جلسة 21 من نوفمبر سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ إبراهيم عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ وجيه أديب، النجار توفيق، محمود خضر وبدر خليفة نواب رئيس المحكمة.
----------------
(64)
الطعن 10118 لسنة 78 ق
(1) حكم "بيانات
التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما
أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) جريمة "أركانها".
رشوة. موظفون عموميون. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
جريمة الرشوة. مناط تحققها. المادتين 103، 103 مكرراً عقوبات.
بيان
الحكم حدود اختصاص الموظف ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة وتقاضي أمين
التفليسة رشوة لقاء سرعة الإجراءات. لا قصور.
مثال.
(3) رشوة. جريمة
"أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمة الرشوة. مناط تحققه؟
استخلاص توافر القصد
الجنائي في جريمة الرشوة. موضوعي.
مثال .
(4) رشوة. دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ للرد على دفاع الطاعن بأن مبلغ الرشوة ما هو إلا دين
عليه.
(5) دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
البيان المعول عليه في الحكم. ماهيته؟
تزيد الحكم فيما لا أثر له في
منطقه أو نتيجته. لا يعيبه. علة ذلك؟
مثال.
(6) إثبات "بوجه عام"
"خبرة". إجراءات "إجراءات التحقيق". تسجيل المحادثات. محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما
لا يوفره".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة
لإجرائه. غير جائز.
تقدير الدليل. موكول لمحكمة الموضوع. ما دام سائغاً.
مثال.
(7) إثبات "شهود". محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق
التدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة الشهود.
مفاده؟
تناقض الشهود في بعض التفاصيل. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الحقيقة منها
استخلاصاً سائغاً.
قول متهم على آخر. شهادة. للمحكمة التعويل عليها.
الجدل
الموضوعي. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(8) جريمة "أركانها".
رشوة. باعث. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وقوع جريمة الرشوة تامة. بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله.
ولو لم يستطع تنفيذه أو لم ينتو القيام به. ما دام العمل داخلاً في اختصاصه وزعم
الاختصاص كافيا لتمام الجريمة.
تنفيذ الغرض من الرشوة. ليس ركناً فيها.
مثال.
(9) استدلالات. تسجيل المحادثات.
دفوع "الدفع ببطلان إذن التسجيل". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
جدية التحريات". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الإذن بالمراقبة والتسجيل. موضوعي.
مثال.
(10) أمر الإحالة. دفوع "الدفع
ببطلان قرار الإحالة". بطلان. إجراءات "إجراءات التحقيق"
"إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
أمر الإحالة. مرحلة من مراحل التحقيق. يجوز للمتهم استكمال ما فات
النيابة العامة من إجراءات التحقيق أمام المحكمة. أثر ذلك: لا محل للقول بوجود خطأ
يستدعي بطلان أمر الإحالة.
عدم جواز إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق بعد دخولها حوزة
المحكمة.
مثال.
(11) إثبات "اعتراف".
دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير صحة
الاعتراف" "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا
يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات في المسائل الجنائية. موضوعي.
أخذ المحكمة باعتراف المتهم. مفاده؟
إثارة الدفع ببطلان الاعترافات لأول مرة أمام
محكمة النقض. غير جائز.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة
النقض.
مثال.
(12) رشوة. قانون
"تفسيره". موظفون عموميون.. إثبات "بوجه عام". دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في
تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل منها".
وكيل الدائنين. ماهيته: وكيل عن جماعة الدائنين وعن المفلس. لا يعتبر
موظفاً عاماً إلا أنه يقوم بخدمة عامة. تسري عليه أحكام الرشوة واستخدام النفوذ
بقانون العقوبات. أساس ذلك؟
قانون التجارة القديم. لم يعن بتنظيم مهنة وكلاء
الدائنين. أثر ذلك؟
العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة
المطروحة عليه. عدم جواز مطالبته الأخذ بدليل معين إلا في الأحوال التي يقررها
القانون.
الجدل الموضوعي في استنباط المحكمة لمعتقدها. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(13) إجراءات "إجراءات
التحقيق" "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما
لا يوفره".
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. لا يصح سبباً للطعن على الحكم.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه.
غير جائز.
(14) عقوبة "تقديرها".
ظروف مخففة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير ظروف الرأفة. موضوعي.
مثال.
(15) عقوبة "تطبيقها".
عزل. نقض "المصلحة في الطعن".
انتفاء مصلحة الطاعن في النعي بإغفال الحكم توقيع عقوبة العزل عليه.
(16) محكمة الموضوع "سلطتها في
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
الجدل الموضوعي في سلطة المحكمة في استخلاص صورة الواقعة. غير جائز.
مثال.
--------------
1 - لما كان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، بل يكفي أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة، فإن ذلك يحقق حكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، كما أورد الحكم مضمون الأدلة التي عول عليها في الإدانة في بيان يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها، مما تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب.
2 - لما كان قضاء محكمة النقض قد جرى على أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته وليس من الضروري أن يتخذ الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار وإنما يكفي أن يكون دوره مجرد المشاركة في تحضير هذا القرار، ولو كان في صورة رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من بيده اتخاذ القرار، وكان المستفاد من نص المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد، وكان الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف وما دام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق الرشوة بما استنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه، وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس أنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين حدود اختصاص الموظف ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه أنه صدر حكم في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... بتعيين الطاعن وكيلاً للدائنين - أمين التفليسة - في تلك الدعوى وأنه تقاضى رشوة من المتهم الثاني والثالث بواسطة المتهم الرابع والخامس لقاء سرعة الإجراءات وتقديم تقريراً لدى المحكمة المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... والمعين فيها من المحكمة أميناً للتفليسة، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون في غير محله.
3 - من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول بوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن الطاعن أخذ من المتهم الثاني والثالث النقود بواسطة المتهم الرابع والخامس تنفيذاً لاتفاق سابق بينهم ليقوم الطاعن بتقديم تقرير يفيد عدم وجود دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس ....، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي في حقه وأنه طلب وأخذ النقود لقاء موافقته على تقديم التقرير سالف الذكر، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون لا محل له.
4 - لما كان الحكم قد رد على دفاع الطاعن القائم على أن المبلغ المقول بأنه رشوة ما هو إلا دين له على المتهم الخامس واطرحه برد سائغ وتدليل مقبول، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله.
5 - من المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه، ما دام أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي تناهى إليها، وما دام أنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ في منطق سائغ وتدليل مقبول يكفي لحمل قضائه بإدانة الطاعن، وكان ما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين مقصده مما أورده على النحو المبين في وجه نعيه إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التي تكفي لحمل قضائه وأن ذلك يعد تزيداً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها، فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى التسجيلات الصوتية المسجل عليها المحادثات الهاتفية التي دارت بين المتهمين في قوله "وثبت بتقرير خبير الأصوات مطابقة صوت المتهمين مع الأصوات المنسوبة إليهم بشرائط التسجيلات التي تحوي الحوارات التي دارت بينهم وأن المحادثات التليفونية التي جرت بين المتهمين قد دارت حول الإجراءات القضائية الخاصة بالتفليسة وطلب المتهم الأول للرشوة وكيفية تقديمها من المتهمين الثاني والثالث ووساطة المتهمين الرابع والخامس عنهما"، كما رد الحكم على ما قدمه الدفاع عن المتهم الأول من بيانات مكالمات صادرة وواردة على هواتف المتهمين من حيث عددها مع المكالمات التي قامت بتسجيلها الرقابة الإدارية بقوله "أن المحكمة تنوه في هذا الشأن بما شهد به شاهد الإثبات الأول بجلسة المحاكمة بأن هناك مكالمات لم يتم تسجيلها لعدم وجوده"، وكان شهادة عضو الرقابة الإدارية شاهد الإثبات الأول - بتحقيق النيابة وبجلسة المحاكمة - قد تضمنت فحوى هذه التسجيلات، وكان المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن هذه التسجيلات، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل، إذ ليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه، هذا إلى أن ما ينعاه الطاعن من إمكانية تعرض التسجيلات للعبث مردود بأن تقدير الدليل موكول إلى محكمة الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه، فلا معقب عليها في ذلك، ما دام تقديرها سائغاً.
7 - لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وأنه متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم، ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً، وكان مؤدى قضاء المحكمة بإدانة الطاعن استناداً إلى أقوال عضوي الرقابة الإدارية هو اطراح ضمني لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن الحكم المطعون فيه قد حصل في بيانه لمؤدى أدلة الثبوت أقوال المتهمين التي انطوت على اعتراف المتهمين بما يتحقق به التدليل السائغ والكافي لمؤدى اعتراف كل منهم، وكان قول متهم على آخر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة في أي دور من أدوار التحقيق، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
8 - لما كانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيع الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف، وما دام زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن طلب وأخذ رشوة من المتهم الثاني والثالث عن طريق المتهم الرابع والخامس لتقديم تقريراً لدى المحكمة المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة، ومن ثم فلا جدوى من جراء ما يثيره الطاعن من تعذر تنفيذ المطلوب لأن التقرير الذي قدمه لا يؤدي إلى إقفال أعمال التفليسة، لأن جريمة الرشوة وكما أسلفنا تتحقق بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذي يدفع الجعل غير حق ولا يستطيع الموظف تنفيذه أو لا ينتوي القيام به.
9 - لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية ولصدوره عن جريمة مستقبلية في قوله "إن ما أورده شاهد الإثبات الأول بمحضره المؤرخ .... من أن تحرياته قد دلت على طلب المتهم الأول مبالغ مالية على سبيل الرشوة من المتهمين الثاني والثالث بوساطة المتهمين الرابع والخامس مقابل تقديم تقريره كوكيل دائنين لقاضي التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... لإعلان تلك التفليسة الأمر الذي يكون قد صح معه أن جناية وقعت بالفعل نسب ارتكابها للمتهمين ونمى أمرها إلى محرر هذا المحضر من تحرياته واستدلالاته الموثوق بها وأنه قام من الأمارات والشبهات المقبولة والدلائل ضد المتهمين بقدر يبرر تعرض التحقيق لحريتهم في سبيل الكشف عن مبلغ اتصالهم بتلك الجريمة الأمر الذي ارتأت معه سلطة التحقيق جدية هذه التحريات وهو ما تقرها عليه هذه المحكمة فأصدرت أمرها بتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التي تدور بين المتهمين ومراقبة وتسجيل الاتصالات التليفونية التي تتم بينهم من خلال تليفوناتهم المشار إليها به لضبط تلك الجريمة التي كانت واقعة بالفعل عند صدوره، ومن ثم يغدو الدفع غير سديد"، وذلك من الحكم رد سائغ إذ أنه من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالمراقبة والتسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة - وعلى ما أفصحت عنه فيما تقدم - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بنى عليها الإذن بالمراقبة والتسجيل وكفايتها لتسويغ إصداره وأنه عن جريمة تحقق وقوعها وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
10 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفع الطاعن ببطلان أمر الإحالة بمقولة تناقضه مع أقوال المتهمين مع تقرير هيئة الرقابة الإدارية بشأن مبلغ الرشوة المقال به بقوله "إنه مردود عليه بما هو ثابت من الأوراق من أن التحقيقات أسفرت عن طلب المتهم الأول من المتهمين الثاني والثالث مبلغ مائتي ألف جنيه أخذ منه مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة وذلك بوساطة المتهمين الرابع والخامس، ومن ثم فإذا ذلك هو ما أورده أمر الإحالة كان الدفع يغدو غير سديد". لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد استقر على اعتبار مرحلة الإحالة من مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي ويجوز للمتهم استكمال ما فات النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها، فإنه لا محل للقول بوجود خطأ يستدعي بطلان أمر الإحالة وإلا ترتب على البطلان إعادة الدعوى إلى جهة التحقيق بعد اتصالها بالمحكمة، وهو غير جائز، كما أن الحكم عرض على النحو السالف لما أثير في هذا الشأن واطرحه برد سائغ، وكان هذا إلى أن الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساساً لقضائه بالإدانة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا محل له.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الدليل المستمد من اعتراف المتهمين لأنه وليد وعد أو إغراء بالإعفاء من العقاب واطرحه برد كاف وسائغ فإن هذا حسبه، إذ من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف واطمأنت إليه، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص محاولة لإعادة الجدل في تقدير الدليل، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر شيئاً بصدد بطلان اعترافات المتهمين من الثاني للخامس لصدوره نتيجة إكراه معنوي وإنما قصارى ما أثبت في محضر الجلسة "أن اعتراف المتهمين من الثاني للخامس لا يصادف صحيح ويخالف الثابت بالأوراق اعتماداً منهم على الاعتصام بنص المادة 107 عقوبات". دون أن يبين وجه ما ينعاه على هذا الاعتراف مما يشكك في سلامته ولا يمكن القول بأن هذه العبارة المرسلة التي ساقها تشكل دفعاً ببطلان الاعتراف أو تشير إلى الإكراه المبطل له، وكل ما يمكن أن تنصرف إليه هو التشكيك في الدليل المستمد توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه، ولما كان الحكم قد أورد مؤدى هذه الاعترافات التي عول عليها في الإدانة - ضمن ما عول عليه - واطمأن إلى سلامتها، وكان لا يقبل من الطاعن أن يثير أمام محكمة النقض لأول مرة بطلان الاعترافات، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون لا أساس له.
12 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء صفة الموظف العام في حقه بمقولة أن المادة 3/571 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 استبدلت مهنة أمين التفليسة بوظيفة وكيل الدائنين، ومن ثم أصبحت المادة 3/111 من قانون العقوبات فارغة من مضمونها واطرحه بقوله "إن وكيل إدارة التفليسة المسمى أمين التفليسة المشار إليه بالمادة 1/571 ق لسنة 1999 والذي نصت الفقرة الثالثة من ذات المادة على صدور قرار من الوزير المختص بتنظيم مهنة أمناء التفليسات هو ذات المسمى بوكلاء الديانة الواردة بالفقرة الثالثة من المادة 111 من قانون العقوبات منوهة المحكمة بأن أياً كان المسمى لتلك المهنة سواء أكان وكيل إدارة التفليسة أو أمين التفليسة أو وكيل الديانة، فإنه ليس موظفاً بحسب الأصل في مفهوم القانون الإداري ولكنه يعد في حكم الموظفين في تطبيق نصوص باب الرشوة طبقاً لما نصت عليه المادة 111 عقوبات، ومن ثم تلتفت المحكمة عن تلك القالة"، فإن هذا الذي أورده الحكم سائغ وسديد، ذلك أن وكيل الدائنين حسب مسمى قانون التجارة القديم والذي عرفه الوسط التجاري بالسنديك وأسماه القانون الجديد أمين التفليسة ما هي إلا مسميات لأهم الأشخاص الذين يقومون بإدارة التفليسة وتصفيتها باعتبار أنه وكيلاً عن جماعة الدائنين، كما أنه يعتبر أيضاً وكيلاً عن المفلس وهو لا يعتبر موظفاً عاماً إلا أنه يقوم بخدمة عامة، ومن ثم تسري عليه أحكام قانون العقوبات الخاصة بمن يعهد إليهم بالقيام بخدمة عامة كأحكام الرشوة واستخدام النفوذ. لما كان ذلك، وكانت المادة 111 تنص على أنه يعد في حكم الموظفين وكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيين وكل شخص مكلف بخدمة عمومية، وذلك في تطبيق أحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه استظهر أنه صدر حكم بتعيين الطاعن وكيلاً للدائنين - أمين التفليسة - في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... - والذي لا ينازع الطاعن فيه - ومن ثم يعد تكليفاً له من سلطة مختصة بالقيام بخدمة عامة، وهو ما يوفر في حق الطاعن أنه في حكم الموظفين العموميين في مجال جريمة الرشوة عملاً بالفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات، ولا ينال من هذا النظر ما ذهب إليه الطاعن بأسباب طعنه، ذلك أنه يبين من استقراء أحكام قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 أنه لم يغير من مضمون الأحكام المنصوص عليها في القانون القديم والتي تعرف وكيل الدائنين - أمين التفليسة - ولا من المفهوم القانوني له، هذا إلى أن قانون التجارة القديم لم يعن بتنظيم مهنة وكلاء الدائنين، ولذلك دعا القانون الجديد بنصه في الفقرة الثالثة من المادة 571 منه على أن يصدر بتنظيم مهنة أمناء التفليسات قرار من الوزير المختص، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفاع الطاعن القائم على بطلان الدليل المستمد من قيام المتهم الخامس بإيداع مبلغ الرشوة في حسابه ببنك .... في قوله "بأن قيام شخص ما بإيداع مبلغ في حسابه شخص آخر بأحد البنوك لا يعد كشفاً لسرية حسابات الأخير منوهة المحكمة بما قال به المتهم الخامس بالتحقيقات من أن المتهم الأول - الطاعن - قد اتفق معه على أن يودع له مبلغ الرشوة بحسابه البنكي وأمده برقم حسابه ببنك .... فرع .... رقم ....، ومن ثم يغدو الدفع غير سديد". وكان ما أورده الحكم - على النحو المار بيانه - يعد سائغاً وكافياً في اطراح هذا الدفاع، هذا إلى أنه من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو براءته، فلا يصح مطالبته بدليل معين، إلا في الأحوال التي يقرها القانون، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى اعترافات المتهم الخامس، وكان الحكم قد حصل في بيانه لمؤدى أدلة الثبوت أقوال المتهم الخامس والتي انطوت على أنه اتفق مع الطاعن على أن يودع له مبلغ الرشوة وقدره مائة ألف جنيه بحسابه ببنك .... فرع .... وقد أمده الطاعن برقم حسابه بهذا الفرع تحت رقم ....، وعولت المحكمة على هذه الأقوال - من بين الأدلة التي أخذت بها - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها، مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض.
13 - لما كان ما يثيره الطاعن من أن النيابة العامة لم تجبه لسماع شهود نفي لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة، مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد طلب إلى المحكمة تدارك هذا النقص، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة.
14 - لما كان تقدير ظروف الرأفة من محكمة الموضوع إنما يكون بالنسبة للواقعة الجنائية التي تثبت لديها قبل المتهم، فإذا طبقت المحكمة في حق الطاعن المادة 103 من قانون العقوبات "السجن المشدد" وعاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة السجن المشدد لمدة خمس سنوات، فهذا مفاده أنها أخذت في اعتبارها الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التي دانته بها والمنصوص عليها في المادة 103 سالفة الذكر ثم نزلت بها إلى العقوبة التي أباح لها هذا النص النزول إليها جوازياً، وكان في وسع المحكمة - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة عن القدر الذي قضت به على الطاعن أن تنزل، وما دامت لم تفعل ذلك، فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلاً مع الواقعة التي ثبتت لديها، ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
15 - لما كانت المصلحة شرطاً لازماً في كل طعن، فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً، وكانت مصلحة الطاعن منتفية فيما ينعى به من أن الحكم لم يوقع عليه عقوبة العزل.
16 - لما كان ما يثيره الطاعن من أن واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون جنحة نصب ارتكبها المتهم الخامس للاستيلاء على أموال المتهمين الثاني والثالث لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وعودة للجدل في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها، مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين قضى بإعفائهم من العقاب بأنه:
أولاً: بصفته في حكم الموظف العمومي وكيل الدائنين في القضية رقم .... لسنة ....
