الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مايو 2016

الاغفال التشريعي لتنظيم الاجازة الخاصة

الطعن 47 لسنة 31 قضائية  "دستورية " جلسة 5/3/2016

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1437ه.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 47 لسنة 31 قضائية "دستورية".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد التحق بالعمل بمؤسسة الأهرام في 1/6/1998، وحصل على إجازة بدون مرتب لمدة عام اعتبارا من 1/1/2004, ثم تجددت هذه الإجازة بناء على طلبه حتى 30/6/2008، حيث تم التنبيه عليه بضرورة الانتظام في العمل اعتبارا من 1/7/2008, إلا أنه تغيب عن العمل دون إذن أو عذر مقبول، فأنذرته المؤسسة بتاريخ 16, 26/7/2008 بضرورة الانتظام في العمل وإلا فسيتم إنهاء خدمته، وأخطرت نقابة الصحفيين بعزمها على إنهاء خدمة المذكور، وإزاء استمراره في الانقطاع عن العمل، أقامت المؤسسة الدعوى رقم 8339 لسنة 2008 عمال كلي شمال القاهرة طلبا للحكم بفصل المدعي من الخدمة إعمالاً لنص المادة (69/ 4) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، كما أقام المدعي الدعوى رقم 8423 لسنة 2008 عمال كلي شمال القاهرة طلبا للحكم بإلزام مؤسسة الأهرام بتجديد الإجازة الممنوحة له لمدة سنة قابلة للتجديد، وقررت المحكمة ضم الدعويين للارتباط، وأثناء نظرهما دفع الحاضر عن المدعي بجلسة 26/11/2008 بعدم دستورية نص المادة (69) وما بعدها من قانون العمل، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية فقد أقام المدعي دعواه الماثلة.
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الماثلة، فمردود أولاً: بأن المدعي كشف عن أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة (69) المطعون عليها، فيما لم يتضمنه من تنظيم الإجازة الخاصة، ليكون إبطالها مؤديا بالضرورة - ودون تدخل تشريعي - إلى مساواته بالعاملين المدنيين في الدولة الذين يمنحون الإجازة الخاصة دون قيد. ومردود ثانيا: بأن الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية، باعتبار أن ذلك مما يدخل في نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن دستوريتها، وهي رقابة غايتها إبطال ما يكون منها مخالفًا للدستور، ولا سيما ما كان منها متصلاً بالحقوق التي أهدرتها ضمنًا، سواء كان إخلالها بها مقصودا ابتداء، أم كان قد وقع عرضا.
وحيث إن الثابت من مطالعة نص المادة (69) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 يتبين أنه يتعلق بتحديد الحالات التي يجوز فيها فصل العامل، وقد ورد هذا النص ضمن أحكام الفصل الثاني من الباب الخامس من قانون العمل تحت عنوان "التحقيق مع العمال ومساءلتهم" بينما وردت أحكام الإجازات في الباب الرابع من الكتاب الثاني من ذلك القانون.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة إلا باجتماع شرطين، أولهما: أن يقيم المدعي - وفي الحدود التي اختصم فيها النص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضررا واقعيا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا مستقلا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية. ثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة في مخاصمته، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الحالة لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
وحيث إن الدفع المبدى من المدعي بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع انصب على نص المادة (69) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 باعتباره النص الذي تطلب مؤسسة الأهرام فصل المدعي من العمل استنادا إلى البند الرابع منه، لانقطاعه عن العمل بعد انتهاء مدة الإجازة الخاصة السابق منحها له لرعاية والده المريض، إلا أن مناعيه في صحيفة دعواه الدستورية خلت من أية مثالب دستورية توجه إلى هذا النص سوى خلوه من تنظيم الإجازة الخاصة، والتي قد يكون موضعها - إذا تضمنها ذلك القانون - الباب الرابع من الكتاب الثاني الوارد تحت عنوان "الإجازات" وهو ما لم يكن محل طعن المدعي، ومن ثم فإن ما يتصوره المدعي من إخلال هذا النص بحقوقه لا يعود إليه، مما تنتفي معه مصلحة المدعي في الطعن عليه، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول هذا الشق من الدعوى.
وحيث إنه عن الدفع بعدم الدستورية عن المواد التالية للمادة (69) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة (30) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 توجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى مخالفته، وأوجه المخالفة، باعتبار أن هذه البيانات تعد من البيانات الجوهرية التي تنبئ عن جدية الدعوى بما يمكن معها تحديد موضوعها، وإلا كان هذا القرار أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها.
