الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 9 ديسمبر 2023

الطعن 1202 لسنة 8 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 46 ص 424

جلسة 17 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

-----------------

(46)

القضية رقم 1202 لسنة 8 القضائية

(أ) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - مرجحات التعيين وملاءماته متروكة لتقدير سلطة التعيين - مهمة اللجنة العلمية المنوط بها فحص الإنتاج العلمي لا تتعدى التحقق من توافر شروط الكفاية العلمية في المرشح - لا اعتداد بالقول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه - مجلس الجامعة باعتباره سلطة التعيين يملك التصدي بنفسه للموضوع واتخاذ قرار فيه.
(ب) جامعة - ترقية 

- تعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي - لا يكفي فيه مجرد الكفاية العلمية بل هناك جوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفصيل لصالح مرشح دون آخر.

-----------------
1 - إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي، ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة. ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح، وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه". وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يقر الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
2 - إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجة المرشحين.


إجراءات الطعن

بتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة, بالنيابة عن السيد وزير التعليم العالي والسيد/ مدير جامعة الإسكندرية, قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجداولها تحت رقم 1202 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 29/ 3/ 1962 في الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية المرفوعة من الدكتور محمد خليل صلاح ضد وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جامعة الإسكندرية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن الطعن للمدعي بتاريخ 13/ 6/ 1962 وبعد استيفاء إجراءاته أحيل لهذه الدائرة لنظره بجلسة 5/ 4/ 1964 وبعد تداوله بالجلسات وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحاضر قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1436 لسنة 14 القضائية. طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في 31/ 3/ 1960 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ بجامعة الإسكندرية اعتباراً من 13/ 6/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات، تأسيساً على أن هذا القرار صدر مخالفاً للقانون ذلك لأن اللجنة العلمية وضعته سابقاً على الدكتور محمد محمود طه، الذي عين في القرار المطعون فيه، في ترتيب الكفاية العلمية على مقتضى الحكم الوارد بالمادة 55 من القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات، ومن ثم فما كان لأية هيئة من هيئات الجامعة أن تنقض قرار هذه اللجنة العلمية بأسباب لم ترد بالقانون.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل في أن جامعة الإسكندرية أعلنت في إبريل سنة 1958 عن وظيفة أستاذ الكيمياء الحيوية لكلية الطب التي خلت في 7/ 5/ 1960 بوفاة الدكتور تورب فلاشنتيريجر فتقدم لشغل هذه الوظيفة المدعي والمطعون في تعيينه الدكتور محمد محمود طه، وقد انتهت اللجنة العلمية المشكلة لفحص الإنتاج العلمي لكل منهما إلى أن مستوى أبحاثهما جيد ومتين ويرتفع بهما إلى مستوى الأستاذية ويحق لكل منهما شغل كرسي الكيمياء الحيوية المعلن عنه، غير أن إنتاج الدكتور محمد خليل صلاح أكثر عدداً ويشمل نواحي متعددة في الكيمياء الحيوية وانتهت اللجنة إلى وضع المدعي سابقاً على المطعون في تعيينه في ترتيب الكفاية العلمية على هذا السبب. وقد وافق مجلس قسم الفسيولوجيا على قرار اللجنة، فلما عرض على مجلس الكلية رأى هذا المجلس أن يستوضح لجنة الفحص بعض النقاط فأوضحتها منتهية إلى ذات النتيجة الأولى. فعرض الأمر ثانية على مجلس القسم الذي رأى أن يرشح الدكتور محمد محمود طه لأنه ليس هناك فرق ظاهر من حيث الإنتاج يفضل أحد المرشحين على الآخر، أما كثرة العدد، التي استندت عليها اللجنة العلمية، فهي متوفرة فعلاً في أبحاث الدكتور محمد خليل صلاح ولكن هذه الكثرة ليست دائماً مقياساً للقيمة العلمية للأبحاث، وقد يرجع السبب في العدد لظروف الدكتور محمد خليل صلاح أثناء عمله بالإسكندرية مع الدكتور فلاشنتيريجر الذي كان يتيح له وقتاً للبحث لم يتوفر للدكتور محمد محمود طه، ثم أشاد مجلس القسم بالمجهود الكبير الذي بذله الدكتور محمد محمود طه في إدارة شئون قسمه منذ وفاة أستاذه. فلما عرض الأمر على مجلس الكلية قرر بالإجماع ترشيح الدكتور محمد محمود طه (1) لأن مؤهلاته جميعها في الكيمياء الحيوية أما زميله فدرجة الدكتوراه فقط في هذه المادة (2) ولأنه يشتغل بتدريس المادة منذ تخرجه سنة 1936 أما زميله فاشتغل بها منذ سنة 1946، (3) ولأنه قام بإدارة قسم الكيمياء الحيوية منذ وفاة الدكتور فلاشنتيريجر سنة 1957 بكل جدارة. وأضاف مجلس الكلية أنه ليس من مصلحة العمل والاستقرار بالقسم وبالكلية عودة أحد أعضاء هيئة التدريس سبق نقله منها. وقد وافق مجلس الجامعة على اقتراح مجلس الكلية ووافق المجلس الأعلى للجامعات على اقتراح مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 12/ 9/ 1959 ثم اعتمد السيد وزير التربية والتعليم القرار المطعون فيه في 21/ 3/ 1960.
وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 11/ 5/ 1960 ولم يتلق رداً على تظلمه ومن ثم رفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري (1436 لسنة 14 ق) طالباً الحكم بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة أستاذ كرسي الكيمياء الحيوية بكلية طب جامعة الإسكندرية مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 29/ 3/ 1962 أجابت المحكمة المدعي إلى طلباته. وأقامت قضاءها على أن المستفاد من نصوص القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات أن الشارع قد وضع شروطاً ينبغي توافرها ابتداء فيمن يعين أستاذاً ذا كرسي من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ثم أورد قيداً على سلطة الجهة الإدارية في التعيين فاشترط الإعلان عن الوظيفة الشاغرة، وشكل لجنة ناط بها فحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لهذه الوظيفة المعلن عنها - وتقدير مستوى هذا الإنتاج من حيث استحقاق صاحبه لتوليها ثم ترتيب المشرحين بحسب كفاياتهم العلمية؛ ومن ثم فلا تملك جهة الإدارة إلا أن تعين من قررت اللجنة أن إنتاجه العلمي يرفعه إلى مستوى وظيفة أستاذ وأن تلتزم ترتيب المرشحين الذي وضعته اللجنة، إلا إذا تصدى المجلس الأعلى للجامعات وتولى بنفسه اتخاذ قرار منه وهذا لم يحدث في خصوص المنازعة لأن المجلس الأعلى أقر ما انتهت إليه كل من الكلية والجامعة فحسب. فإذا أصدرت الإدارة قرارها على خلاف الأوضاع التي رسمها الشارع بطل قرارها وتستوي المخالفة في هذا الشأن من أن تكون إغفال شرط اشترطه القانون أو بالالتزام بشرط لم يلزم به القانون.
