جلسة 11 من مايو سنة 1988
برئاسة السيد المستشار/
عبد المنصف هاشم - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ جرجس إسحق - نائب
رئيس المحكمة، محمد فتحي الجمهودي، السيد السنباطي ومحمد شوقي السيد الحديدي.
------------
(154)
الطعن رقم 72 لسنة 55
القضائية
(1) عقد "دفع
العربون". محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير نية المتعاقدين".
دلالة دفع العربون.
المرجع في بيانها لما تستقر عليه نية المتعاقدين لإعطاء العربون حكمه القانوني.
لمحكمة الموضوع استظهار نيتهما من ظروف الدعوى. لا رقابة لمحكمة النقض عليها متى
أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(2) عقد "الشرط الفاسخ الصريح".
الشرط الفاسخ الصريح.
وجوب أن تكون صيغته قاطعة الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه لمجرد حصول
المخالفة الموجبة له.
(3) عقد "فسخ العقد: الفسخ القضائي" بيع.
عدم النص في عقد البيع
على اعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم متى تأخر المشتري عن سداد
الثمن. مؤداه. عدم وقوع الفسخ إلا بحكم من القضاء.
-------------
1 - النص في الفقرة
الأولى من المادة 103 من القانون المدني على أن "دفع العربون وقت إبرام العقد
يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك"
يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه وإن كان لدفع العربون دلالة
العدول إلا أن شروط التعاقد قد تقضي بغير ذلك، والمرجع في بيان هذه الدلالة هو بما
تستقر عليه نية المتعاقدين وإعطاء العربون حكمه في القانون وأن لمحكمة الموضوع أن
تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها لتتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع
هو بعض الثمن الذي انعقد به البيع باتاً أم أنه عربون في بيع مصحوباً بخيار العدول
إذ أن ذلك يدخل في سلطتها التقديرية التي لا تخضع فيها لرقابة محكمة النقض طالما
أنه قضاءها يقوم على أسباب سائغة.
2 - المقرر في قضاء هذه
المحكمة أنه يتعين القول بتوافر الشرط الفاسخ الصريح أن تكون صيغته قاطعة الدلالة
على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه لمجرد حصول المخالفة الموجبة له.
3 - جرى قضاء هذه المحكمة
على أنه إذا لم ينص في عقد البيع على اعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى
حكم في حالة تأخر المشتري عن سداد الثمن فإن الفسخ لا يقع في هذه الحالة إلا إذا
صدر به حكم من القضاء.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مورث المطعون عليهم أقام
الدعوى رقم 2926/ 1978 مدني سوهاج الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع
المؤرخ 29/ 12/ 1977 وقال بياناً لذلك أنه اشترى بموجب هذا العقد من الطاعن أطياناً
زراعية مساحتها 13 ط 3 ف مبينة بالأوراق لقاء ثمن مقداره 25804 جنيه ويرغب في نقل
ملكيتها إليه، وبتاريخ 26/ 12/ 1978 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ ذلك العقد، استأنف
الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط (مأمورية سوهاج) بالاستئناف رقم 80/ 54
ق، وبتاريخ 15/ 11/ 1979 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى طعن
مورث المطعون عليهم في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 91 لسنة 50 ق، وبتاريخ
16/ 6/ 1983 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة
الاستئناف..... وبعد أن عجل الطاعن الاستئناف حكمت المحكمة بتاريخ 14/ 11/ 1984
بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة
أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه
جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
خمسة أسباب ينعي الطاعن بالثلاثة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في
تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال إذ كيف العقد موضوع
الدعوى بأنه بيع بات بشرط جزائي جرياً وراء استخلاص نية المتعاقدين ولم يعتد
بنصوصه الثابت منها دفع المشتري عربوناً حدد مقداره والحالة التي تبيح للمشتري
استرداده وتلك التي تبيح للبائع الاحتفاظ به، واستدل على ذلك بما نص عليه في ذلك
العقد من قيامه بتسليم الأرض المبيعة إلى المشتري ليقوم بزراعتها والاستيلاء على
ثمرتها وعلى حق المذكور في التصرف فيها لمن يشاء وبأي كمية دون معارضة منه وعلى
تعويض اتفاقي عند إخلال أحد طرفيه بما التزم به في حين أن الأرض المبيعة كانت
مؤجرة للمشتري ولا يملك إخراجه منها بحكم الامتداد القانوني لعقد الإيجار وأن
تخويل المشتري حق التصرف في الأرض المبيعة لا يكون إلا بعد سداده باقي الثمن ولا
ينفي حق العدول عن البيع وأن ما نص عليه في البند الرابع من إلزام من يخل بشروط
العقد بدفع مثل العربون مرتبط بالبند الثاني منه الذي وصف المبلغ المدفوع بأنه
عربون - ينفي عن هذا المبلغ أنه شرط جزائي.
وحيث إن هذا النعي برمته
غير سديد ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 103 من القانون المدني على أن
"دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه
إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على
أنه وإن كان لدفع العربون دلالة العدول إلا أن شروط التعاقد قد تقضي بغير ذلك،
والمرجع في بيان هذه الدلالة هو بما تستقر عليه نية المتعاقدين وإعطاء العربون
حكمه في القانون وأن لمحكمة الموضوع أن تستظهر نية المتعاقدين من ظروف الدعوى
ووقائعها لتتبين ما إذا كان المبلغ المدفوع هو بعض الثمن الذي انعقدا به البيع
باتاً أم أنه عربون في بيع مصحوباً بخيار العدول إذ أن ذلك يدخل في سلطتها
التقديرية التي لا تخضع فيها لرقابة محكمة النقض طالما أن قضاءها يقوم على أسباب
سائغة، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على قوله........ وإذ
كان الثابت من العقد سند الدعوى المؤرخ 19/ 12/ 1977 أن مورث المستأنف عليهم
(المطعون عليهم) ابتاع من المستأنف (الطاعن) أرضاً زراعية يستأجرها منه مساحتها 13
ط 3 ف شائعة في 2 ط 7 ف لقاء ثمن قدره 25804 جنيه ودفع وقت العقد مبلغ 6250 جنيه
كعربون وتعهد بسداد الباقي في مدة أقصاها أربعة أشهر وإذ أثبت بالعقد أن البائع
نفذ التزامه بالتسليم وأن المشتري نفذ التزامه بالتسليم حيث اتفق الطرفان على أن
يقوم المشتري بزارعة الأرض من وقت مشتراها مما مفاده أن الأرض المبيعة أصبحت في
وضع يد المشتري بموجب عقد البيع وليس بموجب عقد الإيجار وأن التسليم والتسلم تنفذا
حكماً مما مفاده أيضاً أن ثمرات الأرض المبيعة أصبحت من حق المشتري من وقت البيع
وبموجبه وإذ أثبت العقد أن المشتري أصبح له بموجب البيع ومن وقت حدوثه الحق في
التصرف في الأرض المبيعة ببيعها لآخرين أو غير ذلك من ضروب التصرف حيث اتفق
الطرفان على حق المشتري في توزيع الأرض مشتراه لأي اسم وبأي كمية دون معارضة من
البائع وإذ أثبت بالعقد أن المتعاقدين حرصا على تنفيذه بأن ضمناه تعويضاً اتفاقياً
عند إخلال أي منهما بشروطه حيث اتفق الطرفان على أن أي طرف يخل بشروط العقد يكون
عليه دفع مثل العربون ومن ثم فإن المحكمة تستخلص من جماع نصوص العقد أن نية
المتعاقدين من دفع العربون انصرفت إلى تأكيد العقد والبت في تنفيذه بدفع معجل
الثمن وجعل العقد مبرماً بينهما على وجه نهائي ومن ثم لا يجوز لأي من طرفيه الرجوع
عنه استناداً لأحكام البيع بالعربون المنصوص عليها بالمادة 103 مدني وكان يبين من
هذه الأسباب أن محكمة الموضوع استخلصت من نصوص العقد أن نية عاقديه انعقدت على
تمامه وأن المبلغ الذي وصف فيه بأنه عربون ما هو في الواقع إلا جزءاً من الثمن
وقصد بوصفه عربوناً تحديد قيمة التعويض الذي اتفقا على استحقاقه في حالة إخلال أي
منهما بشروط العقد، وكان ما استظهرته محكمة الموضوع منه نية المتعاقدين على هذا
النحو هو تفسير سائغ لنصوص العقد تحتمله عباراته مما يدخل في سلطتها التقديرية دون
معقب فإن هذا النعي برمته يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعي
بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق
والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن عقد
البيع موضوع النزاع اعتبر مفسوخاً من تلقاء نفسه لعدم وفاء المشتري بباقي الثمن في
الميعاد المتفق عليه استناداً إلى ما نص عليه في البند الرابع من هذا العقد لأن
عبارته تدل على أن نية الطرفين اتجهت إلى اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه في
حالة تأخر المشتري عن الوفاء بباقي الثمن وأن ما دفع منه يعتبر حقاً مكتسباً له
وهو أثر لا يترتب إلا نتيجة للشرط الفاسخ الصريح الذي تضمنه ذلك البند غير أن
الحكم المطعون فيه لم يبحث البند المشار إليه للتعرف على مدلوله واقتصر على القول
بأن العقد لا يحوي سوى الشرط الفاسخ الضمني.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين القول بتوافر الشرط الفاسخ
الصريح أن تكون صيغته قاطعة الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه لمجرد
حصول المخالفة الموجبة له، لما كان ذلك وكان النص في البند الرابع من عقد البيع
على أن "أي طرف يخل بشروط هذا العقد يكون عليه دفع مثل العربون" - ليس
إلا ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المقرر بحكم القانون في العقود الملزمة للجانبين
إذ لم تتضمن عبارته النص صراحة على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه وسلب ما للقاضي من
سلطة تقديرية وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر عند ما انتهى إلى أن
العقد لا يحوي سوى الشرط الفاسخ الضمني المقرر بحكم القانون في العقود الملزمة
للجانبين فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير
أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي
بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب
وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه بفرض أن ما ورد بعقد البيع
كان ترديداً للشرط الفاسخ الضمني فإن تأخر المشتري في الوفاء بباقي الثمن ألحق به
ضرراً وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الضرر غير أن الحكم المطعون فيه
التفت عن هذا الدفاع دون بيان أسباب ذلك واكتفى بالقول بأن المشتري أوفى بالتزامه
بدفع باقي الثمن.
وحيث إن هذا النعي غير
مقبول ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه إذا لم ينص في عقد البيع على اعتباره
مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم في حالة تأخر المشتري عن سداد الثمن فإن
الفسخ لا يقع في هذه الحالة إلا إذا صدر به حكم من القضاء، لما كان ذلك وكان يبين
من الرد على السبب الرابع أن عقد البيع موضوع التداعي لم ينص فيه على الشرط الفاسخ
الصريح وكان الطاعن لم يطلب فسخ هذا العقد الذي أقام مورث المطعون عليهم الدعوى
بطلب الحكم بصحته ونفاذه فإن النعي على الحكم المطعون فيه بشأن ما قرره من قيام
المشتري بالوفاء بالتزامه بدفع باقي الثمن والتفاته عن طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق
لإثبات الضرر الذي أصاب الطاعن من جراء التأخير في الوفاء بباقي الثمن أياً كان
وجه الرأي فيه - يكون غير منتج.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.