إفلاس .... طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من المتهمين
الثاني والثالث بواسطة المتهمين الرابع والخامس مبلغ مائتي ألف جنيه أخذ منه مبلغ
مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل إيداع تقريراً لدى المحكمة المختصة بنظر
القضية سالفة البيان يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف
إنهاء إجراءات التفليسة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة
جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 107 مكرراً /1، 3/111 من قانون العقوبات،
مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات
وتغريمه مائة ألف جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
----------------
المحكمة
وحيث إن مبنى أوجه الطعن التي تضمنتها تقارير الأسباب المقدمة من
الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال
وظيفته قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع
والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم لم يبين واقعة الدعوى وظروفها والأدلة
التي عول عليها في قضائه بالإدانة على وجه كاف وشابه الغموض والإبهام ولم يدلل على
أركان جريمة الرشوة التي دانه بها بما فيها القصد الجنائي وفي سياق متصل يضيف
الطاعن أن الحكم لم يبين مقصده مما أورده بأسبابه بأن "المتعاملين في مجال
الرشوة يبتعدون دائماً عن ذكر الرشوة بلفظها الصريح ويستبدلون به ألفاظاً أخرى من
باب التمويه" واستند الحكم إلى التسجيلات دون أن يورد مؤداها ملتفتاً عما
أثاره الطاعن من المغايرة في عدد الأشرطة ومحتواها وما إذا كان قد لحقها العبث
ودون إجراء تحقيق في هذا الشأن وعول الحكم في قضائه بالإدانة على ما حصله من أقوال
شاهدي الإثبات واعترافات المتهمين برغم ما شابها من تناقض، فضلاً عن أنها لا تجدي
في إثبات أن التقرير المقدم من الطاعن بجلسة .... يؤدي بذاته إلى قفل أعمال
التفليسة كما اطرحت المحكمة بما لا يستقيم الدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالقبض
والتفتيش لاستناده إلى تحريات غير جدية بدلالة خلوها من تحديدها بمبلغ الرشوة أو
ثمة اتفاق قد تم أو سوف يتم بين الطاعن وباقي المتهمين وملتفتة عما قدمه الطاعن من
مستندات في هذا الصدد ورد الحكم على الدفع ببطلان أمر الإحالة لما شابه من خطأ في
تحديد مبلغ الرشوة والذي لم يثبت على وجه الدقة في الأوراق بما لا يكفي أو يصلح
رداً، كما أضاف الطاعن أنه دفع ببطلان اعترافات المتهمين لأنها لا تعد شهادة
معتبرة قانوناً في حق الطاعن، فضلاً عن أن المحكمة لم تفطن إلى أن تلك الاعترافات
كانت وليدة إكراه تمثل في الرغبة في الحصول على الإعفاء الذي يكفله القانون للمبلغ
عن جريمة الرشوة مما يعدم أثرها في الإثبات بدلالة صدورها بعد إنكار المتهمين
الثالث والرابع بيد أن المحكمة اطرحت هذا الدفع برد قاصر وأقام الحكم قضاءه
بالإدانة على أن الطاعن يعد في حكم الموظف العام عملاً بالفقرة الثالثة من المادة
111 من قانون العقوبات تصدق في حقه جريمة الرشوة في مجال تطبيق المادة 103 منه مع
أنه ليس كذلك على سند من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 الذي استحدث في المادة
3/571 "مهنة أمين التفليسة" والتي نسخت بذلك المادة 3/111 سالفة الذكر
والصفة العامة عن أمين التفليسة إذ لا يعد موظفاً عاماً وتمسك دفاع الطاعن بأن
واقعه الإيداع التي قام بها المتهم الخامس في حساب الطاعن ببنك .... والدليل
المستمد منها يشوبها البطلان لمخالفة ذلك لقانون سرية الحسابات بالبنوك إلا أن
الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يسوغ، ولم تجبه النيابة العامة بسماع شهود نفي
لنفي التهمة وأعملت المحكمة في حقه نص المادة 17 من قانون العقوبات إلا أنها لم
تنزل بالعقوبة في حدود ما تسمح به هذه المادة كما لم تقض بعقوبة العزل هذا إلى أن
واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون جنحة نصب ارتكبها المتهم الخامس للاستيلاء على أموال
المتهم الثاني والثالث، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما
تتوافر به كافة العناصر القانونية لجناية الرشوة التي دان الطاعن بها وأورد على
ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال عضوي هيئة الرقابة الإدارية وما ثبت بكتاب بنك
.... وتقرير خبير الأصوات ومن اعتراف المتهمين من الثاني للخامس وهي أدلة سائغة من
شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً
خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، بل
يكفي أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما
استخلصتها المحكمة، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة، فإن ذلك يحقق حكم القانون كما جرى به نص
المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، كما أورد الحكم مضمون الأدلة التي عول
عليها في الإدانة في بيان يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة
واستقرت في وجدانها، مما تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب. لما كان ذلك، وكان
قضاء محكمة النقض قد جرى على أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي
يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له نصيب
فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته وليس
من الضروري أن يتخذ الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار وإنما يكفي أن يكون دوره
مجرد المشاركة في تحضير هذا القرار، ولو كان في صورة رأي استشاري يحتمل أن يؤثر
على من بيده اتخاذ القرار، وكان المستفاد من نص المادتين 103، 103 مكرراً من قانون
العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ
وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن
دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً
بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد، وكان الزعم بالاختصاص
يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي إبداء الموظف استعداده للقيام
بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك
الاختصاص، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله
ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي
القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة
داخلاً في اختصاص الموظف وما دام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة، لأن تنفيذ
الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق الرشوة بما
استنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة
التي تفرضها الوظيفة فيه، وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قدر أن الموظف لا
يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس أنه حين يتجر فيها على
أساس من الواقع إذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء، لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه قد بين حدود اختصاص الموظف ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة
كما استظهر الحكم المطعون فيه أنه صدر حكم في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس
.... بتعيين الطاعن وكيلاً للدائنين - أمين التفليسة - في تلك الدعوى وأنه تقاضى
رشوة من المتهم الثاني والثالث بواسطة المتهم الرابع والخامس لقاء سرعة الإجراءات
وتقديم تقريراً لدى المحكمة المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب
الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس ....
