الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 يونيو 2019

الطعن 124 لسنة 61 ق جلسة 4 / 10 / 1992 مكتب فني 43 ق 118 ص 766


جلسة 4 من أكتوبر سنة 1992
برئاسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أنور جبري نائب رئيس المحكمة ومصطفى الشناوي ومحمد طلعت الرفاعي ومحمد عادل الشوربجي.
----------------------
(118)
الطعن رقم 124 لسنة 61 القضائية

(1) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
متى تتحقق جريمة الرشوة في حق الموظف العام ومن في حكمه؟
(2) رشوة. جريمة "أركانها".
جريمة الرشوة. تمامها ولو لم يتم تسليم مبلغ الرشوة المطلوب. لأن التسليم لا يعدو تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه.
 (3)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". رشوة.
الدفاع الموضوعي. لا يستلزم من المحكمة رداً صريحاً.
مثال.
 (4)رشوة. ارتباط. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الادعاء بخطأ الحكم في الرد على الدفع بالإعفاء في جريمة الوساطة في رشوة. عدم جدواه ما دامت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة الرشوة المسندة إليه أيضاً وأعملت في حقه المادة 32 عقوبات وعاقبته بعقوبة تدخل في نطاق عقوبة الجريمة الأخيرة.
(5) رشوة. تسجيل "إذن التسجيل. إصداره". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتسجيل. موضوعي.
 (6)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة. عدم جواز مناقشتها كل على حدة.
(7) إثبات "بوجه عام". "شهود". حكم "ما لا يعيبه".
الخلاف بين أقوال المبلغ والشاهد في تحديد أي من المتهمين تسلم مقدم الرشوة - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم. ما دام لا أثر له على جوهر الواقعة التي اعتنقها.
 (8)إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ المادي الذي لا يؤثر على النتيجة التي خلص إليها الحكم. لا يعيبه.
مثال.

-------------------
1 - المستفاد من نص المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف - ومن في حكمه - متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما اعتقد الموظف أو زعم.
2 - لما كان البين مما أورده الحكم تحصيلاً لواقعة الدعوى أن الطاعن الأول طلب لنفسه من المبلغ خمسة آلاف جنيه مقابل اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن شكواه على أساس اعتقاد خاطئ منه باختصاصه بهذا العمل ومن ثم فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت تامة في حقه ولو لم يتم تسليم مبلغ الرشوة المطلوب لأن التسليم في هذه الحالة لا يعدو تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه.
3 - لما كان ما أثاره المدافع عن الطاعن الأول من أنه كان على علم بخروج العمل عن دائرة اختصاص وظيفته وعدم اعتقاده خطأ اختصاصه به إنما هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً صريحاً ما دام فيما أوردته في حكمها من وقائع وظروف ما يكفي للرد عليها وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى واضح الدلالة على أن الطاعن عندما طلب الرشوة كان يعتقد خطأ وقوع الأرض المقدم بشأنها الشكوى في دائرة اختصاصه الوظيفي مما يسمح له بمباشرة واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها والذي طلب الجعل مقابلاً له وهو ما يكفي للرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحكم بشأنه يكون غير سديد.
4 - لما كانت المحكمة قد دانت الطاعن الأول بجريمتي الرشوة والوساطة في رشوة الطاعن الثاني وأعملت في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة واحدة عنهما تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الرشوة ومن ثم فإنه لا مصلحة له فيما يثيره نعياً على الحكم من خطأ في الرد على الدفع بالإعفاء في جريمة الوساطة في رشوة الطاعن الثاني.
5 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
6 - من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل فيها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
7 - لا يعيب الحكم أن يكون هناك خلف بين أقوال المبلغ والشاهد عضو الرقابة في تحديد أي من المتهمين تسلم مقدم الرشوة ما دام هذا الخلاف بفرض حصوله لا أثر - له - على جوهر الواقعة التي اعتنقها أو في منطق الحكم واستدلاله على ثبوت الواقعة في حق الطاعن الثاني.
