف في قرار الإحالة إلى هذه الهيئة، وهذا الإجراء هو مما يؤدي في معظم الأحوال إلى عدم الانتقاص من المدة التي ينص على عدم تجاوزها للفصل في النزاع من بدء نظره.
4 - لم تنص المادة (15) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على اتباع أحكام قانون المرافعات إلا فيما رأت تطبيقه من هذه الأحكام ولما كانت القرارات التي تصدرها هيئة التحكيم قد يقع في منطوقها غموض أو إبهام مما يحتاج إلى تفسير شأنها في ذلك شأن الأحكام التي تصدر من المحاكم العادية فإن قواعد تصحيح الأحكام وتفسيرها التي نظمها قانون المرافعات لا تسري على قرارات هيئة التحكيم إلا إذا نص على ذلك، وهذه القرارات تصدر بعد المداولة وحسب الأوضاع المنصوص عليها في المادة (16) من المرسوم بقانون سالف الذكر ولها قوة الأحكام النهائية بعد وضع الصيغة التنفيذية عليها غير أنه لما كان طلب التفسير طبقًا للمادة (366) من قانون المرافعات يرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى فإن هذه القاعدة ليست مما يتسنى تطبيقه على قرار تصدره هيئة التحكيم إذ أن هذا يقتضي أن يعلن الطرفان أمام هذه الهيئة التي حدد القانون ولايتها بأن جعل اختصاصها قاصرًا على نظر النزاع الذي يحال إليها من هيئة التوفيق عند تعذر تسوية هذا النزاع وديًا أو من مكتب العمل مباشرةً إذا اتفق الطرفان على ذلك (المادتان (9) و(10) من المرسوم بقانون)، وطبقًا لما نص عليه القانون في هذا الشأن لا تستطيع هيئة التحكيم أن تفصل إلا في نزاع يحال عليها موضوعه من إحدى هاتين الجهتين بعد أن تحدد لنظره جلسة في الميعاد المنصوص عليه ولا يستطيع الطرف الذي يطلب التفسير أن يعلن خصمه مباشرةً بالحضور أمام الهيئة للنظر في طلبه لأن هذا الإعلان لا يمكن حصوله طبقًا للنص الذي ورد في قانون المرافعات بغير الطرق المعتادة لرفع الدعاوى وهذه الطرق لم يرد ذكرها في المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 ولا يمكن اتباعها أمام هذه الهيئة بغير نص، ولذا فإنه لا مفر في هذه الحالة من أن يعتبر طلب التفسير موضوع النزاع جديد يجب تقديمه إلى مكتب العمل ابتداء شأنه شأن أي نزاع خاص بالعمل مما تسري عليه أحكام هذا المرسوم بقانون، وفي واقع الأمر أن مثل هذا النزاع يصبح في حقيقته نزاعًا متعلقًا بالتنفيذ لأن مؤداه اختلاف الطرفين على تنفيذ قرار الهيئة وهو بهذه المثابة لا يعدو أن يكون نزاعًا ذا موضوع جديد فلا مانع إذا من السعي أولاً في حسمه بالطرق الودية قبل عرضه على هيئة التحكيم لتفصل فيه عند تعذر تسويته وديًا.
وإذا كان منحى المشرع الإسراع في فض أي نزاع يقع بين العمال وصاحب العمل فإن هذا الغرض مما يتحقق بصورة أوفى لو أن هيئة التحكيم كان لها من الاختصاص بتفسير ما تصدره من قرارات ما للمحاكم في تفسير أحكامها وهذا مما يدعو إلى أن يشتمل نص المادة (15) من المرسوم بقانون سالف الذكر مضمون الحكم الوارد في المواد (366 - 368) من قانون المرافعات مع تعيين طريقة تقديم طلب التفسير وتحديد الجلسة التي ينظر فيها وإعلان الطرفين بالحضور حتى يمتنع بذلك كل لبس في جواز طلب التفسير وفي طريقة رفعه لعدم ورود نص في القانون متعلق بهذا الشأن ولأن مواد قانون المرافعات لا تنطلي وحدها في هذا المقام.
5 - ومما يتصل بالمسألة السابق ذكرها ما يقوم من إشكالات في تنفيذ قرارات هيئة التحكيم بعد صدورها فقد نصت المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على عقاب من يمتنع عن تنفيذ قرار التحكيم وهذا النص في إطلاقه يحول دون وقف التنفيذ في أحوال من قبيل ما يعرض في تنفيذ الأحكام مما يستدعي وقف هذا التنفيذ مؤقتًا حتى يفصل في النزاع المتعلق به، ومما يبين أن هذا الإجراء قد تستلزمه الضرورة لدفع ما يؤدي إليه إتمام التنفيذ الخاطئ من نتائج وفضلاً عن تحمل العقاب الذي أورده القانون ولذا فإنه يتعين أن يشتمل نص المادة (17) السالف ذكرها ما يجيز لمن يدعي قيام عقبة مانعة من تنفيذ قرار التحكيم أن يطلب وقف هذا التنفيذ مؤقتًا وفي هذه الحالة ينبغي أن يكون طلبه من رئيس الهيئة التي أصدرت القرار فيأمر بوقف التنفيذ إن رأى لذلك وجهًا مع تكليف الطالب برفع النزاع المتعلق به في ميعاد يحدده رئيس الهيئة وإلا وجب التنفيذ فورًا.
وهنا يتعين بيان أنه حسب الوضع الحالي لنصوص المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 يرفع مثل هذا النزاع كأي نزاع آخر خاص بالعمل فيقدم إلى مكتب العمل ولا يعرض على هيئة التحكيم إلا عند إخفاق السعي في تسويته وديًا، ولما كان هذا مما يغري بالرغبة في إطالة أمد النزاع لتعطيل تنفيذ قرار أصدرته الهيئة في موضوع النزاع الأصلي فقد وجب أن يعرض النزاع المتعلق بمسألة التنفيذ مباشرةً على هيئة التحكيم التي أصدرت ذلك القرار لتفصل فيه دون حاجة إلى تقديمه أولاً إلى مكتب العمل خصوصًا أن إمكان التسوية الودية هو فرض بعيد التحقيق غالبًا في هذه الحالة وأن الهيئة التي سبق أن نظرت النزاع الأصلي قد خبرت مسالكه فهي أسرع إلى فض النزاع القائم على تنفيذه بحيث لا حاجة مطلقًا إلى الرجوع إلى المراحل الأولى التي يجب أن يمر بها كل نزاع خاص بالعمل طبقًا للنصوص في حالتها الحاضرة، ولذا فإنه يتعين أن ينص أيضًا في المادة (17) على أن النزاع في تنفيذ قرار التحكيم يجب أن يرفع مباشرةً إلى هيئة التحكيم ويفضل أن يكون ذلك بإعلان الطالب أوجه منازعته للطرف الآخر مع دعوته للحضور أمام هيئة التحكيم في الجلسة التي يجب تحديدها في ميعاد لا يتجاوز الأسبوعين من تاريخ انتهاء الميعاد المحدد لرفع النزاع وظاهر أن الإجراء على هذا الوجه إنما يقصد به ضمان جدية النزاع وعدم تعطيل الفصل فيه.
6 - إن من المسائل التي تعرض أحيانًا عند نظر النزاع أمام هيئة التحكيم ما إذا كان من الجائز قبول إدخال الغير أو قبول تدخله سواء في مرحلة التوفيق أم في مرحلة التحكيم وهو ما كان يتعين النص على جوازه لأنه لا يمكن القول بأن فيه تعطيلاً للفصل في النزاع في كل الأحوال إذ في الواقع قد يكون في مثول كل من يتصل صالحه بالنزاع أو قد يضار من قيامه أو من الفصل فيه ما يؤدي إلى تحديد الأوضاع على وجهها الصحيح ومن ثم قطع لدابر النزاع، وغني عن البيان أنه ما دام المرجع في قبول طلب الإدخال أو التدخل إلى الهيئة تقدره في ضوء الظروف المحيطة بالنزاع المعروض عليها فإن في ذلك الضمان الكافي لعدم تعطيل الفصل فيه.
7 - صدر القانون رقم (165) لسنة 1953 معدلاً لبعض نصوص المرسوم بقانون رقم (317) لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي بأن حفظ للعامل حقه في حالة فسخ صاحب العمل للعقد بغير مبرر، ومما يلاحظ أن الظروف التي دعت إلى هذا التشريع هي في الواقع أقرب إلى ما يمس الصالح الجماعي للعمال لأن الفصل لا يقع عادةً في حالات فردية بل أصبح مما يوقعه صاحب العمل على عماله أو فريق منهم وقد يلجأ إلى ذلك عن طريق وقف العمل كليًا أو جزئيًا، ومن ثم كان متعينًا أن يشمل هذا التشريع تنظيم وسيلة المحافظة على حقوق العمال من الناحية الجماعية التي يتناولها المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952، وذلك بالنسبة للفصل الذي يوقعه صاحب العمل على جميع عماله أو فريق منهم بالمخالفة لنص المادة (21) من هذا المرسوم بقانون إذ أنه طبقًا للنص الحالي لا يكون لهذه المخالفة من أثر سوى توقيع العقاب المقر في نص المادة (22)، وذلك دون استطاعة هيئة التحكيم إلزام صاحب العمل بالامتناع عن فصل عماله فصلاً تعسفيًا أثناء نظر النزاع إذا لم يكن قد حصل على موافقة وزير الشؤون الاجتماعية على وقف العمل كليًا أو جزئيًا ولو أن هيئة التحكيم خولت بمقتضى التشريع المعدل لقانون عقد العمل بعض ما قرره هذا التشريع لقاضي الأمور المستعجلة من سلطة لأمكن أن تتلافى هذه الهيئة بعض النتائج التي تلحق بجماعة العمال من جراء التصرف التعسفي الذي قد يصدر من جانب صاحب العمل وذلك بأن يجعل لهذه الهيئة سلطة في الحكم عليه بالغرامة إذا ما خالف أمر الهيئة الذي تصدره إليه بالامتناع عن فصل عماله حتى يتم الفصل في النزاع، ولا شك أن الهيئة وهي تقوم بفحص النزاع أقدر على تلمس السبب الحقيقي لتصرف صاحب العمل ومن ثم تستطيع أن تتلافى نتائجه قبل تماديه في تصرفه ولا يكون ذلك إلا لضمان احترام قرارات الهيئة دون انتظار الفصل في النزاع حتى يندفع الضرر الذي ينشأ عن إهمال تنفيذها، وقد يكون طريق الغرامة التهديدية (Astreintes) الذي يملكه القاضي كوسيلة لتنفيذ قراراته أبلغ أثرًا في هذا المقام على أنه ينبغي النص عليه صراحةً لكي يمتنع كل لبس في اختصاص هيئة التحكيم بالحكم بالغرامة المذكورة مع عدم اشتمال القانون مثل هذا النص.
8 - نص المرسوم بقانون رقم (318) لسنة 1952 على أن يكون تفسير النزاع أمام هيئة التحكيم بلا مصروفات أو رسوم الأمر الذي قد يغري على رفع النزاع لأجل الكيد أو لغير الجد، وإذا كان الداعي إلى هذا الإعفاء ملاحظة فقر العمال نسبيًا فإن واقع الأمر أن معظم النزاعات التي عرضت على هيئات التحكيم قد رفعت من نقابات مكونة بمقتضى القانون ولها موارد تكفي لتولي فض النزاع الذي يرفع باسمها وبواسطة محامٍ يوكل عنها، ومن المتعين لأجل الحد من المنازعة في غير موجب أن تفرض رسوم على نظر النزاع في التحكيم أسوة بما يفرض في أحوال التقاضي، كما ينبغي أيضًا أن تكون لهيئة التحكيم سلطة الحكم بالغرامة على الطرف الذي تقدم بالنزاع إذا ما تبين للهيئة أنه لم يلجأ قبل تقديمه إلى عرض مطلبه على الطرف الآخر محاولاً الحصول على تحقيق ما يطلبه عن طريق التفاهم وإنه كان ميسرًا له حصوله عليه عن هذا الطريق ولكنه لم يفعل وذلك لأنه غني عن البيان أن أساس العلاقة بين العمال وبين رب العمل هي أصلاً وفي الأحوال الجارية علاقة تفاهم على تحقيق المصالح المشتركة وهذا ما يقرره ضمنًا نص المادة (2) من المرسوم بقانون (318) لسنة 1952 عند افتراضه أن تقديم الطلب المتعلق بالنزاع الذي بلغ إلى مكتب العمل لا يكون إلا إذا لم يوفق الطرفان فيما بينهما إلى تسوية النزاع، ويتبين من هذا أن اللجوء بالطلب إلى الهيئات الرسمية التي عينها القانون إذا ما كان لجوؤه إليها في غير موجب أمر يستدعي الجزاء كما يقرر القانون في بعض الأحوال المماثلة، وعلى هذا فإذا ما تحقق للهيئة أن من قدم الطلب قد أثاره قبل أن يطرق باب التفاهم مباشرةً مع الطرف الآخر أو أن الطلب لم يكن جديًا كان للهيئة أن تقرن رفضها للطلب بالحكم على من قدمه شططًا بالغرامة الرادعة كما أنه إذا ما تبينت الهيئة أن هناك لددًا في خصومة الطرف الآخر فإن لها أن تلزمه هذه الغرامة عند تقرير الحق قبله لأن المعنى في الحالتين واحد.
والخلاصة فيما تقدم أن هناك مجالاً لتعديل قانون التوفيق والتحكيم في بعض نصوصه التي سلف ذكرها بما يؤدي إلى تحقيق سرعة الفصل في النزاعات التي تعرض على التحكيم مع جعل هذا الفصل حاسمًا ومنتجًا في التنفيذ، هذا كله مع توخي الإبقاء على العلاقات الحسنة التي يجب أن تسود دائمًا بين صاحب العمل وعماله حتى مع قيام النزاع فلا يتأثر الصالح الاقتصادي بعوامل عارضة يجب حصر أثرها في أضيق الحدود.
وأن مما يعين على تحقيق سرعة إنهاء النزاع النظر فيما أسفر عنه تطبيق النصوص الحالية فيما يختص بالمواعيد التي قررها القانون والتي تبين تعذر مراعاتها في معظم الأحوال خصوصًا عندما تعترض العطلة القضائية السنوية سير العمل العادي في محاكم الاستئناف.

حق المدعي المدني في اختيار أحد الطريقين المدني أو الجنائي محمد السعيد خضير المحامي

 مجلة المحاماة - العدد الثاني

السنة الحادية عشرة - شهر نوفمبر سنة 1930

حق المدعي المدني في اختيار أحد الطريقين [(1)] المدني أو الجنائي: المادة (239) جنايات
موضوع البحث

1 - إذا أودع شخص آخر شيئًا وطالب صاحب الوديعة بوديعته أمام المحكمة المدنية، فهل يجوز له بعد ذلك أن يلجأ إلى القضاء الجنائي إذا ظهر له أن المودع لديه بدد الوديعة؟
2 - وإذا رفع شخص على وكيله دعوى مدنية يطلب منه فيها أن يقدم له حسابًا عن عمل أداه، فهل يجوز له بعد ذلك أن يدعي مدنيًا أمام المحكمة الجنائية ليطالب بمبلغ يزعم أن وكيله بدده؟
3 - مثلان نضربهما لأنهما موضوع بحث هذه الكلمة التي نريد أن نتناول فيها المادة (239) من قانون تحقيق الجنايات التي تنص على أنه: (إذا رفع أحد طلبه إلى المحكمة مدنية كانت أو تجارية لا يجوز له أن يرفعه إلى محكمة جنائية بصفة مدعٍ بحقوق مدنية).
ويستلزم هذا أن نأتي أولاً بأصل القاعدة ومميزاتها ثم نتبعه بشروط تطبيقها.

أولاً: أصل القاعدة ومنشؤها

( أ ) - في القانون الفرنسي القديم :
4 - يعبر عن القاعدة باللاتينية.

(Electâ unâ viâ, non datur recursus ad alteram.

ومعناها أن اختيار أحد الطريقين يمنع الرجوع إلي الطريق الآخر.
وقد نشأت في القضاء الفرنسي القديم وكان الكتَّاب إذ ذاك يعتبرونها موجودة في القوانين الرومانية، وقالوا أن الذي وضعها هم شراح القانون الروماني Digeste كنتيجة ضمنية لعدة نصوص يظهر أنهم اتخذوها أساسًا لأبحاثهم، وظهر أنه يستنتج من هذه القوانين المختلفة أنه عند وجود عدة دعاوى فإن استعمال إحداها يسقط الحق في استعمال الدعاوى الأخرى:

(In concursu actionum alternativo, si actio semel in judicium sit deducta, statim submovetur altera.)

راجع تعليقات برونمان Brunemann - فستان هيلي تحقيق الجنايات ج 2 ص 64 حاشية 3.
5 - وعللها كتاب القانون القديم والشراح بأنه إذا كان يسمح لشخص باختيار إحدى الدعاوى التي منحت له فيعتبر كأنه تنازل عن الأخرى.
6 - وطبقت المحاكم في العهد القديم هذه القاعدة في المسائل الجنائية، فقد قضى بحكمين صادرين من محكمة برلمان باريز في 3 إبريل سنة 1860 و 2 أغسطس سنة 1706 بأن:
(من اتخذ الطريق المدني لا يجوز له بعد ذلك أن يعود إلى الطريق الجنائي بالنسبة لنفس الموضوع ما لم يكن ذلك لسبب جديد) – راجع يوس Jousse في التحقيق الجنائي ج 3 ص 11.
7 - وهذه القاعدة التي وضعها المتشرعون كانت متبعة بوجه عام - فاريناسياس 100 ن 131 وأخذوا منها، حتى كنتيجة لها، أنه إذا كان الخصم قد سلك الطريق الجنائي، فإنه يجب لنفس السبب أن يعتبر محرومًا من التقاضي بالطريق المدني بعد ذلك ما لم يكن قد احتفظ لنفسه بهذا الحق - يوس ج 3 ص 12.
8 - وهذا القضاء الأخير يستند بصفة خاصة على المادة الثانية من الفصل الثامن عشر من الأمر الصادر في عام 1667 وهي التي أيدت القاعدة في دعاوى وضع اليد actions possessoires إذ تنص على أن:
(من رفعت يده بالإكراه ووسائل العنف، يجوز له أن يرفع دعوى استرداد الحيازة بطريق القضاء المدني العادي أو بالطريق الجنائي الغير عادي، وإذا كان قد اختار إحدى هاتين الدعويين فلا يجوز له استعمال الأخرى، إلا إذا كان قد حفظ لنفسه الحق في رفع الدعوى المدنية عند صدور الحكم في الدعوى الغير عادية)

(Celui qui aura èté déposséde par violence ou voie de fait pourra demander la réintégrande par actin civile et ordinaire, ou extraordinairement par action criminelle; et, s’il a choisi l’une de ces deux actious, ilne pourra se servir de l’autre, si ce n’est qu’en prononcant sur l’extraordinaire on lui eût réservè l’action civile).

على أن هذا المبدأ لم يكن يطبق إذا كانت الدعويان غير مبنيتين على واقعة واحدة وإنما على وقائع مختلفة ex novo delicto superveniente أو إذا كانت الدعوى مرفوعة على شخص آخر ولو كانت عن نفس الواقعة - يوس ج 3 ص 13.
أي أن هذه القاعدة لم تكن تطبق عند اختلاف موضوع الدعويين أو اختلاف الأشخاص ولو اتحد موضوع الدعويين.
(ب) القانون الفرنسي الحديث:
9 - كان هذا شأن القاعدة في القانون الفرنسي القديم فلنبحث الآن عن شأنها في القانون الحديث.
يلاحظ الأستاذ ميرلان Merlin بأن تلك القاعدة لم تدون بعبارة عامة وملزمة في أي قانون من القوانين، ولا يجوز أن نستنتجها كما يقول أحد الشراح (مانجان في الدعوى العمومية ج 1 ص 67) من نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات التي توجب إيقاف الحكم في الدعوى المدنية من المحاكم المدنية حتى يفصل في الدعوى العمومية، فيجب إذن اعتبارها مبدأ عامًا لا تستند في قوتها إلا إلى قوة الأسباب التي بنيت عليها.
10 - وقد شرحها الرئيس باري Barris بما يأتي:
(يعتبر كقاعدة عامة أمام المحاكم: أن المدعي المدني الذي له الحق في اختيار إما الطريق المدني أو الجنائي، لا يقبل منه الرجوع عما اختاره، وأنه باختياره أحد هذين الطريقين يسقط حقه في الآخر، وهذا المبدأ وضع في التشريع القديم وقد أدخله القضاء في التشريع الحديث، وهو مؤسس على مبادئ الإنسانية والعدالة التي لا تسمح بأن يؤخذ المتهم من قضاء إلى آخر، وأن يوقف القضاء الذي اتخذ اختيارًا لأنه يخشى أن يحكم في صالح المتهم وإضرارًا بطلبات المدعي).
(ومن الثابت كما يلاحظ المسيو باري وكما سنراه فيما بعد، أن المبدأ قد أيده القضاء الحديث ومن المؤكد أيضًا أن وجه تطبيقه بنى على قواعد العدالة التي تعطيه كل قوته، ولكن يظهر أن القاضي المذكور قد خرج بالمبدأ عن حدوده الحقيقية.
- راجع فوستان هيلي في تحقيق الجنايات (ج 2 ص 65 – 66).
11 - على أنه ولو أن هذه القاعدة لم ينص عليها في القانون الحديث بنص عام وصريح وإنما اتفق الشراح على القول بوجوب العمل بها كنتيجة قانونية للأسباب التي من أجلها وجدت في القانون القديم، فإنه يظهر أن هناك نصًا وحيدًا يشير إلى هذه القاعدة وهو الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من قانون 25 مايو سنة 1838 الخاص بقضاة المصالحات حيث تنص هذه المادة على اختصاص هؤلاء القضاة في الدعاوى المدنية في مسائل القذف والسب بغير طريق النشر لو كانت الأخصام لم يسبق لها أن قدمت الدعوى إلى المحاكم الجنائية - مختصر جارو في العقوبات ع 388 ولابورد ع 742.
12 - إلا أن هذا النص غير عام ولا يمكن أن يقال عنه أنه منشأ وجود القاعدة في القانون الفرنسي الحديث خصوصًا وإن المحاكم الفرنسية كانت تحكم به قبل وجود قانون سنة 1838 السالف الذكر.
فقد حكمت محكمة النقض بأن الخصم الذي (لكي يسترد البضائع التي أودعها عند آخر) قد رفع دعوى أمام المحاكم المدنية، لا يجوز له بعد ذلك أن يرفع دعوى جنائية.
وجاء في حيثيات هذا الحكم:
(حيث إن التكليف بالحضور أمام المحكمة المدنية الذي سبقه محضر صلح ثبت منه عدم وجود واقعة جديدة تثبت خيانة الوديعة، وأن المدعي بناءً على هذا قد اختار الطريق المدني وهو عالم تمام العلم بالظروف، وأن الحكم الذي قضى بدم قبول الدعوى الجنائية منه لنفس الواقعة، لم يخرج عن تطبيق المبادئ الواجبة في الموضوع - نقض 11 فبراير سنة 1838 سيريه 32 - 1 - 666.)
وفي حالة أخرى قضت محكمة النقض بأنه بعد رفع دعوى وضع اليد أمام المحاكم المدنية لا يجوز للمشتكي، بسبب الواقعة نفسها، أن يرفع الأمر لمحكمة الجنح بطلب العقاب على جريمة ما - نقض 9 مايو سنة 828 سيريه 2 - 1 - 148.
13 - ولما كانت هذه القاعدة غير مبنية على نص صريح في القانون اختلف علماء القانون بفرنسا في تحديد نطاقها وانقسموا في ذلك إلى ثلاثة آراء:
فقال فريق أن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة.
- ولا نص في القانون - راجع سوردا في المسؤولية (جـ 1 ن 282) - لسلييه في اختصاص ونظام المحاكم الجنائية ن 1174.
14 - وقال فريق آخر بوجوب اتباع هذه القاعدة في جميع الأحوال رغم عدم النص عليها بمعنى أن من اختار الطريق المدني لا يمكنه الرجوع إلى الطريق الجنائي ومن اختار الطريق الجنائي لا يمكنه الرجوع إلى الطريق المدني، لأنه لا يجوز عدلاً وضع المتهم تحت أهواء المدعي ينقله من اختصاص لآخر كلما رأى ذلك من مصلحته - جارو مختصر العقوبات ع 388 - لابوردع 742 - لجرافراند جـ 1 ع 69 - هوفمان جـ 1 ن 112 وما بعدها - فللي ص 265 - مانجان جـ 1 ن 37 - كارنوج 1 شرحًا على المادة الثالثة.
15 - ويرى فريق ثالث التمييز بين ما إذا كان المدعي قد اختار أولاً الطريق المدني أو الطريق الجنائي.
فإذا كان قد رفع دعواه أولاً أمام القضاء المدني فإنه من الواجب أن نفترض تنازله عن الطريق الجنائي أي ليس له أن يترك دعواه أمام المحكمة المدنية، ليرفعها ثانية أمام المحكمة الجنائية، إذ لا يصح عدلاً أن يؤخذ المتهم فجأة من محكمة إلى أخرى، ولا يجب ترك القضاء الذي بدأ بنظر الدعوى، وقد كان المدعي حرًا في اختياره فكان عليه أن يتحرى الطريق الأصوب وعليه يكون اختياره للقضاء المدني اختيارًا نهائيًا semel optare possumus، وفضلاً عن ذلك فإن رفع الدعوى ثانية إلى المحكمة الجنائية فيه تشديد على المتهم إذ يكون له خصمان يتعاونان على إثبات التهمة ضده بدل خصم واحد، مع أن قاعدة (اختيار أحد الطريقين) لم تشرع إلا في صالح المتهم، ورفع الدعوى أمام المحكمة المدنية يجعله في مركز أحسن من رفعها عليه أمام المحكمة الجنائية، والقضاء مجمع على هذا، ومن ذلك حكم النقض الصادر في 11 فبراير سنة 1832 السابق ذكره، ومن ذلك أيضًا حكم النقض الذي صدر في قضية اتهم فيها شخص أمام محكمة المخالفات بناءً على طلب النيابة العمومية لإتلافه منقولات مملوكة للغير، وكان الشخص الذي لحقه الضرر والذي كان قد سبق ورفع دعوى أمام المحكمة المدنية يطالب بتعويضات، قد دخل أمام محكمة المخالفات خصمًا ثالثًا، فقضت محكمة النقض بعدم قبول هذا التدخل لعدم صحته وقالت في ذلك:
(حيث إنه واضح أن المدعي باتخاذه الطريق المدني قد تنازل عن الطريق الجنائي وأن تدخله أصبح غير مقبول وأن المادة (8) من قانون 3 بروميير سنة 4 (المادة (3) من قانون
تحقيق الجنايات الفرنسي) تلزمه بأن ينتظر الفصل في الدعوى العمومية ليستمر بعد ذلك في دعواه المدنية التي أوقفت – نقض 18 مارس سنة 12 المجلة ن 172).
(ويلاحظ أن لهذه القاعدة استثناءً سنتناوله عند الكلام على شروط تطبيق المادة (239)، أما إذا كان المدعي قد رفع دعواه إلى المحكمة الجنائية فله أن يتركها في أي وقت شاء ليعود ويرفعها ثانية أمام المحكمة المدنية لأن في ذلك تخفيف على المتهم فليس له أن يتظلم - من هذا الرأي فوستان هيلي جـ 2 ن 617 وما بعدها - وميرلان تحت لفظ خيار فقرة 1 ن (1)، (2) – ولبواتفان مادة (3) ن 18 – وجارو جـ 1 ن 1083 ولكنه في الملخص ص (577) يؤيد الرأي الأول.
16 - وعلى هذا الرأي سارت المحاكم في فرنسا فقضت بأن من اختار الطريق المدني لا يمكنه العدول عنه والرجوع إلى الطريق الجنائي بالنسبة لنفس الموضوع ونفس الوقائع - راجع حكم محكمة باريز في 4 ديسمبر سنة 1874 سيراي 75 – 2 – 169 والباندكت 75 – 693.
وبأن من اختار الطريق الجنائي يمكنه أن يتنازل عن دعواه ويعود إلى الطريق المدني في أي وقت شاء - حكم محكمة مونبلييه في 10 مايو سنة 1875 داللوز 76 - 2 - 107.
وكذلك لا يمكن التمسك بهذه القاعدة لو كانت المحكمة الأولى قد أصدرت حكمًا نهائيًا - النقض الفرنسية الصادر في 20 ديسمبر سنة 1884 سيراي 1888 – 4441.
(جـ) القانون المصري:
17 - أخذ القانون المصري بهذا الرأي الأخير وقرر المشرع هذه القاعدة بنص صريح في قانون سنة 1883 (راجع المادة (246)) ونقلت هذه المادة إلى القانون الجديد فأصبحت المادة (239) جنايات ونصها (إذا رفع أحد طلبه إلى المحكمة، مدنية كانت أو تجارية لا يجوز له أن يرفعه إلى محكمة جنائية بصفة مدعٍ بحقوق مدنية).
18 - ويظهر أن المشرع أراد في سنة 1883 أن يتبع المبدأ الذي كانت قد قررته المحاكم الفرنسية التي تقضي بأن التحويل من الطريق المدني إلى الجنائي غير جائز ولكن العكس جائز أي أنه يمكن لمن يكون قد ادعى مدنيًا أمام المحكمة الجنائية أن يترك دعواه ويعود إلى الطريق المدني متى شاء.
والواقع أن هذا المذهب لا غبار عليه لأن فيه تشجيع على العود إلى الطريق الاعتيادي لرفع الدعاوى أي إلى الطريق المدني.
هذا فضلاً عن أنه يؤخذ من المادة (239) جواز العكس أي جواز رفع الدعوى أمام المحكمة المدنية بعد رفعها إلى المحكمة الجنائية - دسوق 14 أكتوبر سنة 1901 المجموعة الأهلية س 3 ص112 وأول سبتمبر سنة 1918 الشرائع س 5 ص 466 وطنطا استئنافيًا 4 مارس سنة 908 المجموعة الأهلية (س 9 ص 270).
19 - وتكون القاعدة حينئذ أن انتقال الدعوى المدنية من المحاكم الجنائية إلى المحاكم المدنية جائز بخلاف العكس فإن مجرد رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية يسقط حق رفعها إلى المحاكم الجنائية، ولكن إذا كان التجاء المدعي المدني للمحاكم المدنية يمنعه من الالتجاء ثانيًا إلى المحاكم الجنائية فإنه لا يمنعه من التبليغ عن الجريمة للنيابة العمومية وإن كانت دعواه لا زالت قائمة أمام المحاكم المدنية كما لا يمنع النيابة العمومية من تحريك الدعوى العمومية بناءً على هذا البلاغ – العرابي بك ج1 ص 166 وهو يحيل في الحاشية على فللي ص 215 هامش 6 ولبواتفان مادة (3 ن 20) و (21).
20 - ولقد قال بعضهم أن المدعى المدني لا يتحول عن الطريق الجنائي إلى الطريق المدني إلا متى رأى أن فرصة الكسب غير سانحة له أمام هذا الطريق فيعيد رفعها أمام الطريق المدني عله يكسب دعواه ولذلك يرى عدم مساعدة المدني على ذلك – جرانمولان في تحقيق الجنايات (ج 1 ص 82 ن 133) في آخرها.
21 - ويستند جرانمولان في رأيه هذا على أن قاعدة (اختيار أحد الطريقين (eleetâ unâ viâ..etc مأخوذة عن القانون الفرنسي القديم حيث كانت مطلقة وعلى أن رفع الدعوى من المجني عليه أمام المحكمة الجنائية يعتبر بمثابة عقد قضائي contrat judiciaire لا يجوز نقضه بمطلق إرادة من جانب واحد وهي إرادة المدعي - المرجع السابق حاشية 2.
22 - إلا أنه يلاحظ على هذا الرأي أنه وإن كان أصل قاعدة اختيار أحد الطريقين القانون الفرنسي القديم إلا أن منشؤها في القانون المصري هو المادة (239) جنايات ونصها صريح والعكس فيها جائز، ويظهر من نص المادة المذكورة أن المشرع المصري أراد أن لا يتبع القاعدة بالتوسع المسموح به في القانون الفرنسي القديم فحصر أثرها صراحة وجعلها لا تنطبق إلا على حالة التحول من المحاكم المدنية إلى المحاكم الجنائية.
أما القول بأن رفع الدعوى يوجد عقدًا قضائيًا لا يملك أحد طرفيه نقضه بمطلق إرادته فلا محل للتمسك به لأن قواعد الإجراءات الجنائية مبناها النظام العام ولا يجوز للأخصام الاتفاق على ما يخالفها، ولو فرضنا أن هذه القاعدة ليست من القواعد المبنية على النظام العام لتعلقها بالدعوى المدنية فإن قبول التقاضي أمام الجهة الجنائية لا يعتبر تعاقدًا ولا شبه تعاقد لأن التعاقد لا يتم إلا بتوافق الإرادتين وفي هذه الحالة لا دخل لإرادة المتهم في إقامة الدعوى المدنية لا أمام المحاكم المدنية ولا أمام المحاكم الجنائية بل هي راجعة إلى مطلق اختيار المجني عليه بالقيود التي نص عليها القانون.
كذلك لا يظن أن المدعي المدني يترك دعواه أمام المحاكم الجنائية ويعود إلى رفعها أمام المحاكم المدنية إذا رأى أن فرصة كسب الدعوى غير سانحة له أمام المحاكم الجنائية وذلك لأن الإجراءات الجنائية تستغرق في الواقع زمنًا أقل من الإجراءات أمام المحاكم المدنية فيترتب على هذا أن القاضي الجنائي يفصل في الدعوى الجنائية غالبًا قبل أن يفصل القاضي المدني في الدعوى المدنية، وعلى حسب القواعد المعمول بها يتقيد القاضي المدني بما حكم به القاضي الجنائي في نفس الموضوع فلا يكون قد كسب المدعى بالحقوق المدنية شيئًا من تحوله من الطريق الجنائي إلى الطريق المدني - راجع نشأت بك في تحقيق الجنايات (ج 1 ن 511 ص 369 و 370) وطنطا استئنافي في 4 مارس سنة 1908 المجموعة الأهلية (س9 ع 114 ص 271) – ودسوق 14 أكتوبر سنة 1901 المجموعة الأهلية (س 3 ص 112 ع 37).
وفضلاً عما تقدم فإن علماء القانون اتفقوا على أنه متى كان تنازل المدعي بالحق المدني عن الاستمرار في دعواه أمام المحاكم الجنائية ناشئًا عن عدم ميسرته وعجزه عن دفع الرسوم المطلوبة منه ولم يبدِ طلبات في الدعوى فله الحق في أن يلتجئ إلى المحاكم المدنية للمطالبة بحقوقه لأن المحاكم المدنية هي الأصل في الاختصاص - شرح داللوز (فهرست) (ج 28 ص 176).
وأخيرًا يجب أن نقرر أن ترك المدعي للدعوى الجنائية والتجائه إلى القضاء المدني في صالح المتهم ولذلك يجب أن لا يمنع المدعي من ترك الطريق الجنائي في أي وقت والعودة إلى الطريق المدني

ثانيًا: مميزات قاعدة اختيار أحد الطريقين
Distiction de la règle (electâ unâ viâ... etc.)

( أ ) التفرقة بينها وبين قاعدة تعليق الدعاوى litispendance:
23 - يجب التفرقة بين قاعدة (اختيار أحد الطريقين) وقاعدة (تعليق الدعاوى) لأن هذه الأخيرة يفترض فيها رفع نزاع مخصوص بين نفس الخصوم أمام محكمتين مختصتين بالفصل فيه فيقتضي الحال أن توقف إحدى المحكمتين الدعوى المرفوعة أمامها إلى أن تفصل الأخرى في النزاع، أما قاعدة اختيار أحد الطريقين فعلى العكس منها إذ يفترض فيها تنازل المدعى عن طلبه الذي رفعه أمام القضاء الأول بقصد رفعه أمام قضاء ثانٍ - راجع جرانمولان في تحقيق الجنايات (ج 1 ن 135 ص 83 – 84 – لابورد ن 744).
(ب) التفرقة بينها وبين قاعدة قوة الشيء المحكوم فيه:
24 - وأهم من ذلك يجب عدم الخلط بين قاعدة (اختيار أحد الطريقين) وقاعدة (قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا) فإن المدعى المدني في الحالة الأولى يتنازل عن دعواه أمام إحدى جهتي القضاء قبل صدور الحكم فيها ليعود فيرفعها أمام الجهة الأخرى، أما إذا كان قد صدر فيها حكم نهائي وأراد أن يرفعها من جديد أمام جهة القضاء الأخرى فإن للمتهم أن يدفع بسبق صدور حكم نهائي في الموضوع لا بالمادة (239) – راجع جرانمولان (ج 1 ص 84 ن 536) - وحكم محكمة المنصورة في 23 إبريل سنة 1894 القضاء سنة 1896 ص 231 - ونقض 13 فبراير سنة 1909 المجموعة الأهلية (س 10 ع 271 ص 167).

ثالثًا: شروط تطبيق القاعدة

25 - بحثنًا فيما تقدم قاعدة (اختيار أحد الطريقين) إلا أننا حتى اللحظة لم نشرحها إلا بصفة مطلقة لأن لتطبيق القاعدة شروطًا يجب أن تتوافر حتى يصح القول بعدم قبول الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية لسبق رفعها أمام المحاكم المدنية:
الشرط الأول:
26 - يجب أولاً أن تكون الدعوى التي رفعت أمام إحدى الجهتين القضائيتين هي بعينها التي رفعت أمام الجهة الأخرى بمعنى أن تكون عن نفس الموضوع le même object ولنفس السبب la même cause، وأن تكون بين الخصوم أنفسهم entre les mêms parties، فإذا انعدم واحد من هذه الثلاثة أصبح هناك دعويان مختلفتان، وأصبح المدعي حرًا، بعد أن قدم إحداهما إلى القضاء المدني، أن يقدم الأخرى إلى القضاء الجنائي – جارو (ج 1 ن 184 ص 399) – فستان هيلي ج 4 ن 1716 – 1717 - مانجان (ج 1 ن 18) - فللي ص 215 – لبواتفان مادة (3 ن 24 ولكن في أي الأحوال يحصل الاختلاف في الموضوع وفي السبب وفي الخصوم؟
ضرب لنا القضاء أمثلة عدة في هذا، ونبدأ هنا بقضاء المحاكم الفرنسية ثم نتبعه بقضاء المحاكم المصرية.
( أ ) القضاء الفرنسي:
27 - فإذا رفع الزوج دعوى الطلاق أو الحيلولة séparation de corps أمام المحكمة المدنية وذلك بسبب زنا زوجته (وهذا في الشرائع المسيحية) فإن لهذا الزوج الحق أيضًا في رفع الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية بسبب الجريمة نفسها لتحكم بالتعويض وبالعقوبة التي تطلبها النيابة العمومية - نقض 22 يونيه سنة 1850 سيريه 50 – 1 – 629 وداللوز 50 – 1 – 208.
28 - وإذا بدد شريك بعض أموال الشركة وترتب على ذلك أن رفع الشريك الآخر دعوى مدنية على شريكه المبدد يطلب فسخ الشركة، ورفع أيضًا دعوى أمام المحكمة الجنائية يطلب تعويضًا مقابل نصيبه فيما بدده شريكه، فإن دعوى الفسخ أمام المحكمة المدنية لا تمنع من نظر دعوى التعويض أمام المحاكم الجنائية - نقض أول إبريل سنة 1865 و 6 يوليه سنة 1878.
29 - وفي قضية أخرى أوقع دائن حجز ما للمدين لدى الغير على أموال من حق مدينه، وعند المطالبة بتثبيت الحجز طلب أن يحكم له برد مبلغ كان مدينه قد استلمه نيابة عنه بصفته وكيلاً، وكان هذا أمام المحكمة المدنية.
بعد ذلك رفع الدائن المذكور دعوى خيانة أمانة أمام المحكمة الجنائية عن هذا المبلغ الأخير الذي استلمه عنه مدينه بصفته وكيلاً.
هنا تساءلت محكمة النقض: هل الدعوى الجنائية مقبولة؟ ثم أليس الغرض من هذه المطالبة المزدوجة أمام المحكمتين المدنية والجنائية رد المبالغ التي سلمت للمدين بصفته وكيلاً عن الدائن ؟
انتهت محكمة النقض في ذلك إلى أن مبدأ (اختيار أحد الطريقين) لا يمكن تطبيقه إلا في حالة ما إذا كان الطلبان الموجهان من شخص واحد وإلى نفس الخصوم متحدين في السبب، وفي الموضوع، وأن الحالة المعروضة عليها، وهي رفع دعوى الجنحة بعد الدعوى المدنية أساسها فعل جديد un fait nouveau وهو تبديد مبالغ بعد قبضها الأمر الذي يقع تحت طائلة قانون العقوبات وأن الغرض منها هو دفع المبلغ المبدد ولو من طريق الإكراه البدني على سبيل تعويض الجريمة بخلاف التعويضات التي للمحكمة أن تقضي بها، وعلى ذلك فليس بين الدعوى المدنية والدعوى الجنائية اتحاد في الطلب identité de démandes فالدعوى الجنائية مقبولة - نقض 16 أغسطس سنة 1851 المجلة ن 341.
30 - وحدث أن تعهد شخص تحت شرط جزائي بعدم تقليد بعض قوالب معينة moulages ولكنه مع ذلك قلدها، فهنا دعويان: دعوى المطالبة بالشرط الجزائي ودعوى التقليد: أساسهما فعل واحد ولهما أيضًا سبب واحد إلا أن الموضوع فيهما يختلف، فإحداهما لا يطلب فيها إلا الشرط المتفق عليه، والأخرى موضوعها المطالبة بالتعويض المبني على التقليد، وفعل التقليد لم يكن إلا شرطًا في الاتفاق بينما هو يكوّن في الدعوى الجنائية السبب الأصلي لرفعها.
وبناءً على هذا قضت محكمة النقض بأنه لا محل لتطبيق مبدأ (اختيار أحد الطريقين) في هذه الحالة وأنه في رفض دعوى التقليد بسبب أن نفس الطلب قدم إلى المحكمة التجارية تجاهل لقواعد اختصاص القضاء الجنائي - نقض 7 مايو سنة 1852 المجلة ن 149.
31 - وفي حالة تشبه الحالة التي وردت في حكم 16 أغسطس سنة 1851 السالفة الذكر (فقرة 29)، حالة المطالبة بمبلغ واحد ولكن باعتبارين مختلفين:
أولاً: المطالبة بحساب.
وثانيًا: الادعاء بتبديد، ففي الأولى طلب رد ما في الذمة، وفي الثانية تعويض ضرر ناشئ عن الجريمة.
هنا قررت محكمة النقض أن ليس ثمت اتحاد في الطلبين، وقررت أن مبدأ (اختيار أحد الطريقين) لا يصح التمسك به ضد المدعي المدني الذي يطالب أمام القضاء الجنائي بتعويض الضرر الذي أصابه عن الجريمة إلا في حالة ما إذا كانت الدعوى المرفوعة من المدعي المدني أمام القضاء المدني موضوعها نفس المطالبة بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة.
وعلى ذلك إذا رفع شخص دعوى أمام المحاكم المدنية على وكيله يطالبه فيها بالحساب عن عمل أداه له، جاز له رغمًا عن ذلك أن يدعي مدنيًا أمام المحكمة الجنائية ليطالب بمبلغ ادعى تبديده وذلك لاختلاف الموضوع في الدعويين، إذ أن الأولى كانت مطالبة بحساب أما الثانية فادعاء بتبديد - نقض 6 أغسطس سنة 1852 المجلة ن 267 – داللوز 1853 - 1 – 70، وراجع أيضًا حكمًا صادرًا في 19 مايو سنة 1893 داللوز 1895 - 1 - 405 -
32 - والطعن بالتزوير في ورقة أمام المحكمة المدنية لا يمنع من طلب تعويض عن هذا التزوير أمام المحكمة الجنائية، لأن موضوع الدعوى الأولى بطلان الورقة المزورة وموضوع الدعوى الثانية تعويض الضرر الناشئ عن تزويرها - العرابي بك في تحقيق الجنايات (ج 1 ص 168).
33 - أن من يحرض امرأة متزوجة على هجر منزل الزوجية لتقيم معه، يجوز أن ترفع عليه دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية ولو أن هناك إجراءات جنائية ضده عن جريمة الزنا، لأن دعوى التعويض تستند إلى مبدأ الضرر وليس إلى جريمة الزنا - محكمة أكس 7 يونيه سنة 1882 سيريه (83 – 2 – 218).
34 - لا تطبق قاعدة (اختيار أحد الطريقين) في حالة ما إذا رفع أحد الشركاء دعوى أمام المحكمة التجارية يطلب إبطال التصفية وتعيين مصف جديد، ويطلب بالتبعية دفع المبلغ الذي يتناسب مع الحصة التي قدرت له في رأس مال الشركة، ثم قام هذا الشريك وقاضي بقية الشركاء بعد ذلك أمام محكمة الجنح وطالب بتعويض عن بعض أعمال يعتبرها خيانة أمانة - باريس 2 ديسمبر سنة 1874 – سيريه (75 – 2 – 169) وتعليق فيللي.
35 - إذا رفع المدعي المدني دعواه ضد الفاعل الأصلي أمام المحكمة المدنية فإن ذلك لا يمنعه من الدخول ضد الشريك في الدعوى العمومية أمام المحكمة الجنائية، وذلك لاختلاف الأشخاص - النقض الفرنسي 15 يونيه سنة 1866.
(ب) القضاء المصري.
36 - ذهبت محكمة النقض المصرية مذهب زميلتها الفرنسية في قضية كانت تتعلق بالمطالبة بقيمة كمبيالات اتضح أثناء سير الدعوى أنها مزورة أعطيت للبائع بدلاً من كمبيالات صحيحة، وكانت الكمبيالات ثمنًا لبضاعة حصل تسليمها بالفعل، وبعد انتهاء الدعوى المدنية أقام البائع نفسه مدعيًا مدنيًا في دعوى جنحة مباشرة أقامها على المشتري الذي أعطاه بدلاً من الثمن الكمبيالات التي ظهر تزويرها فيما بعد.
وقضت محكمة النقض بأن حكم المحكمة المدنية الذي قضى بإلزام المشتري بدفع ثمن البضاعة لا يحول دون أن يقيم البائع دعواه الجنائية ليطلب التعويض بسبب هذا التزوير وذلك لاختلاف الموضوع في الدعويين - نقض أول يونيه سنة 1918 المجموعة الأهلية (س 20 ص 2 و 3 ع 2) والذي يلفت النظر في حكم محكمة النقض أنها كونت رأيها على أمرين:
الأول: أن المدعى المدني عند رفع دعواه المدنية التي يطالب فيها بقيمة الكمبيالات، كان يجهل أن هذه الكمبيالات مزورة، وهذه سنتناولها عند بحث ركن العلم (فقرة 40 وما بعدها).
الثاني: أن البائع، وإن كان قد حكم له في النزاع المدني بقيمة المبالغ المذكورة في الكمبيالات المزورة، وهي ثمن البضاعة، لأنه تمكن من إقامة الدليل على صحة التسليم وعدم حصوله على ثمنها، إلا أن هذا الظرف ليس من شأنه تحويل صفة دعواه من مطالبة بدين (وهو موضوع الدعوى المدنية) إلى دعوى تعويض (وهو موضوع الدعوى الجنائية) وهو الأمر الذي لم يطرح أمام المحكمة المدنية.
37 - وإذا حملت الزوجة سفاحًا كان للزوج الحق في نفي نسب المولود بدعوى اللعان والحصول منها على تعويض نظير الزنا بالدعوى المدنية، ودعوى اللعان أمام المحكمة الشرعية لا تمنع رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية لاختلاف الدعويين في الموضوع.
38 - إذا رفع المدعي دعوى مدنية على وكيله يطالبه فيها بتقديم حساب له عن مدة وكالته ثم شطبها بعد أن أقر له الوكيل بما في ذمته فطالبه بما أقر به فامتنع عن الدفع، جاز له أن يرفع دعواه مباشرة إلى القضاء الجنائي بطلب التعويض لاختلاف السبب في الدعويين لأنه في دعواه المدنية كان يطلب الحساب، أما في الدعوى الجنائية فإنه يطلب تعويضًا عما لحقه بسبب التبديد فلا يوجد والحالة هذه اتحاد في السبب (مصر الكلية دائرة الجنح المستأنفة حكم 5 مايو سنة 1929 غير منشور) وقد استند الحكم على موسوعات كاربنتييه (ج 2 ص 340 ن 395 و 397 و 405 – 407)، واستند أيضًا على حكم محكمة النقض السابق ذكره في البند (29) من هذا البحث.
39 - إلا أن محكمة النقض ذهبت إلى عدم قبول دعوى جنحة مباشرة مرفوعة من المدعي المدني بتزوير عقد بواسطة تحريره على ورقة ممضاة على بياض لسبق رفع دعوى أمام المحكمة المدنية ببطلان هذا العقد لتحريره في حالة سكر، وقالت أن الاختلاف بين الدعويين اختلاف ظاهري في الشكل فقد والغرض الحقيقي منهما واحد - نقض 18 إبريل سنة 911 المجموعة (س 12 ص 172 ع 90).
ويعلق العرابي بك على هذا الحكم بأن الدعويين مختلفان في السبب - العرابي بك (ج 1 ص 169) حاشية (5 من ص 168).
الشرط الثاني:
40 - زيادة على ما تقدم فإنه من المتفق عليه في فرنسا أنه يجب أن يختار الشخص أي الطريقين المدني أو الجنائي، وهو عالم بأن له مطلق الحرية في هذا الخيار، وبعد ظهور جميع ظروف الدعوى جلية أمامه، وهذا ما يسمى بشرط العلم.
41 - فإذا ما رفع شخص دعواه أمام المحكمة المدنية ولم يكن قد ظهر له بعد أن للدعوى صبغة جنائية بل كانت غير موجودة عند رفع دعواه المدنية، جاز له بعد ذلك، ولو أنه اختار من قبل الطريق المدني، أن يعود إلى رفع دعواه أمام المحاكم الجنائية - راجع في ذلك فستان هيلي (ج 2 ن 618) وحكم النقض الفرنسي المنشور في سيري 1832 – 1 – 666، وراجع جارو (ج1 ن 184 ص 401) - فللي ص (215).
42 - ويقول في ذلك جارو:
(إن الاختيار (ويقصد اختيار أحد الطريقين المدني أو الجنائي) الذي يحدد مركز رافع الدعوى يجب أن يحصل بعد أن يعرف المدعي حقيقة الظروف ويقف على السبب، وقاعدة اختيار أحد الطريقين مبناها قبول الطرفين للمحكمة التي رفعت أمامها الدعوى أولاً، والمفروض في كل عقد توافق الإرادتين، فينتج من هذا أنه في حالة ما إذا رفعت الدعوى أمام المحكمة الاعتيادية وظهر من أصولها أنها مدنية محضة ثم تبين بعد ذلك ظهور أشياء كانت لم تزل مجهولة وتسبب عن ظهورها إكساب الدعوى صبغة جنائية، في هذه الحالة يجب أن تقبل الدعوى أمام القضاء الجنائي، لأن الدعوى ولو أن موضوعها واحد بين نفس الخصوم إلا أنها في الحقيقة مؤسسة على سببها الأول fondé sur une autre Cause – شرح جارو في تحقيق الجنايات (1 ن 184 جـ 401).
43 - ويوافق جارو في رأيه فستان هيلي إذ يقرر هذا الأخير:
(إنه لأجل الحيلولة دون اتخاذ الطريق الجنائي بعد المدني يشترط أن يحصل اتخاذ الطريق المدني مع محض الاختيار ومعرفة السبب، فلا يصح أن يذهب المجني عليه ضحية جهله بما لم يكن في مقدور أحد أن يعرفه، ولا يصح أن يفرض عليه معرفة شيء لم يوجد ولم يخلق بعد، لأنه يمكن أن يكون غير عالم بالوقائع التي تعطى الفعل صبغة جنائية عندما رفع دعواه (أي الدعوى المدنية) فلماذا نحرمه من رفع دعوى (ويقصد الدعوى الجنائية) لم تفلت منه إلا بسبب خطأ بسيط لم يكن يعلمه)
ثم أضاف الشارح المذكور
(فإذا كان مبنى الجريمة فعل جديد، وإذا كان المدعي لم يختر دعواه وهو على تمام العلم بسببها، في هذه الحالة يظل الطريق الجنائي مفتوحًا أمامه)، فستان هيلي (ج2 ن 618 ص 67، 68).
44 - وضربوا لذلك مثلاً حالة صاحب الوديعة والمودع لديه، فإن صاحب الوديعة إذا طالب المودع لديه بالوديعة أمام المحكمة المدنية، ثم ظهر له بعد ذلك أنها بددت، جاز له أن يترك دعواه ويرفعها ثانيًا أمام المحكمة الجنائية، لأنه عندما رفع دعواه الأولى المدنية كان يجهل وجود التبديد، فلم يكن أمامه من سبيل إلا الطريق المدني، ومن جهة أخرى فإن سبب الدعوى قد تغير إذ أن سبب الأولى هو الوديعة وسبب الثانية هو التبديد - المرجعين السابقين - فللي ص (215).
45 - وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في حكم أول يونيه سنة 1918 السالف ذكره في بند (36) من هذا البحث حيث جاء في حيثيات حكمها:
(وحيث إنه لا يجوز التمسك ضد المدعي المدني بالقاعدة القائلة بأن من يختار الطريق المدني لا يصح له أن يلجأ إلى الطريق الجنائي، وذلك لأن رافع النقض كان يجهل وجود التزوير فلذا لم يكن من سبيل أمامه سوى الطريق المدني - ومن ثم لا يمكن اعتباره أنه كان حرًا في اختيار أحد أمرين لم يكونا قد توفرا بعد أمامه).
46 - ويرى جارو، زيادة على ما تقدم، أن النيابة العمومية إذا رفعت الدعوى العمومية في أثناء دعوى مدنية كان قد رفعها المجني عليه فيجوز لهذا الأخير أن يترك دعواه أمام المحكمة المدنية، وهي الدعوى التي وجب إيقافها بالدعوى العمومية، ليدخل بصفة مدعٍ مدني أمام المحكمة الجنائية.
ويعلل ذلك جارو بأن رفع النيابة للدعوى العمومية يعتبر أنه شيء أو فعل جديد un fait nouveau لم يكن يتوقعه المدني بل ويغير من مركزه فلا يمكن القول بأنه استعمل حق الخيار الذي منحه له القانون وهو عالم بحقيقة الحال - جارو (جـ 1 ن 184 ص 402).
47 - وبعض الشراح عندنا لا يوافق على هذا الرأي ويقول أنه يخالف نص المادة (239) جنايات التي تحرم رفع الدعوى المدنية إلى المحكمة الجنائية بعد رفعها للمحكمة المدنية ولم تميز بين حالة رفع الدعوى العمومية من النيابة أو من المدعي المدني مباشرة.
وقد تقدم أن رفع الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية لا يحرم المدعي المدني من التبليغ عن الجريمة للنيابة العمومية، كما لا يمنع النيابة العمومية من رفع الدعوى العمومية بناءً على هذا التبليغ ولكنه يحرم المدعي من الدخول بصفة مدعٍ مدني في هذه الدعوى - العرابي بك (جـ1 ص169)، وهو يحيل على النقض الفرنسي في 17 يونيه سنة 846، 6 يوليه سنة 1866 ولبوا اتفاق مادة (3 ن 21).
الشرط الثالث:
48 - يجب أن تكون الجهة القضائية التي رفع إليها الأمر جهة مختصة، فإذا قضت المحكمة المدنية بعدم اختصاصها يمكن للمدعي أن يجدد دعواه إما أمام القضاء الجنائي وإما أمام القضاء المدني المختص - راجع جرانمولان في تحقيق الجنايات (جـ 1 ص 83 ن 134 فقرة (2)).
49 - إلا أن هذا الرأي محل بحث
لأن محكمة اميان (راجع حكمها الصادر في 23 أغسطس سنة 1863) قضت بوجوب التمييز بين الاختصاص المطلق بالنسبة لنوع القضية والاختصاص النسبي بسبب المكان، وقررت أن لا أهمية لعدم اختصاص المحكمة التي رفعت لها الدعوى ما دام يمكن رفعها لمحكمة أخرى من نوعها، فإن المدعي المدني الذي أخطأ في توجيه دعواه تبقى له حرية رفع الدعوى للمحكمة المختصة، وما دام الطريق المدني الذي اختاره أولاً لم يزل مفتوحًا أمامه فلا تكون له الحرية في تركه والالتجاء للطريق الآخر.
50 - إلا أن محكمة النقض الفرنسية رفضت هذا الرأي ولم تقبله وكذلك لم يقبله الشراح بناءً على أنه لا يوجد في القانون الفرنسي نص يقضي بعدم قبول الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية بعد رفعها للمحاكم المدنية، وإنما قرر القضاء هذه القاعدة بناءً على قواعد العدالة التي تقضي بعدم جواز التنقل بالمتهم من اختصاص لآخر والتنازل إضرارًا به عن المحكمة التي رفعت لها الدعوى أولاً، وهذا غير متوافر في حالة الحكم بعدم الاختصاص لأن المدعي لم يترك باختياره الطريق الذي اتخذه أولاً بل أن هذا الطريق أقفل في وجهه فعاد إلى حالته التي كان عليها قبل رفع الدعوى فيجوز له رفعها إلى المحكمة الجنائية - العرابي بك (ص 171) الجزء الأول - منجان (ج ان 26) - فللي (ص 215) - جارو (ج ا ن 184 ص 402).
51 - ويرجح العرابي بك القضاء الذي ذهبت إليه محكمة أميان ويقول أن مجرد اتخاذ المدعي المدني الطريق المدني مع علمه بالجريمة وقدرته على اتخاذ الطريق الجنائي يفيد تنازله عن هذا الطريق الأخير، وخطؤه في اختيار المحكمة المختصة من بين المحاكم المدنية التي انحصر فيها حقه لا ينبنى عليه إلا تصحيح هذا الخطأ، وما دام أن الطريق المدني الذي اختاره ما زال مفتوحًا أمامه فليس له أن يعدل عنه ويتخذ الطريق الجنائي بعد أن سقط حقه فيه.
ويترجح هذا الرأي على الأكثر في القانون المصري إذا اعتبرنا الأسباب التي بنى عليها الرأي الآخر إذ بنوه على أن قاعدة أنه لا يجوز رفع الدعوى المدنية للمحاكم الجنائية بعد رفعها للمحاكم المدنية لم تقرر بنص صريح في القانون، وإنما المحاكم هي التي قررتها بناءً على قواعد العدل فوجب حصرها في الحدود التي تقتضيها الأسباب التي بنيت عليها، وقد قال جارو صراحة أن رأي محكمة اميان كان يمكن قبوله لو أن المبدأ كان مقررًا بنص صريح في القانون، وقد تقرر هذا المبدأ صراحة في القانون المصري بالمادة (239) جنايات فلا محل لتضييق دائرة تطبيقه - العرابي بك (جـ 1 ص 171).
52 – وأخيرًا، هل قاعدة (اختيار أحد الطريقين) من النظام العام؟
53 - قضت بعض المحاكم الفرنسية بأن القاعدة ليس مبناها النظام العام فلا يمكن الدفع بها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف - راجع حكم محكمة بوردو الصادر في 15 نوفمبر سنة 1888 سيريه (1889 - 2 – 239).
54 - ويرى نشأت بك عدم الأخذ بهذا الرأي لوجود القاعدة بنص صريح في القانون المصري بخلاف حالها في القانون الفرنسي - نشأت بك في تحقيق الجنايات (جـ 1 ص 371).
55 - ويقول العرابي بك أن عدم قبول الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية لسبق رفعها أمام المحاكمة المدنية ليس من النظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها بل لا بد وأن يتمسك به المتهم ويبديه قبل الدخول في الموضوع - العرابي بك (جـ 1 ص 172)، وهو يحيل على النقض الفرنسي 8 يوليه سنة 1853 و 26 إبريل سنة 1884 - وجارو (جـ 1 ن 185) ولبواتفان مادة (3 ن 22)، ونحن نميل إلى هذا الرأي لوجاهته،

محمد السعيد خضير
المحامي
-------------

[(1)] راجع بهذا العدد الحكم نمرة (76) الصادر من محكمة النقض بتاريخ 12 يونيو سنة 1930 والحكم الصادر من محكمة مصر الأهلية (جنح مستأنفة) بتاريخ 5 مايو سنة 929.


اختلاف الأحكام

 مجلة المحاماة

اختلاف الأحكام

مهما كان القانون صريحًا ومفصلاً فإنه لا يمكن أن ينص على جميع جزئيات القضايا، فلا بد أن يكون هناك مجال للتفسير فمحل للاختلاف في الرأي.
لذلك كانت أحكام المحاكم مكملة للقوانين ولذلك كان اختلاف الأحكام في المسألة الواحدة شرًا على المعاملات لأن لا فرق بين قوانين متباينة وأحكام متناقضة.
من مراجعة أعداد (المحاماة) القليلة التي صدرت إلى الآن وخصوصًا هذا العدد تجد أن المحاكم تكاد تختلف في جميع المسائل التي لم ينص عليها القانون صراحةً.
فخلاف في عرض الثمن في الشفعة - وفي حق الشريك استرداد الحصة الشائعة - وفي الهبة المستورة - وفي اختصاص القضاء في مسائل الري - وفي اكتساب حق المرور بمضي المدة.. وهكذا.
وأحيانًا ترى المحاكم رأيين وتذهب في كل رأي مذهبين بل ثلاثة وقل أربعة فمنها من يقول بوجوب العرض الحقيقي ومنها من لا يقول بذلك ومنها من يقول بوجوب العرض والإيداع معًا ومنها من يقصر الوجوب على الأول دون الثاني ومنها من يقول بضرورة عرض الثمن الوارد بالعقد ومنها من يكتفي بعرض الثمن الصحيح، ومنها من ينكر على الشريك حقه في استرداد الحصة الشائعة بعد قانون الشفعة ومنها من يعطيه هذا الحق مطلقًا ومنها من يعطيه لشريك دون شريك وفي حالات دون أخرى إذا جاءك أحد المتقاضين مستفتيًا في إحدى هذه المسائل الخلافية فماذا يكون جوابك له، لا شك ستجيبه بأنك لا تدري وأنت تدري، وإن أردت أن تكون صريحًا ولا تتحمل تهمة عدم الدراية أجبته بأن حظه في الدعوى معلق على الدائرة التي ستفصل فيها فإن كانت الدائرة الأولى مثلاً فمعنى ذلك خسارة الدعوى وإن كانت الثانية فكسبها، أما إذا حصل تعديل في تشكيل إحدى الدائرتين بتغيير عضو من أعضائها فالله وحده يعلم نتيجة الدعوى لأنك لا تعلم سر مداولاتهم فتعرف رأي كل عضو منهم، وكم رأينا تغييرًا في الأحكام نشأ عن تغيير عضو واحد من هيئة الدائرة الواحدة.
علاج هذه الحالة بسيط جرب قبل الآن فذهب بالداء ألا وهو عرض جميع المسائل الخلافية على هيئة مشكلة من جميع الدوائر المدنية بمحكمة الاستئناف على أن ما تقرره هذه الهيئة يصبح مبدأ مقررًا أو قانونًا معمولاً به.
وضع هذا النظام للقضاء المختلط فنجح نجاحًا تامًا.
نرجو لقضائنا الأهلي نظامًا كهذا يقينا شر الخلاف أو تشكيل محكمة نقض مدنية تقوم مقام هذا النظام حينئذٍ يعلم المتعاقد كيف يحرر عقده ليضمن حقه والمتقاضي كيف يرفع دعواه ليصل إليه.