جلسة الخميس 22 نوفمبر سنة 1928
برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور
حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك
المستشارين.
--------------
(19)
القضية
رقم 2 سنة 46 قضائية (فاطمة عبد الله المهدية ضدّ النيابة العمومية)
(أ) تمغة
ذهب أو فضة. نقلها إلى معدن آخر. نصب لا تزوير.
(المواد 174 و175 و293 عقوبات)
(ب) لفظ الأختام الوارد بالمادة 175 ع. معناه.
--------------
1 - المادة 174 عقوبات واضحة في أن التقليد أو التزوير يجب أن يكون
موضوعه شيئا من الأشياء المبينة فيها ختما كان أو ورقة أو تمغة. أي أن يكون
التقليد أو التزوير حاصلا أيهما في ذات الشيء من هذه الأشياء.
2 - لفظ الأختام الوارد في المادة 175 عقوبات ليس معناه أثر
الأختام وطابعها بل ذات الآلات التي تختم بها الحكومة أو تتمغ بها.
وعلى ذلك لا تنطبق المادة
174 ولا المادة 175 على من اقتطع قطعة من الذهب عليها تمغة الحكومة وأحكم وضعها
ولحامها بمعدن آخر بعد تغطيته بطبقة من الذهب بكيفية غير ظاهرة وباعه أو رهنه على
أنه من الذهب الخالص [(1)]. إنما تعتبر هذه الفعلة نصبا داخلا تحت حكم المادة 293 ع.
وقائع الدعوى
اتهمت النيابة العمومية المتهمة المذكورة وآخر حكم ببراءته بأنهما في
يوم 27 من شهر يونيه سنة 1927 بدائرة قسم عابدين بمحافظة مصر زوّرا تمغة الحكومة
الخاصة بالمصوغات الذهبية بأن نقلاها مما وضعت عليه من المصوغات الحقيقية ووضعاها
على مصوغات فضية مغطاة بطبقة سميكة من الذهب. وطلبت من حضرة قاضى الإحالة بمحكمة
مصر الأهلية إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالفقرة السابعة من المادة
174 من قانون العقوبات.
فأصدر حضرته قرارا في 15
شهر نوفمبر سنة 1927 بإحالتهما على محكمة جنايات مصر لمحاكمتها بالمادة سالفة
الذكر.
وقد أقام داود يعقوب مراد
نفسه مدّعيا بحق مدنى أمام محكمة جنايات مصر وطلب الحكم له بتعويض قدره خمسة
وعشرون جنيها مصريا ونصف.
وبعد أن سمعت محكمة
جنايات مصر الدعوى تفصيلا حكمت حكما حضوريا بتاريخ 5 من شهر أبريل سنة 1928 عملا
بالمادة 174 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمة بالسجن ثلاث سنوات وإلزامها بأن
تدفع إلى يعقوب مراد المدّعى بالحق المدني مبلغ عشرين جنيها تعويضا ومصاريف الدعوى
المدنية وخمسمائة قرش أتعابا للمحاماة لأنها في يوم 27 من شهر يونية سنة 1927 بدائرة
قسم عابدين بمحافظة مصر مع علمها بتزوير تمغة المصوغات الذهبية بالكيفية المتقدّم
بيانها استعملتها بأن قدّمتها إلى داود يعقوب مراد ورهنتها عنده نظير مبلغ استلمته
يفوق قيمتها الحقيقية. فقرّرت المتهمة المذكورة بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض
والإبرام في 9 من شهر أبريل سنة 1928 وقدّم حضرة الأستاذ إبراهيم أفندي رياض
المحامى عنها تقريرا بأسباب طعنه في يوم 22 منه.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه
تقرير بأسبابه في الميعاد القانوني فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الواقعة الثابتة
في الحكم تنحصر في "أن المتهمة قدّمت لداود يعقوب" "مراد ثلاثة
أزواج من الغويشات عليها طابع تمغة الحكومة دالا على أنها من" الذهب الذى
عياره 21 قيراطا وطلبت منه ارتهانها على مبلغ 12 جنيها و500 مليم"
"فأخذها منها رهنا على هذا المبلغ وسلمه إليها وقد ظهر من بعد أن هذه
الغويشات" "إنما هي من قضبان من فضة لبس كل منها بغلاف من الذهب ولحم
طرفاه" "بقطعة صغيرة من الذهب الخالص من عيار 21 قيراطا عليها طابع تمغة
الحكومة" "قطعت أصلا من غويشة من ذهب كانت قد تمغت بهذه التمغة
الصحيحة" "وانه فوق هذه الأزواج الثلاثة قد ضبط بمنزل المتهمة ثماني
غويشات أخرى" "فيها طابع تمغة الحكومة الحقيقي منقولا بالطريقة المتقدمة
على قضبان من فضة" "أيضا مغلفة بالذهب".
