القضية رقم 30 لسنة 2 ق " دستورية " جلسة 5 / 2 / 1983
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 5 من فبراير سنة 1983م ،
الموافق 22 من ربيع الآخر سنة 1403 هـ .
المؤلفة برياسة السيد المستشار / فاروق سيف النصر رئيس
المحكمة
وحضور السادة المستشارين : د . فتحي عبد الصبور ومصطفى جميل مرسى
وممدوح مصطفى حسن ومحمد عبد الخالق النادي ورابح لطفي جمعة وفوزي أسعد مرقس أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ المفوض
وحضور السيد / أحمد على فضل الله أمين السر
أصدرت الحكم الآتى :
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا
برقم 30 لسنة 2 القضائية " دستورية "
المرفوعة من :
السيد رئيس مجلس إدارة جماعة الإصلاح الإسلامي
ضد
1 - السيد رئيس الجمهورية
2 - السيد الدكتور وزير الصحة
الإجراءات
بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1980 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 135 لسنة
1964 في شأن تنظيم المؤسسات العلاجية .
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًا بعدم قبول
الدعوى واحتياطيًا برفضها .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا أبدت فيه الرأي برفضها
.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، حيث التزمت هيئة
المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل
في أن المدعى بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 1523 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الإداري
طالبًا الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 135 لسنة 1964 في شأن تنظيم
المؤسسات العلاجية ، وذلك فيما تضمنه من تأميم مستشفى جماعة التعاون الإسلامي
الكائنة بمبنى مسجد نفق شبرا وتسليمها للجماعة التي يرأسها وأثناء نظر الدعوى دفع
المدعى بعدم دستورية القرار بقانون المشار إليه، فقضت المحكمة في 5 أغسطس سنة 1980
بوقف الدعوى وأمهلت المدعى ثلاثة شهور لرفع دعواه الدستورية ، فأقام الدعوى
الماثلة .
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادًا إلى أن المدعى لم
يحدد في صحيفتها أوجه المخالفة الدستورية التي ينعاها على القرار بقانون المطعون
فيه خروجًا على ما توجبه المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا .
وحيث إنه يبين من صحيفة الدعوى أن المدعى أفصح فيها عما ارتآه من أوجه
مخالفة القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964 للدستور قولاً من أن هذا القرار إذا كان
قد صدر من رئيس الجمهورية في غيبة المجلس النيابي في ظل دستور سنة 1958 استنادًا
إلى نص المادة (53) منه ولم تتوافر في شأنه الشروط المنصوص عليها في تلك المادة ،
أو كان قد صدر منه حال انعقاد ذلك المجلس وبدون تفويض تشريعي معقود له بنص في
الدستور يجيز له إصدار قرارات لها قوة القانون، فإنه يكون في الحالين قد جاء
مخالفًا للدستور كما أن هذا القرار يكون قد انطوى – فيما قضى به من تأميم لمستشفى
الجماعة التي يرأسها على اعتداء على الملكية الخاصة التي كفلت المادة الخامسة من
الدستور صونها وحمايتها . لما كان ذلك، وكانت المادة (30) من قانون المحكمة
الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 إذ أوجبت أنه يتضمن القرار
الصادر بالإحاطة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها
بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه
المخالفة ، إنما تطلبت – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ذكر هذه البيانات الجوهرية
التي تنبئ عن جدية الدعوى الدستورية ويتحدد به موضوعها حتى يتاح لذوى الشأن فيها
ومن بينهم الحكومة أن يتبينوا كافة جوانبها، ويتمكنوا من إبداء ملاحظاتهم ورد ودهم
عليها بحيث تتولى هيئة المفوضين تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية
والقانونية المثارة وتبدى فيها رأيها مسببًا، وكان ما أو رده المدعى في صحيفة
دعواه من بيان للنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة الشكلية والموضوعية
في شأنه على النحو السالف بيانه – إنما يتحقق به ما تغياه المشرع في المادة (30)
من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى يكون
في غير محله متعينًا رفضه .
وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية .
وحيث إن المدعى ينعى على القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964 مخالفته
للدستور استنادًا إلى سببين حاصل أولهما أن هذا القرار كان صادرًا من رئيس
الجمهورية في غيبة مجلس الأمة استنادًا إلى نص المادة (53) من دستور سنة 1958 التي
كانت تجيز لرئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة – إصدار التشريعات في غيبة المجلس وفق
شروط وضوابط نصت عليها تلك المادة لا تتوافر في القرار بقانون المطعون فيه الذى لم
يتم عرضه على أول مجلس نيابي ان عقد بعد ذلك لإقراره فسقط ما له من قوة القانون،
أو كان صادرًا من رئيس الجمهورية حال انعقاد مجلس الأمة في ظل دستور سنة 1958 دون
ما سند من نص فيه يجيز للمجلس صاحب الاختصاص الأصيل بالتشريع تفويض إياه في إصدار
قرارات لها قوة القانون، فإنه يكون مخالفًا للمادة (53) من دستور سنة 1958
ومجانبًا الحدود الدستورية المقررة في شأن سلطة رئيس الجمهورية الاستثنائية في
إصدار قرارات لها قوة القانون .
حيث إن القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964 المطعون فيه صدر من رئيس
الجمهورية في 22 مارس سنة 1964 في ظل الدستور المؤقت الصادر في 5 مارس سنة 1958،
والإعلان الدستوري الصادر في 27 سبتمبر سنة 1962.
وحيث إنه يبين من الإعلان الدستوري الصادر في 27 سبتمبر سنة 1962 بشأن
التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا أنه تضمنه في الأبواب الأربعة الأولى منه
تحديد السلطات العليا في الدولة مسندًا إياها إلى كل من رئيس الدولة ومجلس الرياسة
والمجلس التنفيذي ، ومبينًا اختصاصات كل من هذه السلطات بما يغاير الأوضاع
المقابلة لذلك في دستور سنة 1958 في خصوص نظام الحكم، وقد نصت المادة الثالثة من
الإعلان الدستوري المشار إليه على أن " يتولى رئيس الجمهورية إصدار المعاهدات
والقوانين والقرارات التي يوافق عليها مجلس الرئاسة " كما نصت المادة العشرون
على بقاء أحكام دستور سنة 1958 سارية فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الإعلان حتى يتم
وضع الدستور النهائي للدولة ، وهكذا حل مجلس الرياسة مؤقتًا محل مجلس الأمة الذى
كان منصوصًا عليه في دستور سنة 1958 وانتقلت إليه ولاية التشريع كاملة كي يتولاها
كما يتولاها مجلس الأمة صاحب الاختصاص الأصيل بممارستها، فيكون له كافة سلطاته في
مجال التشريع، وذلك أثناء فترة الانتقال التي بدأت من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري
في 27 سبتمبر سنة 1962 وانتهت في 25 مارس سنة 1964 تاريخ العمل بدستور سنة 1964 .
ومقتضى ذلك أن ما يصدر عن رئيس الجمهورية من قوانين وافق عليها مجلس الرياسة –
أثناء هذه الفترة – يعتبر قانونًا بالمعنى الكامل ولا موجب لعرضه على المجلس النيابي
عند عودة الحياة النيابية ، كما أن نص المادة (53) من دستور سنة 1958 الذى يخول
رئيس الجمهورية إصدار أي تشريع أو قرار مما يدخل في اختصاص مجلس الأمة إذا دعت
الضرورة لاتخاذه في غيبة المجلس يكون قد بطل العمل به في خلال تلك الفترة إعمالاً
لنص المادة العشرين من الإعلان الدستوري سالف الذكر .
لما كان ذلك، وكان البين من ديباجة القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964
أنه صدر من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الرئاسة استنادًا إلى الإعلان الدستوري
الصادر في 27 سبتمبر سنة 1962، فإنه يكون قد استوفى الشكل الدستوري للقوانين، ومن
ثم يكون ما ينعاه المدعى بهذا السبب في غير محله .
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964
قد انطوى – فيما قضى به من تأميم مستشفى جماعة التعاون الإسلامي – على اعتداء على
الملكية الخاصة وهي مصونة لا يجوز المساس بها طبقًا للمادة الخامسة من دستور سنة
1958 الذى صدر في ظله، ذلك أن هذا الدستور لم يتضمن نصًا على مبدأ التأميم وأن
المستشفى المؤممة لا تعدو أن تكون مشروعًا خيريًا ينأى بطبيعته عن مجال التأميم
الذى لا يرد إلا على ما يعد من المشروعات الاقتصادية ، كما أن مناطه توافر المصلحة
العامة في حين أن المستشفى المشار إليها لم تسهم – بعد تأميمها – بأي دور في تحسين
الخدمة العلاجية والصحية وإنما تحولت إلى مخازن ومكاتب لموظفي المنطقة الطبية
التابعة للمؤسسة العلاجية بما تتسنى معه اعتبارات الصالح العام التي استهدفها
التأميم .
وحيث إن نطاق الطعن على هذا النحو يكون قد تحدد من الناحية الموضوعية
في النعي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 135
لسنة 1964 بشأن تنظيم المؤسسات العلاجية فيما قضت به من تأميم مستشفى جماعة
التعاون الإسلامي المبينة بالكشف المرفق بهذا القانون.
وحيث إن التأميم يقوم على نقل ملكية مشروعات خاصة من مجال الملكية
الخاصة إلى مجال الملكية الجماعية أي ملكية الشعب – تحقيقًا لضرورات اقتصادية أو
اجتماعية أو سياسية – بقصد إبعادها عن الإدارة الفردية واستغلالها حساب المصلحة
العليا للجماعة وذلك مقابل تعويض يؤدى لأصحابها . وليس بالضرورة أن ينصب التأميم
على المشروعات الاقتصادية فحسب إذ قد يمتد إلى الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات
النفع العام متى رأى المشرع في قانون التأميم أن الصالح العام يقتضى إبعادها عن
الإدارة الخاصة وتأميمها وفاء لهذه الضرورات .
وحيث إنه وإن كان المشرع الدستوري لم يضمن الدستور المؤقت الصادر سنة
1958 نصًا خاصًا في شأن مبدأ التأميم إلا أن هذا المبدأ يجد سنده في النص العام
الذى ورد في المادة الخامسة من هذا الدستور التي تقضي بأن " الملكية الخاصة
مصونة وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة
ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون " – مما مقتضاه جواز تقييد حق الملكية
الخاصة نزولاً على مقتضيات الصالح العام باعتبارها وظيفة اجتماعية ينظم القانون
أداءها في خدمة الجماعة بأسرها . وهو ما ردده دستور سنة 1971 في المادة (32) منه التي
جعلت الملكية الخاصة وظيفة اجتماعية ، وقضت بأن يكون استخدامها بما لا يتعارض مع
الخير العام للشعب وفى المادة (34) التي نصت على أن الملكية الخاصة مصونة .....
ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقًا للقانون، وما اكده ذلك
الدستور في المادة (35) من أنه " لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام
وبقانون ومقابل تعويض " .
وحيث إن القرار بقانون رقم 135 لسنة 1964 بشأن تنظيم المؤسسات
العلاجية بعد أن نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على أن تؤول إلى الدولة
ملكية المستشفيات المبينة في الكشف المرفق به ومن بينها مستشفى جماعة التعاون الإسلامي
، حرص في مادته الخامسة على النص على استحقاق أصحاب المستشفيات المؤممة التعويض عن
هذا التأميم كما أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون عن مقاصده واعتبارات
الصالح العام التي تغياها من إصداره فأشار إلى أن الهدف من التأميم هو منع السيطرة
والاستغلال اللذين يسودان قطاع المؤسسات العلاجية الخاصة مما اقتضى تدخل الدولة
حماية للمواطنين بإعادة المستشفيات المؤممة لخدمتهم متجردة من سوء الإدارة
والاستغلال. لما كان ذلك، فإن القرار بقانون المطعون فيه يكون فيما تضمنه من تأميم
مستشفى جماعة التعاون الإسلامي قد جاء مستوفيًا لشرائط التأميم المنصوص عليها في
المادة (35) من الدستور وصدر متفقًا مع أحكامها، ومن ثم فلا يكون منطويًا على
اعتداء على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها وحمايتها بحسبانها وظيفة
اجتماعية ينظم القانون أداءها في خدمة الجماعة . ولا ينال من ذلك ما أثاره المدعى
بشأن الإجراءات التنفيذية اللاحقة على صدور قانون التأميم بزعم أنها حولت المستشفى
المؤممة إلى مخازن ومكاتب للجهة الإدارية المشرفة عليها، ذلك أن هذا الطعن – أيًا
كان وجه الرأي فيه – لا يعدو أن يكون نعيًا على كيفية تطبيق قانون التأميم
وإجراءات تنفيذه، ولا يشكل عيبًا دستوريًا يوصم به هذا القانون وتمتد إليه رقابة
هذه المحكمة ، ومن ثم يكون النعى عليه بهذا السبب بدوره غير سديد .
لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه المدعى على القرار بقانون رقم 135 لسنة
1964 من مخالفته للدستور سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية الموضوعية ، لا
يقوم على أساس، الأمر الذى يتعين معه رفض الدعوى .
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات
ومبلغ ثلاثون جنيهًا مقابل أتعاب المحاماه .