جلسة 31 من ديسمبر سنة 1968
برياسة السيد المستشار/
الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن
هيكل، وأمين فتح الله، وإبراهيم الديواني، وعبد العليم الدهشان.
-------------
(247)
الطعن رقم 561 لسنة 34
القضائية
(أ) محكمة الموضوع.
"سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل".
محكمة الموضوع صاحبة الحق
في تقدير ما يقدم إليها من أدلة. سلطتها في عدم الأخذ بالصور الشمسية للأوراق.
)ب) حكم. تسبيب الحكم. حجية الحكم. "حجية
الحكم الجنائي".
المنع من إعادة النزاع في
المسألة المقضي فيها. شرطه. حكم من محكمة الجنح بعدم قبول الدعوى المدنية لعدم
اختصاصها بنظرها على أساس أن المطلوب منها ليس تعويضاً عن ارتكاب جنحة. اختلاف
المسألة المقضي فيها في ذلك الحكم عن تلك المقضي فيها بالحكم المطعون فيه. لا
افتيات في الحكم الأخير على الحكم السابق. التزيد في أسباب الحكم. لا أثر له.
-------------
1 - محكمة الموضوع هي
صاحبة الحق في تقدير ما يقدم إليها من أدلة. ولا تثريب عليها إن هي لم تر الأخذ
بصور شمسية لأوراق أريد التدليل بها في الدعوى وأقامت قضاءها على ما استخلصته من
قرائن اطمأنت إليها متى كان استخلاصها لها سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق.
2 - المنع من إعادة
النزاع في المسألة المقضي فيها يستلزم أن تكون المسألة واحدة في الدعويين. وإذ
يشترط لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضي فيها نهائياً مسألة أساسية لا
تتغير وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعيه في الدعوى الثانية، وكان النزاع الذي طرح
على محكمة الجنح يتعلق بقبول أو عدم قبول الدعوى المدنية من المطعون عليه الأول ضد
الطاعن، وإذ انتهت محكمة الجنح إلى عدم قبول الدعوى المدنية لأنها غير مختصة
بنظرها وذلك تأسيساً على أن المطلوب ليس هو التعويض عن ارتكاب جنحة، وكان لا علاقة
لهذا القضاء بموضوع الدعوى الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه - وهو قيمة الشيكات
المحولة إلى المطعون عليه الأول - فإن هذا الحكم لا يكون فيه افتيات على الحكم
السابق لاختلاف المسألة التي قضى فيها كل منهما. وإن استطرد الحكم السابق إلى
القول بأن الشيكات اسمية فلا يجوز تظهيرها إذ يعد ذلك منه تزيداً غير لازم للفصل
في الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية أمام محكمة الجنح بعد أن أورد الأسباب التي
تحمل قضاءه في هذا الخصوص.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول
تقدم لرئيس محكمة القاهرة الابتدائية بطلب إصدار أمر أداء ضد الطاعن والمطعون عليه
الثاني بمبلغ 3000 ج، وقال شرحاً لطلبه إنه علم من المطعون عليه الثاني أن اتفاقاً
تم بينه وبين الطاعن على أن يقوم من باطنه بمقاولة صنع الأثاثات الخشبية اللازمة
لمبنى كلية العلوم بجامعة عين شمس ووافق على ما عرضه عليه المطعون عليه الثاني بأن
يبيع له الأخشاب المطلوبة للقيام بهذه العملية وسلم الأخشاب إليه، وأنه للوفاء
بثمنها حول إليه المطعون عليه الثاني شيكات ثلاثة تحمل تواريخ 30/ 5/ 1960 و30/ 6/
1960 و30/ 7/ 1960 على التوالي قيمة كل منها 1000 ج كان قد سحبها الطاعن على بنك
الاتحاد التجاري لصالح المطعون عليه الثاني، وإذ امتنع البنك عن صرف قيمة هذه
الشيكات إليه فقد تقدم بطلبه سالف البيان. رفض رئيس المحكمة إصدار أمر الأداء وحدد
جلسة لنظر الدعوى التي قيدت برقم 6290 سنة 1963 كلي القاهرة، وبتاريخ 9 فبراير سنة
1964 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن والمطعون عليه الثاني بأن يدفعا للمطعون عليه
الأول مبلغ 3000 ج. استأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 564 سنة 81 ق
القاهرة، وقضت محكمة الاستئناف بتاريخ 28/ 10/ 1964 بتأييد الحكم المستأنف. طعن
الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض
الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة العامة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
أسباب ثلاثة حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت
بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الثابت من الاتفاق المؤرخ 22/ 2/ 1960
والمحرر بينه وبين المطعون عليه الثاني ومن الإقرار اللاحق له والصادر من هذا
الأخير في 22/ 3/ 1960 أنهما تضمناً شرط عدم جواز حوالة الشيكات موضوع النزاع وهو
شرط صحيح طبقاً للمادة 303 من القانون المدني، وأنه وقد أصدر الطاعن الشيكات اسمية
وضمن المطعون عليه الثاني إقراره المؤرخ 22/ 3/ 1960 حق الطاعن في إيقاف صرف هذه
الشيكات وجعل الطاعن استحقاق قيمتها على مراحل فقد قصد بذلك منع المطعون عليه
الثاني من تحويلها للغير باعتبار أنها تمثل عمليات خاصة بالتوريد على مراحل يتعين
على المطعون عليه الثاني لصرف قيمة أي شيك منها أن يقوم بتنفيذ المرحلة من التزامه
المقابلة له والمحرر عنها هذا الشيك، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل اتفاق الطرفين
في هذا الخصوص ولم يرتب أثره القانوني وذلك على الرغم من أن الطاعن لم يكن مديناً
للمطعون عليه الثاني بقيمة هذه الشيكات لعدم تنفيذ هذا الأخير التزاماته، مما يعيب
الحكم بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود
ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعول في قضائه على الاتفاق
المؤرخ 22/ 2/ 1960 أو الإقرار المؤرخ 22/ 3/ 1960 ولم يرتب أثراً على ما يثيره
الطاعن بسبب النعي من أنهما قد تضمنا شرط عدم جواز حوالة الشيكات الثلاثة موضوع
النزاع وذلك على أساس أن ما قدم من هذين المحررين هما صورتان شمسيتان وأن المطعون
عليه الثاني والطاعن اصطنعا هذين المحررين وغيرهما من الأوراق المقدمة من الطاعن
لخدمته وقت أن كان متهماً في جنحة إصدار شيك بدون رصيد، وكان الحكم المطعون فيه قد
رفض دفاع الطاعن بأنه لم يكن مديناً للمطعون عليه الثاني تأسيساً على ما قرره من
أنه ليس من المستساغ أن يحرر الطاعن ثلاثة شيكات كلاً منها بمبلغ 1000 ج للمطعون
عليه الثاني وأن يسلمها مقدماً إذا كان هذا الأخير لم ينفذ تعهده، وأن المقبول
عقلاً هو ما قال به المطعون عليه الأول من أن المطعون عليه الثاني جاءه بهذه
الشيكات وحولها إليه ثمناً لما يحتاج إليه من أخشاب تنفيذاً للمقاولة التي التزم
بها من باطنه قبل الطاعن وأنه تسلم الأخشاب بالفعل، وكانت محكمة الموضوع هي صاحبة
الحق في تقدير ما يقدم إليها من أدلة ولا تثريب عليها إن هي لم تر الأخذ بصور
شمسية لأوراق أريد التدليل بها في الدعوى وأقامت قضاءها على ما استخلصته من قرائن
اطمأنت إليها متى كان استخلاصها لها سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق. لما كان ذلك
وكان من شأن القرائن التي استخلصتها المحكمة وهي بصدد الموازنة بين الأدلة المقدمة
في الدعوى - على النحو السالف بيانه - أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، فإن
النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه التناقض في الأسباب ومخالفة الثابت بالأوراق،
وفي بيان ذلك يقول إن الحكم بعد أن قرر أنه لا يعول على المستندات المقدمة منه
لأنها "صور فوتوغرافية" ومنها المخالصة المؤرخة 1/ 9/ 1960 والصادرة من
المطعون عليه الثاني للطاعن - عاد وبحث المستند الذي أطرحه من قبل وذلك في قوله إن
تاريخه لم يثبت إلا في 22/ 9/ 1960 أي بعد إعلان الطاعن بالحوالة، وأضاف الطاعن
أنه فات الحكم أن المخالصة ومحضر الصلح المقدمين منه لم يقعا إلا على الشيك
المستحق في 30/ 4/ 1960 والمستبدل بالشيك المستحق في 5/ 6/ 1960 وهو ليس محلاً
للحوالة ولا علاقة له بالشيكات موضوع النزاع.
وحيث إن هذا النعي في شقه
الأول مردود ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن عرض للمستندات التي
قدمها الطاعن سواء أكانت صوراً شمسية أم أصل هذه المستندات وقرر عدم التعويل على
المستندات التي لم يقدم منها سوى صور شمسية وبين القرائن التي استنبطها لإطراح
دفاع الطاعن والأخذ بدفاع المطعون عليه الأول، واجه الحكم المستندات المقدم أصلها
ومنها المخالصة المقدمة من الطاعن فقال "كما أن المخالصة المؤرخة 1/ 9/ 1960
والثابتة التاريخ في 22/ 9/ 1960 فهي من غير شك قد صدرت بعد إعلان الحوالة
للمستأنف ونفاذها ضده بمقتضى صحيفة افتتاح الدعوى في الجنحة المباشرة التي صدر
فيها الحكم الجزئي في 4/ 9/ 1960 وإلا فما السر في التأخر في إثبات تاريخها ما
دامت صدرت في 1/ 9/ 1960". ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه فرق
بين المحررات المقدم منها صور شمسية والمحررات المقدم أصلها واستند الحكم في إطراحه
الأول إلى أنه رأى عدم الأخذ بالصور الشمسية وبالنسبة للثانية ومنها المخالصة
المؤرخة 1/ 9/ 1960 فإنه رأى إطراحها لتحريرها بعد إعلان الطاعن بالحوالة وللتراخي
في إثبات تاريخها، فإنه يكون غير صحيح ما يسوقه الطاعن من أن الحكم قد شابه
التناقض حين تحدث عن المخالصة المشار إليها وأطرح دفاع الطاعن بشأنها بعد إطراحه
المحررين المؤرخين 22/ 2/ 1960 و12/ 3/ 1960 المقدم منهما صورة شمسية، ومن ثم يكون
النعي على الحكم بالتناقض في هذا الخصوص على غير أساس. والنعي في شقه الثاني غير
صحيح إذ أن الثابت بالمخالصة وبمحضر الصلح أنهما ينصبان على جميع الأعمال المبينة
بعقد الاتفاق المؤرخ 22/ 2/ 1960 والتخالص عن جميع الشيكات الواردة به ومن ضمنها
الشيكات موضوع النزاع مما لا يعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن حاصل السبب
الثالث أن الحكم المطعون فيه صدر على خلاف حكم سابق بين الخصوم أنفسهم، وفي بيان
ذلك يقول الطاعن إن محكمة الجنح المستأنفة كانت قد قضت بتاريخ 21/ 2/ 1961 في
الاستئناف رقم 5404 سنة 60 جنح استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف الصادر في
4/ 9/ 1960 في الجنحة رقم 11747 سنة 60 الأزبكية بتأييد هذا الحكم فيما قضى به من
عدم قبول الدعوى المدنية التي أقامها المطعون عليه الأول ضد الطاعن تأسيساً على أن
المطعون عليه الأول - بوصفه مدعياً بالحقوق المدنية في الجنحة المباشرة - ليست له
صفة في توجيه دعواه المدنية ضد الطاعن لأن الشيكات اسمية فهي في حقيقتها سندات
إذنية لا تخضع لإجراءات التظهير بل تخضع لقواعد الحوالة المدنية، وإذ كانت هذه
الأسباب وثيقة الصلة بالمنطوق ومؤدية إليه وتحوز الحجية بين أطراف النزاع فقد دفع
أمام محكمة الموضوع - في الدعوى الحالية - بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها بحكم
محكمة الجنح المستأنفة سالف البيان، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع وبذلك
يكون قد خالف قضاء سابقاً صادراً بين نفس الخصوم في ذات الموضوع.
وحيث إنه يبين من حكم
محكمة الجنح المستأنفة رقم 5404 سنة 60 القاهرة أنه قضى في الجنحة المباشرة التي
كان قد أقامها المطعون عليه الأول ضد الطاعن والمطعون عليه الثاني بعدم قبول
الدعوى المدنية أمام محكمة الجنح تأسيساً على أن المطعون عليه الأول - المدعي
بالحقوق المدنية - قصر طلباته على قيمة الشيكات وأن هذه القيمة ليست تعويضاً عن
الجريمة بل ديناً سابقاً على وقوعها غير مترتب عليها، ثم استطرد الحكم فقال بأنه
لا صفة للمطعون عليه الأول في توجيه دعواه إلى الطاعن لأن الشيكات اسميه باسم
المطعون عليه الثاني، كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض الدفع
بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الجنحة المباشرة التي قضي فيها بعدم
قبولها تأسيساً على أن حكم محكمة الجنح "لم يتناول موضوع الدعوى وإنما هو حكم
قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها أمام جهة غير مختصة بنظرها فهذا الحكم بطبيعة الحال
لا يمنع من نظر الدعوى بعد ذلك أمام الجهة المختصة". ولما كان المنع من إعادة
النزاع في المسألة المقضي فيها يشترط أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، وإذ يشترط
لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضي فيها نهائياً مسألة أساسية لا تتغير
وتكون هي بذاتها الأساس فيما يدعيه في الدعوى الثانية، وكان النزاع الذي طرح على
محكمة الجنح يتعلق بقبول أو عدم قبول الدعوى المدنية من المطعون عليه الأول ضد
الطاعن، وإذ انتهت محكمة الجنح - على ما سلف بيانه - إلى عدم قبول الدعوى المدنية
لأنها غير مختصة بنظرها وذلك تأسيساً على أن المطلوب ليس هو التعويض عن ارتكاب
الجنحة، وكان لا علاقة لهذا القضاء بموضوع الدعوى الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه،
فإن هذا الحكم الأخير لا يكون فيه افتيات على الحكم السابق لاختلاف المسألة التي
قضى فيها في كل منها. ولا يؤثر في ذلك ما استطرد إليه حكم محكمة الجنح من أنه لا
صفة للمطعون عليه الأول في إقامة دعوى الجنحة المباشرة ضد الطاعن لأن الشيكات
اسمية فلا يجوز تظهيرها إذ أن ذلك يعتبر تزيداً من الحكم غير لازم للفصل في الدفع
بعدم قبول الدعوى المدنية أمام محكمة الجنح بعد أن أوردت في حكمها الأسباب التي
تحمل قضاءها في هذا الخصوص، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.