والمعين فيها من المحكمة أميناً للتفليسة، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا
الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة
يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول بوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا
لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه
ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي
صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وكان الحكم المطعون فيه قد
دلل على أن الطاعن أخذ من المتهم الثاني والثالث النقود بواسطة المتهم الرابع
والخامس تنفيذاً لاتفاق سابق بينهم ليقوم الطاعن بتقديم تقرير يفيد عدم وجود
دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى
رقم .... لسنة .... إفلاس ....، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به
القصد الجنائي في حقه وأنه طلب وأخذ النقود لقاء موافقته على تقديم التقرير سالف
الذكر، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون لا محل له. لما كان ذلك،
وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن القائم على أن المبلغ المقول بأنه رشوة ما هو
إلا دين له على المتهم الخامس واطرحه برد سائغ وتدليل مقبول، ومن ثم يضحى النعي
على الحكم في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن البيان
المعول عليه في الحكم هو الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء
الخارجة عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه، ما دام
أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي تناهى إليها، وما دام أنه لم يورده إلا
بعد أن كان قد فرغ في منطق سائغ وتدليل مقبول يكفي لحمل قضائه بإدانة الطاعن، وكان
ما يثيره الطاعن من أن الحكم لم يبين مقصده مما أورده على النحو المبين في وجه
نعيه إنما كان بعد أن فرغ الحكم من إيراد الأدلة السائغة التي تكفي لحمل قضائه وأن
ذلك يعد تزيداً غير مؤثر في منطق الحكم أو في النتيجة التي خلص إليها، فإن نعي
الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون
فيه قد أورد مؤدى التسجيلات الصوتية المسجل عليها المحادثات الهاتفية التي دارت
بين المتهمين في قوله "وثبت بتقرير خبير الأصوات مطابقة صوت المتهمين مع
الأصوات المنسوبة إليهم بشرائط التسجيلات التي تحوي الحوارات التي دارت بينهم وأن
المحادثات التليفونية التي جرت بين المتهمين قد دارت حول الإجراءات القضائية الخاصة
بالتفليسة وطلب المتهم الأول للرشوة وكيفية تقديمها من المتهمين الثاني والثالث
ووساطة المتهمين الرابع والخامس عنهما"، كما رد الحكم على ما قدمه الدفاع عن
المتهم الأول من بيانات مكالمات صادرة وواردة على هواتف المتهمين من حيث عددها مع
المكالمات التي قامت بتسجيلها الرقابة الإدارية بقوله "أن المحكمة تنوه في
هذا الشأن بما شهد به شاهد الإثبات الأول بجلسة المحاكمة بأن هناك مكالمات لم يتم
تسجيلها لعدم وجوده"، وكان شهادة عضو الرقابة الإدارية شاهد الإثبات الأول -
بتحقيق النيابة وبجلسة المحاكمة - قد تضمنت فحوى هذه التسجيلات، وكان المدافع عن
الطاعن لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن هذه التسجيلات، فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل، إذ ليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن
إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه، هذا إلى أن ما ينعاه
الطاعن من إمكانية تعرض التسجيلات للعبث مردود بأن تقدير الدليل موكول إلى محكمة
الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه، فلا معقب عليها في ذلك، ما دام تقديرها
سائغاً. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها
شهادتهم وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن
إليه، وأنه متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي
ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها
لا يعيب الحكم، ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً، وكان مؤدى
قضاء المحكمة بإدانة الطاعن استناداً إلى أقوال عضوي الرقابة الإدارية هو اطراح
ضمني لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن الحكم
المطعون فيه قد حصل في بيانه لمؤدى أدلة الثبوت أقوال المتهمين التي انطوت على
اعتراف المتهمين بما يتحقق به التدليل السائغ والكافي لمؤدى اعتراف كل منهم، وكان
قول متهم على آخر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة في أي دور من أدوار
التحقيق، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي لا تقبل إثارته أمام
محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو
أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيع الموظف أو
لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة
مجردة داخلاً في اختصاص الموظف، وما دام زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة، لأن
تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة، لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعن طلب وأخذ رشوة من
المتهم الثاني والثالث عن طريق المتهم الرابع والخامس لتقديم تقريراً لدى المحكمة
المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات
التفليسة، ومن ثم فلا جدوى من جراء ما يثيره الطاعن من تعذر تنفيذ المطلوب لأن
التقرير الذي قدمه لا يؤدي إلى إقفال أعمال التفليسة، لأن جريمة الرشوة وكما
أسلفنا تتحقق بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذي يدفع
الجعل غير حق ولا يستطيع الموظف تنفيذه أو لا ينتوي القيام به. لما كان ذلك، وكان
الحكم قد عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية
ولصدوره عن جريمة مستقبلية في قوله "إن ما أورده شاهد الإثبات الأول بمحضره
المؤرخ .... من أن تحرياته قد دلت على طلب المتهم الأول مبالغ مالية على سبيل
الرشوة من المتهمين الثاني والثالث بوساطة المتهمين الرابع والخامس مقابل تقديم
تقريره كوكيل دائنين لقاضي التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس ....
لإعلان تلك التفليسة الأمر الذي يكون قد صح معه أن جناية وقعت بالفعل نسب ارتكابها
للمتهمين ونمى أمرها إلى محرر هذا المحضر من تحرياته واستدلالاته الموثوق بها وأنه
قام من الأمارات والشبهات المقبولة والدلائل ضد المتهمين بقدر يبرر تعرض التحقيق لحريتهم
في سبيل الكشف عن مبلغ اتصالهم بتلك الجريمة الأمر الذي ارتأت معه سلطة التحقيق
جدية هذه التحريات وهو ما تقرها عليه هذه المحكمة فأصدرت أمرها بتسجيل وتصوير
الأحاديث واللقاءات التي تدور بين المتهمين ومراقبة وتسجيل الاتصالات التليفونية
التي تتم بينهم من خلال تليفوناتهم المشار إليها به لضبط تلك الجريمة التي كانت
واقعة بالفعل عند صدوره، ومن ثم يغدو الدفع غير سديد"، وذلك من الحكم رد سائغ
إذ أنه من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالمراقبة
والتسجيل هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة محكمة الموضوع،
فمتى كانت المحكمة - وعلى ما أفصحت عنه فيما تقدم - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات
التي بنى عليها الإذن بالمراقبة والتسجيل وكفايتها لتسويغ إصداره وأنه عن جريمة
تحقق وقوعها وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن، فلا معقب عليها فيما ارتأته
لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفع الطاعن ببطلان أمر الإحالة
بمقولة تناقضه مع أقوال المتهمين مع تقرير هيئة الرقابة الإدارية بشأن مبلغ الرشوة
المقال به بقوله "إنه مردود عليه بما هو ثابت من الأوراق من أن التحقيقات
أسفرت عن طلب المتهم الأول من المتهمين الثاني والثالث مبلغ مائتي ألف جنيه أخذ
منه مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة وذلك بوساطة المتهمين الرابع والخامس، ومن
ثم فإذا ذلك هو ما أورده أمر الإحالة كان الدفع يغدو غير سديد"، لما كان ذلك،
وكان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد استقر على اعتبار مرحلة الإحالة من
مراحل التحقيق وأن المحكمة هي جهة التحقيق النهائي ويجوز للمتهم استكمال ما فات
النيابة العامة من إجراءات التحقيق وإبداء دفاعه بشأنها أمامها، فإنه لا محل للقول
بوجود خطأ يستدعي بطلان أمر الإحالة وإلا ترتب على البطلان إعادة الدعوى إلى جهة
التحقيق بعد اتصالها بالمحكمة وهو غير جائز، كما أن الحكم عرض على النحو السالف
لما أثير في هذا الشأن واطرحه برد سائغ، وكان هذا إلى أن الواقعة المادية المبينة
بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم
أساساً لقضائه بالإدانة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا محل له. لما
كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الدليل المستمد من اعتراف
المتهمين لأنه وليد وعد أو إغراء بالإعفاء من العقاب واطرحه برد كاف وسائغ فإن هذا
حسبه، إذ من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك
محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ومتى خلصت إلى
سلامة الدليل المستمد من الاعتراف واطمأنت إليه، فإن مفاد ذلك أنها اطرحت جميع
الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الخصوص محاولة لإعادة الجدل في تقدير الدليل، مما لا تجوز إثارته
أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو
المدافع عنه لم يثر شيئاً بصدد بطلان اعترافات المتهمين من الثاني للخامس لصدوره
نتيجة إكراه معنوي وإنما قصارى ما أثبت في محضر الجلسة "أن اعتراف المتهمين
من الثاني للخامس لا يصادف صحيح ويخالف الثابت بالأوراق اعتماداً منهم على
الاعتصام بنص المادة 107 عقوبات" دون أن يبين وجه ما ينعاه على هذا الاعتراف
مما يشكك في سلامته ولا يمكن القول بأن هذه العبارة المرسلة التي ساقها تشكل دفعاً
ببطلان الاعتراف أو تشير إلى الإكراه المبطل له، وكل ما يمكن أن تنصرف إليه هو
التشكيك في الدليل المستمد توصلاً إلى عدم تعويل المحكمة عليه، ولما كان الحكم قد
أورد مؤدى هذه الاعترافات التي عول عليها في الإدانة - ضمن ما عول عليه - واطمأن
إلى سلامتها، وكان لا يقبل من الطاعن أن يثير أمام محكمة النقض لأول مرة بطلان
الاعترافات، فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص يكون لا أساس له. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء صفة الموظف العام في حقه بمقولة أن
المادة 3/571 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 استبدلت مهنة أمين التفليسة
بوظيفة وكيل الدائنين، ومن ثم أصبحت المادة 3/111 من قانون العقوبات فارغة من
مضمونها واطرحه بقوله "إن وكيل إدارة التفليسة المسمى أمين التفليسة المشار
إليه بالمادة 1/571 ق لسنة 1999 والذي نصت الفقرة الثالثة من ذات المادة على صدور
قرار من الوزير المختص بتنظيم مهنة أمناء التفليسات هو ذات المسمى بوكلاء الديانة
الواردة بالفقرة الثالثة من المادة 111 من قانون العقوبات منوهة المحكمة بأن أياً
كان المسمى لتلك المهنة سواء أكان وكيل إدارة التفليسة أو أمين التفليسة أو وكيل
الديانة، فإنه ليس موظفاً بحسب الأصل في مفهوم القانون الإداري ولكنه يعد في حكم
الموظفين في تطبيق نصوص باب الرشوة طبقاً لما نصت عليه المادة 111 عقوبات، ومن ثم
تلتفت المحكمة عن تلك القالة"، فإن هذا الذي أورده الحكم سائغ وسديد، ذلك أن
وكيل الدائنين حسب مسمى قانون التجارة القديم والذي عرفه الوسط التجاري بالسنديك
وأسماه القانون الجديد أمين التفليسة ما هي إلا مسميات لأهم الأشخاص الذين يقومون
بإدارة التفليسة وتصفيتها باعتبار أنه وكيلاً عن جماعة الدائنين، كما أنه يعتبر
أيضاً وكيلاً عن المفلس وهو لا يعتبر موظفاً عاماً إلا أنه يقوم بخدمة عامة، ومن
ثم تسري عليه أحكام قانون العقوبات الخاصة بمن يعهد إليهم بالقيام بخدمة عامة
كأحكام الرشوة واستخدام النفوذ. لما كان ذلك، وكانت المادة 111 تنص على أنه يعد في
حكم الموظفين وكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيين وكل شخص مكلف بخدمة
عمومية، وذلك في تطبيق أحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات،
ولما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه استظهر أنه صدر حكم بتعيين الطاعن وكيلاً
للدائنين - أمين التفليسة - في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... - والذي لا
ينازع الطاعن فيه - ومن ثم يعد تكليفاً له من سلطة مختصة بالقيام بخدمة عامة، وهو
ما يوفر في حق الطاعن أنه في حكم الموظفين العموميين في مجال جريمة الرشوة عملاً
بالفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات، ولا ينال من هذا النظر ما ذهب
إليه الطاعن بأسباب طعنه، ذلك أنه يبين من استقراء أحكام قانون التجارة الجديد رقم
17 لسنة 1999 أنه لم يغير من مضمون الأحكام المنصوص عليها في القانون القديم والتي
تعرف وكيل الدائنين - أمين التفليسة - ولا من المفهوم القانوني له، هذا إلى أن
قانون التجارة القديم لم يعن بتنظيم مهنة وكلاء الدائنين، ولذلك دعا القانون
الجديد بنصه في الفقرة الثالثة من المادة 571 منه على أن يصدر بتنظيم مهنة أمناء
التفليسات قرار من الوزير المختص، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطرح دفاع الطاعن القائم على بطلان الدليل
المستمد من قيام المتهم الخامس بإيداع مبلغ الرشوة في حسابه ببنك .... في قوله
"بأن قيام شخص ما بإيداع مبلغ في حسابه شخص آخر بأحد البنوك لا يعد كشفاً
لسرية حسابات الأخير منوهة المحكمة بما قال به المتهم الخامس بالتحقيقات من أن
المتهم الأول - الطاعن - قد اتفق معه على أن يودع له مبلغ الرشوة بحسابه البنكي
وأمده برقم حسابه ببنك .... فرع .... رقم ....، ومن ثم يغدو الدفع غير سديد".
وكان ما أورده الحكم - على النحو المار بيانه - يعد سائغاً وكافياً في اطراح هذا
الدفاع، هذا إلى أنه من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي
الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو براءته، فلا يصح مطالبته
بدليل معين، إلا في الأحوال التي يقرها القانون، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن
قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه. لما كان ذلك،
وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى اعترافات المتهم الخامس، وكان الحكم قد
حصل في بيانه لمؤدى أدلة الثبوت أقوال المتهم الخامس والتي انطوت على أنه اتفق مع
الطاعن على أن يودع له مبلغ الرشوة وقدره مائة ألف جنيه بحسابه ببنك .... فرع ....
وقد أمده الطاعن برقم حسابه بهذا الفرع تحت رقم ....، وعولت المحكمة على هذه
الأقوال - من بين الأدلة التي أخذت بها - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا
يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها،
مما لا تقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره
الطاعن من أن النيابة العامة لم تجبه لسماع شهود نفي لا يعدو أن يكون تعييباً
للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة، مما لا يصح أن يكون سبباً
للطعن على الحكم، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد طلب إلى
المحكمة تدارك هذا النقض، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم
يطلبه منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة. لما كان
ذلك، وكان تقدير ظروف الرأفة من محكمة الموضوع إنما يكون بالنسبة للواقعة الجنائية
التي تثبت لديها قبل المتهم، فإذا طبقت المحكمة في حق الطاعن المادة 103 من قانون
العقوبات "السجن المشدد" وعاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات وأوقعت
عليه عقوبة السجن المشدد لمدة خمس سنوات، فهذا مفاده أنها أخذت في اعتبارها الحد
الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التي دانته بها والمنصوص عليها في المادة 103
سالفة الذكر ثم نزلت بها إلى العقوبة التي أباح لها هذا النص النزول إليها
جوازياً، وكان في وسع المحكمة - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة عن القدر الذي
قضت به على الطاعن أن تنزل، وما دامت لم تفعل ذلك، فإنها تكون قد رأت تناسب
العقوبة التي قضت بها فعلاً مع الواقعة التي ثبتت لديها، ويكون منعى الطاعن في هذا
الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المصلحة شرطاً لازماً في كل طعن، فإذا انتفت
لا يكون الطعن مقبولاً، وكانت مصلحة الطاعن منتفية فيما ينعى به من أن الحكم لم
يوقع عليه عقوبة العزل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن واقعة الدعوى لا
تعدو أن تكون جنحة نصب ارتكبها المتهم الخامس للاستيلاء على أموال المتهمين الثاني
والثالث لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وعودة
للجدل في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها، مما
تستقل بالفصل فيه بغير معقب، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.