صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
الصفحات
- الرئيسية
- أحكام النقض الجنائي المصرية
- أحكام النقض المدني المصرية
- فهرس الجنائي
- فهرس المدني
- فهرس الأسرة
- الجريدة الرسمية
- الوقائع المصرية
- C V
- اَلْجَامِعَ لِمُصْطَلَحَاتِ اَلْفِقْهِ وَالشَّرَائِعِ
- فتاوى مجلس الدولة
- أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية
- القاموس القانوني عربي أنجليزي
- أحكام الدستورية العليا المصرية
- كتب قانونية مهمة للتحميل
- المجمعات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي شَرْحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ
- تسبيب الأحكام الجنائية
- الكتب الدورية للنيابة
- وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ
- قوانين الامارات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْمُرَافَعَاتِ
- اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ 1948
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعُقُوبَاتِ
- محيط الشرائع - 1856 - 1952 - الدكتور أنطون صفير
- فهرس مجلس الدولة
- المجلة وشرحها لعلي حيدر
- نقض الامارات
- اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والأشخاص الأولى بالرعاية
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الجمعة، 3 ديسمبر 2021
تأثير قانون التسجيل الجديد على قضايا الشفعة حامد فهمي
تنازع الاختصاص بين المحاكم المختلطة والمحاكم الأخرى عبد الحميد أبو هيف
مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الخامسة - عدد يوليه سنة 1925
تنازع الاختصاص بين المحاكم المختلطة والمحاكم الأخرى
النظريات والملاحظات العامة
1 - المحاكم المختلطة هي أهم المحاكم الموجودة في مصر وأوسعها سلطةً ونفوذًا:
أولاً: من حيث عدد الأشخاص الذين يخضعون لاختصاصها وذلك لكونه يشمل الأجانب كما يشمل الأهالي.
ثانيًا: من حيث المواد الداخلة في اختصاصها وذلك لأننا إذا استثنينا المواد المحصورة الخارجة عن اختصاصها فإن جميع أنواع القضايا مهما اختلف موضوعها وتشعب أصلها داخل ضمن اختصاص هذه المحاكم [(1)].
ومحل التساؤل الآن هو متى ينقطع اختصاص المحاكم المختلطة ويثبت الاختصاص لغيرها؟ ومتى ينقطع اختصاص المحاكم الأخرى ويثبت الاختصاص للمحاكم المختلطة؟
رأينا أن اختصاص هذه المحاكم كثيرًا ما يتوقف على وجود عنصر معين - وجود أجنبي مثلاً أو وجود حق لأجنبي على عقار - كما أن اختصاصها قد ينقطع إذا ما زال هذا العنصر من القضية، وقد تتغير جنسية أحد الطرفين في أثناء نظر القضية وقد يتنازل أحد الطرفين عن صفة كانت له وقت رفع الدعوى أو تزول عنه تلك الصفة كما أنه قد يحصل على صفة جديدة في أثناء سير الدعوى وقد ينبني على ذلك زوال الاختصاص أو ثبوته وقد يحدث أن الاختلاف في تفسير النصوص القانونية قد يجعل القضية الواحدة من اختصاص محكمتين مختلفتين أو قد يرفعها من اختصاص المحكمتين على السواء.
2 - لا بد من تقرير حقيقة أولية هامة هي أن المحاكم المختلطة قررت دائمًا أن القوانين المنظمة لشؤون وظائف المحاكم تعتبر متعلقة بالنظام العام فيجب مراعاتها بالدقة ولذلك قضت بعدم صحة الاتفاق على رفع القضايا أمامها إذا كانت من اختصاص المحاكم الأهلية أو القنصلية أو الشخصية وأنه يجوز للخصوم أن يتمسكوا بعدم الاختصاص في هذه الأحوال في أية حالة كانت عليها القضية [(2)] أما إذا صدر الحكم النهائي منها ولم تبحث مسألة الاختصاص فلا محل بعد ذلك للتمسك ببطلان الحكم بسبب عدم الاختصاص [(3)].
ومع ذلك فلا ريب أن هناك أحوالاً كثيرة يحيط بها الشك وأنه يترتب على ذلك أنها تقابل بحلول تختلف بحسب ما إذا كانت الجهة القضائية التي تنظرها هي المحاكم المختلطة أو محاكم أخرى تجلس للحكم في مصر. وتتضاعف الصعوبات في هذا الموضوع بسبب طموح كل محكمة إلى السعي في توسيع اختصاصاتها على حساب المحاكم الأخرى ولأن الشارع المصري لم يضع - أو ما كان يستطيع أن يضع - قواعد عامة لحل المنازعات التي تحصل بسبب تنازع الاختصاص بين المحاكم المختلفة في مصر اللهم إلا في أحوال قليلة جدًا وفي مسائل تفصيلية قليلة الأهمية [(4)].
وسبب قعود الشارع المصري هو بلا شك ضعف سلطة الحكومة المحلية وتقديسها لحقوق الأجانب تقديسًا يفوق الوصف وتهاونها في المحافظة على سيادتها الأهلية في بلدها وقد كانت مرغمة على ذلك لحدٍ ما أثناء الاحتلال البريطاني والحماية البريطانية الظاهرة ولكن هذه الحال يجب أن تتبدل الآن حتى تتفق مع شعور الأمة المصرية بالاستقلال.
وتزداد الحالة خطورة بسبب عدم وجود أدنى أثر للتضامن أو للتعاون أو للتفاهم بين المحاكم المختلفة التي تتنازع الحكم في هذا القطر [(5)].
ولا ينتظر مثل ذلك منها وهي على حالتها الراهنة وعلى الخصوص لا ينتظر ذلك من المحاكم المختلطة التي وقفت دائمًا موقفًا جافًا تمثلت فيه الأنانية وحب الذات تجاه المحاكم الأخرى فوضعت سلسلة قواعد هدمت بها كيان اختصاص غيرها من المحاكم في مسائل شتى ووسعت بها اختصاص نفسها على حساب المحاكم الأخرى، حيث لم تقتصر على الافتيات على اختصاص المحاكم الأهلية بل تعدته إلى المحاكم القنصلية وإلى محاكم الأحوال الشخصية، ولم تكتفِ بالحكم باستبقاء اختصاصها عند زوال أحد العناصر التي كانت المسوغ الوحيد لاختصاصها - كما لو زال العنصر الأجنبي أو العنصر الوطني – بل إنها قررت كذلك أنه إذا ظهر في أية قضية مرفوعة أمام محكمة أخرى أي عنصر من العناصر التي كانت تجعل الاختصاص من شأن المحاكم المختلطة لو وجد هذا العنصر من قبل رفع الدعوى فإن اختصاص المحكمة الأخرى يزول بمجرد ظهور العنصر المختلط فيها وتصبح القضية من اختصاص المحاكم المختلطة دون غيرها وبهذه الوسيلة تنتزع هذه المحاكم القضايا التي رُفعت بطريقة صحيحة أمام المحاكم الأخرى المختصة فتحرمها حق النظر فيما هو من اختصاصها وذلك بمجرد حدوث عنصر جديد.
وأخيرًا فإن المحاكم المختلطة كثيرًا ما تستهين بالأحكام التي تصدرها المحاكم الأخرى فلا تقيم لها وزنًا ولا تعتبرها حجة فاصلة فيما قضت فيه وكان داخلاً في اختصاصها متى أريد التمسك بتلك الأحكام ضد أجنبي [(6)] أو إذا كانت تلك الأحكام جنائية وأريد التمسك بما جاء فيها أمام المحاكم المختلطة في الدعوى المدنية الناشئة عن العمل الذي حكم فيه جنائيًا من لدن المحاكم الأهلية أو القنصلية [(7)].
3 - هنا يصح التساؤل عما سلكته المحاكم الأخرى من السبل تلقاء تعسف المحاكم المختلطة وافتياتها على حقوق غيرها. الجواب أن المحاكم الأخرى كثيرًا ما كانت تخالف المحاكم المختلطة في نظرياتها وتحكم بما قد تحفظ به كرامتها ومنها من كان يحكم أحكامًا شديدة جدًا ضد تصرفات المحاكم المختلطة [(8)] ولكن المحاكم الأهلية كانت دائمًا أقل تحمسًا من غيرها في المحافظة على كرامتها أمام المحاكم المختلطة غير أنها ما كانت تستطيع أن تعلي كلمة السيادة الإقليمية المصرية في جو سياسي تختنق فيه الحركة الوطنية اختناقًا باحتلال أجنبي يعمل عملاً متواصلاً للقضاء على كل سيادة وطنية وعلى إزالة كل سيادة إقليمية للحكومة المحلية، والسبب المباشر لانتصار المحاكم المختلطة في كل ما قالت به من النظريات هو أن لهذه المحاكم الكلمة الأخيرة دائمًا في كل خلاف يحصل بينها وبين غيرها من المحاكم فنظامها نظام دولي لدرجة عظيمة وهو مستقل بنفسه عن الحكومة إلى حد كبير جدًا ولذلك تمكنت من إسكات من يقاوم نظرياتها حتى الحكومة المحلية نفسها خذلتها وأخضعتها المحاكم المختلطة محافظة على الحقوق التي تدعيها للأجانب في مصر.
وضعت المحاكم المختلطة قواعد في الاختصاص بالنسبة للأجانب وصلت فيها إلى حد حمايتهم رغم إرادتهم واتفاقاتهم الصريحة حيث قررت أنه من مبادئ النظام العام التي لا يمكن التجاوز عنها أنه لا يجوز لأجنبي مهما كانت الظروف أن يخضع لاختصاص المحاكم الأهلية ولو رضي بذلك صراحةً وخولت نفسها حق إلغاء الأحكام الأهلية وجعلها غير ذات أثر مطلقًا متى مست أية مصلحة لأجنبي سواء في ذلك أتلقى الحق عن الوطني الذي كان خصمًا لوطني آخر في قضية أمام المحاكم الأهلية أم كان هو الذي رفع الدعوى بإرادته واختياره أمام المحاكم الأهلية على خصمه الوطني، أو قبل الخصومة أمام هذه المحاكم صراحةً أو ضمنًا [(9)].
وبذلك قد رفعت المحاكم المختلطة شأن الأجنبي في مصر إلى مقام أرفع مما هو مقرر للملوك المتوجين أو السفراء والمعتمدين أمام محاكم العالم المتمدين [(10)].
4 - هذا وسنستعرض فيما يلي ما قررته المحاكم المختلطة من النظريات بشأن اختصاصها واختصاص غيرها من المحاكم فيما يصح أن يكون محلاً للنزاع وهذه النظريات يمكن حصرها في خمس:
الأولى: نظرية استبقاء اختصاص المحاكم المختلطة بالرغم من زوال أحد أركانه.
الثانية: نظرية زوال اختصاص المحاكم الأخرى إذا استجد عنصر مختلط.
