ويعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم
بأنها مهربة، كما يعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة
أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر يكون
الغرض منه التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم
المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة.
ولا يمنع من إثبات التهريب عدم ضبط البضائع".
وتنص المادة (122) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000
على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب على
التهريب أو الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف
جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بتعويض يعادل مثلي الضرائب
الجمركية المستحقة، فإذا كانت البضائع موضوع الجريمة من الأصناف الممنوعة أو
المحظور استيرادها كان التعويض معادلاً لمثلي قيمتها أو مثلي الضرائب المستحقة
أيهما أكثر.
وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط
يحكم بما يعادل قيمتها.
.....................".
وتنص المادة (124) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000
على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب المنصوص عليها في
المواد السابقة إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك.
...........................".
وتنص المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على أنه:
"مع عدم الإخلال بما نص عليه هذا القانون من أحكام خاصة تخضع الإعفاءات
الجمركية للأحكام الآتية:
(أ) ...............
(ز) تلتزم الجهات المعفاة بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة
الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من أجله.
ويعتبر عدم مسك هذه الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات على
النحو المشار إليه في الفقرة السابقة مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية ويخضع
للعقوبة المنصوص عليها في المادة (118) من قانون الجمارك، فإذا وقع الفعل بغرض
التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها عوقب بالعقوبة المنصوص عليها
في المادة (122) من قانون الجمارك".
وتنص المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150
لسنة 1950 معدلة بالقانون رقم 426 لسنة 1954 على أن: "لا يجوز رفع الدعوى
الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة (184) من
قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها.
وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم
شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره، لا يجوز اتخاذ إجراءات
التحقيق فيها إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول على هذا الإذن أو الطلب .....".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد
شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما
للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، كما جرى قضاؤها أيضا
على أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة
النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص بتطبيقه على
المدعي قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك
يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذي أثار
المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، وبالتالي
لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهومها، ولا يتداخل
أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفي
تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية
النصوص التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعي – وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص
التشريعي المطعون عليه – الدليل على أن ضررا واقعيا – اقتصاديا أو غيره – قد لحق
به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا، مستقلا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته
بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلاً، وثانيهما: أن يكون مرد
الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد
طُبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من
مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية
المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق
للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى
الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن النيابة العامة أحالت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في القضية
رقم 24871 لسنة 2002 جنح الغردقة بوصف أنه شرع في تهريب البضائع المبينة بالأوراق
بإدخالها إلى جمهورية مصر العربية دون أداء الضريبة الجمركية مخالفًا نظام الإفراج
المؤقت وطلبت عقابه بالمواد (1 و2 و3 و5 و12 و122) من قانون الجمارك الصادر
بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وكانت هذه الجريمة تجد سندها التشريعي فيما نص عليه
البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلاً بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من التزام
الجهات المعفاة من سداد الضرائب الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة
مصلحة الجمارك، واعتبار عدم إمساك هذه الدفاتر أو انتظام قيدها أو التلاعب فيها
بقصد التهرب من الضريبة الجمركية بمثابة جريمة يعاقب مرتكبها بالعقوبة المنصوص
عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 63 لسنة 1966، ومن ثم
تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على هذا النص وحده، دون أن تمتد لتشمل
المادة (121) من القانون ذاته، لخلو قرار الاتهام منه، كما أن الإخلال بالحقوق
التي يدعيها المدعي لا يعود إليه، كما لا تمتد هذه المصلحة كذلك لتشمل نص المادة
(124) من القانون المشار إليه والتي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب
إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك، ولا إلى نص المادة (9) من قانون
الإجراءات الجنائية التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في الأحوال التي يشترط فيها
القانون تقديم طلب بذلك، إذ لم يصدر طلب مباشرة الدعوى الجنائية قِبل المدعي من
رئيس مصلحة الجمارك، بل صدر من وزير المالية، فضلاً عن أن هذين النصين لم يلحقا ضررا
بالمدعي، بحسبانهما يحتويان على ضمانة إجرائية إضافية لصالح المتهم، كما أن تعليق
حق النيابة في رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب من الجهة التي عينها
المشرع لا يعدو أن يكون قيدا استثنائيا على سلطتها في مجال تحريكها، ومفترضا
إجرائيا لجواز مباشرتها، ومتى ارتفع هذا القيد – بممارسته – عاد إلى النيابة
العامة اختصاصها كاملاً في شأن تحريك الدعوى الجنائية، فلا إلزام عليها في رفعها،
بل لها أن تقرر – وفقًا لتقديرها – تحريكها أو إهمالها.
