جلسة 23 من مايو سنة 1962
برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة. وبحضور السادة المستشارين: أحمد زكى كامل، وأحمد زكى محمد، ومحمد عبد الحميد السكرى، ومحمد عبد اللطيف مرسى.
---------------
(101)
الطلب رقم 39 لسنة 29 ق "أحوال شخصية"
(أ) أحوال شخصية. طلاق. "رجعة". "عدة".
الطلاق والرجعة مما يستقل بهما الزوج. أما العدة فمن أنواعها وأحوال الخروج منها وانتقالها ما تنفرد به الزوجة وإئتمنها الشرع عليه.
(ب) أحوال شخصية. طلاق. انقضاء العدة. "سن اليأس". "تقديره". إثبات. "اليمين".
"الأياس" عند جمهور فقهاء الحنيفة خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى وقيل الفتوى على خمسين.
فى ظاهر الرواية لا تقدير فيه بل أن تبلغ من السن ما لا تحيض مثلها فيه وذلك يعرف بالإجتهاد والمماثلة. ويؤخذ بقولها إنها بلغت سن اليأس على رواية التقدير أما على رواية عدمه فالمعتبر اجتهاد الرأى. انقطاع دم الحيض أو عدمه مما تنفرد به الزوجة ولا يعرفه أحد سواها. لا يستطيع الزوج أن يطلب فى ذلك يمين الزوجة المتوفاة أو يمين الوارث لها لأن ذلك لا يتعلق بشخصه.
(ج) أحوال شخصية. إرث. "الزوجية". "سماع دعوى الإرث".
تصديق الورثة الزوجة على الزوجية، دفع الميراث لها لا يمنع من سماع دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه لقيام العذر لهم حيث استصحبوا الحال فى الزوجية وخفيت عليهم البينونة فى الطلاق.
(د) أحوال شخصية. عدم سماع الدعوى "التناقض" "طلاق".
التناقض فى موضوع الخفاء عفو مغتفر. الطلاق مما يخفى على الزوجة فالتناقض فى دعوى الطلاق يغتفر. دعواها الطلاق بعد الإقرار بالزوجية مقبولة.
(هـ) إثبات. إقرار قضائى. "كذب الاقرار".
يمنع من صحة الإقرار - ولو كان قضائيا - ثبوت كذب المقر فى أصل إقراره. الإقرار يحتمل الصدق والكذب.
(و) محكمة الموضوع. "ترجيح شهادة شاهد على آخر".
عدم الإطمئنان إلى شهادة شاهد لمظنة المصلحة. ترجيح شاهد آخر عليه لا تثريب على المحكمة إن لم تبين أسباب هذا الترجيح فهو من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه.
(ز) قاض. "أحوال عدم الصلاحية". "إظهار الرأى المانع من سماع الدعوى".