8 - لما كان الحكم المطعون فيه حينما عرض للدفع ببطلان إذن النيابة بالتسجيل لعدم جدية التحريات اتسع رده ليشمل الدفع المبدى من الطاعنين معاً في هذا الخصوص فلا محل للنعي على الحكم إغفاله الرد على هذا الدفع وكان ما أورده الحكم في رده على الدفع من أن النيابة العامة أذنت بالتسجيل بعد استئذان القاضي الجزئي - خلافاً للثابت بالأوراق - رغم أنها هي التي أذنت به لا يعدو خطأ مادياً لا أثر له على النتيجة التي خلص إليها الحكم مما لا يعيبه ما دام الإذن قد صدر صحيحاً منها بما لها من سلطان قاضي التحقيق في الجرائم التي تختص بنظرها محاكم أمن الدولة طبقاً لأحكام القانون 105 لسنة 1980.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً: المتهم الأول: بصفته موظف عمومياً (......) طلب لنفسه رشوة لأداء عمل اعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته بأن طلب من....... مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة مقابل اتخاذه إجراءات اعتقد اختصاصه باتخاذها في الشكوى المقدمة منه والمتعلقة بإقامة مبان مخالفة على قطعة أرض يمتلكها ابن خال زوجته، ثانياً: المتهم الثاني: بصفته موظف عمومياً (.......) طلب وأخذ لنفسه رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب بعد وساطة المتهم الأول في ذلك من....... مبلغ خمسة آلاف جنيه أخذ منه مبلغ ألفي ومائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل قيامه باتخاذ الإجراءات القانونية في الشكوى المقدمة منه والمتعلقة بإقامة المباني على أرض يمتلكها ابن خال زوجته. ثالثاً: المتهم الأول: توسط على النحو المبين بالتحقيقات في جريمة رشوة المتهم الثاني موضوع التهمة الثانية. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 103 مكرراً، 107 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17 و32 من ذات القانون بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريم كل منهما ألف جنيه عما نسب إليه.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي الرشوة والوساطة فيها قد شابه التناقض والقصور في التسبيب، والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال ذلك أنه دان الطاعن الأول بجريمة الرشوة على أساس اعتقاده الخاطئ باختصاصه بالعمل الذي دفع الجعل مقابلاً لأدائه وجريمة الوساطة في رشوة الطاعن الثاني رغم أن قيام إحدى الجريمتين ينتفي به توافر الأخرى، هذا إلى أنه تمسك في تحقيقات النيابة العامة وفي مذكرة دفاعه المقدمة بالجلسة بأنه يعلم يقيناً بأنه غير مختص بهذا العمل وأنه لم يعتقد خطأ ذلك بما لا تقوم به جريمة الرشوة غير أن الحكم لم يعن بإثبات هذا الاعتقاد الخاطئ أو الرد على هذا الدفاع بما ينحسم به أمره، كما أنه تمسك بالإعفاء المقرر في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات لما اعترف به تفصيلاً في تحقيقات النيابة وبجلسة المحاكمة بجريمة الوساطة في رشوة الطاعن الثاني إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يستقيم به إطراحه، ورد على الدفع ببطلان الإذن بتسجيل المحادثات التليفونية لعدم جدية التحريات التي سبقته برد قاصر، كما أنه دان الطاعن الثاني بجريمة الرشوة واستند في قضائه إلى أقوال عضو الرقابة الإدارية بما تضمنته من أنه - أي الطاعن الثاني - اتفق مع الطاعن الأول والمبلغ على الرشوة رغم أنه استحال على المحقق بيان مضمون الحوار المسجل الذي يستدل منه حصول هذا الاتفاق، فضلاً عن تناقض أقوال هذا الشاهد مع أقوال كل من المبلغ والطاعن الأول في تحديد من قبض الرشوة، ولم يعرض برد لما دفع به هو من بطلان إذن النيابة العامة بشأنه لعدم جدية التحريات على استقلال وأخيراً فإن الحكم أورد في رده على الدفع المبدى من الطاعن الأول ببطلان إذن التسجيل أن الإذن صدر من النيابة العامة عد استئذان القاضي الجزئي رغم مخالفة ذلك للثابت بالأوراق إذ أن الإذن صدر من النيابة العامة بما لها من حق خوله لها القانون في مثل هذه الجرائم كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه بتاريخ 15/ 3/ 1990 توجه....... إلى حي...... ليتقدم بشكوى بشأن قطعة أرض زراعية بناحية....... كان يمتلكها ثم باعها لـ....... الذي باعها بدوره لآخرين قاموا بارتكاب بعض المخالفات على هذه الأرض من بينها إقامة مبان عليها وذلك قبل سداد باقي الثمن، وتقابل هناك بالمتهم الأول..... رئيس حي..... الذي طلب منه مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة مقابل اتخاذه الإجراءات القانونية حيال المخالفات الواردة بشكواه وتتمثل في تحرير محاضر المخالفات اللازمة وإزالة المباني المقامة على الأرض الزراعية موضوع الشكوى فتوجه إلى الرقابة الإدارية حيث التقى بعضو هيئة الرقابة........ وأبلغه بما دار بينه وبين المتهم الأول. وإذ قام بإجراء تحرياته تبين صحة البلاغ ودلت تحرياته على سوء سمعة المتهم الأول وارتباطه بعلاقات مشبوهة مع بعض المتعاملين مع حي........ واستصدر إذناً من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث التي تدور بين المبلغ....... والمتهم الأول وبعد عدة لقاءات ومحادثات تليفونية أخبر المتهم الأول المبلغ بأن قطعة الأرض الزراعية موضوع الشكوى تخرج من اختصاص حي...... وتتبع حي....... وأنه سوف يقوم بالوساطة لدى المتهم الثاني مدير إسكان حي....... لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وذلك لقاء ذات مبلغ الرشوة السابق الاتفاق عليه وطلب منه اللقاء معه بمكتب هذا الأخير يوم 31/ 3/ 1990 وخلال هذا اللقاء حدد المتهمان الأول والثاني المبلغ المطلوب بخمسة آلاف جنيه مقابل اتخاذ إجراءات تشميع وإزالة المباني المخالفة واتفق المبلغ معهما على دفع مبلغ ألفي جنيه مساء يوم 1/ 4/ 1990 والباقي بعد اتخاذ الإجراءات وآنذاك أخذ المتهم الأول من المبلغ مائة جنيه فسلمه للمتهم الثاني الذي سلمه بدوره للمهندس....... لتوزيعه على العاملين بإدارة الإسكان بحي....... وبعد استئذان النيابة العامة بضبط واقعة تسلم المتهمين لمبلغ الرشوة المتفق عليه تم تجهيز المبلغ بالأجهزة الفنية اللازمة والمبلغ المطلوب وفي الموعد المحدد حضر المتهمان إلى المكان المتفق عليه أمام حلواني....... بعين شمس بسيارة قيادة المتهم الأول حيث كان المتهم الثاني يجلس بجواره وتقابلا مع المبلغ حيث دار بين ثلاثتهم حديث عن موضوع الرشوة والإجراءات التي ستتخذ وتلك التي يمكن اتخاذها بعد ذلك تحت اسم "استئناف أعمال" والمبلغ المطلوب دفعه في هذه الحالة وسلم المبلغ ألفي جنيه إلى المتهمين مناولاً إياه إلى المتهم الأول وآنذاك تقدم عضو الرقابة بضبط الواقعة إلا أن المتهم الأول سارع بالفرار بالسيارة حيث ألقيت النقود بالطريق إلا أنه تم التمكن من ضبط السيارة وبها المتهم الأول على مسافة قريبة من مكان الواقعة" واستدل الحكم على ثبوت الواقعة على الصورة المتقدمة وصحة إسنادها للطاعنين بأدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وأقوال الطاعنين وتقرير حي...... وتقرير تفريغ أشرطة التسجيل وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولا يماري الطاعنان في أن لها أصل ثابت في الأوراق. لما كان ذلك وكان المستفاد من نص المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف - ومن في حكمه - متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء - عمل - من أعمال الوظيفة كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو - خرج - العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما اعتقد الموظف أو زعم، وكان البين مما أورده الحكم تحصيلاً لواقعة الدعوى أن الطاعن الأول طلب لنفسه من المبلغ خمسة آلاف جنيه مقابل اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن شكواه على أساس اعتقاد خاطئ منه باختصاصه بهذا العمل ومن ثم فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت تامة في حقه ولو لم يتم تسليم مبلغ الرشوة المطلوب لأن التسليم في هذه الحالة لا يعدو تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه. ولما كان ثبوت جريمة الرشوة في حق الطاعن الأول على النحو السالف لا يتناقض مع ما أثبته الحكم من قيامه بالوساطة في رشوة الطاعن الثاني بعد أن اكتشف عدم اختصاصه بخروج الأرض المقدم بشأنها شكوى المبلغ عن دائرة وظيفته وليس من شأن ثبوت أي من الجريمتين أن ينتفي به قيام الآخرين لما تنطوي عليه الواقعة من سلوك إجرامي متعدد تتعدد به الجرائم تعدداً مادياً فإن ما يثيره الطاعن الأول نعياً على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما أثاره المدافع عن الطاعن الأول من أنه كان على علم بخروج العمل عن دائرة اختصاص وظيفته وعدم اعتقاده خطأ اختصاصه به إنما هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً صريحاً ما دام فيما أوردته في حكمها من وقائع ما يكفي للرد عليها وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى واضح الدلالة على أن الطاعن عندما طلب الرشوة كان يعتقد خطأ وقوع الأرض المقدم بشأنها الشكوى في دائرة اختصاصه الوظيفي مما يسمح له بمباشرة واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها والذي طلب الجعل مقابلاً له وهو ما يكفي للرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحكم بشأنه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد دانت الطاعن الأول بجريمتي الرشوة والوساطة في رشوة الطاعن الثاني وأعملت في حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة واحدة عنهما تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الرشوة ومن ثم فإنه لا مصلحة له فيما يثيره نعياً على الحكم من خطأ في الرد على الدفع بالإعفاء في جريمة الوساطة في رشوة الطاعن الثاني - لما كان ذلك. وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التسجيل وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن الثاني بجريمة الرشوة وساق على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ومن بينها تقرير تفريغ أشرطة التسجيل ونقل عنه أن المتهمين طلبا من المبلغ خمسة آلاف جنيه وأخذا منه مبلغ ألفي - جنيه - مقابل قيام الثاني بصفته مديراً لإسكان حي...... باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن شكوى المبلغ وكانت الأدلة التي استند إليها الحكم في مجموعها مؤدية إلى ما قصده منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من أن اتفاقاً وقع بين الطاعن الثاني والطاعن الأول والمبلغ على الرشوة مما تنعقد به الجريمة تامة بهذا الاتفاق ثم تحديدهم موعداً لاستلام مقدم الجعل وهو أمر لا أثر له على إتمام الجريمة وإنما يتعلق بقيام الدليل عليها ومن ثم فلا يقبل من الطاعن ما يثيره بشأن تقرير تفريغ الأشرطة لما هو مقرر من أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل فيها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. ولا يعيب الحكم من بعد أن يكون هناك خلف بين أقوال المبلغ والشاهد عضو الرقابة في تحديد أي من المتهمين تسلم مقدم الرشوة ما دام هذا الخلاف بفرض حصوله لا أثر له على جوهر الواقعة التي اعتنقها أو في منطق الحكم واستدلاله على ثبوت الواقعة في حق الطاعن الثاني. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه حينما عرض للدفع ببطلان إذن النيابة بالتسجيل لعدم جدية التحريات اتسع رده ليشمل الدفع المبدى من الطاعنين معاً في هذا الخصوص فلا محل للنعي على الحكم إغفاله الرد على هذا الدفع وكان ما أورده الحكم في رده على الدفع من أن النيابة العامة أذنت بالتسجيل بعد استئذان القاضي الجزئي - خلافاً للثابت بالأوراق - رغم أنها هي التي أذنت به. لا يعدو خطأ مادياً لا أثر له على النتيجة التي خلص إليها الحكم مما لا يعيبه ما دام الإذن قد صدر صحيحاً منها بما لها من سلطان قاضي التحقيق في الجرائم التي تختص بنظرها محاكم أمن الدولة طبقاً لأحكام القانون 105 لسنة 1980 لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 4221 لسنة 61 ق جلسة 21 / 12 / 1992 مكتب فني 43 ق 186 ص 1192


جلسة 21 من ديسمبر سنة 1992
برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد يحيى رشدان ومقبل شاكر ومجدي منتصر وحسن حمزة نواب رئيس المحكمة.
-----------------
(186)
الطعن رقم 4221 لسنة 61 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ الحكم بأقوال شاهد؟
 (2)إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
تناقض الشهود وتضاربهم. لا يعيب الحكم. شرط ذلك؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
 (3)نقض "أسباب الطعن. تحديدها" "ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وجه الطعن وجوب أن يكون واضحاً ومحدداً.
النعي على الحكم وجود خلاف بين ما أورده وما جاء بأوراق الدعوى دون أن يكشف الطاعن عن وجه هذا الخلاف. أثره: عدم قبول النعي.
(4) حكم "بطلانه". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ المادي البحت. لا يبطل الحكم ولا ينال من سلامته.
العبرة في الأحكام بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
 (5)قتل عمد. محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من كافة عناصرها. موضوعي.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل غير جائز أمام محكمة النقض.
(6) قتل عمد. إثبات "بوجه عام" "خبرة" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(7) إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الإعراض عن طلب الدفاع. إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. بشرط بيان العلة.
طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعي. عدم التزام المحكمة بإجابته.
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين.
(9) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها.
(10) محكمة الموضوع "سلطتها". دفوع "الدفع بعدم الدستورية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية. لها مطلق التقدير في وقف نظر الدعوى المنظورة وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية.
(11) إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اشتمال مدونات الحكم على ما يفيد حصول المداولة. كفايته ما دام الطاعنون لا يدعون عدم حصولها.
 (12)نقض "الصفة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نعي الطاعن على الحكم بشأن مصادرته للسلاح المرخص به لشخص آخر. لا مصلحة له فيه. أساس ذلك؟
(13) دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". دفوع "الدفع باعتبار المدعي المدني تاركاً لدعواه" نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع باعتبار المدعي المدني تاركاً لدعواه. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. علة ذلك؟
(14) عقوبة "عقوبة أصلية" "عقوبة تكميلية". "تطبيقها". ارتباط.
الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم. حد ذلك؟
(15) عقوبة "عقوبة أصلية" "عقوبة تكميلية". غرامة.
العقوبة التكميلية. ماهيتها؟
متى تعتبر العقوبة أصلية؟ إذا كونت العقاب المباشر للجريمة ووقعت منفردة دون أن يعلق القضاء بها على حكم بعقوبة أخرى.
إذا ما قضي بالغرامة بالإضافة إلى عقوبة أخرى. تكون الأخيرة هي الأصلية وتعتبر الغرامة عقوبة مكملة لها.
العقوبة المقيدة للحرية كالحبس قد تكون تكميلية.
مثال.
 (16)سلاح. عقوبة "عقوبة تكميلية" "تطبيقها". قتل عمد.
عقوبة الغرامة المقررة في الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل. طبيعتها الخاصة وما يترتب عليها من آثار؟
 (17)قتل عمد. سلاح. ارتباط. عقوبة "عقوبة الجرائم المرتبطة". نقض "حالات الطعن" "مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه". محكمة النقض "سلطتها".
توقيع عقوبة الغرامة المقررة لجريمة إحراز الذخيرة بدون ترخيص. وهي الجريمة الأخف. بعد القضاء بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار - وهي الأشد - إعمالاً للمادة 32 عقوبات. خطأ في تطبيق القانون يوجب تصحيحه. بإلغاء عقوبة الغرامة ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن.

--------------
1 - لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الطعن الماثل - فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها التي لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض.
3 - من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعنون قد أطلقوا القول بعدم اتفاق أقوال الشاهدين الثاني والثالث مع أقوال الشاهد الأول في كل عناصرها دون أن يكشفوا في طعنهم عن وجه الخلاف بين ما أورده الحكم وما ورد بأوراق الدعوى فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن يكون غير مقبول.
4 - لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أورد لدى بيانه لواقعة الدعوى أن شقيق الشاهد الأول سبق أن اتهم بقتل والد المتهمين الأول والثاني، ومن ثم فإن ما ورد بالحكم لدى بيانه لأقوال شاهد الإثبات الأول من أن شقيقه سبق أن اتهم بقتل والد المتهمين الأول والثالث لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي لا يؤثر في سلامته، كما أن العبرة في الأحكام هي بالمعاني لا بالألفاظ والمباني وأن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو ما يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون على غير أساس.
5 - لما كان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول التصوير الذي أخذت به المحكمة للواقعة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
7 - من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو بالإخلال بحق الدفاع فضلاً عن أن هذا الوجه لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون في غير محله.
8 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة بإدانة المتهم أو براءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
9 - من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها، فإن النعي على الحكم التفاته عما ورد بمحضري الصلح وما جاء بهما من أن الطاعنين لم يرتكبوا الواقعة محل الاتهام - على فرض صحته - وكذلك الشهادة الرسمية المقدمة من الطاعن الأول تأكيداً لدفاعه في هذا الشأن يكون غير سديد.
10 - لما كان القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا نص في المادة 29 على أن تتولى هذه المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي: ( أ )...... (ب) "إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يجاوز ثلاثة شهور لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن"، وكان مفاد هذا النص أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن دفع الطاعن بعدم الدستورية غير جدي ولا محل لوقف الدعوى المنظورة أمامها لرفع الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن غير سديد.
11 - لما كان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قد تضمن في مدوناته ما يفيد حصول المداولة قانوناً، فإن ما يثيره الطاعنون في صدد ما تقدم لا يكون له محل.
