الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 14 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 123) (بَيْعُ السَّلَمِ



(الْمَادَّةُ 123) (بَيْعُ السَّلَمِ مُؤَجَّلٌ بِمُعَجَّلٍ) 
وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الثَّمَنُ مُعَجَّلًا وَاسْتِلَامُ الْمَبِيعِ مُؤَجَّلًا. وَهُوَ بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ فَالْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ هُوَ الَّذِي فِيهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مُعَجَّلًا وَالثَّمَنُ مُؤَجَّلًا.
فَيُقَالُ فِي هَذَا الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي (صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ) (رَبُّ السَّلَمِ) (وَمُسَلِّمٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ مَعَ تَشْدِيدِهَا وَلِلْبَائِعِ (مُسَلَّمٌ إلَيْهِ) وَلِلثَّمَنِ (رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ) وَلِلْمَالِ الْمُبَاعِ (مُسْلَمٌ فِيهِ) - رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي السَّلَمِ.
وَكَمَا يَجُوزُ فِي السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالًا قِيَمِيًّا أَوْ مِثْلِيًّا.
هَذَا وَالْبَيْعُ كَمَا مَرَّ مَعَنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ يُقْسَمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
(1) - الْمُسَاوَمَةُ (2) - الْمُرَابَحَةُ (3) - التَّوْلِيَةُ (4) - الْوَضِيعَةُ.
بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ - هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْمَالَ كَأَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ لِآخَرَ ثَوْبَ قُمَاشٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ الَّتِي كَانَ دَفَعَهَا ثَمَنًا لِذَلِكَ الْقُمَاشِ.
بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ - هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ بَيَانِ الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى رِبْحٍ مَعْلُومٍ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: قَدْ كَلَّفَنِي هَذَا الْمَالُ مِائَةَ قِرْشٍ فَأَبِيعُهُ لَك بِمِائَةٍ وَعَشْرَةِ قُرُوشٍ.
بَيْعُ التَّوْلِيَةِ - هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بَعْدَ بَيَانِ الْبَائِعِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدٌ مَالًا بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِعَشْرٍ أَيْضًا.
بَيْعُ الْوَضِيعَةِ - هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِنَقْصٍ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ عَمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ الْبَائِعُ. وَذَلِكَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ مَالًا بِعَشْرَةِ جُنَيْهَاتٍ فَيَبِيعَهُ بِسَبْعَةٍ.

(الْمَادَّةُ 122) (بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ




(الْمَادَّةُ 122) (بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ أَيْ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ)
يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَايَضَةِ (1) أَلَّا يَكُونَ الْمَالَيْنِ نَقْدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الِاثْنَانِ نَقْدَيْنِ فَالْبَيْعُ صَرْفٌ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا فَالْبَيْعُ يَكُونُ هُوَ الْبَيْعَ الْمَشْهُورَ.
(2) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَالَيْنِ عَيْنًا. كَمُبَادَلَةِ فَرَسٍ مُعَيَّنٍ بِفَرَسٍ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَبَيْعُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِآخَرَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ فَرَسًا مُعَيَّنًا بِخَمْسِينَ كَيْلَةً مِنْ الْحِنْطَةِ دَيْنًا لَا يُعَدُّ مُقَايَضَةً بَلْ يَكُونُ بَيْعًا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الَّتِي جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (120) .



(الْمَادَّةُ 121) (الصَّرْفُ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ





(الْمَادَّةُ 121) (الصَّرْفُ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ) 
يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الصَّرْفِ هُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ الْمَسْكُوكِ أَوْ غَيْرِ الْمَسْكُوكِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْفِضَّةِ بِذَهَبٍ أَوْ مِثْلِهَا فِضَّةً.
فَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ جُنَيْهًا مِصْرِيًّا أَوْ لِيرَةً عُثْمَانِيَّةً وَأَخَذَ مِنْهُ مُقَابِلَهَا نُقُودًا فِضِّيَّةً أَوْ نُقُودًا ذَهَبِيَّةً مِنْ (أَجْزَاءِ اللِّيرَةِ) فَذَلِكَ الْبَيْعُ هُوَ بَيْعُ الصَّرْفِ.
وَأَحْكَامُ بَيْعِ الصَّرْفِ وَمَسَائِلُهُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ أَمَّا الْمَجَلَّةُ فَلَمْ تَأْتِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا.



(الْمَادَّةُ 120) الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ





[ (الْمَادَّةُ 120) الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ]
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: بَيْعُ الْمَالِ بِالثَّمَنِ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ أَشْهَرُ الْبُيُوعِ يُسَمَّى بِالْبَيْعِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ الصَّرْفُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: السَّلَمُ) .
إنَّ الْبَيْعَ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي الْمَادَّةِ (105) وَيُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ هَذِهِ الْمَادَّةِ. وَتَعَارِيفُ هَذِهِ الْبُيُوعِ سَتَأْتِي فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ.



(الْمَادَّةُ 119) بَيْعُ الِاسْتِغْلَالِ





(الْمَادَّةُ 119) (بَيْعُ الِاسْتِغْلَالِ هُوَ بَيْعُ وَفَاءٍ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ الْبَائِعُ) 
وَبِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ إنَّ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ هُوَ بَيْعُ الْوَفَاءِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِئْجَارُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي.

يُفْهَمُ مِنْ هَذَا (بِأَنَّ بَيْعَ الِاسْتِغْلَالِ مُرَكَّبٌ مِنْ بَيْعِ وَفَاءٍ وَعَقْدِ إجَارَةٍ) فَتَاوَى أَبُو السُّعُودِ فِي الْبَيْعِ.
مِثَالٌ: فَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ لِآخَرَ بِعَشَرَةِ آلَافِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا لَهُ عِنْدَ إعَادَةِ الثَّمَنِ وَعَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا لَهُ وَبَعْدَ إخْلَاءِ الدَّارِ وَتَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي اسْتَأْجَرَهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَلْفِ قِرْشٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ فَهَذَا الْبَيْعُ هُوَ بَيْعُ اسْتِغْلَالٍ وَالْأَلْفُ قِرْشٍ غَلَّةُ الْبَيْعِ هِيَ الْفَائِدَةُ الَّتِي تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْمَجَلَّةُ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَلْبَتَّةَ وَبِمَا أَنَّ مَسَائِلَ الِاسْتِغْلَالِ تَتَعَلَّقُ بِالْإِجَارَةِ مُبَاشَرَةً فَقَدْ عَزَمْنَا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ عَنْهَا فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ.