وبتاريخ 28/ 5/ 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة (عن وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية) تقرير طعن قيد بجدول طعون المحكمة الإدارية العليا برقم 1202 لسنة 8 القضائية عن الحكم سالف الذكر. وطلبت في تقرير طعنها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات والأتعاب. وبنت الحكومة طعنها على أن القانون رقم 184 لسنة 1958 بشأن تنظيم الجامعات خلا من أي نص يستفاد منه إلزام الجامعة بالتزام ترتيب المرشحين فيما يتعلق بالتعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ما دام أن مستوى إنتاج المرشحين من الجودة بحيث يرقى بهم إلى درجة الأستاذية، إذ أن مهمة اللجنة العلمية هي فحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديره، أما ترتيب المرشحين فهو إجراء تكميلي لم يرتب عليه المشرع أثراً قانونياً، وإنما ترك أمر التعيين لمجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية أو المجلس الأعلى للجامعات إذا رأى التصدي واتخاذ قرار منه، والقول بوجوب التزام الترتيب الذي تحدده اللجنة العلمية يجعل رأي كل من القسم المختص أو مجلس الكلية لا قيمة له ومجرد تحصيل حاصل. ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه صراحة كما فعل بالنسبة للمادة 16 من قانون موظفي الدولة.
ومن حيث إن القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ينص في المادة 48 منه على أن يعين وزير التربية والتعليم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية والقسم المختص وتشترط موافقة المجلس الأعلى للجامعات على التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة، ثم نصت المادة 55 على أنه "عند التعيين في وظيفة أستاذ ذي كرسي يشكل المجلس الأعلى للجامعات بناء على طلب مجلس الجامعة المختص لجنة علمية لفحص الإنتاج العلمي للمرشح وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج، وعما إذا كان يرقى لاستحقاق المرشح الوظيفة التي تقدم إليها مع ترتيب المرشحين بحسب كفاياتهم العلمية..." كما نصت المادة 56 على أن "للمجلس الأعلى للجامعات عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه وفي هذه الحالة يكون التعيين من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للجامعات".
ومن حيث إن الأصل المؤصل أن تترخص الجهة الإدارية - المنوط بها التعيين في الوظائف العامة - بسلطتها التقديرية بما لا معقب عليها في ذلك إلا عند مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يستفاد من أحكام القانون رقم 184 لسنة 1958 آنف الذكر أن المشرع رسم الإجراءات وبين المراحل التي يتعين على الهيئات الجامعية التزامها في تعيين الأساتذة، ذوي الكراسي كما حدد الاختصاص الذي أضفاه على كل من هذه الهيئات التي لها شأن في ذلك التعيين.
ومن حيث إن الواضح من نص المادة 45 من القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات في الجمهورية العربية المتحدة أن الاختصاص بالتعيين في وظائف الأساتذة ذوي الكراسي إنما ينعقد لمجلس الجامعة يمارسه - حسبما اشترطته المادة 55 - بعد الاستيثاق من تحقق شرط الكفاية العلمية في المرشح بواسطة اللجنة العلمية المنوط بها فحص إنتاجهم العلمي، وتقديم تقرير مفصل عن هذا الإنتاج.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن مهمة هذه اللجنة لا تتعدى أمر التحقق من توافر شرط الكفاية العلمية في المرشح وذلك بتوليها فحص إنتاجه العلمي توطئة لتقرير ما إذا كان جديراً بأن يرقى به بحثه إلى مستوى ما يتطلب في الأستاذ من رسوخ في العلم وأصالة في التفكير. أما القول بوجوب التقيد بترتيب المرشحين حسبما تضعه اللجنة العلمية، بحيث لا يملك كل من مجلس الجامعة أو المجلس الأعلى للجامعات أن يحيد عن مؤداه فهو نظر غير معتبر، لأنه يجعل رأي هاتين الهيئتين متوقفاً على تقدير اللجنة مع أن مرجحات التعيين وملاءماته متروكة دائماً لتقدير سلطة التعيين، ومع أن قانون تنظيم الجامعات يخول صراحة للمجلس الأعلى للجامعات في المادة 56 "عند النظر في الترشيح لشغل وظائف الأساتذة ذوي الكراسي أن يتصدى للموضوع ويتولى بنفسه اتخاذ قرار فيه" وقد يجدي في بعض المواطن الرجوع إلى ترتيب المرشحين في مجال الكفاية العلمية حين يعز الترجيح وتدق وجوه المفاضلة بينهم عند تساويهم في استجماع شرائط الصلاحية الأخرى. ومع ذلك لا يمنع مجلس الجامعة مانع قانوني - باعتباره سلطة تعيين - من أن يتصدى للموضوع برمته بأقيسته العلمية الصادقة، وبما يتهيأ له من أسس الترجيح الصائبة الصادرة من الصفوة المختارة من أعضائه، وكلهم من أصحاب القدم الراسخة المشهود لهم بالقدرة الكاملة على وزن الكفايات والمفاضلة بينها بفضل ما أوتوا من ثاقب النظرة، وأصيل الفكرة ورصين التقدير.
ومن حيث إن التعيين في وظيفة الأستاذ ذي الكرسي يفتقر، فوق الكفاية العلمية إلى كمال الاستعداد والتفوق في نواح أخرى، وجوانب متعددة قد يرجح بها ميزان التفضيل لصالح مرشح دون آخر، فقوة الشخصية والقدرة على التدريس والتأثير، والسيطرة على انتباه الشباب والتمكن من حسن توجيه الطلاب وإرشادهم في بحوثهم وتنمية روح البحث والابتكار فيهم هي بعض الاعتبارات التي لابد من استحضارها لحسم المفاضلة بين أقدار المرشحين، وبهذه المقاييس الشاملة يؤمن العثار في التقدير وتتقى مساوئ النظرة القاصرة على ترتيب الكفاية العلمية فيما بين المتنافسين.
ومن حيث إنه يترتب على ما تقدم أن مجلس الجامعة وإن يكن مقيداً بقرار اللجنة العلمية فيما يتعلق بمستوى الكفاية العلمية الذي يبلغ الحد المشترط لاستحقاق المرشح لمنصب الأستاذية، إلا أنه غير مرتبط بالترتيب الذي تتوخاه اللجنة بالنسبة لدرجات المرشحين.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه إذ عين الدكتور محمد محمود طه أستاذاً ذا كرسي قد أدخل في حسبانه إلى جانب كفايته العلمية المتوافرة فيه كما هي متحققة في المدعي عدة اعتبارات وعناصر أخرى يقوم عليها تحقق الأفضلية في نظر الجامعة، وكلها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من واقع خدمته الجامعية السابقة، كمثل سبق توليه بجدارة ملحوظة إدارة قسم الكيمياء الحيوية لكلية الطب بجامعة الإسكندرية، وأقدميته العريضة في التدريس، وحصوله على عديد من المؤهلات العلمية في الكيمياء الحيوية، ولا يتفق مع كل هذه المرجحات أن يظن السوء بتقدير الهيئات الجامعية، أو ينسب إليها أنها أساءت بهذا التقدير استعمال سلطتها، ومن أجل ذلك لا يكون في تعيينها للدكتور محمد محمود طه ترك للأفضل، ولا إيثار للمفضول، بل هو ترجيح سائغ لأستاذ آنست فيه بحكم ماضيه وخبرته وأسبقية اشتغاله بتدريس مادة الكيمياء الحيوية، الأفضلية والسبق بالقياس إلى غيره من المرشحين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ صدر على نقيض هذا النظر يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي مقابل مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 2476 لسنة 6 ق جلسة 17 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 45 ص 414

جلسة 17 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

------------------ 

(45)

القضية رقم 2476 لسنة 6 القضائية

(أ) ترقية 

- ولايتها في ظل القوانين واللوائح القديمة ولاية اختيارية أساساً - صدور قرارات من مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بإيجاب الترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى - المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 جعلت الترقية إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في نسب محددة - القرار الصادر بالترقية هو المنشئ للمركز القانوني فيها - الترقية بالمادة 40 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنشأ بالقانون ذاته - أثر ذلك على طلب الإلغاء.
(ب) دعوى 

- طلبات الخصوم - هيمنة المحكمة على تكييفها لتنزل عليها حكم القانون - على المحكمة أن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية للخصوم.

-----------------
1 - إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقدره. حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود فإن المشرع لم يضع لهذه الترقية قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته، والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
2 - إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها.


إجراءات الطعن

بتاريخ 14/ 8/ 1960 أودع السيد/ منير لبيب موسى عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 22/ 6/ 1960 في الدعوى رقم 724 لسنة 13 القضائية المرفوعة منه ضد وزارة الخزانة ووزارة الاقتصاد القاضي "بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب المدعي للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (وزير الخزانة) بتسوية حالة المدعي فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار الطاعن في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الرابعة في 23/ 10/ 1946 وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 20 و27 من أغسطس سنة 1960, وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 2/ 1963 وأخطرت الحكومة والمدعي في 15/ 1/ 1963 بميعاد هذه الجلسة. ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 22/ 11/ 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير المالية (الخزانة) في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالته فيما تضمنه من تسوية باطلة على أن تكون التسوية الصحيحة هي اعتبار المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943. وفي الدرجة الرابعة في 23/ 10/ 1946. وفي الدرجة الثالثة في 30/ 4/ 1950. وفي الدرجة الثانية في 19/ 6/ 1952 وفي الدرجة الأولى في 31/ 12/ 1954 مع إلزامه بالمصروفات. وقال في بيان دعواه إنه حصل على بكالوريوس التجارة عام 1938 وعين أثر تخرجه بمدارس التعليم الحر، وظل بها حتى 15/ 10/ 1941 حيث التحق بخدمة الحكومة في وظيفة مدرس بمدرسة التجارة المتوسطة بالظاهر اعتباراً من 16/ 10/ 1941، واستمر يشغل وظيفة مدرس حتى 8/ 7/ 1944 إذ نقل إلى وزارة المالية. وقد رقي إلى الدرجة الخامسة في 11/ 8/ 1947 وإلى الدرجة الرابعة في 25/ 4/ 1954. ولما كانت له مدة خدمة في التعليم الحر وكان واجباً ضمها إلى مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار في الأقدمية وتحديد الماهية طبقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945، فقد طلب إلى وزارة المالية ضمها وترتيب الآثار على هذا الضم ولكن الوزارة لم تجبه إلى طلبه، فقدم إلى اللجنة القضائية طلباً بتسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة في التعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 وتعديل أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وإلى الدرجة الرابعة 1/ 5/ 1950 مساواة له بزملائه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وفي 6 من مارس سنة 1954 قضت اللجنة القضائية بأحقيته في احتساب مدة خدمته بالتعليم الحر من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد أصبح قرار اللجنة القضائية المذكور نهائياً بعدم الطعن فيه. ولما استطلعت وزارة المالية رأي إدارة الفتوى والتشريع بها في شأن تنفيذ قرار اللجنة القضائية المشار إليه أفادت الإدارة المذكورة في 29/ 6/ 1955 أنها ترى أن يكون تنفيذه باعتبار المدعي في الدرجة السادسة منذ 23/ 10/ 1938 ثم تدرج حالته في الترقيات التي تمت منذ هذا التاريخ والتي كان يمكن أن يرقى فيها بالأقدمية. ولما كانت تسوية حالة المدعي بالتطبيق لهذه الفتوى بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9/ 2/ 1939 بالدرجة السادسة تقضي أن يكون المدعي في الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 وفي الدرجة الرابعة من 23/ 10/ 1946 حسب قواعد التنسيق وفي الدرجة الثالثة من 30/ 4/ 1950 وفي الدرجة الثانية من 19/ 2/ 1952 وفي الدرجة الأولى من 31/ 12/ 1954 فقد تظلم المدعي إلى الوزارة من تأخير تسوية حالته على هذا الوجه. وقد عرض تظلمه على مفوض الوزارة الذي رأى أحقيته في إجراء تلك التسوية، غير أن الوزارة اكتفت بأن استصدرت قراراً وزارياً في 14/ 4/ 1956 بتسوية حالة المدعي باعتباره في الدرجة السادسة من 23/ 10/ 1938 وفي الخامسة من 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة من 16/ 11/ 1950 وفي الثالثة من 23/ 7/ 1954. ومن ثم تظلم المدعي من القرار الوزاري الصادر بالتسوية سالفة الذكر، كما قدم شكوى لوكيل نيابة عابدين ثم للنائب العام من عدم تنفيذ حكم اللجنة القضائية، وأخيراً أبلغت النيابة العامة المدعي في 15/ 1/ 1959 بحفظ تظلمه وشكواه؛ الأمر الذي من أجله أقام المدعي دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة بتاريخ 14/ 3/ 1959.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دفعت بعدم قبولها شكلاً استناداً إلى أن التسوية تمت بقرار في 14/ 4/ 1956 وأعلن إلى المدعى في 24/ 5/ 1956. وهو لم يرفع دعواه إلا في مارس سنة 1959، كما أن الترقيات التي يطالب بها المدعي إنما هي في الحقيقة تنطوي على طلب إلغاء القرارات الصادرة بها - وفي الموضوع ذكرت الوزارة أنها نفذت قرار اللجنة القضائية بأن رتبت للمدعي ترقياته بالأقدمية منذ أصبح من عداد موظفي هذه الوزارة (الخزانة) فردت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 23/ 10/ 1938 وفي الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946 وفي الرابعة إلى 26/ 11/ 1950 وفي الثالثة إلى 23/ 8/ 1954 وصرفت له الفروق المالية المترتبة على هذه التسوية من 5/ 3/ 1945، وأشارت إلى أنه لا يجوز للمدعي أن يتمسك بأن السيد/ جورج حنين كان في الدرجة السادسة في 29/ 2/ 1939 وأنه يسبقه في هذه الدرجة وبالتالي يجب أن يتساوى معه في الترقيات التالية، لأن السيد/ جورج حنين رقي إلى الدرجة الخامسة في 31/ 3/ 1943 قبل نقل المدعي إلى وزارة الاقتصاد في 23/ 8/ 1944، وعلى أساس أن تنفيذ قرار اللجنة القضائية لا يجوز أن يغير من مراكز الآخرين الذين تمت ترقياتهم قبل صدور قرار مجلس الوزراء الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في 5/ 3/ 1945 وفضلاً عن ذلك فإن ترقيات السيد/ جورج حنين من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الثانية تمت في ظل كادر سنة 1939. وقبل صدور قانون موظفي الدولة. وقد كانت الترقية قبل صدور القانون المذكور تجريها جهة الإدارة بسلطتها التقديرية بالنظر إلى توافر عناصر الكفاية وأهمية الوظيفة وخطورة مسئولياتها، وفي هذا الصدد أبدت الوزارة أن مجلس الوزراء استبقى ترقية السيد/ جورج حنين الاستثنائية إلى الدرجة الرابعة لكفايته ولأن أعمال وظيفته كانت ذات مسئولية حيث كان يشغل وظائف وكيل مراقب عام القرض الوطني ومندوب الحكومة لدى بورصة الأوراق المالية، ومن ثم فإن ترقيات السيد/ جورج حنين لم تتم بالأقدمية المطلقة.
وبجلسة 22/ 6/ 1960 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد انقضاء الميعاد المقرر وألزمت المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على ما انتهت إليه من أنه إذا كانت الإدارة جادة في تحقيق تظلم المدعي فإن ميعاد الستين يوماً المحددة لكي يعتبر أن التظلم قد رفض ضمناً يمتد حتى تنتهي الإدارة من الفحص والتمحيص. وأنه بتطبيق هذا النظر على الحالة المعروضة يبين أن وزارة الاقتصاد قد أصدرت قراراً في 14 من إبريل سنة 1956 بتسوية حالة المدعي، وتظلم منه في 9 من يونيه سنة 1956، وإذا ما اعتبر أن الشكاوى المقدمة من المدعي إلى وكيل نيابة عابدين وللنائب العام والتي قامت الإدارة بفحصها واستطلاع رأي مجلس الدولة فيها من قبيل ما سبق بيانه من أن الإدارة كانت جادة في فحص الشكوى وتمحيصها، فإن الثابت أن وكيل نيابة عابدين كتب إلى المدعي في 5 من يناير سنة 1959 بما يفيد عدم أحقيته في الشكوى، إلا أنه لم يقم دعواه إلا في 14 من مارس سنة 1959 أي بعد انقضاء الستين يوماً التي كان يتعين عليه أن يقيم دعواه خلالها.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أن ما استند إليه الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بميعاد رفع الدعوى واضح الخطأ ذلك أن كتاب وكيل نيابة عابدين إلى المدعي بعدم أحقيته في شكواه مؤرخ 15 من يناير سنة 1959 لا 5 من يناير سنة 1959 كما ذهبت إلى ذلك المحكمة، ومن ثم فإن المدعي برفعه دعواه في 14 من مارس سنة 1959 يكون قد رفعها في خلال الستين يوماً أي في الميعاد المقرر - كما أنه غير صحيح ما خلط فيه الحكم المطعون فيه من أن المدعي كان يلزمه الطعن في قرارات معينة، ذلك أن الدعوى هي في حقيقتها دعوى تسوية، بل تسوية لازمة تنفيذاً لحكم اللجنة القضائية الواجب التنفيذ، وأنه ليس أدل على ذلك من أن الوزارة سوت بالفعل حالته، وكل ما في الأمر أن المدعي يعترض على التسوية التي تمت ويراها غير متفقة مع ما قضى به الحكم المذكور، وقد أقرت إدارة الرأي لوزارة الاقتصاد في فتواها رأي المدعي كما أكده مفوض الوزارة في رده على تظلم المدعي.
ومن حيث إن ولاية الترقية في ظل القوانين واللوائح القديمة كانت أساساً ولاية اختيارية مناطها الجدارة حسبما تقرره الإدارة مع مراعاة الأقدمية، ثم صدرت بعض قرارات مجلس الوزراء في شأن الترقيات بالتنسيق والتيسير قيدت سلطة الإدارة بالترقية بالأقدمية في نسبة معينة وأطلقتها في نسبة أخرى إذا رأت الترقية بالاختيار للكفاية، ثم جاء القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فنصت المادة 38 منه على أن تكون الترقيات إلى درجات الكادرين الفني العالي والإداري بالأقدمية في الدرجة ومع ذلك تجوز الترقية بالاختيار للكفاية في حدود النسب التي عينتها. وغني عن البيان أن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقديره حسب ما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات، ولا شك أن تقدير الإدارة في هذا الشأن له وزنه. وبهذه المثابة فإن القرار الصادر بالترقية هو الذي ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة، سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الدرجة التالية أي المرقى إليها، أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه الترقية، كذلك من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن، كل ذلك حتى مع وضع شروط أو قيود للترقية فإن المشرع لم يضع لهذه الترقيات قواعد تنظيمية يتعين على جهة الإدارة التزامها بالنسبة إلى كل من توافرت فيه شروطها حتى يمكن أن يترتب عليها مركز قانوني حتمي لكل من استوفى هذه الشروط، اللهم إلا فيما يتعلق بحق قدامى الموظفين في الترقيات التي قررتها المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن مراكزهم القانونية التي يفيدون منها بالتطبيق لهذه المادة إنما تنشأ بالقانون ذاته. والقرار الذي يصدر في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون كشفاً لتلك المراكز. ومن الجلي أن القرار الذي يصدر بالترقية - فيما عدا الترقية الحتمية التي قررتها المادة 40 سالفة الذكر - إنما هو قرار إداري بكامل سماته ولا يسوغ في ضوء المبادئ السابق إيضاحها للتظلم منه أو مخاصمته إلا بطريق دعوى الإلغاء.
ومن حيث إن طلبات المدعي تخلص في اعتباره في الدرجة الخامسة في 31 مارس سنة 1943 وفي الرابعة في 23 من أكتوبر سنة 1946 وفي الدرجة الثالثة في إبريل سنة 1950 وفي الدرجة الثانية في 19 من يونيه سنة 1952 وفي الدرجة الأولى في 31 من ديسمبر سنة 1954 بمراعاة حالة زميله السيد/ جورج حنين الذي التحق بالخدمة في 9 من فبراير سنة 1939 استناداً إلى ما قضت به اللجنة القضائية في 6 من مارس سنة 1954 بأحقيته في احتساب مدة خدمته في التعليم الحر من 23 من أكتوبر سنة 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16 من أكتوبر سنة 1941. وإذ كانت القواعد القانونية الخاصة بالترقيات السابق تفصيلها لا تتضمن ما يخول المدعي طلب اعتباره في الدرجة الخامسة من 31 مارس سنة 1943 أسوة بزميله المذكور، فلا يتأتى له ذلك، بعد أن استقرت أقدميته في الدرجة السادسة اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1938 بقرار اللجنة القضائية، إلا بالطعن بالإلغاء في القرار السلبي الخاص بامتناع ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين.
ومن حيث إنه متى تمحض الطلب في نظر المحكمة الإدارية العليا إلى أن يكون طلباً بإلغاء قرار امتناع الوزارة عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 كان من حقها تصويب التكييف الخاطئ الذي استمسك به المدعي بزعم أن دعواه تدور حول طلب تسوية لأقدميته في الدرجة الخامسة نتيجة لانطباق قرار مجلس الوزراء الصادر في 5 من مارس سنة 1945 في حقه، ذلك أنه إذا كان تصوير طلبات الخصوم من توجيههم فإن الهيمنة على سلامة هذا التكييف من تصريف المحكمة؛ إذ عليها أن تنزل حكم القانون على واقع المنازعة، وأن تتقصى طبيعة هذه الطلبات ومراميها في ضوء النية الحقيقية التي قصدها الخصوم من وراء إبدائها. يؤكد ما سلف أن المنازعة الحاضرة لا تندرج قطعاً في عداد "المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم" التي نص عليها البند (ثانياً) من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فيها بما له من ولاية القضاء الكاملة.
ومن حيث إن الامتناع عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة أو بالأحرى عن إرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ معين في الماضي هو قرار إداري سلبي وسواء حدد تاريخ الامتناع بأنه هو تاريخ صدور قرار ترقية السيد/ جورج حنين في 31 من مارس سنة 1943 أم زحزح على الأصح إلى تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء في 5 من مارس سنة 1945 بإنشاء أقدمية اعتبارية لأمثال المدعي من رجال التعليم الحر، فإن امتناع الإدارة السلبي عن ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة من تاريخ ترقية السيد/ جورج حنين إليها - أن ثبت للمدعي هذا الحق جدلاً - هو قرار صادر على كلا الفرضين قبل إنشاء مجلس الدولة، ومثله لا يقبل الطعن فيه بإلغاء.
ومن حيث إنه مهما يقل من أن التسوية الإدارية الصادرة في 14 من إبريل سنة 1956 قد تضمنت قراراً بعدم إرجاع أقدمية المدعي إلى 31 من مارس سنة 1943 مما يجعل هذا القرار قابلاً للإلغاء، فإن هذه المحكمة ترى صواب النظر القائل بأن هذه التسوية إنما أكدت تصرفاً إدارياً قديماً وأيدت وضعاً إدارياً حصيناً، فطلب الإلغاء وإن كان وارداً في الظاهر على مفهوم هذه التسوية ومضمونها، إلا أنه مقصود به في الحقيقة الطعن في القرار السلبي بالامتناع عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى 31 من مارس سنة 1943. وهو قرار حصين حسبما سلف الإيضاح، وإذن فالادعاء بأن الطعن أريد به إلغاء التسوية فيما انطوت عليه من امتناع الإدارة عن إرجاع أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى التاريخ المشار إليه هو تحايل على مخالفة القاعدة القاضية بعدم جواز توجيه طلب الإلغاء إلى قرار سابق على إنشاء مجلس الدولة.
ومن حيث إنه ينبني على ما تقدم أنه بقطع النظر عما إذا كان يمتنع قانوناً أن يرقى المدعي على إحدى الدرجات الخامسة بوزارة المالية في تاريخ لم يكن فيه على التحقيق من عداد موظفيها، ويقطع النظر عن أن الأقدميات الاعتبارية لا يتولد لها أثر من حيث الترقية في تاريخ سابق على القرار التنظيمي العام المنشئ لتلك الأقدميات، بقطع النظر عن ذلك كله مما يصح التحدي به لدفع دعوى المدعي موضوعاً - لو جاز الخوض في الموضوع - فإن طلب إلغاء امتناع الوزارة عن إفادته بالترقية المزعومة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 أسوة بالسيد/ جورج حنين - هذا الطلب يتمخض عن طعن في قرار حصين بالمولد لأنه من القرارات الصادرة قبل إنشاء مجلس الدولة حسبما سلف البيان.
ومن حيث إنه لا وجه بعد ذلك لما يثيره المدعي في مذكرته الختامية من أنه يهدف بدعواه إلى تسوية حالته بمراعاة ترقيات زميله السيد/ جورج حنين تنفيذاً لقرار اللجنة القضائية الصادر لصالحه على مقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/ 3/ 1945 الخاص بضم مدد الخدمة السابقة في التعليم الحر، وأن تطبيقه يستلزم بالضرورة الرجوع إلى عهد سابق على تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة. وأنه إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بقرارات إدارية سابقة فذلك راجع إلى أن قرار مجلس الوزراء الذي يطلب المدعي تطبيقه في حقه هو بطبيعته ذا أثر رجعي من ناحية أنه يفترض في الموظف متى توافرت فيه الشروط المطلوبة وضعاً معيناً يعتبر أنه كان قائماً في الماضي وترتب على ذلك آثاراً في أقدميته أو في درجته أو في راتبه - لا حجة في ذلك طالما أنه بالرجوع إلى قرار اللجنة القضائية الصادر في 6 من مارس سنة 1954 المودع ملف خدمة المدعي - يبين أن قضاءه جاء مقصوراً على أحقية المتظلم في احتساب مدة خدمته السابقة بمعهد الآلات الكاتبة وبالمعهد البريطاني من 23/ 10/ 1938 إلى تاريخ التحاقه بخدمة الحكومة في 16/ 10/ 1941 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإذ أورد في أسباب قراره هذا في الأسباب المرتبطة بالمنطوق أن اللجنة ترى إجابة المتظلم إلى تسوية حالته بضم مدة خدمته السابقة له في معهد الآلات الكاتبة والمعهد البريطاني على أن تحتفظ له اللجنة بالنظر في باقي الطلبات التي تقدم بها (الخاصة باستحقاقه الترقية إلى الدرجات الخامسة والرابعة في تواريخ معينة) حتى تتم التسوية على أساس إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 22/ 10/ 1938. تاريخ اشتغاله بالتعليم الحر، فإنه يكون من المقطوع به أن اللجنة القضائية ذاتها لم يصدر قضاؤها حسبما هو واضح بهذه الأسباب - بتسوية حالة المدعي في الدرجات الخامسة وما يعلوها بعد أن احتفظت صراحة بعدم الفصل فيها إلى أن تتم تسوية أقدميته في الدرجة السادسة من جانب جهة الإدارة، ومن ثم فإن غاية الأمر بالنسبة للآثار التي عناها القرار المذكور أن يراد بها الآثار المالية بالنسبة للمرتب وأقدمية الدرجة السادسة التي عين فيها المدعي في خدمة الحكومة دون غيرها، وما دام هذا الأساس الذي قام عليه قرار اللجنة القضائية مرتبطاً بمنطوق القرار ارتباط العلة بالمعلول فإنه لا يسوغ بعد ذلك المحاجة بأن التسوية التي يطالب بها المدعي هي نتيجة حتمية لقرار اللجنة القضائية، هذا إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه وقد انصب على حساب مدة الخدمة السابقة بالتعليم الحر في المرتب وأقدمية الدرجة فقد استهدف تسوية حالات خاصة بشروط معينة وهو في هذا الصدد لا يعدو أن يكون قراراً منشئاً لحق المدعي في ضم مدة خدمته السابقة؛ ومن ثم لا يترتب عليه بحال زعزعة المراكز القانونية التي نشأت لغيره واستقرت قبل صدوره. ومتى كان لا يتأتى للجنة القضائية أن تمنح الموظف بقرارها حقوقاً أكثر مما خوله إياها قرار مجلس الوزراء المذكور، فإنه لا ينبغي تفسير منطوق قرارها بما يجاوز المعنى الذي سبق بيانه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه متى كان سند المدعي في طعنه على قرارات الترقية التالية إلى الدرجات الرابعة والثالثة والثانية والأولى يقوم على ثبوت أحقيته في الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1943 تاريخ نفاذ القرار الصادر بترقية السيد/ جورج حنين، وما دام أن إرجاع أقدمية المدعي إلى هذا التاريخ لا ينعقد في شأن اختصاص مجلس الدولة، فإن دعواه في هذا الشق منها لا توفر للمدعي الأقدمية التي تطوع له الطعن في الترقية إلى تلك الدرجات ومن ثم تكون واجبة الرفض. وعلى هدي ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ جرى بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بطلب تعديل أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة وبرفضها بالنسبة لباقي الطلبات مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول طلب المدعي تعديل أقدميته في الدرجة الخامسة وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 1682 لسنة 6 ق جلسة 16 / 1 / 1965 إدارية عليا مكتب فني 10 ج 1 ق 44 ص 403

جلسة 16 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

--------------

(44)

القضية رقم 1682 لسنة 6 القضائية

تقادم 

- الأصل أن اكتمال مدته لا يرتب بذاته سقوط الالتزام - وجوب تمسك المدين به, إذ الأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام - لا تملك المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها, ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل - أساس ذلك ومثال: نص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات بأن الماهيات التي لم يطالب بها مدة 5 سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة - للمحكمة أن تقضي بالسقوط وفقاً لهذا النص من تلقاء نفسها - رجوع الإدارة على الموظف بمبالغ صرفت له دون وجه حق - لا يجيز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق فيها بالتقادم, دون طلب من ذي المصلحة.

----------------
إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أن لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 8 من يونيه سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير المواصلات قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1682 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 5 من إبريل سنة 1960 في الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد وزير المواصلات ضد السيد/ سيد محمود خليل, والقاضي بسقوط الدعوى وإلزام المدعي المصروفات - وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون والقضاء بإلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن بتسليم صورته إلى النيابة في 4 من إبريل سنة 1961 لعدم الاستدلال على محل إقامة المطعون ضده - وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1 من يونيه سنة 1962 - وأبلغ الطرفان في 22 من مايو سنة 1962 بموعد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 16 من مايو سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 8 من إبريل سنة 1964 وتم إخطار المدعى عليه بموعد كل من هاتين الجلستين بإرسال الإخطارين إلى وكيل نيابة محرم بك بالإسكندرية لعدم الاستدلال على محل إقامته - وقررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 28 من نوفمبر سنة 1964 وبعد أن سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 5 من إبريل سنة 1960 وأن تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب المحكمة في 8 من يونيه سنة 1960 وأن المدة من 4 إلى 7 من يونيه سنة 1960 صادفت عطلة رسمية هي عطلة عيد الأضحى فامتد ميعاد الطعن إلى اليوم التالي لها وذلك بالتطبيق لحكم المادتين 20، 22 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية في 8 من سبتمبر سنة 1959 أقامت وزارة المواصلات الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية ضد السيد/ سيد محمود خليل طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والفوائد والمصروفات وأتعاب المحاماة. وقالت بياناً لدعواها إن المدعى عليه التحق بمصلحة الطرق والكباري ضمن عمال القناة بمهنة رئيس عمال ومنح بصفة مؤقتة أجراً يومياً قدره 300 مليم وكانت التعليمات تستوجب أن يتقدم بمستند يثبت أنه كان يعمل مع الجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء المعاهدة، ولكنه عجز عن تقديم هذا المستند فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق والتي قررت وضعه في درجة عامل عادي 100/ 300 مليم بأول مربوطها طبقاً لنوع الوظيفة التي كان يزاولها بالجيش البريطاني وذلك اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ الكادر حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية واستقطع من هذه القيمة مبلغ 3 جنيهات و381 مليماً. وفي 17 من إبريل سنة 1953 انقطع المدعى عليه عن العمل وتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ وتبقى عليه مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق - وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً وفوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات وذلك تأسيساً على أن الثابت بملف خدمته أن الجهة الإدارية عاملته على أنه ساع أو فراش فيستحق طبقاً لكادر عمال القناة أجراً يومياً قدره 140 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 مضافاً إليه إعانة غلاء معيشة حسب حالته الاجتماعية بلغت 75% فيكون الأجر الإجمالي المستحق له قانوناً 245 مليماً يومياً وتكون الزيادة التي صرفها بدون وجه حق عن أيام عمله في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هي 13 جنيهاً و35 مليماً حصلت منها الوزارة 3 جنيهات و381 مليماً فيكون الباقي هو مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً يتعين القضاء به للوزارة مع الفوائد القانونية. وعقبت الوزارة على هذا التقرير بقولها إن المدعى عليه عين بمصلحة الطرق والنقل البري بعد تطبيق قواعد كادر العمال عليه على أساس أنه عامل رش بالطرق المحدد له أجر بكادر العمال درجة (عامل عادي 100/ 300) فتكون مطالبته بالمبلغ موضوع الدعوى على أساس سليم استناداً إلى التسوية التي أجرتها المصلحة والتي لم يعترض عليها المدعى عليه - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بسقوط الدعوى وألزمت المدعية المصروفات. وأسست قضاءها بذلك على أن مطالبة الوزارة بالمبالغ التي استولى عليها المدعى عليه دون وجه حق لا تعدو أن تكون من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنه يبين من الأوراق أن الوزارة قد علمت بما لها في ذمة المدعى عليه في يناير سنة 1953 وآية ذلك أنها قامت باستقطاع ما استولى عليه زيادة من مرتبه اعتباراً من شهر يناير سنة 1953 حتى شهر مارس سنة 1953 ولم يتخذ أي إجراء قاطع للتقادم بعد أن توقفت عن الخصم من مرتبه بسبب فصله من الخدمة في 17 من إبريل سنة 1953 إلى أن أقامت الدعوى بصحيفة أعلنت إلى المدعي في 14 من سبتمبر سنة 1959 فتكون الدعوى قد أقيمت بعد الميعاد المقرر في المادة 187 ويتعين الحكم بسقوطها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أعمل التقادم الوارد بالمادة 187 من القانون المدني دون أن يطلب المدعى عليه ذلك في حين أن قواعد التقادم ليست من النظام العام فليس للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ولا ينال من ذلك أن المطالبة محل الدعوى تتعلق برابطة من روابط القانون العام لأن مصدر الالتزام هنا حكم القانون المدني والقاعدة التي طبقتها المحكمة واردة بهذا القانون فكان يتعين عليها أن تأخذ بقواعده كاملة ما دام لا يوجد نص آخر في قانون آخر يغاير هذه القواعد أو بعضها، ولا وجه للقياس على حكم المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية لأنه جاء في خصوصية معينة هي الماهيات المستحقة في ذمة الدولة للأفراد - هذا فضلاً عن أنه لو طبق حكم هذه المادة فإن الحق لا يسقط إلا بمضي خمس سنوات على تاريخ استحقاقه ولم يكن هذا الحق قد سقط بعد عند رفع الدعوى في 8 من سبتمبر سنة 1959 لأن الوزارة كانت قد أخذت خلال سنة 1957 إجراءات قاطعة للتقادم حيث طالبت المطعون ضده بالمبلغ محل الدعوى بموجب عريضة دعوى أمام محكمة ميناء البصل المدنية ولكنها تركتها بعد أن تبينت أن القضاء الإداري هو المختص بنظر هذه المنازعة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد قدمت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً مع إلزامه المصروفات. وذلك تأسيساً على أن التقدم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني لا يسري على حق الحكومة في استرداد المدفوع من جانبها إلى الموظف بدون حق وأن مدة التقادم التي تسري على المبلغ موضوع الدعوى هي مدة التقادم المسقطة للمرتب وهي مدة الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وأنه من المقرر أنه يجوز للمحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها وأن الجهة الإدارية قد قامت باستقطاع جزء من المبلغ المستحق لها عن طريق الخصم من أجر المدعى عليه في الأشهر من يناير إلى مارس سنة 1953 كما أنها لم تأل جهداً إبان عامي 1954، 1955 في سبيل التعرف على محل إقامة المدعى عليه بغية مطالبته بباقي المبلغ المستحق عليه وكتبت في هذا الشأن إلى كل من تفتيش الشرق بالوجه البحري ومحافظة القناة بالإسماعيلية طالبة إجراء التحريات اللازمة للوقوف على محل إقامته، وهذه الإجراءات تقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم. وكما كانت الدعوى قد رفعت في 8 من سبتمبر سنة 1959 فإنها تكون قد رفعت في ميعاد لم يكن فيه الحق قد سقط بالتقادم لاسيما وأن إدارة قضايا الحكومة تقرر في صحيفة طعنها أنها قطعت التقادم خلال عام 1957 عندما طالبت المدعى عليه بالمبلغ موضوع النزاع بموجب صحيفة دعوى مدنية أمام محكمة ميناء البصل.
ومن حيث إن وزارة المواصلات قد تقدمت بمذكرة بدفاعها أضافت فيها إلى ما تضمنه تقرير الطعن أنها أخذت في التحري عن محل إقامة المدعى عليه. وفي 6 من مايو سنة 1957 حددت أول جلسة محكمة محرم بك لنظر هذا النزاع ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة ميناء البصل الجزئية بعد أن تبين أنه يقيم في دائرة تلك المحكمة، وفي أول سبتمبر سنة 1959 تركت الحكومة هذه الدعوى للشطب بعد أن تبينت أن المحكمة المختصة هي المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات. وذكرت الوزارة أن هذه الإجراءات جميعاً تدل على أن الإدارة لم تهمل المطالبة فقطع التقادم في مجال هذه الرابطة الإدارية التي تحكمها القوانين واللوائح - وأن المدعى عليه ظل يقبض أجر مهنة رئيس عمال بواقع 300 مليم في اليوم بعد أن سويت حالته بوضعه في الدرجة 100/ 300 مليم بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 فتجمد في ذمته نتيجة لذلك المبلغ محل المطالبة. وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم بالطلبات الموضحة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن الوزارة تقيم مطالبتها للمدعى عليه بالفرق بين الأجر الذي صرف له فعلاً والأجر الذي تدعي أنه كان يستحقه في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 على أنه عجز عن تقديم المستند الدال على أنه كان يعمل بالجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء معاهدة سنة 1936 فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق التي قررت وضعه في درجة عامل عادي (100/ 300 مليم) بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 من إبريل سنة 1952 حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية خصم منها مبلغ 3 جنيهاً و381 مليماً استقطع مما استحق للمدعى عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بسقوط الدعوى على أنها من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنها قد أقيمت بعد انقضاء المدة المذكورة.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يحضر أمام المحكمة الإدارية ولم يتقدم بأي دفع أو دفاع في الدعوى وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد قضى بالسقوط دون أن يدفع المدعى عليه بالتقادم المسقط.
ومن حيث إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات الذي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة، وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعى عليه أنه كان من عمال الجيش البريطاني قبل إلغاء معاهدة سنة 1936 - وفي 4 من نوفمبر سنة 1951 قيد بمكتب عمل الإسماعيلية وتضمنت شهادة القيد أن صناعته ريس عمل (صفحة 3 من ملف الخدمة) وتضمن بيان حالته المؤرخ في 3 من ديسمبر سنة 1951 والموقع منه ومن الموظف المختص أنه كان يعمل متعهد غسيل ومكوجي وأنه ترك خدمة الجيش البريطاني في 25 من أكتوبر سنة 1951 وأنه ألحق بالعمل بالحكومة رئيس فرقة بقسم أبي حماد وأن الأجر المؤقت الذي قدر له هو ثلاثون قرشاً (الصفحة الأولى من الملف) - وقدم تصريح المرور الصادر له من الجيش البريطاني وثابت فيه أنه (عامل) وأن التصريح معتمد عن المدة من 3 إلى 9 من مايو سنة 1951 - (صفحة 2 من الملف) - ولما كان هذا التصريح تنتهي مدة سريانه قبل أول أكتوبر سنة 1951 فقد طالبه تفتيش الشرق بمصلحة الطرق والكباري بتقديم ما يدل على سابقة اشتغاله بالجيش البريطاني حتى أول أكتوبر سنة 1951 (صفحة 5 من الملف) وقد أجاب المدعى عليه على ذلك بأنه قد استحال عليه الحصول من الجيش البريطاني على ما يدل على ذلك لغلق أبواب المعسكرات وأنه حصل من قسم شرطة أبو صوير على رقم المحضر الذي حرر في 6 من نوفمبر سنة 1951 على إثر امتناعه عن العمل بالجيش المذكور، وأن هذا القسم على الاستعداد لإرسال هذا المحضر الذي يثبت عمله بالجيش البريطاني (صفحة 4 من الملف) وعرضت مصلحة الطرق الأمر على مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 22 من فبراير سنة 1953 طالبة الإفادة عما يتبع نحو المدعى عليه، وهل من الجائز استمراره في العمل (صفحة 7 من الملف) فأجابت مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 31 من مارس سنة 1953 بأنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18 وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية. وأشارت المصلحة بأن يستمر في عمله (صفحة 10 من الملف) - وكان المدعي قد تقدم بشكوى إلى مدير عام مصلحة الطرق والكباري في 12 من مارس سنة 1953 ذكر فيها أنه عين رئيس مكوجية بهندسة الدقهلية بحري بأجر يومي قدره 300 مليم وأنه توجه إلى تفتيش الشرق لإجراء الامتحان ولكن الكاتب المختص أفهمه بأنه لا يمكن امتحانه لأنه ليس في المصلحة عمال مكوجية، وقال إنه إذا كان الأمر كذلك فمن الواجب أن يحول إلى مصلحة أخرى إذ أن مرتبه أصبح 3 جنيهات و130 مليماً شهرياً بعد أن كان يتقاضى من الجيش البريطاني مرتباً لا يقل عن خمسة عشر جنيهاً (صفحة 8 من الملف) - وبين مدير عام مصلحة الطرق والكباري في كتابه المرسل إلى وكيل الوزارة في 4 من يوليه سنة 1953 أن المدعى عليه ألحق بالعمل على أنه ريس عمل بأجر قدره 300 مليم شامل إعانة غلاء المعيشة ولكن عند تقديم مسوغات تعيينه اتضح أنه مكوجي، وطبقاً للتعليمات عومل على أنه ساعي أو فراش بأجر يومي قدره 240 مليماً وأنه نتيجة لهذه التسوية استحق عليه مبلغ 29 جنيهاً و244 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 وأنه انقطع عن العمل اعتباراً من 17 من إبريل سنة 1953 أكثر من عشرة أيام - فتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ (صفحة 16 من الملف). وقد أجابت الوزارة على هذا الكتاب بكتابها المؤرخ في 26 من ديسمبر سنة 1953 الذي رأت فيه محاسبة المدعى عليه على أجر يومي قدره 140 مليماً اعتباراً من تاريخ تقديم مسوغات تعيينه (صفحة 24 من الملف) - وبالرجوع إلى كشف حساب فرق الأجور موضوع الدعوى التي أقامتها الوزارة ضد المدعى عليه يبين أن هذا الفرق قد حسب على أساس أن الأجر المستحق للمدعي اعتباراً من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هو 100 مليم تضاف إليه إعانة الغلاء بنسبة 75% وأن الأجر الذي صرف له فعلاً عن تلك المدة كان يزيد على ذلك إذ بلغ 300 مليم يومياً شاملة لإعانة الغلاء.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد منح عقب تركه خدمة الجيش البريطاني وعند إلحاقه بالعمل بوزارة المواصلات أجراً مؤقتاً قدره 300 مليم يومياً، وأنه بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة وتقدير أجورهم في أول إبريل سنة 1952 لم يحدد أجر المدعي بصفة نهائية إلا في أول يناير سنة 1953 إذ قرر له اعتباراً من ذلك التاريخ أجر يومي قدره 140 مليماً حسبما هو مستفاد من ملف الخدمة لا مائة مليم كما جاء بصحيفة الدعوى..
ومن حيث إنه على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك العمال المصريون الجيش البريطاني بمنطقة القناة أعمالهم فكان لزاماً على الحكومة أن تدبر لهم سبل العيش. ولما كانت الحالة تستدعي علاجاً سريعاً ونظراً إلى كثرة هؤلاء العمال فقد ألحقوا بالوزارات والمصالح المختلفة دون مراعاة حاجة العمل بالمصالح ودون مراعاة حرف هؤلاء العمال. وفي 18 من نوفمبر سنة 1951 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات المختلفة كما صدر قرار مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 بتخويل اللجنة المشار إليها الحق في إعادة النظر في أجور العمال. وفي 19 من مارس سنة 1952 وضعت اللجنة تقريراً تضمن القواعد التنظيمية في شأن إعادة توزيع هؤلاء العمال وإعادة تقدير أجورهم ودرجاتهم وهي القواعد التي اصطلح على تسميتها بكادر عمال القناة وقدرت فيه أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر عمال الحكومة وكان من بين القواعد التي وضعتها اللجنة قاعدة تقضي بأن: "من سيقل أجره بعد نقله إلى الدرجة المقررة له في كادر عمال اليومية الحكومي فلا يحصل منه الفروق كذلك الحال بالنسبة لمن يرتفع أجره فلا يصرف له فرق عن الماضي - أما العمال الذين ليس لهم عمل يتفق مع حرفهم سواء في الجهات الملحقين بها الآن أو بالجهات الأخرى فهؤلاء يكلفون القيام بأعمال يستطيعون القيام بها وتقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع وفي هذه الحالة تقدر أجورهم حسب الأعمال التي يقومون بها فعلاً لأن الأجر يقدر على قدر العمل على أساس حرفة العامل نفسه". كما كان مما قررته اللجنة عدم نفاذ هذه التقديرات والأجور إلا بعد إقرارها واعتمادها بدون أثر رجعي - وقد اعتمدت الجهات المختصة تقرير اللجنة بما تضمنه من قواعد ونشرت وزارة المالية كتاباً دورياً في هذا الشأن إلى الوزارات والمصالح لتنفيذه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن مركز العمال المذكورين من حيث الدرجات التي وضعوا فيها والأجور التي منحوها أول الأمر عقب تركهم خدمة الجيش البريطاني إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 إنما كان مركزاً مؤقتاً غير بات اقتضته الضرورة العاجلة وقتذاك، أما مراكزهم النهائية فيما يتعلق بهذه الدرجات والأجور فلم تكن لتستقر إلا بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية والعبرة في هذا الشأن بالمركز النهائي الذي يطبق عليهم بعد نفاذ تلك القواعد وتقدير أجورهم على أساسها إذ أن مراكزهم عندئذ تعتبر المراكز القانونية النهائية التي تتحرر على مقتضاها درجاتهم وأجورهم.
ومن حيث إنه وإن كان عامل القناة لا يكسب في وضعه المؤقت الحق في الدرجة التي وضع فيها أو في الاستمرار في تقاضي الأجر المحدد لها - إلا أنه أثناء هذا الوضع المؤقت وإلى أن يتجدد مركزه بصفة نهائية يستحق الأجر الذي قدر له في هذا الوضع لقيام هذا الأجر على أساس من التقدير الجزافي واستناد قبضه إياه إلى سبب مشروع هو بقاؤه في الوضع المذكور بإرادة جهة الإدارة ولو زاد هذا الأجر على الأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة وذلك ما لم تكن تلك الزيادة قد صرفت له نتيجة غش من جانبه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد قدم إلى جهة الإدارة المختصة قبل أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر عمال القناة ما يدل على أنه كان عاملاً بالجيش البريطاني كما سجل في بيان حالته المقدم في 3 من ديسمبر سنة 1951 أنه كان يعمل مكوجياً في ذلك الجيش وهذا ما أكدته مصلحة العمل في كتابها في 31 من مارس سنة 1953 (صفحة 10 من ملف الخدمة) الذي تضمن أنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18، وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية - ولقد كان في مقدور جهة الإدارة على أساس هذه البيانات أن تحدد مركزه وأن تقدر أجره بصفة نهائية ابتداء من أول إبريل سنة 1952 لو أنها اتبعت في شأنه ما أشارت به لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني في تقريرها المؤرخ في 19 من مارس سنة 1952 إذ تضمن هذا التقرير أنه كان من هؤلاء العمال من يعمل في حرف ليست الحكومة في حاجة إلى استخدام أربابها مثل الكوائين وأن اللجنة قد أشارت باستخدام الكوائين في وظائف السعاة والفراشين وما شابه ذلك من أعمال - ولكن الإدارة تراخت في القيام بذلك ولم تقم بتسوية حالة المدعى عليه على مقتضى قواعد كادر عمال القناة إلا في 31 من ديسمبر سنة 1952 الأمر الذي ترتب عليه بقاءه في وضعه المؤقت واستمرار الإدارة في صرف الأجر الذي قدر له جزافاً وقدره 300 مليم يومياً إلى نهاية سنة 1952.
ومن حيث إن قبض المدعى عليه للأجر المذكور خلال المدة من أول إبريل حتى آخر ديسمبر سنة 1952 يستند حسبما سبق البيان إلى سبب مشروع هو الوضع المؤقت الذي أبقته فيه جهة الإدارة بإرادتها، فليس من حقها أن ترجع عليه بالفرق بين هذا الأجر والأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة استناداً إلى أن هذا الفرق قد دفع له بغير حق، وتكون دعواها بالمطالبة بهذا الفرق غير قائمة على أساس سليم مما كان يتعين معه القضاء برفضها، لذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت الوزارة الطاعنة بالمصروفات.

الجمعة، 8 ديسمبر 2023

الطعن 8989 لسنة 58 ق جلسة 2 / 3 / 1989 مكتب فني 40 ق 55 ص 347

جلسة 2 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر وحسن عميره وصلاح البرجى نواب رئيس المحكمة ومحمد حسام الدين الغرياني.

---------------

(55)
الطعن رقم 8989 لسنة 58 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. عدم تقديمها".
التقرير بالطعن بالنقض في الميعاد دون تقديم أسبابه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وإطراح ما يخالفها.
(3) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض.
(4) قتل عمد. شروع. مسئولية جنائية. موانع العقاب "الغيبوبة الناشئة عن تناول عقاقير مخدرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر عناصر الجريمة" "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
شروط الغيبوبة المانعة من المسئولية؟
تقدير موانع المسئولية الناشئة عن فقدان الشعور. موضوعي.
(5) قتل عمد. شروع. قصد جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نية القتل. أمر داخلي متعلق بالإرادة. تقدير توافرها من عدمه. موضوعي.
(6) سبق الإصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". ظروف مشددة.
البحث في توافر سبق الإصرار. موضوعي.
مثال لاستدلال سائغ على توافر سبق الإصرار.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
(8) إثبات "بوجه عام". قتل عمد. سبق إصرار. مسئولية جنائية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توافر ظرف سبق الإصرار. يرتب تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية.
(9) عقوبة "تطبيقها". ظروف مخففة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 عقوبات.

--------------
1 - إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - إن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهد بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
4 - الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به، والفصل في امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث أمراً يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضي الموضوع دون معقب عليه.
5 - من المقرر أن تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة يرجع تقديره أو عدم توافره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميله من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ ويكفي لإثبات توافر هذه النية، فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك كله لا يكون له محل.
6 - إن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا تتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر أن الضغينة التي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً ولدت في نفس الطاعن وزميله مما دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
7 - إن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل جزئية يثيرها.
8 - لما كان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن والمتهم الآخر مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهما في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
9 - لما كانت المحكمة غير ملزمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 من قانون العقوبات وكان ما ينعاه الطاعن بشأن دلالة هذا التصرف - على نحو ما أشار إليه بأسباب الطعن لا سند له بالأوراق، فإن ما يثيره من ذلك لا يكون له وجه ولا يعتد به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما شرعا في قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن صمما على قتله وعقدا العزم على ذلك فاستدرجاه لمكان غير مطروق واستل كل منهما سلاحاً أبيض "مطواة قرن غزال" وطعناه عدة طعنات قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو مداركة المجني عليه بالعلاج، وأحالتهما إلى محكمة جنايات السويس لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ذلك أنه عول في قضائه على أقوال كاذبة للمجني عليه الذي أرجع الحادث إلى رغبة الطاعن والمحكوم عليه الآخر في الأخذ بالثأر لمقتل صديق لهما مع أن الواقعة لا تعدو في حقيقتها أن تكون مشاجرة نشبت بين ثلاثتهم تحت تأثير الخمر، وقد أطرح الحكم بما لا يسوغ دفاع الطاعن بأنه كان في حالة سكر وقت الحادث مما لازمه انتفاء نية القتل لديه وذهب - على خلاف القانون - إلى توافرها، كما استخلص توافر ظرف سبق الإصرار من أمور لا تنتجه بغير أن يعرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن وما كان يجوز في صحيح القانون وقد انتفى هذا الظرف عن الواقعة مساءلة الطاعن إلا عن الأفعال التي أتاها هذا إلى أن المحكمة أعملت المادة 17 من قانون العقوبات دون إيضاح مبررات الرأفة مما يوحي بعدم اطمئنانها إلى قضائها بالإدانة، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن والمحكوم عليه الآخر انتويا الانتقام من المجني عليه لاعتقادهما بأنه قتل صديقاً لهما فعقدا العزم على قتله وأعد كل منهما لهذا الغرض مطواة "قرن غزال" وما أن أفلحا في استدراجه ليلة الحادث إلى أحد الأماكن النائية بدعوى احتساء الخمر حتى أخذا في الاعتداء عليه بسلاحيهما قاصدين إزهاق روحه فأحدثا به جرحاً نافذاً في تجويف الصدر والبطن ولم يكفا عن الاعتداء عليه إلا ظناً منهما أنه لقي حتفه فتركاه ملقى على الأرض وحاولا الهرب بالسيارة الأجرة التي كانت أقلت ثلاثتهم إلى مكان الحادث إلا أن سائقها تمكن من إبلاغ الشرطة وتم نقل المجني عليه إلى المستشفى وإسعافه بالعلاج، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليه وسائق السيارة ومن اعتراف المحكوم عليه الآخر والتقرير الطبي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهد بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض، ولما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن والمتهم الآخر بأنهما كانا في حالة سكر تنتفي به مسئوليتهما عن الحادث وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات وأطرحه تأسيساً على أنه لم يثبت للمحكمة أنهما تناولا مواد مسكرة في تاريخ الحادث وأنه على فرض صحة ذلك فإن القدر الذي تناولاه منها لم يعدم لديهما الإدراك والشعور استناداً إلى ما تبين من طريقة تنفيذهما الجريمة بالإضافة إلى مسلك المتهم الآخر - الذي قبض عليه وحده إثر الحادث - في التحقيق الذي تم وإجاباته به التي تنم عن تمتعه بالوعي والإدراك، ثم عرض الحكم إلى نية القتل واستدل على توافرها بحق الطاعن وزميله بما أورده من أنهما انتويا الإجهاز على حياة المجني عليه انتقاماً لمقتل صديق لهما اتهماه بقتله وقد استدرجاه لهذا الغرض لمكان ناء بعد أن كانا قد أعد سلاحين حادين وما أن ظفرا به حتى أخذا في طعنه بهما في مقاتل من جسمه فأحدثا به جرحاً نافذاً إلى تجويف الصدر والبطن وواصلا اعتداءهما عليه عندما أراد الفرار إلى أن سقط مغشياً عليه واعتقدا أنه فارق الحياة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد محص دفاع الطاعن والمتهم الآخر في خصوص امتناع مسئوليتهما تأسيساً على وجودهما في حالة سكر وقت الحادث، وانتهى للأسباب السائغة التي أوردها إلى أنهما كانا أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية لتوافر الإدراك والاختيار لديهما وقت مقارفة الفعل الذي ثبت في حقهما، وكان الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به، والفصل في امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث أمراً يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضي الموضوع دون معقب عليه، وإذ كان من المقرر أن تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة يرجع تقدير توافره أو عدم توافره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميله من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ ويكفي لإثبات توافر هذه النية، فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك كله لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا تتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر أن الضغينة التي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً ولدت في نفس الطاعن وزميله مما دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون. ولا محل لما ينعاه الطاعن من أن الحكم لم يعرض لدفاعه بكذب أقوال المجني عليه في هذا الشأن إذ المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل جزئية يثيرها وما دام الحكم قد اطمأن لهذه الأقوال فإن ذلك يدل على إطراحه جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحمله على عدم الأخذ بها، ولما كان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن والمتهم الآخر مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهما في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 من قانون العقوبات وكان ما ينعاه الطاعن بشأن دلالة هذا التصرف - على نحو ما أشار إليه بأسباب الطعن لا سند له بالأوراق، فإن ما يثيره من ذلك لا يكون له وجه ولا يعتد به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / مَادَّةً 17 : اَلْقَانُونُ اَلْمُطَبَّقُ عَلَى اَلْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ

عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ


مادة 17 (1)

1 - يسري على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت ، قانون المورث أو الموصي أو من صدر منه التصرف وقت موته.

2 - ومـع ذلك يسري على شكل الوصية ، قانون الموصي وقت الإيصاء أو قانون البلد الذي تمت فيه ، وكذلك الحكم في شكل سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت.

التقنين المدني السابق :

المادة 54 / 77 : " يكون الحكم في المواريث علي حسب المقرر في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها المتوفى أما حق الإرث في منفعة الأموال الموقوفة فتتبع فيه أحكام الشريعة المحلية.".

والمادة 55 / 78 : " وكذلك نراعي في أهلية الموصي لعمل الوصية وفي صيغتها الأحكام المقررة لذلك في الأحوال الشخصية المختصة بالملة التابع لها الموصي.".

أما الأحكام المتعلقة بفسخ الملكية في الأموال الثابتة بسبب تجاوز النصاب الشرعي أو عدم إبقاء القدر المفروض شرعاً أو نحو ذلك فلا تضر بحقوق من انتقلت اليهم الملكية ولا بحقوق الدائنين المرتهنين الحسني النية (قانون رقم 79 لسنة 1933) .

والفقرة 9 من المادة 29 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة ونصها : " و(يرجع) في المواريث والوصايا إلى قانون بلد المتوفى أو الموصي ".

المشروع التمهيدي :

المادة 38 :

1 – يسري على المسائل الخاصة بالميراث قانون المورث وقت موته .

2 – أما الوصية والإيصاء المتبادل وعقود التوريث فيسري عليها قانون الموصي وقت عمل الوصية .". (2) (3)

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- تختتم هذه المواد (م 38 - 40) طائفة النصوص المتعلقة بولاية القانون الشخصي وهي تتضمن أحكام المواريث والوصايا والتصرفات المضافة إلى ما بعد الموت بوجه عام والهبات وتنتهي بحكم عام يتعلق باقتسام الاختصاص بين قواعد الإجراءات والقواعد الموضوعية.

2 - وقد أفرد المشروع المادة 38 للمواريث والوصايا وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت ونقل في هذا الشأن نصوص الفقرة 9 من المادة 29 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة والمادتين 54 و55/ 77، 78 مدني ولكن بعد أن تناول هذه النصوص بالتعديل في ناحيتين فيراعى من ناحية أنه عين في النص الوقت الذي يرجع إلى قانون الجنسية فيه وهو وقت لم تعينه المادة 29 التي تقدمت الإشارة إليها فنصت الفقرة الأولى على أن المسائل الخاصة بالميراث يسري عليها قانون المورث وقت موته أسوة بالمادة 13 من التقنين الإيطالي الجديد ونصت الفقرة الثانية على أن الوصية وغيرها من التصرفات التي تضاف إلى ما بعد الموت يسري عليها قانون الموصي وقت عمل الوصية محتذية مثال المادة 29 من التقنين البولوني بيد أنه يقصد عادة من إخضاع الوصية - وما في حكمها - لقانون جنسية الموصي وقت الإيصاء تنظيمها بوصفها مجرد تصرف قانوني دون مساس بالناحية الموضوعية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالميراث وتخضع للقانون الذي يسري عليه، ومما هو جدير بالذكر في هذا الصدد أن المادة 55 /78 مدني تنص على أن "أهلية الموصي لعمل الوصية وصيغتها تخضعان للأحكام المقررة في قانون الدولة التابع لها الموصي". ولذلك يحسن أن يسوى بين المواريث والوصايا في حدود ارتباطهما من الناحية الموضوعية وأن يخصص نص قائم بذاته لتعيين القانون الواجب تطبيقه علي الوصية في غير هذه الحدود.

3 - ويراعى من ناحية أخرى أن المشروع لم يقتصر علي ذكر الوصية في الفقرة الثانية بل أضاف إليها " الإيصاء المتبادل وعقود التوريث" .(4)

المشروع في لجنة المراجعة :

تليت المادة واقترح معالي السنهوري باشا تحوير النص بجعله قانون الموصي وقت موته لا وقت عمل الوصية .

فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي ما يأتي :

1 - يسري على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت ، قانون المورث أو الموصي أو من صدر منه التصرف وقت موته.

2 - ومـع ذلك يسري على شكل الوصية ، قانون الموصي وقت الإيصاء أو قانون البلد الذي تمت فيه ، وكذلك الحكم في سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت.

 وأصبح رقم المادة 20 في المشروع النهائي ".

المشروع في مجلس النواب :

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 20

المشروع في مجلس الشيوخ :

مناقشة لجنة القانون المدني :

تليت المادة ۲۰ فرؤي إضافة كلمة « شكل » في عبارة « في سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت » .

ويلاحظ أن المراد من النص مواجهة جميع التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وأحسن مثال لذلك Les institutions contractuelles

تقرير اللجنة :

إضافة كلمة « شكل » في عبارة « في سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت » .

وأصبح رقم المادة ١٧ .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة . (5)



(1) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 271 .

(2) هذه المادة من المواد التي نظرتها لجنة المرحوم كامل صدقي باشا وفيما يلي مناقشات تلك اللجنة عنها :

محضر جلسة ١٩ مارس سنة ١٩٣٧

تلا المسيو بنيتا المادة ١٥ من المشروع التمهيدي الذي وضعه المسيو لينان دي بلفون ونصها كالآتي :

«يسري على المسائل الخاصة بالمواريث والوصايا قانون من فتحت تركته وقت موته أيا كانت طبيعة الأموال والبلد الذي توجد فيه » .

وأردف بأن اللجنة الفرعية تقترح اقتباس هذا النص بحالته.

واقترح المسيو باسار أن يستعاض عن عبارة « من فتحت تركته » بلفظة « المتوفى » .

ورأت اللجنة الموافقة على هذا النص وجعله المادة ۱۷ من الباب التمهيدي بالصيغة التالية :

« يسري على المواريث والوصايا قانون المتوفى وقت موته أيا كانت طبيعة الأموال والبلد الذي توجد فيه » .

(3) مادتان محذوفتان :

المادة ٣٩ - يسري على الهبات قانون الواهب وقت الهبة .

التقنين المدني السابق :

لا مقابل لها ولكن يقابلها الفقرة ١٠ من المادة ۲۹ من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة ونصها :

و ( يرجع ) في الهبات إلى قانون الواهب وقت الهبة .

المادة ٤٠ :

1 -  قوانين الأجانب الوطنية الواجبة التطبيق وفقاً للمواد السابقة لا تسري إلا في أحكامها الموضوعية .

2 - وتسري على الأجانب قواعد الإجراءات التي تقررها القوانين المصرية في مواد الأحوال الشخصية على ألا تتعارض هذه القواعد مع حكم موضوعي في القوانين الوطنية لهؤلاء الأجانب .

التقنين المدني السابق :

لا مقابل لها ولكن حكمها مستمد من الفقرة ٣ من التصريح رقم ٣ الملحق بمعاهدة إلغاء الامتيازات ونصها :

« أما عن القواعد الخاصة بالإجراءات التي ستنوي الحكومة الملكية المصرية أن تقررها في مواد الأحوال الشخصية فإنها ستطبق ما لم يعترض تطبيقها قاعدة موضوعية في قانون بلد أجنبي ».

مذكرة المشروع التمهيدي :

ا - أما الهبات فقد تضمنت حكمها المادة ٣٩ وقضت بوجوب تطبيق قانون الواهب وقت الهبة في شأنها . وهذا الحكم قد استقي من الفقرة العاشرة من المادة ۲۹ من لا ئحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة. بعد أن حدد فيه وقت الاعتداد بقانون جنسية الواهب . ومن الأنسب إغفال النص على الهبة لأنها لا تعتبر من الأحوال الشخصية إلا في حدود ارتباطها بنظام الميراث .

هذا ومن الواجب أن يشار إلى أن حكم المادتين ۳۸ و ۳۹ لا يعرض إلا لما يعرف « بنظام الخلافة بسبب الموت » فقانون جنسية المورث أو الموصي أو الواهب ينطبق على المسائل المتعلقة بهذا النظام وحده كتعيين الورثة وأسباب المنع والحجب والحرمان ونصيب كل وارث والنصاب الذي يجوز فيه الإيصاء والتزام الموهوب له بالرد على التركة فى الشرائع التي تقرر هذا الالتزام ( أنظر في هذا المعنى المادة 1 من اتفاقية لاهاي المعقودة سنة ۱۹۲۸ ) . ويتفرع على ذلك نتيجتان الأولى أن الهبة لا تعتبر من مسائل الأحوال الشخصية إلا في حدود صلتها بنظام الميراث . والثانية أن انتقال المال إلى الوارث تأسيساً على الميراث بوصفه سبباً من أسباب نقل الملك يخضع لقانون موقع هذا المال لأن الانتقال مسألة مالية لا تتصل بنظام الميراث وإنما تتصل بنظام الأموال وحده .

2 - هذا وقد نصت المادة ٤٠ في فقرتها الأولى على أن قوانين الأجانب الواجبة التطبيق وفقاً لجميع المواد التي تقدم ذكرها لا تسري إلا فى أحكامها الموضوعية وهذه الفقرة تقرر قاعدة من القواعد العامة لأن للإجراءات أحكاما أخرى نصت عليها المادة ٥٢ من المشروع ولذلك يحسن أن يكون إبقاؤها أو حذفها محلاً للاستفتاء . أما الفقرة الثانية فتقضي بأن قواعد الإجراءات التي تقررها القوانين المصرية في مواد الأحوال الشخصية تسري على الأجانب على ألا تتعارض هذه القواعد مع حكم موضوعي في القوانين الوطنية لهؤلاء الأجانب . وقد استمد المشروع نص هذه الفقرة من الفقرة الثانية من القسم الثالث من تصريح الحكومة المصرية الملحق بمعاهدة إلغاء الامتيازات وهو نص لا نظير له في التشريعات الأجنبية . وإذا كان تعهد مصر بإعداد قانون للإجراءات يسري على الأجانب في مسائل الأحوال الشخصية قد هياً مناسبة لصدور مثل هذا التصريح فليس ثمة وجه لتركيزه في نص من نصوص المشروع . ولذلك يحسن أن يكون حذف المادة ٤٠ بأسرها محلا للاستفتاء .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادتان ۳۹ و ٤٠ واقترح معالي السنهوري باشا حذفهما لأن الهبة عقد يسري عليه ما يسري على غيره من العقود وذلك بالنسبة للمادة الأولى أما بالنسبة للمادة الثانية فاقترح حذفها اكتفاء بالنص العام الوارد في الإجراءات ..

فوافقت اللجنة .

المادة ٤٠ - هذه المادة من المواد التي نظرتها لجنة المرحوم كامل صدقي باشا وفيما يلي مناقشات تلك اللجنة عنها :

محضر جلسة ۱۹ مارس سنة ۱۹۳۷

تلا المسيو بنيتا المادة ١٦ من المشروع التمهيدي للمسيو لينان دي بلفون ونصها كالآتي :

« يحدد قانون الواهب وقت الهبة الشروط الموضوعية لصحة العقود وآثارها » .

وقال بأن اللجنة الفرعية تقترح اقتباس هذا النص كما هو .

وقد وافقت اللجنة على اقتباسه وجعله المادة ۱۸ من الباب التمهيدي .

(4) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 273 .

(5) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 252 .