وحيث إن من المقرر أن الدعوى الجنائية – وعلى خلاف الدعوى المدنية –
تتحدد بالوقائع المحالة إلى محكمة الموضوع وليس بالوصف والقيد الذي وصفت به
النيابة العامة هذه الوقائع وأسبغت عليه تكييفها القانوني، ذلك أنه يترتب على
إحالة النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة الجنائية انتقال الدعوى الجنائية إلى
حوزتها، وتستطيع إعمالاً لحكم المادتين (307 و308) من قانون الإجراءات الجنائية أن
تسبغ التكييف القانوني الصحيح على الوقائع المحالة إليها، لا يحد سلطتها في ذلك
إلا قيدان أولهما: أشخاص المتهمين المحالين فلا تملك الإضافة أو الانتقاص منهم،
وثانيهما: الوقائع المحالة إليها فلا يجوز للمحكمة معاقبة المتهم عن وقائع غير
التي وردت في أمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور.
متى كان ما تقدم، وكان التفتيش الذي قامت به اللجنة المشكلة من إدارة
متابعة الإعفاءات الجمركية بجمرك السويس قد أسفر عن عدم وجود أي مستندات أو دفاتر
بالمطعم المملوك للمدعي تفيد تسلم المشمول المعفى وكيفية التصرف فيه، وقد كيفت
النيابة العامة هذا الفعل بأنه شروع في التهريب عن طريق مخالفة نظام الإفراج
المؤقت الذي ينظمه البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية
الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71
لسنة 1996، والذي يلزم الجهات المعفاة من الجمارك بمسك دفاتر وقيود نظامية تخضع
لرقابة مصلحة الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من
أجله، وقد ارتكب هذا الفعل بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو
بعضها مما يوقعه تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون
الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000، ومن
ثم فإن الواقعة الجنائية المنسوب إلى المتهم ارتكابها وهي مخالفة نظام الإفراج
المؤقت وما يرتبط بها من العقوبة المقررة لهذا الفعل المؤثم يعدان أمرين مطروحين
على محكمة الموضوع، ويكون الفصل في دستورية كل من البند (ز) من المادة (9) من
قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية والمادة (122) من قانون الجمارك أمرا لازما للفصل
في صحة الاتهام الموجه إلى المدعي.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بما
تضمنه نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار
رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من
التزام الجهات المعفاة من الضريبة الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة
مصلحة الجمارك واعتبار عدم مسك هذه الدفاتر مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، كما
يشمل هذا النطاق أيضا العقوبات المنصوص عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك
الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000 لجريمة
التهريب أو الشروع فيه وهي الحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز
عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب
الجمركية المستحقة، والحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب، أو ما يعادل قيمتها إذا
لم تضبط، وذلك في مجال تطبيقها على الفعل المؤثم بالفقرة الثانية من البند (ز) من
المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المشار إليه.
وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على
القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام
الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم
وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول
التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين
التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في ضوء
أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم
الإعفاءات الجمركية - محددا نطاقًا على النحو المتقدم – أنه اعتبر عدم مسك الدفاتر
أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات، بالمخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، تهربا
جمركيا، أي أن المشرع أحلَّ واقعة عدم مسك الدفاتر محل واقعة علمه بتهريب البضائع
التي يحوزها والتي يتعين على النيابة العامة إقامة الدليل عليها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
المشرع الدستوري في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد
بمناهجها التقدمية قد نص في المادة (66) من الدستور الصادر عام 1971 ومن بعده في
المادة (95) من الدستور القائم على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون،
ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذه، وكان الدستور قد دل بهذه المادة
على أن لكل جريمة ركنًا ماديا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع
بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في
زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أم
سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين
بأحكامه محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها
المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم
التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على
حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر
القصد الجنائي، لا تعزل المحكمة نفسها عن واقعة الاتهام التي قام الدليل عليها
قاطعا واضحا، بل تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة
من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية.
ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا
إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي
أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن مظاهر التعبير عن الإرادة
البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة
التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيا مؤاخذًا عليه قانونًا.
وحيث إن المشرع رغبة منه في التأكد من أن الأصناف المعفاة من الضرائب
الجمركية قد تم استعمالها في الغرض الذي أعفيت من أجله، ألزم الجهات المعفاة بمسك
دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، واعتبر عدم مسك هذه الدفاتر
والقيودات مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية يستوجب معاقبة مرتكبها بالعقوبة المنصوص
عليها بالمادة (118) من قانون الجمارك، فإذا كان الغرض من عدم مسك هذه الدفاتر أو
التلاعب في قيد البيانات في السجلات بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة
كلها أو بعضها، عوقب مرتكب هذه الجريمة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من
قانون الجمارك.
متى كان ذلك، وكانت عناصر هذه الجريمة معينة بصورة واضحة لا لبس فيها
ولا غموض، وتتمثل في ركن مادي ظاهر هو إمساك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة
مصلحة الجمارك، ويقع بحسب الأصل بفعل سلبي يتمثل في الامتناع عن مسك هذه الدفاتر
والقيودات، كما يمكن أن يكون في فعل إيجابي إذا تم محو بيانات تلك الدفاتر أو
القيودات أو التلاعب فيها، وكانت هذه الجريمة في صورتها العمدية تتطلب تحقق العلم
والإرادة بعدم إمساك الدفاتر والقيودات أو العلم والإرادة بالتلاعب فيها، فإذا
ارتكبت هذه الجريمة بغرض التخلص من أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها
تعين توافر قصد خاص لقيام هذه الجريمة هو قصد التهرب من أداء تلك الضريبة كلها أو
بعضها. متى كان ذلك وكانت عبارات النص قد صيغت بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض،
تكفل أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، كما أورد بيانًا لصور الركن
المادي المكون للجريمة وما يجب أن يقارنه من قصد عمدي من علم وإرادة وتوافر قصد
خاص يتمثل في نية التهرب من أداء الضرائب الجمركية المستحقة، وهي عناصر تتناضل النيابة
العامة والمتهم في إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فقد جاء هذا النص
متفقًا وأصل البراءة ويكون النعي عليه بإقامته قرينة قانونية تنافي هذا الأصل
مجافيا للحقيقة جديرا بالالتفات عنه.
وحيث إن المدعي ينعى على العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى
والثانية من المادة (122) من قانون الجمارك المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000
مخالفتها الضوابط الدستورية للنصوص العقابية، وذلك بتحديد عقوبة واحدة لجريمة
التهريب الجمركي التامة، والشروع فيها، وتوقيعها على الفاعلين لها، وشركائهم في
ارتكابها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية
العليا، أن شرعية الجزاء، جنائيا كان، أو مدنيا، أو تأديبيا، مناطها، أن يكون
متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع، أو حظرها، أو قيد مباشرتها وأن الأصل في
العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر ما يكون الجزاء ملائما لجريمة
بذاتها، ينبغي أن يتحدد على درجة خطورتها، ونوعية المصالح التي ترتبط بها،
وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفًا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة
ظاهرة بين مداه، وطبيعة الجريمة التي تعلق بها، ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة
لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في صور الجزاء ألا
تتزاحم جميعها على محل واحد بما يخرجها عن موازين الاعتدال، وألا يتعلق جزاء منها
بغير الأفعال التي تتحد خواصها وصفاتها، بما يلائمها، فلا يكون من أثره العدوان
دون مقتض على حقوق الملكية الثابتة لأصحابها، مما يتعين معه أن يوازن المشرع قبل
تقريره للجزاء بين الأفعال التي يجوز أن يتصل بها، وأن يقدر لكل حال لبوسها، فلا
يتخذ من النصوص القانونية ما تظهر فيه مكامن مثالبها، بل يبتغيها أسلوبا لتقويم
أوضاع خاطئة.
متى كان ما تقدم، وكانت العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية
من النص المطعون فيه هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، وقد استهدف
المشرع من تقريرها تحقيق الردع العام والخاص، ويتحقق الردع الخاص بحرمان الجاني من
حريته أو من جزء من ملكه، وهو الإيلام المقصود من العقوبة بوجه عام، وقد جاءت كل
عقوبة منها ذات حدين أدنى وأقصى يعمل القاضي سلطته في إيقاع القدر المناسب منها في
كل حالة على حدة، ومن ثم تكون هاتان العقوبتان قد جاءتا متناسبتين مع الفعل المنهي
عنه، وفقًا لما رآه المشرع محققًا للفائدة الاجتماعية المبتغاة، وفي إطار سلطته
التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، كما جاءت العقوبتان بالقدر اللازم لحمل المخاطبين
بنص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المستبدلة
بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على الالتزام بمسك الدفاتر المنصوص عليها في المادة
المذكورة، وانتظام بياناتها، لتتحقق الجهات الجمركية من استعمال البضائع المعفاة
كليا أو جزئيا في الغرض الذي أعفيت من أجله وحتى لا يكون الغرض من الإخلال بهذا
الالتزام التخلص من الضرائب الجمركية كلها أو بعضها.
وحيث إن من المقرر أن الالتزام بأداء الضريبة الجمركية يعد أمرا واجبا
في كل الأحوال، فإذا تهرب الملتزم بأداء هذه الضريبة من سداد ما هو مستحق منها،
شكَّل فعله هذا جريمة تستوجب معاقبته بالجزاء المناسب فضلاً عن إلزامه بسداد قيمة
الضريبة الجمركية المستحقة وهو عين ما قضت به الفقرة الثانية من النص المطعون عليه
من معاقبة من ارتكب جريمة التهريب بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة،
جبرا للأضرار التي لحقت الخزانة العامة من جراء ارتكاب هذه الجريمة، ومن ثم فلا
مخالفة في هذا الجزاء لحكم المادة (38) من الدستور.
وحيث إن الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه تنص على أنه "وفي
جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل
قيمتها".
ومفاد هذا النص أنه يتعين الحكم بالمصادرة في جرائم التهريب أو الشروع
فيها أو ما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب إذا لم تضبط بالإضافة إلى الجزاءات
الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه والتي تتمثل في الحبس والغرامة أو إحدى هاتين
العقوبتين والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، لتتعامد هذه
الجزاءات جميعها على فعل واحد هو مخالفة نص البند (ز) من المادة (9) من قانون
تنظيم الإعفاءات الجمركية.
وحيث إن من المقرر قانونًا أن المصادرة ما هي إلا إجراء الغرض منه
تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة – قهرا عن صاحبها وبغير مقابل – وهي
عقوبة قد تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة
التعامل وهي على هذا الاعتبار تعد تدبيرا وقائيا لا مفر من اتخاذه في مواجهة
الكافة، كما قد تكون المصادرة في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية
إذا نُص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة
من أضرار.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه: ألا تُخل تشريعاتها بالحقوق
التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية
وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة
الصلة بالحرية الشخصية ومن بينها ألا تكون العقوبة متضمنة معاقبة الشخص أكثر من
مرة عن فعل واحد، وألا يكون الجزاء مدنيا كان أو جنائيا مفرطًا بل يتعين أن يكون
متناسبا مع الفعل المؤثم ومتدرجا بقدر خطورته.
متى كان ذلك، وكانت المصادرة، المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من
النص المطعون عليه، أو الحكم بما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب حال عدم ضبطها
قد تقررت على سبيل الوجوب، وقد تعامدت مع الجزاءات الجنائية التي نصت عليها
الفقرتان الأولى والثانية من النص ذاته على فعل واحد وهو عدم إمساك الدفاتر
المبينة بالبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية بغرض التخلص
من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها، فإن هذا الجزاء يعد منافيا لضوابط
الدولة القانونية، ومهدرا للحرية الشخصية، ومنتقصا بالتالي – دون مقتض – من
العناصر الإيجابية للذمة المالية للخاضع لأحكام القانون المشار إليه مما يعد
مخالفة لأحكام المواد (35, 54, 94) من الدستور.
وحيث إن المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة
1963 المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 والبند (ز) من المادة (9) من قانون
تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986
والمستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 محددين نطاقًا على النحو المتقدم لا يخالفان
أية أحكام أخرى في الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: