ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى
ومحمود محمد غنيم نواب رئيس المحكمة
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
جلسة 19 من يناير سنة 1977
برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدي، والدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجوري، وأحمد صلاح الدين وهدان.
---------------
(56)
الطعن رقم 573 لسنة 42 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن". إثبات "القرائن".
جواز إثبات أجرة الأساس بكافة الطرق. عقد الإيجار أو الإيصال بالأجرة عن مده لا يدخل فيها شهر الأساس. جواز اعتبارهم قرينة قضائية على الأجرة القانونية. الادعاء بأن الأجرة المدونة بهما تختلف عن أجرة شهر الأساس. إثبات ذلك على عاتق من يدعيه.
(2) إيجار "إيجار أماكن". نقض "السبب الموضوعي".
رفض دفاع المؤجر بأن زيادة الأجرة كان مردها إصلاحات بالعين المؤجرة وأن الأجرة السابقة لها كانت على سبيل المجاملة. استناد الحكم في ذلك إلى أسباب سائغة. عدم جواز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.
(3) إيجار "إيجار الأماكن". نظام عام. بطلان.
بطلان الاتفاق على أجرة تزيد عن الحد الأقصى. تعلقه بالنظام العام. سكوت المستأجر مدة من الزمن - 13 سنة - عن المطالبة بتحديد الأجرة القانونية. لا أثر له.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 30 سنة 1969 مدنى أمام محكمة دمنهور الابتدائية ضد الطاعنين بطلب تحديد أجرة الشقة التي يشغلها بمبلغ 520 قرشا شهريا. وقال شرحا لها إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 23/ 5/ 1956 استأجر من الطاعن الأول شقة موضحة بصحيفة الدعوى بالمنزل رقم 2 شارع السودان بدمنهور لقاء 11 جنيها شهريا، وإذ تبين له أنها أقيمت قبل سنة 1940 وأن أجره المثل لها في شهر أبريل سنة 1941 لا تتجاوز أربعة جنيهات شهريا وبإضافة الزيادة المقررة لاستعمالها كعيادة طبيب تصبح 520 قرشا فقد أقام دعواه. وبتاريخ 25/ 5/ 1969 حكمت المحكمة بندب أحد الخبراء لبيان تاريخ إنشاء شقة النزاع وتحديد أجرتها القانونية في شهر أبريل سنة 1941 أو أجرة المثل إن لم تكن مؤجرة وقتئذ وإضافة الزيادة القانونية المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون رقم 121 لسنة 1947، ثم عادت فحكمت في 29/ 3/ 1970 بندب خبير آخر لأداء ذات المأمورية ولبحث اعتراضات المطعون عليه على تقرير الخبير السابق، وبعد أن قدم الخبير الثاني تقريره حكمت في 26/ 5/ 1961 برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 159 س 27 ق إسكندرية (مأمورية دمنهور) طالبا إلغاءه والقضاء له بطلباته. وبتاريخ 22/ 5/ 1972 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وتحديد أجرة الشقة بمبلغ 8 جنيهات شهريا تسري عليها ما تكون داخلة في نطاقه من قوانين بتخفيض أجرة الأماكن. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن مبنى على أسباب ثلاثة، ينعى الطاعنان بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفى بيان ذلك يقولان إن الحكم أطرح تقريري الخبيرين المنتدبين دون أن يورد أسبابا لذلك، وبنى قضاءه بالتخفيض على سند من أن الثابت من الإيصال المؤرخ 1/ 5/ 1956 المقدم من المطعون عليه أن شقة النزاع كانت مؤجره لمستأجر سابق كان يستعملها عيادة لاستقبال مرضاه بمبلغ 8 جنيهات، وأنها تساوى أجرة شهر أبريل سنة 1941 مضافا إليها الزيادة المقررة، باعتبار أنها أقل أجرة يقبلها المالك وتعد في ذات الوقت أقصى ما يسمح به القانون حماية للمستأجر، في حين أنه لا يجوز للمحكمة أن تنقل عبء الإثبات وتعفي المستأجر من إثبات مدعاه، وتؤسس قضاءها على استنتاج ظني تفترض فيه أن هذه القيمة تمثل الحد الأقصى للأجرة القانونية، دون أن تحقق تاريخ بدء التأجير للمستأجر السابق والظروف التي أحاطت به خاصة وأنه في الشهر الذى حتم المشرع القياس عليه كانت أزمة المباني مستحكمة في مدينة دمنهور وزاد معدل الإيجار فيها تبعا لهجرة سكان الإسكندرية إليها بسبب الحرب وقتذاك، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون. هذا إلى أن الطاعنين تمسكا أمام محكمة الموضوع بأن المستأجر السابق كان الطبيب الخاص للمالك الأصلي للعمارة مما دعا إلى مجاملته عند تحديد الأجرة، وأنه تمت بالعين المؤجرة إصلاحات أدت إلى زيادة أجرتها عند التأجير للمطعون عليه، غير أن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع بما يشوبه بالقصور.
وحيث أن النعي مردود، ذلك أنه لما كان عبء إثبات أن الأجرة المدونة بالعقد تختلف عن أجرة شهر إبريل سنة 1941 في معنى المادة الرابعة من القانون رقم 121 لسنة 1947 تقع على عائق من يدعيه زيادة أو نقصا، وكان الأصل ألا يصار إلى أجرة إلا عند تعذر ثبوت الأجرة الفعلية، وكان مفاد الخامسة من ذات القانون إن أجرة الأساس تثبت أولا بالعقد المكتوب الساري خلال هذا الشهر، وأن الشارع عامل الأجرة معاملة الواقعة المادية فأحل أثباتها عند عدم إمكان الحصول على العقد المكتوب بطريق الإثبات كافة بما فيها البنية والقرائن، وكان عقد الإيجار ويقاس عليه الإيصال الصادر من المؤجر بقبض الأجرة عن مدة لا يدخل فيها الشهر المشار إليه وأن كان لا يصلح أيهما بهذه المثابة دليلا كاملا عن الأجرة التي يعتبرها المشرع أساسا للأجرة القانونية إلا أنه يجوز اتخاذه قرينة قضائية عليها، لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه استند في تحديد أجرة شقة النزاع في شهر أبريل سنة 1941 على الإيصال المقدم من المطعون عليه المؤرخ أول مايو سنة 1954، وأنه اتخذ من هذا الإيصال قرينة قضائية على أن المبلغ المثبت به يمثل أجرة شهر أبريل سنة 1941 مضافا إليه الزيادة القانونية، اعتبارا بأن هذه الأجرة في مجال المصالح المتعارضة بين المؤجرين والمستأجرين هي أقل أجرة يقبلها الطاعنان، وهي في ذات الوقت أقصى ما يسمح به القانون حماية للمستأجر، وكان ما خلص إليه الحكم في هذا الصدد لا ينطوي على نقل عبء الإثبات من المستأجر الذي يدعى زيادة الأجرة، ولا يتضمن قضاء مبينا على الافتراض والاستنتاج، وكان لا تثريب على المحكمة متى كان إثبات المسألة المقضي فيها طليقا من كل قيد إن هي كونت عقيدتها من أي عنصر من عناصر الأثبات المطروحة في الدعوى، ولا معقب عليها فيما ركنت إليه في قضائها، فإن النعي بمخالفة القانون يكون على غير أساس. لما كان تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن المحكمة لا تعول على ما دفع به الطاعنان من أن زيادة الأجرة في عقد المطعون عليه مردها إلى إصلاحات أو تحسينات أجريت في الشقة لعدم قيام الدليل على حصولها، ولأنها لو كانت قد روعيت عند تحرير العقد لما فات المؤجر - الطاعن الأول - النص عليها عند تحرير العقد كمبرر للزيادة، واستدل أيضا على عدم جدية هذا الادعاء بعدم التناسب بين الزيادة وبين نوع الإصلاحات المدعى بإجرائها خاصة وأنها من أعمال الصيانة المقصود بها المحافظة على سلامة العين ويلزم بها المؤجر قانونا، وكان الحكم قد أبرز أنه لم يقم في الأوراق دليلا تطمئن إليه المحكمة على أن الطاعنين كانا يتقاضيان من المستأجر أجرة تقل عن الأجرة القانونية على سبيل المجاملة، وكان ما أورده الحكم على النحو السابق يتضمن الرد الكافي على كل ما آثاره الطاعنان من أوجه الطعن وما ساقاه من حجج وما استدلا به من قرائن الأحوال، فإن ما جاء بسبب النعي لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يقبل التحدي به أمام محكمة النقض، لما كان ما سلف وكانت المحكمة غير ملزمه بالأخذ برأي الخبير المقدم في الدعوى، لأنه ليس إلا أحد عناصر الإثبات الخاضعة لتقديرها، ولا يلزمها إيراد أسباب مستقلة للرد عليه إن هي لم تأخذ به، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبب لا يصادف محلا.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بأن المطعون عليه كان يعلم بعقد الإيجار المبرم مع المستأجر السابق بالأجرة المحددة فيه وبظروف التعاقد، ورغم ذلك فلم يرفع دعواه إلا بعد ثلاث عشرة سنة من استئجاره شقة النزاع استقرت خلالها المراكز القانونية، مما يخلق قرينة على أن الأجرة المتعاقد عليها هي الأجرة القانونية وأن النزاع بشأنها غير جدى، وإذ أغفل الحكم الرد على هذا الدفاع رغم جوهريته فإنه يكون معيبا بالقصور في التسبيب، علاوة على مخالفة القانون.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت الدعوى بطلب تخفيض الأجرة مبناها بطلان الاتفاق على أجرة تزيد على الحد الأقصى المقرر بهذا التشريع، وكان هذا البطلان على ما يبين من نصوص التشريع الاستثنائي بطلانا مطلقا لتعلقه بالنظام العام، فان من حق المستأجر رفع دعواه بالتخفيض في أي وقت أثناء قيام العلاقة التأجيرية أو بعدها مهما طالت الفترة الفاصلة بين بدء التأجير وبين رفع الدعوى طالما لم يسقط الحق بالتقادم، ولا يصح اعتبار سكوته نزولا منه عن الحق المطالب به لأن هذا النزول صراحة أو ضمنا يقع باطلا ولا يعتد به، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقرر عدم وجود أساس قانوني لدفاع الطاعنين في هذا الخصوص، فإن النعي عليه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.