وحيث إن المحكمة اعتبرت
أن نقل طابع تمغة الحكومة الحقيقي إلى تلك المصوغات التي باطنها من الفضة هو تغيير
للحقيقة وان هذا التغيير هو التزوير في تمغات الذهب المعاقب عليه وعلى استعماله
بالمادة 174 من قانون العقوبات. وتطبيقا لهذه المادة عاقبت المتهمة بالسجن ثلاث
سنوات على اعتبار أنها استعملت هذه التمغة المزوّرة مع علمها بتزويرها.
وحيث إن وجه الطعن يتحصل
في أن المادة 174 غير منطبقة على الواقعة كما هي ثابتة في الحكم. إذ التمغة لم
يحصل تقليدها ولا تزويرها. كما أن التزوير المشار إليه في هذه المادة لا يكون إلا
لما نصت عليه من الأوراق لأن تزوير الأختام غير سهل تصوّره وأن كل ما قد يمكن
انطباقه هو المادة 175 أو المادة 293، على أن المادة 175 لم تنص على التمغات بل
على الأختام فقط فهي من هذه الوجهة غير منطبقة أيضا.
وحيث إن المادة 174 من
قانون العقوبات واضحة في أن التقليد أو التزوير يجب أن يكون موضوعه شيئا من
الأشياء المبينة فيها ختما كان أو ورقة أو تمغة أي أن يكون التقليد أو التزوير
حاصلا أيهما في ذات الشيء من هذه الأشياء.
وبما أن طابع التمغة في هذه
الدعوى هو هو طابع تمغة الحكومة لا تقليد فيه ولا تزوير فالحادثة بعيدة عن أن
تنطبق عليها هذه المادة. ويظهر أن سبب الخطأ انتقال نظر فإنه وإن كان الواقع أن في
هذه الحادثة تغييرا للحقيقة غير أن هذا التغيير ليس واردا على التمغة حتى يعتبر
تزويرا فيها بل هو وارد على الفضة التي طمس جوهرها وغشى بالذهب.
وحيث إن المادة 175 هي
أيضا لا تنطبق على الحادثة ولكن عدم انطباقها ليس آتيا من جهة أن التمغات غير
واردة فيها بالنص كما يشير إليه الطاعن، إذ لا شك لدى هذه المحكمة في أن تلك
المادة إنما استعملت لفظ "أختام" بمدلوله الأعم الذى يشمل التمغات أيضا.
بل علة عدم الانطباق أن لفظ الأختام الوارد فيها ليس معناه أثر الأختام وطابعها بل
معناه ذات الآلات التي تختم بها الحكومة أو تتمغ بها. يدل ذلك قول المادة "كل
من استحصل بغير وجه حق". فإن الاستحصال بغير حق يفيد أن الشيء ليس بحسب أصله
في حيازة المستحصل وأن هذا المستحصل ليس من حقه أن يكون الشيء في حيازته بل انه
إنما تعمل وسعى للحصول عليه ممن له الحق في حيازته سواء أكان الحصول بسرقة أو نصب
أو بطريق آخر غير مشروع. وكل هذه المعاني إنما تصح في آلات الأختام والتمغات دون
طوابعها وآثارها. ولو كانت تلك الطوابع والآثار من مدلولات المادة لترتب على ذلك
نتيجة غير مقبولة هي أن من يملك شيئا من معدني الذهب والفضة مثلا وعليه طابع تمغة
الحكومة فاستعمل هذه التمغة بنقلها لمعدن من عيار أو نوع أقل قيمة فلا عقاب عليه
لأنه لم يستحصل من أحد على شيء بدون وجه حق بينما هو يكون عليه العقاب لو استحصل
من فرد غيره على هذا الطابع بطريق غير مشروع فاستعمله الاستعمال المتقدم. ومثل هذه
النتيجة لا تجوز في التشريع. إذ الغرض الأساسي يكون هو العقاب على الغش. وما دام
الغش يكون حاصلا في الصورتين فلا معنى للعقاب في واحدة منهما دون الأخرى. ومجرد
ترتب هذه النتيجة كاف للدلالة على صحة ما قدمنا من أن المراد هو آلة الختم أو
التمغ. وبما أن ذلك غير حاصل في صورة الدعوى الحالية فالمادة 175 هي كمثل المادة
174 لا تنطبق واحدة منهما على الواقعة الثابتة في الحكم.
وحيث إنه ثابت في الحكم
فوق ما أسلفناه من وقائع الحادثة (أوّلا): "أن قطعة الذهب التي عليها تمغة
الحكومة قد اقتطعت من أصلها بعناية تامة" "وأنه عند نقلها للغويشات
الفضية المغطاة بطبقة الذهب قد أحكم نقلها ولحامها" "بكيفية غير ظاهرة"
و(ثانيا) "أن المتهمة عندما حضرت إلى محل داود يعقوب" "كانت تبكى
وتولول بدعوى أنه مات لها عزيز فاضطرت لرهن هذه الغويشات" "لتقوم بما
يلزم من تجهيز دفنه وأنها كانت مستعجلة في إعطائها المبلغ الذى تطلبه".
وحيث إن هذا الثابت في الحكم
يجعل ما وقع من المتهمة نصبا داخلا تحت حكم المادة 293 من قانون العقوبات. فإن
المتهمة توصلت بالاحتيال إلى الاستيلاء من داود يعقوب على مبلغ 12 جنيها و500 مليم
إذ أوهمته بكون الغويشات التي قدمتها ليرتهنها هي من الذهب الذى من عيار 21 قيراطا
مع أن هذه الواقعة مزورة ولا وجود لها بل الموجود هو غويشات من الفضة المكتفة
بالذهب وهى تعلم ذلك. وقد جاز عليه إيهامها بما استعملته من الطرق الاحتيالية التي
حالت بينه وبين تعرف الحقيقة إذ وضعت أمام نظره طابع تمغة الحكومة الحقيقية على
هذه الغويشات التي جعل ظاهرها كله من الذهب واستعجلته في قضاء المبلغ ببكائها
وعويلها وظهورها مظهر المفجوع المضطر الذى يصعب عادة تصور أنه من المحتالين.
وحيث إنه لذلك وعملا
بالمادة 232 من قانون تحقيق الجنايات يتعين نقض الحكم وتطبيق المادة 293 من قانون
العقوبات المذكورة والقضاء بما توجبه من العقاب بدلا من المادة 174 ومن عقوبتها التي
طبقتها المحكمة.
فبناءً على هذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم واعتبار
الواقعة نصبا معاقبا عليه بالمادة 293 من قانون العقوبات وحبس المتهمة سنة واحدة
مع الشغل.
[(1)] صدر في هذا المعنى أيضا حكم المحكمة في القضية رقم 308 سنة 46 ق
بجلسة 10 يناير سنة 1929.