جلسة 28 من يناير سنة 2002
برئاسة السيد المستشار/ محمد حسام الدين الغرياني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد شتا، أسامة توفيق، عبد الرحمن هيكل وهشام البسطويسي نواب رئيس المحكمة.
-------------
(27)
الطعن رقم 32282 لسنة 69 القضائية
(1) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفع الشرعي". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها موضوعي. شرط ذلك؟
يكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي، صدور فعل من المجنى عليه يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي.
الفعل المتخوف منه الذي نقوم به حالة الدفاع. لا يلزم فيه أن يكون خطرًا حقيقيًا في ذاته. كفاية أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره. ما دام لذلك أسباب مقبولة.
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. مناطه؟
(2) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب معيبب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". قانون" تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
عدم مطالبة الإنسان بالهرب عند تخوفه من الاعتداء عليه. علة ذلك؟
مثال لتسبيب معيب للرد على الدفع بتحقق حالة الدفاع الشرعي.
2 - القانون لا يمكن أن يطالب الإنسان بالهرب عند تخوفه من الاعتداء عليه لما في ذلك من الجبن الذى لا تقره الكرامة الإنسانية. ولما كان قول الحكم بأن الطاعن كان في مكنته أن يهرب ويترك مكان الحادث، هذا القول على إطلاقه لا يصلح سببًا لنفي ما تمسك به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه كما أن الحكم لم يقل كلمته فيما شهدت به أم المتهم والمجني عليه بشأن ما يعترى الأخير من حالات عقلية، وفيما رصده الحكم في مدوناته من محاولات الطاعن علاج أخيه المجني عليه وملابسات الواقعة وسبب الشجار بين الأخوين وتطوره وأثر كل ذلك على حالة الطاعن النفسية وتفكيره وقت الحادث وما كان يتوقعه أو يتوقاه من تصرفات المجنى عليه رغم أهمية ذلك كله في القول بانتفاء أو بتحقيق موجب الدفاع الشرعي أو التجاوز فيه لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبًا بالفساد في الاستدلال والقصور في البيان والخطأ في تطبيق القانون في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس مما يتعين معه نقضه والإعادة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب عمدًا المجنى عليه بجسم صلب حاد "فأس" في رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وأحالته إلى محكمة جنايات المنيا لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أطرح دفاعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس بأسباب غير سائغة ولا تتفق مع القانون، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "وحيث إن واقعة الدعوى حسبما استخلصتها المحكمة من الأوراق ومن التحقيقات التي تمت وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة وما استقر في وجدان المحكمة تتحصل في أن المجنى عليه كان مصابًا منذ سنوات بفصام عقلي وتعتريه حالات هياج بين الحين والآخر وفى ليلة الحادث وبعد أن رفض تناول العشاء وركل الطعام صعد إلى الطابق العلوى من المسكن فصعد من خلفه شقيق المتهم فاشتم رائحة دخان ووجده أشعل النار في بعض الأوراق فاحتال عليه واقتاده إلى الطابق الأرضي واشتبكا معا في عراك زلت قدم المجنى عليه أثناءه فسقط على الأرض وأبصر المتهم فأسًا بالقرب منه فتناولها وإنهال بها على المجني عليه وهو يحاول الوقوف فأصابه في كتفه فوقع مرة أخرى على الأرض وأستمر المتهم يكيل له الضربات في رأسه وأجزاء متفرقة من جسده فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ولم يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب أفضى إلى الموت. وبعد أن أورد الحكم ما تساند عليه من أدلة عرض إلى ما أثاره الطاعن عن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس وأطرحه بقوله: "وحيث إنه عما يتعلل به المتهم ودفاعه من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه فهو غير سديد. وإذ كان الثابت أن المتهم قد ضاق من تصرفات شقيقه المجنى عليه والحالة العقلية التي تنتابه وتسرب اليأس إلى نفسه من علاجه فحدثت مشادة بينهما واشتبكا سويًا كل منهما ينوي الاعتداء على الآخر وأنه في هذه الأثناء انزلقت قدم المجنى عليه وسقط على الأرض فلا يقال أن هناك خطرًا حالاً أو وشيك الحصول على نفس المتهم يخوله دفعه بضرب المجنى عليه بفأس إذ بسقوط المجني عليه على الأرض قد زال خطر الاعتداء وكان يمكنه وقد رأى أخاه يقع أرضًا أن يتركه ويذهب بعيدًا عنه اتقاء لشر يتوقعه منه وهو يعلم حالته العقلية والنفسية لا أن ينهال عليه بالفأس ضربة تلو الأخرى حتى بعد أن سقط على الأرض مرة أخرى أثر الضربة الأولى لم يتركه وظلت ضرباته تهوى بالفأس عليه ولم يدعه إلا وقد تفجر الدم من رأس وأغرق ثيابهما وإذا ما كان الثابت أن الأوراق قد خلت من ثمة ما يشير إلى أن المجنى عليه قد صدر منه فعل يستوجب الدفاع ولم يكن بجسد المتهم أية آثار تدل على أن المجنى عليه حاول خنقه فذلك ينفى حالة الدفاع الشرعي ويكون المتهم قد قصد الضرب لذاته لا ليرد ضربًا موجها إليه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليمًا لا عيب فيه ويؤدى منطقيًا إلى ما انتهى إليه، وكان الأصل أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفى أن يكون قد صدر من المجنى عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرًا حقيقيًا في ذاته بل يكفى أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيًا على أسباب مقبولة وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري المناط فيه الحالة النفسية التي تخالط ذات الشخص الذى يفاجأ بفعل الاعتداء فيجعله في ظروف حرجة دقيقة تتطلب منه معالجة موقفه على الفور والخروج من مأزقه مما لا يصلح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادي المتزن الذى كان يتعذر عليه وقتئذ وهو محفوف بهذه المخاطر والملابسات، ولما كان القانون لا يمكن أن يطالب الإنسان بالهرب عند تخوفه من الاعتداء عليه لما في ذلك من الجبن الذى لا تقره الكرامة الإنسانية. ولما كان قول الحكم بأن الطاعن كان في مكنته أن يهرب ويترك مكان الحادث، هذا القول على إطلاقه لا يصلح سببًا لنفى ما تمسك به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه كما أن الحكم لم يقل كلمته فيما شهدت به أم المتهم والمجنى عليه بشأن ما يعترى الأخير من حالات عقلية، وفيما رصده الحكم في مدوناته من محاولات الطاعن علاج أخيه المجني عليه وملابسات الواقعة وسبب الشجار بين الأخوين وتطوره وأثر كل ذلك على حالة الطاعن النفسية وتفكيره وقت الحادث وما كان يتوقعه أو يتوقاه من تصرفات المجنى عليه رغم أهمية ذلك كله في القول بانتفاء أو تحقق موجب الدفاع الشرعي أو التجاوز فيه. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبًا بالفساد في الاستدلال والقصور في البيان والخطأ في تطبيق القانون في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس مما يتعين معه نقضه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.