(الْمَادَّةُ 118) بَيْعُ الْوَفَاءِ




(الْمَادَّةُ 118) بَيْعُ الْوَفَاءِ هُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْمَبِيعَ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْجَائِزِ بِالنَّظَرِ إلَى انْتِفَاعِ الْمُشْتَرِي بِهِ وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُقْتَدِرًا عَلَى الْفَسْخِ وَفِي حُكْمِ الرَّهْنِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ إلَى الْغَيْرِ.
إنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ مِنْ جِهَةٍ وَالْبَيْعَ الْفَاسِدَ مِنْ جِهَةٍ وَعَقْدَ الرَّهْنِ مِنْ جِهَةٍ.
فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَيْضًا فِي حَالَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الِاسْتِغْلَالِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِهِ لِلْبَائِعِ.
وَهُنَا يَتَبَايَنُ حُكْمُ هَذَا الْبَيْعِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (750) أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْجِيرُهُ لِلرَّاهِنِ فَإِذَا أَجَّرَهُ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ مِنْ الرَّاهِنِ.
وَيُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ لِلْفَرِيقَيْنِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (396) حَقَّ فَسْخِهِ وَفِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ اللَّازِمِ لَيْسَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَقُّ فَسْخِ الْبَيْعِ بِدُونِ رِضَاءِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ.
وَلِهَذَا فَقَدْ كَانَ حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ حُكْمُ الْفَاسِدِ.
وَيُشْبِهُ الرَّهْنَ (1) لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْمَبِيعِ لِآخَرَ (2) لِأَنَّهُ لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ (3) لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ الْبَائِعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (4) لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمُحَاكَمَةِ عِنْدَ ادِّعَاءِ شَخْصٍ بِالْمَبِيعِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1637 (5) لِأَنَّ وَرَثَةَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ تَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَيْعِ (6) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجْرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ (7) لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِي الْعَقَارِ الْمُجَاوِرِ لِلْمَبِيعِ بَيْعَ وَفَاءٍ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي (8) لِعَدَمِ تَمَامِهِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ (9) لِلُزُومِ نَفَقَاتِ تَعْمِيرِ الْمَبِيعِ بَيْعًا وَفَائِيًّا لِلْبَائِعِ.
كُلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُنَافِيَةٌ لَأَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْوَفَاءِ بَيْعًا صَحِيحًا (اُنْظُرْ مَادَّتَيْ 706 و 724)
وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ دَارِهِ بَيْعًا وَفَائِيًّا لِدَائِنِهِ مُقَابِلَ دَيْنِهِ وَاحْتَرَقَتْ الدَّارُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَطَالَبَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِالدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَدِينِ بِدَاعِي سُقُوطِهِ اسْتِنَادًا عَلَى الْمَادَّةِ (399) حَقُّ الِامْتِنَاعِ عَنْ دَفْعِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْمَدِينُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَالِ الْمُبَاعِ مِنْ قِبَلِهِ وَفَاءً لِلْمُشْتَرِي فَيَحِقُّ لِغَيْرِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَدِينِ فِي حَالِ زِيَادَةِ الدَّيْنِ الَّذِي بِذِمَّتِهِ عَنْ التَّرِكَةِ الْمُخَلَّفَةِ عِنْدَ إدْخَالِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّرِكَةِ وَاقْتِسَامِهَا مَعَ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ أَحَدُ الدَّائِنِينَ وَلَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إلَى حُكْمِ الْمَادَّةِ (729) وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ فَأَرْجَحُهَا الْقَوْلُ الَّذِي اتَّبَعَتْهُ الْمَجَلَّةُ فِي قَوْلِهَا " وَهُوَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْجَائِزِ بِالنَّظَرِ إلَى انْتِفَاعِ الْمُشْتَرِي بِهِ وَفِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مُقْتَدِرًا عَلَى الْفَسْخِ وَفِي حُكْمِ الرَّهْنِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ إلَى الْغَيْرِ ".
وَلَكِنْ عَلَى كُلٍّ فَوَجْهُ الشَّبَهِ فِيهِ بِالرَّهْنِ أَبْيَنُ وَأَرْجَحُ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا مِنْ التَّفْصِيلَاتِ أَمَّا حُكْمُ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَحُكْمُ الْفَاسِدِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ فَقَدْ جَاءَتْ فِي الْمَوَادِّ (369، 372، 829) مِنْ الْمَجَلَّةِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ الْمَبِيعَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَجَاءَ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ (الْمَالُ) بَدَلًا مِنْ الْمَبِيعِ عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ فِي الْعَقَارِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ فِي الْمَنْقُولِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ وَقَدْ أَفْتَى كَثِيرُونَ مِنْ شُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ.
وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ ذَكَرَتْ الْمَالَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ هُوَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي الْمَنْقُولَاتِ، جَوَازَ بَيْعِ الْوَفَاءِ فِي الْمَالِ الْمَنْقُولِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَنْقُولِ فَقَطْ.
وَقَدْ قَصَدَ بِكَلِمَةِ (الْمَالُ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَتْنِ التُّرْكِيِّ بَدَلًا مِنْ كَلِمَةِ، الْمَبِيعِ، الَّتِي جَاءَتْ فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ الْعَرَبِيّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَيْعُ بِالْوَفَاءِ، وَالْفَرَاغُ بِالْوَفَاءِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِمَا يَفْتَرِقُ عَنْ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ اسْمًا وَحُكْمًا.

(الْمَادَّةُ 117) الْبَيْعُ الْبَاتُّ هُوَ الْبَيْعُ الْقَطْعِيُّ




(الْمَادَّةُ 117) (الْبَيْعُ الْبَاتُّ هُوَ الْبَيْعُ الْقَطْعِيُّ) يُسْتَعْمَلُ هَذَا الْبَيْعُ تَارَةً عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ وَأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْخِيَارِ.
فَاسْتُعْمِلَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ عِنْدَ قَوْلِهَا (هَلَاكُ الْمَبِيعِ بَاتًّا أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فِي يَدِ الْبَائِعِ.) عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَفِي رَدِّ الْمُحْتَارِ قُبَيْلَ بَابِ الْكَفَالَةِ حَيْثُ يَقُولُ (ادَّعَى الْبَائِعُ وَفَاءً وَالْمُشْتَرِي بَاتًّا أَوْ عَكْسًا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبَاتِّ) قَدْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ.
أَمَّا فِي الْمَجَلَّةِ فَقَدْ جَاءَ عَلَى أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1658) . (وَالْبَتُّ) مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ (بَتَّ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْقَطْعِ فَيُقَالُ: بَتَّ فُلَانٌ الشَّيْءَ إذَا قَطَعَهُ.

(الْمَادَّةُ 116) الْخِيَارُ هُوَ كَوْنُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مُخَيَّرًا




(الْمَادَّةُ 116) (الْخِيَارُ كَوْنُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مُخَيَّرًا عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ) .
الْخِيَارُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ.
الِاخْتِيَارُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ مُخَيَّرًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ مَثَلًا فَخِيَارُ الشَّرْطِ هُنَا قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْبَائِعُ وَحْدُهُ مُقْتَدِرًا عَلَى إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُخَيَّرُ فَالْخِيَارُ يَكُونُ قَائِمًا بِهِ وَلَهُ حَقُّ إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ بِدُونِ رِضَاءِ الْبَائِعِ وَمُوَافَقَتِهِ.

(الْمَادَّةُ 115) الْبَيْعُ غَيْرُ اللَّازِمِ




(الْمَادَّةُ 115) (الْبَيْعُ غَيْرُ اللَّازِمِ هُوَ الْبَيْعُ النَّافِذُ الَّذِي فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ) 
فَالْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ يَحِقُّ لِصَاحِبِ الْخِيَارِ فَسْخُهُ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ (376)) .

(الْمَادَّةُ 114) الْبَيْعُ اللَّازِمُ



(الْمَادَّةُ 114) الْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ الْبَيْعُ النَّافِذُ الْعَارِي عَنْ الْخِيَارَاتِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَالْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ الْبَيْعُ الْخَالِي مِنْ الْخِيَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُصُولِ السَّبْعَةِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ لِكِتَابِ الْبُيُوعِ.
وَحُكْمُ الْبَيْعِ اللَّازِم كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (375) هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي لَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِدُونِ رِضَاءِ الْآخَرِ.
وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ اللُّزُومَ بِقَوْلِهِمْ (هُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَفْعُهُ) وَفِي الْوَاقِعِ لَا يَحِقُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ لَيْسَ فِيهَا خِيَارُ فَسْخِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ.
وَالْبَيْعُ اللَّازِمُ هُوَ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ غَيْرِ اللَّازِمِ وَتُقْسَمُ الْعُقُودُ بِاعْتِبَارِهِ لَازِمَةٌ أَوْ غَيْرُ لَازِمَةٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
1 - الْعُقُودُ اللَّازِمَةُ بِحَقِّ الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ الْعُقُودُ الْآتِيَةُ:
(1) الْبَيْعُ (2) السَّلَمُ (3) الْإِجَارَةُ " وَإِنْ جَازَ فَسْخُهَا بِبَعْضِ الْأَعْذَارِ " (4) الصُّلْحُ (5) الْحَوَالَةُ (6) الْمُسَاقَاةُ (7) الْوَصِيَّةُ الَّتِي تُقْبَلُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي (8) النِّكَاحُ (9) الصَّدَاقُ (أَيْ الْمَهْرُ) (10) الصَّدَقَةُ الْمَقْبُوضَةُ (11) الْهِبَةُ الْمَقْبُوضَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْمَوَانِعِ السَّبْعَةِ.
2 - عَقْدُ الرَّهْنِ وَهُوَ لَازِمٌ بِحَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالْمُرْتَهِنُ لَهُ فَسْخُ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الرَّاهِنُ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ فَسْخُ عَقْدِ الرَّهْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَّا إذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارَ.
3 - الْعُقُودُ غَيْرُ اللَّازِمَةِ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَاَلَّتِي يَحِقُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُمَا بِدُونِ رِضَاءِ الطَّرَفِ الثَّانِي وَهِيَ:
(1) الشَّرِكَةُ، (2) الْوَكَالَةُ، (3) الْعَارِيَّةُ الَّتِي تُعْطَى لِغَيْرِ الرَّهْنِ (4) الْمُضَارَبَةُ، (5) الْوَدِيعَةُ، (6) الْقَضَاءُ، (7) الْوِصَايَةُ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيِّ (8) الْوَصِيَّةُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَصِيِّ.

(الْمَادَّةُ 113) الْبَيْعُ النَّافِذُ




(الْمَادَّةُ 113) الْبَيْعُ النَّافِذُ بَيْعٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ
الْبَيْعُ النَّافِذُ (يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي الْحَالِ) وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (374) .
وَالْبَيْعُ النَّافِذُ هُوَ مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ، فَمَتَى قِيلَ: بَيْعٌ نَافِذٌ، أُرِيدَ أَنَّهُ بَيْعٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ.
مَعْنَى النَّفَاذِ: هُوَ تَرَتُّبُ أَثَرِ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ فَالْمِلْكِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَثَرٌ لِلْبَيْعِ تَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَيُصْبِحُ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ.
بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا تَثْبُتُ الْمِلْكِيَّةُ إلَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْمِلْكِيَّةُ إلَّا عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ.



(الْمَادَّةُ 112) تَعْرِيف الْفُضُولِيُّ




(الْمَادَّةُ 112) الْفُضُولِيُّ: هُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِحَقِّ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ، 
إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ هُوَ تَعْرِيفُ الْفُضُولِيِّ شَرْعًا أَمَّا تَعْرِيفُهُ لُغَةً فَهُوَ الَّذِي يَتَدَاخَلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَيُقْصَدُ بِقَوْلِهِ (بِدُونِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ) هُوَ أَلَّا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ وِصَايَةٌ أَوْ وَكَالَةٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لَا يُعَدُّ فُضُولًا.
الْفُضُولِيُّ: نِسْبَةً إلَى الْفُضُولِ، وَالْفُضُولُ جَمْعُ فَضْلٍ، وَالْفَضْلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ. وَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ قِيَاسًا أَنْ يُقَالَ (فَضْلِيٌّ) ؛ لِأَنَّ (يَاءَ) النِّسْبَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْجَمْعِ وَلَكِنْ قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ كَعَلَمٍ وَمُفْرَدٍ بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَعْرَابِيُّ وَمَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ.
قُلْنَا: إنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لَا يُعَدُّ فُضُولًا فَإِذَا ضَمَمْنَا إلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَقَاضِي الْجَيْشِ لِمَا لَهُمْ مِنْ الْوِلَايَةِ فَنَكُونُ قَدْ فَسَّرْنَا التَّعْرِيفَ تَفْسِيرًا تَامًّا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهِ بِالْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفٌ نَافِذٌ وَمَشْرُوعٌ فَلَوْ أَوْقَفَ الْإِمَامُ أَرْضًا مِنْ الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ لِيَصْرِفَ رِيعَهَا فِي سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ وَلَا يُعَدُّ فُضُولًا.
وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقَائِدُ الْجَيْشِ فَلَوْ تَصَرَّفَ الْقَاضِي بِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ لِتَنْمِيَتِهَا أَوْ تَصَرَّفَ الْقَائِدُ بِالْغَنَائِمِ لِتَقْسِيمِهَا فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُهُمَا فُضُولًا وَيَكُونُ نَافِذًا.

(الْمَادَّةُ 111) الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ





(الْمَادَّةُ 111) (الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ بَيْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ) 
وَيُعَرَّفُ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ أَنَّهُ هُوَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ أَصْلًا وَوَصْفًا وَاَلَّذِي يُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ.
وَهَذَا التَّعْرِيفُ بِمَا أَنَّهُ يَتَوَافَقُ بِتَعَارِيفِ الْفَاسِدِ وَالصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ.
السَّابِقَةِ الذِّكْرِ وَلَا يَتَنَافَرُ مَعَهَا بِشَيْءٍ وَيَتَنَاوَلُ بَيْعَ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ فَهُوَ أَشْمَلُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ وَأَضْبَطُ.
هَذَا وَبِمَا أَنَّ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَنْطَبِقُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَالْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ هُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ هُوَ أَنْ يُفِيدَ الْمِلْكِيَّةَ بِدُونِ قَبْضٍ وَالْمَوْقُوفُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ بِدُونِ قَبْضٍ أَيْضًا.
وَانْعِقَادُ هَذَا الْبَيْعِ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ صَحِيحًا كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ كَوْنُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ.
غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ (الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ) مُقَابِلٌ لِلْبَيْعِ النَّافِذِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ نَافِذٍ.

(الْمَادَّةُ 110) الْبَيْعُ الْبَاطِلُ




(الْمَادَّةُ 110) الْبَيْعُ الْبَاطِلُ مَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا 
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا أَصْلًا.
أَيْ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ هُوَ الْبَيْعُ غَيْرُ الصَّحِيحِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَلَا يُصْبِحُ لَهُ مَالِكًا وَيَكُونُ كَأَمَانَةٍ عِنْدَهُ وَذَلِكَ بِعَكْسِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا.
أَمَّا لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْبَائِعِ فَيُعَدُّ غَاصِبًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ (أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِحَالَةٍ غَيْرِ مُوَصِّلَةٍ لِلْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلًا) .
وَيَشْمَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ الْبُطْلَانَ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ فَكَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ يَخْتَلِفُ عَنْ الْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ.

(الْمَادَّةُ 109) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ



(الْمَادَّةُ 109) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ هُوَ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا لَا وَصْفًا 
يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ (رَاجِعْ الْبَابَ السَّابِعَ) .
يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا إذَا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الثَّمَنُ مَجْهُولًا أَوْ كَانَ الْأَجَلُ الَّذِي سَيُدْفَعُ فِيهِ الثَّمَنُ مَجْهُولًا أَوْ كَانَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْبَيْعِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ نَفْسُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ فَلَا يَكُونُ فَاسِدًا بَلْ بَاطِلًا وَهَذَا الْبَيْعُ يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ الْقَبْضِ أَيْ أَنَّهُ يَصِيرُ نَافِذًا، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ فِي الْبَيْعِ يَكُونُ جَائِزًا.
وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَشْرُوعِيَّة فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمَا جَوَازَ الْبَيْعِ وَصِحَّتَهُ إذْ أَنَّ فَسَادَهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ.
وَقَدْ عَرَّفَ الْأُصُولِيُّونَ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ (أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُوَصِّلًا لِلْغَايَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ لَا بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ) وَيَشْمَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ كُلَّ مَا هُوَ فَاسِدٌ مِنْ الْعُقُودِ كَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا (الإزميري) رَاجِعْ الْمَوَادَّ (364 و 213 و 237 و 248) .
وَقَدْ يُطْلَقُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ عَلَى الْبَيْعِ الْبَاطِلِ أَحْيَانًا فَقَدْ جَاءَ الْفَاسِدُ فِي قَوْلِ الزَّاهِدِيِّ (إنَّ بَيْعَ الْأَبِ مَالَ الصَّغِيرِ فِي نَفْسِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَاسِدٌ إجْمَاعًا وَكَذَا شِرَاؤُهُ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ) بِمَعْنَى الْبَاطِلِ.

(الْمَادَّةُ 108) الْبَيْعُ الصَّحِيحُ



(الْمَادَّةُ 108) الْبَيْعُ الصَّحِيحُ هُوَ الْبَيْعُ الْجَائِزُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا وَوَصْفًا.
فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ حَتَّى قَبْلَ الْقَبْضِ رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (262 و 263) أَيْ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ هَذَا الْبَيْعِ يُصْبِحُ الْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ كَمَا أَنَّ الْبَائِعَ يُصْبِحُ مَالِكًا لِلثَّمَنِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ.
وَقَدْ عَرَّفَتْ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ بِأَنَّهُ (مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ) . وَعَرَّفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ الصِّحَّةَ فِي الْعَقْدِ بِأَنَّهَا " وَأَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُوَصِّلًا لِلْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ " أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْعِبَادَاتِ مُفْرِغًا وَمُخَلِّصًا لِلذِّمَّةِ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ مُوَصِّلًا (لِلِاخْتِصَاصَاتِ) الشَّرْعِيَّةِ مِثْلِ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ بِالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ.
فَتَعْرِيفُ الْأُصُولِيِّينَ هَذَا يَجْرِي حُكْمُهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْهِبَةِ، وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَجْرِي كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَيْعُ النَّافِذُ وَالْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ غَيْرُ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِهِ.
أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ بِقَيْدِ (الْمَشْرُوعُ وَصْفًا) الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ.
هَذَا وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَأْتِي فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ بِمَعْنَى نَقِيضِ الْبَاطِلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَالْمُرَادُ هُنَا إنَّمَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُقَابِلُ لِلْفَاسِدِ فَقَدْ جِيءَ فِي الْمَجَلَّةِ بِقَيْدِ (الْجَائِزِ) احْتِرَازًا عَنْ الْخَطَأِ فِي التَّعْرِيفِ.

(الْمَادَّةُ 107) الْبَيْعُ غَيْرُ الْمُنْعَقِدِ




(الْمَادَّةُ 107) الْبَيْعُ غَيْرُ الْمُنْعَقِدِ هُوَ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ.
إنَّ كَلِمَةَ الْبَيْعِ غَيْرِ الْمُنْعَقِدِ مُرَادِفَةٌ لِكَلِمَةِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَكِلْتَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَدْ عَرَّفَتْ الْمَادَّةُ (110) الْبَيْعَ الْبَاطِلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا.

(الْمَادَّةُ 106) الْبَيْعُ الْمُنْعَقِدُ



(الْمَادَّةُ 106) الْبَيْعُ الْمُنْعَقِدُ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَنْعَقِدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ، وَنَافِذٍ، وَمَوْقُوفٍ.
وَلِهَذِهِ الْأَقْسَامِ تَعَارِيفُ جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ (108) وَمَا يَلِيهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَتَدَاخَلُ بِبَعْضِهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَبَايُنٌ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبَيْنَ النَّافِذِ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ فَلَيْسَ مِنْ تَبَايُنٍ بَيْنَ النَّافِذِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالنَّافِذِ وَيُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا وَتَدَاخُلُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَفَادُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْوَارِدَ هُنَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.

(الْمَادَّةُ 105) الْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ



(الْمَادَّةُ 105) الْبَيْعُ: مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالِ وَيَكُونُ مُنْعَقِدًا وَغَيْرَ مُنْعَقِدٍ.
يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ تَمْلِيكُ مَالٍ مُقَابِلَ مَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُقْسَمُ بِاعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا إلَى بَيْعٍ مُنْعَقِدٍ وَغَيْرِ مُنْعَقِدٍ.
وَهَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْبَيْعِ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِلشِّرَاءِ أَيْضًا وَكَمَا أَنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ أَيْضًا.
هَذَا إلَّا أَنَّ بِقَوْلِهِ " مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ " تَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (405) هِيَ (بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ) وَالنِّكَاحُ هُوَ (مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْبُضْعِ) أَبُو السُّعُودِ. وَتَخْرُجُ الْهِبَةُ وَالْإِعَارَةُ أَيْضًا.
أَمَّا بِقَوْلِهِ (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) الْوَارِدِ فِي الشَّرْحِ فَيَخْرُجُ أَيْضًا التَّبَرُّعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. فَالْوَجْهُ الْمَخْصُوصُ لِلْبَيْعِ هُوَ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ (بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ) أَوْ التَّعَاطِي.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ آخَرَ مَالًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَهَبَ ذَلِكَ الْوَاهِبَ مَالًا آخَرَ غَيْرَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ أَيْضًا فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ بَيْعًا وَيَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ فِي الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ كَلِمَتَيْ (بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ) الْمُخْتَصَّتَيْنِ بِالْبَيْعِ.
وَلَرُبَّ قَائِلٍ يَقُولُ:
1 - قَدْ اُشْتُرِطَ الرِّضَاءُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] وَجَاءَ تَعْرِيفُ الْبَيْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِأَنَّهُ (مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالرِّضَاءِ) فَتَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ إذْ يَدْخُلُ بِهِ بَيْعُ الْمُكْرَهِ.
2 - بِمَا أَنَّ بَعْضَ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِتَعْرِيفِهَا الْبَيْعَ (أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُفِيدٍ) قَدْ قَيَّدْتُهُ بِكَلِمَةِ (مُفِيدٍ) إخْرَاجًا لِلْبَيْعِ غَيْرِ الْمُفِيدِ وَهُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُبَادَلَةِ مَالَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَزْنًا وَصِفَةً كَمُبَادَلَةِ دِرْهَمَيْنِ فِضَّةً بِدِرْهَمَيْنِ فِضَّةً مُسَاوِيَيْنِ بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ وَزْنًا، وَعِيَارًا، وَوَصْفًا وَالْمَنْفَعَةُ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ وَالْبَيْعُ غَيْرُ الْمُفِيدِ يَكُونُ فَاسِدًا فَتَعْرِيفُ الْمَجَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْمُقَيِّدَ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا غَيْرُ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ.
3 - بِمَا أَنَّ تَقْسِيمَ الْبَيْعِ الْوَارِدَ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ (وَهُوَ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ إلَى مُنْعَقِدٍ وَغَيْرِ مُنْعَقِدٍ) هُوَ تَقْسِيمٌ لِلْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ (بِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) كَمَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَذَلِكَ (كَتَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى قَسِيمِهِ) أَيْ نَقِيضِهِ وَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَبَيْعُ الْحُرِّ لَيْسَ فِيهِمَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ وَالْحُرَّ لَا يُعَدَّانِ مَالًا فَيَكُونُ الْبَيْعُ الْمُقَسَّمُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ بَلْ هُوَ مِنْ أَغْيَارِهِ.
فَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
فَجَوَابُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي: جَوَابُ الْأَوَّلِ: بِمَا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ بِطَبْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ فَلَمْ تَرَ الْمَجَلَّةُ لُزُومًا لِلْإِتْيَانِ بِقَيْدِ الرِّضَا لِلْإِحَاطَةِ بِأَفْرَادِ الْبَيْعِ.
جَوَابُ الثَّانِي: وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرَ الْمُفِيدِ هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَيْضًا فَلَا لُزُومَ لِإِضَافَةِ قَيْدِ (مُفِيدٍ) الْمَذْكُورِ حَتَّى يَكُونَ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ.
جَوَابُ الِاعْتِرَاضِ الثَّالِثِ: إنَّ التَّقْسِيمَ الْوَارِدَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا بَلْ إنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ لِمُطْلَقِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَيُقَالُ عَنْهُ فِي اللُّغَةِ بَيْعًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] وَقَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ.



(الْمَادَّةُ 104) الِانْعِقَادُ




(الْمَادَّةُ 104) الِانْعِقَادُ تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا.
فَمُتَعَلَّقُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي يَكُونُ مَوْجُودًا وَمَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَمَالًا مُتَقَوِّمًا مَعَ الثَّمَنِ.
وَالْأَثَرُ: هُوَ أَنْ يُصْبِحَ الْبَائِعُ مَالِكًا لِلثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي مَالِكًا لِلْمَبِيعِ.
وَالِانْعِقَادُ: يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا وَبِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ حُصُولِ الْقَبْضِ أَمَّا الْبَيْعُ الْبَاطِلُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ انْعِقَادٌ (رَاجِعْ الْمَوَادَّ 369 و 370 و 371) وَسَنَأْتِي فِي الْمَادَّةِ (361) عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْبَيْعُ مُنْعَقِدًا.

