الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 11 مايو 2019

عدم دستورية الإغفال التشريعي لضوابط تقدير تعويض نزع ملكية المباني ذات الطراز المعماري المتميز


الدعوى رقم 39 لسنة 39 ق "دستورية" جلسة 2/3/2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من مارس سنة 2019م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار، والدكتور عادل عمر شريف، وبولس فهمى إسكندر، ومحمود محمـد غنيم، والدكتور محمـد عماد النجار، والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 39 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بحكمها الصادر بجلسة 14/12/2016 ملف الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية.
المقامة من
1- صفية عبدالرحمن جميعـى
2- محمد أحمد محمود سليمـان
3- نعمت الله أحمد محمود سليمان
4- نسرين أحمد محمود سليمان
ضــــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- محافظ القاهـرة
3- نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية
4- المستشار القانونى للمنطقـة الشرقية
5- رئيس حى مصر الجديدة
6- مدير عام منطقة الإسكان بحى مصـر الجديدة
7- رئيس مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى
8- رئيس اللجنة العلمية العليا المنوط بها وضع الأسس والمعايير الفنية والعملية والتنسيق الحضاري للمباني التراثية ذات القيمة المتميزة
9- رئيس اللجنة النوعية المنوط بها وضع الأسس والمعايير الفنية والعلمية والتنسيق الحضاري للمباني التراثية ذات القيمة المتميزة
الإجـراءات
بتاريخ السابع والعشرين من مارس سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بحكمها الصادر بجلسة 14/12/2016، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري.
وقدَّمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسـائر الأوراق – في أن المدعين في الدعوى الموضوعية، أقاموا الدعوى رقم 34924 لسنة 64 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس مجلس الوزراء وآخرين، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009 فيما تضمنه من إدراج العقار المملوك لهم، محل التداعي، ضمن العقارات ذات الطراز المعماري المتميز، وما يترتب على ذلك من آثار، على سند من أنهم يمتلكون على الشيوع الفيلا رقم (2) شارع العروبة بمصر الجديـدة، وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه بإدراجها بسجلات التراث المعماري لمحافظة القاهرة، فتظلموا من هذا القرار إلى لجنة التظلمات بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وإلى لجنة التوفيق، ثم أقاموا دعواهم الموضوعية وصولًا للقضاء لهم بطلباتهم المتقدمة. وبجلسة 23/10/2014، أصدرت المحكمة حكمًا تمهيديًّا بتكليف عميد كلية الهندسة بجامعة عين شمس بتشكيل لجنة ثلاثية من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة لبيان مدى اعتبار العقار محل التداعي من المنشآت أو المباني ذات الطراز المعماري المتميز وفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009، والمعايير والمواصفات الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2276 لسنة 2006، وقد انتهت اللجنة إلى أن العقار يمثل قيمة عمرانية طبقًا للمعايير والمواصفات الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الأخير، ومن ثم يدخل ضمن سجلات المباني ذات الطراز المعماري والعمراني المتميز استنادًا لنص المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري، وبجلسة 14/12/2006، قررت المحكمة وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه.
وحيث إن المدعين في الدعوى الموضوعية قدموا بجلسة 9/7/2017، أثناء تحضير الدعوى الدستورية أمام هيئة المفوضين، مذكرة طلبوا فيها الحكم بعدم دستورية المادة (35) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 فيما نصت عليه من أن "ويتم التعويض عن نزع الملكية طبقًا لأحكام القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط...."، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن هذا الطلب.
وحيث إنه بجلسة 2/2/2019، طلب كل من: محمد عبدالمنعم على حسب الله، ورفعت حسن حسن على، وورثة محمود همام حمادى، وهم: يس همام محمود همام حمادى ومحمود عبدالهادى أحمد محمود همام ورعاية الله أحمد محمود همام حمادى ومحمود محمد نبيل همام حمادى ومصطفى أحمد محمود همام، التدخل انضماميًّا في الدعوى. لما كان ذلك، وكان قضاء هـذه المحكمة قد جـرى على إنه يشترط لقبول طلب التدخل أن يكون مقدمًا ممن كان طرفًا في الخصومة الموضوعية، وهو ما لم يتوافر في النزاع المعروض، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول طلبات التدخل.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه تنص على أن "يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًّا، وذلك مع عدم الإخلال بما يستحق قانونًا من تعويض.
 ولا يجوز هدم ما عدا ذلك أو الشروع في هدمه إلا بترخيص يصدر وفقًا لأحكام هذا القانون.
 ويصدر رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بمعايير ومواصفات المباني والمنشآت المشار إليها في الفقرة الأولى وذلك بناء على اقتراح الوزير المختص بشئون الثقافة بالاتفاق مع الوزراء المختصين وبعد موافقة مجلس الوزراء.
 ويصدر بتحديد هذه المباني والمنشآت قرار من رئيس مجلس الوزراء.
 ويتولى تقدير التعويض المشار إليه في الفقرة الأولى وعند نزع ملكية المبنى أو المنشأة لجنة تشكل بقرار من الوزير المختص بشئون الإسكان. وفى الحالتين يجوز أن يكون التعويض عينيًّا بناء على طلب المالك.
 ولذوي الشأن التظلم من قرار اللجنة، وذلك خلال ستين يومًا من تاريخ إبلاغهم بكتاب موصى عليه بعلم الوصول إلى لجنة تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء تضم ممثلين للوزارات والجهات المعنية".
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعـوى المبدى من هيئة قضايا الدولة لانتفاء المصلحـة، فهو مردود: ذلك أن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - وعلى ما جـرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضـوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة، كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكانت الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع قد انصبت على وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009 فيما تضمنه من إدراج العقار محل التداعي بقوائم وسجلات التراث المعماري المتميز لمحافظة القاهرة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وكان العقار المملوك للمدعين في الدعوى الموضوعية قد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه بقيده بسجلات التراث المعماري لمحافظة القاهرة، لكون العقار يمثل قيمة عمرانية طبقًا للمعايير والمواصفات الواردة بقـرار رئيس مجلس الـوزراء رقم 2276 لسنة 2006، وأنه يدخل ضمن المباني ذات الطراز المعماري المتميز طبقًا لنص المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه، وهو ما أكدته اللجنة الفنية التي تم تشكيلها بمقتضى الحكم التمهيدي الصادر بجلسة 13/10/2014، من محكمة القضاء الإداري في الدعوى المحالة السالف ذكرها، وكانت الفقرة الأولى من نص المادة الثانية من القانون المشار إليه - المحالة - قد حددت الآثار القانونية التي تترتب على اعتبار المبنى أو المنشأة ذات طراز وطابع معماري خاص ومتميز، فحظرت الترخيص بهدمها أو الإضافة إليها، دون إخلال بما يستحق قانونًا من تعويض، ومن ثم فإن القضاء في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر وانعكاس أكيد على مشروعية هذا القرار، ونطاق الآثار التي يرتبها في حق ملاك العقارات الداخلة في مجال تطبيق هذا النص، في شأن حظر الهدم والإضافة لهذه العقارات، وتقدير التعويض المستحق لملاكها، المترتبة على إدراج العقارات ملكهم ضمن المباني والمنشآت ذات الطابع المعماري المتميز بمقتضى هذا القرار، والتي تطرحها الدعوى الموضوعية، ويتضرر المدعون في تلك الدعوى منها، ومن أجل ذلك حددوا طلباتهم الموضوعية فيها، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار، والتي قدرت محكمة الموضوع في ضوئها أن الفصل في دستورية النص المحال سيكون ذا أثر على تكوين عقيدتها، وقضاء المحكمة في هذه الطلبات، وهو قدر من الانعكاس يكفى لتحقق المصلحة في الدعوى المعروضة، في حدود نطاقها المتقدم، الأمر الذى يتعين معه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة.



 وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفة نصوص المواد (29، 32، 34، 36) من الدستور الصادر سنة 1971، وذلك على سند من أن النص المشار إليه، بما قرره من حظر الترخيص بالهدم أو الإضافة إلى المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز التي عددها، دون تحديد مدى زمنى معين لهذا الحظر، يكون قد غل يد المالك عن التمتع بحقه في الملكية، والانتفاع بعناصر ومكنات هذا الحق من استعمال واستغلال وتصرف، ويؤدى إلى انخفاض القيمة السوقية للعقار، كما خلت أحكام هذا النص من بيان الأسس التي يتم وفقًا لها تقدير التعويض المستحق للمالك، الجابر للضرر الذى لحق به، وتحديد توقيت صرف التعويض، والجهة الملتزمة بأدائه، والمستحقين له.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيـره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي تضمنها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المذكور - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدستور- إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدًا لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - حرص في المادتين (33، 35) منه على جعل حمايتها وصونها التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، كما كفل حمايتها لكل فرد - وطنيًا كان أم أجنبيًا- ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة - في الأغلب الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريًا لصونها، مُعبدًا بها الطريق إلى التقدم، كافلًا للتنمية أهم أدواتها، محققًا من خلالها إرادة الإقدام، هاجعًا إليها لتوفر ظروفًا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنًا في كنفها إلى يومه وغده، مهيمنًا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها، فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصيم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تُعينها على أداء دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها.
وحيث إن المادة (50) من الدستور قد أكدت على أهمية التراث الحضاري والثقافي المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والإسلامية والقبطية، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، باعتبارها جميعًا ثروة قومية وإنسانية، ومن أجل ذلك جعل الحفاظ عليها وصيانتها التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، واعتبر الاعتداء عليها جريمة يعاقب عليها القانون، باعتبارها أحد روافد الهوية الثقافية والحضارية المصرية، التي ألزم الدستور في المادة (47) منه الدولة بالحفاظ عليها، ومن ثم صار الحفاظ على المباني والمنشآت ذات الطابع الخاص والطراز المعمارى المتميز، المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًّا، وصيانتها، طبقًا للنص المحال - التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا، وذلك باعتبارها جــــزءًا لا يتجزأ من الرصيد الثقافى المعماري المعاصر الذى عنته المادة (50) من الدستور، كما يعد إسهام المجتمع والمواطنين في المحافظة عليها التزامًا قوميًا، تفرضه المواطنة التي اعتمدها الدستور في المادة (1) منه أساسًا لبناء المجتمع، والتى تكفل للمواطنين مجموعة من الحقوق والحريات تجاه الجماعة الوطنية والدولة، كما تُحمله بمجموعة من الالتزامات يفرضها عليه واجب الانتماء والولاء الكاملين للوطن، يحترم هويته ويؤمن بها، وينتمى إليها، ويدافع عنها، ويحافظ عليها، بكل ما في عناصر هذه الهوية من ثوابت، التي من بينها مكونات الهوية الثقافية المصرية بروافدها المتنوعة، ومن بينها الرصيد الثقافى المعمارى والأدبى والفني بمختلف تنوعاته، الذى يُعد ثروة قومية تعتز بها الأمم وتُناضل من أجلها، ويرتكن إليها المجتمع في نمائه وتقدمه، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (87) منه، مشاركة المواطنين في الحياة العامة واجبًا وطنيًّا، لا يقتصر الالتزام به على الجانب السياسي منها، بل يمتد إلى جوانبها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وليضحى اضطلاع الملكية الخاصة، التي صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) منه، بدورها في هذا الشأن، داخلًا في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية في خدمة المجتمع، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقها من فـــراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغى رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة، الأمر الذى يكون معه النص المحال بتحميله حق الملكية بالنسبة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز، ببعض القيود التي تمثل انتقاصًا من هذا الحق، بهدف الحفاظ عليها، داخلاً في نطاق سلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم حق الملكية، ووفاءً من الدولة بالتزامها الدستوري المقرر بالمادتين (47، 50) من الدستور.
وحيث إن تدخل المشرع بتنظيم أوضاع أموال معينة مع إبقائها بيد أصحابها بطريقة تؤدى عملًا إلى تقويض بعض مقوماتها، ويؤثر على قيمتها الاقتصادية إلى حد كبير، ولو كان ذلك تذرعًا بالوظيفــــــة الاجتماعية للملكية أو بوجوب المحافظة على التراث القومي، إنما يعد - كما سلف البيان - انتقاصًا من حق الملكية تتحدد مشروعيته من زاوية دستورية بأن يكون مقترنًا بالتعويض العادل عن القيود التي يتضمنها ذلك التنظيم، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن حظر الهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، وبالنظر للآثار المترتبة عليه بحرمان المالك من بعض سلطاته الفعلية على ملكه، ومن الفوائد التي يمكن أن تعود عليه منه، يعدل - في الآثار التي يرتبها - نزع ملكيته من أصحابه، وعلى ذلك فإن صحة تقرير التعويض المستحق قانونًا للمالكين، عن المباني والمنشآت المشار إليها، الذى تضمنه النص المحال - من الناحية الدستورية - يكون رهينًا بكفالة حق المالكين في التعويض العادل عن القيود التي يتضمنها هذا التنظيم، والذى لا يتأتى إلا بتضمين المشرع النص المقرر للتعويض - في الحالة المعروضة - أسس وقواعد وضوابط تقديره، شاملة معايير تقدير التعويض، وتوقيت تقديره وصرفه لمستحقيه، التي تكفل أن يكون معادلاً للقيمة الحقيقية لما تحمله المالك في ملكه نتيجة القيود التي فرضها المشرع عليه، وما يضمن أن يقوم التعويض مقام الحق ذاته الذى حرم منه، ويعتبر بديلاً عنه، بما يحقق العدل الذى اعتمده الدستور في المادة (4) منه، كأساس لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ويكفل تحقيق التوازن بين مصلحة المالكين الخاصة، ومتطلبات تحقيق المصلحة العامة، ذلك التوازن الذى رصده الدستور في المادة (27) منه كأحد أهداف النظام الاقتصادي، وقيدًا على المشرع فيما يسنه من تشريعات تمس مصالح الأطراف في العلاقات القانونية المختلفة، ولتكون تلك القواعد والضوابط الحاكمة للتعويض التي يقررها المشرع، قيدًا على اللجنة التي أسند إليها بمقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 المشار إليه، الاختصاص بتقدير التعويض، ولتمكين القضاء المختص من رقابة أعمالها، وتقييم تقديراتها طبقًا لها، وهو الأمر وثيق الصلة بالحق في التقاضي الذى كفلته المادة (97) من الدستور.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري، فيما لم يتضمنه من تحديد قواعد وضوابط تقدير التعويض المقرر به وصرفه لمستحقيه، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.

عدم دستورية قصر حق الأولاد القصر في اكتساب الجنسية المصرية على اكتساب الأب الأجنبي (دون الأم) لها


الدعوى رقم 131 لسنة 39 ق "دستورية" جلسة 6 / 4 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من أبريل سنة 2019م، الموافق الثلاثين من رجب سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمــد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 131 لسنة 39 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى "الدائرة الثانية" بحكمها الصادر بجلسة 22/1/2017، ملف الدعوى رقم 41394 لسنة 68 قضائية.
المقامة من
محمد وليد صبحى أبوشامى
ضــــد
وزير الداخليـــة
الإجـراءات
بتاريخ العاشر من أكتوبر سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 41394 لسنة 68 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري "الدائرة الثانية" بحكمها الصادر بجلسة 22/1/2017، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (6) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، فيما لم يتضمنه من منح الجنسية المصرية للأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى في الدعوى الموضوعية، كان قد أقام الدعوى رقم 41394 لسنة 68 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري "الدائرة الثانية"، ضد وزير الداخلية، بطلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار السلبي برفض منحه الجنسية المصرية، والذى انتهت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر بجلسة 22/1/2017، إلى تحديد التكييف القانوني الصحيح لهذه الطلبات، في ضوء الصلاحيات المقررة لها قانونًا، بأنها تنصب على طلب القضاء بثبوت الجنسية المصرية له، وما يترتب على ذلك من آثار، وقد أسس المدعى في الدعوى الموضوعية، الطلبات المتقدمة على سند من أنه من مواليد 3/4/1991، بالقاهرة، لأب وأم أردنيىّ الجنسية، واستمر مقيمًا في مصر، ولم يغادرها، وتعلم بمدارسها حتى حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وبتاريخ 26/6/1998، حصلت والدته على الجنسية المصرية بزواجها من صابر محمد محمود، المصري الجنسية، فتقدم بطلب لمصلحة الجوازات والهجرة والجنسية لمنحه الجنسية المصرية تبعًا لوالدته، إلا أن الجهة الإدارية رفضت استلام الطلب، فتظلم إلى لجنة فض المنازعات بوزارة الداخلية، وقيد تظلمه برقم 509 لسنة 2014، وانتهت اللجنة إلى رفض تظلمه، مما حدا به إلى إقامة الدعوى المشار إليها، توصلاً للقضاء له بطلباته، وبجلسة 22/1/2017، قضت المحكمة بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص المادة (6) من القانون رقــــم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، فيما لم يتضمنه من منح الجنسية المصرية للأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية.
وحيث إن المادة (6) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية تنص على أنه "لا يترتب على اكتساب الأجنبي الجنسية المصرية اكتساب زوجته إياها، إلا إذا أعلنت وزير الداخلية برغبتها في ذلك ولم تنته الزوجية قبل انقضاء سنتين من تاريخ الإعلان لغير وفاة الزوج. ويجوز لوزير الداخلية بقرار مسبب قبل فوات مدة السنتين، حرمان الزوجة من اكتساب الجنسية المصرية.
 أما أولاده القصر فيكتسبون الجنسية، إلا إذا كانت إقامتهم العادية في الخارج وبقيت لهم جنسية أبيهم الأصلية طبقًا لقانونها، فإذا اكتسبوا الجنسية المصرية كان لهم خلال السنة التالية لبلوغهم سن الرشد، أن يقرروا اختيار جنسيتهم الأصلية، فتزول عنهم الجنسية المصرية متى استردوا جنسية أبيهم طبقًا لقانونها".
ومفاد هذا النص أن المشرع رتب على اكتساب الأب الأجنبي الجنسية المصرية، اكتساب أولاده القصر هذه الجنسية عند اكتسابه لها، كأثر تبعي يترتب في حقهم - على ما أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 26 لسنة 1975 المشار إليه وتقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عنه - بقوة القانون، وبشرط ألا تكون إقامتهم العادية في الخارج، وبقيت لهم جنسية أبيهم الأصلية طبقًا لقانونها، إلا أنه حرصًا من المشرع على كفالة حق القصر في الاختيار بين جنسية أبيهم الأصلية والجنسية المصرية، منحهم المشرع الحق في أن يختاروا خلال سنة من تاريخ بلوغ سن الرشد جنسية أبيهم الأصلية، ولكنه لم يجعل ذلك وحده سببًا لزوال الجنسية المصرية عنهم، إذ قد يقررون خلال المدة المحددة اختيار جنسية أبيهم الأصلية، ولكنهم لا يستردونها طبقًا لقانونها، فيصبحون عديمي الجنسية، ولهـذا ربط المشـرع صراحة زوال الجنسية المصرية عنهم لا بتقرير اختيارهم جنسية أبيهم، وإنما باستردادهم فعلاً لهذه الجنسية طبقًا لقانونها.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة، على سند من عدم خضوع المنازعة الموضوعية للنص المحال، وإنما يحكمها نص البند رابعًا والبند خامسًا من المادة (4) من القانون رقم 26 لسنة 1975 المشار إليه، وبالتالى فإن القضاء في دستورية النص المحال لا يحقق للمدعى فائدة تُرجى، فإن هذا الدفع مردود: ذلك أن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولهـا، ومؤدى ذلك، أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصـل في ذلك النـــــزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضـوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها، أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة، بأكملها أو في شق منها، في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعى في تلك الدعوى، وهو من مواليد القاهرة في 3/4/1991، بثبوت الجنسية المصرية له، تبعًا لاكتساب والدته الجنسية المصرية بتاريخ 26/6/1998، حال كونه في هذا التاريخ قاصرًا، لم يبلغ سن الرشد، وكان نص الفقرة الثانية من المادة (6) المحال، قد قصر الحق في اكتساب الجنسية المصرية على الأولاد القصر للأب الأجنبي الذى يكتسب الجنسية المصرية، دون الأم الأجنبية، ليضحى النص المذكور فيما تضمنه من قصر الحق في اكتساب الجنسية المصرية بقوة القانون بالنسبة للأولاد القصر على حالة اكتساب الأب الأجنبي لها دون الأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية، هو المانع القانوني الذى يحول بين المدعى واكتساب الجنسية المصرية تبعًا لاكتساب والدته لها، وتوافرت في حقه باقي الشروط التي حددها القانون لاكتساب تلك الجنسية، فإن المصلحة في الدعوى المعروضة تكون متحققة في حدود نطاقها المتقدم، إذ يكون للقضاء في دستورية النص المحال في الإطار المشار إليه أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ويضحى الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة فاقدًا لسنده القانونى، حقيقًا بالرفض.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال في حدود نطاقه المتقدم مخالفة نصوص المواد (6، 10، 11، 53) من الدستور الصادر سنة 2014، بقالة إن هذا النص بقصره الحق في اكتساب الجنسية المصرية بالنسبة للأولاد القصر على حالة اكتساب الأب الأجنبي لها دون الأم الأجنبية، يتضمن تمييزًا غير مبرر يتصادم ومبدأ المساواة، فضلاً عن عدم مراعاته الحفاظ على وحدة الأسرة وتماسكها ولم شملها.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9)، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد حرص في العديد من مواده على التأكيد على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، فاعتمد بمقتضى نص المادة (4) مبدأ المساواة إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، كما ساوى بينهما طبقًا لنص المادة (6) في مجال منح الجنسية المصرية الأصلية للأبناء، فاعتبر الجنسية حقًا لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، وجعل بمقتضى نص المادة (11) ، كفالة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، وحظر بموجب نص المادة (53) التمييز بينهما في مجال حقوقهم وحرياتهم، على أساس الجنس، بما مؤداه: تكامل نصوص الدستور المتقدمة جميعًا واتجاهها لتحقيق الأغراض عينها التي رصدها المشرع، لتجمعها جميعًا تلك الوحدة العضوية التي تقيم بنيانها نسيجًا متضافرًا، غايته تحقيق مقاصد الدستور، في إقامة المساواة بين أبناء الوطن الواحد رجالهم ونسائهم، دون تمييز لأى سبب، والذى اعتبر الدستور اقترافه جريمة يعاقب عليها القانون، كما ألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وأوجب إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، وليغدو تحقيق ذلك هدفًا أسمى لكل تنظيم يسنه المشرع يتناول هذه المسألة، وضابطًا لصحته من زاوية دستورية، إذ من المقــــرر أن النصــــوص القانونية التي ينظم بها المشــــرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريقة الوصول إليها.
متى كان ذلك، وكان الدستور وإن أوكل للمشرع بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (6) تحديد شروط اكتساب الجنسية المصرية، إلا أن ممارسة المشرع لسلطته التقديرية في هذا المجال يحدها القيد العام الذى ضمنه الدستور نص المادة (92) والذى بمقتضاه لا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، بما لازمه وجوب التزام التنظيم الذى يقره المشرع بالمبادئ الضابطة لسلطته في هذا الشأن، والتى يُعد تحقيقها غاية كل تنظيم يسنه، وفى المقدمة منها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، خاصة بين المرأة والرجل في كافة الحقوق والحريات، والقضاء على كافة أشكال التمييز بينهما، فضلاً عن الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية واستقرارها باعتبارها أساس المجتمع، والذى جعله الدستور بمقتضى نص المادة (10) التزامًا على الدولة، والتى يتصادم معها جميعًا حرمان الأولاد القصر للأم الأجنبية من اكتساب الجنسية المصرية بقوة القانون، تبعًا لاكتسابها هذه الجنسية، إسوة بالأب الأجنبي الذى قرر المشرع بالنص المحال حق أولاده القصر في ذلك، وليضحى النص المطعون فيه وقد قصر هذا الحق على الأولاد القصر للأب الأجنبي دون الأم الأجنبية، متضمنًا تمييزًا تحكميًّا لا يستند إلى أسس موضوعية، ذلك أنه باعتباره الوسيلة التي اعتمدها المشرع لتنظيم موضوع اكتساب الأولاد القصر للأجانب المتجنسين بالجنسية المصرية لهذه الجنسية، يتناقض مع الأهداف التي رصدها الدستور، وأقام عليها بناء المجتمع، ليقع النص المطعون فيه - في الإطار المشار إليه - مخالفًا لنصوص المواد (4، 9، 10، 11، 53) من الدستور، فوق كونه يُعد مجاوزة من المشرع لنطاق السلطة التقديرية المقررة له بمقتضى نص المادة (92) من الدستور، في مجال تنظيم الحقوق والحريات، هذا فضلاً عن أن النص في الفقرة الثانية من المادة (9) من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة في كوبنهاجن بتاريخ 30/7/1980، على أن "... 2- تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها"، والتي تم التصديق عليها بتاريخ 15/8/1981، وعُمل بها اعتبارًا من 18/10/1981، ونُشرت في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 51 بتاريخ 17/12/1981، وصدر القــرار الجمهوري رقــم 249 لسنة 2007 بالموافقة على سحب التحفظ عليها، وعُمل به اعتبــارًا من 4/1/2008، ونُشر في الجــريـدة الرسمية العدد رقم 41 بتاريخ 9/10/2008.
وحيث إن مؤدى ما تقدم، نشوء التزام على الدولة بتعديل قوانينها الداخلية بما يتفق وتعهداتها الدولية الناشئة عن الاتفاقية المشار إليها، وذلك إنفاذًا لمقتضى أحكام المادة (93) من الدستور، التي تنص على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تُصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة"، وما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (151) على أن" يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور..."، ليضحى تراخى المشرع في تعديل النص المطعون فيه بإنفاذ مقتضى نص الاتفاقية المشار إليه، في شأن أحقية الأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية في اكتساب هذه الجنسية تبعًا لأمهم، وبقوة القانون، أسوة بالأب الأجنبي الذى يكتسب الجنسية المصرية، إخلالاً من المشرع بالتزامـــه الدستوري المتقدم، بما يوقعـــه في حومـــة مخالفة أحكـام الدستور، ولا يقيله من هذه المخالفة النص في المادة (26) من القانون رقم 26 لسنة 1975 سالف الذكر على أن "يُعمل بأحكام المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالجنسية التي أبرمت بين مصر والدول الأجنبية، ولو خالفت أحكام هذا القانون"، ذلك أن إنفاذ مقتضى الاتفاقية المشار إليها يستوجب تضمين القانون ما يكفل هذا الحق للأولاد القصر للأم الأجنبية التي اكتسبت الجنسية المصرية، وهو ما خلا منه النص المطعون فيه، الأمر الذى يغدو معه هذا النص مصادمًا لأحكام الدستور على النحو المتقدم بيانه، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته في حدود النطاق المتقدم.
فلهـذه الأسبـاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (6) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، فيما تضمنه من قصر الحق في اكتساب الجنسية المصرية بالنسبة للأولاد القصر على حالة اكتساب الأب الأجنبي لهذه الجنسية، دون حالة اكتساب الأم الأجنبية لها.

دستورية تبعية القاضي بالمحاكم الابتدائية أو عضو النيابة لمحكمة الاستئناف في دعوى مخاصمته


الدعوى رقم 179 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 2 / 3 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من مارس سنة 2019م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار، والدكتور عادل عمر شريف، وبولس فهمى إسكندر، ومحمود محمـد غنيم، والدكتور محمـد عماد النجار، والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 179 لسنة 37 قضائية "دستورية".
المقامة من
مايسة عبدالفتاح محمد
ضــــــد
1- رئيس الجمهوريـة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العــدل
4- النائب العــام
الإجراءات

 بتاريخ الثانى والعشرين من ديسمبر سنة 2015، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، والمواد (495، 496، 498، 500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 2/2/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، والتصريح بمذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة صممت فيها على الطلبات المبداة منها بمذكرتها الأصلية.
المحكمــــة
 بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعية كانت قد أقامت ضد قاضى محكمة جنح مصر القديمة الجزئية بالجلسة المعقودة في 14/2/2015، وممثل النيابة العامة بالجلسة ذاتها، دعوى المخاصمة رقم 653 لسنة 132 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهــــرة، لما ارتأته من وقوع القاضي المذكور في خطأ مهني جسيم بإصداره حكمًا بحبسها أربعًا وعشرين ساعة، لإخلالها بنظام الجلسة، إبان متابعتها الدعوى رقم 10592 لسنة 2014 جنح قسم مصر القديمة، بالمخالفة لنصوص المواد (243، 244، 338، 251، 251 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، وتدوولت دعوى المخاصمة بالجلسات، وبجلسة 16/11/2010، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية، ونصوص المواد (495، 496، 498، 500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة فقرتها الأولى بالقانون رقم 29 لسنة 1982 تنص على أن "ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها. وله في سبيل ذلك أن يُخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها فإن لم يمتثل وتمادى، كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه أربعًا وعشرين ساعة أو بتغريمه عشرة جنيهات، ويكون حكمها بذلك غير جائز استئنافه، فإذا كان الإخلال قد وقع ممن يؤدى وظيفة في المحكمة كان لها أن توقع عليه أثناء انعقاد الجلسة ما لرئيس المصلحة توقيعه من الجزاءات التأديبية.
وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن الحكم الذى تصدره".
وتنص المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية مستبدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999 على أن "تُرفع دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي، أو عضـو النيابـة يوقعه الطالب، أو من يوكله في ذلك توكيلاً خاصًّا، وعلى الطالب عند التقرير أن يودع خمسمائة جنيه على سبيل الكفالة.
 ويجب أن يشتمل التقرير على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها.
 وتُعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها بعد تبليغ صورة التقرير إلى القاضى أو عضو النيابة وتُنظر في غرفة المشورة في أول جلسة تعقد بعد ثمانية الأيام التالية للتبليغ. ويقوم قلم الكتاب بإخطار الطالب بالجلسة".
وتنص المادة (496) من القانون ذاته على أن "تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضى أو عضو النيابة المُخاصم حسب الأحوال وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى.
وإذا كان القاضي المخاصم قاضيًا بمحكمة النقض تولت الفصل في جواز قبول المخاصمة إحدى دوائر هذه المحكمة في غرفة المشورة".
وتنص المادة (498) من القانون السالف الذكر على أن "يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى من تاريخ الحكم بجواز قبول المخاصمة".
وتنص المادة (500) من القانون السابق ذكره على أن "لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في دعوى المخاصمة إلا بطريق النقض".
وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية مخالفته لمبدأ الفصل بين السلطات، بتخويله رئيس الجلسة الجمع بين سلطات الاتهام والتحقيق والحكم، بما يعوق حق الدفاع، كما أن نهائية الحكم بالحبس تصادر الحق في التقاضي، وتنعى على نص المادة (496) من قانون المرافعات المدنية والتجارية إخلاله بمبدأ حيدة القاضي واستقلاله، لنظر دعوى المخاصمة أمام المحكمة التي ينتمى إليها القاضي في عمله، كما تنعى على نص المادة (498) من القانون ذاته استمرار القاضي المخاصم ضده في نظر الدعوى التي خوصم بمناسبتها، على الرغم من وجود خصومة بينه وبين من خاصمه، مما يخل بمبدأ المساواة وحقي التقاضي والدفاع.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية التي تتصل بالفقرة الثانية من المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والفقرة الأولى من المادة (496) من القانون ذاته بحكمها الصادر بجلسة 14/2/2015، في الدعوى رقم 178 لسنة 32 قضائية "دستورية، الذى قضى برفض الدعوى المقامة طعنًا على النصين المذكورين، وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 8 مكرر (و) في 25/2/2015، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصــادر بالقانـون رقـــم 48 لسنة 1979، أن تكون الأحكام والقرارات الصادرة من هذه المحكمة ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها الحجية المطلقة بالنسبة لهم، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها، أو إعادة طرح النزاع عينه عليها من جديد لمراجعتها، ومن ثم تغدو الدعوى المعروضة في شأن الفقرتين السالف ذكرهما من المادتين (495)، (496) من قانون المرافعات المدنية والتجارية غير مقبولة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في الدعوى الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة - بأكملها أو في شق منها - في الدعوى الموضوعية، فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. ومن ثم لا يكفى لقيام المصلحة الشخصية المباشرة التي تعتبر شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون النص التشريعي المطعون عليه مخالفًا في ذاته الدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررًا مباشرًا. إذ كان ذلك، فإن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يغدو متصلاً بالحق في الدعوى، ومرتبطًا بالخصم الذى أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورًا إليها بصفة مجردة، وهو بذلك يعتبر محددًا لفكرة الخصومة في الدعوى الدستورية مبلورًا نطاق المسألة الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكدًا ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هى محصلتها النهائية، ومنفصلاً دومًا عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لقيوده ونواهيه، ومستلزمًا أبدًا أن يكون الفصل في المسألة الدستورية موطئًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت المدعية تهدف من دعواها الموضوعية القضاء بصحة المخاصمة، وبطلان الحكم الصادر بمعاقبتها بالحبس لمدة أربع وعشرين ساعة، بقالة ابتنائه على خطأ مهني جسيم، وقع فيه القاضي المخاصم، لمخالفته نص المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الفصل في دعوى المخاصمة في مرحلتها الأولى، وهى مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه، ولا يجـوز بالتالي في هذه المرحلة إبداء طلبات جديدة أو استحداث أوجه مخاصمة لم يتضمنها التقرير، أو تقديـم أو قبول أوراق أو مستندات غير التي أودعت معه, وإلا تعين الالتفات عن أوجه المخاصمة الجديدة التي لم يسبق إبداؤها بتقرير المخاصمة، على أساس عدم اتصالها بالمحكمة بالطريق الذى رسمته أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية. لما كان ذلك، وكان سبب الدعوى الموضوعية قد تحدد فيما ارتأته المدعية من مخالفة القاضي المخاصم حكم النص المطعون فيه، والخروج على مقتضاه، بما يؤكد تمسكها بإعمال هذا النص، لا بإهماله والالتفات عن تطبيقه، وإلا تداعت عناصر قبول دعوى المخاصمة، بما يمتنع معه الحكم في موضوعها، ويتقوض بذلك هدفها من تلك الدعوى بإبطال حكم حبسها، ومن ثم فإن الفصل في دستورية النص المطعون فيه لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتنتفى تبعًا لذلك المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية في الطعن عليه، مما يكون معه القضاء بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها متعينًا.
وحيث إنه لما كانت المسألة المثارة أمـام محكمة الموضــوع - كمفترض أولى - لقضائها، هى تحديد اختصاصها نوعيًّا بالفصل في مخاصمة قاض بالمحكمة الجزئية وعضو نيابة بها، ومن ثم تنتفى مصلحة المدعية في الطعن على ما تضمنه نص الفقرة الثانية من المادة (496) من قانون المرافعات المدنية والتجارية من اختصاص إحدى دوائر محكمة النقض في غرفة مشورة بالفصل في جواز قبول مخاصمة القاضي بمحكمة النقض، إذ لا يكون للقضاء في دستوريته أثر أو انعكاس على الفصل في الدعوى الموضوعية، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إنه لما كانت المدعية تهدف من الطعن على نص المادة (498) من قانون المرافعات المدنية والتجارية أن تتجنب المثول أمام القاضي المخاصم إبان تداول الدعوى رقم 10592 لسنة 2014 جنح قسم مصر القديمة، والتي صدر بمناسبة نظرها حكم حبسها ، وذلك حتى يُفصل في مسألة قبول دعوى المخاصمة رقم 653 لسنة 132 قضائية، وكان البين من الأوراق أن القاضي المخاصم ضده قد تنحى عن نظر تلك الدعوى بجلسة 28/3/2015، وأنها أحيلت لنظرها أمام دائرة أخرى، قبل أن تقيم المدعية دعوى المخاصمة السابق ذكرها بتاريخ 3/6/2015، بما لا يكون معه القاضي المخاصم قد أصدر في تلك الدعوى أية أحكام أو قرارات قطعية أو تمهيدية في تاريخ لاحق على إقامة دعوى مخاصمته السالف ذكرها، ومن ثم لا يحقق الفصل في دستورية هذا النص أية فائدة عملية للمدعية يمكن أن تؤثر في مركزها القانوني، لتنتفي بذلك مصلحتها الشخصية المباشرة في الطعن على دستورية النص المطعون فيه، السالف الإشارة إليه، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعية تتحقق بالطعن على دستورية نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495) والمادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ بحسبان الفصل في دستوريتها يكون له انعكاس على الدعــوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وبها وحدها يتحدد نطـاق الدعوى الدستورية المعروضة والمصلحة فيها.
وحيث إن المدعية تنعى على نصى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية إخلالهما بمبدأ المساواة والحق في التقاضي بإسنادهما الفصل في دعوى مخاصمة قضاة بالمحاكم الجزئية والابتدائية وأعضاء النيابة العامة بهما إلى محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة المخاصم ضده. كما تنعى على نص المادة (500) من القانون ذاته حرمانها من التقاضي على درجتين، مما يعد إخلالاً بالحماية الدستورية المقررة لحقي التقاضي والدفاع وينتهك مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها - التي مازالت معمولاً بها - في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حـدود سلطته التقديرية، وعلى ضـوء ما يرتَئِيه محققًا للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريًّا هو ما يكون تحكميًّا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ إن ما يصـــون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليـل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضى في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
وحيث إنه من المقرر كذلك – في قضاء هذه المحكمة – أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهـم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطـار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية التي يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التي يكفلها الدستور أو القانون تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم في أسلحتهم التي يشرعونها لاقتضائها. ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًا لكل مواطن في مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق في الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص في أن يعرض بنفسه وجهة نظره في شأن الواقعة محل التداعى، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق في أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه – لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التي يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التي تتناولها، نائيًا بالانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التي يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان مفهوم تبعية القاضي أو عضو النيابة بالمحاكم الابتدائية أو المحاكم الجزئية لمحكمة الاستئناف في دعوى مخاصمته، إنما يتحدد بإسناد الفصل في الدعوى المذكورة إلى إحدى دوائر محكمة الاستئناف التي تقع محكمة المخاصم ضده في دائرة اختصاصها المحلى، دون أن يتجاوز ذلك إلى تداخل تشكيل كلتا المحكمتين في تلك الدعوى، الأمر الذى تؤكده نصوص المواد (1، 6، 9، 11) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 46 لسنة 1972. إذ كان ذلك، وكانت العلاقة القانونية التي أشارت إليها الفقرتان الأولى والثالثة من المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية لا تنشئ أية تبعية قانونية أو إدارية لقضاة المحاكم الابتدائية أو الجزئية أو أعضاء النيابة العامة بهما، إلى قضاة محاكم الاستئناف المسند إليهم ولاية الفصل في دعاوى مخاصمتهم، ولا تنصرف غاية المشرع من إيراد هذا التنظيم إلا إلى تحديد القاضي الطبيعي، المخول له الاختصاص بالفصل في تلك الدعاوى، ليبقى دومًا من الأغيار بالنسبة لأطراف دعوى المخاصمة، الذين تتوافر في حقهم الحيدة والاستقلال، ومن ثم يكون الادعاء بإخلال نصى الفقرتين المطعون فيهما المار ذكرهما بمبدأ المساواة والحق في التقاضي منتحلاً.
إذ كان ما تقدم، وكان المشرع قد كفل للمحكوم ضده بحكم صادر من محكمة الاستئناف مُنْهِ للخصومة في دعوى مخاصمة - أن يطعن فيه بطريق النقض، لتنظره المحكمة التي تستوى على قمة مدارج محاكم جهة القضاء العادي، غير ممايز بين المدعى المخاصم والقاضي أو عضو النيابة المخاصم ضده، ودون أن يُمكن أحد طرفي خصومة دعوى المخاصمة من ولوج طريق للطعن في الحكم الصـادر فيها لا يتيحه لخصمه الآخر، محققًا بذلك توازنًا بين مراكز قانونية متكافئة لأطراف الخصومة القضائية ذاتها، ومن ثم فإن النعي على نص المادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بقالة الإخلال بحقي التقاضي والدفاع، أو إهداره مبدأ المساواة، أو افتئاته على مبدأ تكافؤ الفرص - في ظل عدم تعلق النص المذكور بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها - يضحى لا أساس له متعينًا رفضه.



وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصين المطعون فيهما - محددين نطاقًا على ما سلف بيانه - لا يخالفان أحكام المواد (4، 9، 53، 97، 98) من الدستور، كما لا يخالفان أية أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى في هذا الشق منها.
فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (243) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدَّل بالقانون رقم 29 لسنة 1982، والفقرة الثانية من المادة (495) والمادتين (496، 498) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
ثانيًا: برفض الدعوى بالنسبة لنصى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495)، والمادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه.
ثالثًا: بمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.