متى كان ما تقدم وكان ما ورد بدفع المدعي أمام محكمة الموضوع، وردده بصحيفة دعواه الدستورية من الطعن بعدم الدستورية على المواد التالية للمادة (69) قد جاء دون تحديد لهذه المواد وأوجه الطعن عليها، ومن ثم يكون هذا الدفع وتلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها مما يتعين معه القضاء بعدم قبول هذا الشق من الدعوى أيضا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


الأربعاء، 25 مايو 2016

دستورية الولاية التعليمة على الطفل للحاضن

الطعن 6 لسنة 34 قضائية "دستورية". جلسة 5/3/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 6 لسنة 34 قضائية "دستورية".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد تزوج بالمدعى عليها السادسة، ورزق منها على فراش الزوجية بالصغيرة "روان" من مواليد 11/4/2002، والصغيرة "ريناد" من مواليد 21/4/2004, وانفصلا نتيجة لخلافات زوجية شجرت بينهما، مع احتفاظها بحضانة الصغيرتين، وتقرر لها نفقة زوجية بمبلغ خمسين جنيها شهريا، ونفقة للصغيرتين بمبلغ ثمانين جنيها شهريا. وإزاء إصرارها على إلحاقهما بمدرسة الفرنسيسكان الخاصة، التي تفوق مصروفاتها مقدرته المالية، فقد وجه إليها إنذارا على يد محضر، بالتزامه بسداد الرسوم الدراسية المقررة للمدارس الحكومية دون غيرها من رسوم المدارس الخاصة، فلم تستجب، كما حاول سحب ملفي الصغيرتين إلا أن إدارة تلك المدرسة رفضت تسليمه إياهما إلا بموافقة والدتهما الحاضنة لهما، فأقام الدعوى رقم 8 لسنة 2010 أسرة، أمام محكمة بندر أول أسيوط، طلبا للحكم بنقل ملفي الصغيرتين إلى إحدى المدارس الحكومية، وبجلسة 27/11/2010, قضت المحكمة برفض الدعوى، على سند من أن الفقرة الثانية من المادة (54) من قانون الطفل المشار إليه بعد استبدالها بالقانون رقم 126 لسنة 2008، تجعل الولاية التعليمية للحاضن. فطعن المدعي على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 43 لسنة 86ق، أمام محكمة الأسرة باستئناف أسيوط، وحال نظره، دفع بعدم دستورية النص التشريعي المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية ذلك الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (54) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، تنص في فقرتها الأولى على أن: "التعليم حق لجميع الأطفال في مدارس الدولة بالمجان". وتنص فقرتها الثانية المستبدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 126 لسنة 2008 على أن: "وتكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى، يرفع أي من ذوي الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضيا للأمور الوقتية، ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيا مدى يسار ولي الأمر، وذلك دون المساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية". 
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكو ن ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول مدى أحقية الحاضنة في اختيار دور التعليم لأبنائها، دون من له الولاية على النفس، ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (54) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 المستبدلة بنص المادة الأولى من القانون رقم 126 لسنة 2008 يعد أمرا لازما للفصل في الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليه، ويتحدد نطاق الدعوى الدستورية فيما تضمنه صدر تلك الفقرة من أنه: "وتكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن"، دون سائر ما تضمنه ذلك النص من أحكام أخرى
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه – محددا نطاقًا على النحو المتقدم - مخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، حال كونها المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك على سند من أن المقرر فقها وقضاء أن الحضانة ولاية تربية ورعاية للصغير في أول مراحل حياته، التي يعجز خلالها عن القيام بشئون نفسه، وعدم إدراكه لما ينفعه وما يضره، فتكون الحاضنة من النساء هي الأصبر عليه والأقدر على القيام بشئونه خلال هذه الفترة. بينما الولاية على النفس وصيانتها، ويدخل فيها الولاية التعليمية، تثبت للولي، فيكون له اختيار دور ونوع التعليم التي تتناسب وقدرات الصغير، وتتناسب أيضا مصروفاتها ويسار الولي. وإذ انتزع المشرع بموجب النص المطعون فيه، ودون مبرر، الولاية التعليمية من الولي، وأسندها إلى الحاضن، فإنه يكون قد وقع في حومة مخالفة أحكام المادة الثانية من الدستور
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي تقوم عليها الجماعة، وتعبيرا عن إرادة الشعب منذ صدوره. وتستهدف هذه الرقابة أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان المطعن الذي وجهه المدعي إلى النص التشريعي المطعون فيه، بمخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، يندرج تحت المطاعن الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي
ومن ثم، فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص التشريعي المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية، وهي أحكام ليس فيها ما يخالف ما أورده المدعي بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971 والإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011, فالثابت أن نص المادة الثانية في كليهما من أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، هي ذاتها ما ورد النص عليه في المادة الثانية من الدستور القائم
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من دستور سنة 1971 - منذ تعديلها في 22 من مايو سنة 1980، والذي رددته الدساتير المتعاقبة حتى دستور سنة 2014 - يدل على أن الدستور – واعتبارا من تاريخ العمل بهذا التعديل - قد أتى بقيد على السلطة التشريعية، يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية، بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة - مصدرا وتأويلاً - والتي يمتنع الاجتهاد فيها، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها. وإذا كان الاجتهاد في الأحكام الظنية، وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – النقلية منها والعقلية – حقا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق مقررا لولي الأمر، ذلك أن الشريعة الإسلامية لا تضفي قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها، وإبدال غيرها بها، بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة. فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يساغ بالتالي اعتبارها شرعا مقررا لا يجوز نقضه، وإلا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد. ومن ثم، صح القول بأن اجتهاد أحد الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثر ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفًا لأقوال استقر عليها العمل زمنًا. وعلى ذلك، ينظر ولي الأمر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دوما واقعا في إطار الأصول الكلية للشريعة، لا يجاوزها، ملتزما ضوابطها الثابتة، متحريا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهما في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها
ومن ثم، كان حريا بولي الأمر، عند الخيار بين أمرين، مراعاة أيسرهما، ما لم يكن إثما. وكان واجبا كذلك ألا يشرع حكما يضيق على الناس أو يرهقهم في أمرهم عسرا، وإلا كان مصادما لقوله تعالى في الآية (6) من سورة المائدة: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج". 
وحيث إن القرآن الكريم والسنة المشرفة قد خليا من نص قطعي الثبوت والدلالة يقرر حكما فاصلاً في شأن من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، وهو ما أكده اختلاف الفقهاء في هذا الشأن، وكشفت عنه مناقشات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: إذ ارتأى البعض أن تكون الولاية التعليمية للحاضن عند انفصام عرى الزوجية، بينما ذهب رأي ثانٍ إلى أن تلك الولاية تكون للأم الحاضنة حتى بلوغ الصغير سن السابعة، وبعدها تكون الولاية التعليمية للأب باعتباره الولي على النفس، ورأى فريق ثالث أن تكون الولاية التعليمية للأب، إلا إذا تعسف في استعمال الحق، فتنتقل تلك الولاية للحاضنة. ورأى فريق رابع أنه عند الخلاف على نوعية التعليم، يتم تخيير الصغير لاختيار ما يناسبه. وذهب رأي خامس إلى أن الولاية التعليمية على الصغير تكون للأب، فإن اختلفت معه الأم في نوع التعليم، فصل القاضي في هذا الخلاف، مع مراعاة ألا يجبر أحد الوالدين على قبول نوع من التعليم فيه مساس بدين الصغير أو أخلاقه أو يبعد عن مسكن الصغير. وأخيرا، اتجه فريق سادس إلى أن الولاية التعليمية على الطفل وإن كانت للأب، إلا أنها ليست مطلقة؛ إذ عليه إشراك الأم وجوبا في اختيار نوع التعليم والمدرسة التي يريد إلحاق ابنهما بها، في ضوء ما يحقق مصلحة المحضون، ويفصل القضاء فيما يثور بين الأب والأم من خلاف في هذا الشأن. وفي ضوء ما تقدم، فقد دل الفقهاء باختلافهم حول مسألة من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، أنها من المسائل الاجتهادية التي تتباين الآراء حولها، لكل وجهة يعتد فيها بما يراه أكفل لتحقيق نفع ومصلحة الطفل
متى كان ذلك، وكانت آراء الفقهاء قد تباينت في شأن من تكون له الولاية التعليمية على الطفل المحضون، فكان على ولي الأمر إعمال حكم العقل في هذه المسألة، توصلاً لقاعدة عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها، بمراعاة المصلحة الحقيقية التي تكفل صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلهما في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الصغير تثبت له منذ ولادته ثلاث ولايات، أولاها: ولاية التربية (الحضانة)، وثانيتها: الولاية على النفس، وثالثتها: الولاية على المال. وتثبت الولايتان الأخيرتان – كأصل عام - للعصبة من الرجال، والأصل في الولاية على النفس أنها ولاية إشراف على شئون الصغير، من صيانة وحفظ وتهذيب. أما ولاية التربية – وتعرف بالحضانة – فغايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته التي لا يستغنى فيها عن النساء ممن لهن الحق في تربيته شرعا. والأصل فيها ومدار أحكامها مصلحة الصغير، وهي تتحقق بأن تضمه الحاضنة إلى جناحها، باعتبارها أحفظ عليه وأحرص على توجيهه، وأقدر على صيانته، ولأن انتزاعه منها - وهي أشفق عليه وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبرا - مضرة به إبان هذه الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها بأموره. وتكون الولاية على النفس - ولاية الإشراف - للأب أو لغيره من العصبات، وذلك إلى أن تنتهي مدة الحضانة، فتصير الرعاية الكاملة على الصغير لولي النفس، يهيمن عليها وحده
وحيث إن المشرع قد تغيا بأحكام النص المطعون فيه - وعلى ما كشفت عنه مناقشات مجلس الشعب - من إسناد الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، مواجهة ضرورة اجتماعية كشف عنها الواقع العملي، وامتلأت بها أضابير النيابات والمحاكم، نتيجة الخلافات التي تثور في شأن تعليم الأبناء، بين الحاضن والقائم بالولاية على النفس، خاصة بعد انفصام عرى الزوجية، إذ يتعمد بعض ذوي النفوس الضعيفة من الآباء أو غيرهم ممن لهم الولاية على النفس – نكاية في الحاضنة، أو لإرغامها على التنازل عن بعض أو كل حقوقها أو حقوق الأبناء الشرعية - عدم تقديم طلب لإلحاق الطفل بأي من دور التعليم رغم بلوغه سن التعليم، أو سحب ملفه التعليمي من الدار التي كان يتعلم فيها، وتقديمه إلى أخرى أقل مستوى أو تختلف نوعا أو تبعد مسافة عن مسكن حضانته، بما قد يضر بمستقبله التعليمي، خاصة إن تم انتزاعه من دار تعليم تتوافق وقدراته ومستواه، ورفاق دراسة ومدرسين تآلف معهم. فكان لزاما على المشرع التدخل لحماية هذه الفئة من الأطفال، حفاظًا على مستقبلهم التعليمي، والذي يستطيل أثره بالضرورة، إن عاجلاً أو آجلاً إلى المجتمع. فأسند بموجب النص المطعون فيه الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، باعتباره القائم على تربيته ورعايته، والأدرى بميوله واستعداده. وفي الوقت ذاته لم يحرم ولي النفس من المشاركة في الولاية التعليمية عليه؛ إذ الأصل أن يسعى مع الحاضن إلى ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى، فإن حدث خلاف بينهما في هذا الشأن، أو تعمد الحاضن إرهاقه بمصاريف تعليم تفوق قدرته المالية، فقد وفر له ذلك النص وسيلة قضائية سريعة، من قاض متخصص في شئون الأسرة، باستصدار أمر على عريضة في شأن المسألة المتنازع فيها، بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل، وبمراعاة مدى يسار ولي الأمر، وهو ما يتوافق وقول الله عز وجل في الآية (233) من سورة البقرة "لا تُكلَّفُ َنْفس إلاَّ وسعها، لا تُضار والِدٌة بِوَلدِها ولا مولُود لَّه بِوَلدِه". ويقتصر أثر الأمر الصادر من القاضي في هذا الشأن على المسألة محل الخلاف. ومن ثم، فقد توافقت الوسيلة التي أوجدها المشرع بموجب النص المطعون فيه، مع الغاية التي سعى إليها، متمثلة في حماية مصلحة الطفل الفضلى في التعليم، وهي من مقاصد الشريعة الإسلامية، لما فيها من حفاظ على عقل ونفس الطفل، وحفاظ على المال بالنسبة لولي الأمر الملزم بالإنفاق. الأمر الذي يكون معه النعي بمخالفة هذا النص للشريعة الإسلامية على غير سند صحيح، جديرا بالرفض
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيا من نصوص الدستور الأخرى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة: برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية م 398 إجراءات جنائية بقصر المعارضة على أحكام الحبس دون الغرامة

الطعن 56 لسنة 32 قضائية "دستورية". جلسة 5/3/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادي الأولى سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي إسكندر والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية". 
