جلسة 21 من فبراير سنة 2016
الطعنان رقما 12195 و 12645 لسنة 59 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبو زيد شلال نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. محمد ماهر أبو العينين، ود. مجدي صالح يوسف الجارحي، وعمرو محمد جمعة عبد القادر، وهاشم فوزي أحمد شعبان. نواب رئيس مجلس الدولة
------------------
(52)
(أ) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- تلتزم الدولة، بحكومتها ومؤسساتها العامة والخاصة، بتوفير جميع الخدمات الصحية المتكاملة للمواطنين، على وفق معايير الجودة العالمية- يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة- يسبغ هذا الالتزام الحماية الدستورية والقانونية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، سواء تحققت وسيلة العلاج داخل البلاد أو خارجها، وأيا كانت أنظمة العلاج الوظيفية العامة أو الخاصة أو التكافلية أو التأمينية التي يخضع لها المواطن، أو يندرج تحت مظلتها، وسواء اكتفت تلك الأنظمة بكفالة العلاج كاملا أو جزئيا- يلزم أن يتوافق مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها جميعا بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين، مع مبدأين آخرين يضاهيانه أهمية: (أولهما) جودة العلاج، ويعني مجابهة الأمراض بأفضل وسائل علاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، و(ثانيهما) وقتية العلاج، ويعني كفالة سرعة العلاج وآنيته؛ إذ يمثل البطء في العلاج إهمالا يتعارض مع ماهية الرعاية الصحية- تشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة، المتفرعة عن الحق في الصحة، الذي تغياه المشرع الدستوري- يجب أن تتم الرعاية الصحية في ظل مبدأي المساواة وعدم التمييز بين المواطنين، المنصوص عليهما دستوريا.
- المواد أرقام (16) و(17) و(40) من دستور 1971.
- المادتان رقما (18) و(53) من دستور 2014.
(ب) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- نظم القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة، وقرر أن يشكل وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة، وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم، ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية، وأن تختص هذه المجالس الطبية بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج، وتقدم تقاريرها وتوصياتها بمنحهم، سواء كانوا من العاملين بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، أم من المواطنين طالبي العلاج على نفقة الدولة، أم من المواطنين طالبي العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة- توصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك، على أن يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء- مع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات، تتحمل الجهات التى يتبعها المريض نفقات علاجه في الداخل أو في الخارج، إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من ذلك القرار، وهم: العاملون بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، على أنه يجوز في غير هذه الحالات أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه على وفق حالته الاجتماعية.
- المواد (1) و(2) و(3) و(4) و(6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة.
(ج) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- لا يجوز لجهة الإدارة أن تضع قواعد جامدة في تقسيمات مالية محددة تنظم الحد الأقصى لمساهمة الدولة في تكاليف العلاج في الداخل والخارج، ولا تفسح المجال لترتيب نفقات علاج كافية لكل حالة مرضية على حدة؛ لمخالفة ذلك لمبادئ الدستور والقانون، ونأيه عن واقع الحال في البلاد- تجب مراعاة ما يقرره المشرع الدستوري من المساواة بين المصريين جميعا أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب.
(د) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- لئن كانت التوجيهات الرسمية لرئيس مجلس الوزراء تقضي بضرورة عرض كل حالة مرضية على حدة على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم، وكان ذلك مطلبا إداريا قويما لضبط مشروعية الاستحقاق ومسائل الصرف وتوجيه الإنفاق على وفق الاحتياج الطبي الحقيقي لكل حالة مرضية على حدة، فإنه لا يجوز الانعطاف بهذه التوجيهات إلى كهوف المحسوبية المنغلقة على فئات وظيفية ومجتمعية خاصة وذويهم وما ملكت معارفهم، والتغاضي عن منح هذا الحق كاملا أو مجزءا إلى مواطنين آخرين.
(هـ) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- العلاج على نفقة الدولة- خضوع المواطن لأنظمة علاج وظيفية عامة أو خاصة، تكافلية أو تأمينية، لا يعفي الدولة ووزاراتها ومؤسساتها جميعا من مسئوليتها الدستورية في تطبيق حق الرعاية الصحية دون تمييز؛ إذ قد لا تمد لوائح تلك الأنظمة كامل مصروفات العلاج في بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مما يقتضي أحيانا كثيرة بسط الدولة لأجنحتها وواجباتها على رعاياها المرضى العزل من العلاج الكافي، وإضفاء الطمأنينة والأمان عليهم وأسرهم والمجتمع عموما- تطبيق (أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم بالجامعات).
(و) جامعات:
أعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم- رعايتهم صحيا- قرر المشرع أن تكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل، حيث يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وذلك استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وفي جميع الأحوال تتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية، يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب.
- المادة (94) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972.
- المادة (61) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات (المشار إليه)، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، المعدلة بموجب القرار الجمهوري رقم 470 لسنة 1999.
(ز) حقوق وحريات:
الحق في الرعاية الصحية- نفقات العلاج- أداؤها- إذا كانت نفقات العلاج المستحقة لدى الجهة الإدارية بالعملة الأجنبية، وجب عليها أداؤها بالسعر الرسمي لهذه العملة وقت أداء الاستحقاق، وليس وقت نشوئه، مادام أن المستحق لم يكن متسببا في تأخير الوفاء بها.
