الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 25 أكتوبر 2023

المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي / م 454 - م 809


الكتاب الثاني: العقود المسماة
الباب الأول: العقود التي تقع على الملكية
الفصل الأول – البيع:
الفرع الأول - البيع بوجه عام:
البيع في المجلة - وفي الفقه الإسلامي عامة - يتسع لكل مبادلة مال بمال، وينقسم إلى أربعة أقسام: بيع المال بالثمن، ويسمى بالبيع المطلق، لأنه أشهر أقسام البيع. وبيع النقد بالنقد، وهو الصرف، وبيع العين بالعين وهو المقايضة. وبيع مؤجل بمعجل وهو السلم (المادتان 105 و120 من المجلة). وقد سارت بعض التقنينات العربية على ذلك النهج في تعريف البيع، فالتقنين العراقي جعل البيع شاملاً للبيع المطلق والصرف والمقايضة. ولم يرَ حاجة للإشارة إلى السلم بعد أن أصبح بيع الشيء المستقبل جائزًا بوجه عام، لا في بيع السلم فحسب، وكذلك فعل التقنين الأردني فأغفل أن الثمن يجب أن يكون نقدًا، وجعل البيع شاملاً للبيع المطلق والمقايضة والسلم (المواد من 532 - 538 ومن 552 - 556).  ولكن المشروع آثر أن يُجرى في تعريف البيع بالمادة (454) على المتعارف، وهو البيع المطلق، وأورد في التعريف الذي جاء به أهم خصائص عقد البيع، وهي تمليك المال - أي نقل ملكية الحق المالي - في مقابل عوض نقدي، فكونه ناقلاً للملكية، يميزه عن عقد الإيجار، وكونه معاوضة يميزه عن عقد الهبة، وكون العوض فيه مبلغًا من النقود يميزه عن عقد المقايضة. وهي خصائص حرصت غالبية التقنينات العربية الأخرى على إبرازها وتحدد  المادة (455) من المشروع ما يدخل في البيع ولو لم يذكر في العقد، فلخصت ما أوردته المجلة في هذا الشأن، مقررة أن البيع يشمل كل ما كان من ملحقات المبيع وتوابعه. ويهتدي في ذلك بطبيعة المعاملة وبالعرف وبقصد المتعاقدين، وقد وضع هذا النص في مكانه الصحيح، لتعلقه بالبيع، لا بالتسليم وهو ما لم تفطن إليه كثير من التقنينات الأخرى، التي قنعت بأن تحدد مشتملات التزام البائع بالتسليم. والأولى أن يحدد محل العقد ككل، حتى يتحدد على أساسه مشتملات التزامات البائع جميعها، وليس التزام التسليم فحسب.
أولاً: أركان البيع:
التراضي هو الركن الأساسي في عقد البيع، على أنه يلزم أن يتعلق التراضي بمبيع وثمن لذلك ينص قانون التجارة في الفقرة الأولى من المادة (376) على أن (ينعقد البيع بتراضي المتبايعين على المبيع والثمن)، وهو نص مأخوذ عن نص المادة (557) من المشروع التمهيدي للتقنين المصري. الذي كان يرمي - كما جاء في المذكرة الإيضاحية لذلك المشروع - إلى التمهيد بذكر المبيع والثمن لإيراد النصوص الخاصة بهما، ولكنه حُذف في لجنة المراجعة لأن حكمه مُستفاد من القواعد العامة. وقد آثر المشروع عدم ترديده أيضًا. وانتقل مباشرة - في المواد التالية - إلى بيان الأحكام المتعلقة بالتراضي على المبيع والثمن. فعرض أولاً للعلم بالمبيع ولبعض أنواع من البيوع، كالبيع بالعينة، والبيع بشرط التجربة وبشرط المذاق، التي تجمعها في الفقه الإسلامي الأحكام المتعلقة بخيار الرؤية وخيار الشرط، ثم عرض بعد ذلك لتحديد الثمن وأسس تقديره.
العلم بالمبيع:
طبقًا للقواعد العامة المتعلقة بتعيين محل الالتزام، يكفي أن يكون المبيع معينًا تعيينًا كافيًا يميزه عن غيره ويكون مانعًا من الجهالة الفاحشة ولو لم يكن المشتري عالمًا به، فلا يُشترط رؤية المشتري للمبيع ولا سابقة علمه به ولا وصفه بأكثر من الأوصاف التي تكفي لتعيينه، مع مراعاة ألا يكون المشتري واقعًا في غلط في صفة جوهرية في المبيع، وهو غلط يقع عبء إثباته على عاتق المشتري الذي يدعيه، ولكن الفقه الحنفي يثبت للمشتري الذي لم يرَ المبيع الخيار إذا رآه، فإن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده بعد رؤيته له، سواء رآه على الصفة التي وُصفت له أو على خلافها، ويُسمى بخيار الرؤية (لقوله صلى الله عليه وسلم) " من اشترى شيئًا لم يره فله الخيار إذا رآه " فخيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع الجهالة اليسيرة، أما البائع فلا خيار له، إذا باع ما لم يره، ويسقط خيار الرؤية برؤية المشتري للمبيع ورضائه به صراحة أو دلالة كما يسقط بهلاك بعض المبيع أو تعيبه أو تغيره قبل أن يختار وكذلك بتصرفه في المبيع. أما في فقه المذاهب الثلاثة الأخرى، فإن وصف المبيع يغني عن رؤيته. فالبيع على الوصف جائز ولا يكون للمشتري عند ذاك خيار الرؤية، وإنما يكون له خيار فوات الوصف.
وقد قننت المجلة أحكام العلم بالمبيع (والمقصود بها تعيينه) في المواد من (200 إلى 204)، كما قننت أحكام خيار الرؤية أخذًا عن الفقه الحنفي في المواد من (320 إلى 335)، وكذلك فعل التقنين الأردني (المواد من 184 - 188 والمادتان 466 و467).
أما التقنين المصري فقد عمد إلى التوفيق بين أحكام خيار الرؤية في الفقه الحنفي وبين القواعد العامة المتعلقة بتعيين المبيع، فأوجب في المادة (419) أن يكون المشتري عالمًا بالمبيع علمًا كافيًا - وهو ما يتحقق بالرؤية أصلاً - ولكن يُغني عن الرؤية إما وصف المبيع وصفًا كافيًا وإما إقرار المشتري في العقد بأنه عالم بالمبيع، وأخذت بذلك غالبية التقنينات العربية، ومنها قانون التجارة الكويتي بالمادة (376)، وقد نقل المشروع حكم هذه المادة إلى المادة (456) بعد تعديل طفيف في صياغتها، فالأصل في العلم بالمبيع أن يكون برؤية المبيع ذاتًا، على ما يقول به المذهب الحنفي، ولكنه يجوز تحصيل هذا العلم من اشتمال عقد البيع على بيان المبيع وأوصافه الأساسية بيانًا يمكن من تعرفه، فيقوم هذا الوصف مقام الرؤية، على نحو ما تأخذ به مذاهب السنة الثلاثة الأخرى. ثم إن إقرار المشتري في عقد البيع بأنه عالم بالمبيع أو سبقت له رؤيته يكون حجة عليه، فلا يكون له حق إبطال البيع بدعوى عدم علمه بالمبيع إلا إذا أثبت تدليس البائع. وذلك دون إخلال بحقه في طلب إبطال البيع تأسيسًا على الغلط وفقًا للقواعد العامة. وقد استحدث المشروع حكمًا جديدًا وإن كان مما تمليه القواعد العامة، فنص بالفقرة الأخيرة من المادة (456) على أنه إذا تسلم المشتري المبيع ولم يعترض عليه خلال فترة معقولة اعتبر ذلك قبولاً للمبيع فلا يكون له بعد ذلك أن يطلب إبطال البيع بدعوى عدم العلم بالمبيع.
البيع بالعينة:
وتعالج المادة (457) من المشروع حالة البيع على أساس عينة أو نموذج يتفق عليه المتعاقدان، وهو المسمى في الفقه الإسلامي بالبيع على رؤية بعض المبيع، وفي ذلك تنص المجلة على أن (الأشياء التي تباع على مقتضى أنموذجها تكفي رؤية الأنموذج منها فقط)، والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروطة لتعذرها، فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود، ورؤية ذلك قبل الشراء كافية في سقوط خيار الرؤية، وبذلك يكون البيع قد انعقد على مبيع مطابق للعينة. ومن ثم وجب، عند تسلمه - أن يكون مطابقًا لها، وإلا جاز للمشتري أن يرفض المبيع أو أي جزء منه، ويكون الجزاء طبقًا للقواعد العامة، المطالبة بالتنفيذ العيني بإجبار البائع على تقديم ما يطابق العينة، أو فسخ البيع، أو طلب إنقاص الثمن إذا كانت قيمة المبيع أقل من قيمة ما يطابق العينة، وذلك دون إخلال بحق المشتري في التعويض، إذا كان له محل. أما المجلة، ويتابعها في ذلك كل من التقنين العراقي والتقنين الأردني فتجعل جزاء عدم المطابقة للنموذج، الفسخ أو الأخذ بالثمن المسمى.
وإذا تلف النموذج أو هلك، فإن كان ذلك وهو في يد المشتري كما هو غالب، وادعى هذا أن المبيع غير مطابق له، كان عليه هو أن يثبت ذلك، سواء كان التلف أو الهلاك بخطأ منه أو بقوة قاهرة، لأن البائع لا يد له في ضياع النموذج. حتى يثبت المشتري (المغايرة)، وإن كان النموذج في يد البائع وتلف أو هلك ولو بغير خطأ منه، وادعى المشتري أن المبيع غير مطابق له، فعلى البائع أن يثبت المطابقة. وهو حكم وارد في غالبية التقنينات المدنية العربية ويأخذ به أيضًا قانون لتجارة الكويتي م 378/ 2.
البيع بشرط التجربة أو بشرط المذاق:
تعرض المادة (458) لحالتي البيع بشرط التجربة والبيع بشرط المذاق، وقد رُئي أن يقتصر المشروع على إيراد نص واحد يتعلق بالبيعين دون تفرقة بينهما على عكس ما فعلت غالبية التقنينات العربية وقانون التجارة الكويتي، لأن المذاق في الحقيقة صورة من صور التجربة، فلا تقوم ثمة ضرورة للمباعدة بين البيعين، ويجيز المشروع اشتراط التجربة أو المذاق، مدة معلومة لقبول البيع أو رفضه دون تحديد لمداها، وإذا سكت المتبايعان، عند إبرام البيع، عن تحديد مدة، حملت على المدة المعتادة التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع وفق ظروف الحال وعرف الجهة وطبيعة المعاملة، فإن انقضت المدة دون أن يعلن المشتري رفضه للبيع مع تمكنه من التجربة أو المذاق، اعتبر سكوته الملابس قبولاً، وبذلك فإن البيع لا ينعقد إلا من وقت قبول البيع صراحةً أو دلالةً.
تحديد الثمن:
وتقضي المادة (459) من المشروع بأنه يكفي في تعيين الثمن، أن يكون قابلاً للتقدير. وهو يعتبر كذلك ما دامت الأسس التي يقوم عليها تقديره متفقًا عليها بين المتبايعين، كان يكون أساس التقدير السعر المتداول في التجارة أو سعر السوق، وكما هو الحال في بياعات الأمانة. وأجاز المشروع أن يترك المتبايعان تحديد الثمن لأجنبي يتفقان عليه عند البيع. لأن الثمن هنا وإن لم يقدره المتبايعان، إلا أنهما جعلاه قابلا للتقدير. وما يقدره الأجنبي ثمنًا للبيع يكون ملزمًا لكل من البائع والمشتري، ما لم يثبت تدليسه. فإذا لم يحدد الأجنبي الثمن - في وقت مناسب - لأي سبب كان، كان الثمن هو ثمن المثل، اعتبارًا بأنه الثمن العادل، أما إذا لم يتفق المتعاقدان على تحديد الثمن أو على جعله قابلاً للتحديد، ببيان الأسس التي يحدد بمقتضاها أو بتفويض طرف ثالث في تحديده، فإن البيع يكون باطلاً لتخلف ركن من أركانه، ومع ذلك تقضي المادة (460) من المشروع بأنه لا يترتب على عدم تحديد الثمن على الوجه المتقدم بطلان البيع إذا تبين من الاتفاق أو الظروف قصد المتعاقدين التعامل بالسعر المتداول بينهما أو بسعر السوق. فقد يظهر من الظروف والملابسات - إذا كان بين المتبايعين تعامل سابق - أنهما متفقان ضمنًا على أن يكون الثمن هو السعر الذي جرى عليه التعامل السابق، كما قد يظهر أيضًا، أن سكوت المتبايعين عن تحديد الثمن ينطوي على اتفاق ضمني بترك تحديد الثمن إلى السعر المتداول في التجارة - كسعر البورصة أو سعر السوق - فيعتبر الثمن قابلاً للتقدير (ومثال ذلك بيع الاستئمان أو الاستسلام عند المالكية، وهو بيع يقوم على استئمان المشتري للبائع واستسلامه فيما يُخبر به من الثمن المتعارف للبيع)، فإذا كان أساس تقدير الثمن هو سعر السوق، فإنه يفترض طبقًا للفقرة الثانية من المادة (464) أن المقصود هو سعر السوق في الزمان والمكان الذي تم فيهما البيع، وهو افتراض أدنى إلى قصد المتعاقدين، فإذا لم يكن في مكان البيع سوق، اعتُبر المكان الذي يقضي العرف بأن تكون أسعاره سارية، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره.
وقد استمد المشروع أحكامه في ذلك الخصوص من قانون التجارة القائم (المواد 386 و387 و388) ومن مصادره التشريعية في قوانين البلاد العربية بعد تعديل أكثر إحكامًا في الصياغة.
وتعرض المادة (461) لحالة تقدير الثمن على أساس الوزن، فتنص على أن العبرة في ذلك تكون بالوزن الصافي، ما لم يتفق الطرفان أو يستقر العرف على غيره. وهو ما تقضي به المادة (389) من قانون التجارة الحالي، في فقرتها الأولى، وقد آثر المشروع أن يأخذ بهذا الحكم عنها. لأنه أدنى إلى قصد المتعاقدين.
وعرض المشروع بالمادة (462) إلى بيوع التولية والإشراك والمرابحة والوضيعة. فقد يتفق المتبايعان على أن يتخذ الثمن الذي سبق أن اشترى به البائع أساسًا لتقدير ثمن البيع، فيشتري المشتري بمثل ما اشترى به البائع أو أكثر أو أقل. ولهذه الصور من البيع مكان خاص في الفقه الإسلامي وتسمى عندهم (بياعات الأمانة)، لأن المشتري يشتري من البائع على أساس الثمن الذي اشترى به، مطمئنًا إلى أمانته في البيان عن هذا الثمن، فإما أن يزيد عليه قدرًا معلومًا من الربح فيسمى البيع مرابحة وإما أن ينقصه قدرًا معلومًا يتحمله البائع فيسمى وضيعة أو مواضعة. وإما ألا يزيد ولا ينقص ويشتري من البائع يمثل ما اشترى به، فيسمى البيع تولية، إذا اشترى منه جميع ما اشترى، وإشراكًا إذا أخذ جزءًا منه بما يقابله من الثمن، ويجب لصحة العقد في هذا البيوع جميعًا، أن يكون الثمن الأول (رأس المال) معلومًا وقت إبرامه. ويلحق بالثمن ما جرت العادة على إلحاقه به من مصروفات، ولا يُكتفى من البائع ببيان مجمل عن الثمن، بل يجب عليه أيضًا أن يبين ما أحاط الثمن من ملابسات وما أقترن به من أوصاف قد تؤثر في رضاء المشتري بالصفقة. والكذب فيها أو الانتقاص منها يعتبر خيانة وتدليسًا.
ولم يعرض التقنين المصري والتقنينات الأخرى التي حذت حذوه لهذه البيوع، أما التقنين العراقي فقد عرض لها في المادة (530) منه، كما نص في الفقرة الثانية من المادة (121) على أنه (يعتبر تغريرًا عدم البيان في عقود الأمانة التي يجب التحرز فيها عن الشبهة بالبيان، كالخيانة في المرابحة والتولية والإشراك والوضيعة). وكذلك فعل التقنين الأردني في المادة (480). وقد نص المشروع على هذه البيوع في المادة (462) مشترطًا أن يكون الثمن الأول الذي اشترى به البائع معلومًا وقت العقد، وأن يكون مقدار الربح في المرابحة ومقدار الخسارة في الوضيعة محددًا، وذلك منعًا من الجهالة والغرر. كما نص على أنه إذا كتم البائع بعض الملابسات الجوهرية للثمن على وجه يعيب رضاء المشتري فإن هذا يعتبر غشًا يجيز للمشتري إبطال البيع للتدليس، وإذا لم يكتم البائع شيئًا من تلك الملابسات، ولكن أثبت المشتري أن الثمن الأول الذي ذكره البائع أعلى من الحقيقة، كان البيع صحيحًا، وإنما يكون للمشتري أن يتمسك بالثمن الحقيقي فيكون له أن يحط المقدار الزائد من رأس المال وما يناسبه من الربح إن كان البيع مرابحةً أو المقدار الزائد من رأس المال فقط إن كان البيع توليةً أو إشراكًا أو المقدار الزائد من رأس المال وما يناسبه من الخفض إن كان البيع وضيعه. ويسترد المشتري القدر الزائد إن كان قد دفعه، ولا يلتزم بدفعه له إن كان لم يدفعه كما يكون له في جميع الأحوال أن يرجع بالتعويض على البائع طبقًا للقواعد العامة إذا أثبت في جانبه غشًا أو تقصيرًا.
ثانيًا: آثار البيع:
أجملت المجلة - في المادتين (369 و374) - حكم البيع، وهو نقل الملك بحكم العقد أي بقوة القانون. ولكن مقتضى البيع في قانون التجارة الحالي أن ينشئ التزامًا في ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري، ويتم تنفيذ هذا الالتزام بمجرد إبرام العقد، ومن ثم ينقضي في لحظة نشوئه. وهو ما يتنافى مع فكرة الالتزام في أبسط مظاهرها. فالالتزام عبء على المدين ينبغي أن يقوم هو بوفائه. ولذلك تكون المجلة - في تقنينها للفقه الحنفي - أكثر تمشيًا مع المنطق في التفرقة بين نقل ملكية المبيع إلى المشتري وبين الالتزامات التي يرتبها العقد في ذمة المتعاقدين. وهو ما أخذ به المشروع، فأجمل في المادة (463) حكم البيع، وهو نقل ملكية المبيع إلى المشتري، وذلك قبل أن يعرض - لما يرتبه العقد من التزامات في ذمة كل من البائع والمشتري. وعلى ذلك فإنه إذا كان المبيع عينًا معينة بالذات ومملوكًا للبائع انتقلت الملكية فورًا إلى المشتري بمجرد العقد، فإن لم يعين إلا بنوعه لا تنتقل ملكيته إلا بالإفراز، ذلك أن المعين بالنوع يكون، قبل الإفراز، غير محدد بالذات، فتكون هناك استحالة طبيعية في أن تنتقل ملكيته إلى المشتري قبل إفرازه. كل ذلك ما لم يجعل القانون أو الاتفاق انتقال الملكية رهنًا بالقيام بعمل معين. فقد ينُص القانون على عدم انتقال الملكية إلا بالتسجيل، كما قد يعلق الاتفاق انتقالها على الوفاء بكل ثمن، وهو ما يعرف بشرط الاحتفاظ بالملكية للبائع، وقد عرضت المادة (464) لهذا الشرط واستلهم المشروع حكمها من المادة (396) من قانون التجارة الحالي ومصادرها العربية (القانون المصري المادة 430 والقوانين التي أخذت عنه). بعد أن أجرى عليها تعديلاً في الصياغة جعلها أكثر دقة وإحكامًا، ودون أن ينقل عن التقنينات السابقة ما أوردته من تفصيلات تغني عنها القواعد العامة. وتعرض المادة (465) أيضًا لما يترتب على البيع وهو أن يكون للمشتري ثمر المبيع ونماؤه من وقت تمام العقد كما يكون عليه من هذا الوقت تكاليفه، كنفقات الحفظ أو الصيانة أو غير ذلك وهو حكم يماثل ما تنص عليه المجلة في المادة (236) من أن (الزيادة الحاصلة في المبيع بعد العقد وقبل القبض، كالثمرة وأشباهها، هي للمشتري) ولكن المشروع استحدث إلى جانب ذلك حكمًا آخر تمليه قواعد العدالة ويقضي بأنه، إذا لم يكن البائع قد استوفى الثمن بتمامه، فإنه لا يحرم من ثمار المبيع كلها وإنما يكون له منها بمقدار ما لم يستوفه من الثمن، ولا يكون للمشتري من هذه الثمار إلا بما يناسب ما أداه منه، وكل ذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره.
1 - التزامات البائع:
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات البائع تباعًا فجاء في المادة (466) بحكم يقضي بأنه إذا كان ثمة أحوال لا تنتقل فيها الملكية بمجرد البيع، فإنه يكون على البائع أن يقوم بكل ما هو ضروري من جانبه لانتقالها، إلى المشتري، وأن يكف عن الأعمال التي تحول دون ذلك أو تجعله عسيرًا. فيكون عليه القيام بشهر حق الإرث، والتصدق على توقيعه، وتقديم مستندات الملكية حتى يتمكن المشتري من تسجيل العقد إذا كان المبيع عقارًا كما يكون عليه إفراز المنقول المعين بجنسه ونوعه فقط، إذا كان المبيع منقولاً وكذلك ينبغي له ألا يتصرف في المبيع إلى مشترٍ آخر تصرفًا يضر بالمشتري أو أن يخفي مستندًا لازمًا لتسجيل العقد، وقد استمد المشروع هذا الحكم من القانون المدني المصري (المادة 428) والقوانين العربية التي نقلت عنه.
وتعرض المادة (467) لالتزام البائع بالتسليم وتقضي بأن البائع ملزم بتسليم المبيع إلى المشتري بالحالة التي كان عليها وقت البيع. وهي قاعدة بديهية لأن التراضي الذي أنشأ العقد تعلق بالمبيع على الحالة التي كان عليها وقت قيامه، وقد أخذ المشروع بها نقلاً عن المادة (431) من القانون المدني المصري والنصوص المقابلة في القوانين العربية. وإذا كانت المجلة خالية من نص صريح يقرر هذه القاعدة، فإن حكمها مستفاد ضمنًا من نصوصها. ويتفرع على هذه القاعدة وجوب تسليم ذات المبيع. وهو ما عنته المجلة بقولها " المبيع يتعين في العقد " (م 204) ولكن إذا زاد المبيع بعد البيع فإن زوائده تكون للمشتري (م 236).
وغني عن البيان أن الالتزام بتسليم المبيع بالحالة التي كان عليها وقت البيع ليس من النظام العام، فيجوز للمتبايعين أن يتفقا على خلافه، كتسليم المبيع في حالة أحسن مما كانت عليه، أو في الحالة التي يكون عليها بعد استعماله فترة من الزمن.
كذلك يلتزم البائع أن يسلم المشتري كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالمبيع.
وأخذ المشروع الحكم الذي أورده بالمادة (468) عن المادة (573) من المشروع التمهيدي للتقنين المدني المصري، وهو يُلزم البائع أن يزود المشتري بكافة البيانات الضرورية عن المبيع، كأن يبين له حدوده وما يكون له من توابع أو ملحقات وما عليه من حقوق وتكاليف وكيفية الانتفاع به إذا كان من الأجهزة الدقيقة، وقد آثر المشروع أن يقنن هذا الحكم اعتبارًا بأنه تأكيد لالتزام البائع بتقديم ما يكون المشتري في حاجة ماسة إليه لتيسير كيفيه انتفاعه بالمبيع.
وتعرض المواد (469 و470 و471) لحكم النقص أو الزيادة في المبيع إذا كان معينًا بالذات وقد عُين مقداره في عقد البيع. والقاعدة العامة في المجلة أنه " إنما يعتبر القدر الذي يقع عليه البيع لا غيره " (مادة 222). وقد تضمنت المجلة نصوصًا تفصيلية في ذلك الشأن (المواد من 223 إلى 229) إذ تضع حلولاً تختلف باختلاف أحوال المبيع وطريقة تحديد ثمنه. ففي حالة بيع المكيلات والموزونات والمزروعات والعدديات المتقاربة التي ليس في تبعيضها ضرر، سواء حدد الثمن للجملة أو لكل كيل أو وزن أو ذرع أو عدد على حدة، إذا ظهر عند التسليم نقص في قدر المبيع، يكون للمشتري الخيار بين البيع أو أخذ القدر الموجود بحصته من الثمن أما إذا ظهر عند التسليم زيادة في قدر المبيع، فالزيادة تكون للبائع.
وفي حالة بيع الموزونات أو المزروعات التي في تبعيضها ضرر (ومنها الأراضي) إذا تحدد الثمن جملة واحدة، وزاد المبيع أو نقص، يكون للمشتري الخيار بين الفسخ أو إبقاء البيع بالثمن المسمى، فإذا تعين الثمن بسعر الوحدة، وظهر في قدر المبيع نقص أو زيادة كان للمشترى الخيار بين الفسخ، وبين أخذ المبيع بالثمن على حسب سعر الوحدة.
أما في حالة بيع العدديات المتفاوتة، فإنه إذا ذُكر في العقد ثمن مجموعها فقط، وظهر عند التسليم نقص أو زيادة في قدر المبيع فإن البيع في الحالين يكون فاسدًا لجهالة المبيع في صورة الزيادة، ولجهالة الثمن في صورة النقصان، وإذا ذكر في العقد أثمان آحاده، وظهر عند التسليم نقص في قدر المبيع، كان المشتري مخيرًا بين فسخ البيع أو أخذ المبيع بحصته في الثمن لتفرق الصفقة عليه. أما إذا ظهر عند التسليم زيادة في قدر المبيع فإن البيع يقع فاسدًا لجهالة المبيع.
وقد جرت بعض التقنينات العربية على مجاراة المجلة في إيراد تلك التفصيلات كلها أو بعضها - كالتقنين العراقي والتقنين الأردني - مع أن القواعد العامة تكفي في استخلاص الكثير منها، ولذلك آثر المشروع أن يقتصر – كما فعل التقنين المصري وما تابعه من التقنينات العربية الأخرى – ومنها قانون التجارة الحالي (المادة 399) – على نص عام يقضي بأن يكون البائع ضامنًا للقدر الذي عينه للمبيع بحسب ما يقضي به العرف، وهو ما يعني أنه إذا نقص المبيع عن القدر المعين في العقد يكون المشتري بالخيار بين الفسخ وبين إنقاص الثمن بقدر ما أصابه من ضرر، سواء كان المبيع مما يضره التبعيض أو مما لا يضره، وسواء كان الثمن محددًا بسعر الوحدة أو مقدرًا جملة واحدة، ولكنه لا يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد في هذه الحالة، إلا إذا كان النقص من الجسامة بحيث أنه لو كان يعلمه لما أتم العقد – وهو ما تتضمنه المادة (469) من المشروع.