بعد أن أحالت محكمة جنح مركز كفر الشيخ الجزئية بحكمها الصادر بجلسة 30/12/2009 ملف الجنحة رقم 5620 لسنة 2009.

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة قد كانت أسندت إلى السيد/ علي محمد الخولي أنه بتاريخ 25/9/2008, بدائرة الرياض مركز كفر الشيخ، بدد مياه للري قدرت قيمتها بمبلغ اثنان وعشرون ألفًا وثمانون جنيها؛ وقد أحالته للمحاكمة الجنائية بطلب عقابه بالمواد (1, 82 بند 1, 89, 91) من القانون رقم 12 لسنة 1984 بشأن الري والصرف. وتدوولت الدعوى بالجلسات أمام محكمة جنح مركز كفر الشيخ الجزئية, حيث قضت المحكمة بجلسة 27/5/2009, غيابيا, بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل, وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ؛ فعارض في هذا الحكم، 
مستندا إلى أن عقوبة تبديد مياه الري، هي الغرامة، وليس الحبس. وإذ تراءى للمحكمة أن نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007 يخالف أحكام المواد (40 و41 و66 و67 و69) من دستور سنة 1971، فقد قررت وقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية هذا النص.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، بعد تعديلها بالقانون رقم 74 لسنة 2007، قد جرى على أن "تقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية في خلال العشرة أيام التالية لإعلانه بالحكم الغيابي خلاف ميعاد المسافة القانونية، ويجوز أن يكون هذا الإعلان بملخص على نموذج يصدر به قرار من وزير العدل، وفي جميع الأحوال لا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة". 
وحيث إن حكم الإحالة نعى على النص المحال مخالفته لدستور سنة 1971 ذلك أنه جعل الأحكام الصادرة في مواد الجنح، غير السالبة للحرية، تعامل معاملة الأحكام الحضورية؛ سواء أمام محاكم أول درجة أو محاكم الاستئناف؛ وبذلك فإنه يكون قد أقام تمييزا تحكميا فيما بين هاتين الطائفتين يخل بالضمانات الإجرائية اللازم توافرها في المحاكمة الجنائية، وينال مباشرة من مبدأ المساواة أمام القانون، وهو ما يترتب عليه بالضرورة من إخلال بالحرية الشخصية، ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وينال من أصل البراءة، وحق الدفاع؛ وذلك بالمخالفة لأحكام المواد (40) و(41) و(66) و(67) و(69) من ذلك الدستور
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية؛ وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرا في الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع - لما كان ذلك، وكانت رحى المنازعة في الدعوى الموضوعية، تدور حول أحقية المدعي في المعارضة في الحكم الغيابي الصادر ضده بالحبس عن جريمة عقوبتها القانونية الغرامة، حال أن النص المطعون فيه قد قصر الحق في المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها قانونًا بعقوبة مقيدة للحرية؛ وعلى ذلك، فإن المصلحة تكون متحققة في الدعوى الماثلة بالنسبة لهذا النص، ويتحدد نطاقها فيما لم يتضمنه من قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة، إذ أن الفصل في دستورية هذا النص في حدود نطاقه المتقدم سيكون ذا أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره؛ إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية؛ وهي أحكام ليس فيها ما يخالف ما أورده حكم الإحالة بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المحال في دستور سنة 1971، باعتبار أن المواد (40) و(41) و(66) و(67) و(69) منه تقابل المواد (53) و(54) و(95) و(96) و(98) من الدستور القائم
وحيث إن المناعي التي ألحقها حكم الإحالة بالنص المحال صحيحة في جملتها. إذ استقر قضاء هذه المحكمة على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها. ذلك أن طرق الطعن في الأحكام لا تعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم إعوجاجها، بل هي في واقعها أوثق اتصالاً بالحقوق التي تتناولها سواء في مجال إثباتها أو نفيها، ليكون مصيرها عائدا أصلاً إلى انغلاق هذه الطرق أو انفتاحها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين الذين تتماثل مراكزهم القانونية في مجال النفاذ إلى فرصها. كما أن الوسائل الإجرائية التي تملكها سلطة الاتهام في مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولا يوازنها إلا افتراض البراءة مقرونًا بدفاع مقتدر لضمان ألا يدان عن الجريمة ما لم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها. ومن ثم، لم يكن من الجائز - تبعا لذلك - إسباغ الشرعية الدستورية على نصوص عقابية لا تتكافأ معها وسائل الدفاع التي أتاحتها لكل من سلطة الاتهام ومتهمها، فلا تتعادل أسلحتهم بشأن إثباتها ونفيها
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان النص المحال قد مايز بين المتهمين في الجنح، وذلك في مجال تحديده لمن لهم الحق في سلوك طريق الطعن بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في تلك الجنح؛ إذ سمح لمن صدرت ضدهم أحكام غيابية في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية بسلوك هذا الطريق، ومنع غيرهم ممن صدرت ضدهم أحكام غيابية في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة من ولوجه. وبذلك، فقد أقام النص المحال تفرقة تحكمية في مجال التمييز بين المخاطبين به، على الرغم من تماثل ظروفهم، واتحاد مراكزهم القانونية؛ بوصفهم جميعا محكوما عليهم، تحددت مسئوليتهم الجنائية عن الجنح المقدمين بشأنها إلى المحاكمة الجنائية، بموجب أحكام غيابية، أيا ما كان نوع العقوبة المقضي بها عليهم، بما يوجب كفالة الحماية القانونية المتكافئة لهم، ليضحى حرمان فئة منهم، وهم المحكوم عليهم في جرائم معاقب عليها بعقوبة الغرامة وحدها، من المعارضة في تلك الأحكام متضمنًا تمييزا لا تبرره شروط موضوعية تسانده؛ وهو الأمر المنهي عنه التزاما بمبدأ المساواة أمام القانون الذي أعلته المادة (53) من الدستور القائم. ذلك أن دستورية القوانين الجزائية التي يقررها المشرع في المجال الجنائي - والتي تفرض على هذه الحرية أخطر القيود، وأبعدها أثرا - تفترض ألا يقيم المشرع فيما بين المخاطبين بأحكامها تمييزا غير مبرر، وألا تحول الفوارق بينها دون تساويهم في الانتفاع بضماناتها، وهو ما لم يلتزمه النص المحال
وحيث إن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون الذي اعتور النص المحال قد لازمه كذلك إخلال بمبدأ الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة (54) منه، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها من خلال تنظيمها. وآية ذلك أن تقرير المسئولية الجنائية عن الأفعال المؤثمة استجابة لضرورة اجتماعية وتحقيقًا لمصلحة مشروعة، يتعين أن يتم بعد اتباع الوسائل القانونية التي يكون تطبيقها موافقًا لأسس الشرعية الدستورية وضوابطها، بوصفه أمرا وثيق الصلة بالحرية الشخصية، كحق طبيعي أوجبت المادة (54) من الدستور صونه وعدم المساس به، باعتباره من الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، التي لم تجز المادة (92) من الدستور تعطيلها أو الانتقاص منها أو المساس بأصلها أو جوهرها. ومن ثم، فإن التمييز بين المتهمين في الجنح في مراحل تقرير مسئوليتهم عنها، بالحرمان من المعارضة في الحكم الغيابي الذي قضى بالغرامة على أساس العقوبة المقررة قانونًا للفعل، رغم وحدة الغاية من العقوبة أيّا كان نوعها، وهي تقويم الفاعلين وتحقيق الردع العام والخاص، يتضمن مساسا بالحرية الشخصية في أحد جوانبها بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور
وحيث إن من المقرر أن الطعن بطريق المعارضة في الحكم الجنائي من شأنه أن يعيد الخصومة إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي لتحكم فيها من جديد، وكان النص المحال لا يحقق هذه الضمانة للفئة التي استبعدها، وهم المحكوم عليهم غيابيا في الجنح المقرر لها عقوبة الغرامة؛ ومن ثم، فقد حرمهم من مرحلة من مراحل التقاضي، وهو ما يعد انتهاكًا للحق في التقاضي الذي كفلته المادة (97) من الدستور القائم، وإهدارا لقيم العدل التي اعتبرتها المادة (4) من الدستور القائم أساسا لبناء المجتمع، وتحقيق وحدته الوطنية. ولا ينال من ذلك أن قصر التقاضي على درجة واحدة، هو مما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، إذ إن هذا الأمر لا يكون إلا بالقدر وفي الحدود الضيقة التي تقتضيها مصلحة عامة لها ثقلها؛ ولا يتأتى إقراره، إذا سبق أن اختار المشرع التقاضي على درجتين نهجا. إذ أن التقاضي على درجتين، وكلما كان مقررا بنصوص آمرة، يعتبر أصلاً في اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، ومؤداه أن الخصومة القضائية لا تبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل فيها
وحيث إن كفالة المشرع، كأصل عام، لحق المتهم المحكوم عليه غيابيا، في جنحة، في سلوك طريق الطعن بالمعارضة في الحكم الصادر ضده، مؤداه أنه افترض براءته إلى أن تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، إعمالاً لنص المادة (96) من الدستور التي كفلت أصل البراءة. ذلك أن المشرع قد أقر هذا الأصل العام، فلا يتأتى له من بعد أن يحرم البعض من ذلك الحق، وهو ما قضى به النص المحال، فجاء مهدرا لأصل البراءة الذي أعلاه الدستور، والذي يمتد في مضمونه إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه أو متهما، باعتباره قاعدة أساسية في النظام الاتهامي أقرتها الشرائع جميعها، لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم لها. فالاتهام الجنائي في ذاته – لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما، ولا يزايله، سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة، أو في أثنائها، وعلى امتداد جلساتها، وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها؛ ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه
وحيث إن إغلاق النص المحال طريق الطعن بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة من شأنه أن ينال من كفالة حق المتهم في الدفاع عن نفسه لصدور الحكم في غيبته، وعدم تمكنه من عرض أوجه دفاعه على نحو ما تقتضيه محاكمته إنصافًا وفقًا للمستويات المتعارف عليها في الأمم المتحضرة، والتي تقتضى أن تُكَفل له من الضمانات ما يساعده على إظهار براءته مما هو منسوب إليه، والحفاظ على حريته مما يتهددها، وصون كرامته، مع تمكينه من إبداء ما يكون لديه من أوجه دفاع أو دفوع أو طلبات في الدعوى الجنائية، ومن ثم فإن النص المحال يكون قد انتهك الحق في الدفاع، وكذلك الحق في المحاكمة المنصفة اللذين كفلتهما المادتان (96 و98) من الدستور
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن النص المحال يعد مخالفًا لأحكام المواد (4) و(53) و(54) و(92) و(95) و(96) و(97) و(98) من الدستور، مما يتعين معه الحكم بعدم دستوريته
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950، المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007، فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة.

عدم دستورية الحكم بقيمة البضائع موضوع التهريب الجمركي

 الطعن 289 لسنة 24 قضائية "دستورية" جلسة 5/3/2016
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مارس سنة 2016م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي علي جبالي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي اسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 289 لسنة 24 قضائية "دستورية".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أنه بتاريخ 2/9/2001 قامت لجنة من إدارة متابعة الإعفاءات الجمركية بجمرك السويس بالتفتيش على المطعم المملوك للمدعي بمدينة الغردقة، للتحقق من استخدام مشمول الشهادات الجمركية أرقام 20/ 2000, 64/ 2000, 90/ 2001 في الغرض المعفاة من أجله جمركيا، وأسفر التفتيش عن عدم وجود أي مستندات أو دفاتر تفيد تسلم المشمول المعفى جزئيا، وكيفية التصرف فيه على وجه صحيح، كما تبين عدم وجود عدد من زجاجات الخمور من مشمول البيانات الجمركية المذكورة سلفًا، وعدم وجود أي سند لصرفها في الأغراض المحددة من الإعفاء، فضلاً عن حيازة عدد آخر من زجاجات الخمور غير مفرج عنها من خلال البيانات الجمركية الموضحة آنفًا، ولم يثبت الإفراج عنها من الجمارك بموجب بيان جمركي. وبتاريخ 19/2/2002 طلب وزير المالية تحريك الدعوى العمومية ضد المدعي طبقًا لنصوص المواد (121, 122, 124) من قانون الجمارك وتعديلاته، والمادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية وتعديلاته، وعلى أثر ذلك قدمت النيابة العامة المدعي إلى المحاكمة الجنائية في القضية رقم 24871 لسنة 2002 جنح الغردقة، بوصف أنه شرع في تهريب البضائع المبينة بالأوراق بإدخالها إلى جمهورية مصر العربية دون أداء الضريبة الجمركية مخالفًا نظام الإفراج المؤقت، وطلبت معاقبته بالمواد (1, 2, 3, 5, 12, 122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح الغردقة الجزئية دفع المدعي بجلسة 11/9/2002 بعدم دستورية نصوص المواد (121, 122, 124) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، والبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986، والمادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (121) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلة بالقانون رقم 175 لسنة 1998 تنص على أن: "يعتبر تهريبا إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة
ويعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة، كما يعتبر في حكم التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر يكون الغرض منه التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة
ولا يمنع من إثبات التهريب عدم ضبط البضائع". 
وتنص المادة (122) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب على التهريب أو الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين
ويحكم على الفاعلين والشركاء متضامنين بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، فإذا كانت البضائع موضوع الجريمة من الأصناف الممنوعة أو المحظور استيرادها كان التعويض معادلاً لمثلي قيمتها أو مثلي الضرائب المستحقة أيهما أكثر
وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها
.....................". 
وتنص المادة (124) من القانون ذاته معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب المنصوص عليها في المواد السابقة إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك
...........................". 
وتنص المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على أنه: "مع عدم الإخلال بما نص عليه هذا القانون من أحكام خاصة تخضع الإعفاءات الجمركية للأحكام الآتية
(أ) ............... 
(ز) تلتزم الجهات المعفاة بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من أجله
ويعتبر عدم مسك هذه الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات على النحو المشار إليه في الفقرة السابقة مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية ويخضع للعقوبة المنصوص عليها في المادة (118) من قانون الجمارك، فإذا وقع الفعل بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها عوقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك". 
وتنص المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 معدلة بالقانون رقم 426 لسنة 1954 على أن: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة (184) من قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها
وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية تقديم شكوى أو الحصول على إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره، لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق فيها إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول على هذا الإذن أو الطلب .....". 
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، كما جرى قضاؤها أيضا على أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص بتطبيقه على المدعي قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطًا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفي تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه المحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعي – وفي حدود الصفة التي اختصم بها النص التشريعي المطعون عليه – الدليل على أن ضررا واقعيا – اقتصاديا أو غيره – قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا، مستقلا بعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلاً، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طُبق على المدعي أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها
وحيث إن النيابة العامة أحالت المدعي إلى المحاكمة الجنائية في القضية رقم 24871 لسنة 2002 جنح الغردقة بوصف أنه شرع في تهريب البضائع المبينة بالأوراق بإدخالها إلى جمهورية مصر العربية دون أداء الضريبة الجمركية مخالفًا نظام الإفراج المؤقت وطلبت عقابه بالمواد (1 و2 و3 و5 و12 و122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963، وكانت هذه الجريمة تجد سندها التشريعي فيما نص عليه البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 معدلاً بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من التزام الجهات المعفاة من سداد الضرائب الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، واعتبار عدم إمساك هذه الدفاتر أو انتظام قيدها أو التلاعب فيها بقصد التهرب من الضريبة الجمركية بمثابة جريمة يعاقب مرتكبها بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 63 لسنة 1966، ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على هذا النص وحده، دون أن تمتد لتشمل المادة (121) من القانون ذاته، لخلو قرار الاتهام منه، كما أن الإخلال بالحقوق التي يدعيها المدعي لا يعود إليه، كما لا تمتد هذه المصلحة كذلك لتشمل نص المادة (124) من القانون المشار إليه والتي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في جرائم التهريب إلا بناء على طلب كتابي من رئيس مصلحة الجمارك، ولا إلى نص المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية في الأحوال التي يشترط فيها القانون تقديم طلب بذلك، إذ لم يصدر طلب مباشرة الدعوى الجنائية قِبل المدعي من رئيس مصلحة الجمارك، بل صدر من وزير المالية، فضلاً عن أن هذين النصين لم يلحقا ضررا بالمدعي، بحسبانهما يحتويان على ضمانة إجرائية إضافية لصالح المتهم، كما أن تعليق حق النيابة في رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب من الجهة التي عينها المشرع لا يعدو أن يكون قيدا استثنائيا على سلطتها في مجال تحريكها، ومفترضا إجرائيا لجواز مباشرتها، ومتى ارتفع هذا القيد – بممارسته – عاد إلى النيابة العامة اختصاصها كاملاً في شأن تحريك الدعوى الجنائية، فلا إلزام عليها في رفعها، بل لها أن تقرر – وفقًا لتقديرها – تحريكها أو إهمالها