12 - لما كان الطاعنون لا مصلحة لهم في نعيهم على الحكم المطعون فيه في شأن مصادرته للسلاح المرخص به لشخص آخر فإن هذا الأخير هو وحده صاحب المصلحة في ذلك وعليه أن يتتبع ما رسمه القانون في هذا الشأن لاسترداده إن كان حسن النية وكان له حق في استلامه - لما هو مقرر من أنه يتعين أن تعود على الطاعن مصلحة حقيقية من طعنه - ولا يجوز للطاعن أن يطعن على الحكم لمصلحة القانون وحده.
13 - لما كان الثابت من محاضر الجلسات أن الطاعنين لم يطلبوا اعتبار المدعي بالحق المدني تاركاً لدعواه فإنه لا يجوز لهم أن يثيروا شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن الدفع باعتبار المدعي بالحق المدني تاركاً لدعواه هو من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً وبالتالي فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد.
14 - لما كان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم دون أن يمتد هذا الجب إلى العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشيء إلى أصله أو التعويض المدني للخزانة أو كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة ومراقبة البوليس وهي التي في واقع أمرها عقوبات نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد.
15 - لما كانت العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلي أو الأساس المباشر للجريمة التي توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى، وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثالث من الكتاب المذكور ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة 10 العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والسجن أما الغرامة فإذا قضي بها بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هي الأصلية وتعتبر الغرامة عقوبة مكملة لها. ويصدق هذا النظر على العقوبات المقيدة للحرية كالحبس التي تعد في الأصل من العقوبات الأصلية المقررة لمواد الجنح غير أنها قد تكون تكميلية إذا نص عليها بالإضافة إلى جزاء آخر مباشر كما هو الحال في الجريمة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون العقوبات الفرنسي التي نصت على عقوبة الحبس الذي لا يجاوز الخمس سنوات كجزاء مكمل لعقوبة التجديد المدني.
16 - لما كانت عقوبة الغرامة المقررة في الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل تعد عقوبة تكميلية، غير أنه لما كانت طبيعة هذه الغرامة لها صبغة عقابية بحتة بمعنى أنها لا تعد من قبيل الغرامة النسبية التي أساسها في الواقع الصحيح فكرة التعويض المختلط بفكرة الجزاء وتتنافر مع العقوبات التكميلية الأخرى ذات الطبيعة الوقائية والتي تخرج عن نطاق قاعدة الجب المقررة للعقوبة الأشد فإنه يتعين إدماج هذه الغرامة في عقوبة الجريمة الأشد وعدم الحكم بها بالإضافة إليها.
17 - لما كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بتوقيع عقوبة الغرامة المقررة لجريمة إحراز الذخيرة بدون ترخيص - وهي الجريمة الأخف - بعد أن قضي بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار - وهي الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين تصحيحه بإلغاء عقوبة الغرامة المقضى بها عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، ومن نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن مع رفض الطعن فيما عدا ذلك.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: أولاً: قتلوا.... عمداً مع سبق الإصرار على ذلك بأن بيتوا النية وعزموا القصد على قتل...... وأعدوا لذلك سلاحين ناريين "مسدس وبندقية خرطوش" وسيارتين نصف نقل قيادة المتهمين الثالث والرابع وما أن ظفروا به حتى أطلق عليه المتهم الأول عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأخطأه وأصاب........ فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته بينما شد باقي المتهمين من أزره على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: شرعوا في قتل....... عمداً مع سبق الإصرار على ذلك بأن بيتوا النية وعزموا القصد على قتله وأعدوا لذلك سلاحين ناريين "مسدس وبندقية خرطوش" وسيارتين نصف نقل قيادة المتهمين الثالث والرابع وما أن ظفروا به حتى أطلق عليه المتهم الثاني عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي بينما شد باقي المتهمين من أزره وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وفرارهم خشية ضبطهم. المتهم الثاني أيضاً: 1 - أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية خرطوش) 2 - أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له في حيازته أو إحرازه. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى..... مدنياً قبل المتهمين بمبلغ 101 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46/ 1، 230، 231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 1، 5، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم 2 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق مع إعمال المادة 32/ 2 من قانون العقوبات أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشرة سنوات عما أسند إليه. ثانياً: بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث والرابع بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبتغريم كل منهم مبلغ مائة جنيه عما أسند إليهم. ثالثاً: بمصادرة السلاح والذخيرة المضبوطين. رابعاً: بإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة كفر الشيخ الابتدائية.