الثالثة: نظرية الصالح المختلط.
الرابعة: نظرية التفرع أو التبعية.
الخامسة: نظرية عدم الإيقاف في مسائل الأحوال الشخصية.
5 - النظرية الأولى: استبقاء اختصاص المحاكم المختلطة بالرغم من زوال أحد أركانه:
تطبق المحاكم المختلطة هذه النظرية في حالتين حالة خروج خصم من القضية وحالة تغيير جنسية خصم أثناء سير القضية وتلحق بهما حالة ثالثة هي ظهور عدم الاختصاص بعد الحكم.
6 - الحالة الأولى: حكمت المحاكم المختلطة دائمًا بأن القضية المرفوعة إليها بطريقة صحيحة وهي تملك الاختصاص تستمر خاضعة لاختصاصها حتى لو خرج منها الأجنبي أو الوطني الذي كان سببًا في الاختصاص ولم يبقَ فيها غير خصمين من الوطنيين أو خصمين من الأجانب متحدي الجنسية [(11)] أو كانت القضية أمام الاستئناف ولم يكن الأجنبي أو الوطني المذكور طرفًا في الاستئناف [(12)] وحجة هذه المحاكم في استبقاء اختصاصها تمسكها بالعدالة فإنه ليس من العدل بعد أن ترفع الدعوى طبقًا لقواعد الاختصاص ويمر عليها زمن ما أمام المحاكم المختلطة وتصرف المصاريف لذلك، أن تنزع القضية منها ويكلف الخصوم رفعها من جديد أمام المحاكم الأخرى [(13)].
ولما كان هذا المبدأ خطرًا على اختصاص المحاكم الأخرى وكان تطبيقه بصفة مطلقة قد يبيح رفع أية قضية أمام المحاكم المختلطة متى وجد فيها عنصر أجنبي ولو في الظاهر سواء كان وجوده فيها ضروريًا أو مفيدًا أو مقصودًا به مجرد جلب الخصوم الآخرين أمام المحاكم المختلطة، فقد اشترطت المحاكم المذكورة، لاستبقاء اختصاصها في حالة زوال العنصر الأجنبي أن يكون ثمت صلة ظاهرة أو ارتباط واضح بين الخصوم يسوغ وجودهم جميعًا في قضية واحدة فإذا اختصم وطني أجنبيًا ووطنيًا آخر أمام المحاكم المختلطة وطلب من كل منهما طلبًا مستقلاً لم يكن بينهما رابطة اتصال فإن رفض الدعوى ضد الأجنبي لا يبقي في الميدان غير الوطنيين وبذلك لا تكون المحاكم المختلطة مختصة بالفصل بينهما [(14)] كذلك إذا رفع الدعوى أجنبي وتنازل عنها قبل الدخول في موضوعها فإن طلبات الدخول المقدمة من أي شخص ثالث تسقط جميعها تبعًا لسقوط الدعوى الأصلية طبقًا لقواعد التدخل المعروفة ولا يجوز النظر فيها أمام المحاكم المختلطة متى كان كل الخصوم من الوطنيين أو من أجانب متحدي الجنسية [(15)].
وأخيرًا إذا كان وجود الأجنبي في الدعوى مقصودًا به مجرد جعل القضية من اختصاص المحاكم المختلطة مع أنها يجب أن لا تكون من اختصاصها إذا نظرنا إلى المصالح الحقيقية لكل الخصوم وخرج الأجنبي فإن المحاكم المختلطة لا تختص بنظرها [(16)] مثال ذلك إذا حول الدين لشخص لمجرد حرمان الخصم من محكمته الطبيعية المرفوعة أمامها الدعوى وجلبه أمام المحاكم المختلطة بحجة إيجاد صالح مختلط وهمي فإن الحوالة لا تنتج أثرها من حيث الاختصاص وتصبح المحكمة المختلطة غير مختصة بعد ظهور الحقيقة [(17)].
ومع ذلك لا بد أن نلاحظ هنا أن المحاكم المختلطة تقر بنتائج التسخير أي تعيين المسخر constitution d’un prête - nom وتعتبره عاملاً من حيث تحديد الاختصاص بدلاً ممن سخره [(18)] ولكنها تشترط لذلك ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون هناك تصرف قد حصل لمصلحته يخول له المطالبة بصفته المالك الوحيد الحقيقي للحقوق التي يريد التمتع بها [(19)] الثاني يجب ألا يظهر أصحاب الحق الأصليون في الدعوى لا بصفتهم أصحاب الحقوق كلها أو بعضها فلا يعتبر مسخرًا يعتد بجنسيته في الاختصاص الوكيل الذي لم يحول إليه إلا جزء من الحقوق والذي يطالب منضمًا إلى موكليه ومن حولت إليهم حقوقه [(20)] الثالث ألا يترتب على التسخير جعل مركز المدعي أسوأ مما كان عليه من حيث الوقائع أو من حيث القانون وذلك يحصل إذا كان للمدعى عليه مصلحة ظاهرة في استمرار الدعوى أمام المحاكم الأهلية مثلاً لأنه حصل تحقيق أمامها بشأن وضع اليد على عقار متنازع فيه وحكم له من جانبها فيكون من مصلحته أن تحكم هذه المحاكم نفسها فيما يتعلق بالنزاع على الملكية وخصوصًا إذا اتصل بالموضوع مسائل تتعلق بنظام الوراثة بين الأهالي وقيمة الإعلامات الشرعية الصادرة بشأنه فإن المحاكم الأهلية تكون في مركز أحسن من مركز المحاكم المختلطة للفصل في النزاع إلى النهاية [(21)].
7 - الحالة الثانية: حكمت المحاكم المختلطة دائمًا بأن تغيير جنسية أحد الخصوم أثناء الدعوى المرفوعة أمامها ليس له تأثير مطلقًا في الاختصاص متى كانت مختصة بها وقت رفعها كما أن حلول ورثة مختلفين في الجنسية عن مورثهم محله لا يؤثر في الاختصاص [(22)].
مبدأ عام: وقد قررت المحاكم المختلطة هذا المبدأ بصفة عامة بالنسبة للمحاكم الأخرى حيث قضت بأن تغيير الجنسية الطارئ أثناء القضايا المرفوعة أمام محاكم أخرى وهي تملك الاختصاص في بدء القضية لا ينزع الاختصاص من تلك المحاكم وهو مبدأ عادل ومقرر في جميع قوانين العالم ويرتكز على قاعدة احترام الحقوق المكتسبة [(23)].
8 - الحالة الثالثة: ظهور عدم الاختصاص بعد الحكم: حكمت المحاكم المختلطة أيضًا بأنه إذا نظرت الدعوى أمامها ولم يدفع أحد من الخصوم بعدم الاختصاص لعدم وجود عنصر مختلط فإن الحكم لا يكون معرضًا للإلغاء لهذا السبب بل يبقى صحيحًا ولازمًا [(24)].
عبد الحميد أبو هيف ناظر مدرسة الحقوق سابقًا |
[(1)] راجع س م 30 يناير سنة 1908 مج ت م 20 صـ (80) الذي قرر أن اختصاص المحاكم المختلطة في القضايا المختلطة يمتد إلى جميع المواد التي لم تنزع من اختصاصها بنص صريح لتُعطَى إلى محاكم أخرى، وعلى الخصوص في الأحوال التي تكون فيها مسألة الاختصاص أمرًا مشكوكًا فيه، وذلك لكونها المحاكم العادية في المواد المدنية والتجارية - زد على ذلك أنه حتى في المسائل التي نص على عدم اختصاصها بها كالأحوال الشخصية قد تجد وجهًا للحكم فيها.
[(2)] س م 26 مارس سنة 1896 مج ت م 8 صـ (181) و(س م 7 مارس سنة 1895) مج ت م 7 صـ (181) و(س م 19 يناير سنة 1899) مج ت م 11 صـ (102) و(س م 8 مارس سنة 1900) مج ت م 12 صـ (152) و(س م 26 مارس سنة 1903) مج ت م 15 صـ (217) الذي قرر أيضًا أن تدخل أجنبي في الخصومة فيما بعد ليجعل للمحاكم المختلطة اختصاصًا في القضية لا يغير المركز متى اتضح الغرض و(س م 11 نوفمبر سنة 1914) مج ت م 27 صـ (14) و(س م 28 فبراير سنة 1917) مج ت م 29 صـ (260) والجازيت 7 صـ (88) نمرة (263) الذي استند إلى عدة أحكام سابقة وقرر مبادئ عديدة نذكرها هنا لأهميتها بصفتها من القواعد المهمة المتبعة عملاً أمام المحاكم المختلطة وهي:
1 - أن وظائف المحاكم المختلطة في مصر في الدعاوى الشخصية أو المتعلقة بمنقول تتوقف على جنسية الخصوم، والدفع الفرعي الناشئ عنها يتعلق بالنظام العام.
2 - المحاكم المختلطة لا تختص إلا في حالة اختلاف الجنسية ويجب عليها الحكم بعدم الوظيفة إذا كان النزاع بين خصوم من جنسية واحدة وذلك برغم أي اتفاق آخر يخالف الامتيازات الأجنبية ويخالف تنازل الدول جزئيًا عن اختصاص محاكمها القنصلية.
3 - أن قواعد الاختصاص المعروفة بالنسبة للأجانب في البلاد الأوروبية لا تنطبق في البلاد التي يتمتع فيها الأجانب بالامتيازات الأجنبية مثل مصر، وأن المعاهدات لا تسمح إلا بتنازل جزئي عن اختصاص القناصل وأن المحاكم المختلطة محاكم مصرية وسلطتها على الأهالي مقبولة أكثر من سلطتها على الأجانب وأنها ليست مكملة للنظام القنصلي.
4 - أن المحاكم المختلطة أجازت المقاضاة باسم من حصل له تنازل صوري بقصد إدخال عنصر أجنبي في الخصومة (بند 437) ولكنها لا تجيز نظر القضية كما هي بدون عنصر مختلط فيها.
5 - أنه لا يصح قبول العنصر المختلط من بعد رفع الدعوى ولمجرد تصحيح الاختصاص.
[(3)] راجع كتاب المرافعات بند (538) و س م 16 مايو سنة 1894 مج ت م 6 صـ (294) وراجع بندي (439) و(493) فيما يلي.
[(4)] راجع فيها كتاب المرافعات بند (381)، وبخصوص محاولة الحكومة المصرية الاتفاق مع الدول بشأن حل مسائل تنازع الاختصاص وعدم نجاحها في ذلك راجع تقرير المستشار القضائي عن سنة 1901 صـ (48).
[(5)] راجع مثلاً ما حكمت به محكمة الاستئناف المختلطة في 18 مارس سنة 1891 مج ت م 3 صـ (253) حيث قررت أن المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية محاكم مختلفة لكل منها نظام وترتيب خاص ولذلك فلا محل للتمسك أمام إحداها بأن القضية منظورة أمام الأخرى أو أن أمرًا مقضيًا فيه نهائيًا من إحداها بناءً على إجراءات اتخذت أمامها أو أحكام صدرت منها يصح التمسك به ويجب قبوله أمام الأخرى، ونحوه حكم المنصورة المدنية في 12 إبريل سنة 1921 جازيت 12 صـ (11) نمرة (25) ثالثًا، الذي قرر بناءً على ذلك عدم الإيقاف مع وجود قضية في المحاكم الأهلية بخصوص صفة أحد الخصوم - وقارن ذلك بما تحكم به محاكم النوع الواحد بالنسبة لفروعها المتعددة، مثال ذلك أن المحاكم المختلطة تقضي بأن رفع الدعوى أمام محكمة مدنية بدلاً من رفعها أمام محكمة تجارية أو بالعكس، يقطع التقادم ويجعل الفوائد تجري من يومه (س م 10 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (102) نمرة 155) وهو تضامن تُحمد عليه المحاكم التي تقرره رغم عدم وجود نص عليه وكان يجب أن يكون التضامن عامًا بين جميع محاكم القطر، وقارنه بما حكمت به محكمة التجارة بإسكندرية في 9 يناير سنة 1922 جازيت 12 صـ (152) نمرة 266 بالنسبة لقضية مرفوعة أمام محكمة فرنسية!!!
[(6)] راجع س م 28 فبراير سنة 1894 مج ت م 6 صـ (172) الذي قضى بأن الأحكام الأهلية لا تكون حجة على الأجانب لأنها صادرة من محاكم غير مختصة بالنسبة إليهم ونحوه س م 16 مايو سنة 1893 مج ت م 5 صـ (247).
[(7)] راجع س م 12 إبريل سنة 1893 مج ت م 5 صـ (186) الذي قضى بأن المحاكم المختلطة ليست مقيدة بما حكمت به المحاكم الأهلية أو أي محاكم أخرى تحكم في مصر ولكن يصح لها الاسترشاد بها لتستنير قبل تكوين رأيها.
[(8)] مثال ذلك حكم القنصلية البريطانية في قضية الكابلي.
[(9)] راجع مثلاً س م 16 مايو 1894 مج ت م 6 صـ (294) الذي قرر أن المحاكم الأهلية التي لا يجوز للأجانب أن يتقاضوا أمامها بحال من الأحوال ليس لها بالنسبة للأجانب أدنى اختصاص بل إنها محرومة بشكل مطلق من أن يكون لها أي حق ولو احتمالي في الحكم ضد أي أجنبي بأي شكل من الأشكال، وينبني على ذلك بالضرورة أن الأحكام التي تصدر من هذه المحاكم بسبب الخطأ أو السكوت من جانب الخصوم أو حتى بمقتضى إرادتهم واختيارهم تكون مطبوعة بطابع البطلان المطلق ولا يمكن أن تحوز قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا، وهذا بعكس المحاكم المختلطة بالنسبة للأهالي فإنها ليست ممنوعة من الحكم بالنسبة إليهم بشكل مطلق. راجع بقية الحكم.
[(10)] راجع في الخضوع في القانون الدولي الخاص بند (336) مكررًا وراجع أيضًا الموضوع نفسه بكتاب المرافعات بند (533).
[(11)] س م 29 إبريل سنة 1896 مج ت م 8 صـ (253) الذي قرر بأن القضية المرفوعة بشكل صحيح أمام المحاكم المختلطة يجب أن تنتهي أمامها، وس م 13 ديسمبر سنة 1895 مج ت م 7 صـ (328) الذي قرر استبقاء الاختصاص حتى لو خرج العنصر الأجنبي بتغير سير الإجراءات ونحوه س م 18 ديسمبر سنة 1902 مج ت م 15 صـ (69) وس م 24 يناير سنة 1918 مج ت م 30 صـ (173)، وقرر س م 18 مارس سنة 1897 مج ت م 9 صـ (218) أن استبقاء الاختصاص بالنسبة للخصمين الباقيين ذوي الجنسية الواحدة يحمي أحد الخصمين من سقوط حقوقه ضد الطرف الآخر في الإجراءات التي اتخذها أمام المحاكم المختلطة بعكس ما إذا اضطر إلى رفع دعوى جديدة أمام محكمة أخرى فإنه يكون معرضًا لسقوط حقه بمضي المدة أو بفوات الميعاد، وقضى س م 23 ديسمبر سنة 1891 مج ت م 4 صـ (69) بأن التغيير الذي يعتري شخصية الخصوم في الدعوى لا يؤثر على الاختصاص فإذا حكم برفض دعوى أحد الخصوم ضد الخصم الذي كان السبب في الاختصاص فلا يترتب على ذلك قانونًا حرمان المحاكم المختلطة من الحكم بالنسبة للخصم الآخر وذلك لأن الدعوى قد رفعت إليها بشكل صحيح وهي مختصة فلا تأثير لما يحدث بعد ذلك ونحوه س م 18 يونيه سنة 1908 مج ت م 20 صـ (292) وس م 22 مايو سنة 1913 مج ت م 25 صـ (403) وس م 24 إبريل سنة 1913 مج ت م 25 صـ (334) الذي ألغى حكم أول درجة واستبقى الاختصاص للمحاكم المختلطة، كذلك حكم بأن زوال حق الاختصاص الذي كان لأجنبي على العقار وكان سببًا في اختصاص المحاكم المختلطة لا يؤثر على بقاء إجراءات نزع الملكية أمام المختلط متى كانت قد ابتدأت أمامه صحيحة (س م 23 فبراير 1911 مج ت م 23 صـ 194) وحكم باستمرار دعوى القسمة المرفوعة من وطني على شريكه الأجنبي ولو باع الأجنبي حصته الشائعة إلى وطني (س م 10 أكتوبر سنة 1923 محاماة 4 صـ (288) نمرة 228) وأخيرًا س م أول مايو سنة 1923 جازيت 24 صـ (181) نمرة (291) وشرحه س م أول إبريل سنة 1924 جازيت صـ (181) نمرة (292) بشأن استبقاء الاختصاص.
[(12)] س م 3 يناير سنة 1901 مج ت م 13 صـ (30) الذي قرر أنه إذا لم يستأنف الأجنبي الذي كان سببًا في الاختصاص ولم يكن من خصوم في الاستئناف غير طرفين من جنسية واحدة فيجب استمرار الاختصاص إلى أن يحكم نهائيًا وكذلك س م 4 إبريل سنة 1917 مج ت م 29 صـ (344) الذي قرر بأن غياب الأجنبي المدعي في أول درجة، لا يجعل محكمة الاستئناف غير مختصة بالحكم في الاستئناف الحاصل بين طرفين من جنسية واحدة.
[(13)] راجع س م أول إبريل سنة 1924 جازيت 14 صـ (181) نمرة (292) وقد ألغي حكم محكمة أول درجة الذي قضى بعدم الاختصاص لزوال العنصر الأجنبي ونحوه 17 إبريل سنة 1923 جازيت 14 صـ (170) نمرة (273) وكانت الدعوى بقسمة عقار كان فيه أحد الشركاء أجنبيًا ولكنه باع لوطني قبل رفع الدعوى ولم يكن المدعي ليعلم ذلك فقررت المحكمة في الاستئناف استبقاء الاختصاص وقالت إن الحالة تختلف لو كان يعلم وكذلك س م 23 أكتوبر سنة 1923 جازيت 14 صـ (181) نمرة (290) وشرحه الحكم نمرة (291) إلا أنه يستثني حالة اختفاء الصالح المختلط قبل مناقشة الدعوى أي قبل بدء المرافعة في الموضوع وراجع التعليق على الحكم نمرة (292) السابق ذكره وفيه بيان فائدة استبقاء الاختصاص، وتوجد الآن نزعة للحكم بعدم الاختصاص من آثارها ما ذهب إليه حكم محكمة مصر المدنية رقيم 10 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (180) نمرة (289) الذي خالف عمدًا المبدأ المتبع وقضى مع بعض الأحكام الأخرى القليلة، بأن زوال العنصر الأجنبي يجب أن يخرج القضية عن اختصاص المحاكم المختلطة مهما كان سبب الزوال سواء كان بتنازل الأجنبي أو إخراجه من الدعوى أو بسبب عدم صفته وعدم وجود مصلحة له فيها كما هي الحال في القضية التي صدر فيها هذا الحكم فإن الأجنبي الذي حول إليه سند تجاري لقبضه، رفع الدعوى أمام المختلط ثم دخل المحول الوطني في الدعوى فظهر أن الأجنبي لم يكن إلا وكيلاً بالقبض فقط، وبظهور الأصيل في القضية حكمت المحكمة بعدم اختصاصها وقررت أن هذا المبدأ يضمن احترام قواعد الاختصاص بين المحاكم الأهلية والمختلطة ومع ذلك فلا يمكن للآن الركون إلى هذا الرأي من الوجهة العملية لأن الغالب هو القضاء بعكسه كما اعترف الحكم نفسه بذلك.
[(14)] س م 31 مارس سنة 1892 مج ت م 4 صـ (188) بعكس ما إذا كانت الدعويان قائمتين أمام المحكمة وطلب منها أن تحكم بفصلهما وكان بينهما ارتباط فلا محل للتنحي عن نظر الدعوى الحاصلة بين الأهالي لأن ذلك يعتبر بمثابة سكوت عن الحق لا يصح إجازته مطلقًا. س م 9 ديسمبر سنة 1909 مج ت م 22 صـ (39).
[(15)] ص م 17 ديسمبر سنة 1914 مج ت م 27 صـ (72) وراجع كتاب المرافعات بند (1032).
[(16)] قارن س م 4 نوفمبر سنة 1914 مج ت م 27 صـ (7) الذي قرر بأن اختصام شخص في الدعوى لمجرد جعل المحاكم المختلطة مختصة وصدور الحكم بإخراجه منها يجعل هذه المحاكم غير مختصة بنظر طلب التعويض المقدم من شخص ضد آخر من جنسيته وشرحه س م 25 إبريل سنة 1922 جازيت 13 صـ (43) نمرة (77) إلا أن الأجنبي هنا خرج من الدعوى من تلقاء نفسه وقد ألغى الاستئناف حكم أول درجة ونبه إلى أنه كان يجب الحكم بعدم الاختصاص من تلقاء نفس المحكمة - ونحوهما س م 2 يونيه سنة 1904 مج ت م 16 صـ (311) الذي قرر بأنه إذا تبين من ظروف القضية أن ليس للعنصر المختلط أدنى مصلحة ولا ارتباط قانوني بالخصوم الآخرين الذين هم من جنسية أجنبية فإن الدعوى لا تكون من اختصاص المحاكم المختلطة وس م 21 مارس سنة 1912 مج ت م 24 صـ (211) الذي قضى بعدم الاختصاص متى كان سببه وجود دائن أجنبي ليس له مصلحة ولم يختصم إلا ليجعل المحاكم المختلطة مختصة بين اثنين من الوطنيين وكذلك إسكندرية الجزئية في 19 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (82) نمرة (293).
