الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 يناير 2024

الطعن 39 لسنة 29 ق جلسة 23 / 5 / 1962 مكتب فني 13 ج 2 أحوال شخصية ق 101 ص 662

جلسة 23 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة. وبحضور السادة المستشارين: أحمد زكى كامل، وأحمد زكى محمد، ومحمد عبد الحميد السكرى، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

---------------

(101)
الطلب رقم 39 لسنة 29 ق "أحوال شخصية"

(أ) أحوال شخصية. طلاق. "رجعة". "عدة".
الطلاق والرجعة مما يستقل بهما الزوج. أما العدة فمن أنواعها وأحوال الخروج منها وانتقالها ما تنفرد به الزوجة وإئتمنها الشرع عليه.
(ب) أحوال شخصية. طلاق. انقضاء العدة. "سن اليأس". "تقديره". إثبات. "اليمين".
"الأياس" عند جمهور فقهاء الحنيفة خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى وقيل الفتوى على خمسين.
فى ظاهر الرواية لا تقدير فيه بل أن تبلغ من السن ما لا تحيض مثلها فيه وذلك يعرف بالإجتهاد والمماثلة. ويؤخذ بقولها إنها بلغت سن اليأس على رواية التقدير أما على رواية عدمه فالمعتبر اجتهاد الرأى. انقطاع دم الحيض أو عدمه مما تنفرد به الزوجة ولا يعرفه أحد سواها. لا يستطيع الزوج أن يطلب فى ذلك يمين الزوجة المتوفاة أو يمين الوارث لها لأن ذلك لا يتعلق بشخصه.
(ج) أحوال شخصية. إرث. "الزوجية". "سماع دعوى الإرث".
تصديق الورثة الزوجة على الزوجية، دفع الميراث لها لا يمنع من سماع دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه لقيام العذر لهم حيث استصحبوا الحال فى الزوجية وخفيت عليهم البينونة فى الطلاق.
(د) أحوال شخصية. عدم سماع الدعوى "التناقض" "طلاق".
التناقض فى موضوع الخفاء عفو مغتفر. الطلاق مما يخفى على الزوجة فالتناقض فى دعوى الطلاق يغتفر. دعواها الطلاق بعد الإقرار بالزوجية مقبولة.
(هـ) إثبات. إقرار قضائى. "كذب الاقرار".
يمنع من صحة الإقرار - ولو كان قضائيا - ثبوت كذب المقر فى أصل إقراره. الإقرار يحتمل الصدق والكذب.
(و) محكمة الموضوع. "ترجيح شهادة شاهد على آخر".
عدم الإطمئنان إلى شهادة شاهد لمظنة المصلحة. ترجيح شاهد آخر عليه لا تثريب على المحكمة إن لم تبين أسباب هذا الترجيح فهو من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه.
(ز) قاض. "أحوال عدم الصلاحية". "إظهار الرأى المانع من سماع الدعوى".
ندب رئيس المحكمة أحد قضاتها لنظر الدعوى بدلا من القاضى المطلوب رده لا يعتبر من قبيل إظهار الرأى المانع من نظر الدعوى وبالتالى لا يفقد به - رئيس المحكمة - الصلاحية لنظرها.

---------------
1 - الطلاق والرجعة مما يستقل به الزوج إن شاء راجع وإن شاء فارق، أما العدة فمن أنواعها وأحوال الخروج منها وانتقالها ما تنفرد به الزوجة وائتمنها الشرع عليه.
2 - اختلف فقهاء الحنفية فى "الإياس" فهو "عند الجمهور خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى - قبل الفتوى على خمسين - وفى ظاهر الرواية لا تقدير فيه بل أن تبلغ من السن ما لا تحيض مثلها فيه وذلك يعرف بالاجتهاد والمماثلة فى تركيب البدن والسمن والهزال. ونبهوا هل يؤخذ بقولها أنها بلغت سن اليأس كما يقبل قولها بالبلوغ بعد الصغر أم لابد من بينة وينبغى الأول على رواية التقدير. أما رواية عدمه فالمعتبر اجتهاد الرأى". ومن ثم فإن النعى على الحكم المطعون فيه بأنه أغفل شروط العدة إذ هى مما تنفرد به الزوجة ولا يعرفه أحد سواها، ومما لا يقع تحت حسن الزوج (الطاعن) أو شهوده وهو لا يستطيع أن يطلب يمين الزوجة - المتوفاة أو يمين المطعون عليها (الوارثة لها) لأن انقطاع الدم أو عدم انقطاعه لم يكن قائما بها.
3 - تصديق الورثة، الزوجة على الزوجية ودفع الميراث لها لا يمنع من سماع دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه لقيام العذر لهم حيث استصحبوا الحال فى الزوجية وخفيت عليهم البينونة فى الطلاق.
4 - التناقض فى موضع الخفاء عفو. وإذ كان الطلاق مما يخفى على الزوجة فإن دعواها به تكون مقبولة رغم الإقرار بالزوجية.
5 - يمنع من صحة الإقرار - ولو كان قضائيا - ثبوت أن المقر كاذب فى أصل إقراره.
6 - تجرى الشهادة مجرى التمليكات لما فيها من معنى أن "القاضى يملك الحكم بالشهادة كأن الشاهد قد ملكه الحكم". وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن ترجيح شهادة شاهد على شهادة آخر هو من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه بغير ما يطمئن إليه وجدانه ولا تثريب عليه إن لم يبين أسباب هذا الترجيح.
7 - من الأصول المقررة أنه إذا تضمنت الشهادة معنى النفع أو الدفع صار الشاهد متهما ولا شهادة للمتهم. وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن الاطمئنان إلى صدق الشاهد مرده وجدان القاضى وشعوره فلا يلزم بإبداء الأسباب التى تبرره.
8 - ندب "رئيس المحكمة" أحد قضاتها لنظر الدعوى بدلا من القاضى المطلوب رده لا يعتبر من قبيل إظهار الرأى المانع من نظر الدعوى وبالتالى لا يفقد به "رئيس المحكمة" الصلاحية لنظرها.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 613 سنة 1956 القاهرة الإبتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليها يطلب الحكم بوفاة المرحومة درية عوض حماد فى 22 يناير سنة 1953. وأنه من ورثتها بصفته زوجا لها ويستحق نصف تركتها وأمر المدعى عليها بعدم التعرض له فى ذلك مع إلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقال شرحا لدعواه إنه تزوج بالمتوفاة فى 2 أغسطس سنة 1934 واستمرت الزوجية قائمة بينهما إلى أن توفيت وقد انحصر ميراثها الشرعى فيه وفى بنت اختها الشقيقة المدعى عليها وإذ توفيت المورثة عن تركة تنازعه المدعى عليها وتنكر حقه فيها فقد انتهى إلى طلب الحكم له عليها بطلباته. ودفعت المطعون عليها بعدم قبول الدعوى للتناقض وفى الموضوع فقد أنكرت وراثته للمتوفاة لأنه طلقها بعد الزواج طلاقا بائنا بينونة كبرى لا رجعة فيه ولا توارث وذلك بموجب الإشهاد الشرعى المحرر فى 30 مارس سنة 1944 وعلى فرض انه طلاق رجعى فإنه لم يراجعها إلى أن انقضت عدتها ببلوغها سن اليأس قبل الوفاة هذا فضلا عن أنها توفيت بعد الطلاق بأكثر من سنة ولا يجوز للمدعى إدعاء الإرث فيها عملا بفحوى الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 25 لسنة 1929. ودار الجدل بين الطرفين حول تحديد سبب الدعوى وهل هو ادعاء الإرث فى المتوفاة باعتبارها زوجة للمدعى راجعها بعد الطلاق وماتت وهى فى عصمته أم هو ادعاء الإرث فيها باعتبارها معتدة طلاق لم تراجع وماتت وهى فى العدة وانتهى المدعى أخيرا إلى أنه يستند فى دعواه إلى استمرار الزوجية القائمة وهى لا تنقطع بالطلاق الرجعى وحده وإنما يقطعها خروج المطلقة من العدة وصيرورة الطلاق الرجعى بائنا. وبتاريخ 25 مارس سنة 1957 حكمت المحكمة حضوريا وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود أنه راجع زوجته فى عدة طلاقها الرجعى وللمدعى عليها النفى بذات الطرق - وتنفذ حكم التحقيق وسمعت أقوال الشهود وفى 27 أبريل سنة 1958 حكمت المحكمة حضوريا برفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصاريف وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. واستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد استئنافه برقم 95 سنة 75 قضائية، وكذلك استأنفته النيابة العامة وقيد استئنافها برقم 99 سنة 75 قضائية واستأنفت المطعون عليها حكم التحقيق استئنافا مقابلا طالبة إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد استئنافها برقم 160 سنة 75 قضائية، وضمت المحكمة الإستئنافين الثانى والثالث للاستئناف الأول وأثناء نظرها قررت النيابة العامة النزول عن استئنافها وطلبت ترك المرافعة فيه. وبتاريخ 11 يونيه سنة 1959 حكمت المحكمة حضوريا (أولا) بقبول ترك الخصومة فى استئناف النيابة رقم 99 سنة 75 قضائية (ثانيا) برفض الاستئناف المقابل رقم 160 سنة 75 قضائية مع إلزام رافعته مصروفاته (ثالثا) قبول الاستئناف رقم 95 سنة 75 قضائية شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام رافعه مصروفاته وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليها. وقد طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة فى التقرير وفى المذكرة الشارحة وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى دائرة الأحوال الشخصية حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلبت المطعون عليها رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه جرى فى قضائه على أن الطاعن متناقض وغير جازم بدعواه وأنه خالف المادة 51 من اللائحة الشرعية والمادة 71 من قانون المرافعات بعدم بيان الدعوى وتحديد وقائعها بعد أن واجهته المطعون عليها بإشهاد الطلاق وهو خطأ فى تطبيق القانون وتأويله ذلك أنه وإن كان من شروط صحة الدعوى أن لا يسبق من المدعى ما يناقضها وأن يكون جازما بدعواه إلا أن الترقى فى الجدل واستقصاء جميع الفروض والأحوال لا يعتبر تناقضا أو عدم جزم بها، والطاعن لم يغير موقفه فى الدعوى وهو من البداية إلى النهاية يدعى أنه وارث لزوجته المتوفاة وذكر صراحة أنه طلقها وأن هذا الطلاق رجعى وأنه راجعها بالقول وبالفعل مستديما عشرتها وبقيت فى عصمته إلى أن توفيت والنزاع بينه وبين المطعون عليها إنما كان بشأن ما الحت فى طلبه من تكليفه بذكر بيانات عن الرجعة بينما هى خارجة عن نطاق الخصومة ولم يأت وقتها وهو لم يدع بها وليس فى شئ مما أبداه فى هذا الصدد ما يناقض دعواه أو يجعله غير جازم بأية واقعة من وقائعها، وما نصت عليه المادة 51 من اللائحة الشرعية والمادة 71 مرافعات يتناول ما يجب أن تشتمل عليه الدعوى من بيانات ولا شأن لواحدة منها بصحتها أو عدم صحتها وقد أوفت صحيفة الدعوى ما نص عليه القانون، يضاف إلى ذلك أن كل ما جاء فى الحكم من وقائع غير صحيح إذ أن الطاعن لم يقل إنه لم يراجع زوجته ولم يقل إنها بقيت فى عدة الطلاق الرجعى حتى توفيت.
وحيث إن هذا السبب مردود بما ورد فى الحكم المطعون فيه من أن الطاعن "طلب الحكم بالوفاة والوارثة مستندا إلى قيام الزوجية وبعد أن واجهته - المطعون عليها - بإشهاد الطلاق صمم على دعواه مخالفا بذلك نص المادة 51 من اللائحة الشرعية التى كانت واجبة التطبيق قبل إلغاء المحاكم الشرعية والمادة 71 من قانون المرافعات بعد الإلغاء وهما توجبان بيان وقائع الدعوى وأدلتها وطلبات المدعى واسانيدها بيانا كافيا وبعد محاورات قال إنه يطلب الميراث لأن هذا الطلاق رجعى وأنه راجعها قبل وفاتها قولا وفعلا ودامت الزوجية حتى توفيت وهى على عصمته وانتهى أخيرا إلى أنه يرثها لانها طلقت رجعيا وبقيت فى عدة الطلاق إلى أن توفيت قبل أن تنقضى عدتها فالمدعى مضطرب فى دعواه الإرث مرة يدعى الزوجية مغفلا الطلاق ومرة يدعى أنه طلقها وراجعها فى العدة ومرة ثالثة يدعى أنه طلقها وماتت فى العدة ومعنى ذلك أنه لم يراجعها بعد الطلاق ولكن وفاتها كانت قبل انقضاء العدة ثم يأتى فى الاستئناف ويصر على أنه كان يعاشر زوجته قبل الطلاق العرفى وبعده وبعد إثباته رسميا كما كان قبل ذلك "وأن الطلاق والرجعة يصدران من الزوج وحده ولا يخفى عليه شئ منهما والإرث وإن كان يتحقق بقيام الزوجية التى لم يلحقها طلاق أو التى لحقها طلاق رجعى وراجعها الزوج بعده وقبل خروجها من العدة أو لم يراجعها ولكنها ماتت وهى فى العدة إلا أن الادعاء بكل حالة من هذه الحالات يتطلب ذكر وقائع فى كل دعوى وأسباب ويرد عليها من الدفوع والإثبات ما يخالف الأخرى وإن كانت الزوجية سببا فى الإرث فى جميع هذه الحالات" وهذا الذى أورده الحكم لا يعدو أن يكون مجرد بيان لوقائع الدعوى ومجريات النزاع فيها وتطوراته ولأوجه دفاع الطاعن ومسالكه وتقلباته وما كان يتعين عليه التزامه بعد أن واجهته المطعون عليها بإشهاد الطلاق وهو بيان تظاهره الأوراق ولا يخالف الثابت فيها ولم يقدم الطاعن ما ينفيه، يضاف إلى ذلك أن الطلاق والرجعة وإن كانا مما يستقل به الزوج إن شاء راجع وإن شاء فارق إلا أن أوضاع العدة تختلف، ومن أنواعها وأحوال الخروج منها وانتقالها ما تنفرد به الزوجة وائتمنها الشرع عليه وهو ما عناه الحكم بقبوله إن "الادعاء بكل حالة من هذه الحالات يتطلب ذكر وقائع فى كل دعوى وأسباب ويرد عليها من الدفوع والإثبات ما يخالف الأخرى" وما قرره الحكم فى هذا الخصوص لا مخالفة فيه للقانون ولا ينطوى على شئ من الخطأ فى تطبيقه أو تأويله، وما يقوله الطاعن من أن كل ما جاء فى الحكم من وقائع غير صحيح هو جدل موضوعى لا جدوى منه ولم يقدم الطاعن ما يؤيده.
وحيث إن حاصل السبب الثانى أنه فى سبتمبر سنة 1941 حرر الطاعن ورقة عرفية أنشأ فيها طلاق زوجته بقوله "إننى طلقت زوجتى طلاقا ثلاثا لا رجعة فيه" وفى مارس سنة 1944 طلب من المأذون - تسجيل هذه الورقة، وما صدر من الطاعن فى سنة 1941 هو طلاق رجعى لأنه صدر بلفظ واحد مقترنا بعدد الثلاث لفظا وما صدر منه فى إشهاد سنة 1944 لم يكن إنشاء لطلاق جديد لما هو مقرر من أن الزوج إذا أنشأ الطلاق بعبارة ثم أتى بعد ذلك بما يتعين أنه إقرار بالأول فإنه لا يكون إنشاء لطلاق جديد وإن تكرر منه هذا الإقرار فى مجلس إنشاء الطلاق أو فى مجالس متعددة، والحكم المطعون فيه إذ اعتبر أن إشهاد سنة 1944 هو إنشاء لطلاق جديد يكون قد انحرف به عن دلالته القاطعة التى لا يحتمل سواها وخالف أحكام الفقه والقانون، كذلك وإذ جرى الحكم على أن هذا الإشهاد يدل على أن الطاعن لم يعاشر زوجته من تاريخ الطلاق الأول وأن ما ورد فى الخطاب المرسل منه إليها سنة 1951 - يدل على أنه لم يراجعها فإنه يكون قد مسخهما بما يقتضى بطلانه ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعن لم يقدم ورقة الطلاق العرفى ولا إشهاد الطلاق الرسمى حتى يتبين وجه المسخ والمخالفة لأحكام الفقه والقانون فيما ذهب إليه الحكم من اعتبار الإشهاد إنشاء لطلاق ثان جديد، وما ورد فى الحكم من تغليب وجه الإنشاء على وجه الإخبار فى الإشهاد إنما كان فى صدد الرد على دفاع الطاعن وما ادعاه من أنه عاشر زوجته فى الفترة بعد الطلاق العرفى وقبل الطلاق الرسمى وهو دفاع لم يسلم به الحكم ورد عليه بقوله "إنه لو سلم للمستأنف بما يدعيه من أنه عاشر زوجته بعد الطلاق العرفى وقبل الطلاق الرسمى لما كانت هناك حاجة إلى إثبات هذا الطلاق الرسمى لأن المعاشرة قطعت الطلاق... ويكون الطلاق الرسمى إنشاء لطلاق آخر لا إخبارا عن طلاق سابق لأن الرجعة جبته" ولو يرتب الحكم على هذا الوصف أية نتيجة حتى تكون هناك جدوى من الطعن فيه، وما انتهى إليه الحكم من أن الطاعن لم يراجع زوجته ولم يعاشرها لا بعد الطلاق العرفى ولا بعد الطلاق الرسمى وإلى تاريخ وفاتها وهو ما استظهره من ظروف الطلاق والإشهاد به ومن عبارة الخطاب وفحواه ومن الخطابات الأخرى إذ يقول أن "إشهاد الطلاق يدل على عدم معاشرته لزوجته من وقت الطلاق العرفى لغاية صدور الإشهاد الرسمى كما يدل على أنه لم يعاشرها من تاريخ الطلاق الرسمى لغاية 15/ 12/ 1951 وهو تاريخ الخطاب الذى أرسله إلى المتوفاة يخبرها فيه أنه ".... يرسل إليها ورقتين عثر عليهما وأن فيهما آيات قرآنية كريمة ضدها وهذه الآيات موجهة إلى أشخاص كانت تربطنى وإياهم علاقات وكنت أعزهم وأجلهم فى وقت من الأوقات..." وفى ذلك اعتراف بعدم الرجعة والمعاشرة الزوجية أو حتى قيام العلاقات لغاية تاريخ إرسال هذا الخطاب وهذا يكذب المستأنف من أنه عاشرها بعد الطلاق العرفى والرسمى لحين وفاتها والخطابات المرسلة منه لها قبل ذلك كان يعنونها بحضرة الناظرة أو بإسمها مجردا عما يدل على الزوجية وهذا السبب وحده كاف لرفض الاستئناف". ما انتهى إليه الحكم من ذلك هو من قبيل فهم الواقع فى أوراق الدعوى وتقدير أدلتها لم يبين الطاعن وجه المسخ والإنحراف فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن المورثة مقضى عليها بقيام الزوجية فى الاستئناف رقم 103 سنة 63 استئناف القاهرة وسبق منها ما يناقض دعوى المطعون عليها انقطاع سبب الإرث بالطلاق وقد أقرت المطعون عليها مرارا وتكرارا بما يناقضها، ففى هذا الاستئناف دفعت المورثة ببطلان الإجراءات لأنها أعلنت بصحيفة الدعوى فى محل إقامة زوجها ولم تكن مقيمة معه وبجلسة 20/ 10/ 1946 سألت المحكمة وكيلها محمد أسعد "هل كانت المستأنفة مطلقة وقت حصول الإعلان" وأجاب بأنها "لم تكن مطلقة ولكنها كانت تعيش وحدها" وبناء على هذا الإقرار قضت المحكمة برفض الدفع وقالت فى حكمها الصادر بتاريخ 20/ 10/ 1946 إن محل إقامة الزوجية يعتبر فى منزل زوجها ما دامت علاقة الزوجية قائمة بينهما وقد كانت هذه العلاقة بين المستأنفة والمستأنف عليه فى تاريخ إعلانها معه بصحيفة الدعوى الابتدائية فيكون الإعلان صحيحا، فهذا الحكم اشتمل على إقرار من المورثة بقيام الزوجية بينها وبين الطاعن بعد الإشهاد وهو حكم نهائى فصل فى نزاع دار بشأن الطلاق وقيام الزوجية وقضى بقيامها وهو حجة فيما جاء به على المورثة وعلى من تلقى الإرث عنها طبقا للأحكام الفقهية المقررة وقد أقرت المطعون عليها بقيام الزوجية إقرارات رسمية وغير رسمية يجب أن تعامل بها عملا بالأحكام الفقهية واجبة التطبيق - دون أحكام القانون المدنى - ومقتضاها أن المدعى إذا سبق منه ما يناقض دعواه لا تكون مقبولة، والحكم المطعون فيه لم يبال بشئ من ذلك ولم يعول على كلام وكيل المورثة بحجة أنه يخالف الإشهاد ويخالف كلام محاميها وتناول المادة 87 مرافعات وحملها ما لا تطيق ورتب على هذا التأويل إهدار الإقرارات القضائية التى تصدر من الوكلاء فى غيبة الموكلين مخالف بهذا وذاك أحكام الفقه والقانون، يضاف إلى ذلك أنه مسخ مخالصة أكتوبر سنة 1944 وقال إنها تدل على عدم الزوجية إذ لم يذكر فيها أنها زوجة كما مسخ كل المحررات التى تشهد للطاعن بحجة أنه لم يرد بها عنوان الزوجية.
وحيث إن هذا السبب مردود فى الشق الأول منه بأن الحكم بصحة الإجراءات فى الاستئناف رقم 103 سنة 63 ق لا يعتبر قضاء قصديا أو ضمنيا فى موضوع الطلاق أو الرجعة، ومن جهة أخرى فإن الحكم المطعون فيه لم يعول على اقرار وكيل المتوفاة فى محضر الجلسة للاعتبارات التى أوردها ومنها أن توكيله "لم يكن إلا فى خصومة أخرى لا تعلق لها بإثبات الطلاق أو الرجعة وقد ذكرت المتوفاة فى عريضة الاستئناف رقم 103 ما يفيد الطلاق وذكر وكيلها الأستاذ (......) بجلسة 2 مارس سنة 1946 أن المتوفاة كانت زوجة للمدعى وطلقت منه كما ورد مثل ذلك فى مذكراته بعد هذا التاريخ وفضلا عن ذلك فإن ما قرره محمد أسعد خطأ يكذبه إشهاد الطلاق الرسمى وكل إقرار تكذبه الأوراق الرسمية أو يكذبه الظاهر يكون غير مقبول" وأن "الطلاق يخفى على الزوجة فتقبل منها دعوى الطلاق بعد الإقرار بالزوجية" وهذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه لأحكام الفقه والقانون إذ يمنع من صحة الإقرار ثبوت أن المقر كاذب فى أصل إقراره وإذ أن التناقض فى موضع الخفاء عفو والطلاق مما يخفى على الزوجة، ومردود فى الشق الثانى بما هو مقرر من أن "تصديق الورثة الزوجة على الزوجية ودفع الميراث لها لا يمنع من سماع دعواهم استرجاع الميراث بحكم الطلاق المانع منه لقيام العذر لهم حيث استصحبوا الحال فى الزوجية وخفيت عليهم البينونة" ومردود فى الشق الثالث بأن الطاعن لم يبين وجه المسخ فى مخالصة أكتوبر سنة 1944 أو فى غيرها من الأوراق التى يقول إنها تشهد له.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الطاعن تقدم بشهود لا يرقى إليهم الشك ولهم مكانتهم الاجتماعية ولم يطعن على شهادتهم ومع ذلك فقد ردت محكمة أول درجة شهادتهم لمجرد الأخوة والمصاهرة وأيدتها محكمة الاستئناف وزادت أن زوج بنت الطاعن وابن زوجته وأخاه وإن صحت شهادتهم شرعا إلا أنها مظنة الكذب لأنها قد تجر إلى نفع فى بعض حالات الميراث ومؤدى ذلك أنها لم تأخذ بها لمجرد الاحتمال البعيد وهو خلط بين ما هو حق القاضى فى تقدير الشهادة واطمئنانه إليها وما هو مخالفة للأحكام الفقهية المقررة ومقتضاها أن الشهادة لا ترد بسبب الاخوة أو المصاهرة ورد الشهادة لهذا السبب وحده مخالفة للقانون.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أن "زوج بنت المدعى وابن زوجته وأخاه وإن صحت شهادتهم شرعا إلا أنها مظنة الكذب لأنها قد تجر إلى نفع لزوج البنت وابن الزوجة وللأخ فى بعض حالات الإرث" ومفاد ذلك أنه لم يطمئن إلى شهادتهم لما رآه فيها من مظنة المصلحة ومن الأصول المقررة أنه إذا تضمنت الشهادة معنى النفع أو الدفع صار الشاهد متهما ولا شهادة للمتهم وجرى قضاء هذه المحكمة على أن الاطمئنان إلى صدق الشاهد مرده وجدان القاضى وشعوره فلا يلزم بإبداء الأسباب التى تبرره.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن المطعون عليها تقدمت بشهود قام الدليل القاطع على أنهم كاذبون فيما شهدوا به وعلى مجازفتهم فى شهادتهم وعلى استحكام الخصومة بينهم وبين الطاعن وكل هؤلاء لا تقبل شهادتهم شرعا لما هو مقرر من أن الشهادة ترد إذا كان الشاهد مجازفا فى شهادته أو قام الدليل على كذبه أو كذبه المشهود له أو كانت بينه وبين المشهود عليه عداوة أو خصومة فى أمر دنيوى وهذه الأحكام الفقهية لا يسع القاضى أن يتحلل منها، وإذ عولت محكمة أول درجة على شهادة هؤلاء الشهود بحجة أنها تطمئن إليهم وصلتهم تسمح بالتردد على المورثة وسايرها الحكم المطعون فيه فإنه يكون قد خالف القانون وخلط بين ما هو حق القاضى وما هو مخالفة صريحة للأحكام الفقهية واجبة التطبيق.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أن الشهادة تجرى مجرى التمليكات لما فيها من معنى أن "القاضى يملك الحكم بالشهادة كأن الشاهد ملكه الحكم" وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أنه "ليست كل خصومة على فرض وقوعها سببا لرد الشهادة" وكان الطعن على الشهود مجردا والمعنى فى ذلك أنه لم ير فيما جرح به الطاعن شهود المطعون عليها ما يكفى لرد شهادتهم، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن ترجيح شهادة شاهد على شهادة آخر هو من إطلاقات قاضى الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانه ولا عليه أن يبين أسباب هذا الترجيح.
وحيث إن حاصل السبب السادس أنه على فرض أن الرجعة لم تثبت فإنه لا يقطع سبب الارث إلا أن يصير الطلاق الرجعى بائنا بانقضاء العدة وهى إما بالحيض أو بالأشهر وإن كانت بالأشهر فلابد أن يثبت أن مطلقته لم تحض أصلا أو أنها بلغت سن اليأس وانقطع الدم عنها لمدة ستة أشهر ولم يعد اليها بعد انقطاعه، ومع تمسك الطاعن بهذا الدفاع وبأنه لا ينفع المطعون عليها ما قرره زوجها فى محضر الحانوتى ودون فى محضر الوفاة وفى المستخرج الرسمى وفى حكم الحراسة من أن سن مطلقته كانت حين الوفاة سبعين سنة، فان الحكم المطعون فيه لم يحفل بشئ منه - وقال إنها بلغت سن اليأس بدليل محضر الحانوتى والمستخرج الرسمى وحكم الحراسة بينما الكل شئ واحد وأغفل بقية الشروط التى يجب توافرها لإنقضاء العدة ولم يقم عليها أى دليل.
وحيث إن هذا السبب مردود فى الشق الأول منه بما ورد فى الحكم المطعون فيه من أن الطاعن "لم يطعن على الأوراق بالتزوير ولم يقدم ما يخالفها" ومردود فى الشق الثانى بأن فقهاء الحنفية اختلفوا من الاياس "وهو عند الجمهور خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى وقيل الفتوى على خمسين وفى ظاهر الرواية لا تقدير فيه بل ان تبلغ من السن ما لا يحيض مثلها فيه وذلك يعرف بالإجتهاد والمماثلة فى تركيب البدن والسمن والهزال" ونبهوا هل يؤخذ بقولها إنها بلغت سن اليأس كما يقبل قولها بالبلوغ بعد الصغر أم لابد من "بينة وينبغى الأول على رواية التقدير أما على رواية عدمه فالمعتبر اجتهاد الرأى" ومن ثم - وعلى ما عليه الفتوى - فان النعى على الحكم بأنه أغفل شروط العدة لا جدوى فيه، إذ هى مما تنفرد به الزوجة ولا يعرفه أحد سوها ومما لا يقع تحت حس الطاعن أو شهوده وهو لا يستطيع أن يطلب يمين المتوفاة كما لا يستطيع أن يطلب يمين المطعون عليها لأن انقطاع الدم أو عدم انقطاعه لم يكن قائما بها.
وحيث إن حاصل السبب السابع أن الحكم الإبتدائى إذ "قال" إن دعوى الطاعن غير مسموعة استنادا إلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 من أنه "لا تسمع عند الإنكار دعوى الارث بسبب الزوجية لمطلقة توفى زوجها بعد سنة من تاريخ الطلاق" وسايره الحكم المطعون فيه يكون قد خالف احكام الفقه وأحكام القانون إذ أن ما نصت عليه هذه الفقرة خاص بدعوى المطلقة التى توفى عنها زوجها ولا شأن له بدعوى من توفيت زوجته المطلقة وإنما الشأن فيها وفى سماعها أو عدم سماعها لأرجح الأقوال من مذهب ابى حنيفة وهى تقضى بسماع هذه الدعوى مهما طالت المدة.
وحيث إن هذا السبب فى غير محله ذلك أنه لا الحكم الإبتدائى ولا الحكم المطعون فيه أنزل حكم الفقرة الثانية من المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 على واقعة الدعوى وإلا لقضى بعد سماع الدعوى لا برفضها إذ أن نظر الدعوى فرع عن كونها مسموعة، وما أورده الحكم الإبتدائى فى هذا الخصوص إنما كان مجرد "قول" استطرد اليه ولم يرتب عليه أثره القانونى وإنما استظهر من سياقه ومن القرائن والدلالات الأخرى أن دعوى الطاعن وفاة مطلقته وهى فى عدة الطلاق الرجعى غير صحيحة ويكذبها الظاهر، ولم يرد فى الحكم المطعون فيه ما يفيد أنه أسند قضاءه لشئ من ذلك.
وحيث إن حاصل السبب الثامن أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور والتخاذل إذ اغفل الكثير من دفاع الطاعن الجوهرى واشتملت أسبابه على وقائع غير صحيحة منها ما نسبه إلى الطاعن من أنه يقول إنه أثبت الطلاق بناء على فتوى من الأزهر ولم يقدمها الأمر الذى لم يصدر منه ولم يقله.
وحيث إن هذا السبب غير مقبول لأن الطاعن لم يبين وجه قصور الحكم وتخاذله وما هى أوجه الدفاع الجوهرية التى أغفلها ولم يقدم ما يدل على أن أسباب الحكم اشتملت على وقائع غير صحيحة.
وحيث إن حاصل السبب التاسع أن أحد المستشارين الذين أصدروا الحكم المطعون فيه سبق له أن نظر الدعوى عندما كان رئيسا لمحكمة القاهرة الإبتدائية الشرعية وأصدر فيها قرارا بندب من يحل محل رئيس الدائرة التى كانت تنظرها وطلب رده، وبذلك أصبح غير صالح لنظرها ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم طبقا للمادتين 313 و314 مرافعات.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعن لم يقدم الدليل على صحة الواقعة التى يبنى عليها عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى، وعلى فرض تقديمه فإن ندب رئيس المحكمة أحد قضاتها لنظر الدعوى بدلا من القاضى المطلوب رده لا يعتبر من قبيل إظهار الرأى المانع من نظر الدعوى وبالتالى لا يفقد به القاضى صلاحيته لنظرها.
وحيث إن حاصل السبب العاشر أن الحكم الابتدائى صدر باطلا لخلوه من الإفصاح عن اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه فى القضية وهو بطلان من النظام العام لا يمكن تداركه ولا حيلة لمحكمة الاستئناف فيه وللطاعن أن يتمسك به فى أى مرحلة من مراحلها وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييده فإنه يكون باطلا كذلك.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه وإن كان الحكم الابتدائى قد خلا من بيان اسم عضو النيابة الذى أبدى رأيه فى القضية وهو بيان جوهرى من النظام العام ولازم لصحة الحكم ويترتب على إغفاله البطلان وكان يتعين على محكمة الاستئناف تبعا لذلك أن تبطله، إلا أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه متى كانت محكمة الاستئناف لم تعرض لهذا البطلان ولم تنبه إليه ومضت فى نظر الموضوع وانتهت إلى تأييد الحكم المستأنف بأسباب مستقلة، فإن النعى على حكمها بالبطلان يكون فى غير محله إذ هو لا يحقق سوى مصلحة نظرية مجردة لا يعتد بها بعد أن حققت بحكمها على هذه الصورة غرض الشارع - وإذ كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه فى الدعوى على أسباب جديدة ومستقلة عن أسباب الحكم الابتدائى، فإن النعى عليه بالبطلان يكون على غير أساس.

الطعن 29 لسنة 45 ق جلسة 25 / 5 / 1977 مكتب فني 28 ج 1 أحوال شخصية ق 222 ص 1288

جلسة 25 من مايو سنة 1977

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود. وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدى، الدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجورى، وصلاح نصار.

--------------

(222)
الطعن رقم 29 لسنة 45 ق "أحوال شخصية"

(1 - 4) أحوال شخصية. "الطلاق". إقرار.
(1) اسناد الزوج وقوع الطلاق إلى زمن ماض. اعتباره إنشاءا للطلاق وليس اخبارا عنه. علة ذلك.
(2) الطلاق المضاف إلى الماضى. وقوعه من وقت اقرار الزوج به - لا أثر لمصادفة الزوجة أو تكذيبها أو ادعائها الجهل به علة ذلك. مصادقة الزوجة أثرها قاصر على اسقاط حقها فى النفقة.
(3) إقرار الزوج بالطلاق المضاف إلى الماضى. وجوب احتساب عدة المطلقة من وقت الاقرار لا من تاريخ الاسناد. الاستثناء. انتفاء تهمة المواضعه أو ثبوت تاريخ الطلاق بالبينة.
(4) الطلاق المقترن بالعدد لفظا أو اشارة والطلاق المتتابع فى مجلس واحد. لا يقع به إلا طلقة رجعية واحدة.

----------------
1 - المقرر فى فقه الحنفية أن إسناد الطلاق فى زمن ماض يقع من الزوج إذا كان أهلا لايقاعه وقت إنشائه متى كانت المرأة محلا له فى ذلك الوقت الذى أضيف إليه، ويعتبر إنشاء للطلاق وليس أخبارا عنه لأن الزوج إذ لا يمكنه إنشاء الطلاق فى الماضى فقد أمكن اعتباره تنجيزا فى الحال.
2 - الفتوى أن الأصل فى الطلاق المضاف إلى الماضى أن يكون من وقت الإقرار به من الزوج مطلقا وسواء أصدقته الزوجية فيه أو كذبته إذا أدعت جهلها به نفيا لتهمة المواضعة مخافة أن يكون اتفقا على لطلاق وانقضاء العدة توصلا إلى تصحيح إقرار الزوج المريض لها بالدين أو ليحل له الزواج بأختها أو أربع سواها، ولا تعدو مصادقة الزوجة زوجها المقر فى إسناد طلاقها إلى تاريخ سابق إلا إسقاطا لحقها هى فى النفقة وما إليها، دون أن يعمل بهذه المصادقة فيما هو من حقوق الله تعالى.
3 - إذ كانت عدة المطلقة من وقت إخبار الزوج أو اقراره بالطلاق لا من وقت الاسناد، وكان تعديل جعل المدة من وقت الإقرار هو خشية تهمة المواضعة فإنه ينبغى أن يتحرى محلها ويرجع إلى الناس الذين هم مظانها، فإن كان واقع الحال يتجافى عن مظنة هذه التهمة أو قامت على صحة تاريخ الطلاق بينة شرعية هى وليس الإقرار سناده، فإنه ينبغى الاعتداد بتاريخ الاسناد واتخاذه بدءا للطلاق، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه على أن بينة شرعية لم تقم على إيقاع الزوج الطلاق فى الزمان الماضى الذى أسده إليه مما مفاده قيام مظنة تهمة المواضعة، وكان واقع الحال فى الدعوى لا ينفيها فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
4 - إذ كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن عبارة الطلاق المقترن بالعدد لفظا أو إشارة بالتطبيق للمادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 يشتمل الطلاق المتتابع فى مجلس واحد لأنه مقترن بالعدد فى المعنى وإن لم يوصف لفظ الطلاق بالعدد، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إقرار الطاعن الطلاق المطعون عليها كان مجردا عن العدد لفظا أو إشارة ولم يكن طلاقا على مال وليس مكملا للثلاث وحصل بعد الدخول فإنه لا يقع به إلا واحدة ويكون طلاقا رجعيا، ولا عبرة بوصف الطلاق الذى يرد على لسان أحد الزوجين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 123 سنة 1972 "أحوال شخصية نفس" أمام محكمة الاسكندرية الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بإثبات طلاقه لها الحاصل فى 4/ 11/ 1971، وقالت بيانا لدعواها أنه تزوجها بصحيح العقد الشرعى فى 17/ 10/ 1967 وبعد أن دخل بها نشب خلف بينهما اجتمع على أئره يوم 4/ 11/ 1971 بعض أفراد أسرتيهما لمصالحتهما غير أنه أوقع عليها فى هذا المجلس أمام حاضريه يمين الطلاق بقوله "أنت طالق" وكرر مقالته هذه عدة مرات، وإذ أقام عليها بعد انقضاء عدتها دعوى يطالبها بالدخول فى طاعته برغم أنها لا تزال فى عصمته فقد أقامت هذه الدعوى - وبتاريخ 29/ 5/ 1972 حكمت المحكمة باحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أن زوجها الطاعن طلقها فى 4/ 11/ 1971 بعد الدخول، وبعد أن سمعت شهود الطرفين عادت وحكمت بتاريخ 29/ 1/ 1973 برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 5 لسنة 1973 "أحوال شخصية نفس" الاسكندرية طالبة إلغاؤه والقضاء بطلباتها، وبتاريخ 8/ 5/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإثبات طلاق الطاعن للمطعون عليها طلقة رجعية اعتبارا من 6/ 4/ 1975 - طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على سبب واحد ينعى الطاعن بالوجهين الأول والثانى منه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم بنى قضاءه بثبوت الطلاق اعتبارا من 6/ 4/ 1975 على سند من القول بأن الزوج إذا أخبر زوجته بطلاق من زمان مضى وصدقته الزوجية فى الإسناد فإن ذلك يعنى أن تكون ابتداء عدتها من وقت الأخبار لا من الوقت الذى أسند إليه الطلاق، فى حين أنه لما كان الثابت أن المطعون عليها ذهبت فى دعواها إلى أن الطاعن طلقها طلاقا بائنا فى 4/ 11/ 1971 أمام شهود، وصادقها هو على ذلك أمام محكمة الاستئناف بجلسة 6/ 4/ 1975، فإنه يتعين إثبات الطلاق مستندا إلى تاريخ إقرارها بوقوعه، وهو المتفق عليه بإجماع حال المصادقة أخذا بقبول الزوجين معا، مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعى مردود، ذلك أن المقرر فى فقه الحنفية أن إسناد الطلاق فى زمن ماض يقع من الزوج إذا كان أهلا لإيقاعه وقت إنشائه متى كانت المرآة محلا له فى ذلك الوقت وفى الوقت الذى أضيف إليه، ويعتبر إنشاءا للطلاق وليس إخبارا عنه، لأن الزوج إذ لا يمكنه إنشاء الطلاق فى الماضى فقد أمكن اعتباره تنجيزا فى الحال. الفتوى أن الأصل فى الطلاق المضاف إلى الماضى أن يكون من وقت الإقرار به من الزوج مطلقا وسواء أصدقته الزوجة فيه أو كذبته إذا أدعت جهلها به نفيا لتهمة المواضعة مخافة أن يكونا اتفقا على الطلاق وانقضاء العدة توصلا إلى تصحيح إقرار الزوج المريض لها بالدين أو ليحل له الزواج بأختها، أو أربع سواها، ولا تعدو مصادقة الزوجة زوجها المقر فى إسناد طلاقها إلى تاريخ سابق إلا إسقاط لحقه هى فى النفقة وما إليها من حقوق مالية، دون أن يعمل بهذه المصادقة فيما من حقوق الله تعالى. فتبدأ عدتها من وقت الإخبار أو الإقرار لا من وقت الإسناد. ولما كان تعليل جعل المدة من وقت الاقرار هى خشية تهمة المواضعة، فإنه ينبغى أن يتحرى محلها ويرجع إلى الناس الذين هم مظانها، فإن كان واقع الحال يتجافى عن مظنة هذه التهمة أو قامت على صحة تاريخ الطلاق بينة شرعية تكون هى وليس الإقرار سناده، فإنه ينبغى الاعتداد بتاريخ الإسناد واتخاذه بدءا للطلاق. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه على أن بينة شرعية لم تقم على إيقاع الزوج الطلاق فى الزمان الماضى الذى أسنده إليه وهو يوم 4/ 11/ 1971 مما مفاده قيام مظنة تهمة المواضعه؛ وكان واقع الحال فى الدعوى لا ينفيها فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون النعى على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول إن الحكم ذهب إلى أن الطلاق الذى أوقعه الزوج – رجعى طبقا لنص المادة الخامسة من القانون رقم 25 لسنة 1929، فى حين أنه والمطعون عليها يقرران أنه بائن بينونة كبرى، مما يعيبه.
وحيث إن النعى مردود، ذلك أنه لما كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن عبارة الطلاق المقترنة بالعدد لفظا أو إشاره بالتطبيق للمادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 يشتمل الطلاق المتتابع فى مجلس واحد لأنه مقترن بالعدد فى المعنى وإن لم يوصف لفظ الطلاق بالعدد، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إقرار الطاعن الطلاق المطعون عليها كان مجردا عن العدد لفظا أو إشارة ولم يكن طلاقا على مال وليس مكملا للثلاث وحصل بعد الدخول، فإنه لا يقع به إلا واحدة ويكون طلاقا رجعيا ولا عبرة بوصف الطلاق الذى يرد على لسان أحد الزوجين، ويكون النعى على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 32 لسنة 45 ق جلسة 24 / 11 / 1976 مكتب فني 27 ج 2 أحوال شخصية ق 304 ص 1649

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجوري، وصلاح نصار، وإبراهيم هاشم.

----------------

(304)
الطعن رقم 32 لسنة 45 ق "أحوال شخصية"

(1) حكم "الطعن بالأحكام". استئناف. دعوى "ترك الخصومة".
التفرقة بين الدعوى وحق الالتجاء إلى القضاء. جواز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه أو أثناء نظر الطعن.
(2) حكم "الطعن في الأحكام" استئناف. نقض.
التنازل أثناء نظر الطعن بالنقض عن متابعة السير في الاستئناف إذا ما نقض الحكم. جائز. علة ذلك.
(3) دعوى "ترك الخصومة".
ترك الخصومة. وجوب أن يكون خلواً من أي تحفظات أو شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بآثارها.
(4) حكم. دعوى "الخصوم في الدعوى."
الأصل في الأحكام إنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها، قضاء محكمة النقض بقبول حلول الخصم محل الطاعنة بعد وفاتها. انسحاب أثره إلى تاريخ طلب الحلول.
(5) حكم "تسبيب الحكم".
إغفال الحكم الإشارة إلى دفاع غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى. لا قصور.
(6) دعوى "ترك الخصومة". إثبات "الإقرار".
القضاء بقبول ترك الخصومة في الاستئناف. استناد الحكم إلى إقرار بالترك صادر من المستأنف ومصدق عليه بمكتب التوثيق. لا خطأ.
(7) دعوى "ترك الخصومة". أحوال شخصية. "طلاق" نظام عام.
الأصل جواز ترك الخصومة في كافة أحوال. الاستثناء. تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام. مثال بشأن دعوى طلاق.
(8) أحوال شخصية "إرث". إثبات "الإقرار".
إقرار الوارث بوارث آخر. وجوب أخذ المقر بإقرار في دعاوى المال. لا يغير من ذلك كون المقر له غير وارث حقيقة.
(9) دعوى "ترك الخصومة". بطلان. التزام "عيوب الإرادة". حكم "القصور".
ترك الخصومة. تصرف إرادي يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضا. إغفال محكمة الموضوع الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص. قصور.

----------------
1 - ولئن كانت الدعوى لا تقتصر على حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما تستطيل إلى استنفاد جميع الوسائل المقررة قانوناً لحمايته، إلا أنه يجوز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه أو أثناء نظر الخصومة المرددة بعد نظر الاستئناف، إذ التنازل في هذه الحالة يؤمن معه الاعتساف، كما أن من شأن الترك في هذه الحالة استقرار الحكم الابتدائي اعتباراً بأن ترك الخصومة في الاستئناف يعتبر في نظر الشارع بمثابة قبول من جانب المستأنف للحكم الصادر عليه من محكمة أول درجة.
2 - النص في الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات على أنه "يجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة أول درجة انتهائياً". يدل على أن المشرع قد أجاز الاتفاق مقدماً بين الخصمين على التنازل عن استئناف الحكم ولم ير في ذلك مخالفة للنظام العام، لما أوردته المذكرة الإيضاحية من أن المادة "تضمنت فقرة أخيرة تبيح النزول عن الاستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الاستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلاً عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ولا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الالتجاء إلى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به في كثير من التشريعات الحديثة"، مما مفاده أنه يجوز التنازل من باب أولى عن متابعة السير في الاستئناف حال نقض الحكم وإعادة الدعوى لسيرها أمام محكمة الإحالة، ولا يجوز القول بأن الإقرار بالتنازل قدم في مرحلة الطعن بالنقض وهي متميزة عن خصومة الاستئناف المتعلقة بالدعوى الموضوعية لأنه وإن كان الحكم الصادر في الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأنه أن ينهي الدعوى إلا أن نقض هذا الحكم يزيله ويفتح للخصوم طريق العودة إلى محكمة الإحالة لمتابعة السير فيها بناء على طلب الخصوم.
3 - المقرر أنه لا يجوز أن يكون الترك مقروناً بأي تحفظ، بمعنى أن يكون خالياً من أية شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بأي أثر من الآثار القانونية المترتبة على قيامها، وإذ كان ما تضمنه الإقرار من أن التزام الطاعن بعدم السير في الدعوى حال نقض الحكم لا يعد من قبيل الشروط أو التحفظات التي يتعين خلو الترك منها لأنه إنما قصد إلى مجرد بيان الحالة التي تتحقق فيها إمكانية استمرار السير في الدعوى، ولأنه برفض الطعن ينحسم كل نزاع بما لا مجال معه للاتفاق على ترك الخصومة، ومن ثم فإن وروده في الإقرار لا يؤثر في قيام الترك أو إنتاجه أثره.
4 - إذ كان الأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها لأن وظيفة الحكم بيان حق كل خصم بالنسبة لموضوع النزاع دون أن يخلق حقاً جديداً، فإن الحكم الصادر من محكمة النقض بقبول حلول الطاعن محل رافعة الدعوى عقب وفاتها ينسحب أثره إلى تاريخ طلب الحلول.
5 - إذ كان ما أثاره الطاعن من أوجه دفاع لا يعدو أن يكون دفاعاً غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى ومن ثم فلا يعيب الحكم إغفاله الإشارة إليه، ويكون النعي عليه بالقصور في التسبيب على غير أساس.
6 - إذ كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عول في قضائه بإثبات ترك الطاعن الخصومة في الاستئناف على أن الإقرار المقدم من المطعون عليه والمصدق عليه بمكتب توثيق شمال القاهرة يحمل توقيع الطاعن ويتضمن بياناً صريحاً منه بتنازله عن إجراءات السير في الاستئناف وأنه بهذه المثابة يقوم مقام المذكرة الموقع عليها منه، وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص صحيح في القانون إذ لم يستلزم الشارع شكلاً معيناً للمذكرات التي يقدمها الخصوم في الدعوى أو يحدد طريقاً معيناً لتقديمها إلى المحكمة وإنما ما أوجبه أن تكون موقعة من التارك أو وكيله وأن يكون بيان الترك فيها صريحاً لا غموض فيه وأن يطلع عليها الخصم وهو ما توافر في الإقرار الصادر من الطاعن على النحو المتقدم بيانه، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس (1).
7 - إنه وإن كان ترك الخصومة جائز في كل الأحوال متى تنازل المدعي عن خصومته بغير تحفظ متخذاً الشكل الذي يقضي به القانون ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن في ميسوره الاعتراض عليه طالما لم تكن له مصلحة قانونية في المضي في الدعوى إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء لم يتضمنه به نص المادة 142 من قانون المرافعات قوامه عدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، اعتباراً بأن الحقوق المتصلة به ينبغي ألا يجعل مصيرها متوقفاً على اتفاقات متروك مصيرها لإرادة الأفراد، لما كان ذلك وكان قبول المحكمة حلول الطاعن محل المدعية الأصلية عقب وفاتها مؤسساً على أن له مصلحة محتملة بالنسبة لما يترتب على دعوى الطلاق من آثار مالية تختلف باختلاف الإبقاء على عروة الزوجية أو فصمها، وكان الإقرار الصادر من الطاعن - بترك الخصومة - ينطوي على قبول للحكم الصادر من محكمة أول درجة بما يندرج فيه لزوماً من أحقية المطعون عليه - الزوج - لاستحقاق الميراث في تركة الزوجة المتوفاة، وكان الإقرار بهذه المثابة لا يتضمن أي مساس بالنظام العام وإنما ينصب على الحقوق المالية البحتة والتي ارتضى الطاعن أحقية المطعون عليه بها، فإن من الجائز إثبات الترك الوارد به دون عائق من قواعد النظام العام، ولا تثريب على الحكم إذا هو أغفل الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص.
8 - الاتفاق في مذهب الحنفية على أن إقرار الوارث بوارث آخر من شأنه أن يؤدي إلى معاملته بإقراره في صدد استحقاق المقر له بالميراث في تركة الميت في غيره من الحقوق التي ترجع إليه، ويؤخذ المقر بإقراره لأن له ولاية التصرف في مال نفسه طالما كانت الدعوى من دعاوى المال، دون ما اعتداد مما إذا كان المقر له وارثاً حقيقة بل يكتفي بأن تعتبر صفته بحسب الظاهر.
9 - إذا كان ترك الخصومة تصرفاً إرادياً يبطل إذا شابه عيباً من العيوب المفسدة للرضاء، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أنه كان خاضعاً عند تحرير الإقرار لإكراه شاب إرادته في معنى المادة 127 من القانون المدني، ودلل على ذلك بقرائن عدة ساقها ذهب إلى أنها تكشف عن مدى الرهبة التي بعثها المطعون عليه في نفسه دون حق، وكان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم أنه جوهري وقد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يتعين معه نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحومة...... أقامت الدعوى رقم 823 لسنة 1964 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه بطلب الحكم بطلاقها منه طلاقاً بائناً بينونة كبرى وبمنع تعرضه لها في أي أمر من أمور الزوجية، وقالت شرحاً لها أن المطعون عليه تزوجها بتاريخ 4/ 5/ 1961 وإذ أقر كتابة وبخط يده بأنه طلقها ثلاث طلقات الأولى في آخر يوليه 1962 والثانية في 14 من سبتمبر 1962 والثالثة في 21 سبتمبر 1962 بما أبانها منه بينونة كبرى وتعهد بإثبات هذا الطلاق لدى مأذون شرعي ثم أنكر هذا الطلاق فقد أقامت الدعوى، دفع المطعون عليه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1108 لسنة 1962 أحوال شخصية القاهرة الابتدائية واستئنافها رقم 110 لسنة 80 ق القاهرة، وبتاريخ 23/ 5/ 1966 حكمت المحكمة بقبول الدفع وبعدم جواز نظر الدعوى. استأنفت المدعية هذا الحكم بالاستئناف رقم 61 لسنة 83 ق أحوال شخصية القاهرة، وبتاريخ 25/ 3/ 1967 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت رافعة الدعوى في هذا الحكم بطريق النقض وقيد برقم 20 لسنة 37 ق أحوال شخصية، وبجلسة 26/ 11/ 1969 حضر الطاعن الحالي وقرر بوفاتها وطلب قبول حلوله محلها بصفته أحد ورثتها، وبتاريخ 27/ 6/ 1973 نقضت المحكمة الحكم بعد قبول طلب الحلول وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها، وأمام محكمة الإحالة دفع المطعون عليه باعتبار المستأنف - الطاعن - تاركاً للخصومة، وبتاريخ 7/ 6/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإثبات ترك الطاعن للخصومة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بإثبات ترك الخصومة استناداً إلى ما تضمنه الإقرار الموثق بتاريخ 13/ 3/ 1973 من تعهد الطاعن والتزامه بعدم السير أو تحريك أو تعجيل الدعوى إذا ما قضي في الطعن بالنقض بقبوله، في حين أنه لا يعتبر تركاً للخصومة بالمعنى القانوني لأن جوهر الترك وفق المادتين 142، 143 من قانون المرافعات هو النزول عن جميع الإجراءات التي تكون قد اتخذت بالفعل مما يقتضي وجود الحق في اتخاذ تلك الإجراءات بالفعل حتى يمكن التنازل عنها إذ لا يتصور التنازل عن شيء لم يوجد، والثابت أن حق الطاعن في تعجيل الاستئناف لم يكن قد نشأ بعد وقت صدور الإقرار المذكور حتى يتسنى له قانوناً تركه تبعاً لأن حكم النقض الذي يتولد عنه حقه في التعجيل لم يكن قد صدر، لا مجال للقول بأن الخصومة كانت قائمة ومطروحة على محكمة النقض عند صدور الإقرار لأن الخصومة أمام محكمة الموضوع تنقضي بصدور الحكم النهائي القطعي فيها، وهي متميزة عن خصومة النقض التي لها بدايتها ونهايتها الخاصتين بها، وقد صدر الإقرار متعلقاً بخصومة الاستئناف في وقت لم تكن قائمة فيه خصومة الاستئناف الأصلية أو خصومة الاستئناف المزمع تجديدها. هذا إلى أن تعهد الطاعن بالترك في الإقرار لم يرد منجزاً حتى ينتج آثاره بل ورد معلقاً على شرط القضاء في الطعن بنقض الحكم بالإضافة إلى أن صفة الطاعن في تجديد الخصومة في الاستئناف بمقتضى حلوله محل المدعية لم تثبت إلا بصدور الحكم في الطعن بالنقض وفي وقت لاحق لصدور الإقرار بالترك، ورغم تمسك الطاعن بهذا الدفاع الجوهري فإن المحكمة لم تلتفت إليه وهو ما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن الإقرار الموقع عليه من الطاعن والمقدم من المطعون عليه والموثق في 13/ 3/ 1973 جرى نصه بما يلي "أقر أنا...... الموقع أدناه والمقيم..... أنني متنازل ومقر بالتنازل عن السير في إجراءات طلب الحلول محل ابنة عمي المرحومة....... في الطعن بالنقض المرفوع منها برقم 20 لسنة 37 قضائية المحجوز للحكم جلسة الأربعاء الموافق 18 أبريل 1973 طعناً منها على الحكم الاستئنافي رقم 61 لسنة 83 ق أحوال شخصية القاهرة المؤيد للحكم رقم 823 لسنة 1964 كلي أحوال شخصية القاهرة والذي قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وأتعهد والتزم بعدم السير أو تحريك أو تعجيل هذه الدعاوى إذا ما قضي في الطعن بالنقض المذكور بالقبول ولا يحق لي العودة إلى القضاء الموضوعي بشأن هذا النزاع إذا ما قضي بقبول الطعن ولا تقبل مني أي دعوى موضوعية بخصوص هذا النزاع موضوع الحكم المطعون عليه بالنقض رقم 20 لسنة 37 ق وهذا إقرار مني وتنازل والتزام لا رجوع فيه إقراراً للواقع وإبراء للذمة"، ولما كان مفاد هذا الإقرار أنه يتضمن قبول الطاعن للحكم الصادر من محكمة أول درجة قاضياً بعدم جواز نظر الدعوى، كما ينطوي على تركه الخصومة في الاستئناف إذا ما نقض الحكم الصادر من محكمة الاستئناف والذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي وأعيدت الدعوى إليها للفصل فيها، ولئن كانت الدعوى لا تقتصر على حق الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما تستطيل إلى استنفاذ جميع الوسائل المقررة قانوناً لحمايته، إلا أنه يجوز التنازل عن الطعن في الحكم بعد ثبوت الحق فيه وأثناء نظر الخصومة المرددة بعد إقامة الطعن بالاستئناف إذ التنازل في الحالة يؤمن معه الاعتساف، كما أن من شأن الترك في هذه الحالة استقرار الحكم الابتدائي اعتباراً بأن ترك الخصومة في الاستئناف يعتبر في نظر الشارع بمثابة قبول من جانب المستأنف للحكم الصادر عليه من محكمة أول درجة ولا يسوغ القول بأن التنازل غير متصور في واقعة الدعوى تبعاً لأنه لم يكن قد نشأ بعد حق الطاعن في العودة من جديد إلى الاستئناف بتعجيله، لأن النص في الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات القائم على أنه "يجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائياً."، يدل على أن المشرع قد أجاز الاتفاق مقدماً بين الخصمين على التنازل عن استئناف الحكم ولم يرد في ذلك مخالفة للنظام العام، لما أوردته المذكرة الإيضاحية من أن المادة "تضمنت فقرة أخيرة تبيح النزول عن الاستئناف قبل رفع الدعوى ذلك أن الاستئناف كغيره من الحقوق يجوز النزول عنه فضلاً عن أن هذا النزول يكون أقرب شبهاً بنظام التحكيم ولا يعتبر من جهة أخرى حرماناً للخصم من حق الالتجاء إلى القضاء بقدر ما هو منظم لهذا الحق فضلاً عن أن حكم هذه الفقرة مسلم به في كثير من التشريعات الحديثة." مما مفاده أنه يجوز التنازل من باب أولى عن متابعة السير في الاستئناف حال نقض الحكم وإعادة الدعوى سيرها أمام محكمة الإحالة ولا يجوز القول بأن الإقرار بالتنازل قدم في مرحلة الطعن بالنقض وهي متميزة عن خصومة الاستئناف المتعلقة بالدعوى الموضوعية، لأنه وإن كان الحكم الصادر في الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من شأنه أن ينهي الدعوى إلا أن نقض هذا الحكم يزيله ويفتح للخصوم طريق العودة إلى محكمة الإحالة لمتابعة السير فيها بناء على طلب الخصوم وبهذه المثابة فلا يكون قائماً سوى ما قضت به محكمة الدرجة الأولى في 23/ 6/ 1966 والإقرار الموثق في 13/ 3/ 1973 والذي يجوز الاتفاق عليه مسبقاً على ما سلف بيانه. لما كان ذلك وكان المقرر أنه لا يجوز أن يكون الترك مقروناً بأي تحفظ، بمعنى أن يكون خالياً من أية شروط تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بأي أثر من الآثار القانونية المترتبة على قيامها، وكان ما تضمنه الإقرار من أن التزام الطاعن بعدم السير في الدعوى حال نقض الحكم لا يعد من قبيل الشروط والتحفظات التي يتعين خلو الترك منها لأنه إنما قصد إلى مجرد بيان الحالة التي تتحقق فيها إمكانية استمرار السير في الدعوى ولأنه برفض الطعن ينحسم كل نزاع بما لا مجال معه للاتفاق على ترك الخصومة فيها، ومن ثم فإن وروده في الإقرار لا يؤثر في قيام الترك أو إنتاجه لآثاره، لما كان ما تقدم وكان الأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق وليست منشئة لها لأن وظيفة الحكم بيان حق كل خصم بالنسبة لموضوع النزاع دون أن يخلق حقاً جديداً، فإن الحكم بقبول حلول الطاعن محل رافعة الدعوى عقب وفاتها ينسحب إلى تاريخ طلب الحلول وهو سابق على تاريخ الإقرار بالترك وتكون صفة الطاعن في متابعة السير في الاستئناف يتحقق وقت صدور الإقرار، لما كان ما سلف فإن ما أثاره الطاعن من أوجه دفاع في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون دفاعاً غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى ومن ثم لا يعيب الحكم إغفاله الإشارة إليه ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك أنه استند في قضائه بإثبات ترك الخصومة في الاستئناف إلى الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973، في حين أنه لا يعتبر من الوسائل التي يحصل بها ترك الخصومة والواردة على سبيل الحصر في المادة 141 من قانون المرافعات، وقد أدى به هذا الخطأ اعتباره الإقرار بمثابة بيان صريح في مذكرة موقعة من التارك للخصومة بينما المقصود بالمذكرة في نطاق قانون المرافعات هو ما يكون موجهاً من أحد الخصوم إلى المحكمة أثناء سير الدعوى، ومن ثم فلا يدخل في شموله ما يصدر من الخصوم بعيداً عن المحكمة من إقرارات حتى ولو تم توثيقها وهو ما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون. هذا إلى أنه لم يناقش ما أثاره في هذا الصدد رغم انطوائه على دفاع جوهري وما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عول في قضائه بإثبات ترك الطاعن الخصومة في الاستئناف على أن الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973 والمقدم من المطعون عليه والمصدق عليه بمكتب توثيق شمال القاهرة يحمل توقيع الطاعن ويتضمن بياناً صريحاً منه، وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص صحيح في القانون إذ لم يسلتزم الشارع شكلاً معيناً للمذكرات التي يقدمها الخصوم في الدعوى أو يحدد طريقاً معيناً لتقديمها إلى المحكمة وإنما ما أوجبه أن تكون موقعة من التارك أو وكيله وأن يكون بيان الترك عليها صريحاً لا غموض فيه وأن يطلع عليها الخصم وهو ما توافر في الإقرار الصادر من الطاعن على النحو المتقدم بيانه، لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون بالخطأ في تطبيق القانون والقصور والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه يشترط لقبول ترك الخصومة ألا تكون متعلقة بمسألة من المسائل المتصلة بالنظام العام حتى لا يتأثر الحق الموضوعي بهذا الترك فلا يعتد بترك المدعي للخصومة حتى ولو قبل المدعى عليه ذلك، وإذ كان موضوع النزاع متعلقاً بالنظام العام لأنه ينصب في حقيقته على دعوى إثبات طلاق بائن وأثره على اعتبار الزوجية قائمة بعد الطلقة الثالثة وما يترتب على ذلك من اعتبار المطعون عليه من بين ورثة المتوفاة أم لا، وقضى الحكم بترك الخصومة ملتفتاً عما أثاره من دفاع في هذا الخصوص وهو ما يعيبه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإن كان الأصل أن ترك الخصومة جائز في كل الأحوال متى تنازل المدعي عن خصومته بغير تحفظ متخذاً الشكل الذي يقضي به القانون ومتى قبل المدعى عليه هذا الترك أو لم يكن في ميسورة الاعتراض عليه طالما لم تكن له مصلحة قانونية في المضي في الدعوى، إلا أنه يرد على هذا الأصل استثناء لم يتضمنه نص المادة 142 من قانون المرافعات قوامه عدم إجازة الترك إذا تعلق موضوع الدعوى بالنظام العام، اعتباراً بأن الحقوق المتصلة به ينبغي ألا يجعل مصيرها متوقفاً على اتفاقات متروك مصيرها لإرادة الأفراد، لما كان ذلك وكان الاتفاق في مذهب الحنفية على أن إقرار الوارث بوارث آخر من شأنه أن يؤدي إلى معاملته بإقراره في صدد استحقاق المقر له بالميراث في تركة الميت وفي غيره من الحقوق التي ترجع إليه، ويؤخذ المقر بإقراره لأن له ولاية التصرف في مال نفسه طالما كانت الدعوى من دعاوى المال، دون ما اعتداد بما إذا كان المقر له وارثاً حقيقة بل يكتفي بأن تعتبر صفته بحسب الظاهر، لما كان ما تقدم وكان قبول المحكمة حلول الطاعن محل المدعية عقب وفاتها مؤسساً على أن له مصلحة محتملة بالنسبة لما يترتب على دعوى الطلاق من آثار مالية تختلف باختلاف الإبقاء على عروة الزوجية أو فصمها، وكان الإقرار الصادر من الطاعن ينطوي على ما سلف بيانه على قبول الحكم الصادر من محكمة أول درجة بما يندرج فيه لزوماً من أحقية المطعون فيه لاستحقاق الميراث في تركة الزوجة المتوفاة، وكان الإقرار بهذه المثابة لا يتضمن أي مساس بالنظام العام وإنما ينصب على الحقوق المالية البحتة والتي ارتضى الطاعن أحقية المطعون عليه بها، فإن من الجائز إثبات الترك الوارد به دون عائق من قواعد النظام العام، ولا تثريب على الحكم إذا هو أغفل الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص ويكون النعي غير وارد.
وحيث إن حاصل السبب الرابع نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، ذلك أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه كان وقت إصداره الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1973 والمتخذ سنداً للحكم في قضائه، واقعاً تحت إكراه تمثل في تهديد المطعون عليه له بحل الشركة التي آلت الأنصبة فيها إليهما ميراثاً عن الطاعنة الأصلية وشقيقتها وهو ما كان يترتب عليه فقده، المصدر الرئيسي لدخله، وأنه رغم إثارته هذا الدفاع الجوهري المنتج في الدعوى واستدلاله عليه بكثرة الإقرارات التي حصل عليها منه المطعون عليه فإن الحكم قد التفت عن بحثه وتحقيقه وهو ما يشوبه القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان ترك الخصومة تصرفاً إرادياً يبطل إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضاء، لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أنه كان خاضعاً عند تحرير الإقرار لإكراه شاب إرادته في معنى المادة 127 من القانون المدني، ودلل على ذلك بقرائن عدة ساقها. ذهب إلى أنها تكشف عن مدى الرهبة التي بعثها المطعون عليه في نفسه دون حق، خاصة بعد أن آلت إليه تركة شقيقة المدعية المتوفاة، وكان الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم أنه جوهري وقد يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور مما يتعين معه نقضه لهذا السبب.
ولما كان الطعن بالنقض للمرة الثانية ولما تقدم.


(1) نقض طعن رقم 394 سنة 31 ق جلسة 9/ 6/ 1966 مجموعة المكتب الفني س 17 ص 1350.

الطعن 4 لسنة 44 ق جلسة 21 /1 /1976 مكتب فني 27 ج 1 أحوال شخصية ق 61 ص 264

جلسة 21 من يناير سنة 1976

برئاسة السيد المستشار: محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، سعد أحمد الشاذلي، الدكتور عبد الرحمن عياد، محمد الباجوري.

----------------

(61)
الطعن رقم 4 لسنة 44 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية. "الطعن نقض". "بالنقض".
الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. رفعه بصحيفة أودعت مع الأوراق - قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. صحيح متى ثبت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض في الميعاد. علة ذلك. تحقق الغاية من الإجراء.
(2) أحوال شخصية. إرث. قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم. قاصرة على أطراف الخصومة الصادر فيها. مثال في دعوى إرث.
(3) أحوال شخصية. إرث. إثبات "الإقرار".
الإقرار بالنسب على غير المقر. لا يثبت به النسب إلا بتصديق من حمل عليه النسب أو إقامة البينة عليه. وجوب معاملة المقر بإقراره بالنسبة للميراث والحقوق الأخرى التي ترجع إليه.

-----------------
1 - إنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881، 882 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات، وكان يتعين رفع الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، إلا أنه لما كان يبين من المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات القائم تعليقاً على المادة 253 منه أن المشرع استحسن عبارة رفع الطعن بصحيفة بدلاً من رفعه بتقرير منعاً من اللبس الذي قد يثور بين طريقة رفع الدعوى أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية وأمام محكمة النقض، مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - (1) إنه يستوي في واقع الأمر رفع الطعن بصحيفة أو بتقرير طالما توافرت البيانات التي يتطلبها القانون في ورقة الطعن، إذ كان ذلك، وكان ما استحدثه المشرع بالقانون رقم 106 لسنة 1962 وسايره قانون المرافعات الحالي من إجازة رفع الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، قصد به تيسير الإجراءات وحتى لا يتجشم المحامي مشقة الانتقال بنفسه إلى قلم كتاب محكمة النقض، فإنه لا تثريب على الطاعن إذا استعمل هذه الخيرة وأودع صحيفة الطعن وصور الأحكام والمستندات قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، ما دام الثابت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، وهو ما يتحقق به الغرض من الإجراء، وإذ لم تبين المطعون عليها وجه مصلحتها في التمسك بدفعها بعدم قبول الطعن لرفعه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه فإنه يتعين رفضه.
2 - المقرر في الفقه الإسلامي أنه لا يصح رجوع القاضي عن قضائه، مما مقتضاه أن التزامه بمعنى قضائه محدود بالنزاع المعروض خصوماً وموضوعاً وسبباً، وإذ كان البين من الحكم الصادر في الدعوى السابقة أن والدة المطعون عليها خوصمت فيها باعتبارها وصية على ابنتيها.... و.... ولم تخاصم فيها بصفتها وصياً على ابنتها المطعون عليها، وبالتالي فإن هذه الأخيرة لم تكن ماثلة فيها لا بنفسها ولا بمن يمثلها قانوناً فلا تحاج بهذه الدعوى ولا بالحكم الصادر فيها إذ الحجية تقتصر على أطراف الخصومة فيها ولا تتعداهم إلى الخارجين عنها.
3 - لئن كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الإقرار بالنسب على غير المقر، وهو إقرار بقربة يكون فيها واسطة بين المقر له - كالإقرار بالإخوة - لا يثبت به النسب إلا بتصديق من حمل عليه النسب أو البرهنة عليه بالبينة، إذ الإقرار بالإخوة يقتضي أولاً أن المقر له ابن لأبي المقر ويستتبع ذلك أنه أخ للمقر، إلا أن المقر يعامل بإقراره من ناحية الميراث وغيره من الحقوق التي ترجع إليه، وتنقسم التركة في هذه الحالة على أساس الاعتداد بالإقرار تجاه المقر دون غيره من الورثة الذين لم يوافقوه على إقراره باعتبار الإقرار حجة قاصرة. وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الإقرار الموقع عليه من الطاعنة وبقية الورثة تضمن اعترافهم بأحقية المطعون عليها في نصيبها من تركة المتوفى، وكان دفاع المطعون عليها يقوم أساساً على حقها في مشاركة الطاعنة وباقي الورثة في التركة المخلفة من المتوفى استناداً إلى الإقرار الصادر منهم، فإن الدعوى المعروضة بالإرث بهذه المثابة تكون متعلقة بالمال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 147 لسنة 1969 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم ببطلان إشهاد الوفاة والوراثة الصادر بتاريخ 6/ 6/ 1942 في المادة رقم 25 لسنة 41/ 1942 من محكمة الزقازيق الجزئية الشرعية بوفاة المرحوم.... وانحصار إرثه في ورثته المذكورين به ومنع تعرضها لها بهذا الإشهاد، وقالت بياناً لها إن والدها المرحوم...... توفى بتاريخ 4/ 2/ 1938 وانحصر إرثه الشرعي في زوجته..... وفيها وأخوتها...... بصفتهم أولاده، وإذ صدر الإشهاد موضوع الدعوى بتوريث المطعون عليها بصفتها ابنة رابعة للمتوفى في حين أنها لا تنتسب إليه بحال، وسبق صدور حكم نهائي في الدعوى رقم 6 لسنة 43/ 1944 الزقازيق الابتدائية الشرعية بأنها ليست من ورثته فارتفعت بذلك حجية الإشهاد ولا زالت الطاعنة تتمسك به فقد أقامت دعواها، دفعت المطعون عليها بعدم السماع، وبتاريخ 19/ 12/ 1970 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم سماع الدعوى وببطلان إشهاد الوراثة المشار إليه ومنع تعرض المطعون عليها للطاعنة به. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 1 لسنة 14 ق أحوال شخصية الزقازيق، وبتاريخ 12/ 12/ 1973 قضت محكمة استئناف المنصورة - مأمورية الزقازيق - بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض دفعت المطعون عليها بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن، وبعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم القبول المبدى من المطعون عليها، أن الطعن رفع بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة استئناف المنصورة خلافاً لما رسمه القانون للطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية من وجوب رفعه بتقرير يودع قلم كتاب محكمة النقض. فيقع باطلاً طبقاً لنص المادة 253 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 628 لسنة 1955 بشأن بعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف والمادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات، يكون الطعن بطريق النقض بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية وفق الإجراءات المقررة في المادتين 881، 882 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات، وكان يتعين رفع الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، إلا أنه لما كان البين من المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات القائم تعليقاً على المادة 253 منه أن المشرع استحسن عبارة رفع الطعن بصحيفة بدلاً من رفعه بتقرير منعاً للبس الذي قد يثور بين طريقة رفع الدعوى أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية وأمام محكمة النقض، مما مفاده وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يستوي في واقع الأمر رفع الطعن بصحيفة أو بتقرير طالما توافرت البيانات التي يتطلبها القانون في ورقة الطعن، لما كان ذلك وكان ما استحدثه المشرع بالقانون رقم 106 لسنة 1962 ومواد قانون المرافعات الحالي من إجازة رفع الطعن بالنقض في قلم كتاب محكمة النقض أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، قصد به تيسير الإجراءات وحتى لا يتجشم المحامي مشقة الانتقال بنفسه إلى قلم كتاب محكمة النقض، فإنه لا تثريب على الطاعن إذا استعمل هذه الخبرة وأودع صحيفة الطعن وصور الأحكام والمستندات قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، ما دام الثابت وصول كافة الأوراق قلم كتاب محكمة النقض خلال الميعاد، وهو ما يتحقق به الغرض من الإجراءات وإذ لم تبين المطعون عليها وجه مصلحتها في التمسك بدفعها، فإنه يتعين رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنفي الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بحجية الحكم النهائي الصادر في الدعوى رقم 6 لسنة 43/ 1944 الزقازيق الابتدائية الشرعي والذي كانت المطعون عليها ممثلة فيه بوالدتها الوصية عليها، لأنه حسم النزاع حول وراثة المطعون عليها للمتوفى بصفتها ابنته، وقضى بانحصار إرثه في أولاده الآخرين دونها مهدراً ما تضمنه الإعلام الشرعي الذي تركن إليه، وقضاء الحكم المطعون فيه بأن المطعون عليها ابنة المتوفى ولها الحق في ميراثه ينطوي على مساس بهذه الحجية، لا يقدح في ذلك استناد الحكم إلى الإقرار المنسوب للطاعنة بأن المطعون عليها شقيقتها، لأنه لم تقطع بصدور هذا الإقرار في تاريخ لاحق الحكم الأول الحائز للحجية، وهو ما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر في الفقه الإسلامي أنه لا يصح رجوع القاضي عن قضائه، مما مقتضاه أن التزامه بمعنى قضائه محدود بالنزاع المعروض خصوماً وموضوعاً وسبباً، ولما كان البين من الحكم الصادر في الدعوى رقم 6 لسنة 43/ 1944 أن والدة المطعون عليها خوصمت فيها باعتبارها وصياً على ابنتيها......، ولم تخاصم فيها بصفتها وصياً على ابنتها المطعون عليها، وبالتالي فإن هذه الأخيرة لم تكن ماثلة فيها لا بنفسها ولا بمن يمثلها قانوناً، فلا تحاج بهذه الدعوى ولا بالحكم الصادر فيها إذا الحجية تقتصر على أطراف الخصومة فيها ولا تتعداهم إلى الخارجين عنها، لا يغير من ذلك أن والدة المطعون عليها تحدثت أثناء نظر ذلك الدعوى عن نسب ابنتها للمتوفى في مقام إثبات أبوه المتوفى لشخص آخر، ولا محل بعد ذلك للجدل فيما إذا كان الإقرار بالنسب سابقاً أو لاحقاً لصدور الحكم الأول ومساسه بحجيته، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم أقام قضاءه على سند من القول بأن الإقرار المنسوب صدوره إلى الطاعنة يفيد ثبوت نسب المطعون عليها لأبيها المتوفى حالة أن فيه تحميلاً للنسب على الغير بما لا يقوم به النسب شرعاً، وإذ أقيم الحكم على هذه الدعامة وحدها وفي دعوى ليس المال من عناصرها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك إنه وإن كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الإقرار بالنسب على غير المقر، وهو إقرار بقربه يكون فيها واسطة بين المقر والمقر له - كالإقرار بالإخوة - لا يثبت به النسب إلا بتصديق من حمل عليه النسب أو البرهنة عليه بالبينة، إذ الإقرار بالإخوة يقتضي أولاً بأن المقر له ابن لأبي المقر ويستتبع ذلك أنه أخ للمقر، إلا أن المقر يعامل بإقراره من ناحية الميراث وغيره من الحقوق التي ترجع إليه، وتنقسم التركة في هذه الحالة على أساس الاعتداد بالإقرار تجاه المقر دون غيره من الورثة الذين لم يوافقوه على إقراره باعتبار الإقرار حجة قاصرة. ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الإقرار الموقع عليه من الطاعنة وبقية الورثة تضمن اعترافهم بأحقية المطعون عليها في نصيبها الشرعي من تركة المتوفى، وكان دفاع المطعون عليها يقوم أساساً على حقها في مشاركة الطاعنة وباقي الورثة في التركة المخلفة عن المتوفى استناداً إلى الإقرار الصادر منهم، فإن الدعوى المعروضة بهذه المثابة تكون متعلقة بالمال. لما كان ذلك وكان مقتضى الأخذ بالإقرار يكون للمطعون عليها حقها الميراثي في تركة المتوفى، وكان الحكم المطعون فيه بقضائه برفض الدعوى قد انتهى إلى هذه النتيجة وأورد "أن المقر يعامل بإقراره فتلزمه نفقة المقولة بشروطها ويجب عليه ضمه ويرث منه المقر له إن لم يكن وارث غيره" فإنه لا يعيبه ما استطرد إليه من تقريرات قانونية خاطئة خاصة بثبوت النسب، ويكون النعي عليه بهذا السبب غير وارد.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وتقول بياناً لذلك إن الحكم الابتدائي لم يأخذ بالإقرار المنسوب صدوره إليها لتحريره على ورقة مشوهة على ظهرها كتابة حرصت المطعون عليها على إخفائها، ولم يرد الحكم المطعون فيه على هذه المطاعن مكتفياً باطمئنانه إلي صحة صدوره عنها وهو ما يعيبه.
وحيث إن النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه في خصوص ما وجه إلى الإقرار المنسوب إلى الطاعنة من مطاعن على أنه، "وحيث إن جميع من وقعوا على هذا الإقرار حضروا أمام هذه المحكمة عدا..... وأقروا بصدوره منهم حسبما سلف البيان. وحيث..... إن المحكمة تطمئن تماماً لصدور هذا الإقرار من المستأنف عليها وهي عالمة بما به يؤكد هذا إقرارها الصريح الوارد بصحيفة دعوى الشفعة رقم 681 لسنة 1955 سالفة البيان بل وأقرت صراحة أمام هذه المحكمة أنه ليس لديها مطعن على هذا الإقرار.." وكانت أسباب الحكمة سائغة وتكفي لحمله، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا لم تتعقب كل حجة من الحجج التي ساقتها الطاعنة في هذا المقام، أو ترد على ما أورده حكم محكمة أول درجة من أسباب مخالفة، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


(1) نقض 22/ 10/ 1974 مجموعة المكتب الفني سنة 25 ص 1153.

الطعن 5 لسنة 42 ق جلسة 25 / 6 / 1975 مكتب فني 26 ج 2 أحوال شخصية ق 248 ص 1302

جلسة 25 من يونيه سنة 1975

برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود، والدكتور محمد زكي عبد البر، وجلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي.

----------------

(248)
الطعن رقم 5 لسنة 42 ق "أحوال شخصية"

(1 و2) أحوال شخصية "النسب". دعوى "قبول الدعوى" إثبات "الإقرار".
(1) التناقض المانع من سماع دعوى النسب. بيانه.
(2) الإقرار بالنسب. شرط صحته.
(3) محكمة الموضوع "تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير الأدلة المطروحة عليها.
(4) إثبات. أحوال شخصية "النسب". حكم "تسبيب الحكم".
اعتبار الحكم أن شهادة الميلاد قرينة على ثبوت النسب بالإضافة إلى أدلة وقرائن أخرى. لا عيب.
(5) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية". اختصاص.
اختصاص المجالس الملية قبل صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بنظر مسائل مواريث المصريين غير المسلمين. شرطه.

----------------
1 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التناقض مانع من سماع الدعوى بالنسب ما لم يكن في موضع خفاء فيكون عفواً وهو لا يغتفر إذا كان فيه تحميل للنسب على الغير كالأخوة والعمومة باعتباره غير مقصود لذاته بل يستهدف حقاً لا يتوصل إليه إلا بإثبات النسب فيكون تناقضاً في دعوى مال لا في دعوى نسب.
2 - يشترط لصحة الإقرار - بالنسب - بوجه عام ألا يكذب ظاهر الحال المقر في إقراره وألا يكون المقر به محالاً عقلاً أو شرعاً والقول المعول عليه أن الإقرار بما يتفرع عن أصل النسب وهو الإقرار بغير الأبوة والبنوة، لا يثبت به نسب أصلاً ولا بد إما من تصديق من حمل عليه النسب أو إثباته بالبينة لأن الإقرار في هذه الحالة يقتضي تحميل النسب على غير المقر والإقرار بذاته حجة قاصرة.
3 - لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير الأدلة المطروحة عليها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها واستخلاص ما تراه متوافقاً مع واقع الدعوى دون رقابة من محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً.
4 - النعي بأن شهادة الميلاد ليست حجة في إثبات النسب مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يتخذ من شهادة الميلاد حجة على ثبوت النسب وإنما اعتبرها قرينة بالإضافة إلى الأدلة والقرائن الأخرى التي أوردها الحكم.
5 - جرى قضاء محكمة النقض على أنه في الفترة السابقة على صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية، كانت المحاكم الشرعية تختص بنظر مسائل مواريث المصريين غير المسلمين باعتبارها ذات الولاية العامة ما لم يتراض الورثة الذين تعترف الشريعة الإسلامية بوراثتهم والمتحدي الملة على الاحتكام إلى مجالسهم الملية، فتكون لهذه المجالس عند ذلك ولاية نظرها عملاً باتفاقهم ما دامت لهم أهلية التصرف في حقوقهم، وإذ لم يدع الطاعن تخلف الشروط التي استلزمها القانون عند استصدار إعلام الوراثة من مجلس ملي المنيا في سنة 1941 فإنه لا محل للقول ببطلان ذلك الإعلام لصدوره من جهة كانت مختصة بإصداره وقتذاك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 87 لسنة 1969 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة المنيا الابتدائية ضد المطعون عليهما الثانية والثالثة بطلب الحكم بثبوت وفاة المرحوم...... في 22 من يناير سنة 1969 وبأنه من ورثته بصفته شقيقه ويستحق تسعة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها تركته والأمر بتسليمه نصيبه وعدم التعرض له فيه، وقال شرحاً لدعواه إن المرحوم....... توفى في التاريخ المذكور وانحصر إرثه في زوجته - المطعون عليها الثانية وتستحق ثمن التركة فرضاً، وابنته - المطعون عليها الثالثة - ويخصها النصف، وفيه بوصفه أخاه الشقيق ويستحق الباقي تعصيباً، وإذ وضعت المطعون عليهما الثانية والثالثة اليد على التركة وامتنعتا عن تسليمه نصيبه رغم ثبوت أخوته للمورث بمقتضى الإعلام الشرعي الصادر في طلب الوراثة رقم 3 لسنة 1966 من محكمة مركز المنيا للأحوال الشخصية فقد أقام دعواه بطلباته سالفة البيان، تدخل المطعون عليه الأول طالباً رفض الدعوى استناداً إلى أن الطاعن ليس أخاً شقيقاً للمتوفى وأقام بدوره الدعوى رقم 97 لسنة 1966 أحوال شخصية "نفس" أمام ذات المحكمة ضد المطعون عليهما الثانية والثالثة ابتغاء الحكم بثبوت وفاة المرحوم..... في 22 من يناير سنة 1969 وأنه ضمن ورثته بصفته ابن أخيه الشقيق ويستحق 2 و1/ 4 قيراطاً من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها التركة تعصيباً وأمر المدعى عليهما تسليمه إليه وعدم التعرض له، وبسط دعواه بأن المتوفى المشار إليه انحصر ميراثه الشرعي في زوجته وابنته المطعون عليهما الثانية الثالثة - وفي أولاد أخيه الشقيق وهم المطعون عليه الأول و...... و...... و...... أولاد...... فقط بدون شريك ولا وارث له سواهم وقد ترك ما يورث عنه، وإذ امتنعت الزوجة والابنة عن إعطائه نصيبه الشرعي فقد أقام دعواه بطلباته، تدخل الطاعن في هذه الدعوى طالباً رفضها باعتباره شقيق المورث ويحجب من عداه، وبعد ضم الدعويين حكمت المحكمة في 16 من مارس سنة 1970 بالإحالة إلى التحقيق ليثبت كل من الطاعن والمطعون عليه الأول وفاة المرحوم....... في 22 من يناير سنة 1969 وإن كلاً منهما ضمن ورثته الأول بوصفه شقيقه والثاني بصفته ابن أخيه الشقيق، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت المحكمة في 31 من يناير سنة 1971 حكماً غيابياً قضى في الدعوى رقم 87 لسنة 1969 (أولاً) بقبول تدخل المطعون عليه الأول خصماً في الدعوى (ثانياً) بثبوت وفاة المرحوم...... بتاريخ 22 من يناير سنة 1969 وأن الطاعن من ورثته أخاه الشقيق ويستحق باقي تركته تعصيباً بعد نصيب المطعون عليهما الثانية والثالثة وقدره تسعة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها التركة، وألزمت المطعون عليهما الثانية والثالثة مصروفات هذا الشق من الدعوى، وفي الدعوى رقم 97 لسنة 1969 أحوال شخصية (أولاً) بقبول تدخل الطاعن خصماً في الدعوى (ثانياً) برفضها. عارضت المطعون عليها الثانية في الحكم الصادر في الدعوى رقم 87 لسنة 1969 فيما قضى به من إلزامها المصروفات تأسيساً على أنها لم تنازع رافعها - الطاعن - في مدعاه، وبتاريخ 12 من إبريل سنة 1971 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه في شقه القاضي بإلزام المطعون عليها الثانية المصروفات وتحميلها الطاعن. استأنف المطعون عليه الأول الحكم الصادر في 31 من يناير سنة 1931 بالاستئناف المقيد برقم 3 لسنة 7 ق بني سويف طالباً إلغاءه وباعتباره من ورثة المتوفى بوصفه ابن أخيه الشقيق، كما استأنف الطاعن الحكم الصادر في المعارضة بتاريخ 12 من إبريل سنة 1971 وقيد استئنافه برقم 8 لسنة 7 ق بني سويف طالباً إلزام المطعون عليه الأول مصروفات الدعوى أمرت المحكمة بضم الاستئنافين، وبتاريخ 6 من إبريل سنة 1972 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء في الاستئناف رقم 3 لسنة 7 ق (أولاً) بعدم سماع الدعوى رقم 87 لسنة 1969 كلي وبعدم جواز تدخل المطعون عليه الأول فيها (ثانياً) في الدعوى رقم 97 لسنة 1969 بثبوت وفاة المرحوم...... بتاريخ 22 من يناير سنة 1969 وأن من ورثته المطعون عليه الأول بصفته ابن أخ شقيق يستحق في تركته تعصيباً 2 و1/ 4 قيراطاً من أربعة وعشرين قيراطاً تنقسم إليها التركة وأمر المطعون عليهما الثانية والثالثة بتسليمه نصيبه وعدم التعرض له فيه وبعدم قبول تدخل الطاعن خصماً فيها، وفي الاستئناف رقم 8 لسنة 7 ق برفضه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبعة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب الأول والثاني والثالث والخامس منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم انتهى إلى أن دعواه غير مسموعة شرعاً استناداً إلى أنها مستحيلة الثبوت ويشوبها التناقض غير المغتفر لأنها دعوى مال، في حين أنه لا يوجد استحالة أو تناقض لأن الطاعن لا يدعي نسبه في وقت واحد إلى كل من"......" و"......" بل إلى أولهما فقط، كما أن ادعاء الوراثة بما فيه تحميل للنسب على الغير ينطوي على دعوى نسب غير منفصلة عن دعوى الميراث، وقد أدى هذا التوهم الخاطئ من الحكم إلى إطراح الإقرارات العديدة من إخوة المورث ومن ورثته المطعون عليهما الثانية والثالثة بل ومن المطعون عليه الأول نفسه، وكلها مؤدية إلى أن الطاعن أخ شقيق للمورث، على خلاف ما تقضي به الشريعة السمحاء من أن الإقرار بالإخوة يثبت بالبرهان، وقد أقام الطاعن الدليل عليه بأقوال شهوده التي أهدرها الحكم بمقولة تناقضها مع الإقرارات المقدمة والمستندات الرسمية دون أن يعين ماهية هذه الإقرارات والمستندات المدعاة هذا إلى أن الحكم ذهب إلى أن نسب الطاعن لوالديه "....... و......." معروف وظاهر طبقاً للوارد في شهادة ميلاده مع أن هذه الشهادة ليست حجة في إثبات النسب ويدحضها العديد من المستندات المنسوب فيها الطاعن إلى والده الحقيقي"......"، والتي يتضح منها أن اسم "....." الملقب به لا يعدو أن يكون اسم شهرة لا يلتصق بسببه نسبة علاوة على أن قضاء الحكم بعدم قبول كل من الطاعن والمطعون عليه الأول خصماً في الدعوى المقامة عليه من خصمه جرد الدعويين من الخصم الحقيقي فيهما، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أنه - لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن التناقض مانع من سماع الدعوى بالنسب ما لم يكن في موضع خفاء فيكون عفواً، وهو لا يغتفر إذا كان فيه تحميل للنسب على الغير كالأخوة والعمومة باعتباره غير مقصود لذاته بل يستهدف حقاً لا يتوصل إلا بإثبات النسب فيكون تناقضاً في دعوى مال لا في دعوى نسب، وكان يشترط لصحة الإقرار بوجه عام ألا يكذب ظاهر الحال المقر في إقراره، وألا يكون المقر به محالاً عقلاً أو شرعاً، وكان القول المعول عليه أن الإقرار بما يتفرع عن أصل النسب وهو الإقرار بغير الأبوة والبنوة - لا يثبت به نسب أصلاً ولا بد إما من تصديق من حمل عليه النسب أو إثباته بالبينة لأن الإقرار في هذه الحالة يقتضي تحميل النسب على غير المقر والإقرار بذاته حجة قاصرة، وكان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد "...... من المبادئ المقررة شرعاً أنه يشترط لسماع الدعوى أن يكون المدعى به مما يحتمل الثبوت عقلاً فلو كان مستحيلاً كدعوى شخص على آخر معروف النسب من أبيه أنه ابنه لتيقن كذب المدعي في المستحيل العقلي - كما يشترط كذلك لسماع الدعوى عدم وجود تناقض فيها ومعنى ذلك أن يسبق من المدعي كلام مناف للكلام الذي يقوله في دعواه..... ويشترط لصحة الإقرار ألا يكون المقر به باطلاً شرعاً فإن الشرع يعده باطلاً لم يصح الإقرار به ولم يعامل المقر بمقتضاه، وادعاء النسب بغير حق وادعاء الإرث دون حق فيه اعتداء على حقوق الله..... بما أن المحكمة تقرر على ضوء القواعد الشرعية والمستندات الرسمية المقدمة من المستأنف - المطعون عليها الأول - ومن التحقيق الذي أجرته. محكمة أول درجة على النحو سالف البيان ما يلي...... (أولاً) أن المرحومين..... و..... يتعاملان مع المستأنف عليه - الطاعن - منذ مدة تزيد على أربعين عاماً ويعلمان علم اليقين أن نسب المستأنف عليه المذكور معروف وظاهر في بلدته البرجاية وأنه ابن...... وأن أمه تدعى...... فإقرارهما بأنه أخ لهما في التوكيلين الصادرين من أولهما سنة 1954 والصادر ثانيهما سنة 1956 باطل شرعاً وفي إجرائهما لهذا الإقرار اعتداء على حقوق الله المتعلقة بالنسب فلا يصح إقرارهما ولا يثبت به نسب أو إرث على خلاف الحقيقة.... (ثانياً) بطلان شهادة جميع شهود المستأنف عليه الأول إزاء تناقضها مع الإقرارات الصادرة منه والمستندات الرسمية التي تفيد أنه..... وأن أمه تدعى..... (رابعاً) أن المستأنف عليه الأول معروف النسب لأبيه وظاهر به في بلدته البرجاية بأنه ابن...... وأن أمه تدعى.......، وذلك كما هو ثابت من إقراره في العديد من المستندات الرسمية، فدعواه غير ذلك تكون مستحيلة في الثبوت عقلاً، كما أنه شابها تناقض غير مغتفر لأنها بدعوى مال ورفع التناقض فيها قد تعذر، ومن ثم تكون غير مسموعة شرعاً....."، فإن هذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون أو للثابت بالأوراق ولا قصور في تسبيبه، ذلك أنه أسس قضاءه على سند من أن الطاعن هو...... وأنه ليس ابناً لمن يدعى...... مستدلاً على ذلك بالبينة الشرعية وبما استمده من المستندات التي عددها وأورد فحواها بغير مسخ أو تحريف والتي اعتاد الطاعن التعامل فيها باسم....... ردحاً طويلاً من الزمان قبل إقامته مدعاه، ورتب على ذلك أن مسلكه ذاك يتناقض مع ادعائه الماثل بأنه ابن..... كما أن الإقرارات التي تذرع بها الطاعن وأقوال شهوده لا يعول عليها لتعارضها مع تلك المستندات، لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير الأدلة المطروحة عليها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها واستخلاص ما تراه متوافقاً مع واقع الدعوى دون رقابة من محكمة النقض متى كان استخلاصها سائغاً، وكان الحكم قد بين مدى أثره حجية المستندات الرسمية فيما تضمنته من بيانات واستعرض فحواها واستظهر أقوال شهود الطرفين إثباتاً ونفياً ورجح بينها في حدود سلطته، وكان ما يثيره الطاعن من أن اسم........ اللاحق به ليس إلا اسم شهرة ولا يثبت به نسب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل. ولما كان الحكم لم يتخذ من شهادة الميلاد حجة على ثبوت النسب، وإنما اعتبرها قرينة بالإضافة إلى الأدلة والقرائن الأخرى التي أوردها الحكم على ما سلف بيانه. لما كان ما تقدم، وكان قضاء الحكم بعدم قبول تدخل كل من المطعون عليه الأول والطاعن في دعوى الآخر غير مؤثر في النتيجة التي انتهى إليها طالما رفعت الدعويان أصلاً على المطعون عليهما الثانية والثالثة وهما من ورثة المتوفى، وطالما قضى في دعوى الطاعن بعدم سماعها وحكم بالطلبات في دعوى المطعون عليه الأول، ويكون النعي بكافة وجوهه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم انتهى إلى بطلان الإعلام الشرعي رقم 3 لسنة 1966 وراثات الصادر من محكمة مركز المنيا للأحوال الشخصية والذي يبين منه أنه أخ شقيق للمورث، واعتد بالإعلام رقم 407 لسنة 1941 الصادر من مجلس ملي المنيا على سند من القول بأن الطاعن كان شاهداً على صحة بياناته وسبق تعامله على أساسه، مع أن الطاعن تمسك بأن ذلك الإعلام الأخير صادر من جهة لا ولاية لها في إصداره هذا إلى أن الحكم لم يبين دليله على التعامل استناداً إلى ذلك الإعلام الباطل.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن قضاء محكمة النقض جرى على أنه في الفترة السابقة على صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية كانت المحاكم الشرعية تختص بنظر مسائل مواريث المصريين غير المسلمين باعتبارها ذات الولاية العامة، ما لم يتراضى الورثة الذين تعترف الشريعة الإسلامية بوراثتهم والمتحدي الملة على الاحتكام إلى مجالسهم الملية فيكون لهذه المجالس عند ذاك ولاية نظرها عملاً باتفاقهم ما دامت لهم أهلية التصرف في حقوقهم، وإذ لم يدع الطاعن تخلف الشروط التي استلزمها القانون عند استصدار إعلام الوراثة من مجلس ملي المنيا في سنة 1941، فإنه لا محل للقول ببطلان ذلك الإعلام لصدوره من جهة كانت مختصة بإصداره وقتذاك.
لما كان ذلك وكان الحكم قد دلل على استعانة الطاعن بذلك الإعلام بالثابت من عقود بيع مسجلة ولم يعترض عليها الطاعن - تفيد حصول تعامل بينه وبين ورثة..... وكان ما استخلصه الحكم في هذا الخصوص من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى السبب السادس مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه استأنف الحكم الصادر بإلزامه المصروفات استناداً إلى صدور حكم محكمة أول درجة لصالحه، غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لاستئنافه قولاً منه بأنه أصبح غير ذي موضوع مع أن نقض الحكم في الموضوع يترتب عليه نقض الحكم بالنسبة للمصروفات التي تلزم المطعون عليه الأول.
وحيث إنه لما كانت المحكمة لم تجد مبرراً لنقض الحكم المطعون فيه فإن سبب النعي ينصب على غير محل.
وحيث إنه لما سلف يتعين رفض الطعن برمته.

الطعن 44 لسنة 40 ق جلسة 29 / 1 / 1975 مكتب فني 26 ج 1 أحوال شخصية ق 62 ص 284

جلسة 29 من يناير سنة 1975

برياسة السيد المستشار أنور أحمد خلف، وعضوية السادة المستشارين: محمد أسعد محمود وجلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي، وعبد السلام الجندي.

----------------

(62)
الطعن رقم 44 لسنة 40 ق "أحوال شخصية"

(1، 2، 3، 4، 5) إثبات "الإقرار". أحوال شخصية. إرث.
(1) استخلاص الحكم المطعون فيه إسلام المورث استناداً إلى إقراره أمام القضاء في سنة 1959 بأنه أسلم في سنة 1951، وأن هذا الإقرار ينتج أثره باعتباره مسلماً منذ سنة 1951. استخلاص موضوعي سائغ لدلالة الإقرار مما يستقل به قاضي الموضوع.
(2) الولد يتبع أحد أبويه في الإسلام. هذه التبعية لا تنقطع إلا بالعقل والبلوغ ولا يكفي سن التمييز. الأصل في البلوغ. ظهوره بأماراته المعهودة أو بتجاوز الخمس عشرة سنة هجرية.
(3) الاعتقاد الديني. من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان. الإقرار أمام القضاء بالإسلام والنطق بالشهادتين. عدم جواز البحث في حقيقة إسلام المقر وصحة إيمانه.
(4) المسلم تبعاً لإسلام أحد أبويه. عدم لزوم تجديد إيمانه.
(5) الدخول في المسيحية. لا يتم ولا ينتج أثره بمجرد الطالب. وجوب إتمام طقوسها وقبول الجهة الدينية الجديدة والقيد في سجلاتها.
(6) نقض "أسباب الطعن". نظام عام.
المسائل المتعلقة بالنظام العام. جواز إثارتها من المطعون عليه والنيابة العامة أو من محكمة النقض. شرطه.
(7) إرث. نظام عام.
أحكام المواريث الأساسية. تعلقها بالنظام العام. حصر الحكم للإرث في أخوة المتوفاة لأب المسلمين، دون ابنتها المسلمة تبعاً لها. خطأ في القانون.

---------------
1 - متى كان البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد "الإسلام يكفي فيه مجرد النطق بالشهادتين والإقرار به دون حاجة إلى إعلانه أو إشهاده رسمياً...... كما أن الثابت من الاطلاع على الصورة التنفيذية للحكم رقم 17 لسنة 1959 حلوان أن المرحوم.... قد أقر بالجلسة أمام المحكمة بزواجه من المستأنف عليها الأولى وبإسلامه، كما نطق بالشهادتين، وهذا الإقرار بذاته هو إخبار وكشف عن الإسلام الذي يكون به الشخص مسلماً.... وهو ما يقطع بإسلامه منذ التاريخ الذي حدده بإقراره وهو سنة 1951، ويكون نطقه بالشهادتين مجرد تأكيد لإسلامه الذي أقر به، يضاف إلى هذا وذاك ما ثبت من أقوال شاهدي المستأنف عليها الأولى أمام محكمة الدرجة الأولى..... وليس صحيحاً ما ذهب إليه المستأنف الأول من أن الإقرار الصادر من المرحوم...... أمام محكمة حلوان في 11/ 2/ 1959 لا ينتج أثره إلا منذ هذا التاريخ إذ الصحيح أنه ينتج أثره من تاريخ الإسلام الحاصل في سنة 1951 لأنه على ما مر بسطه إخبار وكشف عن الإسلام" فإن هذا الذي انتهى إليه الحكم على النحو السالف بيانه من إسلام والد المتوفاة وإسناده إلى سنة 1951 هو استخلاص موضوعي سائغ لدلالة الإقرار يستقل به قاضي الموضوع ولا تراقبه فيه محكمة النقض.
2 - المتفق عليه في الفقه الإسلامي أن الوالد يتبع أحد أبويه في الإسلام باعتباره خير الديانات حتى يصير مكلفاً، ولا تنقطع هذه التبعية ويتحقق التكليف إلا بالعقل والبلوغ لأنه أنظر له، ولا يكفي سن التمييز، والأصل في البلوغ أن يظهر بأماراته المعهودة و إلا فبتجاوز الخمس عشرة سنة هجرية. ولما كان الثابت أن المتوفاة لم تكن جاوزت الثامنة من عمرها - وعلى ما أفصح الحكم - عند اعتناق والدها دين الإسلام فإن من المتعين أن تلاحقه دينه الجديد وتتابعه فيه.
3 - الاعتقاد الديني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مسألة نفسانية وهو من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان والتي لا يسوغ لقاضي الدعوى التطرق إلى بحث جديتها أو بواعثها ودوافعها. ولما كان والد المتوفاة قد أقر بأنه مسلم ونطق بالشهادتين بين يدي القضاء، فإنه لا يجوز التعرض لحقيقة إسلامه وصحة إيمانه به.
4 - الراجح في مذهب الحنفية أن المسلم تبعاً لإسلام أحد أبويه لا يلزمه تجديد الإيمان بعد بلوغه لوقوعه فرضاً باعتباره البقاء على أصل الفطرة أو ما هو أقرب إليها.
5 - الدخول في المسيحية هو عمل إرادي من جانب الجهة الدينية المختصة ومن ثم فهو لا يتم ولا ينتج أثره بمجرد القول أو الطلب أو إبداء الرغبة، ولكن بعد الدخول فيها وإتمام طقوسها ومظاهرها الخارجية الرسمية بقبول الجهة الدينية الجديدة طلب الانضمام وقيده في سجلاتها واعتبار طالب الدخول عضواً يتبعها ويمارس طقوسها.
6 - يحق لكل من المطعون عليه والنيابة العامة ومحكمة النقض أن تثير في الطعن مسألة تتعلق بالنظام العام تكون واردة على ما رفع عنه الطعن، شريطه توافر جميع العناصر التي تتيح الإلمام بها لدى محكمة الموضوع.
7 - أحكام المواريث الأساسية التي تستند إلى نصوص قاطعة في الشريعة والتي استمد منها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 تعتبر في حق المسلمين من النظام العام لصلتها الوثيقة بالدعائم القانونية والاجتماعية المستقرة في ضمير الجماعة (1)، ولما كانت وفاة المرحومة... مسلمة يقتضي أن تتبعها في دينها ابنتها الصغيرة التي شاركت في الطعن بالنقض ممثلة بوليها الشرعي مما مؤداه أن تسهم في الإرث المخلف عن والدته، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وحصر الإرث في أخوة المتوفاة لأب المسلمين دون ابنتها المسلمة تبعاً لها فإنه يتعين نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن الأول عن نفسه وبصفته ولياً على ابنته أقام الدعوى رقم 587 لسنة 1966 أحوال شخصية أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية والتي أحيلت إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت برقم 302 لسنة 1967 أحوال شخصية "نفس" ضد الطاعنة الثانية والمطعون عليها الأولى بصفتها وصية على أولادها القصر والمطعون عليه الثاني، وقال شرحاً لها إن زوجته المرحومة..... توفيت بتاريخ 18 من يوليه سنة 1966 وانحصر إرثها فيه باعتباره زوجها وفي ابنتها منه وفي والدتها وعمها، وإذا ادعت المطعون عليها الأولى أن أولادها القصر يرثون المتوفاة باعتبارهم أخوة لأب، فقد طلب الحكم بثبوت وفاة زوجته في التاريخ المذكور وانحصار إرثها فيه باعتباره زوجاً لها ويستحق ربع التركة فرض، وفي ابنتها منه المشمولة بولايته وتستحق النصف فرضاً وفي والدتها - الطاعنة الثانية - وتستحق السدس فرضاً وفي عمها الشقيق - المطعون عليه الثاني - ويستحق باقي التركة تعصيب، وبعدم استحقاق أولاد المطعون عليها الأولى لشيء من التركة، كما أقامت المطعون عليها الأولى بصفتها وصية على أولادها القصر الدعوى رقم 1298 لسنة 1966 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين وباقي المطعون عليهم وقالت بسطاً لها إن المرحوم….. رزق بابنته المتوفاة المرحومة...... وقت إن كان مسيحياً متزوجاً بالطاعنة الثانية المسيحية، وإذ اعتنق الدين الإسلامي وتزوجها وأنجب منها أولاداً ثلاثة، وكانت المتوفاة وقت إسلام والدها لم تتجاوز السابعة من عمرها فإنها تتبعه في دين الإسلام، وتكون تركتها لأخوتها لأب المسلمين دون ورثتها المسيحيين، وانتهت إلى طلب الحكم بثبوت وفاة المرحومة……. في التاريخ المشار إليه وانحصار إرثها في أخوتها لأبيها..... المشمولين بوصايتها ويستحقون جميع تركتها تعصيباً من غير شريك ولا وراث، وبمنع تعرض الطاعنين لهم، وذلك في مواجهة المطعون عليهما الأخيرين، ضمت الدعويان، وحكمت المحكمة في 22 من إبريل سنة 1969 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها الأولى أن المرحوم.... والد المتوفاة.... قد اعتنق الدين الإسلامي في سنة 1951 وقت إن كانت ابنته في حوالي السابعة من عمرها وأنه أخذها لتعيش بالمسكن الذي يضمه وزوجته المسلمة وأن ميراثها ينحصر في أخوتها لأبيها المشمولين بوصاية المطعون عليها الأولى دون شريك ولا وارث آخر، وليثبت الطاعن الأول أن المتوفاة المذكورة كانت وقت إسلام أبيها في السادسة عشرة من عمرها وظلت بجوار أمها واختارت المسيحية ديناً وأن ميراثها ينحصر في زوجها وابنتها المشمولة بولايته ووالدتها - الطاعنين - وعمها الشقيق المطعون عليه الثاني وبعد سماع شهود الطرفين عادت فحكمت في 25 من نوفمبر سنة 1969 (أولاً) في الدعوى رقم 1298 لسنة 1961 بثبوت وفاة.... في 18 من يوليه سنة 1966 وانحصار إرثها في أخوتها لأب…... و…... و…... أولاد...... ويستحقون جميع تركتها تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين من غير شريك ولا وارث لها سواهم ولا من يستحق وصية واجبة (ثانياً) في الدعوى رقم 302 لسنة 1967 برفضها. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف المقيد برقم 116 لسنة 86 ق القاهرة ومحكمة الاستئناف حكمت في 13 من يونيه سنة 1970 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة المشورة فرأت أنه جدير بالنظر وبالجلسة المحددة عدلت النيابة عن رأيها الأول وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعنان بها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم انتهى إلى أن المتوفاة تعد مسلمة منذ كانت في الثامنة من عمرها تبعاً لاعتناق والدها دين الإسلام سنة 1951 طبقاً لإقراره في دعوى النفقة رقم 17 لسنة 1909 حلوان، وأنها ظلت على ذلك الدين طيلة حياتها ولم يثبت إيثارها المسيحية عقب بلوغها سن الاختيار، في حين أن الإقرار المنسوب إلى والد المتوفاة برد إسلامه إلى سنة 1951 لا تنصرف آثاره إلى ابنته إلا من وقت إدلائه به فعلاً بتاريخ 11 من فبراير سنة 1959 عندما كانت ابنته قد ناهزت الخمسة عشرة ربيعاً ولم تعد قاصراً مما ينتفي معه القول باتباعها خير الأبوين ديناً وبافتراض اعتبار والد المتوفاة مسلماً منذ سنة 1951 فإن ابنته تكون قد جاوزت سن التمييز المقدر في الفقه الإسلامي بسبع سنين ومن ثم لا يلاحقها حكم التبعية في الدين. هذا إلى أن الثابت من المستندات المقدمة أن المتوفاة ظلت تدين بالمسيحية حتى وفاتها وهو ما يستفاد من الشهادات الدراسية والبطاقة الشخصية والطقوس المتبعة عند زواجها من الطاعن، وقد سلمت المطعون عليها الأولى بذلك بدليل إنكارها أحقيتها في ميراث والدها المسلم. علاوة على أن والد المتوفاة لم يكن صحيح الإسلام عن عقيدة وإيمان، وكان الظاهر من هامة أحواله أنه بقي على عقيدته المسيحية تبعاً لاستمراره في أداء الشعائر الكنسية وتمسكه بدينه المسيحي في بطاقته الشخصية وشهادة ميلاده، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي بكافة وجوهه مردود، ذلك أن البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أورد أن...... "الإسلام يكفي فيه مجرد النطق بالشهادتين والإقرار به دون حاجة إلى إعلانه أو إشهاره رسمياً......"، كما أن الثابت من الاطلاع على الصورة التنفيذية للحكم رقم 17 لسنة 1959 حلوان آنف الذكر أن المرحوم….... قد أقر بالجلسة أمام المحكمة بزواجه من المستأنف عليها الأولى - المطعون عليها الأولى - وبإسلامه كما نطق بالشهادتين، وهذا الإقرار بذاته هو إخبار وكشف عن الإسلام الذي يكون به الشخص مسلماً..... وهو ما يقطع بإسلامه منذ التاريخ الذي حدده بإقراره وهو سنة 1951، ويكون نطقه بالشهادتين مجرد تأكيد لإسلامه الذي أقر به، يضاف إلى هذا وذاك ما ثبت من أقوال شاهدي المستأنف عليها الأولى أمام محكمة الدرجة الأولى…. أما ما يتعلق بإسلام المرحومة...... تبعاً لإسلام أبيها...... وهي دون سن الاختيار فأمر ثابت من إقرار هذا الأخير بإسلامه في سنة 1951 وأنها كانت وقتذاك في الثامنة من عمرها لأنها مولودة في سنة 1943 كما هو ثابت من شهادة ميلادها..... وليس صحيحاً ما ذهب إليه المستأنف الأول - الطاعن الأول - من أن الإقرار الصادر من المرحوم...... أمام محكمة حلوان في 11/ 2/ 1959 لا ينتج أثره إلا منذ هذا التاريخ إذ الصحيح أنه ينتج أثره من تاريخ الإسلام الحاصل في سنة 1951 لأنه على ما مر بسطه إخبار وكشف عن الإسلام..." فإن هذا الذي انتهى إليه الحكم على النحو السالف بيانه من إسلام والد المتوفاة وإسناده إلى سنة 1951 هو استخلاص موضوعي سائغ لدلالة الإقرار يستقل به قاضي الموضوع ولا تراقبه فيه محكمة النقض، ولما كان المتفق عليه في الفقه الإسلامي أن الوالد يتبع أحد أبويه في الإسلام باعتباره خير الديانات حتى يصير مكلفاً، ولا تنقطع هذه التبعية و يتحقق التكليف إلا بالعقل والبلوغ لأنه أنظر له ولا يكفي سن التمييز، وكان الأصل في البلوغ أن يظهر بأماراته المعهودة وإلا فبتجاوز الخمس عشرة سنة هجرية، وإذ كان الثابت أن المتوفاة لم تكن قد جاوزت الثامنة من عمرها - وعلى ما أفصح الحكم - عند اعتناق والدها دين الإسلام فإن من المتعين أن تلاحقه دينه الجديد وتتابعه فيه. لما كان ذلك وكان الاعتقاد الديني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مسألة نفسانية، وهو من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان والتي لا يسوغ لقاضي الدعوى التطرق إلى بحث جديتها أو بواعثها ودوافعه، وكان والد المتوفاة قد أقر بأنه مسلم ونطق بالشهادتين بين يدي القضاء، فإنه لا يجوز التعرض لحقيقة إسلامه وصحة إيمانه به لما كان ما تقدم، وكان الراجح في مذهب الحنفية أن المسلم تبعاً لإسلامه أحد أبويه لا يلزمه تجديد الإيمان بعد بلوغه لوقوعه فرضاً باعتباره البقاء على أصل الفطرة أو ما هو أقرب إليها، وكان الدخول في المسيحية هو عمل إرادي من جانب الجهة الدينية المختصة ومن ثم فهو لا يتم ولا ينتج أثره بمجرد القول أو الطلب أو إبداء الرغبة، ولكن بعد الدخول فيها وإتمام طقوسها ومظاهرها الخارجية الرسمية بقبول الجهة الدينية الجديدة طلب الانضمام وقيده في سجلاتها واعتباره طالب الدخول عضواً يتبعها ويمارس طقوسها. وكان لا اعتداد بمسلك المطعون عليها الأولى في هذا المجال لأن العبرة بحقيقة الواقع وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وخلص إلى اعتبار المتوفاة.... مسلمة تبعاً لإسلام والدها وظلت على إسلامها فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه - مع ذلك - فلما كان يحق لكل من المطعون عليه والنيابة العامة ومحكمة النقض أن تثير في الطعن مسألة تتعلق بالنظام العام تكون واردة على ما رفع عنه الطعن، شريطه توافر جميع العناصر التي تتيح الإلمام بها لدى محكمة الموضوع وكانت أحكام المواريث الأساسية التي تستند إلى نصوص قاطعة في الشريعة والتي استمد منها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 تعتبر في حق المسلمين من النظام العام لصلتها الوثيقة بالدعائم القانونية والاجتماعية المستقرة في ضمير الجماعة، وإذ كانت وفاة المرحومة….. مسلمة يقتضي أن تتبعها في دينها ابنتها الصغيرة التي شاركت في إقامة الطعن بالنقض ممثلة بوليها الشرعي، مما مؤداه أن تسهم في الإرث المخلف عن والدته، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وحصر الإرث في إخوة المتوفاة لأب المسلمين دون ابنتها المسلمة تبعاً لها فإنه يتعين نقضه.


(1) نقض 27/ 5/ 1964 مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 727.

الطعن 9 لسنة 39 ق جلسة 3 / 5 / 1972 مكتب فني 23 ج 2 أحوال شخصية ق 127 ص 811

جلسة 3 من مايو سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جودة أحمد غيث، ومحمد عادل مرزوق، وإبراهيم السعيد ذكري، وعثمان حسين عبد الله.

---------------

(127)
الطعن رقم 9 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين". "زواج". إثبات. "عبء الإثبات". "الإقرار". حكم. "ما يعد قصوراً".
(أ) شريعة الأقباط الأرثوذكس. الغش في بكارة الزوجة. مجرد ادعائها بأنها بكر على خلاف الحقيقة يجيز إبطال الزواج. على الزوج عبء إثبات أن بكارتها أزيلت نتيجة سوء سلوكها.
(ب) تقديم الخصم إقراراً صادراً من خصمه له دلالته في الدعوى. إغفال الحكم التحدث عنه. قصور. مثال في دعوى بطلان زواج.

----------------
1 - تنص المادة 36 من مجموعة سنة 1955 الخاصة بقواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس على أنه يجوز الطعن في الزواج "إذ وقع غش في شأن بكارة الزوجة بأن ادعت أنها بكر، وثبت أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها" ومفاد هذا النص أن الغش في بكارة الزوجة يجيز إبطال الزواج على أساس أنه غلط في صفة جوهرية يعيب الإرادة، وهو يتوافر بمجرد ادعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة، ثم يتبين فيما بعد أنها لم تكن بكراً، ولم يكن الزوج يعلم بذلك من قبل، على أن يثبت هو أن بكارتها قد أزيلت نتيجة سوء سلوكها، ولما كان الثابت أن الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه تزوج من المطعون عليها، وادعت أنها بكر، غير أنه تبين حينما دخل بها أن بكارتها قد أزيلت، وكان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه أنه لم يعتد بتوافر الغش في هذه الحالة بادعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة، وإنما اشترط لذلك أن تكون الزوجة أو أحد أفراد عائلتها قد أدخل في روع الزوج أنها بكر وليست ثيباً، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
2 - متى كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك في دفاعه بأن المطعون عليها لم تكن بكراً لسبب لا يرجع إلى فعله، واستدل على ذلك بأنها اعترفت في الإقرار المؤرخ 6/ 3/ 1967 بأن آخر أزال بكارته، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى رداً على هذا الدفاع بأن الطاعن لم يثبت أن بكارة المطعون عليها أزيلت بسبب سوء سلوكها رغم إحالة الدعوى إلى التحقيق، دون أن يتحدث الحكم بشيء عن الإقرار سالف الذكر، مع ما قد يكون لهذا المستند من الدلالة في هذا الخصوص، فإنه يكون قد عاره قصور يبطله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 26 سنة 1967 قنا الابتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليها طالباً الحكم ببطلان عقد زواجه منها المؤرخ 5/ 3/ 1967، وقال بياناً لدعواه إنه تزوج من المطعون عليها بالعقد المشار إليه طبقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس على أنها بكر، وإذ ظهر أنها أدخلت عليه الغش لأنه تبين عند دخوله بها أن بكارتها قد أزيلت قبل العقد، وحصل منها على إقرار بذلك 6/ 3/ 1967، وهو مما يعيب رضاه ويبطل العقد، فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته، وبتاريخ 16/ 5/ 1967 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أن المطعون عليها لم تكن بكراً حينما دخل بها لسبب لا يرجع إلى فعله، وأنه لم يكن يعلم بذلك عند الدخول بها، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 2/ 4/ 1968 فحكمت برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 8 سنة 43 ق أحوال شخصية "نفس" أسيوط طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وبتاريخ 18/ 2/ 1969 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن في السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ويقول بياناً لذلك إن الحكم استند في قضائه إلى أن المادة 36 من مجموعة سنة 1955 الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس تشترط للحكم بالبطلان أن يكون الغلط في البكارة نتيجة غش من جانب الزوجة أو من شخص يثق فيه الزوج، وأن الأوراق قد خلت من أي دليل على أن الزوجة أو أحد أفراد عائلتها قد أدخل في روع الزوج أنها بكر، في حين أن الغش الذي وقع فيه الزوج قد توافر بادعاء المطعون عليها أنها بكر، وما ظهر عند الدخول بها من أنها ثيب.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه لما كانت المادة 36 من مجموعة سنة 1955 الخاصة بقواعد الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي طبقها الحكم تنص على أنه يجوز الطعن في الزواج "إذ وقع غش في شأن بكارة الزوجة بأن ادعت أنها بكر وثبت أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها" وكان مفاد هذا النص أن الغش في بكارة الزوجة يجيز إبطال الزواج على أساس أنه غلط في صفة جوهرية يعيب الإرادة، وهو يتوافر بمجرد ادعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة ثم يتبين فيما بعد أنها لم تكن بكراً، ولم يكن الزوج يعلم ذلك من قبل، على أن يثبت هو أن بكارتها قد أزيلت نتيجة سوء سلوكها، ولما كان الثابت أن الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه تزوج من المطعون عليها وادعت أنها بكر غير أنه تبين حينما دخل بها أن بكارتها قد أزيلت، وكان يبين من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه أنه لم يعتد بتوافر الغش في هذه الحالة بادعاء الزوجة أنها بكر على خلاف الحقيقة، وإنما اشترط لذلك أن تكون الزوجة أو أحد أفراد عائلتها قد أدخل في روع الزوج أنها بكر وليست ثيباً، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استند في قضائه إلى أن الطاعن لم يثبت أن بكارة المطعون عليها أزيلت بسبب سوء سلوكها، في حين أن هذا الأمر قد ثبت من الإقرار الذي وقعت عليه المطعون عليها بتاريخ 6/ 3/ 1967 واعترفت فيه بأن شخصاً آخر خلاف الطاعن هو الذي أزال بكارتها، وقد تمسك الطاعن بدلالة هذا الإقرار، غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا المستند مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي صحيح أيضاً، ذلك أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك في دفاعه بأن المطعون عليها لم تكن بكراً لسبب لا يرجع إلى فعله، واستدل على ذلك بأنها اعترفت في الإقرار المؤرخ 6/ 3/ 1967 بأن آخر أزال بكارتها، وكان يبين من الاطلاع على هذا الإقرار الذي يحمل توقيع كل من الزوجين وآخرين كشهود أنه يجرى كالآتي "نقر ونعترف نحن الموقعين على هذا أدناه السيد/ يعقوب فؤاد منصور الزوج - الطاعن - والسيدة/ فوزية عزيز الزوجة - المطعون عليها - الطرفان من الأقصر تعاقد زواجهما يوم 5/ 3/ 1967 وفي مساء 5/ 3 في حالة إنهاء عقد الزواج اتضح للزوج أن السيدة الزوجة ليست عذراء، وقد اعترفت به الزوجة شفوياً لزوجها بما تسبب لها بفقد بكارتها وهذا ما اعترفت به للسيد الكاهن الأب القمص عبد المسيح، وأيضاً اعترفت به أمام المجلس، ولم يحدث أي جماع شرعي بين الزوجين، وقد تعهدت الزوجة أمام المجلس والأب الكاهن القمص عبد المسيح المكون بمنزل الزوجة بمفارقة منزل الزوجية، واستلم كل منا شيئه وأصبحنا منفصلين نهائياً، وللزوج الحق أن يتزوج بغيري إن شاء بالأسباب المشار إليها، وليس لي أي حق بمطالبته بأي تعويضات وأصبحت من اليوم منفصلة عنه برضاي التام"، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اكتفى رداً على الدفاع المشار إليه بأن الطاعن لم يثبت أن بكارة المطعون عليها أزيلت بسبب سوء سلوكها رغم إحالة الدعوى إلى التحقيق دون أن يتحدث الحكم بشيء عن الإقرار سالف الذكر، مع ما قد يكون لهذا المستند من الدلالة في هذا الخصوص، فإنه يكون قد عاره قصور يبطله مما يتعين معه نقضه لهذا السبب أيضاً.