وحيث إن من المقرر أن الدعوى الجنائية – وعلى خلاف الدعوى المدنية – تتحدد بالوقائع المحالة إلى محكمة الموضوع وليس بالوصف والقيد الذي وصفت به النيابة العامة هذه الوقائع وأسبغت عليه تكييفها القانوني، ذلك أنه يترتب على إحالة النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة الجنائية انتقال الدعوى الجنائية إلى حوزتها، وتستطيع إعمالاً لحكم المادتين (307 و308) من قانون الإجراءات الجنائية أن تسبغ التكييف القانوني الصحيح على الوقائع المحالة إليها، لا يحد سلطتها في ذلك إلا قيدان أولهما: أشخاص المتهمين المحالين فلا تملك الإضافة أو الانتقاص منهم، وثانيهما: الوقائع المحالة إليها فلا يجوز للمحكمة معاقبة المتهم عن وقائع غير التي وردت في أمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور
متى كان ما تقدم، وكان التفتيش الذي قامت به اللجنة المشكلة من إدارة متابعة الإعفاءات الجمركية بجمرك السويس قد أسفر عن عدم وجود أي مستندات أو دفاتر بالمطعم المملوك للمدعي تفيد تسلم المشمول المعفى وكيفية التصرف فيه، وقد كيفت النيابة العامة هذا الفعل بأنه شروع في التهريب عن طريق مخالفة نظام الإفراج المؤقت الذي ينظمه البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1996، والذي يلزم الجهات المعفاة من الجمارك بمسك دفاتر وقيود نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك للتأكد من استعمال الأصناف المعفاة في الغرض الذي أعفيت من أجله، وقد ارتكب هذا الفعل بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها مما يوقعه تحت طائلة العقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000، ومن ثم فإن الواقعة الجنائية المنسوب إلى المتهم ارتكابها وهي مخالفة نظام الإفراج المؤقت وما يرتبط بها من العقوبة المقررة لهذا الفعل المؤثم يعدان أمرين مطروحين على محكمة الموضوع، ويكون الفصل في دستورية كل من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية والمادة (122) من قانون الجمارك أمرا لازما للفصل في صحة الاتهام الموجه إلى المدعي
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بما تضمنه نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 المعدل بالقانون رقم 71 لسنة 1996 من التزام الجهات المعفاة من الضريبة الجمركية بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك واعتبار عدم مسك هذه الدفاتر مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، كما يشمل هذا النطاق أيضا العقوبات المنصوص عليها بالمادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 معدلاً بالقانون رقم 160 لسنة 2000 لجريمة التهريب أو الشروع فيه وهي الحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، والحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب، أو ما يعادل قيمتها إذا لم تضبط، وذلك في مجال تطبيقها على الفعل المؤثم بالفقرة الثانية من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المشار إليه
وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية - محددا نطاقًا على النحو المتقدم – أنه اعتبر عدم مسك الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات بالسجلات، بالمخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية، تهربا جمركيا، أي أن المشرع أحلَّ واقعة عدم مسك الدفاتر محل واقعة علمه بتهريب البضائع التي يحوزها والتي يتعين على النيابة العامة إقامة الدليل عليها
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع الدستوري في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية قد نص في المادة (66) من الدستور الصادر عام 1971 ومن بعده في المادة (95) من الدستور القائم على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذه، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديا لا قوام لها بغيره يتمثل أساسا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، لا تعزل المحكمة نفسها عن واقعة الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا، بل تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيرا خارجيا وماديا عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالي وفقًا لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك أن مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته – تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيا مؤاخذًا عليه قانونًا
وحيث إن المشرع رغبة منه في التأكد من أن الأصناف المعفاة من الضرائب الجمركية قد تم استعمالها في الغرض الذي أعفيت من أجله، ألزم الجهات المعفاة بمسك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، واعتبر عدم مسك هذه الدفاتر والقيودات مخالفة لنظم الإعفاءات الجمركية يستوجب معاقبة مرتكبها بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (118) من قانون الجمارك، فإذا كان الغرض من عدم مسك هذه الدفاتر أو التلاعب في قيد البيانات في السجلات بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها، عوقب مرتكب هذه الجريمة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (122) من قانون الجمارك
متى كان ذلك، وكانت عناصر هذه الجريمة معينة بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وتتمثل في ركن مادي ظاهر هو إمساك دفاتر وقيودات نظامية تخضع لرقابة مصلحة الجمارك، ويقع بحسب الأصل بفعل سلبي يتمثل في الامتناع عن مسك هذه الدفاتر والقيودات، كما يمكن أن يكون في فعل إيجابي إذا تم محو بيانات تلك الدفاتر أو القيودات أو التلاعب فيها، وكانت هذه الجريمة في صورتها العمدية تتطلب تحقق العلم والإرادة بعدم إمساك الدفاتر والقيودات أو العلم والإرادة بالتلاعب فيها، فإذا ارتكبت هذه الجريمة بغرض التخلص من أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها تعين توافر قصد خاص لقيام هذه الجريمة هو قصد التهرب من أداء تلك الضريبة كلها أو بعضها. متى كان ذلك وكانت عبارات النص قد صيغت بطريقة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، تكفل أن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، كما أورد بيانًا لصور الركن المادي المكون للجريمة وما يجب أن يقارنه من قصد عمدي من علم وإرادة وتوافر قصد خاص يتمثل في نية التهرب من أداء الضرائب الجمركية المستحقة، وهي عناصر تتناضل النيابة العامة والمتهم في إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فقد جاء هذا النص متفقًا وأصل البراءة ويكون النعي عليه بإقامته قرينة قانونية تنافي هذا الأصل مجافيا للحقيقة جديرا بالالتفات عنه
وحيث إن المدعي ينعى على العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (122) من قانون الجمارك المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 مخالفتها الضوابط الدستورية للنصوص العقابية، وذلك بتحديد عقوبة واحدة لجريمة التهريب الجمركي التامة، والشروع فيها، وتوقيعها على الفاعلين لها، وشركائهم في ارتكابها
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن شرعية الجزاء، جنائيا كان، أو مدنيا، أو تأديبيا، مناطها، أن يكون متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع، أو حظرها، أو قيد مباشرتها وأن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر ما يكون الجزاء ملائما لجريمة بذاتها، ينبغي أن يتحدد على درجة خطورتها، ونوعية المصالح التي ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاء الجنائي لا يكون مخالفًا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة بين مداه، وطبيعة الجريمة التي تعلق بها، ودون ذلك يعني إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التي فرضتها
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في صور الجزاء ألا تتزاحم جميعها على محل واحد بما يخرجها عن موازين الاعتدال، وألا يتعلق جزاء منها بغير الأفعال التي تتحد خواصها وصفاتها، بما يلائمها، فلا يكون من أثره العدوان دون مقتض على حقوق الملكية الثابتة لأصحابها، مما يتعين معه أن يوازن المشرع قبل تقريره للجزاء بين الأفعال التي يجوز أن يتصل بها، وأن يقدر لكل حال لبوسها، فلا يتخذ من النصوص القانونية ما تظهر فيه مكامن مثالبها، بل يبتغيها أسلوبا لتقويم أوضاع خاطئة
متى كان ما تقدم، وكانت العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية من النص المطعون فيه هي الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، وقد استهدف المشرع من تقريرها تحقيق الردع العام والخاص، ويتحقق الردع الخاص بحرمان الجاني من حريته أو من جزء من ملكه، وهو الإيلام المقصود من العقوبة بوجه عام، وقد جاءت كل عقوبة منها ذات حدين أدنى وأقصى يعمل القاضي سلطته في إيقاع القدر المناسب منها في كل حالة على حدة، ومن ثم تكون هاتان العقوبتان قد جاءتا متناسبتين مع الفعل المنهي عنه، وفقًا لما رآه المشرع محققًا للفائدة الاجتماعية المبتغاة، وفي إطار سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق، كما جاءت العقوبتان بالقدر اللازم لحمل المخاطبين بنص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 على الالتزام بمسك الدفاتر المنصوص عليها في المادة المذكورة، وانتظام بياناتها، لتتحقق الجهات الجمركية من استعمال البضائع المعفاة كليا أو جزئيا في الغرض الذي أعفيت من أجله وحتى لا يكون الغرض من الإخلال بهذا الالتزام التخلص من الضرائب الجمركية كلها أو بعضها
وحيث إن من المقرر أن الالتزام بأداء الضريبة الجمركية يعد أمرا واجبا في كل الأحوال، فإذا تهرب الملتزم بأداء هذه الضريبة من سداد ما هو مستحق منها، شكَّل فعله هذا جريمة تستوجب معاقبته بالجزاء المناسب فضلاً عن إلزامه بسداد قيمة الضريبة الجمركية المستحقة وهو عين ما قضت به الفقرة الثانية من النص المطعون عليه من معاقبة من ارتكب جريمة التهريب بتعويض يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، جبرا للأضرار التي لحقت الخزانة العامة من جراء ارتكاب هذه الجريمة، ومن ثم فلا مخالفة في هذا الجزاء لحكم المادة (38) من الدستور
وحيث إن الفقرة الثالثة من النص المطعون فيه تنص على أنه "وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها". 
ومفاد هذا النص أنه يتعين الحكم بالمصادرة في جرائم التهريب أو الشروع فيها أو ما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب إذا لم تضبط بالإضافة إلى الجزاءات الجنائية المحددة بالنص المطعون عليه والتي تتمثل في الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين والتعويض الذي يعادل مثلي الضرائب الجمركية المستحقة، لتتعامد هذه الجزاءات جميعها على فعل واحد هو مخالفة نص البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية
وحيث إن من المقرر قانونًا أن المصادرة ما هي إلا إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة – قهرا عن صاحبها وبغير مقابل – وهي عقوبة قد تكون وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهي على هذا الاعتبار تعد تدبيرا وقائيا لا مفر من اتخاذه في مواجهة الكافة، كما قد تكون المصادرة في بعض القوانين الخاصة من قبيل التعويضات المدنية إذا نُص على أن تؤول الأشياء المصادرة إلى خزانة الدولة كتعويض عما سببته الجريمة من أضرار
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه: ألا تُخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية ومن بينها ألا تكون العقوبة متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، وألا يكون الجزاء مدنيا كان أو جنائيا مفرطًا بل يتعين أن يكون متناسبا مع الفعل المؤثم ومتدرجا بقدر خطورته
متى كان ذلك، وكانت المصادرة، المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من النص المطعون عليه، أو الحكم بما يعادل قيمة البضائع موضوع التهريب حال عدم ضبطها قد تقررت على سبيل الوجوب، وقد تعامدت مع الجزاءات الجنائية التي نصت عليها الفقرتان الأولى والثانية من النص ذاته على فعل واحد وهو عدم إمساك الدفاتر المبينة بالبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية بغرض التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها، فإن هذا الجزاء يعد منافيا لضوابط الدولة القانونية، ومهدرا للحرية الشخصية، ومنتقصا بالتالي – دون مقتض – من العناصر الإيجابية للذمة المالية للخاضع لأحكام القانون المشار إليه مما يعد مخالفة لأحكام المواد (35, 54, 94) من الدستور
وحيث إن المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 والبند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 والمستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996 محددين نطاقًا على النحو المتقدم لا يخالفان أية أحكام أخرى في الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة:

بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (122) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 المستبدلة بالقانون رقم 160 لسنة 2000 فيما نصت عليه من (وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها) وذلك في مجال تطبيقها على الفعل المؤثم بالفقرة الثانية من البند (ز) من المادة (9) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 186 لسنة 1986 والمستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 1996، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.