ندب رئيس المحكمة أحد قضاتها لنظر الدعوى بدلا من القاضى المطلوب رده لا يعتبر من قبيل إظهار الرأى المانع من نظر الدعوى وبالتالى لا يفقد به - رئيس المحكمة - الصلاحية لنظرها.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 613 سنة 1956 القاهرة الإبتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليها يطلب الحكم بوفاة المرحومة درية عوض حماد فى 22 يناير سنة 1953. وأنه من ورثتها بصفته زوجا لها ويستحق نصف تركتها وأمر المدعى عليها بعدم التعرض له فى ذلك مع إلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحا لدعواه إنه تزوج بالمتوفاة فى 2 أغسطس سنة 1934 واستمرت الزوجية قائمة بينهما إلى أن توفيت وقد انحصر ميراثها الشرعى فيه وفى بنت اختها الشقيقة المدعى عليها وإذ توفيت المورثة عن تركة تنازعه المدعى عليها وتنكر حقه فيها فقد انتهى إلى طلب الحكم له عليها بطلباته. ودفعت المطعون عليها بعدم قبول الدعوى للتناقض وفى الموضوع فقد أنكرت وراثته للمتوفاة لأنه طلقها بعد الزواج طلاقا بائنا بينونة كبرى لا رجعة فيه ولا توارث وذلك بموجب الإشهاد الشرعى المحرر فى 30 مارس سنة 1944 وعلى فرض انه طلاق رجعى فإنه لم يراجعها إلى أن انقضت عدتها ببلوغها سن اليأس قبل الوفاة هذا فضلا عن أنها توفيت بعد الطلاق بأكثر من سنة ولا يجوز للمدعى إدعاء الإرث فيها عملا بفحوى الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 25 لسنة 1929. ودار الجدل بين الطرفين حول تحديد سبب الدعوى وهل هو ادعاء الإرث فى المتوفاة باعتبارها زوجة للمدعى راجعها بعد الطلاق وماتت وهى فى عصمته أم هو ادعاء الإرث فيها باعتبارها معتدة طلاق لم تراجع وماتت وهى فى العدة وانتهى المدعى أخيرا إلى أنه يستند فى دعواه إلى استمرار الزوجية القائمة وهى لا تنقطع بالطلاق الرجعى وحده وإنما يقطعها خروج المطلقة من العدة وصيرورة الطلاق الرجعى بائنا. وبتاريخ 25 مارس سنة 1957 حكمت المحكمة حضوريا وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود أنه راجع زوجته فى عدة طلاقها الرجعى وللمدعى عليها النفى بذات الطرق - وتنفذ حكم التحقيق وسمعت أقوال الشهود وفى 27 أبريل سنة 1958 حكمت المحكمة حضوريا برفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصاريف وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. واستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد استئنافه برقم 95 سنة 75 قضائية، وكذلك استأنفته النيابة العامة وقيد استئنافها برقم 99 سنة 75 قضائية واستأنفت المطعون عليها حكم التحقيق استئنافا مقابلا طالبة إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد استئنافها برقم 160 سنة 75 قضائية، وضمت المحكمة الإستئنافين الثانى والثالث للاستئناف الأول وأثناء نظرها قررت النيابة العامة النزول عن استئنافها وطلبت ترك المرافعة فيه. وبتاريخ 11 يونيه سنة 1959 حكمت المحكمة حضوريا (أولا) بقبول ترك الخصومة فى استئناف النيابة رقم 99 سنة 75 قضائية (ثانيا) برفض الاستئناف المقابل رقم 160 سنة 75 قضائية مع إلزام رافعته مصروفاته (ثالثا) قبول الاستئناف رقم 95 سنة 75 قضائية شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام رافعه مصروفاته وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليها. وقد طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة فى التقرير وفى المذكرة الشارحة وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى دائرة الأحوال الشخصية حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه جرى فى قضائه على أن الطاعن متناقض وغير جازم بدعواه وأنه خالف المادة 51 من اللائحة الشرعية والمادة 71 من قانون المرافعات بعدم بيان الدعوى وتحديد وقائعها بعد أن واجهته المطعون عليها بإشهاد الطلاق وهو خطأ فى تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه وإن كان من شروط صحة الدعوى أن لا يسبق من المدعى ما يناقضها وأن يكون جازما بدعواه إلا أن الترقى فى الجدل واستقصاء جميع الفروض والأحوال لا يعتبر تناقضا أو عدم جزم بها، والطاعن لم يغير موقفه فى الدعوى وهو من البداية إلى النهاية يدعى أنه وارث لزوجته المتوفاة وذكر صراحة أنه طلقها وأن هذا الطلاق رجعى وأنه راجعها بالقول وبالفعل مستديما عشرتها وبقيت فى عصمته إلى أن توفيت والنزاع بينه وبين المطعون عليها إنما كان بشأن ما الحت فى طلبه من تكليفه بذكر بيانات عن الرجعة بينما هى خارجة عن نطاق الخصومة ولم يأت وقتها وهو لم يدع بها وليس فى شئ مما أبداه فى هذا الصدد ما يناقض دعواه أو يجعله غير جازم بأية واقعة من وقائعها، وما نصت عليه المادة 51 من اللائحة الشرعية والمادة 71 مرافعات يتناول ما يجب أن تشتمل عليه الدعوى من بيانات ولا شأن لواحدة منها بصحتها أو عدم صحتها وقد أوفت صحيفة الدعوى ما نص عليه القانون، يضاف إلى ذلك أن كل ما جاء فى الحكم من وقائع غير صحيح إذ أن الطاعن لم يقل إنه لم يراجع زوجته ولم يقل إنها بقيت فى عدة الطلاق الرجعى حتى توفيت.
وحيث إن هذا السبب مردود بما ورد فى الحكم المطعون فيه من أن الطاعن "طلب الحكم بالوفاة والوارثة مستندا إلى قيام الزوجية وبعد أن واجهته - المطعون عليها - بإشهاد الطلاق صمم على دعواه مخالفا بذلك نص المادة 51 من اللائحة الشرعية التى كانت واجبة التطبيق قبل إلغاء المحاكم الشرعية والمادة 71 من قانون المرافعات بعد الإلغاء وهما توجبان بيان وقائع الدعوى وأدلتها وطلبات المدعى واسانيدها بيانا كافيا وبعد محاورات قال إنه يطلب الميراث لأن هذا الطلاق رجعى وأنه راجعها قبل وفاتها قولا وفعلا ودامت الزوجية حتى توفيت وهى على عصمته وانتهى أخيرا إلى أنه يرثها لانها طلقت رجعيا وبقيت فى عدة الطلاق إلى أن توفيت قبل أن تنقضى عدتها فالمدعى مضطرب فى دعواه الإرث مرة يدعى الزوجية مغفلا الطلاق ومرة يدعى أنه طلقها وراجعها فى العدة ومرة ثالثة يدعى أنه طلقها وماتت فى العدة ومعنى ذلك أنه لم يراجعها بعد الطلاق ولكن وفاتها كانت قبل انقضاء العدة ثم يأتى فى الاستئناف ويصر على أنه كان يعاشر زوجته قبل الطلاق العرفى وبعده وبعد إثباته رسميا كما كان قبل ذلك "وأن الطلاق والرجعة يصدران من الزوج وحده ولا يخفى عليه شئ منهما والإرث وإن كان يتحقق بقيام الزوجية التى لم يلحقها طلاق أو التى لحقها طلاق رجعى وراجعها الزوج بعده وقبل خروجها من العدة أو لم يراجعها ولكنها ماتت وهى فى العدة إلا أن الادعاء بكل حالة من هذه الحالات يتطلب ذكر وقائع فى كل دعوى وأسباب ويرد عليها من الدفوع والإثبات ما يخالف الأخرى وإن كانت الزوجية سببا فى الإرث فى جميع هذه الحالات" وهذا الذى أورده الحكم لا يعدو أن يكون مجرد بيان لوقائع الدعوى ومجريات النزاع فيها وتطوراته ولأوجه دفاع الطاعن ومسالكه وتقلباته وما كان يتعين عليه التزامه بعد أن واجهته المطعون عليها بإشهاد الطلاق وهو بيان تظاهره الأوراق ولا يخالف الثابت فيها ولم يقدم الطاعن ما ينفيه، يضاف إلى ذلك أن الطلاق والرجعة وإن كانا مما يستقل به الزوج إن شاء راجع وإن شاء فارق إلا أن أوضاع العدة تختلف، ومن أنواعها وأحوال الخروج منها وانتقالها ما تنفرد به الزوجة وائتمنها الشرع عليه وهو ما عناه الحكم بقبوله إن "الادعاء بكل حالة من هذه الحالات يتطلب ذكر وقائع فى كل دعوى وأسباب ويرد عليها من الدفوع والإثبات ما يخالف الأخرى" وما قرره الحكم فى هذا الخصوص لا مخالفة فيه للقانون ولا ينطوى على شئ من الخطأ فى تطبيقه أو تأويله، وما يقوله الطاعن من أن كل ما جاء فى الحكم من وقائع غير صحيح هو جدل موضوعى لا جدوى منه ولم يقدم الطاعن ما يؤيده.
وحيث إن حاصل السبب الثانى أنه فى سبتمبر سنة 1941 حرر الطاعن ورقة عرفية أنشأ فيها طلاق زوجته بقوله "إننى طلقت زوجتى طلاقا ثلاثا لا رجعة فيه" وفى مارس سنة 1944 طلب من المأذون - تسجيل هذه الورقة، وما صدر من الطاعن فى سنة 1941 هو طلاق رجعى لأنه صدر بلفظ واحد مقترنا بعدد الثلاث لفظا وما صدر منه فى إشهاد سنة 1944 لم يكن إنشاء لطلاق جديد لما هو مقرر من أن الزوج إذا أنشأ الطلاق بعبارة ثم أتى بعد ذلك بما يتعين أنه إقرار بالأول فإنه لا يكون إنشاء لطلاق جديد وإن تكرر منه هذا الإقرار فى مجلس إنشاء الطلاق أو فى مجالس متعددة، والحكم المطعون فيه إذ اعتبر أن إشهاد سنة 1944 هو إنشاء لطلاق جديد يكون قد انحرف به عن دلالته القاطعة التى لا يحتمل سواها وخالف أحكام الفقه والقانون، كذلك وإذ جرى الحكم على أن هذا الإشهاد يدل على أن الطاعن لم يعاشر زوجته من تاريخ الطلاق الأول وأن ما ورد فى الخطاب المرسل منه إليها سنة 1951 - يدل على أنه لم يراجعها فإنه يكون قد مسخهما بما يقتضى بطلانه ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعن لم يقدم ورقة الطلاق العرفى ولا إشهاد الطلاق الرسمى حتى يتبين وجه المسخ والمخالفة لأحكام الفقه والقانون فيما ذهب إليه الحكم من اعتبار الإشهاد إنشاء لطلاق ثان جديد، وما ورد فى الحكم من تغليب وجه الإنشاء على وجه الإخبار فى الإشهاد إنما كان فى صدد الرد على دفاع الطاعن وما ادعاه من أنه عاشر زوجته فى الفترة بعد الطلاق العرفى وقبل الطلاق الرسمى وهو دفاع لم يسلم به الحكم ورد عليه بقوله "إنه لو سلم للمستأنف بما يدعيه من أنه عاشر زوجته بعد الطلاق العرفى وقبل الطلاق الرسمى لما كانت هناك حاجة إلى إثبات هذا الطلاق الرسمى لأن المعاشرة قطعت الطلاق... ويكون الطلاق الرسمى إنشاء لطلاق آخر لا إخبارا عن طلاق سابق لأن الرجعة جبته" ولو يرتب الحكم على هذا الوصف أية نتيجة حتى تكون هناك جدوى من الطعن فيه، وما انتهى إليه الحكم من أن الطاعن لم يراجع زوجته ولم يعاشرها لا بعد الطلاق العرفى ولا بعد الطلاق الرسمى وإلى تاريخ وفاتها وهو ما استظهره من ظروف الطلاق والإشهاد به ومن عبارة الخطاب وفحواه ومن الخطابات الأخرى إذ يقول أن "إشهاد الطلاق يدل على عدم معاشرته لزوجته من وقت الطلاق العرفى لغاية صدور الإشهاد الرسمى كما يدل على أنه لم يعاشرها من تاريخ الطلاق الرسمى لغاية 15/ 12/ 1951 وهو تاريخ الخطاب الذى أرسله إلى المتوفاة يخبرها فيه أنه ".... يرسل إليها ورقتين عثر عليهما وأن فيهما آيات قرآنية كريمة ضدها وهذه الآيات موجهة إلى أشخاص كانت تربطنى وإياهم علاقات وكنت أعزهم وأجلهم فى وقت من الأوقات..." وفى ذلك اعتراف بعدم الرجعة والمعاشرة الزوجية أو حتى قيام العلاقات لغاية تاريخ إرسال هذا الخطاب وهذا يكذب المستأنف من أنه عاشرها بعد الطلاق العرفى والرسمى لحين وفاتها والخطابات المرسلة منه لها قبل ذلك كان يعنونها بحضرة الناظرة أو بإسمها مجردا عما يدل على الزوجية وهذا السبب وحده كاف لرفض الاستئناف". ما انتهى إليه الحكم من ذلك هو من قبيل فهم الواقع فى أوراق الدعوى وتقدير أدلتها لم يبين الطاعن وجه المسخ والإنحراف فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن المورثة مقضى عليها بقيام الزوجية فى الاستئناف رقم 103 سنة 63 استئناف القاهرة وسبق منها ما يناقض دعوى المطعون عليها انقطاع سبب الإرث بالطلاق وقد أقرت المطعون عليها مرارا وتكرارا بما يناقضها، ففى هذا الاستئناف دفعت المورثة ببطلان الإجراءات لأنها أعلنت بصحيفة الدعوى فى محل إقامة زوجها ولم تكن مقيمة معه وبجلسة 20/ 10/ 1946 سألت المحكمة وكيلها محمد أسعد "هل كانت المستأنفة مطلقة وقت حصول الإعلان" وأجاب بأنها "لم تكن مطلقة ولكنها كانت تعيش وحدها" وبناء على هذا الإقرار قضت المحكمة برفض الدفع وقالت فى حكمها الصادر بتاريخ 20/ 10/ 1946 إن محل إقامة الزوجية يعتبر فى منزل زوجها ما دامت علاقة الزوجية قائمة بينهما وقد كانت هذه العلاقة بين المستأنفة والمستأنف عليه فى تاريخ إعلانها معه بصحيفة الدعوى الابتدائية فيكون الإعلان صحيحا، فهذا الحكم اشتمل على إقرار من المورثة بقيام الزوجية بينها وبين الطاعن بعد الإشهاد وهو حكم نهائى فصل فى نزاع دار بشأن الطلاق وقيام الزوجية وقضى بقيامها وهو حجة فيما جاء به على المورثة وعلى من تلقى الإرث عنها طبقا للأحكام الفقهية المقررة وقد أقرت المطعون عليها بقيام الزوجية إقرارات رسمية وغير رسمية يجب أن تعامل بها عملا بالأحكام الفقهية واجبة التطبيق - دون أحكام القانون المدنى - ومقتضاها أن المدعى إذا سبق منه ما يناقض دعواه لا تكون مقبولة، والحكم المطعون فيه لم يبال بشئ من ذلك ولم يعول على كلام وكيل المورثة بحجة أنه يخالف الإشهاد ويخالف كلام محاميها وتناول المادة 87 مرافعات وحملها ما لا تطيق ورتب على هذا التأويل إهدار الإقرارات القضائية التى تصدر من الوكلاء فى غيبة الموكلين مخالف بهذا وذاك أحكام الفقه والقانون، يضاف إلى ذلك أنه مسخ مخالصة أكتوبر سنة 1944 وقال إنها تدل على عدم الزوجية إذ لم يذكر فيها أنها زوجة كما مسخ كل المحررات التى تشهد للطاعن بحجة أنه لم يرد بها عنوان الزوجية.
وحيث إن هذا السبب مردود فى الشق الأول منه بأن الحكم بصحة الإجراءات فى الاستئناف رقم 103 سنة 63 ق لا يعتبر قضاء قصديا أو ضمنيا فى موضوع الطلاق أو الرجعة، ومن جهة أخرى فإن الحكم المطعون فيه لم يعول على اقرار وكيل المتوفاة فى محضر الجلسة للاعتبارات التى أوردها ومنها أن توكيله "لم يكن إلا فى خصومة أخرى لا تعلق لها بإثبات الطلاق أو الرجعة وقد ذكرت المتوفاة فى عريضة الاستئناف رقم 103 ما يفيد الطلاق وذكر وكيلها الأستاذ (......) بجلسة 2 مارس سنة 1946 أن المتوفاة كانت زوجة للمدعى وطلقت منه كما ورد مثل ذلك فى مذكراته بعد هذا التاريخ وفضلا عن ذلك فإن ما قرره محمد أسعد خطأ يكذبه إشهاد الطلاق الرسمى وكل إقرار تكذبه الأوراق الرسمية أو يكذبه الظاهر يكون غير مقبول" وأن "الطلاق يخفى على الزوجة فتقبل منها دعوى الطلاق بعد الإقرار بالزوجية" وهذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه لأحكام الفقه والقانون إذ يمنع من صحة الإقرار ثبوت أن المقر كاذب فى أصل إقراره وإذ أن التناقض فى موضع الخفاء عفو والطلاق مما يخفى على الزوجة، ومردود فى الشق الثانى بما هو مقرر من أن "تصديق الورثة الزوجة على الزوجية ودفع الميراث لها لا يمنع من سماع دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه لقيام العذر لهم حيث استصحبوا الحال فى الزوجية وخفيت عليهم البينونة" ومردود فى الشق الثالث بأن الطاعن لم يبين وجه المسخ فى مخالصة أكتوبر سنة 1944 أو فى غيرها من الأوراق التى يقول إنها تشهد له.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الطاعن تقدم بشهود لا يرقى إليهم الشك ولهم مكانتهم الاجتماعية ولم يطعن على شهادتهم ومع ذلك فقد ردت محكمة أول درجة شهادتهم لمجرد الأخوة والمصاهرة وأيدتها محكمة الاستئناف وزادت أن زوج بنت الطاعن وابن زوجته وأخاه وإن صحت شهادتهم شرعا إلا أنها مظنة الكذب لأنها قد تجر إلى نفع فى بعض حالات الميراث ومؤدى ذلك أنها لم تأخذ بها لمجرد الاحتمال البعيد وهو خلط بين ما هو حق القاضى فى تقدير الشهادة واطمئنانه إليها وما هو مخالفة للأحكام الفقهية المقررة ومقتضاها أن الشهادة لا ترد بسبب الاخوة أو المصاهرة ورد الشهادة لهذا السبب وحده مخالفة للقانون.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أن "زوج بنت المدعى وابن زوجته وأخاه وإن صحت شهادتهم شرعا إلا أنها مظنة الكذب لأنها قد تجر إلى نفع لزوج البنت وابن الزوجة وللأخ فى بعض حالات الإرث" ومفاد ذلك أنه لم يطمئن إلى شهادتهم لما رآه فيها من مظنة المصلحة ومن الأصول المقررة أنه إذا تضمنت الشهادة معنى النفع أو الدفع صار الشاهد متهما ولا شهادة للمتهم وجرى قضاء هذه المحكمة على أن الاطمئنان إلى صدق الشاهد مرده وجدان القاضى وشعوره فلا يلزم بإبداء الأسباب التى تبرره.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن المطعون عليها تقدمت بشهود قام الدليل القاطع على أنهم كاذبون فيما شهدوا به وعلى مجازفتهم فى شهادتهم وعلى استحكام الخصومة بينهم وبين الطاعن وكل هؤلاء لا تقبل شهادتهم شرعا لما هو مقرر من أن الشهادة ترد إذا كان الشاهد مجازفا فى شهادته أو قام الدليل على كذبه أو كذبه المشهود له أو كانت بينه وبين المشهود عليه عداوة أو خصومة فى أمر دنيوى وهذه الأحكام الفقهية لا يسع القاضى أن يتحلل منها، وإذ عولت محكمة أول درجة على شهادة هؤلاء الشهود بحجة أنها تطمئن إليهم وصلتهم تسمح بالتردد على المورثة وسايرها الحكم المطعون فيه فإنه يكون قد خالف القانون وخلط بين ما هو حق القاضى وما هو مخالفة صريحة للأحكام الفقهية واجبة التطبيق.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أن الشهادة تجرى مجرى التمليكات لما فيها من معنى أن "القاضى يملك الحكم بالشهادة كأن الشاهد ملكه الحكم" وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أنه "ليست كل خصومة على فرض وقوعها سببا لرد الشهادة" وكان الطعن على الشهود مجردا والمعنى فى ذلك أنه لم ير فيما جرح به الطاعن شهود المطعون عليها ما يكفى لرد شهادتهم، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن ترجيح شهادة شاهد على شهادة آخر هو من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه ولا عليه أن يبين أسباب هذا الترجيح.
وحيث إن حاصل السبب السادس أنه على فرض أن الرجعة لم تثبت فإنه لا يقطع سبب الارث إلا أن يصير الطلاق الرجعى بائنا بانقضاء العدة وهى إما بالحيض أو بالأشهر وإن كانت بالأشهر فلابد أن يثبت أن مطلقته لم تحض أصلا أو أنها بلغت سن اليأس وانقطع الدم عنها لمدة ستة أشهر ولم يعد اليها بعد انقطاعه، ومع تمسك الطاعن بهذا الدفاع وبأنه لا ينفع المطعون عليها ما قرره زوجها فى محضر الحانوتى ودون فى محضر الوفاة وفى المستخرج الرسمى وفى حكم الحراسة من أن سن مطلقته كانت حين الوفاة سبعين سنة، فان الحكم المطعون فيه لم يحفل بشئ منه - وقال إنها بلغت سن اليأس بدليل محضر الحانوتى والمستخرج الرسمى وحكم الحراسة بينما الكل شئ واحد وأغفل بقية الشروط التى يجب توافرها لإنقضاء العدة ولم يقم عليها أى دليل.
وحيث إن هذا السبب مردود فى الشق الأول منه بما ورد فى الحكم المطعون فيه من أن الطاعن "لم يطعن على الأوراق بالتزوير ولم يقدم ما يخالفها" ومردود فى الشق الثانى بأن فقهاء الحنفية اختلفوا من الاياس "وهو عند الجمهور خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى وقيل الفتوى على خمسين وفى ظاهر الرواية لا تقدير فيه بل ان تبلغ من السن ما لا يحيض مثلها فيه وذلك يعرف بالإجتهاد والمماثلة فى تركيب البدن والسمن والهزال" ونبهوا هل يؤخذ بقولها إنها بلغت سن اليأس كما يقبل قولها بالبلوغ بعد الصغر أم لابد من "بينة وينبغى الأول على رواية التقدير أما على رواية عدمه فالمعتبر اجتهاد الرأى" ومن ثم - وعلى ما عليه الفتوى - فان النعى على الحكم بأنه أغفل شروط العدة لا جدوى فيه، إذ هى مما تنفرد به الزوجة ولا يعرفه أحد سوها ومما لا يقع تحت حس الطاعن أو شهوده وهو لا يستطيع أن يطلب يمين المتوفاة كما لا يستطيع أن يطلب يمين المطعون عليها لأن انقطاع الدم أو عدم انقطاعه لم يكن قائما بها.
وحيث إن حاصل السبب السابع أن الحكم الإبتدائى إذ "قال" إن دعوى الطاعن غير مسموعة استنادا إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 من أنه "لا تسمع عند الإنكار دعوى الارث بسبب الزوجية لمطلقة توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق" وسايره الحكم المطعون فيه يكون قد خالف احكام الفقه وأحكام القانون إذ أن ما نصت عليه هذه الفقرة خاص بدعوى المطلقة التى توفى عنها زوجها ولا شأن له بدعوى من توفيت زوجته المطلقة وإنما الشأن فيها وفى سماعها أو عدم سماعها لأرجح الأقوال من مذهب ابى حنيفة وهى تقضى بسماع هذه الدعوى مهما طالت المدة.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أنه لا الحكم الإبتدائى ولا الحكم المطعون فيه أنزل حكم الفقرة الثانية من المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 على واقعة الدعوى وإلا لقضى بعد سماع الدعوى لا برفضها إذ أن نظر الدعوى فرع عن كونها مسموعة، وما أورده الحكم الإبتدائى فى هذا الخصوص إنما كان مجرد "قول" استطرد اليه ولم يرتب عليه أثره القانونى وإنما استظهر من سياقه ومن القرائن والدلالات الأخرى أن دعوى الطاعن وفاة مطلقته وهى فى عدة الطلاق الرجعى غير صحيحة ويكذبها الظاهر، ولم يرد فى الحكم المطعون فيه ما يفيد أنه أسند قضاءه لشئ من ذلك.
وحيث إن حاصل السبب الثامن أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والتخاذل إذ اغفل الكثير من دفاع الطاعن الجوهرى واشتملت أسبابه على وقائع غير صحيحة منها ما نسبه إلى الطاعن من أنه يقول إنه أثبت الطلاق بناء على فتوى من الأزهر ولم يقدمها الأمر الذى لم يصدر منه ولم يقله.
وحيث إن هذا السبب غير مقبول لأن الطاعن لم يبين وجه قصور الحكم وتخاذله وما هى أوجه الدفاع الجوهرية التى أغفلها ولم يقدم ما يدل على أن أسباب الحكم اشتملت على وقائع غير صحيحة.
وحيث إن حاصل السبب التاسع أن أحد المستشارين الذين أصدروا الحكم المطعون فيه سبق له أن نظر الدعوى عندما كان رئيسا لمحكمة القاهرة الإبتدائية الشرعية وأصدر فيها قرارا بندب من يحل محل رئيس الدائرة التى كانت تنظرها وطلب رده، وبذلك أصبح غير صالح لنظرها ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم طبقا للمادتين 313 و314 مرافعات.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعن لم يقدم الدليل على صحة الواقعة التى يبنى عليها عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى، وعلى فرض تقديمه فإن ندب رئيس المحكمة أحد قضاتها لنظر الدعوى بدلا من القاضى المطلوب رده لا يعتبر من قبيل إظهار الرأى المانع من نظر الدعوى وبالتالى لا يفقد به القاضى صلاحيته لنظرها.
وحيث إن حاصل السبب العاشر أن الحكم الابتدائى صدر باطلا لخلوه من الإفصاح عن اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه فى القضية وهو بطلان من النظام العام لا يمكن تداركه ولا حيلة لمحكمة الاستئناف فيه وللطاعن أن يتمسك به فى أى مرحلة من مراحلها وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييده فإنه يكون باطلا كذلك.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه وإن كان الحكم الابتدائى قد خلا من بيان اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه فى القضية وهو بيان جوهرى من النظام العام ولازم لصحة الحكم ويترتب على إغفاله البطلان وكان يتعين على محكمة الاستئناف تبعا لذلك أن تبطله، إلا أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه متى كانت محكمة الاستئناف لم تعرض لهذا البطلان ولم تنبه إليه ومضت فى نظر الموضوع وانتهت إلى تأييد الحكم المستأنف بأسباب مستقلة، فإن النعى على حكمها بالبطلان يكون فى غير محله إذ هو لا يحقق سوى مصلحة نظرية مجردة لا يعتد بها بعد أن حققت بحكمها على هذه الصورة غرض الشارع - وإذ كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه فى الدعوى على أسباب جديدة ومستقلة عن أسباب الحكم الابتدائى، فإن النعى عليه بالبطلان يكون على غير أساس.