فطعن المحكوم عليهما الثالث والرابع في هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن الأستاذ....... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمتي القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار، وأدان الثاني منهم بجريمتي إحراز سلاح ناري وذخيرة بغير ترخيص أيضاً قد شابه الخطأ في التحصيل والإسناد والفساد في الاستدلال والإبهام والتهاتر والقصور والتناقض في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والبطلان والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الثابت بمدونات الحكم أنه أحال في شهادة الشاهدين الثاني والثالث على ما أورده من أقوال الشاهد الأول على الرغم من أن أقوالهما بالتحقيقات لا تتفق في كل عناصرها مع أقوال الشاهد الأول كما لم يتفطن الحكم إلى الاختلاف الكبير بين أقوال الشاهد الثاني أمام المحكمة عن أقواله بالتحقيق وأن الشاهد الثالث اعتمد في أقواله على تحرياته دون أن يشهد الواقعة بنفسه، كما أورد الحكم أقوال الشاهد الأول على نحو غامض مبهم لا يبين منه الكيفية التي ظهر بها المتهم الثاني أمام نقطة الشرطة ليطلق النار على هذا الشاهد، كما نسب إلى الشاهد المذكور على خلاف الحقيقة بأنه شهد بأنه سبق اتهام شقيقه في قتل والد المتهمين الأول والثاني فضلاً عن أن المتهم الأول ليس شقيقاً للمتهم الثالث، وحمل بذلك المتهم الثالث بهذه القرينة رغم مخالفتها للثابت بالأوراق كما أن الصورة التي ساقتها المحكمة للواقعة أخذاً بما جاء بالتحقيقات تختلف عما دار بجلسة المرافعة مع استحالة حصول الواقعة على النحو الذي رواه الشهود مما يكشف عن عدم إحاطتها بعناصر الدعوى وبأدلتها عن بصر وبصيرة وتمسك دفاع الطاعنين بالتناقض الصارخ بين الدليلين الفني والقولي من حيث مسافة الإطلاق وختم دفاعه بطلب جازم هو إجراء معاينة لمكان الواقعة لإثبات استحالة وعدم معقولية حدوث الواقعة على النحو الوارد بالأوراق ورفض هذا الطلب برد غير سائغ، وأغفل الحكم تحصيل ما ورد بمحضري الصلح بين الطاعنين وأسرة المجني عليهما، وما جاء بهما من أن الطاعنين لم يرتكبوا الواقعة محل الاتهام، كما لم يعرض الحكم لدفاع كل من الطاعنين بشأن عدم تواجدهم بمكان الحادث وأهدر الشهادة الرسمية المقدمة من الطاعن الأول تأكيداً لدفاعه في هذا الشأن، كما أن المدافع عن الطاعنين دفع بعدم دستورية ما ورد في قانون العقوبات عن التجريم والعقاب في جرائم النفس والشروع فيها وانتهى الحكم إلى القول بعدم جدية هذا الدفع دون أن يستظهر عناصره أو أسانيده، وخلت نسخة الحكم الأصلية ومحضر الجلسة من أي بيان يفيد المداولة التي أوجبها القانون مما يبطل الحكم، وقضى الحكم بمصادرة السلاح المرخص لآخر دون أن يثبت أنه استخدم في الحادث مما يخل بحقوق الغير حسن النية، ولم يحضر المدعي بالحق المدني بنفسه أو بوكيل عنه مما كان يتعين معه القضاء باعتباره تاركاً لدعواه، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأحكام التي لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الطعن الماثل - فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها التي لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعنون قد أطلقوا القول بعدم اتفاق أقوال الشاهدين الثاني والثالث مع أقوال الشاهد الأول في كل عناصرها دون أن يكشفوا في طعنهم عن وجه الخلاف بين ما أورده الحكم وما ورد بأوراق الدعوى فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أورد لدى بيانه لواقعة الدعوى أن شقيق الشاهد الأول سبق أن اتهم بقتل والد المتهمين الأول والثاني، ومن ثم فإن ما ورد بالحكم لدى بيانه لأقوال شاهد الإثبات الأول من أن شقيقه سبق أن اتهم بقتل والد المتهمين الأول والثالث لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادي لا يؤثر في سلامته، كما أن العبرة في الأحكام هي بالمعاني لا بالألفاظ والمباني وأن الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم هو ما يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعنون من منازعة حول التصوير الذي أخذت به المحكمة للواقعة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، هذا فضلاً عن أن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديري وليس من شأن الخلاف فيه - بفرض قيامه - بين أقوال الشهود والتقرير الفني أن تصادر شهادة الشهود ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها ومن ثم بات ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب إجراء معاينة لمكان الحادث وأطرحه في قوله "أن المحكمة لا ترى ضرورة لمعاينة مكان الحادث بعد أن وضحت لها صورة الدعوى من الأوراق". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً ويستقيم به إطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو بالإخلال بحق الدفاع فضلاً عن أن هذا الوجه لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة بإدانة المتهم أو براءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، كما أن من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها، فإن النعي على الحكم التفاته عما ورد بمحضري الصلح وما جاء بهما من أن الطاعنين لم يرتكبوا الواقعة محل الاتهام - على فرض صحته - وكذلك الشهادة الرسمية المقدمة من الطاعن الأول تأكيداً لدفاعه في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا نص في المادة 29 على أن تتولى هذه المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي: ( أ )...... (ب) "إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاد لا يجاوز ثلاثة شهور لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن"، وكان مفاد هذا النص أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية وأن الأمر بوقف الدعوى المنظورة أمامها وتحديد ميعاد لرفع الدعوى بعدم الدستورية جوازي لها ومتروك لمطلق تقديرها، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن دفع الطاعن بعدم الدستورية غير جدي ولا محل لوقف الدعوى المنظورة أمامها لرفع الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه قد تضمن في مدوناته ما يفيد حصول المداولة قانوناً، فإن ما يثيره الطاعنون في صدد ما تقدم لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الطاعنون لا مصلحة لهم في نعيهم على الحكم المطعون فيه في شأن مصادرته للسلاح المرخص به لشخص آخر فإن هذا الأخير هو وحده صاحب المصلحة في ذلك وعليه أن يتتبع ما رسمه القانون في هذا الشأن لاسترداده إن كان حسن النية وكان له حق في استلامه لما هو مقرر من أنه يتعين أن تعود على الطاعن مصلحة حقيقية من طعنه ولا يجوز للطاعن أن يطعن على الحكم لمصلحة القانون وحده. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر الجلسات أن الطاعنين لم يطلبوا اعتبار المدعي بالحق المدني تاركاً لدعواه فإنه لا يجوز لهم أن يثيروا شيئاً من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن الدفع باعتبار المدعي بالحق المدني تاركاً لدعواه هو من الدفوع التي تستلزم تحقيقاً موضوعياً وبالتالي فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعنين عن جريمتي القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار كما دان الطاعن الثاني بجريمتي إحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص وانتهى إلى أن الجرائم المسندة إلى الطاعنين قد انتظمها مشروع إجرامي واحد وارتباطها ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يتعين معه توقيع العقوبة الأشد عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات ثم أوقع على الطاعن الأول عقوبة الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، كما أوقع على باقي الطاعنين عقوبة الأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات مع تغريم كل منهم مائة جنيه عما أسند إليهم. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المنصوص عليها في المادة 230 من قانون العقوبات هي الإعدام والتي يجوز تبديلها عملاً بالمادة 17 من القانون السابق بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وكانت عقوبة إحراز الذخائر مما تستعمل في الأسلحة النارية المنصوص عليها بالجدولين (2، 3) هي السجن وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً وذلك في غير الأحوال التي يكون الجاني فيها من الأشخاص المذكورين بالفقرات ج، د، هـ من المادة السابعة من القانون آنف الذكر. لما كان ذلك، وكان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم دون أن يمتد هذا الجب إلى العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشيء إلى أصله أو التعويض المدني للخزانة أو كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة ومراقبة البوليس وهي التي في واقع أمرها عقوبات نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد، وكانت العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلي أو الأساس المباشر للجريمة التي توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى، وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثالث من الكتاب المذكور ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة 10 العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والسجن أما الغرامة فإذا قضي بها بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هي الأصلية وتعتبر الغرامة عقوبة مكملة لها، ويصدق هذا النظر على العقوبات المقيدة للحرية كالحبس التي تعد في الأصل من العقوبات الأصلية المقررة لمواد الجنح غير أنها قد تكون تكميلية إذا نص عليها بالإضافة إلى جزاء آخر مباشر كما هو الحال في الجريمة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون العقوبات الفرنسي التي نصت على عقوبة الحبس الذي لا يجاوز الخمس سنوات كجزاء مكمل لعقوبة التجديد المدني. لما كان ذلك، فإن عقوبة الغرامة المقررة في الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل تعد عقوبة تكميلية، غير أنه لما كانت طبيعة هذه الغرامة لها صبغة عقابية بحتة بمعنى أنها لا تعد من قبيل الغرامة النسبية التي أساسها في الواقع الصحيح فكرة التعويض المختلط بفكرة الجزاء وتتنافر مع العقوبات التكميلية الأخرى ذات الطبيعة الوقائية والتي تخرج عن نطاق قاعدة الجب المقررة للعقوبة الأشد فإنه يتعين إدماج هذه الغرامة في عقوبة الجريمة الأشد وعدم الحكم بها بالإضافة إليها وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بتوقيع عقوبة الغرامة المقررة لجريمة إحراز الذخيرة بدون ترخيص - وهي الجريمة الأخف - بعد أن قضى بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وهي الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات يكون قد خالف القانون فإنه يتعين تصحيحه بإلغاء عقوبة الغرامة المقضى بها عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، من نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن مع رفض الطعن فيما عدا ذلك.

الطعن 4649 لسنة 61 ق جلسة 24 / 12 / 1992 مكتب فني 43 ق 189 ص 1216

جلسة 24 من ديسمبر سنة 1992
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب الخياط نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي الجندي وحسين الشافعي وفتحي الصباغ نواب رئيس المحكمة ومحمود شريف فهمي.
-----------------
(189)
الطعن رقم 4649 لسنة 61 القضائية
 (1)نقض "الصفة في الطعن". وكالة.
صدور التوكيل للمحامي المقرر بالطعن في تاريخ لاحق لصدور الحكم وسابق على التقرير بالطعن. مفاده: انصراف إرادة الطاعن إلى توكيل محاميه في التقرير بالطعن بالنقض ولو لم تتضمن عباراته ذلك.
(2) استجواب. إجراءات "إجراءات التحقيق".
عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته في الجنايات بغير دعوة محاميه. إلا في حالتي التلبس والسرعة. تقدير ذلك للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع.
 (3)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
 (4)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام الحكم بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
(5) جريمة "أركانها". إثبات "بوجه عام". قتل عمد.
أداة ارتكاب الجريمة ليست من أركان الجريمة الجوهرية. عدم ضبطها. لا يؤثر في قيام الجريمة.
 (6)إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. متى كان له مأخذه من الأوراق.
(7) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره.
----------------
1 - لما كان الطعن قد قرر به من محام نيابة عن المحكوم عليه بموجب التوكيل الخاص المرفق الذي اقتصرت عبارته على المرافعة أمام محكمة النقض، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه صدر في 6 من يناير سنة 1991 وكان هذا التوكيل قد أجري في 3 من فبراير سنة 1991 أي في تاريخ لاحق لصدور الحكم وسابق بيوم واحد على تاريخ التقرير بالطعن بالنقض الموافق 4 من فبراير سنة 1991، فإن ذلك يدل بجلاء على انصراف إرادة الطاعن إلى توكيل محاميه بالتقرير بالطعن بالنقض في هذا الحكم، ومن ثم يكون الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
2 - من المقرر أن المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته - في الجنايات - إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد، فقد استثنت من ذلك حالتي التلبس والسرعة، وإذ كان تقدير هذه السرعة متروكاً للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع فما دامت هي أقرته عليه في حدود سلطتها التقديرية - كما هو الحال في الدعوى المطروحة.