(الْمَادَّةُ 103) الْعَقْدُ




(الْمَادَّةُ 103) الْعَقْدُ الْتِزَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَعَهُّدُهُمَا أَمْرًا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ.
يُقَالُ عَقَدَ الْبَيْعَ كَمَا يُقَالُ عَقَدَ الْحَبْلَ.
وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ هُنَا الِانْعِقَادُ فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلًا الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يُقْصَدُ بِهِ الْتِزَامُ وَتَعَهُّدُ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ.

(الْمَادَّةُ 102) الْقَبُولُ




(الْمَادَّةُ 102) الْقَبُولُ ثَانِي كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَجْلِ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِهِ يَتِمُّ الْعَقْدُ.
أَيْ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ جَاءَ بَعْدَ الْإِيجَابِ لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِقَصْدِ إتْمَامِ الْعَقْدِ سُمِّيَ قَبُولًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُتَكَلِّمُ أَمْ كَانَ الْبَائِعُ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُك مَالِي هَذَا بِكَذَا قِرْشًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتَ مَالَكَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا -، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهُ لَكَ، فَكَمَا أَنَّ كَلَامَ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبُولٌ فَكَلَامُ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ قَبُولٌ أَيْضًا.

(الْمَادَّةُ 101) الْإِيجَابُ




(الْمَادَّةُ 101) الْإِيجَابُ أَوَّلُ كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَجْلِ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ وَبِهِ يُوجَبُ وَيَثْبُتُ التَّصَرُّفُ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الْكَلَامُ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَقَعَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُكَ هَذَا الْمَتَاعَ وَالْمُشْتَرِي قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: وَأَنَا قَدْ بِعْتُكَ إيَّاهُ، فَكَمَا أَنَّ كَلَامَ الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إيجَابٌ وَفِي الثَّانِيَةِ قَبُولٌ فَكَلَامُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إيجَابٌ وَفِي الْأُولَى قَبُولٌ أَيْضًا.
وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ (لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ) الْوَارِدَةِ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَحْصُلُ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (168) .
الْإِيجَابُ: لُغَةً الْإِثْبَاتُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ السَّلْبِ وَلَقَدْ سُمِّيَ الْإِيجَابُ إيجَابًا لِكَوْنِ الْمُوجَبِ بِإِيجَابِهِ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ حَقَّ الْقَبُولِ.
يُسْتَفَادُ مِمَّا مَرَّ مَعَنَا فِي التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَذْكُورَ هُنَا لَيْسَ بِالْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَأْثَمُ تَارِكُهُ.
هَذَا وَيَنْطَبِقُ تَعْرِيفُ الْإِيجَابِ الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ عَلَى الْإِيجَابِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا إذَا هُوَ جُرِّدَ مِنْ بَعْضِ الْقُيُودِ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْمَقَامُ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.

قَدْ يَعْتَرِضُ الْبَعْضُ عَلَى تَعْرِيفِ الْإِيجَابِ الْوَارِدِ هُنَا قَائِلًا:
1 - يُسْتَدَلُّ مِنْ كَلِمَةِ (ثَانِي كَلَامٍ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ مَادَّةِ (102) بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي كَلِمَةِ (أَوَّلِ كَلَامٍ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ هَذِهِ هُوَ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْإِيجَابِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَمَّا كَانَ الْبَيْعُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (167) يَنْعَقِدُ إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَالتَّعْرِيفُ هَذَا غَيْرُ جَامِعٍ لِأَفْرَادِهِ.
2 - وَذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّهُ (كَلَامٌ) (أَيْ الْإِيجَابُ) وَالْحَالُ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (115) وَفِي التَّعَاطِي لَا يُسْتَعْمَلُ كَلَامٌ فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ تَعْرِيفُ الْإِيجَابِ الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَتَعْرِيفُ الْقَبُولِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ جَامِعَيْنِ لِأَفْرَادِهِمَا أَيْضًا.
3 - بِمَا أَنَّ كَلِمَةَ (بِعْت، وَاشْتَرَيْت) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْإِخْبَارِ وَلَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءِ فَكَيْفَ يَنْشَأُ بِهِمَا عَقْدُ الْبَيْعِ.
فَجَوَابُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي: جَوَابُ الْأَوَّلِ: لَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَالْبَعْضُ مِنْهُمْ يَقُولُ بِانْعِقَادِهِ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى، الْبَحْرُ) وَالْمَجَلَّةُ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَكَلِمَةُ (أَوَّلُ) فِي الْمَادَّةِ (101) وَكَلِمَةُ ثَانِي فِي الْمَادَّةِ (102) يُسْتَدَلُّ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَيْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَلَيْسَ بِذَلِكَ مِنْ مَأْخَذٍ يُؤْخَذُ عَلَيْهَا.
جَوَابُ الثَّانِي: أَجَلْ إنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ أَمَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِالْفِعْلِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ إيجَابٌ فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ تَعَاطٍ لَيْسَ إلَّا.
جَوَابُ الثَّالِثِ: أَمَّا كَلِمَتَا (بِعْت، وَاشْتَرَيْت) وَإِنْ كَانَتَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لِلْإِخْبَارِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا الشَّرْعُ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ فَأَصْبَحَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ، فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: قَدْ بِعْتُك مَالِي، وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ اشْتَرَيْت فَلَا يَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ إخْبَارًا بِبَيْعٍ وَقَعَ قَبْلًا بَلْ إنْشَاءً لِعَقْدِ بَيْعٍ فِي ذَلِكَ الْمَالِ مُجَدَّدًا؛ لِأَنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ لَا تَدُلُّ عَلَى زَمَنٍ. هَذَا وَإِنَّ كَلِمَتَيْ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ كَثِيرٌ مَا يُرَادُ بِهِمَا الْإِخْبَارُ فَمَتَى أُرِيدَ بِهِمَا هَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا بَيْعٌ فَلَوْ سَأَلَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا: مَا فَعَلْت بِفَرَسِك فَأَجَابَهُ بِعْته مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: قَدْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِكَلِمَةِ " بِعْتُ " هُنَا الْإِخْبَارُ لَيْسَ إلَّا، كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.

السبت، 13 أبريل 2024

مُقَدِّمَةٌ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبُيُوعِ




ِ الِاصْطِلَاحُ: لُغَةً الِاتِّفَاقُ، وَاصْطِلَاحًا: هُوَ إخْرَاجُ طَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ مُعَيَّنَةٍ لَفْظًا مِنْ الْأَلْفَاظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَوَضْعُهُ لِمَعْنًى آخَرَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ.
وَذَلِكَ كَوَضْعِ الْفُقَهَاءِ كَلِمَةَ (الْإِيجَابِ) لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (101) وَكَلِمَةَ الْبَيْعِ لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (105) وَكَلِمَةَ الْإِجَارَةِ لِلْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (405) .
فَكَلِمَةُ الْإِيجَابِ مَثَلًا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ: الْإِثْبَاتُ فَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا (لِأَوَّلِ كَلَامٍ يَصْدُرُ مِنْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ التَّالِيَةِ:

الْكِتَابُ الْأَوَّلُ الْبُيُوعُ



ُ يَنْقَسِمُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَسَبْعَةِ أَبْوَابٍ
(كِتَابٌ) لُغَةً بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَاصْطِلَاحًا هُوَ جَمْعُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَقِلَّةِ (بَحْرٌ)
تَقْدِيمُ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ كَالْإِجَارَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، بُيُوعٌ جَمْعُ - بَيْعٍ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ. فَإِذَا قِيلَ (قَدْ بَاعَ فُلَانٌ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ) فَكَمَا يُفْهَمُ أَنَّهُ أَخْرَجَ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ مِلْكِهِ يُفْهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ أَدْخَلَهُ إلَى مِلْكِهِ. إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُوَ الْغَالِبُ أَصْبَحَتْ لَا تُحْمَلُ إلَّا عَلَيْهِ. تَرِدُ كَلِمَةُ (الْبَيْعِ) بِمَعْنَى (مَبِيعٍ) حَمْلًا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ
وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ لِلْمَبِيعِ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً (مَنْقُولٌ، وَعَقَارٌ، وَحَيَوَانٌ، وَمَكِيلٌ، وَمَوْزُونٌ) وَغَيْرُهُ فَقَدْ جَاءَتْ هُنَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
وَتَرِدُ عَلَى أَصْلِهَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَتُجْمَعُ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَنْوَاعِ الْبَيْعِ.
فَالْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ نَافِذٌ وَمَوْقُوفٌ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ أَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ (فَمُقَايَضَةٌ، سَلَمٌ، صَرْفٌ وَمُطْلَقٌ) وَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ (مُرَابَحَةٌ، تَوْلِيَةٌ، وَضِيعَةٌ، وَمُسَاوَمَةٌ) . وَسَنَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالتَّفْصِيلِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ - إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْبَيْعِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ.
فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ وَشَاهَدَ النَّاسَ يَتَعَاطَوْنَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَأَقَرَّهُمْ وَلَمْ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيْعِ وَأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ. وَقِيلَ: إنَّ أَفْضَلَ الْكَسْبِ التِّجَارَةُ.

الجمعة، 12 أبريل 2024

(الْمَادَّةُ 100) مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ




(الْمَادَّةُ 100) :
مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَشْبَاهِ.
وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا عَمِلَ شَخْصٌ عَلَى نَقْضِ مَا أَجْرَاهُ وَتَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِعَمَلِهِ.
مِثَالٌ: لَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالَهُ مِنْ آخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فُضُولًا وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ حَتَّى وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى بِأَنَّهُ بَاعَ الْمَالَ بِدُونِ إذْنِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً.
كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ مَالًا مِنْ آخَرَ وَجَاءَ رَجُلٌ فَكَفَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فِي الْمَادَّةِ (616) فَلَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا فَادِّعَاءُ الْكَفِيلِ بِمِلْكِيَّتِهِ لِلْمَالِ نَقْضٌ لِمَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ.
كَذَلِكَ لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ مَالًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِقْرَارُهُ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُصَدَّقٍ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مُلْزَمٌ بِهِ بَعْدَ أَدَائِهِ الدَّيْنَ وَاسْتِرْدَادِهِ الرُّهُونَ.
كَذَلِكَ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ وَدِيعَةً مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُسْتَوْدِعِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا سَلَّمَهُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْدَادُهَا مِنْهُ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ وَكَالَتَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمُحْتَمِلُ الْبُلُوغَ أَوْ اشْتَرَى وَاعْتَرَفَ بِالْبُلُوغِ ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ الْبُلُوغِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِادِّعَائِهِ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) لَوْ بَاعَ وَالِدُ الصَّغِيرِ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَوْ وَصِيُّ التَّرِكَةِ مَالَ الصَّغِيرِ أَوْ مَالَ الْوَقْفِ أَوْ مَالَ التَّرِكَةِ مِنْ آخَرَ وَادَّعَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَالِدُ الصَّغِيرِ مَثَلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَقَعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 97) .
كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُبَايِعَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ بِوُجُودِ فَسَادِ مَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ حِينَ الْبَيْعِ فَكَمَا أَنَّ ادِّعَاءَهُ يَكُونُ مَقْبُولًا فَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ بَاعَ الشَّيْءَ الْمَذْكُورَ مِنْ شَخْصٍ غَيْرَهُ غَائِبٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ الِادِّعَاءُ وَالْإِثْبَاتُ أَيْضًا.
كَذَلِكَ يُقْبَلُ ادِّعَاءُ الْمُشْتَرِي بِعَقَارٍ بِأَنَّ الْبَائِعَ قَبْلَ بَيْعِهِ مِنْهُ كَانَ اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ أَنَّ الْبَائِعَ وَقَفَهُ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.

(الْمَادَّةُ 99) مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ





(الْمَادَّةُ 99) : مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ (مَنْ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ) وَ (مَنْ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ يُجَازَى بِرَدِّهِ) وَ (مَنْ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِي ثُبُوتِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ) الْوَارِدَةِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَالْكِفَايَةِ، وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ.
فَعَلَيْهِ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ مُوَرِّثَهُ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْكَفَّارَةَ يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ بِقَتْلِهِ مُوَرِّثَهُ تَعَجَّلَ الْوَقْتَ الَّذِي يَرِثُهُ بِهِ فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ فَلَا يَكُونُ وَارِثًا لِلْمُوَرِّثِ.
كَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِمَالِ فَقَتَلَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيُحْرَمُ مِنْ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ.
قَدْ قَيَّدْنَا الْقَتْلَ الَّذِي يُوجِبُ الْحِرْمَانَ مِنْ الْإِرْثِ بِاَلَّذِي يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الَّذِي لَا يُوجِبُ ذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْمِيرَاثِ فَالْقَتْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ وَقَتْلُ الزَّوْجَةِ أَوْ إحْدَى الْمَحَارِمِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ بِسَبَبِ الزِّنَا فَلَا تُوجِبُ الْحِرْمَانَ مِنْ الْإِرْثِ.
هَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ (الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ أَيْ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِمَوْتِهِ) فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ نَظَرًا إلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَلَّا يُعَدَّ قَتْلُ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي فَرْعًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ إجْرَاءَ الْعِقَابِ وَالْقِصَاصِ وَأَمْثَالِهِ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ إنَّمَا لِارْتِكَابِهِ الْأَمْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْمَوْتُ عَادَةً فَذَلِكَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالشُّئُونِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ.
(مُسْتَثْنَيَاتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ)
يُوجَدُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ:
مِنْهَا لَوْ قَتَلَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ الَّذِي تَأَجَّلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى سَنَةٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَحِلُّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَدِينِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْقَاتِلِ حَالًا اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ.



(الْمَادَّةُ 98) تَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ




(الْمَادَّةُ 98) : تَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ.
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْ (اخْتِلَافُ الْأَسْبَابِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ) وَ (تَبَدُّلُ سَبَبِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ) الْوَارِدَتَيْنِ فِي الْمَجَامِعِ.
وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا تَبَدَّلَ سَبَبُ تَمَلُّكِ شَيْءٍ مَا وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ هُوَ حَقِيقَةً يُعَدُّ مُتَبَدِّلًا.
فَعَلَيْهِ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ فَرَسًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَوَهَبَهُ الرَّجُلُ لِآخَرَ وَتَسَلَّمَهُ مِنْهُ فَعَادَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْأَخِيرُ وَتَصَدَّقَ بِالْفَرَسِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْأَوَّلِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْفَرَسَ لِاخْتِلَافِ سَبَبِ الْمِلْكِ " رَاجِعْ الْمَادَّةَ (869) ".
وَهَذِهِ حِيلَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَّخِذُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُمْ عَادَةً لِمَنْعِ الْوَاهِبِينَ مِنْ اسْتِرْدَادِ هِبَاتِهِمْ.
كَذَلِكَ يَجُوزُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي حَيَاتِهِ وَمِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (255) ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ وُجُودُ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ.

فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدٌ بَغْلًا مِنْ آخَرَ مَثَلًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَأَرْجَعَهُ إلَى مِلْكِهِ ثَانِيَةً فَبِمَا أَنَّ رُجُوعَ الْبَغْلِ إلَى مِلْكِهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَتَبَدُّلَ السَّبَبِ تَبَدُّلٌ لِلذَّاتِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَلَوْ زَادَ فَزِيَادَتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ.



(الْمَادَّةُ 97) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَحَدٍ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ




(الْمَادَّةُ 97) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَحَدٍ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ 
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَجَامِعِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ» فَإِذَا أَخَذَ أَحَدٌ مَالَ الْآخَرِ بِدُونِ قَصْدِ السَّرِقَةِ هَازِلًا مَعَهُ أَوْ مُخْتَبِرًا مَبْلَغَ غَضَبِهِ فَيَكُونُ قَدْ ارْتَكَبَ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا؛ لِأَنَّ اللَّعِبَ فِي السَّرِقَةِ جَدٌّ فَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ اللُّقَطَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ بِقَصْدِ امْتِلَاكِهَا أَوْ الْمَالِ الَّذِي يُؤْخَذُ رِشْوَةً أَوْ سَرِقَةً أَوْ غَصْبًا لِصَاحِبِهَا عَيْنًا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَبَدَلًا فِيمَا إذَا اُسْتُهْلِكَتْ (رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 899 و 891) .
كَذَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ وَبَعْدَ أَنْ تَصَالَحَا ظَهَرَ بِأَنْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ بِمَا ادَّعَى فَيَحِقُّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْهُ.
كَمَا لَوْ صَالَحَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى عَيْبٍ ادَّعَاهُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهُ هُوَ فَتَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ خَالٍ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ كَانَ فِيهِ فَزَالَ بِنَفْسِهِ فَلِلْبَائِعِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ الْمُشْتَرِي.
وَهَكَذَا إذَا دَفَعَ إنْسَانٌ شَيْئًا إلَى آخَرَ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَوُجِدَ مَا يَمْنَعُ مِنْ رَدِّهَا.
فَإِذَا دَفَعَ إنْسَانٌ رِشْوَةً لِقَاضٍ فَنَدِمَ عَلَى إعْطَائِهِ إيَّاهَا فَلَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِهَا قَدْ قُيِّدَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ بِقَوْلِهِ (بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ) لِأَنَّهُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ يَحِقُّ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ، فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ مَالًا بِخَمْسِينَ قِرْشًا فَلِلْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ 369 أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا أَخْذُ الْخَمْسِينَ قِرْشًا.

(الْمَادَّةُ 96) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ





(الْمَادَّةُ 96) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ 
هَذِهِ الْمَادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْفِقْهِيَّةِ (لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا وِلَايَتِهِ) الْوَارِدَةِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ. فَعَلَيْهِ إذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَبْنِيَ بِنَاءً مُحَاذِيًا لِحَائِطِ بِنَاءِ إنْسَانٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ حَائِطَ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِدُونِ إذْنِهِ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَلَهُ بَعْدَئِذٍ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ إذْنِهِ.
كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْآخَرِ أَوْ مَزْرَعَتَهُ الْمُسَيَّجَةَ بِدُونِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ أَوْ الْمَزْرَعَةَ يَكُونُ قَدْ اسْتَعْمَلَهَا.
كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَرْكَبَ الْحَيَوَانَ الْمُشْتَرَكَ أَوْ أَنْ يُحَمِّلَهُ مَتَاعًا بِدُونِ إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا رَكِبَهُ أَوْ حَمَّلَهُ وَتَلِفَ يَكُونُ ضَامِنًا حِصَّةَ الشَّرِيكِ.
كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ حَائِطٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاتَّفَقَا عَلَى نَقْضِهَا وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ ارْتِفَاعَهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلًا فَيَحِقُّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ.

فَعَدَمُ جَوَازِ فَتْحِ بَابٍ عَلَى طَرِيقٍ خَاصٍّ مِنْ شَخْصٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ بِتِلْكَ الطَّرِيقِ وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْوَاهِبِ وَالْمُصَالِحِ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَالِ أَوْ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ وَصِيًّا عَلَيْهِ أَوْ وَلِيًّا لِنَفَاذِ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ الْمَالِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (رَاجِعْ الْمَوَادَّ 1219 و 365 و 446 و 857 و 1546 و 1075) قَدْ ذُكِرَ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ قَيْدٌ وَهُوَ (عَدَمُ الْإِذْنِ) ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ بِإِذْنِهِ جَائِزٌ.
وَالْإِذْنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرَاحَةً وَهُوَ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي الْمَادَّةِ (95) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّتَيْنِ (1078 و 1079) .
فَالْإِذْنُ صَرَاحَةً هُوَ كَاَلَّذِي يَحْصُلُ فِي تَوْكِيلِ إنْسَانٍ آخَرَ لَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي إحْدَى الْخُصُوصَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْمُوَكِّلِ الْقِيَامُ بِهَا كَتَوْكِيلِ إنْسَانٍ آخَرَ لَأَنْ يَبِيعَ لَهُ مَالًا أَوْ أَنْ يُؤَجِّرَ لَهُ عَقَارًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
أَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَهُوَ كَذَبْحِ الرَّاعِي شَاةً مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ فَالرَّاعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا صَرَاحَةً فَقَدْ اُعْتُبِرَ اسْتِحْسَانًا مَأْذُونًا.
أَمَّا لَوْ كَانَ ذَابِحُ الشَّاةِ غَيْرَ الرَّاعِي فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَالْبَعْضُ مِنْهُمْ يَقُولُ بِعَدَمِ ضَمَانِ الذَّابِحِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ كَالرَّاعِي مَأْذُونًا وَالْبَعْضُ قَالَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
قَدْ مَرَّ مَعَنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ بِأَنَّ (لِلْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ حَقَّ التَّصَرُّفِ بِلَا إذْنِ الشَّخْصِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ أَوْ وِصَايَتِهِ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّتَيْنِ (365 و 637) .
نَافِذٌ فَإِذَا شَبَّتْ النَّارُ فِي دَارٍ مَثَلًا فَلِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِ الدُّورِ الَّتِي فِي جَانِبِهَا مَنْعًا لِسَرَيَانِ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَأَمْرُهُ صَحِيحٌ وَمَشْرُوعٌ.
أَمَّا إذَا وَجَدَ ضَرُورَةً فَيَجُوزُ لِكُلِّ إنْسَانٍ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ سَقَطَ رِدَاءُ شَخْصٍ عَلَى دَارِ جَارِهِ وَخَافَ مِنْ الْجَارِ أَنْ يُخْفِيَهُ فَلِصَاحِبِ الرِّدَاءِ دُخُولُ الدَّارِ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَإِنْ عُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَصَرُّفًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَقَدْ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 27) .
وَإِلَيْك فِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ عَلَى الْإِذْنِ بِالدَّلَالَةِ:
إذَا مَرِضَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ فَلِلْوَالِدِ أَوْ الْوَلَدِ أَنْ يَصْرِفَ بِدُونِ إذْنِ الْمَرِيضِ مِنْ مَالِهِ لِمُدَاوَاتِهِ وَإِطْعَامِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِمُدَاوَاةِ الْمَرِيضِ وَإِطْعَامِهِ ثَابِتٌ عَادَةً فَاحْتِيَاجُ الْمَرِيضِ لِلْمُدَاوَاةِ وَالْإِطْعَامِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ.
كَذَلِكَ: إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ إلَى سَفَرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَلِرُفَقَائِهِ بَيْعُ أَمْتِعَتِهِ لِتَجْهِيزِهِ مِنْهَا وَتَسْلِيمِ مَا بَقِيَ إلَى وَرَثَتِهِ.
كَذَا: لَوْ أُغْمِيَ عَلَى شَخْصٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلِرُفَقَائِهِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ.

(الْمَادَّةُ 95) الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ




(الْمَادَّةُ 95) : الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ 
هَذِهِ الْمَادَّةُ قَدْ أُخِذَتْ مِنْ الْمَجَامِعِ الْمِلْكُ هُوَ مَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ سَوَاءٌ أَكَانَ عِيَانًا أَوْ مَنَافِعَ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 125) وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآخَرِ فَالْأَمْرُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ الْبَاطِلُ وَغَيْرُ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ وَالنَّصِيحَةِ فَلَا يَتَرَتَّبُ بِحَقِّ الْأَمْرِ حُكْمٌ.
لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ أَوْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ يَحْرِقَ لِبَاسَ أَحَدِ النَّاسِ، أَوْ يَذْبَحَ شَاةً لِآخَرَ فَأَخَذَ الْمَالَ أَوْ أَلْقَاهُ أَوْ مَزَّقَ اللِّبَاسَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْآمِرِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 151) .

فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِإِنْسَانٍ حَقُّ الِادِّعَاءِ عَلَى آخَرَ بِأَنَّهُ أَمَرَ شَخْصًا بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1007) .
أَمَّا لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ آخَرَ بِإِتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ وَالْمَأْمُورُ لَا يَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ مَالُ الْآمِرِ وَأَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ فَيَحِقُّ لِلْمَأْمُورِ بَعْدَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ الْمُتْلَفَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ بِتَقْرِيرِهِ إيَّاهُ.
كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ مَدِينَهُ بِأَنْ يُلْقِيَ الدَّيْنَ الْمَطْلُوبَ لَهُ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَبِمَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُضَافًا لِمَالٍ يَمْلِكُهُ الْآمِرُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِذَا أَلْقَى الْمَأْمُورُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يُسَاوِي الدَّيْنَ إلَى الْبَحْرِ فَيَكُونُ قَدْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَأَضَاعَ الْمَبْلَغَ الْمُلْقَى عَلَى نَفْسِهِ.
كَذَلِكَ لَوْ أَمَرَ إنْسَانٌ بَنَّاءً بِفَتْحِ بَابٍ فِي حَائِطٍ وَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ عَلِمَ بِأَنَّ الْحَائِطَ لَيْسَتْ لِلْآمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ.
أَمَّا إذَا قَالَ الْآمِرُ: افْتَحْ لِي بَابًا فِي حَائِطِي أَوْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْحَائِطُ وَقَالَ افْتَحْ بَابًا فِي هَذِهِ الْحَائِطِ فَلِلْبَنَّاءِ أَنْ يَرْجِعَ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآمِرِ.
كَذَا لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ وَلَدَهُ بِأَنْ يُتْلِفَ مَالَ إنْسَانٍ وَأَتْلَفَهُ فَالضَّمَانُ يَتَرَتَّبُ بِحَقِّ الْمُتْلِفِ وَلَا يَتَرَتَّبُ بِحَقِّ الْأَبِ الْآمِرِ وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي بُطْلَانِ الْأَمْرِ:
1 - أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ 2 - أَنْ لَا يَكُونَ وِلَايَةً لِلْآمِرِ فَإِذَا أَمَرَ إنْسَانٌ آخَرَ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنْ مَالِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمْرُهُ صَحِيحٌ فَلَوْ نَدِمَ الْآمِرُ عَلَى أَمْرِهِ وَطَلَبَ تَضْمِينَ الْمَأْمُورِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ

(الْمَادَّةُ 94) جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ




(الْمَادَّةُ 94) : (جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ) 
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (إتْلَافُ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) .
أَيْ: إنَّ الْحَيَوَانَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا أَوْ تَسَبَّبَ بِخَسَارَةٍ وَضَرَرٍ لِأَحَدِ النَّاسِ فَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَنْشَأْ ذَلِكَ عَنْ تَعَدٍّ مِنْهُ أَوْ تَقْصِيرٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ رَبَطَ شَخْصَانِ فَرَسَيْهِمَا فِي مَكَانٍ مُعَدٍّ لِذَلِكَ فَأَتْلَفَ فَرَسُ أَحَدِهِمَا فَرَسَ الْآخَرِ فَلَيْسَ مِنْ ضَمَانٍ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ الْمُتْلِفِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 929) .
كَذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى صَاحِبِ الْهِرَّةِ ضَمَانٌ فِيمَا لَوْ أَتْلَفَتْ طَيْرًا لِإِنْسَانٍ وَإِنْ نَطَحَتْ جَامُوسَةُ إنْسَانٍ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا وَإِذَا رَفَسَ حَيَوَانُ إنْسَانٍ حَيَوَانًا لِآخَرَ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ كَذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ الْمُتْلِفِ.
قُلْنَا (مَا لَمْ يَنْشَأْ ذَلِكَ عَنْ تَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِ الْحَيَوَانِ أَوْ تَقْصِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الْحَيَوَانُ شَيْئًا وَكَانَ ذَلِكَ بِتَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ تَقْصِيرٍ يَكُونُ بِمَا أَتْلَفَ الْحَيَوَانُ ضَامِنًا وَإِلَيْكَ الْمِثَالُ.
لَوْ أَطْلَقَ شَخْصٌ حَيَوَانَهُ فِي مَزْرُوعَاتِ آخَرَ يَكُونُ ضَامِنًا بِمَا يُتْلِفُ الْحَيَوَانُ.
وَلَوْ رَأَى إنْسَانٌ حَيَوَانَهُ وَهُوَ فِي مَزْرُوعَاتِ آخَرَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ فَيَكُونُ ضَامِنًا بِكُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْحَيَوَانُ مِنْ الْأَضْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَالِ الْأُولَى وَمُقَصِّرًا فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 929) .
وَلَوْ تَرَكَ إنْسَانٌ حَيَوَانَهُ مُطْلَقًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَهُوَ مَا لَا يُطْلَقُ فِي الشَّوَارِعِ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَتَلْزَمُهُ دِيَةُ الْقَتِيلِ أَوْ قِيمَةُ الْمَالِ الْمُتْلَفِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (929) أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْرِ النَّطُوحِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ يَكُونُ ضَامِنًا بِمَا أَتْلَفَاهُ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهٍ أَوْ قَرْيَتِهِ بِقَوْلِهِ: حَافِظْ عَلَى حَيَوَانِك وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِ.

(الْمَادَّةُ 93) الْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَمُّدِ




(الْمَادَّةُ 93) - (الْمُتَسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَمُّدِ) 
قَدْ أُخِذَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَنْ قَاعِدَةِ (الْمُبَاشِرُ ضَامِنٌ وَالْمُتَسَبِّبُ غَيْرُ ضَامِنٍ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا) الْوَارِدَةِ فِي الْأَشْبَاهِ وَيُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْمُتَسَبِّبِ شَيْئَانِ: (1) : أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا.
(2) : أَنْ يَكُونَ مُعْتَدِيًا.
فَعَلَيْهِ لَوْ ذُعِرَ حَيَوَانُ شَخْصٍ مِنْ آخَرَ وَفَرَّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ الْحَيَوَانُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا كَذَلِكَ لَوْ أَحْرَقَ شَخْصٌ أَعْشَابًا جَافَّةً فِي أَرْضِهِ فَسَرَتْ النَّارُ إلَى شَيْءٍ لِأَحَدٍ مَا فَأَحْرَقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كَانَ إحْرَاقُ الْأَعْشَابِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الرِّيحِ.
كَذَا لَوْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ حَيَوَانٌ وَتَلِفَ فَيَكُونُ ضَامِنًا بِافْتِيَاتِهِ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَتَعَدِّيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ لِحَفْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
أَمَّا لَوْ حَفَرَ إنْسَانٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَمَا شَاءَ فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَهْمَا كَانَ تَعَدِّيًا (اُنْظُرْ 924) .
كَذَلِكَ: لَوْ أَسْقَى مَنْ لَهُ حَقُّ الشَّرَابِ أَرَاضِيه حَسَبَ الْعَادَةِ فَطَفَتْ الْمِيَاهُ عَلَى أَرَاضِيِ جِيرَانِهِ فَأَحْدَثَتْ ضَرَرًا فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ ضَمَانٍ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْإِسْقَاءُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَكُونُ ضَامِنًا.
فَائِدَةٌ - إذَا اجْتَمَعَ مُسَبِّبَانِ كَاجْتِمَاعِ حَالِ الْقَيْدِ وَفَاتِحِ الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ مِثَالٌ: لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ فَرَسَهُ مُقَيَّدًا فِي إصْطَبْلِهِ فَجَاءَ شَخْصَانِ فَحَلَّ أَحَدُهُمَا قَيْدَ الْفَرَسِ وَفَتَحَ الْآخَرُ بَابَ الْإِصْطَبْلِ فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ.