الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 ديسمبر 2021

القضية 156 لسنة 25 ق جلسة 13 / 2 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 240 ص 1446

جلسة 13 فبراير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف والدكتور عادل عمر شريف وتهاني محمد الجبالي.

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (240)
القضية رقم 156 لسنة 25 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وأن مؤدى هذا الشرط ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي.
(2) حق العمل "شروطه أدائه".
لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من بينها في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها.
(3) حق العمل "تنظيمه - إجازة".
الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) سلطة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، الحق في الإجازة السنوية، لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية.
(4) إجازة سنوية "الحق فيها".
المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل عنها العامل ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
(5) إجازة سنوية "لا يجوز أن تتخذ وعاءً ادخارياً".
العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر.
(6) إجازة سنوية "رصيد - تعويض".
كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، تقديراً بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مرده إلى جهة العمل، فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
(7) تعويض "إندراجه في حق الملكية".
الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32، 34) من الدستور، اللتان صان بهما الملكية الخاصة.

---------------
1 - قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وأن مؤدى الشرط ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي.
2 - حيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من بينها في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافياً بها عن غايتها، يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
3 - حيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) سلطة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي - وفقاً للدستور - أن تكون إطاراً لحق العمل.
4 - حيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل عنها العامل ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة، بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه لدواعي مصلحة العمل، وهو ما يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
5 - حيث إن المشرع قد دل بنص الفقرة المطعون عليها من اللائحة المشار إليها، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها أن يرد على العامل سوء قصده، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة قدرها ثلاثة أشهر معتداً بأن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها.
6 - كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام، أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مرده إلى جهة العمل، فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
7 - حيث إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32، 34) من الدستور اللتان صان بهما حق الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها، متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.


الإجراءات

بتاريخ الحادي عشر من شهر مايو سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 4506 لسنة 56 قضائية من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، بعد أن قررت تلك المحكمة وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (110) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية الصادرة في 21/ 12/ 1969، فيما تضمنته من وضع حد أقصى لرصيد الإجازات التي يستحق العامل مقابلاً لها لا يجاوز ثلاثة أشهر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 4506 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، ضد المدعى عليهما طالباً الحكم بإلزام رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية بصرف المقابل النقدي عن كامل رصيد إجازاته الاعتيادية البالغ 223 يوماً التي لم يستنفدها طوال مدة خدمته، وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية المادة (110) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية فيما تضمنته من حرمان العامل من رصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز الثلاثة أشهر، لتضمنه ذات الحكم الوارد بالفقرة الأخيرة بالمادة (65) من قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والذي قضى بعدم دستوريته، فقد قررت المحكمة بجلسة 5/ 5/ 2003 وقف الدعوى وإحالتها إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذا النص.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، وأن مؤدى هذا الشرط ألا تفصل المحكمة في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي، متى كان ما تقدم، فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة والذي تتحقق به المصلحة في هذه الدعوى إنما ينحصر فيما تضمنته المادة المطعون عليها من وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية للعامل لا يجاوز أجر ثلاثة أشهر.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وأثاراً يرتبها، من بينها في مجال حق العمل - ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا ينتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بينة العمل ذاتها، أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافياً بها عن غايتها، يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) سلطة تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي - وفقاً للدستور - أن تكون إطاراً لحق العمل.
وحيث إن المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية والمعنوية، ولا يجوز بالتالي أن ينزل عنها العامل ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة، بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه لدواعي مصلحة العمل، وهو ما يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية.
وحيث إن المشرع قد دل بنص الفقرة المطعون عليها من اللائحة المشار إليها، على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاًء ادخارياً من خلال ترحيل مددها ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها أن يرد على العامل سوء قصده، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة قدرها ثلاثة أشهر معتداً بأن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها، بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ - وكأصل عام، أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التي امتد إليها الحرمان من استعمال تلك الإجازة مرده إلى جهة العمل، فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
وحيث إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان (32، 34) من الدستور اللتان صان بهما حق الملكية الخاصة، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها، متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (110) من لائحة العاملين بالهيئة العامة لتنفيذ مجمع الحديد والصلب المعدل مسماها إلي الهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية بقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 21 لسنة 1993 - والسابق صدورها بقرار مجلس إدارة الهيئة في 21/ 12/ 1969 - فيما تضمنه من وضع حد أقصى للمقابل النقدي لرصيد الإجازات الاعتيادية لا يجاوز أجر ثلاثة أشهر - متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد راجعاً إلي أسباب تقتضيها مصلحة العمل.

القضية 315 لسنة 24 ق جلسة 13 / 2 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 233 ص 1406

جلسة 13 فبراير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (233)
القضية رقم 315 لسنة 24 قضائية "دستورية"

(1) المحكمة الدستورية العليا "اختصاص ولائي: بحثه سابق على الشكل".
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي يتطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلاً للخوض في موضوعها.
(2) المحكمة الدستورية العليا "اختصاصها".
الدستور قد عهد - بنص المادة (175) - إلى المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون.
(3) دعوى دستورية "طرائقها - دعوى مباشرة - عدم قبول".
قانون المحكمة الدستورية العليا قد نظم بالمادتين (27، 29) منه الطرائق التي لا تقبل الدعوى الدستورية إلا بولوجها.

--------------
1 - حيث إنه عن قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 بجدول الفئات الجديدة لأسعار المياه، طبقاً لما وافقت عليه اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي يتطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلاً للخوض في موضوعها.
2 - حيث إن الدستور قد عهد - بنص المادة (175) - إلى المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وبناءً على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، فخولها اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح؛ مانعاً أي جهة أخرى مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد لبناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، مؤكداً أن اختصاص هذه المحكمة - في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية - ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ بما مؤداه ألا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة؛ سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض تلك الرقابة - بالتالي - عما سواها.
3 - قانون المحكمة الدستورية العليا قد نظم بالمادتين (27، 29) منه الطرائق التي لا تقبل الدعوى الدستورية إلا بولوجها، فتخول أولاهما المحكمة الدستورية العليا - حين يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصها نص في قانون أو لائحة يتصل بالنزاع المطروح عليها - أن تحكم بعدم دستوريته بعد اتخاذ الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية. وعملاً بثانيتهما يجوز لمحكمة الموضوع أن تحيل من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا أي نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، إذا تراءى لها مخالفته للدستور. ولها كذلك أن ترخص للخصم الذي دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت الدلائل على جدية دفعه، أن يقيم دعواه الدستورية خلال أجل لا يجاوز ثلاثة أشهر. وبذلك يكون قانون المحكمة الدستورية العليا قد استبعد بدلالة هاتين المادتين الطعون المباشرة التي تقدم إليها عن طريق الدعوى الأصلية، التي لا تتصل المسألة الدستورية التي تطرحها بأية منازعة موضوعية، بل تستقل تماماً عنها، مبتغية بذلك النصوص التشريعية المطعون عليها إبطالاً مجرداً.


الإجراءات

بتاريخ 21/ 12/ 2002، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية: -
أولاً: - القرار الصادر من محافظ السويس بتاريخ 15/ 11/ 1996 بتسعير مياه الشرب للقرى السياحية والشركات الاستثمارية، فيما تضمنه من زيادة الفئات المحددة لسعر بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والقرى السياحية والفنادق والمحال التجارية داخل مدينة السويس.
ثانياً: - قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 بجدول الفئات الجديدة لأسعار المياه طبقاً لما وافقت عليه اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية، وذلك فيما تضمنته من زيادة الفئات المحددة لسعر بيع المياه لشركات الاستثمار عما هو مقرر للشركات والمحلات التجارية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 43 لسنة 2001 تجاري كلي السويس، مختصماً المدعى عليهما الرابع والخامس، بطلب الحكم بتخفيض سعر المتر المكعب من استهلاك المياه بمثل ما تعامل به الشركات والمحلات التجارية والقطاع الريفي بالسويس، ورد الفروق المستحقة عن المبالغ التي قام بسدادها بما يزيد عن السعر المشار إليه، على سند من القول بأن الشركة التي يمثلها هي شركة استثمارية حصلت على الموافقات المقررة وصدر لها الترخيص، وليس لها مصدر لمياه الشرب سوى الخط الذي قامت محافظة السويس بتوصيله في منطقة العين السخنة. وبجلسة 29/ 5/ 2002 حكمت المحكمة برفض الدعوى، فاستأنف المدعي هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسماعيلية "مأمورية استئناف السويس" بالاستئناف رقم 76 لسنة 25 ق تجاري كلي استثمار السويس، طالباً إلغاء الحكم المستأنف والحكم له بطلباته. وأثناء نظر الاستئناف دفع محامي المستأنف بجلسة 4/ 11/ 2002 بعدم دستورية قراري وزير التعمير المؤرخين 8/ 5/ 1985، 8/ 3/ 1988 الخاصين بجداول تسعير المياه في جمهورية مصر العربية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي برفع دعواه الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إنه عن قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و 8/ 3/ 1988 بجدول الفئات الجديدة لأسعار المياه، طبقاً لما وافقت عليه اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي يتطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلاً للخوض في موضوعها.
وحيث إن الدستور قد عهد - بنص المادة (175) - إلى المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون، وبناءً على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، فخولها اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح؛ مانعاً أي جهة أخرى مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد لبناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، مؤكداً أن اختصاص هذه المحكمة - في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية - ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ بما مؤداه ألا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة؛ سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض تلك الرقابة - بالتالي - عما سواها.
وحيث إن القرارين المطعون فيهما والمنسوب صدورهما إلى وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 قد صدرا بشأن توجيهات اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية الخاصة بالأسس والمبادئ التي حددت على أساسها التعريفة الموحدة لمياه الشرب على مستوى الجمهورية، وهذه التوجيهات - ما لم تستند إلى قانون يعهد إلى هذه اللجنة باختصاص محدد في هذا الشأن - لا تعدو أن تكون مجرد توصيات غير ملزمة لا سند لها من أحكام القانون، ولا تعد تشريعاً بالمعنى الموضوعي مما تنبسط عليه رقابة هذه المحكمة.
وحيث إنه فيما يتعلق بالقرار الصادر من محافظ السويس بتاريخ 15/ 11/ 1996 بتسعير مياه الشرب للقرى السياحية والشركات الاستثمارية، فإن قانون المحكمة الدستورية العليا قد نظم بالمادتين (27، 29) منه الطرائق التي لا تقبل الدعوى الدستورية إلا بولوجها، فتخول أولاهما المحكمة الدستورية العليا - حين يعرض لها بمناسبة ممارستها لاختصاصها نص في قانون أو لائحة يتصل بالنزاع المطروح عليها - أن تحكم بعدم دستوريته بعد اتخاذ الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية. وعملاً بثانيتهما يجوز لمحكمة الموضوع أن تحيل من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا أي نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، إذا تراءى لها مخالفته للدستور. ولها كذلك أن ترخص للخصم الذي دفع أمامها بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت الدلائل على جدية دفعه، أن يقيم دعواه الدستورية خلال أجل لا يجاوز ثلاثة أشهر. وبذلك يكون قانون المحكمة الدستورية العليا قد استبعد بدلالة هاتين المادتين الطعون المباشرة التي تقدم إليها عن طريق الدعوى الأصلية، التي لا تتصل المسألة الدستورية التي تطرحها بأية منازعة موضوعية، بل تستقل تماماً عنها، مبتغية بذلك النصوص التشريعية المطعون عليها إبطالاً مجرداً. لما كان ما تقدم، وكان المدعي قد قصر دفعه أمام محكمة الموضوع على قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 ولم يضمنه قرار محافظ السويس سالف الذكر، فإن دعواه تنحل في هذا الشق منها إلى دعوى دستورية أصلية بالمخالفة لنص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا، مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: -
أولاً: - بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بالنسبة إلى قراري وزير التعمير بتاريخ 8/ 5/ 1985 و8/ 3/ 1988 بجدول الفئات الجديدة لأسعار المياه طبقاً لما وافقت عليه اللجنة العليا للسياسات والشئون الاقتصادية والمالية.
ثانياً: - بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى قرار محافظ السويس بتاريخ 15/ 11/ 1996 بتسعير مياه الشرب للقرى السياحية والشركات الاستثمارية.
وفي الحالتين بمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 270 لسنة 24 ق جلسة 9 / 1 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 220 ص 1310

جلسة 9 يناير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد عبد القادر عبد الله ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (220)
القضية رقم 270 لسنة 24 قضائية "دستورية"

(1) المحكمة الدستورية العليا "اختصاصها - رقابة دستورية: محلها".
انحصار الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين بمعناها الموضوعي الأعم، محدداً على ضوء النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية أو الفرعية، وتنقبض - بالتالي - عما سواها.
(2) لائحة "تكييفها يتحدد بمجال سريانها".
كل لائحة تكييفها القانوني بمجال سريانها، انحسار الصفة الإدارية عن اللائحة إذا كان مجال سريانها متصلا بنطاق القانون الخاص، ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصاً من أشخاص القانون العام، أثره: عدم اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة الدستورية على هذه اللائحة.

-----------
1 - إن الدستور قد عهد - بنص المادة (175) - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون؛ وكان المشرع - وبناء على هذا التفويض - قد أصدر قانون المحكمة الدستورية العليا، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، مستبعداً من مهامها ما لا يندرج تحتها، مؤكداً أن اختصاصها في مجال الرقابة القضائية على الدستورية منحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ متى كان ذلك، فإن محل هذه الرقابة، إنما يتمثل في القانون بمعناه الموضوعي الأعم، محدداً على ضوء النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية أو الفرعية، وتنقبض - بالتالي - عما سواها.
2 - جرى قضاء هذه المحكمة أن كل لائحة يتحدد تكييفها القانوني بمجال سريانها، فكلما كانت هذه اللائحة متصلة مباشرة بمنطقة القانون الخاص انحسرت الصفة الإدارية عنها، ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصاً من أشخاص القانون العام، ولا تعتبر - بالتالي - تشريعاً بالمعنى الموضوعي - في نطاق تطبيقها على الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربي - مما تمتد إليه الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية. متى كان ذلك؛ وكان النزاع الموضوعي يدور حول مدى أحقية المدعيين للمقابل النقدي لرصيد إجازتيهما بعد انتهاء خدمتيهما لدى الشركة المدعى عليها الرابع، فإن المادة (92) من اللائحة - المطعون عليها - والتي تضع سقفاً لهذا المقابل لا يجوز للعاملين تخطيه، - وفي مجال سريان أحكامها في شأن الشركات التابعة للهيئة - لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية، متعيناً - والحال كذلك - القضاء بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى.


الإجراءات

بتاريخ التاسع عشر من شهر سبتمبر سنة 2002، أودع المدعيان قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، بطلب الحكم بعدم دستورية نص المادة (92) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للإنتاج الحربي وشركاتها التابعة لوزارة الإنتاج الحربي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة، كما تقدمت الشركة المدعى عليها الأخيرة بمذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم اختصاص المحكمة، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 1574 لسنة 2001 عمال جزئي القاهرة، ابتغاء القضاء بإلزام الشركة المدعى عليها الأخيرة بأن تؤدي لكل منهما المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية البالغ 482 يوماً للأول و390 يوماً للثاني. وبجلسة 4/ 9/ 2001 قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى وبإحالتها لمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية، حيث قيدت برقم 1389 لسنة 2001 عمال كلي جنوب القاهرة، وقضت فيها المحكمة بجلسة 31/ 3/ 2003 برفض الدعوى، وإذ لم يرتض المدعيان هذا الحكم فقد طعنا عليه بالاستئناف رقم 717 لسنة 119 ق. مستأنف القاهرة، وأثناء نظره دفعا بعدم دستورية المادة (92) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للإنتاج الحربي وشركاتها، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعيين برفع الدعوى الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
 وحيث إن البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر دعوى بذاتها سابق بالضرورة على الخوض في شرائط قبولها أو الفصل في موضوعها وتواجهه المحكمة من تلقاء نفسها.
وحيث إن مجلس إدارة الهيئة القومية للإنتاج الحربي وإعمالاً لنص المادة (9) من القانون رقم 6 لسنة 1984 الصادر بإنشائها، كان قد أقر لائحة تنظم أوضاع شئون العاملين بالهيئة والشركات التابعة لها وصدرت بقرار وزير الدولة للإنتاج الحربي رقم 124 لسنة 1995، ونصت في المادة رقم (1) منها على أن: "تسري أحكام هذه اللائحة على جميع العاملين بالهيئة القومية للإنتاج الحربي وشركاتها وغيرها من الأجهزة التابعة لها القائمة أو التي تنشأ مستقبلاً.
وتعتبر هذه اللائحة مكملة ومنفذة لأحكام القانون رقم 6 لسنة 1984 الخاص بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربي، ويطبق فيما لم يرد به نص في هذه اللائحة أحكام القوانين واللوائح الخاصة بالعاملين بهيئات وشركات القطاع العام رقم 97 لسنة 1983...".
وحيث إن المادة الثالثة من القانون رقم 6 لسنة 1984 بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربي تنص على أن: "تمارس الهيئة نشاطها مباشرة أو بواسطة ما يتبعها من الشركات التي يتكون منها قطاع الإنتاج الحربي وقت العمل بهذا القانون". ومن بين هذه الشركات شركة حلوان للصناعات غير الحديدية، وتنص المادة (19) من ذات القانون على أن: "تسري على الهيئة وشركاتها الأحكام المنصوص عليها في قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون...". وكان هذا القانون الأخير قد نص في مادته الثانية على أن: "تسري على شركات القطاع العام فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون الأحكام التي تسري على الشركات المساهمة التي تنشأ وفقاً لقانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981". وإذ خلا القانون رقم 6 لسنة 1984 من بيان الوضع القانوني للشركات التابعة للهيئة، فإنه بمقتضى الإحالة إلى أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 فيما لم يرد به نص خاص تعتبر هذه الشركات من أشخاص القانون الخاص التي تسري في شأنها بالتبعية أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بوصفها شركات مساهمة.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن الفواصل القانونية بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي والشركات التابعة لها تقوم على اختلاف الوضع القانوني للهيئة بوصفها من أشخاص القانون العام، بينما تعتبر الشركة المدعى عليها الرابعة شركة مساهمة من أشخاص القانون الخاص - على النحو الوارد بمذكرة دفاعها - ومن ثم تتحدد الرابطة القانونية بينها وبين عمالها في هذا الإطار.
وحيث إن الدستور قد عهد - بنص المادة (175) - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون؛ وكان المشرع - وبناء على هذا التفويض - قد أصدر قانون المحكمة الدستورية العليا، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، مستبعداً من مهامها ما لا يندرج تحتها، مؤكداً أن اختصاصها في مجال الرقابة القضائية على الدستورية منحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها؛ متى كان ذلك، فإن محل هذه الرقابة، إنما يتمثل في القانون بمعناه الموضوعي الأعم، محدداً على ضوء النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية أو الفرعية، وتنقبض - بالتالي - عما سواها.
وحيث إن النزاع الراهن يتعلق بإحدى الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربي، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن كل لائحة يتحدد تكييفها القانوني بمجال سريانها، فكلما كانت هذه اللائحة متصلة مباشرة بمنطقة القانون الخاص انحسرت الصفة الإدارية عنها، ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصاً من أشخاص القانون العام، ولا تعتبر - بالتالي - تشريعاً بالمعنى الموضوعي - في نطاق تطبيقها على الشركات التابعة للهيئة - مما تمتد إليه الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية. متى كان ذلك؛ وكان النزاع الموضوعي يدور حول مدى أحقية المدعيين للمقابل النقدي لرصيد إجازتيهما بعد انتهاء خدمتيهما لدى الشركة المدعى عليها الرابع، فإن المادة (92) من اللائحة - المطعون عليها - والتي تضع سقفاً لهذا المقابل لا يجوز للعاملين تخطيه، - وفي مجال سريان أحكامها في شأن الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربي - لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية، متعيناً - والحال كذلك - القضاء بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعيين المصاريف ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القضية 104 لسنة 23 ق جلسة 9 / 1 / 2005 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 210 ص 1253

جلسة 9 يناير سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: أنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار وماهر سامي يوسف والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيري طه وتهاني محمد الجبالي.

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (210)
القضية رقم 104 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "تجهيل: انتفاؤه".
ما اقتضته المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا من وجوب أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية بياناً بالنصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور وأوجه المخالفة إنما تغيا ألا تكون الصحيفة مجهلة بالمسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة. إذا كانت الصحيفة قد أبانت - في غير خفاء - المناعي الدستورية - فلا تجهيل.
(2) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية ارتباطها بصلة منطقية بالمصلحة التي يقوم عليها النزاع الموضوعي.
(3) حجز إداري "غايته - استثناء".
غاية القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها، فلا تتقيد بقواعد قانون المرافعات في شأن التنفيذ الجبري. الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها - من غير الجائز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها.
(4) مبدأ الخضوع للقانون "أشخاص القانون الخاص".
يفترض هذا المبدأ تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال مباشرة نشاطها بقواعد هذا القانون ووسائله - الخروج عليها لا يكون إلا لضرورة وبقدرها.
(5) تشريع "البند (ج) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري".
تخويل وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف صلاحية توقيع الحجز الإداري يخالف الدستور.

--------------
1 - ما تغياه قانون المحكمة الدستورية العليا بنص المادة (30) منه من وجوب أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية بياناً بالنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة، هو ألا تكون صحيفة الدعوى مجهلة بالمسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، ضماناً لتعيينها تعييناً كافياً، فلا تثير خفاءً في شأن مضمونها، أو اضطراباً حول نطاقها، ليتمكن ذوو الشأن من إعداد دفاعهم ابتداء ورداً وتعقيباً في المواعيد التي حددتها المادة (37) من ذلك القانون، ولتتولى هيئة المفوضين بعد ذلك تحضير الدعوى، وإعداد تقرير يكون محدداً للمسائل الدستورية المثارة ورأيها فيها مسبباً، ومن ثم فإنه يكفي لبلوغ تلك الغاية أن يكون تعيين هذه المسائل ممكناً، ويتحقق ذلك كلما كان بنيان عناصرها منبئاً عن حقيقتها. لما كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى الماثلة قد أبانت - في غير خفاء - نعى المدعي على النصين المطعون فيهما إخلالهما بمبدأ سيادة القانون وبمبدأ خضوع الدولة للقانون، وذلك بمنحهما الجهة الإدارية ميزة استثنائية خروجاً على القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، تخولها الحق في اقتضاء حقوقها جبراً، بقرار يصدر منها يكون معادلاً للسند التنفيذي، ويتضمن تحديداً لتلك الحقوق سواء تعلق الأمر بمصدرها أو بمقدارها، وهو ما يمثل تحديداً كافياً للنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة الدستورية كما ارتآها المدعي.
2 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري هو الأساس القانوني لقيام الهيئة باتخاذ إجراءات الحجز في الحالة المعروضة، لعدم الوفاء بالإيجار المستحق عن الأطيان الزراعية التابعة لوقف المكاتب الأهلية (وقف خيري)، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي تكون متحققة بالنسبة للطعن على نص هذا البند دون سواه.
3 - القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازاً لصالحها، وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إعمالها في غير نطاقها الضيق الذي يتحدد باستهداف حسن سير المرافق العامة وانتظامها.
4 ، 5- أموال الأوقاف تعتبر بصريح نص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 أموالاً خاصة مملوكة للوقف باعتباره - عملاً بنص المادة (52/ 3) من القانون المدني - شخصاً اعتبارياً، وهو يدخل بحسب طبيعته في عداد أشخاص القانون الخاص، ولو كان من يباشر النظر عليه شخصاً من أشخاص القانون العام، إذ يظل النظر - في جميع الأحوال - على وصفه القانوني مجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص، وفي هذا نصت المادة (50) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف على أن "يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين..." ومن ثم فإن قيام وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية وهيئة الأوقاف كنائبة عنه على شئون أموال الأوقاف، إنما يكون كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص، وعلى ذلك فإن تخويل النص الطعين وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف صلاحية توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المستحقة للأوقاف، مؤداه إلحاق نشاط هذه الأوقاف - في هذا النطاق - بالأعمال التي تقوم عليها المرافق العامة، واعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيلها - دون مقتض - لتلك القواعد الاستثنائية التي تضمنها قانون الحجز الإداري، بما يخالف نص المادة (65) من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون المقرر بها، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها واقتضاء حقوقها بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة وبقدرها، فإذا انتفت تلك الضرورة كما هو حال النص الطعين فإنه يكون قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية.


الإجراءات

بتاريخ 13 من يونيه سنة 2001، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى، طالباً الحكم بعدم دستورية نص البند (ح) من المادة (1)، والمادة (2) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى لثلاثة أوجه أولها: لرفعها بعد الميعاد، وثانيها: لعدم بيان نصوص الدستور المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة الدستورية، وثالثها: لانتفاء المصلحة في الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعي - وهو الحارس على الأشياء المحجوز عليها - للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 26389 لسنة 1998 جنح بلقاس، متهمة إياه أنه بتاريخ 10/ 11/ 1998 بدد الأشياء المحجوز عليها، وهي عبارة عن إنتاج مساحة (12 سهم، 8 قيراط، 2 فدان) كائنة ببلقاس - محافظة الدقهلية، المزروعة أرزاً يابانياً، والمقدر إنتاجها بحوالي (9) طن، والمحجوز عليها لصالح هيئة الأوقاف المصرية وفاء لمبلغ 9292.94 جنيهاً قيمة إيجار سنة 1998 والمتأخرات عن الأطيان الزراعية التابعة لوقف المكاتب الأهلية (وقف خيري) والمؤجرة من الهيئة لورثة عبد النبي محمد يوسف، وقد طلبت النيابة معاقبة المدعي بالمواد (341، 342) من قانون العقوبات، وبجلسة 18/ 3/ 1999 قضت المحكمة غيابياً بحبس المدعي أسبوعاً وكفالة قدرها عشرة جنيهات، وقد عارض المدعي في هذا الحكم، وبجلسة 23/ 11/ 2000 قضى باعتبار المعارضة كأن لم تكن، وإذ لم يرتض المدعي هذا القضاء فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 2712 لسنة 2001 جنح مستأنف المنصورة، وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نص البند (ح) من المادة (1) والمادة (2) من القانون رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، فهو مردود ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - وعملاً بنص البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - أن المهلة التي تمنحها محكمة الموضوع لرفع الدعوى الدستورية، لا يجوز زيادتها إلا من خلال مهلة جديدة تضيفها إلى المدة الأصلية وقبل انقضائها، بما يكفل تداخلها معها، وبشرط ألا تزيد المدتان معاً على الأشهر الثلاثة التي فرضها المشرع كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، فلا يجاوزه من يقيمها.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن محكمة الموضوع بعد أن قدرت جدية الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعي بجلسة 21/ 3/ 2001، أجلت نظر الدعوى لجلسة 16/ 5/ 2001 لتقديم ما يفيد رفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا، ثم قررت المحكمة إضافة مهلة جديدة إلى المدة الأصلية وقبل انقضائها غايتها 4/ 7/ 2001، وهي إن جاءت متجاوزة مدة الثلاثة أشهر المقررة كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية إلا أن الثابت أن المدعي أقام دعواه الماثلة بتاريخ 13/ 6/ 2001، في غضون مهلة الثلاثة أشهر المشار إليها، ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى على هذا الوجه غير سديد، مما يتعين معه القضاء برفضه.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى بقالة خلو صحيفتها من بيان النصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه هذه المخالفة، فهو مردود بأن ما تغياه قانون المحكمة الدستورية العليا بنص المادة (30) منه من وجوب أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية بياناً بالنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة، هو ألا تكون صحيفة الدعوى مجهلة بالمسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، ضماناً لتعيينها تعييناً كافياً، فلا تثير خفاءً في شأن مضمونها، أو اضطراباً حول نطاقها، ليتمكن ذوو الشأن من إعداد دفاعهم ابتداء ورداً وتعقيباً في المواعيد التي حددتها المادة (37) من ذلك القانون، ولتتولى هيئة المفوضين بعد ذلك تحضير الدعوى، وإعداد تقرير يكون محدداً للمسائل الدستورية المثارة ورأيها فيها مسبباً، ومن ثم فإنه يكفي لبلوغ تلك الغاية أن يكون تعيين هذه المسائل ممكناً، ويتحقق ذلك كلما كان بنيان عناصرها منبئاً عن حقيقتها. لما كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى الماثلة قد أبانت - في غير خفاء - نعى المدعي على النصين المطعون فيهما إخلالهما بمبدأ سيادة القانون وبمبدأ خضوع الدولة للقانون، وذلك بمنحهما الجهة الإدارية ميزة استثنائية خروجاً على القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، تخولها الحق في اقتضاء حقوقها جبراً، بقرار يصدر منها يكون معادلاً للسند التنفيذي، ويتضمن تحديداً لتلك الحقوق سواء تعلق الأمر بمصدرها أو بمقدارها، وهو ما يمثل تحديداً كافياً للنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة الدستورية كما ارتآها المدعي، ومن ثم فإن الدفع بعدم قبول الدعوى من هذا الوجه أيضاً يكون في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن صدر المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 والبند (ح) منها المعدل بالقانون رقم 44 لسنة 1958 ينصان على أن "يجوز أن تتبع إجراءات الحجز الإداري المبينة بهذا القانون عند عدم الوفاء بالمستحقات الآتية في مواعيدها المحددة بالقوانين والمراسيم والقرارات الخاصة بها وفي الأماكن وللأشخاص الذين يعينهم الوزراء المختصون.......... (ح) ما يكون مستحقاً لوزارة الأوقاف وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة من المبالغ المتقدمة وكذلك ما يكون مستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً أو حارساً من إيجارات أو أحكار أو أثمان الاستبدال للأعيان التي تديرها الوزارة.....".
وتنص المادة (2) من هذا القانون على أن "لا يجوز اتخاذ إجراءات الحجز إلا بناء على أمر مكتوب صادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال أو من ينيبه كل من هؤلاء في ذلك كتابة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع. وكان البين من استعراض أحكام القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البِرّ، والقانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف، أنها ناطت بالوزارة النظر على الأوقاف الخيرية وإدارة أعيانها، وبهذه الصفة أجاز البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري للوزارة توقيع الحجز عند عدم الوفاء بالإيجارات المستحقة للوقف، وقد خلفت هيئة الأوقاف المصرية الوزارة - إعمالاً لنص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية - في الاختصاص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية والتصرف فيها، وذلك باعتبارها نائبة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على تلك الأوقاف، كما حلت الهيئة - بمقتضى نص المادة (9) من القانون رقم 80 لسنة 1971 - محل الوزارة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات تتعلق بإدارة واستثمار هذه الأموال، وبالتالي أصبح للهيئة بصفتها نائبة عن وزير الأوقاف كناظر للوقف رخصة توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المستحقة للوقف، وهو الأساس القانوني لقيام الهيئة باتخاذ إجراءات الحجز في الحالة المعروضة، لعدم الوفاء بالإيجار المستحق عن الأطيان الزراعية التابعة لوقف المكاتب الأهلية (وقف خيري)، المؤجرة من الهيئة لورثة عبد النبي محمد يوسف، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي تكون متحققة بالنسبة للطعن على نص البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري فيما تضمنه من تخويل وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف الحق في توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بإيجارات الأعيان التي تديرها الوزارة بهذه الصفة.
وحيث إن القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازاً لصالحها، وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إعمالها في غير نطاقها الضيق الذي يتحدد باستهداف حسن سير المرافق العامة وانتظامها. إذ كان ذلك، وكانت أموال الأوقاف تعتبر بصريح نص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 أموالاً خاصة مملوكة للوقف باعتباره - عملاً بنص المادة (52/ 3) من القانون المدني - شخصاً اعتبارياً، وهو يدخل بحسب طبيعته في عداد أشخاص القانون الخاص، ولو كان من يباشر النظر عليه شخصاً من أشخاص القانون العام، إذ يظل النظر - في جميع الأحوال - على وصفه القانوني مجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص، وفي هذا نصت المادة (50) من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف على أن "يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين..." ومن ثم فإن قيام وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية وهيئة الأوقاف كنائبة عنه على شئون أموال الأوقاف، إنما يكون كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص، وعلى ذلك فإن تخويل النص الطعين وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف صلاحية توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المستحقة للأوقاف، مؤداه إلحاق نشاط هذه الأوقاف - في هذا النطاق - بالأعمال التي تقوم عليها المرافق العامة، واعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيلها - دون مقتض - لتلك القواعد الاستثنائية التي تضمنها قانون الحجز الإداري، بما يخالف نص المادة (65) من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون المقرر بها، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها واقتضاء حقوقها بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة وبقدرها، فإذا انتفت تلك الضرورة كما هو حال النص الطعين فإنه يكون قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية.
وحيث إن القضاء بعدم دستورية نص البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري من شأنه عدم جواز اتخاذ إجراءات الحجز المنصوص عليها في المادة (2) من ذات القانون قبل المدعي، ومن ثم فإن الطعن عليها بعدم الدستورية أصبح ولا محل له.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري المعدل بالقانون رقم 44 لسنة 1958 فيما تضمنه من النص على جواز اتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

تقسيم القضايا بحسب نوعها وتوزيعها على الدوائر عزيز خانكي

مجلة المحاماة
السنة الثالثة – عدد يونيه 1923

تقسيم القضايا بحسب نوعها وتوزيعها على الدوائر

تجد في رول الجلسة الواحدة من رولات محاكمنا الأهلية المنازعات المتعلقة بملكية العقارات منظورة مع قضايا السندات والكمبيالات، ودعاوى نزع الملكية مع قضايا الإيجارات، وقضايا الأوقاف مع قضايا الشركات، وقضايا الاسترداد مع قضايا الحراسة، وقضايا تثبيت الحجز مع قضايا التعرض.
تجد الرولات عبارة عن خليط من القضايا المدنية والقضايا التجارية، القضايا الصغيرة والقضايا الكبيرة، القضايا السهلة البسيطة المستعجلة والقضايا المعقدة المشوشة غير المستعجلة.
وقد دل الاختبار على أن الجمع في رول واحد وفي جلسة واحدة بين مختلف هذه القضايا مع تباين أنواعها وأهميتها يعوق القضاء عن السير حثيثًا ويؤخر الفصل في كثير من القضايا التي كان يمكن نظرها والفصل فيها بسرعة لولا مصادفة وجودها مع قضايا معقدة في رول واحد وفي جلسة واحدة.
جرت محكمة الاستئناف المختلطة على قاعدة توزيع القضايا على الدوائر بحسب نوع القضية وأهميتها بترتيب تعمله وتقره الجمعية العمومية، فالدائرة الأولى مثلاً تنظر استئناف الأحكام الصادرة في المواد التجارية، واستئناف الأحكام الصادرة من قاضي الأمور المستعجلة، واستئناف الأحكام الصادرة في الأوامر التي تصدر من قاضي الأمور الوقتية، والدائرة الثانية تنظر الاستئنافات الخاصة بقسمة الديون بين الغرماء وقضايا الإيجارات والسمسرة والرفت في وقت غير لائق ودعاوى الاسترداد ودعاوى الاستحقاق وسائر المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية ودعاوى الشفعة ودعاوى القسمة ودعاوى البيوع، والدائرة الثالثة تنظر الدعاوى الخاصة بالحجز العقاري وبوضع اليد وبالمسؤولية وبسائر القضايا التي لا تدخل في اختصاص الدائرتين الأولى والثانية.
ومحكمة مصر المختلطة جرت على هذه السنة أيضًا، وزعت القضايا على الدوائر بحسب أنواعها وبحسب أهميتها مراعية في ذلك عدم تأثير سير بعض القضايا في سير البعض الآخر. القضايا السهلة البسيطة المستعجلة تنظر بسرعة وبسهولة وبكثرة، والقضايا المعقدة تأخذ من القاضي الوقت اللائق بموضوعها المناسب لأهميتها.
وفي أوروبا، في فرنسا وفي بلجيكا وفي إيطاليا وفي ألمانيا وفي النمسا ينهجون هذا النهج أيضًا.
ننقل هنا ما سبق قلناه من اثنتي عشرة سنة عندما جلنا في ألمانيا ودرسنا نظام القضايا فيها:
(وفي بعض المدن الكبرى يوزعون القضايا على الدوائر بحسب أنواع القضايا، فتجد دائرة تختص بقضايا الزواج والطلاق، ودائرة تختص بقضايا المواريث والتركات، ودائرة تختص بدعاوى الملكية وما يتفرع عنها، وأخرى بالتعهدات وما يجري مجراها وهكذا.
ملحوظ في ذلك أيضًا تمكين القضاة من النبوغ في مواد مخصوصة، فإذا ما حصروا عنايتهم فيها أصبحوا بعد فترة من الزمان اختصاصيين من الثقات.
وفي بعض بلاد ألمانيا لا يسمحون للقضاة بأن يشتغلوا في آنٍ واحد في جلسات مدنية وفي جلسات جنائية، فيكون الواحد منهم قاضيًا مدنيًا اليوم ليصير في الغد قاضيًا جنائيًا، ملاحظين في ذلك عدم تشويش أفكارهم بتنوع أبحاثهم وأعمالهم وأشغالهم - راجع صحيفة (47) من كتابنا (ما هنا وما هنالك) الرسالة التاسعة).
أفلا يحسن بوزارة الحقانية أن تلفت نظر حضرات قضاة محاكمنا الأهلية ولا سيما رؤساء المحاكم منهم ليفكروا في انتهاج هذه الخطة ابتداءً من السنة القضائية المقبلة. إن فعلت وفعلوا أدوا واجبًا يطالبهم به العدل وتقضي به مصلحة المتقاضين.

عزيز خانكي


صحة وقفية المرحوم علي بك فهمي لعزيز خانكي

مجلة المحاماة

وقفية المرحوم علي بك فهمي
بحث في صحتها

كلنا نعلم أنه في سنة 1921 صدر من المرحوم علي بك فهمي وقف خص وجوه البر بجزء عظيم من ريعه، فالبعثة الفهمية خصها بمبلغ 3000 جنيه في السنة، والمستشفى الرمدي في أبي الوقف خصه بمبلغ 1500 جنيه، وخص وجوه بر أخرى بمبالغ عدة.
وكلنا نعلم أن هذا الوقف صدر منه أمام حضرة صاحب الجلالة الملك وحضرة صاحب المعالي كبير الأمناء وحضرة صاحب السعادة مدير المنيا، وقد صدر منه ودون في (ورقة عرفية) أمضاها الواقف وصاحب الجلالة وصاحب المعالي وصاحب السعادة.
وكلنا نعلم أيضًا أن هذا الوقف لم يضبط في مضبطة المحكمة الشرعية (التي يوقع عليها الواقف وشهوده عادةً) ولم يقيد في دفاترها، فما قيمة هذا الوقف يا ترى؟ هل انعقد الوقف أو لم ينعقد؟
الاعتراض القوي الذي يمكن أن يعترض به من يقول بعدم انعقاد الوقف مستفاد من نص المادة (137) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي أوجبت صدور الإشهاد بالوقف (على يد حاكم شرعي) و(قيده بدفتر إحدى المحاكم الشرعية).
وهذان الشرطان غير متوفرين هنا، فلا الوقف صدر به إشهاد شرعي أمام قاضٍ شرعي ولا هو قُيد بدفتر إحدى المحاكم الشرعية، وإليك نص المادة:
(يمنع عند الإنكار سماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه إلا إذا وجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قِبله كالمبين في المادة (360) من هذه اللائحة وكان مقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية...).
وما دام لا إشهاد ولا قيد فلا وقف.
وتكون (الورقة العرفية) التي دون فيها إقرار الواقف بالوقف هي والهواء سواء. هذا هو مبنى اعتراض من يقول بعدم انعقاد الوقف.
أما نحن فمن رأينا أن المسألة فيها نظر والاعتراض السابق غير مقطوع بصحة أسبابه، وعلى كل حال فهو غير قاطع في الدلالة على عدم انعقاد الوقف، وإليك البيان:
أولاً: الأصل في الشرع أن ينعقد الوقف بصدور لفظ من ألفاظه الخاصة به، فإذا قال المتصرف أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على الفقراء وتوفرت فيه سائر شروطه انعقد الوقف بالقول، وهنا الواقف أشهد على نفسه بالوقف قولاً وكتابةً، ونفذه بالفعل بدفع 3000 جنيه لوزارة المعارف قيمة نفقة البعثة الفهمية، فالوقف انعقد شرعًا.
ثانيًا: يقولون ولكن لائحة المحاكم الشرعية جعلت الوقف مثل الهبة والرهن العقاري لا يكون له وجود إلا إذا تحرر به إشهاد رسمي، فهبة العقار ورهن العقار لا يكون لهما وجود قانونًا إلا إذا تحرر بهما عقد رسمي أمام مأمور العقود الرسمية، والوقف لا يكون له وجود إلا إذا حصل الإشهاد به أمام حاكم شرعي أو مأذون من قِبله، وهذا غير صحيح، لأن المادة تنص فقط على منع سماع دعوى الوقف عند عدم وجود إشهاد به (عند الإنكار) فقط، فإذا حصل الوقف بورقة عرفية ولم ينكر الواقف صدور الوقف منه جاز سماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط، فالإشهاد بالوقف أمام حاكم شرعي أو مأذون من قِبله ليس إذًا شرطًا لانعقاد الوقف بل هو دليل على وجوده (عند الإنكار).
ألا ترى أن اللائحة لم تنص على البطلان ولا على عدم انعقاد الوقف عند عدم وجود إشهاد واكتفت فقط بمنع سماع دعوى الوقف أو الإقرار به (عند الإنكار)، ومنع سماع الدعوى شيء والبطلان شيء آخر.
وقد حكمت المحكمة العليا الشرعية بصحة انعقاد وقف صدر في ورقة عرفية عقبها بعد حين إشهاد شرعي صدر من الواقف بتغيير في وقفه الأصلي (الذي حصل بورقة عرفية) وفي إشهاد التغيير روى الواقف حكاية الوقف الذي صدر منه في الورقة العرفية، فلو كان الوقف الأصلي لم ينعقد أصلاً لعدم الإشهاد به أمام حاكم شرعي ما كان الإشهاد بالتغيير الذي حصل بعد حين أمام المأذون أوجده من العدم، فالمسألة مسألة إثبات، والإثبات تحدد هنا، وشرط أن يكون بإشهاد شرعي (عند الإنكار) فقط، فحالة الوقف تباين حالة الهبة وحالة الرهن العقاري.
ثالثًا: على أن من رأينا أن شرط (الإشهاد) متوفر هنا. اللائحة شرطت عند الإنكار أن يوجد (إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعي أو مأذون من قِبله)، وهنا الوقف صدر على يد صاحب الجلالة الملك وهو الحاكم الشرعي الأكبر ومنه يستمد سائر الحكام الشرعيين صفتهم في الحكم، ولا يصح اعتبار الإشهاد الحاصل أمام أصغر قاضٍ شرعي أو مأذون وعدم اعتبار الإشهاد الحاصل أمام الحاكم الشرعي الأكبر الذي منه يستمد القضاة الشرعيون ولا يتهم في القضاء.
ورب معترض يقول: إن كلمة (الحاكم الشرعي) معناها هنا (القاضي الشرعي) وفي الترجمة الفرنساوية للائحة ترتيب المحاكم الشرعية عبر عن (الحاكم الشرعي) بكلمة Cadi وجلالة الملك ليس بقاضٍ يتقبل الإشهادات الشرعية، ولا سيما أنه بحسب النظامات السياسية الحديثة لا يمكن أن يجمع الملك في شخصه وفي قبضة يده السلطات الثلاثة: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
نقول هذا الاعتراض ليس وجيهًا:
1 - لأن القوانين المصرية جعلت للوقف ميزة خاصة به أخرجته عن حكم سائر الأموال فيما يختص بأصله وكيانه، إذ جعلت مرجع أصل الوقف إلى أصل الشرع، ولا يخفى أن جلالة الملك هو الآن صاحب الولاية الشرعية العامة على الأوقاف المصرية بأسرها، منه يستمد جميع القضاة الشرعيين صفتهم في الحكم، وهو الذي أجاز لهم ويجيز لهم الحكم في الدعاوى وفي قبول الإشهادات الشرعية، فهم أشبه شيء بوكلاء عنه، والقاعدة أن ما يملك الوكيل عمله يملك الموكل عمله بالطبع وبالبداهة.
2 - زد على هذا أن الأصل في حكمة إيجاب صدور إشهاد بالوقف أمام حاكم شرعي أو أمام مأذون من قِبله منع التلاعب الذي كان فاشيًا في قضايا الأوقاف ومنع دعاوى الإدخال والإخراج والتغيير والاستبدال والإبدال وغيرها من الدعاوى العديدة التي كانت تُختلق إضرارًا بمصلحة جهات الوقف أو بمصلحة المستحقين وكان يُكتفَى في إثباتها بشهادة الشهود وبالأوراق العرفية التي ما كان يعرف لها أصل، وهنا الإشهاد بالوقف حصل أمام ولي الأمر نفسه وأمام كبير الأمناء وأمام مدير المنيا وأمام شهود عدول كثيرين وفي محفل من الناس لم يرَ الوجه القبلي مثله من البهاء والعظمة والجلال، فمن ذا الذي يجرؤ على إنكار صدور الوقف من الواقف.
رابعًا: بقي شرط (قيد الإشهاد بدفتر إحدى المحاكم الشرعية) وهذا عمل إداري محض، كما يجوز القيد في حياة الواقف يجوز بعد وفاته، وما على صاحب الشأن إلا أن يقدم الإشهاد إلى المحكمة الشرعية لقيده بدفاترها وهي تقيده، وإذا امتنعت يعرض الأمر على وزارة الحقانية وهي تأمر المحكمة بالقيد.
الحادثة فذة ليست لها سابقة من نوعها إذ لم نرَ ولم نقرأ أن إشهادًا بالوقف حصل عن يد خديوي مصر أو سلطان مصر أو ملك مصر، لهذا سألنا الكثيرين من إخواننا من رجال القضاء ومن رجال المحاماة ومن أهل العلم فرأيناهم يميلون إلى القول بانعقاد الوقف بناءً على أنه حصل على يد جلالة الملك الذي هو الحاكم الشرعي الأكبر.
ومن رأيي أنه حتى لو كانت المسألة تحتمل القولين فإني أرجح قول من يرى انعقاد الوقف للوجوه الآتية:
1 - احترامًا لمقام ولي الأمر الذي حصل على يده الإشهاد.
2 - لأن القول بانعقاد الوقف فيه تنفيذ لإرادة الواقف.
3 - لأن الوقف تضمن وجوه بر كثيرة نفعها عام على البلد، فالقول بانعقاد الوقف يوافق المصلحة العامة.
4 - لأن مآل الأطيان الموقوفة إذا قيل بعدم انعقاد الوقف سيكون إلى أخوات الواقف وهن موسرات إيسارًا تامًا بفضل ما ورثنه عن المرحوم والدهن والمرحومة أختهن، فالحصة التي تؤول إلى كل واحدة من أخواته لا تزيدها سعة ولا رخاء ولا تغير من معيشتها شيئًا ما، أما إذا قيل بانعقاد الوقف ونفذ الوقف بالفعل وأُنفق الريع في وجوه البر المشروطة في الوقفية (البعثة الفهمية والمستشفى الرمدي وغيرهما) فإن الأمة تستفيد فوائد تبقى آثارها خالدة تتجدد منافعها في كل سنة ما دام الوقف قائمًا.
أما عم المرحوم الواقف الذي يقولون إنه جدير بالعناية فيمكن الصلح معه على مبلغ من المال أو حصة في الأطيان نظير مصادقته على الوقف، ولعل صاحب الجلالة الملك هو خير وسيط للحصول على إجازة أخوات الواقف ومصادقة العم، فإن تفضل وفعل ورضيت الأخوات وقبل العم كان لهم جميعًا عند الله جزاء الخير خير الجزاء.

عزيز خانكي