3 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من الأدلة وباقي عناصر الدعوى المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق.
4 - من المقرر أنه بحسب الحكم كيما يستقيم قضاءه أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم، وليس ملزماً أن يتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها إذ مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
5 - لما كانت أداة ارتكاب الجريمة ليست من أركان الجريمة الجوهرية، فإن عدم ضبطها لا يؤثر في قيام الجريمة ولا ينال من أدلتها القائمة في الدعوى.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
7 - من المقرر أن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل....... عمداً بأن وضع قطعة من القماش على فمها وأنفها وضغط بها عليها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدولها برقم...... لسنة..... قضائية) وقضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات القاهرة لتفصل فيها من جديد - دائرة أخرى - ومحكمة الإعادة (بهيئة أخرى) قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما نسب إليه.
فطعن الأستاذ..... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.

المحكمة
حيث إنه وإن كان الطعن قد قرر به من محام نيابة عن المحكوم عليه بموجب التوكيل الخاص المرفق الذي اقتصرت عبارته على المرافعة أمام محكمة النقض، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه صدر في 6 من يناير سنة 1991 وكان هذا التوكيل قد أجري في 3 من فبراير سنة 1991 أي في تاريخ لاحق لصدور الحكم وسابق بيوم واحد على تاريخ التقرير بالطعن بالنقض الموافق 4 من فبراير سنة 1991، فإن ذلك يدل بجلاء على انصراف إرادة الطاعن إلى توكيل محاميه بالتقرير بالطعن بالنقض في هذا الحكم، ومن ثم يكون الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد، قد شابه القصور في التسبيب، والبطلان، والفساد في الاستدلال. ذلك بأنه عول - من ضمن ما عول عليه - في قضائه بالإدانة على الاعتراف المنسوب إلى الطاعن على الرغم مما دفع به ببطلانه لحصوله من استجواب باطل أمام النيابة العامة لعدم دعوة محاميه للحضور - كما لم يعرض الحكم لدفاع الطاعن القائم على استحالة ارتكابه الجريمة على النحو الوارد باعترافه لإصابة يديه بحروق ومحاولته إنقاذ المجني عليها من النار المشتعلة بها، فضلاً عن عدم العثور على "السجادة" أداة ارتكاب الجريمة، وأثر نقل جثة المجني عليها من مكانها إلى عربة الإسعاف على أدلة الدعوى، هذا وقد أقام الحكم قضاءه على أساس القطع بأن وفاة المجني عليها ترجع إلى إسفكسيا الاختناق بمنع التنفس بكتم نفسها، بينما الثابت من تقرير الصفة التشريحية هو احتمال وفاتها بهذا السبب، كما أن ذلك التقرير تناقض والتقرير الطبي الابتدائي في بيان سبب الوفاة. كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، ولئن كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان اعتراف الطاعن أمام النيابة العامة دون بيان العلة في قالة مرسلة، إلا أن الحكم المطعون فيه حصل هذا الدفع على علة أن الاعتراف مستمد من استجواب باطل لعدم دعوة محامي الطاعن للحضور، وأطرحه تأسيساً على أن النيابة لا تلتزم بدعوة محامي المتهم إلا إذا كان اسم المحامي قد أعلن بالطريق الذي رسمته المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية وذلك بتقرير يكتب في قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن، وهو ما لم يفعله الطاعن. فضلاً عن أنها أقرت النيابة في استعمالها الاستثناء الوارد في المادة سالفة البيان بتلقي اعتراف الطاعن في سرعة خشية تضييع هذا الدليل، لما كان ذلك، وكان الحكم لم يخطئ القانون في الرد على الدفع، وكان حسبه ما أورده في السبب الثاني لرفضه الدفع، ذلك بأن المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته - في الجنايات - إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد، فقد استثنت من ذلك حالتي التلبس والسرعة، وإذ كان تقدير هذه السرعة متروكاً للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع فما دامت هي أقرته عليه في حدود سلطتها التقديرية - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منعى الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من الأدلة وباقي عناصر الدعوى المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - وكان بحسب الحكم كيما يستقيم قضاءه أن يثبت أركان الجريمة ويبين الأدلة على وقوعها من المتهم، وليس ملزماً أن يتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي في كل جزئية يثيرها. إذ مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، وإذ كانت أداة ارتكاب الجريمة ليست من أركان الجريمة الجوهرية، فإن عدم ضبطها لا يؤثر في قيام الجريمة ولا ينال من أدلتها القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن ما تقدم يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة التقرير الطبي الشرعي الابتدائي - المرفق بالمفردات المضمومة - أن إفصاحه عن سبب وفاة المجني عليها بأنه هبوط حاد في دورتيها الدموية والتنفسية كان مبدئياً لعدم استكمال بحث الحالة، فلا على الحكم إن أطرحه، ولم يجد فيه ما يناقض التقرير الطبي الشرعي الانتهائي الذي حقق سبب وفاة المجني عليها بعد بحث وتدقيق فني واستظهره بأنه إسفكسيا الاختناق بمنع التنفس عن طريق كتم النفس، لما هو مقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، هذا وكان ما يثيره الطاعن في خصوص اعتماد الحكم على تقرير الصفة التشريحية - الانتهائي - على أنه بني على الترجيح لا القطع فإنه - بفرض صحته - مردود بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.