--------------
الوقائع
- في يوم الاثنين الموافق 25/2/2013 أقيم الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، بموجب تقرير طعن موقع من محام مقبول، أودع قلم كتاب هذه المحكمة، وقيد في جدولها العام بالرقم عاليه، وأعلن للمطعون ضدهما (رئيس مجلس الوزراء ورئيس جامعة الأزهر)، إعلانا قانونيا، بطلب الحكم -للأسباب المثبتة في متنه- بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/12/2012، في الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في استرداد كل ما أنفقه من مصروفات على علاجه بالصين، وتبلغ مئة ألف دولار أمريكي، أو ما يعادلها بالجنيه المصري، وقت الأداء، بالإضافة إلى قيمة تذكرة السفر، وتبلغ 4826 جنيها مصريا، بالإضافة إلى قيمة بدل السفر، بواقع 60 يورو عن كل ليلة قضاها في الخارج، وبسعر الصرف وقت الأداء، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
- وفي يوم الخميس الموافق 28/2/2013 أقيم الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا (من رئيس مجلس الوزراء)، بموجب تقرير طعن أودع قلم كتاب هذه المحكمة، وقيد في جدولها العام بالرقم عاليه، وأعلن للمطعون ضده (الطاعن في الطعن الأول) إعلانا قانونيا، بطلب الحكم -للأسباب المثبتة في متنه- بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/12/2012 في الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية، والقضاء مجددا برفض الدعوى موضوعا، مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
إذ قضى منطوق الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلزام جهة الإدارة أن تدفع للمدعي مبلغ اثني عشر ألف يورو، بالإضافة إلى قيمة بدل السفر، بواقع 60 يورو عن كل ليلة قضاها في الخارج، وبسعر الصرف وقت الأداء، على النحو المبين بالأسباب، وبمراعاة خصم ما سبق صرفه له بذات قاعدة الاستحقاق، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد جرى تحضير الطعنين أمام هيئة مفوضي الدولة للمحكمة الإدارية العليا، وأودعت الهيئة تقريرا بالرأي القانوني فيهما، ارتأت فيه -لما حواه من أسباب-: (أولا) بقبول الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام جهة الإدارة أن تدفع للسيد/... نفقات العلاج التي تكبدها من واقع الفواتير في حدود مبلغ مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالجنيه المصري وقت الأداء، بالإضافة إلى قيمة تكاليف السفر، على النحو المبين بالأسباب، وبمراعاة خصم ما سبق صرفه له، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي، و(ثانيا) بقبول الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعن مصروفاته.
ونظر الطعنان أمام الدائرة السابعة (فحص الطعون) بالمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، والتي قررت ضمهما للارتباط، وإحالتهما إلى الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة، وتدوول الطعنان أمام الدائرة السابعة (موضوع) على وفق الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، وبجلسة 19/10/2014، قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة 16/11/2014، مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء من الطرفين خلال أسبوعين، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعنين للمرافعة بجلسة 4/1/2015؛ لتقدم الجهة الإدارية المستندات الآتية:
1- القواعد المنظمة لعلاج أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر.
2- لائحة صندوق استكمال نفقات العلاج الخاصة بأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.
3- قواعد صرف نفقات العمليات الجراحية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة.
4- كتاب رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء رقم 2652 المؤرخ في 17/4/2002.
5- توجيهات رئيس مجلس الوزراء بعدم تجاوز نفقات العلاج مبلغ 12 ألف دولار أمريكي.
6- بيان ما إذا كانت جراحة زرع الكبد -كحالة الطاعن- موجودة في مصر في توقيت إجرائه العملية بالخارج من عدمه، مع تقديم بيان بذلك من مستشفى .............
7- الأساس القانوني الذي استند إليه تقريرا اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وكذا اللجنة الخماسية، والمودعان بالأوراق.
8- بيان المستحقات المالية التي حصل عليها الطاعن من الجامعة، كما جاء بتقرير الطعن المقدم من الجهة الإدارية، وسندها القانوني.
9- بيان ما إذا كان مبلغ الـ 12 ألفا المقضي به بموجب حكم محكمة أول درجة يدخل ضمن مبلغ الـ 70 ألفا الوارد بتقرير اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أم لا يدخل فيه.
10- المنشور العام الصادر عن مكتب الأمين العام لجامعة الأزهر بتاريخ 7/6/2005، والمتضمن إصدار الأوامر التنفيذية الخاصة بعلاج أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالداخل، المشار إليها بالأمر التنفيذي رقم 1235 لسنة 2008 بتاريخ 5/6/2008.
11- قرار رئيس جامعة الأزهر رقم 8 لسنة 1997.
12- القرار الصادر عن مكتب نائب رئيس الجامعة بتاريخ ديسمبر 2006 المشار إليه بالتقرير الطبي المودع بحافظة المستندات المقدمة من الطاعن بجلسة 5/10/2011.
وتداولت المحكمة الطعنين من جديد على النحو الثابت بجلسات المرافعة، وقدمت الجهة الإدارية بعض المستندات التي طلبتها المحكمة في قرار إعادة الطعنين للمرافعة، وتخلفت عن تقديم البعض الآخر رغم تأجيل الجلسات مرارا ومطالبة المحكمة لها بذلك، وبجلسة 13/12/2015 قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء من الطرفين خلال أسبوعين، أودع فيها كل من الطرفين مذكرة دفاع، انتهت كل منهما في ختامها إلى الطلبات نفسها لكل منهما، ثم صدر الحكم في الطعنين، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به علانية.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
حيث إن الطاعنين يطلبان الحكم في الطعنين بالطلبات المبينة سالفا.
وحيث إنه عن شكل الطعنين، وإذ استوفيا جميع أوضاعهما الشكلية المقررة قانونا، فيضحيان مقبولين شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن في الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، أقام بتاريخ 6/7/2011 الدعوى رقم 43220 لسنة 65 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، ضد كل من رئيس مجلس الوزراء (وزير شئون الأزهر) (الطاعن في الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا)، ورئيس جامعة الأزهر، بطلب الحكم بأحقيته في استرداد كل ما أنفقه من مصروفات على علاجه بالصين بشأن إجراء عملية جراحية (زراعة الكبد)، وقيمتها مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالجنيه المصري وقت سدادها للمدعي، إضافة إلى قيمة تذكرة السفر وبدل السفر، على النحو المبين بصحيفة الدعوى، وإلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وذكر المدعي -شرحا لدعواه تلك- أنه أصيب بتليف في الكبد مع وجود بؤرة خبيثة بالفص الأيمن، وتم عرضه على اللجنة الطبية الثلاثية بالجامعة بتاريخ 26/5/2008، وأثبت تقريرها وجود بؤرة خبيثة واحتياجه لعملية زرع كبد عاجلة، ورصدت الجامعة مبلغ أربع مئة ألف جنيه لإجراء العملية بمستشفى دار الفؤاد، وصدر القرار التنفيذي رقم 1235 بتاريخ 5/6/2008 بهذا الشأن، إلا أن حالته تدهورت سريعا لاتساع البؤرة السرطانية وانتشارها بالكبد، وأصبحت حالته حرجة ومتفاقمة، ويحتاج لزراعة الكبد بالكامل، ولعدم توفر هذه العملية في مصر، فقد سافر إلى الصين لإجراء الجراحة بمستشفى "........"، دون انتظار القرار الوزاري بشأن علاجه لتدهور حالته الصحية، وبعد عودته أخطر الجامعة، وعرض على اللجنة الثلاثية، التي اعتمدت إجراء العملية الجراحية، وتقرر صرف مبلغ سبعين ألف دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، ثم عرض أمره مرة أخرى على اللجنة الثلاثية، فأوصت باسترداده ما أنفقه إذا سمحت اللوائح بذلك، ثم عرض على اللجنة الخماسية، التي أوصت باعتماد نفقات العلاج والسفر واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أو ما يعادله بالجنيه المصري، وقد وافقت الجامعة على التقرير وكذلك شيخ الأزهر، وصدرت توجيهات رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء بما يفيد بأنه تم عرض كل حالة مرضية على حدة، وبمراجعته رئاسة مجلس الوزراء، أخبر بأنه لم يتم البت في الموضوع بعد، مما حداه على التقدم بطلب إلى لجنة التوفيق في المنازعات المختصة، ثم إقامة دعواه التي انتهت صحيفتها بالطلبات المبينة سالفا.
وتدوول نظر تلك الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الرابعة عشرة)، على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة، وبجلسة 30/12/2012 أصدرت المحكمة حكمها الطعين المبين سالفا.
وشيدت المحكمة قضاءها -بعد استعراض نصوص المادتين (17) و(40) من الدستور المصري، والمواد (1) و(2) و(3) و(4) و(6) من قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة- على أساس أن القواعد التي أقرها مجلس الوزراء تقضي بأحقية المريض الذي تقرر علاجه في الخارج في الحصول على مبلغ 12 ألف يورو، وكذا بدل سفر بواقع 60 يورو عن كل ليلة، وهو ما يستحقه المدعي، دون إلزام الجهة الإدارية سداد قيمة التكلفة الفعلية للعملية؛ لأن طلبه لا يجد له سندا من القانون.
- وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من جانب الطاعن في الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا، فقد أقام طعنه الجاري، ناعيا على الحكم الطعين -بين ما نعى- مخالفته للقانون واللوائح التنفيذية، والخطأ في تطبيقها وتأويلها، ومخالفة مبدأ المساواة بين المتماثلين في المراكز القانونية، ومخالفة السوابق القضائية في الحالات المتماثلة، منتهيا -بعد سرد تفصيلات أسبابه- إلى الطلبات المبينة سالفا بصحيفة الطعن.
- كما لم يلق هذا القضاء قبولا من جانب الطاعن بصفته في الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا، فأقام طعنه الجاري، ناعيا على الحكم الطعين -بين ما نعى- مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتفسيره تأويله، والفساد في الاستدلال. منتهيا -بعد سرد تفصيلات أسبابه- إلى الطلبات المبينة سالفا بصحيفة الطعن.
وحيث إن الفصل في موضوع الطعنين يغني -بحسب الأصل- عن النظر في طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
وحيث نكلت جهة الإدارة عن تقديم بعض المستندات التي طلبتها المحكمة، على النحو الثابت بمحاضر جلسات المرافعة.
وحيث إنه عن موضوع الطعنين، فإن دستور جمهورية مصر العربية الصادر في عام 1971 نص في المادة (16) على أن: "تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية في يسر وانتظام رفعا لمستواها".
وفي المادة (17) على أن: "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل...".
وفي المادة (40) على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
وحيث إن الدستور المصري الحالي ينص في المادة (18) على أن: "لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة،... وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض،... ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".
وفي المادة (53) على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
وحيث إن قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972، ينص في المادة (94) على أن: "... وتكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل وفقا لما تبينه اللائحة التنفيذية".
وحيث إن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، تنص في المادة (61) المستبدلة بموجب القرار الجمهوري رقم 470 لسنة 1999، على أنه: "استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وفي جميع الأحوال يتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب".
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 691 لسنة 1975 في شأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة، ينص في المادة (1) على أن: "يكون تقرير علاج العاملين والمواطنين داخل وخارج الجمهورية وفقا لأحكام هذا القرار".
وفي المادة (2) على أن: "تشكل بقرار من وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية".
وفي المادة (3) على أن: "تختص المجالس الطبية المذكورة بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج من الفئات الآتية وتقدم تقاريرها وتوصياتها عنهم: (أ) العاملون بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام. (ب) المواطنون طالبو العلاج على نفقة الدولة. (ج) المواطنون طالبو العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة".
وفي المادة (4) على أن: "توصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك".
وفي المادة (6) على أن: "يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ومع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات، تتحمل الجهات التى يتبعها المريض بنفقات علاجه في الداخل أو في الخارج إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من هذا القرار، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، وفي غير هذه الحالات يجوز أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج، تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه وفقا لحالته الاجتماعية".
وحيث إن مفاد النصوص المتقدمة، أن دستور سنة 1971 -الواقع النـزاع الجاري في ظل العمل بأحكامه- أقر كفالة الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحة ومعاشات العجز عن العمل، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في هذا الشأن بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وهي المبادئ نفسها التي أرساها دستور مصر الحالي، إذ أعطى للمواطنين حقوق الصحة والرعاية الصحية المتكاملة طبقا لمعايير الجودة، على أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، وتتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكذا بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في هذا الشأن بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأن الدولة تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على أشكال التمييز كافة، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، وأن المشرع في قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بالقانون رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية المشار إليهما، قرر أن تكفل الدولة على نفقتها علاج أعضاء هيئة التدريس الذين يصابون بالمرض بسبب العمل (على وفق ما تبينه اللائحة التنفيذية)، حيث يكون علاج أعضاء هيئة التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الذين يصابون بالمرض بسبب أو بمناسبة العمل على نفقة الجامعة بقرار من مجلس الجامعة إذا كان يمكن علاجهم داخل الجمهورية، وذلك استثناء من أحكام القرارات واللوائح الصادرة في شأن علاج العاملين، وبقرار من وزير التعليم العالي إذا كان مرضهم لا علاج له إلا في الخارج، وأنه في جميع الأحوال تتولى فحصهم وتحديد ما يلزم من علاج لجنة طبية، يشكلها مجلس الجامعة من أساتذة كلية الطب.
وأن المشرع في القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975 (بشأن علاج العاملين والمواطنين على نفقة الدولة المشار إليه) أخضع علاج العاملين والمواطنين داخل وخارج الجمهورية على وفق أحكامه، وأن يشكل وزير الصحة مجالس طبية متخصصة في فروع الطب المختلفة من بين أعضاء هيئة التدريس بكليات الطب والإخصائيين بوزارة الصحة والقوات المسلحة وغيرهم ممن يرى الإفادة بهم ومن ممثلين للإدارة العامة للمجالس الطبية، وأن تختص هذه المجالس الطبية بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج في الخارج، وتقدم تقاريرها وتوصياتها بمنحهم، سواء كانوا من العاملين بالدولة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام، أم من المواطنين طالبي العلاج على نفقة الدولة، أم من المواطنين طالبي العلاج في الخارج على نفقتهم الخاصة، وتوصي المجالس بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوفر إمكانياته في الداخل واقتضت حالته ذلك، على أن يكون العلاج على نفقة الدولة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، ومع مراعاة ما هو مقرر طبقا لنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات تتحمل الجهات التى يتبعها المريض بنفقات علاجه في الداخل أو في الخارج، إذا كان من العاملين المنصوص عليهم فى البند (أ) من المادة (3) من هذا القرار، وكان مرضه أو إصابته مما يعد إصابة عمل، على أنه يجوز في غير هذه الحالات أن يتضمن القرار الصادر بالموافقة على علاج العامل أو المواطن في الداخل أو في الخارج تحمل الدولة كل أو بعض تكاليف علاجه على وفق حالته الاجتماعية.
وحيث إنه هديا بكل ما تقدم وأخذا به، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن من مواليد عام 1946، ويعمل بهيئة التدريس بكلية الشريعة والقانون بفرع دمنهور بالجامعة المطعون ضدها، وقد أصيب أثناء عمله بوظيفة "أستاذ مساعد" بمرض تليف الكبد ووجود بؤرة سرطانية خبيثة بالفص الأيمن للكبد، وذلك بناء على التقرير الطبي الصادر عن اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر بتاريخ 26/5/2008، والتي أوصت في تقريرها باحتياجه إلى عملية زرع كبد بصورة عاجلة، كما أوصت اللجنة الطبية الثلاثية بالجامعة بتحويل الطاعن إلى مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر لعمل عملية زرع كبد بتكلفة مقدارها أربع مئة ألف جنيه، وبناء عليه أصدرت الإدارة العامة للشئون الإدارية بالجامعة المطعون ضدها الأمر التنفيذي رقم 1235 بتاريخ 5/6/2008، ناصا في مادته الأولى على: "الموافقة على تحمل الجامعة نفقات علاج السادة أعضاء هيئة التدريس داخل القطر، مع اعتبار إصابتهم إصابة بسبب العمل، وفي حدود المبالغ الموضحة قرين اسم كل منهم"، وكان من ضمنهم الطاعن، وحددت له مبلغ أربع مئة ألف جنيه ودخول مستشفى ........، وفي مادته الثانية: "على جهة عمل كل منهم (الكلية) مطالبتهم بفواتير علاج معتمدة من رئيس اللجنة الطبية، مع مراعاة قرار رئيس الجامعة رقم 8 لسنة 1997"، بيد أن حالة الطاعن الصحية تدهورت بشكل سريع، فاتخذ قراره بالسفر إلى جمهورية الصين الشعبية لإجراء عملية زرع كبد كامل المطلوبة لحالته الصحية، وأتمها فعلا على نفقته الخاصة بمستشفى ".............." بجمهورية الصين الشعبية، إذ أقام بتلك المستشفى في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008، وأجريت له العملية الجراحية المشار إليها خلالها بتاريخ 27/6/2008.
وحيث إنه عقب عودة الطاعن من رحلته العلاجية وإجرائه العملية الجراحية المشار إليها، أصدرت الإدارة العامة للشئون الإدارية بالجامعة المطعون ضدها الأمر التنفيذي رقم 345 بتاريخ 8/10/2008، ناصا في مادته الأولى على: "الموافقة على تحمل الجامعة نفقات علاج السادة أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم الآتي أسماؤهم بعد داخل القطر، مع اعتبار إصابتهم إصابة بسبب العمل، وفي حدود المبالغ الموضحة قرين اسم كل منهم"، وكان من ضمنهم الطاعن، وحددت له مبلغ سبعين ألف دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، وفي مادته الثانية: "على جهة عمل كل منهم (الكلية) مطالبتهم بفواتير علاج معتمدة من رئيس اللجنة الطبية، مع مراعاة قرار رئيس الجامعة رقم 8 لسنة 1997".
وبتاريخ 22/3/2009 قامت اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة بفحصه من جديد، وأقرت التشخيص نفسه لحالة الطاعن الصحية السابقة على إجراء العملية، وأنه أجريت له عملية زرع كبد بالخارج على نفقته الخاصة نظرا لحاجته إلى إجراء العملية في أقرب وقت ممكن وعلى وجه السرعة، وبتاريخ 10/5/2009 أوصت اللجنة الطبية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة في تقريرها النهائي باعتماد عملية زرع الكبد التي أجريت للطاعن بتاريخ 27/6/2008، مؤكدة على اسم المستشفى نفسه واسم الطبيب الذي أجرى العملية، نظرا لحاجته إلى إجراء العملية في أقرب وقت ممكن وعلى وجه السرعة، وأوصت باسترداد ما تم صرفه بالخارج إذا سمحت اللوائح الجامعية، وقدرته اللجنة بمئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، وبتاريخ 13/5/2009 قررت اللجنة الطبية الخماسية للموافقة على علاج أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر خارج الجمهورية، والمشكلة برئاسة عميد كلية الطب بنين بجامعة الأزهر وعضوية عميدة كلية الطب بنات ورئيس قسم الباطنة ورئيسي قسم الجراحة العامة بكليتي الطب بنين وبنات، قررت اعتماد سفر الطاعن للعلاج بجمهورية الصين الشعبية كحالة حرجة، وبأنه يلزم اعتماد نفقات العلاج والسفر واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، وقد ورد إلى إدارة الموازنة بالجامعة المطعون ضدها الكتاب رقم 1080 بتاريخ 25/5/2009 بشأن اعتماد رئيس الجامعة المطعون ضدها لتقرير اللجنة الطبية لعلاج الطاعن بمبلغ مئة ألف دولار أمريكي (قيمة استرداد نفقات علاجه بجمهورية الصين الشعبية طبقا لتقرير اللجنة الطبية)، وبتاريخ 9/8/2009 أبلغت إدارة الموازنة مدير عام الشئون الإدارية بالارتباط رقم (2) بالترخيص بمبلغ نفقات الطاعن في العملية (مئة ألف دولار أمريكي)، خصما من موازنة جامعة الأزهر قسم التعليم للسنة المالية 2009/2010 (الباب الأول/ البند 6/ نوع 3/ مجموعة تكاليف العلاج بالخارج)، وأن مدة سريان الترخيص بهذا الارتباط حتى 30/6/2010، وبتاريخ 14/9/2009 وافق شيخ الأزهر على قيام الجامعة المطعون ضدها برفع الأمر إلى رئيس مجلس الوزراء، وبتاريخ 4/10/2009 أرسلت الجامعة كتابها إلى رئيس مجلس الوزراء (ووزير شئون الأزهر) بموافقة الجامعة على تقرير اللجنة الطبية المختصة بالجامعة على استرداد النفقات التي قام بصرفها الطاعن، (مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، بما يعادل خمس مئة وسبعين ألف جنيه مصري)، ولما لم ينل الطاعن من الأمر شيئا، لجأ إلى لجنة التوفيق المختصة في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وقيد طلبه برقم 538 لسنة 2011، وأوصت اللجنة بجلستها المنعقدة في 11/5/2011 بأحقية الطاعن في استرداد نفقات العلاج ومصاريف السفر إلى الصين، على النحو الذي تكبده لإجراء عملية زراعة الكبد، إلا أن أحدا لم يستجب إلى طلباته، واستمر الطاعن مطالبا بحقوقه بتنفيذ قرارات اللجان الطبية المتخصصة وقرار الجامعة المطعون ضدها، حتى أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري على النحو المبين سالفا.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على حافظتي المستندات المقدمتين من الطاعن أمام محكمة أول درجة بجلسة 5/10/2011 -وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية المطعون ضدها خلال درجتي التقاضي- أنها احتوت صورا ضوئية من: 1- التقرير الطبي التفصيلي الصادر عن إدارة مستشفى "............" بجمهورية الصين الشعبية، والمؤرخ في 23/7/2008، والذي يسرد جميع الإجراءات الطبية التي أجريت للطاعن منذ وصوله لمقر المستشفى وإقامته بها بتاريخ 2/6/2008، ومرورا بما تم من الفحوصات والتجهيزات الطبية استعدادا لعملية زرع الكبد، ثم إجراء العملية الجراحية بتاريخ 27/6/2008، وانتهاء بمغادرة المستشفى بتاريخ 23/7/2008، وقد صدقت على هذا المستند السفارة المصرية في بكين (عاصمة جمهورية الصين الشعبية). 2- شهادة رسمية من إدارة المستشفى المذكورة مؤرخة في 23/7/2008، بنفقات وتكاليف إجراء عملية زراعة الكبد والفحوصات والإقامة بالمستشفى، بإجمالي مبلغ مئة ألف دولار أمريكي، وقد صدقت على هذا المستند السفارة المصرية في بكين. 3- فاتورة ضريبية صادرة عن شركة ...... للسياحة مؤرخة في 28/5/2008، بقيمة تذكرة الطائرة من القاهرة إلى بكين والعودة، بإجمالي مبلغ أربعة آلاف وستة وعشرين جنيها مصريا.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على حافظة المستندات المقدمة من الطاعن أمام محكمة أول درجة بجلسة 5/10/2011 -وهو ما لم تجحده الجهة الإدارية المطعون ضدها خلال درجتي التقاضي، أو تقدم أسبابا لما حوته من مستندات- والحاوية صورا ضوئية لقرارات علاجية صادرة عن الحكومة المصرية، تبين للمحكمة أن رئيس مجلس الوزراء أصدر بتاريخ 11/10/2005 القرار رقم 1683 لسنة 2005 بالموافقة على سفر الدكتور/ ....... الأستاذ بكلية الطب بنين القاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج لمدة ثلاثة شهور ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها ستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 8/3/2006 القرار رقم 398 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ .......... الأستاذ بكلية العلوم بنين بالقاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بمستشفى "........" لمدة شهر ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها سبعون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 2/5/2006 القرار رقم 754 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتورة/ ......... الأستاذ بكلية الطب بنات بالقاهرة بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج لمدة ثلاثة شهور ومعها مرافق، بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفتها وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 25/5/2006 القرار رقم 905 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ ........... الأستاذ بكلية اللغة العربية بالزقازيق بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بمستشفى "............" لمدة شهرين ومعه مرافق، بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 25/5/2006 القرار رقم 906 لسنة 2006 بالموافقة على سفر الدكتور/ ........... الأستاذ بكلية العلوم بنين بأسيوط بجامعة الأزهر إلى الصين للعلاج بالمركز الدولي بمدينة "تان جنج" لمدة ثلاثة شهور ومعه مرافق بنفقات علاج مقدارها خمسة وستون ألف دولار أمريكي، بخلاف مصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 14/3/2007 القرار رقم 578 لسنة 2007 بالموافقة على سفر الدكتور/ .......... إلى ألمانيا للعلاج بمستشفى جامعة "أسن" لمدة شهرين ومعه مرافق، بنفقات مقدارها مئة وعشرون ألف يورو، شاملة تكاليف العلاج ومصاريف السفر وبدل السفر بالفئة المقررة لوظيفته وبالفئة الموحدة بالنسبة للمرافق عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، على أن تتحمل موازنة جامعة الأزهر بالتكاليف، وأصدر بتاريخ 6/12/2007 القرار رقم 2728 لسنة 2007 بالموافقة على سفر الطبيب/ ............... إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء عملية زرع كبد لمدة شهر، بنفقات قدرها ثلاث مئة ألف دولار أمريكي، شاملة جميع تكاليف العلاج ورسوم التحويل ومصاريف السفر وبدل السفر بواقع ستين دولارا أمريكيا عن كل ليلة، على أن تتحمل موازنة هيئة قناة السويس التكاليف.
وحيث إن صون حقوق المواطنين وحرياتهم يندرج ضمن الغايات الرئيسة للمبادئ الدستورية والقانونية، والتي يتقدمها على الإطلاق الحق في الحياة، بلا نيل منه أو تقييد ممارسته، وينعطف عنه في الأساس الحق الطبيعي والإلزامي في الصحة ورعايتها، وهو ما يغدو الوسيلة الوكيدة لتقرير الحق في الحياة، الذي نصت عليه الدساتير والقوانين، وأنزلته من قبلها الشرائع السماوية الثلاث، وأوجدته الديانات المختلفة، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كافة، وقد ساير المشرع الدستوري المصري ذلك في دساتيره المتعاقبة بدءا من دستور سنة 1923، ومرورا بدستور سنة 1956، ودستور سنة 1971، وانتهاء بالدستور الحالي، إذ يقر الحق في الصحة، ويلزم الدولة صراحة بحكومتها ومؤسساتها العامة والخاصة كفالة خدمات الصحة للمواطنين ورعايتهم الصحية الكاملة على وفق معايير الجودة العالمية، وإقامة منظومة متكاملة للتأمين الصحي تغطي كل المصريين والأمراض بأنواعها المتباينة، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ويلزم الدولة تخصيص نسبة مالية سنوية من الإنفاق الحكومي لهذه الأغراض، لا يقل حدها الأدنى عن نسبة 3% من الناتج القومي الإجمالي، مع التصاعد التدريجي حتى التماثل والمعدلات العالمية، ويوجب على الدولة ضمان تنفيذ التزاماتها عموما، وهو ما يسبغ في النهاية الحماية الدستورية والقانونية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، سواء تحققت وسيلة العلاج داخل البلاد أو خارجها، كما يساوي المشرع الدستوري بين المصريين جميعهم أمام القانون، وفي الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر، ويعد التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، ويلزم الدولة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز.
وحيث إن مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها جميعا بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين، يلزم أن يتوافق مع مبدأين آخرين يضاهيانه أهمية: وهما مبدأ "جودة العلاج"، الذي يعني مجابهة الأمراض بأفضل وسائل علاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، ومبدأ "وقتية العلاج" لأن كفالة الدولة بعلاج مواطنيها يجب أن ترتبط بآنية العلاج وسرعته، لكونه ينحدر إلى هاوية الإهمال حين يجتمع مع البطء الروتيني والبيروقراطي في الإجراءات الإدارية لإنفاذ العلاج على أرض الواقع، وتشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة المتفرعة عن الحق في الصحة الذي تغياه المشرع الدستوري، فلا يتمخض عن انزواء أي منها سوى استمرار الحالة المرضية أو استحضار الموت قهرا.
وحيث إن خضوع المواطن لأنظمة علاج وظيفية عامة أو خاصة أو التكافلية أو التأمينية، لا يعفي الدولة ووزاراتها ومؤسساتها ومصالحها وأجهزتها جميعا من مسئوليتها الدستورية عن إنزال وتطبيق حق الرعاية الصحية لمواطنيها، دون تمييز بسبب السن أو الجنس أو العقيدة أو المركز الوظيفي أو الاجتماعي أو لأي سبب آخر، إذ قد لا تمد لوائح تلك الأنظمة كامل مصروفات العلاج في بعض الأمراض أو الحالات المرضية، مما يقتضي أحيانا كثيرة بسط الدولة لأجنحتها وواجباتها على رعاياها المرضى العزل من العلاج الكافي، وإضفاء الطمأنينة والأمان عليهم وأسرهم والمجتمع عموما.
وحيث إن تقارير اللجان الطبية المتخصصة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة المطعون ضدها، أثبتت في شهر مايو سنة 2008 إصابة الطاعن بمرض تليف الكبد وإصابة الفص الأيمن لكبده ببؤرة سرطانية خبيثة، موصية بسرعة تحويله إلى مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر لإجراء عملية زرع كبد بالكامل وتوصيف حالته الصحية بـ"الحالة الحرجة"، ووافقت إدارة الجامعة المطعون ضدها على تحمل نفقات علاج الطاعن، مع اعتبار إصابته "إصابة بسبب العمل"، راصدة لإجرائها مبلغا مقداره أربع مئة ألف جنيه مصري، وبدأت في اتخاذ الإجراءات الإدارية لإتمام ذلك، بيد أنه لما انتاب الحالة الصحية للطاعن تدهور فجائي، وتغلب فيها الأسوأ على السيئ، ومضت الخلايا السرطانية في طريقها الشيطاني نحو هدفها الميقاتي داخل جسده المترهل، غير عابئة بالموروث البيروقراطي الماضي بالسلطة الإدارية في طريق مواز مميت، فأنزل القدر على الطاعن أحد خيارين قاسيين: إما انتظار وقت التأشيرات الحكومية المنفذة لقرار علاجه وما تاخمها من موافقات الصرف من بنود الميزانية وخلافه، على الرغم من توصية اللجنة الطبية المتخصصة بـ "حالته الحرجة" وحاجته إلى "إجراء العملية على وجه السرعة" وفي أقرب وقت ممكن، أو الهرع إلى حلم البقاء الشافي على طائرة تهبط به خارج البلاد، التي مارس مسئولوها عليه أقنعتهم البيروقراطية مهملين النظر إلى مراياهم، آملا اللحاق بآخر عربات الحياة، وموكلا مصيره في النهاية إلى القادر الرحيم، فحسم قراره بالسفر إلى جمهورية الصين الشعبية على نفقته الخاصة لإجراء تلك العملية الجراحية، إذ أقام بمستشفى "..................." في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008 وأجريت له العملية الجراحية المشار إليها خلالها بتاريخ 27/6/2008، بتكلفة مقدارها مئة ألف دولار أمريكي شاملة الإقامة بالمستشفى والفحوصات الطبية والعملية الجراحية بمشتملاتها.
وحيث إنه بعد إتمام الطاعن فترة النقاهة والعودة إلى الكنانة، أحالته الجامعة المطعون ضدها من جديد إلى اللجنة الطبية الثلاثية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، والتي اعتمدت إجراء العملية الجراحية المشار إليها موصية بصرف مبلغ سبعين ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، وتم عرض الأمر على اللجنة الخماسية التي أوصت باعتماد نفقات العملية الجراحية والسفرة واسترداد مبلغ مئة ألف دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري، ووافقت إدارة الجامعة على هذا التقرير الأخير، رافعة الأمر إلى شيخ الأزهر الذي لم يقرر سوى رفع الأمر إلى رئيس مجلس الوزراء بصفته وزير شئون الأزهر لاستصدار قرار بالصرف، إلا أن الأخير امتنع عن صرف كامل مبلغ تكلفة العملية الجراحية الذي سدده الطاعن من ماله الخاص، مقررا صرف مبلغ اثني عشر ألف يورو وبدل سفر بواقع مبلغ ستين يورو عن كل ليلة قضيت خارج دور العلاج طبقا للقواعد المتبعة.
وحيث إن امتناع المطعون ضدهما بصفتيهما عن سرعة إنجاز علاج الطاعن داخل البلاد إعمالا لتوصيات اللجان الطبية المتخصصة، ثم امتناعهما أيضا عن سداد كامل تكلفة عملية زرع الكبد التي أجريت للطاعن بمعرفته في الخارج على نفقته الخاصة، يمثل مخالفة صارخة لأحكام الدستور المقرة لحق المواطن المصري في الصحة، وما يتفرع عن هذا الحق من حقوق وارفة يتزعمها الحق في العلاج والحق في الدواء وغيرهما، وما قد ينعطف عن التزام الدولة المصرية بالرعاية الصحية الكاملة للمواطنين إلى استحقاق العلاج على نفقتها في الخارج مثله في الداخل، أيا كانت أنظمة العلاج الوظيفية العامة أو الخاصة أو التكافلية أو التأمينية التي يخضع لها المواطن أو يندرج تحت مظلتها، وسواء اكتفت تلك الأنظمة بكفالة العلاج كاملا أو جزئيا.
وحيث إن امتناع المطعون ضده الأول بصفته عن ذلك على نحو يغاير ما يصدره من قرارات سفر لبعض المواطنين للعلاج على نفقة الدولة، وبنفقات أعلى أحيانا من تكلفة العملية الجراحية الخاصة بالطاعن، يشكل إخلالا بمبدأ المساواة بين المواطنين وتمييزا صارخا بينهم، وهو الأمر الذي يبزغ معه تخلي أجهزة الدولة المطعون ضدها عن شطر أصيل من الرعاية الصحية العاجلة لأحد مواطنيها العزل من العلاج الناجز، وامتناعها عن تحمل كامل تكلفة علاجه في الخارج، وعدم إضفاء الحماية القانونية له في هذا الشأن، أيا كانت الأسباب التي عجلت بسفر الطاعن لإجراء العملية الجراحية المشار إليها.
وحيث إنه لما كان كل ذلك وهديا به، فإن المحكمة تقضي -وهي تسطر حكمها في المسافة الزمنية بين شهري يناير ويونيو وذكرى ثورتين مجيدتين خاضهما الشعب المصري الأبي ضد تلال الفساد بأنواعه، وعلى قمته الفساد المالي والإداري بأنماطه المتعددة- بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإقرار أحقية الطاعن في إجراء عملية زرع كبد بتكلفة غير محددة، وأحقيته في استرداد قيمة التكلفة الفعلية لعملية زرع الكبد التي أجريت له بتاريخ 27/6/2008 بجمهورية الصين الشعبية والبالغ مقدارها مئة ألف دولار أمريكي، وقيمة بدل سفر بواقع ستين يورو عن كل ليلة قضاها بتلك السفرة في الفترة من 2/6/2008 حتى 23/7/2008، وقيمة تذكرة السفر البالغ مقدارها أربعة آلاف وستة وعشرون جنيها مصريا، وبإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما سداد قيمة التكلفة الإجمالية كاملة للطاعن بشكل عاجل، وعلى نفقة الدولة، على أن يكون الصرف بالجنيه المصري، وبمراعاة خصم ما يكون قد صرف للطاعن في هذا الشأن، مع ما يترتب على كل ذلك من آثار.
وحيث إنه ولئن تقضي المحكمة للطاعن بأحقيته فيما سلف، فإنها ترتئي أنه لا دخل له أو مسئولية عليه في تأخير اقتضاء حقه لسنوات مضت، نتيجة امتناع الجهة الإدارية المطعون ضدها بداية عن سداده، ثم عدم استجابتها إلى تظلمه الموكول إليها، ثم إطالة أمد التقاضي لسنوات ما بين لجوئه إلى لجنة التوفيق المختصة في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، فرفعه دعواه أمام محكمة أول درجة، فإقامة طعنه الجاري أمام هذه المحكمة، ومن ثم لا يجب أن يتم سداد مستحقات الطاعن على أساس سعر الصرف للعملة الأجنبية مقابل الجنيه المصري وقت استحقاقه إياها، بل على أساس سعر الصرف الرسمي للعملة الأجنبية مقابله في تاريخ أداء الاستحقاق فعليا وتنفيذ الحكم الجاري؛ مسايرة لاعتبارات العدالة، وكي لا يضار الطاعن من جراء حرمانه من حقوقه محل التداعي طيلة هذه السنوات إلى أن قضي له بأحقيته فيها، وهو ما تقضي به المحكمة.
وحيث إنه لا ينال من كل ما تقدم، ما أودعته الجهة الإدارية المطعون ضدها من التوجيهات الرسمية لرئيس مجلس الوزراء التي ضمها كتاب رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء رقم 2652 بتاريخ 17/4/2002 من ضرورة عرض كل حالة مرضية على حدة على رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم؛ إذ إنه ولئن كان ذلك في ظاهره مطلبا إداريا قويما لضبط مشروعية الاستحقاق ومسائل الصرف وتوجيه الإنفاق على وفق الاحتياج الطبي الحقيقي لكل حالة مرضية على حدة، بيد أن الواقع العملي انعطف به إلى كهوف المحسوبية المنغلقة على فئات وظيفية ومجتمعية خاصة وذويهم وما ملكت معارفهم، وهي وإن كانت أيضا حقهم الفعلي الواجب في الرعاية الصحية، إلا أن الدولة تغاضت عن منح هذا الحق كاملا أو مجزءا إلى مواطنين آخرين، حتى إن الطاعن وهو يشغل منصبا علميا مرموقا احتار بين اللجان الطبية والإدارية طلبا لحقه المشروع دون جدوى، فما بال المواطن العادي الذي يغزوه المرض في بيئة يضاجعها الفقر.
وحيث إنه لا يقدح في ذلك ما دافعت به الجهة الإدارية من أن توجيهات رئيس مجلس الوزراء التي ضمها كتاب رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء المؤرخ في 5/9/2002 تفيد بأن مساهمة الدولة في تكاليف العلاج تكون اثني عشر ألف يورو في دول الاتحاد الأوروبي وخمسين يورو بدل سفر عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، واثني عشر ألف يورو في بقية دول العالم وستين يورو بدل سفر عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، وخمسين ألف جنيه في داخل جمهورية مصر العربية؛ إذ إن تلك القرارات لا تحوي إلا قواعد إدارية جامدة مناوئة لمبادئ الدستور والقانون، ونائية من قبلهما عن واقع الحال في بلاد يلعق فيها الفقر والمرض صنوان، ولا تفسح المجال لترتيب نفقات علاج كافية لكل حالة مرضية على حدة، بل رصت الأمر في تقسيمات مالية ضريرة، وقد درجت حكومات العصر البالي على ابتداع مثل هذه القواعد في أسوأ نماذج الابتداع على إطلاقه، وسايرتها الحكومات المتعاقبة دون وعي وجرأة على إلغائها أو تعديلها أو إصدار قواعد أكثر تحضرا وقربا من حقوق هذا الشعب البسيط الوفي الذي التحف بهموم مصر الحديثة عقودا عديدة، ومازال يحلم بوجودها واحتمائه في ظلها لعقود آتية، حتى إن امتناع المطعون ضدهما عن سداد مصروفات العملية الجراحية التي أجريت للطاعن طوال هذه السنوات تسبب في تحمل ميزانية الدولة لمئات الآلاف من الجنيهات نتيجة ارتفاع سعر الصرف لعملة الدولار الأمريكي.
وحيث إنه لا يبدل من هذا ما أوردته الجهة الإدارية في دفاعها من أن مجلس جامعة الأزهر كان قد أصدر في جلسته رقم (427) المنعقدة بتاريخ 7/2/2001 موافقة عامة على علاج أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من الأساتذة غير المتفرغين في أماكن متميزة بمستشفيات الجامعة، وتكليف عمداء كليات الطب بالجامعة ومديري المستشفيات بالإشراف الشخصي على هذه الحالات، إذ إنه ولئن أبرز هذا القرار نوعا من الاهتمام المحسوب لإدارة الجامعة المطعون ضدها بالرعاية الصحية لأعضاء هيئة التدريس بها، غير أن عملية زرع الكبد للطاعن التي أوصت بها اللجنة الطبية المتخصصة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، لم تكن وقتها من العمليات الجراحية المتاحة داخل مستشفيات الجامعة، فضلا عن أن حالته الصحية كانت من الحالات الحرجة المحتاجة إلى إجراء العملية على وجه السرعة، على وفق ما أوردته تقارير تلك اللجنة الطبية المتخصصة، والتي ما كانت تستدعي مجرد الانتظار البيروقراطي لإقرار البدائل.
وحيث أخذ الحكم المطعون فيه بغير النظر المتقدم، فإنه يضحى مخالفا للواقع والقانون، ويبدو الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية العليا قائما على أساس صحيح من القانون، ويتعين قبوله، ويغدو الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية العليا غير قائم على أساس سليم، ويتعين رفضه.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته، عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعن رقم 12195 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بأحقية الطاعن في استرداد قيمة تكلفة عملية زرع الكبد التي أجريت له بتاريخ 27/6/2008 بمستشفى ".................." بجمهورية الصين الشعبية، والبالغ مقدارها مئة ألف دولار أمريكي، وقيمة بدل سفر بواقع ستين يورو عن كل ليلة قضاها بتلك السفرة، وقيمة تذكرة السفر البالغ مقدارها أربعة آلاف وستة وعشرون جنيها مصريا، وإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما أداء مجموع هذه المبالغ كاملة للطاعن على نفقة الدولة، على أن يكون الصرف بالجنيه المصري، وبسعر الصرف وقت الأداء، وبمراعاة خصم ما يكون قد صرف للطاعن في ذاك الشأن، مع ما يترتب على هذا من آثار، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب.
(ثانيا) قبول الطعن رقم 12645 لسنة 59 القضائية عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها مصروفات الطعنين عن درجتي التقاضي.