[(17)] س م 6 يونيه سنة 1912 مج ت م 24 صـ (397) - راجع في تأثير الحوالة على الاختصاص.
[(18)] س م 3 ديسمبر سنة 1913 مج ت م 26 صـ (64) وس م 17 نوفمبر سنة 1910 مج ت م 23 صـ (27) وس م 8 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (182) نمرة (296) الذي يقرر أن التسخير ليس فيه ما يعتبر غير مشروع وأنه يصح لوطني أن يستعمله وسيلة لرفع دعواه على وطني آخر أمام المحاكم المختلطة إلا في الحالة التي يصبح فيها مركز المدين أسوأ مما كان ونحوه س م 29 يناير سنة 1924 جازيت 4 صـ (182) نمرة (295) وس م 28 فبراير سنة 1923 جازيت 14 صـ (183) نمرة (297) الذي قرر مشروعية التسخير ولو حصلت الحوالة لمجرد جعل المحاكم المختلطة مختصة بدلاً من المحاكم القنصلية غير أنه يجب على القاضي المختلط في هذه الحالة أن ينظر في أي القانونين يطبق: القانون المختلط أم القانون الشخصي الخاص بجنسية المتقاضين الأصليين.
[(19)] قارن س م 28 فبراير سنة 1917 مج ت م 29 صـ (260) وقارن حكم محكمة مصر المختلطة في 10 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (180) نمرة (289) الذي قضى بأنه إذا تبين أن المحول إليه السند لم يكن إلا مجرد وكيل في القبض وتدخل في الدعوى الدائن الأصلي وكان هو والموقعون على السند جميعًا من الأهالي ولم يكن بذلك صالح لأجنبي في الدعوى، لأن التوكيل قد انتهى بظهور الموكل وإقراره بالحقيقة، فالمحكمة تحكم بعدم اختصاصها بالرغم من أن القضية كانت من اختصاصها في أول الأمر. وراجع نقد هذا الحكم في الجازيت نفسها وقولها إنه مخالف للقواعد الثابتة في استبقاء الاختصاص.
[(20)] س م 6 يونيه سنة 1912 مج ت م 24 صـ (397).
[(21)] س م 29 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (182) نمرة (295) وشرحه 8 يناير سنة 1924 جازيت 14 صـ (182) نمرة (296).
[(22)] س م 16 إبريل سنة 1890 مج ت م 2 صـ (309) وس م 12 فبراير سنة 1903 مج ت م 15 صـ (143) وس م 17 يناير سنة 1918 مج ت م 30 صـ (163) وكذلك س م 29 إبريل 1891 مج ت م 3 صـ (255) وس م 7 نوفمبر سنة 1901 مج ت م 14 صـ (6) وس م 6 مايو سنة 1903 مج ت م 15 صـ (291) فيما يتعلق بوفاة أحد الخصوم وحلول ورثة من جنسية أخرى أو تبعية أخرى محله وس م 22 ديسمبر سنة 1910 مج ت م 23 صـ (88) فيما يتعلق بزوال الحماية الأجنبية عن أحد الخصوم.
[(23)] س م 27 مايو سنة 1921 جازيت 12 صـ (5) نمرة (1) وقد أيد حكم أول درجة وكانت القضية مرفوعة أمام المحاكم الأهلية وطرأ التغيير على جنسية المدعي الذي كان عثمانيًا وأصبح يونانيًا بحكم الاتفاق الذي حصل سنة 1918 بين الحكومتين المصرية واليونانية فقضت المحكمة المختلطة بصحة حكم المزاد الصادر من المحكمة الأهلية عقب رفع دعوى القسمة وبعد أن اعترف الاتفاق المذكور بجنسيته اليونانية ولكن ذلك لم يحصل إلا بعد رفع دعوى القسمة وإن حصل قبل صدور الحكم، لذلك تبقى المحاكم الأهلية مختصة ويكون حكمها صحيحًا.
[(24)] راجع س م 16 مايو 1894 مج ت م 6 صـ (294) الوارد الجزء الأول من ملخصه في حاشية (2) بند (434) حيث يقول مسترسلاً وليست الحالة كذلك بالنسبة للمحاكم المختلطة فإنها ليست موصدة الأبواب في وجه الأهالي بل يدخل في تشكيلها قضاة من الأهالي وهي تقضي باسم الحكومة المصرية وبتفويض منها وهي وإن كانت غير مختصة مبدئيًا بقضايا الأهالي فيما بينهم إلا أن عدم الاختصاص هذا مما يهم الأشخاص فقط ratione personae وهو نسبي جدًا ويزول في أحوال عديدة نص عليها القانون وشملها بحكم خاص وعلى هذه الحال تعتبر الأحكام التي تصدرها بين الأهالي، رغم عدم اختصاصها بها، قابلة لأن تحوز قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا خصوصًا، كما في القضية التي انتهت بهذا الحكم، إذا قبل الشخص اعتباره أجنبيًا واتخذ لنفسه صفة الأجنبي أثناء الدعوى ثم جاء بعد الحكم بزمن طويل يدعي أنه وطني بقصد الحصول على إلغاء الحكم النهائي الصادر ضده، لذلك يصح تنفيذ الحكم المختلط الصادر في هذه الظروف بواسطة نفس السلطة القضائية التي أصدرته باعتباره أحد أحكامها ولو كان صادرًا بين خصوم كلهم من الأهالي ما دام أنه أصبح نهائيًا فإنه يكون غير قابل للطعن فيه بأي طريق حتى ولو كان ذلك لعدم الاختصاص.
بحث في قانون الشفعة وقانون التسجيل عبد الوهاب محمد المحامي
مجلة المحاماة - العدد العاشر
السنة الخامسة –– يوليه سنة 1925
أبحاث قانونية وشؤون قضائية
بحث
في قانون الشفعة وقانون التسجيل
على أثر صدور القانون الخاص بالتسجيل قضى بعض المحاكم بعدم قبول دعاوى الشفعة التي لم يسجل المشترون فيها عقودهم مع إلزام رافعيها بالمصاريف وحفظ الحق لهم في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من التاريخ الذي يسجل فيه المشتري عقده، وهذا بحجة أن القانون المذكور نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل وهذا رأي خطأ معطل لحق الشفعة الذي أقره الشرع والقانون معًا ومخالف للمبادئ والنصوص القانونية الصريحة، ويظهر هذا للقارئ بأجلي وضوح من البيانات الآتية:
( أ ) أن البيع شيء وانتقال الملكية للمشتري شيء آخر، فالبيع هو اتفاق إرادتي البائع والمشتري أحدهما على البيع والآخر على الشراء مع توافقهما على المبيع وثمنه. وأما انتقال الملكية للمشتري فهو نتيجة للبيع الذي يتم بتوفر أركانه المذكورة أي أنه ليس منه ولا ركنًا فيه بل ولا شرط صحة، وهذا متفق عليه من العلماء أجمع فضلاً عن النص عليه صريحًا في المادتين (236) و(266) مدني حيث بينت الأولى أركان البيع ونصت الثانية على أن انتقال الملكية للمشتري إنما هو نتيجة للبيع، ومن هذا يظهر خطأ المحاكم المذكورة مجسمًا فيما ذهبت إليه من تعليق الحكم بالشفعة على انتقال الملكية للمشتري بتسجيله عقده لأن الشفعة إنما تترتب على البيع وتوجد بوجوده لا على نتيجته التي هي انتقال الملكية ولا عن الاثنين مجتمعين كما ستراه بعد، ولو فرقت بينهما طبقًا لأحكام القانون وللمبادئ المتفق عليها من علماء الدنيا وتعرفت من طريق الشرع والقانون أن حق الشفعة يوجد من حيث يوجد البيع لا من حيث يوجد التسجيل الذي هو من عمل المشتري وحده لما وقعت فيما وقعت فيه من الخطأ.
(ب) كان انتقال الملكية يحصل بالنسبة للمتعاقدين بمجرد العقد وبالنسبة للغير بالتسجيل فجاء قانون التسجيل مسويًا بين الجميع في الحكم حيث نص على عدم انتقال الملكية حتى بالنسبة للمتعاقدين إلا بالتسجيل. وهذا النص لا يفهم منه البتة أن الشارع أراد أن يزيد على أركان البيع المعروفة ركنًا آخر جديدًا لا يتم ولا يقع بدونه وهو التسجيل حتى كان يصح القول بعدم وجود حق الشفعة لعدم وجود البيع بفقدانه ركنًا من أركانه، بل الذي يفهم منه هو أن الشارع أراد تعليق انتقال الملكية للمشتري على قيامه هو بتسجيل عقده أي أنه أراد تعليق نتيجة البيع على التسجيل حثًا للمشتري على التسجيل حتى تمتنع المنازعات التي كانت تنشأ من عدم التسجيل أو نقل، ويؤيد هذا من القانون المذكور أنه لم يحدد موعدًا للتسجيل بل ترك المشتري حرًا في اختيار الوقت الذي يسجل فيه عقده، ومعنى هذا أن البيع تام وحصل من قبل التسجيل وإلا لما أباح له التسجيل في الوقت الذي يختاره أو لحتم حصول التسجيل في مجلس العقد، على أن جواز التسجيل للمشتري في أي وقت شاء معناه أن التسجيل ليس ركنًا في البيع وأن انتقال الملكية بالتسجيل شيء غير البيع، وإذًا تكون المحاكم المذكورة مخطئة في رأيها لأن الشفعة مترتبة كما تقدم على البيع لا على انتقال لملكية.
(جـ) أن تعليق حق الشفيع على تسجيل المشتري خطأ لأنه في حالة القضاء له بالشفعة يعتبر متلقيًا للعين المشفوعة عن البائع لا عن المشتري وكل ما له من الضمانات القانونية يثبت له قانونًا على البائع دون المشتري ويكون حكمه بمثابة عقد بيع مبتدأ صادر له من البائع ومتى سجل هذا الحكم انتقلت الملكية إليه سواء كان المشتري سجل عقده أو لم يسجله.
(د) أن في الأخذ برأي المحاكم المذكور تعطيلاً للشفعة لأن التسجيل موكول لمشيئة المشتري، وهذا قد لا يسجل عقده حتى تمضي المواعيد المقررة لسقوط حق الشفعة وقد لا يسجل بالمرة لثقته بالبائع واكتفاءً بوضع يده حتى تمضي الخمس سنين المنصوص عليها في المادة (76) مدني فتنتقل له الملكية من هذا الطريق بدلاً من طريق التسجيل وفي كلتا الحالتين يكون حق الشفعة قد قضى نحبه.
(هـ) وفي أحكام المحاكم المذكورة مخالفة ظاهرة لقانون الشفعة وقضاء عليها حيث حفظت الحق للشفيع في العودة إلى الطلب في ظرف خمسة عشر يومًا من تاريخ التسجيل إذا حصل، ومفهوم ذلك أنه لا شفعة إذا لم يحصل التسجيل، وهذا خطأ لأن قانون التسجيل لم يشر إلى تعديل قانون الشفعة أو تقييده يقيد التسجيل، كما أنه لم يشر إلى تعديله من جهة جعل الخمسة عشر يومًا المقررة لإبداء الرغبة وعرض الثمن مبتدأة من تاريخ التسجيل بدلاً من أن تكون مبتدأة من تاريخ العلم بالبيع كما قضت المادة (19) وفي مقدور المشتري في حالة رفع الدعوى الجديدة بعد التسجيل أن يدفع بسقوط حق الشفيع في الشفعة لمضي خمسة عشر يومًا من تاريخ العلم بالبيع ولا يحولن بينه وبين هذا الدفع حفظ الحق للشفيع في الحكم السابق من رفع دعوى جديدة لأن عبارة حفظ الحق ليست من الأحكام في شيء ولا يتقيد بها القضاء في الدعوى الجديدة، ومن الخطأ في هذه الأحكام أيضًا أنها ألزمت رافعيها بالمصاريف مع أنها مرتكزة على عدم حصول التسجيل الذي هو من عمل المشتري وكان يجب لهذا السبب إلزامه بجميع المصاريف حتى غير الرسمية.
هذا ما عنَّ لي في هذا الموضوع أعرضه على حضرات المشتغلين بالقانون ليبدوا رأيهم فيه فيتبين وجه الصواب والله ولي التوفيق.
عبد الوهاب محمد المحامي |
المرافعات المدنية والتجارية والنظام القضائي في مصر محمد صبري أبو علم
قوة الأحكام الجنائية أمام المحاكم المدنية مرقس فهمي
مجلة المحاماة - العدد الثامن
السنة الثالثة - عدد مايو
قوة الأحكام الجنائية أمام المحاكم المدنية
البحث الأول: أثر الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية:
يتناول بحثنا في هذا الموضوع بيان المسائل الآتية:
الأولى: فقه المحاكم المصرية فيه.
الثانية: آراء علماء القانون الفرنسوي وفقه المحاكم الأفرنسية.
الثالثة: مذهب القانون المصري وكيف يجب تطبيقه في هذا المقام.
1 - فقه الأحكام المصرية
قد يندفع المترافعون مع مصلحتهم فيرى كل منهم أن هذه مسألة بسيطة، الرأي الصحيح فيها ما كان موافقًا لطلباته، فإذا عثر على حكم يؤيد رأيه قال إن هذا ما أجمعت عليه الأحكام، وفي هذا من النقص في البحث وتعقيد مأمورية القاضي ما لا يسهل معه [(1)] وجهها الصحيح.
الواقع أن المسألة دقيقة معقدة، وقد اختلفت فيها الأحكام اختلافًا بينًا، بل قد اختلفت فيها الدائرة الواحدة، فقضت برأي ثم عدلت إلى نقيضه.
في 31 أكتوبر سنة 1901 قررت محكمة الاستئناف (دائرة المستر بوند) أن الحكم الجنائي لا أثر له أمام المحكمة المدنية وهذا نص أسباب الحكم حرفيًا:
(حيث إنه لا يوجد نص في القانون يقضي بجعل المحاكم المدنية مرتبطة بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية فيسوغ إذن لهذه المحكمة أن تنظر في دعوى تزوير العقد بالطرق المدنية).
(وحيث إن عبد الحافظ محمد أحد المستأنفين لم يطلب من هذه المحكمة الحكم بتعويض كما طلب أمام محكمة الجنح بصفته مدعيًا بحق مدني بل إن غاية ما يطلبه هو تزوير العقد) (المجموعة الرسمية السنة 4 عدد (15) صحيفة نمرة 37 – 39).
ظاهر من هذا البيان أن واقعة الدعوى التي صدر فيها الحكم أن دعوى التزوير الجنائية كانت قد تعلقت أمام القضاء الجنائي وأن النزاع فيها كان منظورًا بين المتمسك بالعقد وبين المدين فيه، وكان هذا الأخير داخلاً في الخصومة مدعيًا بحق مدني، فصدر الحكم بالبراءة في وجه الخصمين، ثم لما جاء دور المرافعة المدنية طعن المحكوم ضده بالتزوير مرة أخرى أمام المحكمة المدنية فقررت محكمة الاستئناف أن الحكم الجنائي الصادر في الدعوى العمومية وفي الدعوى المدنية معها لا قيمة له أمامها، لا لأنه صادر بالبراءة وأحكام البراءة هي وحدها التي لا يحتج بها أمام المحاكم المدنية كما يقول البعض استدلالاً بأقوال علماء القانون الفرنسوي، بل بناءً على ذلك المبدأ العام المقرر في الحكم بكل جلاء ووضوح وهو استقلال كل من القضائين الجنائي والمدني عن بعضهما استقلالاً لا يجعل لأحكام أحدهما أثرًا أمام الثاني لاختلاف الخصومة موضوعًا وسببًا، وإذا رجعنا إلى هذا المبدأ الأصلي في تحديد أركان الأحكام الانتهائية فلا فرق بين أحكام البراءة وأحكام العقوبة.
في سنة 1904 عرض الموضوع نفسه على جلسة أخرى (دائرة سعد زغلول) فذهبت إلى نقيض ما ذهبت إليه الدائرة السابقة، بل وبالغت في الرأي إلى حد الاحتجاج بالحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية وخضوع هذه المحكمة له وأن صدر بالبراءة خضوعًا مطلقًا في جميع تقريراته، حتى في ما خرج عن اختصاص المحكمة الجنائية كالتقرير بصورية العقد.
غير أن هذا الحكم وحيد في نوعه بل لا نجد له مثيلاً لا في الأحكام الأفرنسية ولا في آراء العلماء هناك فإنهم يرجحون كما سنرى الارتباط بالحكم الجنائي إذا صدر بالعقوبة، أما حكم البراءة فلا يعتد به، ثم إنهم مع اتفاق جمهورهم على هذا المبدأ يحددونه بأن يكون ما حكم فيه القاضي الجنائي داخلاً ضمن اختصاصه المحدد بوقائعه المعروفة وليست صورية العقد منها.
في 13 فبراير سنة 1909 عرضت المسألة على محكمة النقض والإبرام (رئاسة المستر بوند أيضًا) فاضطرب رأيها في الموضوع، فقررت في الحكم مبدأ ثم خرجت في التطبيق عن قبول نتائجه القانونية، لهذا رأينا الحكم لا يقبل من المدعي المدني الرجوع إلى دعوى التزوير أمام محكمة الجنح بعد الحكم فيها مدنيًا بناءً على استقلال القضائيين، بل قضى بأن المحكمة الجنائية يجب عليها أن تحترم الحكم المدني ولكن في علاقات الخصمين المترافعين وحدهما فللحكم قوة الشيء المحكوم فيه فيما يختص بالحق المدني، أما فيما يختص بالتزوير الجنائي وهو موضوع الدعوى العمومية فالحكم المدني لا أثر له بناءً على استقلال القضائين فقبلت الدعوى العمومية وقضت بعدم قبول الدعوى (1).
قد يفهم أن هذا ليس عدولاً عن مبدأ الحكم الأول، لأن في قبول الدعوى العمومية تأييدًا لاستقلال المحكمة الجنائية وعدم خضوعها لحكم المحكمة المدنية، وهذا معنى استقلال القضائين عن بعضهما ذلك الاستقلال المقرر في حكم سنة 1901.
غير أن هذا خطأ لأن حكم سنة 1901 قبل النزاع المدني بين نفس الخصمين اللذين ترافعا أمام المحكمة الجنائية وصدر الحكم في خصومتهما، وفي الموضوع المتفرع عن نفس الواقعة التي كانت محلاً للمرافعة الجنائية فكان يجب على هذا أن تقبل مرافعة المدعي المدني أمام المحكمة الجنائية رغمًا عن مرافعته أمام المحكمة المدنية فعدم قبول الدعوى قيد من قيود الاستقلال الذي تقرر في الحكم الأول.
وأظهر من هذا أن المبدأ المقرر في حكم سنة 1901 إنما سببه القضائي اختلاف الخصومتين أمام القضاء الجنائي والمدني موضوعًا وسببًا، فإن الخصومة الجنائية موضوعها تعويض والمدنية موضوعها نفس الحق المدني المتنازع عليه في ذاته، وسبب الخصومة الجنائية واقعة وسبب الخصومة المدنية رابطة قانونية مستفادة من عقد متنازع فيه، ووضع النظرية على هذا الأساس – وهو أساس متين - يقتضي أن لا يكون للحكم المدني أثر أمام المحكمة الجنائية.
على أن قبول الدعوى الجنائية بناءً على استقلال القضائين كان يترتب عليه حتمًا قبول الدعوى المدنية لأن كل واقعة جنائية إذا ثبتت تقتضي حتمًا وبمجرد إثباتها حق التعويض لمن وقعت عليه، وليس من الممكن أن يقرر القضاء أن جناية وقعت على زيد ثم يقضي في الوقت ذاته أن المجني عليه لا تعويض له فليس من الجنايات ما لا يجوز تعويض ضرره أو إزالة آثارها المدنية الظالمة.
الذي نفهمه أن لا جناية بغير مجني عليه وأن انعدام شخص المجني عليه يجعل الجناية مستحيلة فالدعوى العمومية مستحيلة الوجود بل مستحيلة التصور لأنه لا يمكن تعليق واقعتها في الهواء أو حصرها في حيز الفكر والوهم النظري.
لهذا قلنا إن الحكم مضطرب وما عنينا بشأن اضطرابه إلا بيانًا لخطورة المسألة وأهميتها، وتعلقها بمبادئ عديدة قد يغيب على ذهن الباحث بعضها ويحضره البعض، فيثبت رأيه على ما لا يوافق الأحكام المقررة في القانون أو المستفادة من مبادئه، ويكفي مطالعة أسباب الحكم ليتبين كيف أن المسألة دقيقة وكيف أن هذه الأسباب تدل على عدم اتفاق الحكم مع المبدأ الذي تقرر في حكم سنة 1901.
يقول الحكم ما نصه:
(وحيث إن هذه الدعوى قد توفرت فيها كافة الشروط المطلوبة لتطبيق مبدأ قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا على الدعوى المرفوعة من المدعين بالحق المدني لأن الخصوم هم أنفسهم في كل من الدعويين ويعتبر أن المطلوب في الدعويين واحد، والسبب فيهما واحد أيضًا متى كانت الدعويان مختصتين بشيء واحد ولو اختلف وصفهما والمسألة المطلوب الفصل فيها نهائيًا من المحكمة هي وذاتها مبنية على السبب ذاته. المجموعة الرسمية سنة 10 صحيفة 167).
الفرق واضح بين هذا وبين قوله في حكم سنة 1901 أن المدعي لا يطلب من المحكمة المدنية الحكم بتعويض كما طلب أمام محكمة الجنح، بل هو يطلب الحكم بتزوير العقد نفسه مدللاً بذلك على اختلاف الخصومتين موضوعًا وسببًا، أما هنا فقد أصبحت الخصومتان المختلفتان خصومة واحدة لمجرد تعلقهما بواقعة واحدة وهي الواقعة الجنائية المطروحة أمام القضائين.
في 21 يناير 1913 حكمت محكمة الاستئناف (دائرة يحيى باشا) على خلاف حكم سنة 1901 وعلى خلاف حكم سنة 1909 من حيث المبدأ والنتيجة فقررت أن الحكم بالبراءة ترتبط به المحكمة المدنية فيمنع من الرجوع إلى دعوى التزوير مدنيًا.
يقول الحكم ما نصه:
(وحيث بناءً على ذلك تكون تهمة التزوير قضي فيها نهائيًا والدعوى الحالية المطلوب فيها إلغاء عقد الرهن ومحو التسجيلات المتوقعة مبنية فقط على الادعاء بتزوير هذا العقد الذي يرجع فيه إلى الحكم الصادر في دعوى التزوير. مجموعة سنة 14 عدد (50).
عُرضت المسألة أخيرًا على محكمة النقض في أول يوليو سنة 1918 فأيدت من جديد مبدأ حكم سنة 1901 القائل باستقلال القضائين، واختلاف الخصومتين موضوعًا وسببًا وعدم جواز تقيد أحد القضائين بحكم الآخر ورجعت عن حكم سنة 1909 رجوعًا صريحًا.
جاء في حكم النقض ما نصه:
(وحيث بناءً على ذلك تكون الدعوى الحالية المؤسسة على الضرر المادي والأدبي الذي لحق بالمدعي المدني أثناء سير القضية المدنية لسبب التزوير تعتبر دعوى يختلف موضوعها اختلافًا تامًا عن دعوى المطالبة بالدين التي حكمت فيها المحكمة المدنية كما أن القيمة المطالب بها في كليهما مختلفة أيضًا فلا يصح القول والحالة هذه بسبق الفصل في دعوى التعويض الحالية. مجموعة سنة 20 عدد 2).
وإذا جاز بعد بيان أحكام محكمة الاستئناف وأحكام محكمة النقض والإبرام أن نذكر على سبيل إتمام البحث ما نشر من أحكام المحاكم الابتدائية التي رأت إدارة المجموعة نشرها لأهمية مباحثها، فإن في المجموعة حكمين صادرين من محكمة بني سويف بصفة استئنافية وهذا بيان كل منهما.
حكم 6 يناير سنة 1910 جاء في بحث مطول ما نصه:
إن مبدأ قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا المنصوص عنه في المادة (232) مدني لا يمنع من إقامة الدعوى العمومية مباشرةً لأن الأحكام المدنية فصلت في حقوق مختلف موضوعها وسببها عن موضوع وسبب الحق المطلوب في الدعاوى الجنائية. مجموعة سنة 11 عدد 46).
وحكم 3 فبراير سنة 1912 جاء فيه ضمن بحث مستفيض أيضًا ما نصه:
(حيث إنه ليس يوجد في القوانين المصرية نصوص تشير إلى أن للأحكام الجنائية قوة الشيء المحكوم فيه نهائيًا على الدعاوى المدنية المتفرعة من الجرائم مثل النصوص الموجودة في القوانين الفرنسوية. المجموعة سنة 1913 عدد 118).
واضح إذًا من هذا أن فقه المحاكم وإن اعتراه شيء من الضعف والاضطراب، إلا أن أكثر مظاهره ومعها حكم النقض والإبرام الأخير (يونيو سنة 1918) صريحة في تقرير مبادئ الاستقلال بين السلطتين المدنية والجنائية، والاختلاف بين الخصومتين المدنية والجنائية اختلافًا يلحق بالموضوع وبالسبب، وعلى هذا فلا يحتج أمام إحداهما بقوة الشيء المحكوم فيه بناءً على حكم الأخرى، بل كل سلطة إنما تتقيد بالحكم الذي يصدر منها، وكل سلطة حرة في بحث الموضوع المطروح أمامها من جديد كأنه لم يصدر فيه قضاء، وذلك حتى بين الخصمين اللذين قامت خصومتهما أمام القضاء الجنائي ثم رجعا للمرافعة أمام المحكمة المدنية أو بالعكس.
2 - علماء القانون الأفرنسي
إذا كان قانوننا منقولاً عن القانون الأفرنسي وكان من الواجب أن نرجع إلى ما أجمع عليه العلم والعمل هناك لحل النقط الغامضة وهي كثيرة، فمما لا خلاف فيه أنه يجب أن لا تكون هذه المراجعة قاصرة على مجرد حفظ ما ورد في تلك المطولات وتطبيقه على قانوننا بدون ملاحظة الفوارق بين القانونين إن وُجدت.
نقول هذا لأننا لاحظنا في كل بحث في هذا الموضوع اقتصار الباحثين على نقل ما ورد في داللوز وأحكام المحاكم المنشورة فيه، فيقولون إن الإجماع مقرر هناك على أن للأحكام الجنائية أثر قطعي أمام المحكمة المدنية، خصوصًا إذا قامت الخصومة الجنائية بين المتهم وبين المدعي المدني فيجب أن يكون القضاء عندنا على هذا المبدأ لاتفاق القانونين.
الواقع أن بين القانون الأفرنسي وبين القانون المصري خلاف كبير في النصوص وما كان هذا الخلاف عفوًا.
ففي فاتحة قانون تحقيق الجنايات نص صريح (المادة 3) يقضي أن الجنائي يوقف المدني، وفيه نص أيضًا (المادة 463) يقضي صراحةً بأن المحكمة الجنائية عند الحكم بالتزوير ولو في غيبة المدعي المدني يجب عليها أن تعدم الورقة المزورة.
استنتج العلماء هناك من هذه النصوص الصريحة - وجرى العمل على استنتاجهم - أن المحاكم المدنية ملزمة أن تحترم الأحكام الجنائية، لأن الشارع لو لم يرد ذلك لما أوقف الدعاوي المدنية حتى يفصل في الدعاوي الجنائية، ولأنه إذا لم يرد ذلك لما أعطى للمحكمة الجنائية حق إعدام الورقة وفي هذا من قطع طريق البحث أمام المحكمة المدنية ما هو واضح.
على أن وجود هذين النصين مع قوة الحجة المستفادة منهما لم يمنع بعض العلماء هناك ومن أكابرهم (توليه Toullier) و(أرمان داللوز Arman Dalloz) أن يذهبا إلى أن أحكام المحاكم الجنائية لا قيمة لها أمام المحاكم المدنية إذا كان في الخصومة شخص لم يكن خصمًا في الحكم الجنائي، وقد قامت في هذا الموضوع مناظرة مشهورة لا محل لبيانها تفصيلاً.
كذلك لم يكن لهذين النصين أثر يجعل المبدأ المستفاد منهما واجب التطبيق على إطلاقه، فذهب بعض الأحكام إلى الأخذ بمبدأ الاستقلال بين القضائين الجنائي والمدني بسبب الاختلاف بين الخصومتين المدنية والجنائية موضوعًا وسببًا.
جاء في داللوز جزء (8) باب (الشيء المحكوم فيه) صحيفة (458) فقرة (549) ما تعريبه:
(ومع هذا فقد حكم طبقًا لرأي توليه وداللوز...
2 - أن الواقعة التي تثبت في حكم جنائي لا تنهض حجة أمام القاضي المدني.
3 - وأن الحكم الجنائي ليس له قوة الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية لكنه يعتبر قرينة يجوز للقضاة إذا ضموها إلى قرائن أخرى أن يعتبروا المجموع مؤديًا لتوجيه اليمين المتممة).
ثم قال:
(ومن رأينا أيضًا أنه يجوز لمن حكم عليه بتقليد اختراع غيره أن يرجع أمام المحكمة المدنية إلى النزاع في هذا الموضوع بناءً على أدلة لم تُطرح أمام المحكمة الجنائية).
كذلك لم تكن هذه النصوص بمانعة من اتفاق جمهور العلماء هناك على أن أحكام البراءة لا قيمة لها أمام المحكمة المدنية إلا في أحوال خاصة ففرقوا بين أحكام البراءة المبنية على أن الواقعة لم تحصل أصلاً، وبين الأحكام المبنية على أن المتهم لم يرتكب الواقعة أو أن الأدلة غير كافية، وجعلوا لكل حالة حكمًا.
على أن عيوب هذه النظرية في جملتها لا تخفى ولا يلزم لتفنيدها كثير من التعمق في المسائل القانونية:
فأولاً: أن التفرقة بين حكم العقوبة وبين حكم البراءة والقول إن الأول حجة والثاني لا أثر له إنما هي تفرقة لا مبرر لها من جهة القانون ثم لا يمكن قبولها لا عقلاً ولا قانونًا، لأنه لا يمكن أن يكون عمل السلطة الواحدة نافذًا في حالة وغير نافذ في أخرى، وهي تعمل في الحالتين بصفتها سلطة قانونية مختصة لا يمكن الطعن على عملها بتجاوز حد الاختصاص ولا بالبطلان، فلو كانت أحكام لها حجة قاطعة لوجب أن تكون كذلك سواء صدرت بالعقوبة أو بالبراءة.
وثانيًا: لأن البحث في معرفة سبب البراءة والخضوع إلى هذا السبب خروج بالمحاكم والمترافعين عن كل مبادئ القانون فإن قوة الشيء المحكوم فيه محددة برواية الحكم وحدها، أما أسباب الأحكام سواء كانت واقعية أو قانونية فهي آراء لا يتقيد بها أحد، ولا نفس القاضي الذي كتبها بيده فهي من باب أولى لا تقوم حجة على محكمة أخرى وفي خصومة غير الخصومة التي صدرت فيها.
وقد لاحظ هذه العيوب كل من A. Dolloz وToullier استدلالاً على أن مبدأ التمسك بالحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية، إذا كان صادرًا بالعقوبة، مبدأ مشكوك في صحته بل مخالف لأحكام القانون العامة.
هذا مركز المسألة التي نبحثها في قانون قرر بصريح العبارة في مادتين مختلفتين ما يفيد على رأي الجمهور أن للقضاء الجنائي أمام المحكمة المدنية رأى نهائي لا يقبل النزاع بوجه من الوجوه، فلم يبقَ علينا إلا بيان المسألة وفقًا للقانون عندنا.
3 - حكم القانون المصري
يتناول الشارع المصري القانون الأفرنسي ليقتبس منه (بعد أن جرب تشريعه قرنًا إلا قليلاً فأظهرت الحوادث عيوب بعض نصوصه ودل العلماء بأبحاثهم على مواطن الضعف فيها، وقام الخلاف بينهم في تفسير الغامض منها) فوجد النص الأول من قانون تحقيق الجنايات (المادة 3) التي أشرنا إليها وهي تقضي بأن المحكمة المدنية يجب عليها عند قيام خصومة جنائية أن توقف الفصل في الخصومة المنظورة أمامها. قرأها الشارع وهو ينقل النصوص نقلاً يكاد يكون حرفيًا لكنه ترك هذا النص تركًا لا شك في أنه مقصود، ولا يستطيع أحد التدليل على أن قصد الشارع المصري هو المحافظة على استقلال القضائين استقلالاً تامًا كاملاً بأكثر من هذا العمل الذي لا يقبل نزاعًا ولا جدلاً.
قلنا إن هذا نصًا ليس وحيدًا بل هناك نص آخر (مادة 463) وهو نتيجة لذلك النص الأول فلما وصل إليه شارعنا تركه أيضًا، ولم ينقله ضمن نصوصه، فعمل الشارع إذًا عمل مقصود ومتماسك في أجزائه، فاتفق قصد الشارع في أول القانون مع قصده في أواخره فلا سبيل لحمل هذا الموقف على مجرد ترك نص أو إهماله عفوًا.
وفي الواقع فإن هاتين المادتين لا يتطابق حكمهما مع أية قاعدة من قواعد القانون الأفرنسي ولا مع مبادئه، وقد كانت سببًا في ذلك الخلاف الذي أشرنا إليه كما كانتا سببًا في شذوذ جمهور العلماء والأحكام عن الأصول المتفق عليها. فرأيناهم بعد خلطهم بين القضائين الجنائي والمدني، وبعد أن غرهم النص فجعلوا يلتمسون له عذرًا بتوحيد الخصومتين المدنية والجنائية وجعلها خصومة واحدة متحدة في الموضوع والسبب، وهذا ما لا يتفق مع الواقع ولا يقول به العقل، رأيناهم بعد كل هذا قد اضطروا إلى اعتبار أسباب الأحكام الجنائية هي بذاتها أحكامًا نهائيًا ليجدوا من ذلك سبيلاً يحققون به بعض المتناقضات الناشئة عن مبدأ خضوع المحاكم المدنية لأسباب القضاء الجنائي فخرجوا من خطأ إلى غيره يقصدون بذلك إصلاح الخطأ الأول فأعطوا للمحكمة المدنية حق الخروج من قوة رواية الحكم بناءً على سبب من أسبابه، لعلهم بذلك يصلون إلى بحث القضية من جديد.
وحتى لا يبقى شك في نفس الباحث ليحكم بأن خلو قانوننا من نصوص القانون الأفرنسي من شأنه أن يجعل المبدأ عندنا على خلاف ذلك المبدأ المقرر هناك، يحسن أن ننقل على سبيل المثال رأي بعض العلماء القائلين باتخاذ الأحكام الجنائية حجة أمام المحكمة المدنية، فإنهم يقررون صراحةً أنه لولا هذين النصين لكان إجماعهم معنا وعلى خلاف ما ذهبوا إليه، ونختار من بينهم من عُني ببحث مسألة قوة الشيء المحكوم فيه، فوضع لها مجلدًا خاصًا (لاكوست lacoste).
يقول هذا الأستاذ في صفحة (363) و(364):
(الحكم يقوم حجة مانعة من تجديد النزاع بشرط اتحاد موضوع الخصومة في القضيتين واتحاد الخصوم، وقد استنتجوا من هذا أنه للبحث في هل للحكم الجنائي أثر أمام المحكمة المدنية يجب الرجوع إلى هذه القاعدة.
وقد حاول Merlin إثبات أنه يرى في كل من الخصومتين اتحادًا في الموضوع، وفي الأخصام وفي السبب، أما في الخصوم فلأن المدعي المدني تمثله النيابة، وأما في الموضوع فلأن الدعويين المدنية والجنائية وإن اختلفتا في الطلب الفعلي لأن الموضوع في الأولى مطالبة بتعويض الضرر وفي الثانية طلب توقيع العقوبة، إلا أن أساس الطلبين واحد وهو ارتكاب الجنحة. وأما اتحاد السبب فلأن الطلبين ناتجان من واقعة واحدة ولكن توليه (Toullier) يطعن على رأي مرلين ويرى أنه لا اتفاق بين الموضوع ولا بين الخصوم، أما بين الخصوم فلأن المجني عليه لا تمثله النيابة، وأما في الموضوع فلأنه فرق بين توقيع العقوبة وبين طلب التعويض).
ثم قال في صفحة (365) فقرة (1062):
(وإننا نخالف مرلين ومانجين في رأيهما ونرى أن الدعويين المدنية والجنائية تختلفان باختلاف الخصوم).
وبناءً على ذلك فإذا كان هذا الخلاف يجب حله بمقتضى مبادئ قوة الشيء المحكوم فيه على ما تقرر في المادة (1351) من القانون المدني بدون الاستعانة بمواد أخرى فمن الواجب التقرير أن القاضي المدني لا يرتبط بحكم القاضي الجنائي بحال من الأحوال.
هذا ما يجب أن يقف عنده من يريد البحث في القانون المصري، فإنه خلو من أي نص آخر غير المادة (232) مدني (1351 فرنسوي) فلا شك حينئذٍ في أن المبدأ الصحيح عندنا إنما هو القائل بأن المحاكم المدنية لا تتقيد بالأحكام الجنائية، لأن عدم وجود النص الوارد في قانون تحقيق الجنايات الفرنسوي في القانون المصري قاطع في هذا الموضوع وذلك بتقرير نفس أصحاب الرأي القائل بخضوع المحاكم المدنية للأحكام الجنائية في فرنسا.
يظهر من هذا مقدار خطأ الذين أرادوا الأخذ بالمبادئ المقررة في كتب المفسرين والأحكام الأفرنسية واعتبارها مبدأ يجب تطبيقه عندنا على وهم أن القانون واحد هنا وهناك إن لم يكن في النص ففي المبادئ، والواقع أن مبدأ أولئك العلماء مستفاد من نص استثنائي لم يرد في قانوننا، ويقول المفسرون إنه لولا وجود هذا النص لكان حكمهم على غير ما قرروا.
وجدنا في المجموعة حكمًا أغفلناه عند تحديد فقه المحاكم المصرية في هذا الموضوع لأنه صادر من محكمة دسوق الجزئية فليس من شأنه أن يكون له أثر في تقرير المبادئ على وجه العموم لكنا نشير إليه الآن مثالاً للخطأ الذي ينتج من نقل النصوص الأجنبية وتطبيقها كما هي بدون مراعاة الفارق بين القانونين. وفي الواقع فإن الحكم مسند إلى ما ورد في داللوز في باب قوة الشيء المحكوم فيه، وهذا سنده الوحيد ولا يمكن أن يكون لمثله من الأحكام أي سند آخر، ويقول داللوز صراحةً كما قال lacoste الذي نقلنا رأيه حرفيًا إنه لولا وجود النص في القانون الأفرنسي لكان حكم النصوص والمبادئ أن حكم القضاء الجنائي لا قيمة له أمام القضاء المدني أصلاً.
من المهم في هذا المقام ملاحظة أن الخلاف قائم بين مفسري القانون الأفرنسي في حالة الدعوى المدنية الناشئة عن الجناية مباشرةً، أي ما نسميه في قانوننا (الادعاء بحق مدني) وموضوع الدعوى في هذا المقام طلب تعويض الضرر الناشئ من ارتكاب الجناية، وكل الأحكام التي نقرأها في كتاب lacoste إنما موضوعها الخلاف بين هاتين الدعويين العمومية والمدنية الناشئتين عن واقعة واحدة، ورغمًا عن هذا كان تقرير المفسرين أن هاتين الدعويين مستقلتان طبقًا لقواعد القانون المدني وعلى مقتضى مبادئ قوة الشيء المحكوم فيه.
وما وجدوا سندًا للاحتجاج بالحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية إلا في النصين اللذين ذكرناهما وهما غير موجودين عندنا وإذا كان هذا الخلاف واقعًا حتى فيما يختص بدعوى التعويض الناشئة عن ارتكاب الجناية فما بالك بالدعاوى المدنية الأصلية المستقلة في موضوعها وفي الحق المدني المتنازع عليه، كنزاع في ملك أو في دين فإن الخصومة المدنية المنظورة أمام المحكمة المدنية المختصة لا يمكن لأحد أن يتصورها تابعة للواقعة الجنائية أو ناشئة عنها، فسريان الحكم الجنائي عليها لا نفهم له سببًا، لا من جهة القانون، ولا من جهة الواقع، ولا من جهة العقل.
قلنا إن الشارع المصري أغفل النصين الواردين في قانون تحقيق الجنايات الفرنسوي قصدًا وإنهما في الواقع نصان استثنائيان متناقضان مع جميع أحكام ونصوص مبادئ القانون الأخرى فحكمهما لا يتفق مع أحكام القانون المصري بل يناقضها.
ونريد أن نبين هنا وجوه ذلك التناقض فتظهر الأدلة التشريعية الصريحة قاضية على مبدأ الاحتجاج بالأحكام الجنائية أمام القضاء المدني:
أولاً: يحول دون هذا المبدأ قواعد الاختصاص، وهي قواعد أصلية قررها الشارع محافظةً على المصلحة العامة ولا يمكنه تقريرها من جهة ثم العمل على هدمها من جهة أخرى.
المحكمة الجزئية لا تختص في المسائل المدنية بالحكم في أكثر من ماية وخمسين جنيهًا لكنها تختص بالحكم في عقوبة التزوير ولو كانت الأوراق المدعى بتزويرها تشمل آلافًا.
أمام تقرير الاختصاص بهذه الحدود فإن مبدأ اتخاذ الحكم الجنائي حجة أمام المحكمة المدنية يقضي بالتسليم بأن حكم القاضي الجزئي في دعوى التزوير قد فصل نهائيًا في عقد خارج عن اختصاصه مدنيًا فعطل سلطة المحكمة المدنية المنظورة أمامها الدعوى وهي المختصة وحدها بالفصل فيها، فزال اختصاصها وأصبحت خاضعة لحكم قاضٍ يقول القانون صراحةً إنه غير مختص بالفصل في النزاع المطروح لديه، وإذا تعرض للفصل فيه فعمله باطل لا قيمة له.
أيمكن لأحد أن يوفق بين هذا التناقض توفيقًا فيه مسحة الرشد والتعقل؟
إنه لا سبيل إلى تطبيق القانون بنصوصه الصريحة وبأحكامه المعقولة إلا إذا وضع صراحةً مبدأ الاستقلال بين القضائين استقلالاً تامًا كاملاً، كل يعمل في دائرة اختصاصه المحدودة فالجنائي اختصاصه محدود بتوقيع العقوبة ليس إلا، والمدني اختصاصه الحقوق المتنازع عليها، فلا يجوز لإحدى السلطتين أن تتعدى على الأخرى، ولا تؤخذ أحكامها حجة أمام الأخرى إلى حد إعدام سلطتها وتحويل وظيفة القاضي إلى مجرد تدوين حكم غيره في سجله حتى في دعوى تقررت أنها من اختصاصه وحده وأن قاضي الجناية لا يختص بالفصل فيها بحال من الأحوال.
ثانيًا: كذلك وضع القانون نصًا صريحًا بيّن فيه شروط الاحتجاج بقوة الشيء المحكوم فيه وهي المانعة وحدها للقاضي من إعادة البحث في الدعوى فقرر في مادة (232) مدني أن القاضي لا يمنعه حكم سابق سواء كان صادرًا منه نفسه أو من غيره إلا إذا اتحدت الخصومة في الموضوع وفي السبب وفي شخصية الأخصام وفي صفاتهم، ولا يقول أحد إن المرافعة أمام المحاكم الجنائية يمكن أن يكون موضوعها الحكم بملكية ماية فدان أو خمسمائة فدان، فإن هذا محفوظ طبعًا لاختصاص المحاكم المدنية. ولا يقول أحد إن طلب توقيع العقوبة هو بذاته طلب الحكم بملكية أطيان أو بدين معين، ولا يقول أحد إن طلب التعويض الناشئ عن ارتكاب جنحة هو بنفسه طلب الحكم بالملكية أو بالدين. ولا يقول أحد إن سبب الحكم الجنائي وهو ارتكاب الجنحة هو بذاته سبب الدعوى المدنية وهي الملكية أو العقد المدعى بتزويره.
هذا الخلاف العظيم في جميع أركان الخصومتين من شأنه استقلال القضائين - كل في أحكامه - فكل قاضٍ مقيد باختصاصه، وهو مسؤول عن القيام بواجباته طبقًا للقانون وضميره، لا يهمه في ذلك رأى قاضٍ آخر في مثل ما يعرض عليه.
هذان أمران كليان من أصول التشريع ومن دعائم النظام، فالمصلحة العامة في المحافظة على قواعدهما ظاهرة واضحة، وسنجد فيما يجيء من صريح النصوص التي تفرعت عن هذين الأصلين ما يدل على خطأ الرأي القائل بارتباط أحد القضائين بأحكام الآخر.
ثالثًا: نصت المادة (372) مرافعات أن الحكم المدني الانتهائي تعدل عنه المحكمة إذا حكم بتزوير ورقة أسند إليها الحكم.
وفي هذا النص تصريح بأنه رغمًا عن الحكم المدني بصحة ورقة وبتمليك الحق المقرر بها فإنه يجوز لمحكمة الجنح أن تضرب صفحًا عن هذا الحكم وأن تحكم بتزويرها إذا رأت لذلك وجهًا، وما كان خوف التناقض بين الحكمين سببًا لغل يد القاضي الجنائي حتى لا تظهر تلك الفضيحة الاجتماعية، فضيحة وجود حكم ثبت أنه على غير حق.
ولا يمكن القول هنا إن دعوى التزوير العمومية هي وحدها التي يجوز قبولها دون الدعوى المدنية كما جاء في حكم النقض والإبرام الصادر في سنة 1909 والذي نقلناه في صدر هذا البحث، وذلك لأن قانون تحقيق الجنايات ينص على أن كل جنحة تنظر أمام المحكمة تتبعها حتمًا دعواها المدنية المتفرعة عنها ولا يمكن تصور جنحة بلا مجني عليه من حقه أن يطلب تعويضًا كما قلنا فيما مضى.
وفضلاً عن هذا فإن في حكم المادة (372) قضاء على مذهب عدم قبول الدعوى المدنية أمام محكمة الجنح لأنه ما دام أن الحكم بالتزوير ينتفع به من حكم ضده مدنيًا بنص القانون فله بطبيعة الحال أن يشترك في الخصومة التي تؤدي إليه، وإلا إذا كان ممنوعًا من المرافعة فيها لأنه قد حكم في حقه نهائيًا وليس له حق الخصومة من جديد، فمن البديهي أن الحكم الذي يصدر في الدعوى الجنائية يبقى بالنسبة إليه كان لم يصدر، ولا يجوز له التمسك به أصلاً فتقرير الشارع أن هذا الحكم يجوز للمحكوم ضده أن يتمسك به معناه الصريح أن للمحكوم ضده مدنيًا حق المرافعة من جديد أمام محكمة الجنح ليتوصل إلى استصدار حكم من حقوقه أن يسعى إليه وأن يتخذه لمصلحته لبطلان ذلك القضاء المدني الذي يراه ضارًا بحقوقه.
رابعًا: كذلك تقضي المادة (234) تحقيق جنايات أن الحكم الجنائي الصادر بالعقوبة يجب بطلانه إذا حكم بتزوير شهادة الشهود الذين قام الحكم على شهادتهم.
في هذا المقام لا يخلو الحال من أمرين فإما أن يصدر الحكم ضد الشهود من محكمة الجنح ومعنى هذا أن محكمة الجنح المختصة بالحكم في الشهادة المزورة ليست مرتبطة بالقضاء الجنائي الصادر بالعقوبة وأن احتمال ظهور بطلان تلك العقوبة القديمة لم يكن مانعًا من إجراء سلطة القاضي على أصلها ما دام أنه مختص بموضوع الدعوى المعلقة أمامه وما دام أن هذا الموضوع يختلف عن موضوع الحكم السابق وصيغته ووصفه، فإذا كان نفس القاضي الجنائي غير مرتبط بحكم جنائي سابق فمن باب أولى يكون القاضي المدني غير مرتبط بهذا الحكم ما دام أن الموضوع المطروح أمامه هو من اختصاصه.
وإما أن يصدر الحكم ضد الشهود من محكمة مدنية في حالة سقوط العقوبة بمضي المدة، وفي هذا أيضًا دلالة على أن المحكمة المدنية يجوز لها في دائرة اختصاصها أن تقضي قضاءً يفيد صراحةً وبلا مواربة بطلان الحكم الجنائي.
بناءً على هذا لا ندري لماذا يراد وهذه نصوص القانون الصريحة أن تكون المحكمة المدنية المختصة بالفصل في الملكية وفي العقود المنظورة أمامها ملزمة بالتنازل عن اختصاصها وبالخضوع لحكم قاضٍ يصرح القانون بأنه غير مختص ببطلان العقود لا مباشرةً ولا بالواسطة، وما منع عنه القاضي مباشرةً يبقى بالطبع ممنوعًا عنه على الدوام ولا يجوز التحايل على رفع هذا المنع بطريقة من الطرق، لأن الحيل القانونية قد مضى عهدها ولا تُقبل في عصر التشريع الحاضر.
أما من جهة فائدة الاجتماع فلا ننكر أنه ليس من الحسن ولا مما تطمئن له القلوب أن يقرر قاضي العقوبة بأن زيدًا زور عقدًا، ثم يقرر القاضي المدني أن العقد صحيح، فيظهر أن الجمعية قد عاقبت أحد أفرادها ظلمًا.
نقول هذا غير حسن لكن الجناية الصحيحة أن تغل يد القضاء، وأن يُكرَه القاضي على تجريد رجل من ماله ظلمًا رغبةً في ستر ظلم قد انتهى بتوقيع العقوبة، كأن من واجبات القضاة أن يتضامنوا أو من مصلحة الإجماع أن تستر جناية سابقة بجناية جديدة!!
إنه لمن أسمى الواجبات وأولاها أن يرفع ظلم قُضي به خطأ الإنسان، فإذا ظهر من الظروف ما يسمح بظهور الحق في دائرة القانون فالقضاة آذان واعية وقلوب مضطربة لإعلان الحق لا خوفًا من ظهوره، وإني أرى في تلك الحجة التي يقيمها أصحاب الرأي المخالف سبة للقضاء وإنكارًا لمأموريته الاجتماعية الصحيحة.
ومن غرائب الأمور أن يحتج القائلون بمنع القاضي المدني من سلطته بأن هذا من دواعي الثقة بالأحكام لمنع التناقض بينهما، وما دروا أنهم بمجرد احتمالهم لهذا التناقض قد نزعوا كل ثقة بالحكم القديم فافترضوه ظلمًا يجب عدم البحث فيه، ثم هم من جهة أخرى قد فرضوا على القاضي المدني واجب التضامن مع القاضي الجنائي في الشر، فسندهم إنما هو الطعن الصريح على عدالة القاضيين الأول والثاني وذلك بحجة المحافظة على هذه العدالة نفسها!!
إنما مصلحة الاجتماع تنحصر في إقامة العدل وفي إعلان الثقة بالقاضي وعدالته ولا يتفق هذا مع الاضطراب المستمر على الأحكام وتخوف العدول عنها، فإن كان هذا العدول بحق، فهو واجب مرغوب فيه والعدالة لا تستقيم بدونه، وإن كان العدول بغير حق محتملاً فهذا طعن على ذمة القاضي المنظور أمامه النزاع الأخير.
إن مصلحة الاجتماع في المحافظة على قواعد الاختصاص وفي المحافظة على قاعدة الشيء المحكوم فيه بحدودها الموضوعية فلا تترك الأحكام فوضى.
ومن غرائب المواقف في هذه المناقشة أن أصحاب الرأي القائل بارتباط القاضي المدني بالحكم الجنائي يرون في الوقت ذاته أن القاضي المدني لا يرتبط به في حالة الحكم بالبراءة ويرون أن القاضي الجنائي لا يرتبط بالحكم المدني المعلن صحة الأوراق ولا يرون في هذه الحالات إخلالاً بقوة الشيء المحكوم فيه، ولا خطرًا على النظام، ولا على الثقة بعدالة الأحكام، ومعنى هذا أن القاضي المدني لا يتقيد بالحكم إلا إذا كان شرًا، أما الخير فلا أثر له أمامه، ولو أنصف أصحابنا وأرادوا أن يكون منطقيين في التدليل مع أنفسهم لتركوا قيد الشر هذا وقالوا إن قواعد القانون ومبادئه وفائدة الاجتماع كل ذلك يستوجب ترك السلطات القضائية حرة تعمل في دائرة اختصاصها إحقاقًا للحق فذلك أفضل وأسلم.
مرقس فهمي |
[(1)] غير واضح بالأصل.