أما المادة (470) فإنها تعالج أحوال الزيادة في المبيع، وتفرق في ذلك بين تقدير الثمن جملة وبين تقديره بحسب الوحدة، ففي الحالة الأولى - وهي حالة لم يعرض لها التقنين المصري، تكون الزيادة للمشتري، لأن الغالب أن المتعاقدين قصدا أن يكون المبيع جميعه بهذا الثمن ولو زاد عن القدر المعين فالقدر هنا يكون وصفًا والوصف لا يقابله شيء من الثمن ولكن إذا كانت الزيادة من الجسامة بحيث لو علمها البائع لما أتم العقد فإنه يكون للمشتري الخيار بين زيادة الثمن بما يتناسب مع الزيادة في المبيع وبين فسخ البيع. وفي الحالة الثانية – وهي تقدير الثمن بسعر الوحدة – إذا كان المبيع قابلاً للتبعيض فإن الزيادة تكون للبائع، لأن القدر فيما لا يضره التبعيض يعتبر أصلاً بنفسه، ومن ثم إذا أراد المشتري أخذ الزيادة فإنه يكون عليه أن يدفع ما يقابلها الثمن، وهي حالة لم يعرض لها التقنين المصري أيضًا. وإذا كان المبيع غير قابل للتبعيض، فإنه يجب أن يكمل المشتري الثمن بقدر زيادة المبيع وذلك لأن القدر – مع إنه وصف للمبيع – متى أفرد بالثمن صار  أصلاً وكان له حصته من الثمن، ولكن إذا كانت الزيادة جسيمة فإنه يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد.
وحدد المشروع مدة موحدة تسقط بمضيها الدعوة في جميع تلك الأحوال فنص في المادة (471) منه على أن دعوة المشتري بطلب إنقاص الثمن أو بطلب الفسخ تسقط بانقضاء سنة من وقت تسليم المبيع، وكذلك يكون الحكم بشأن دعوى البائع بتكملة الثمن أو بطلب رد الزيادة، وتتفق المدة التي حددها المشروع لسقوط الدعوة مع مقدار المدة التي يحددها قانون التجارة الحالي بالمادة (399) لتقادم تلك الدعوى في كافة الصور.
ووضع المشروع في المادة (472) القاعدة العامة في كيفية التسليم متفقًا في ذلك مع نصوص المجلة والقانون المصري (المادة 435/ 1 مدني) والتشريعات العربية التي نقلت عن ذلك القانون، فالتسليم يحصل بالتخلية بين المشتري والمبيع – يوضع تحت تصرفه – بحيث يتمكن من قبضه والانتفاع به دون حائل، حتى ولو لم يستولِ عليه استيلاءً ماديًا، ما دام البائع قد أعلمه بذلك أو أذن له به. ويكون التسليم في كل شيء حسب طبيعته أو اختلاف حاله. ولكن المشروع لم يورد ما أوردته المجلة من تطبيقات عديدة لكيفية التسليم لعدم ضرورتها.
وتقرر المادة (473) جواز التسليم الحكمي، وهو الذي يتم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حوزة المشتري من قبل البيع (بإجارة أو إعارة أو وديعة أو رهن حيازة أو غير ذلك)، أو كان البائع قد استبقى المبيع في حوزته بعد البيع لسبب آخر غير الملك (كمستأجر أو مستعير أو مودع لديه أو مرتهن أو غير ذلك). وكلتا الصورتين ليستا إلا من تطبيقات المبدأ العام في انتقال الحيازة من شخص إلى آخر انتقالاً حكميًا ولم يرد في المجلة نصوص تتعلق بالتسليم الحكمي، ولكن الحنفية لا يرون في الصورة الثانية قبضًا من المشتري للمبيع، كما يفرقون في الصورة الأولى بين ما إذا كانت يد المشتري على المبيع قبل البيع، يد ضمان أم يد أمانة. فإذا كانت يد ضمان لم يكن في حاجة إلى قبض جديد ويقع التسليم حكمًا ويعتبر قابضًا للمبيع بمجرد إبرام العقد. أما إذا كانت يده على المبيع يد أمانة فإنه لا يعتبر متسلمًا له إلا بقبض جديد، ولا يكون التسليم الحكمي في هذه الحالة جائزًا. ولم يرَ المشروع أن يأخذ بهذه التفرقة فلم يستلزم في الصورتين حصول قبض جديد، وهو ما فعله التقنين العراقي (المادتان 539، 540) وسار عليه القانون المصري (435/ 2) والقوانين العربية التي أخذت عنه.
وغني عن البيان أن القواعد المتقدمة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالفها أو يعدل فيها.
وتعين المادة (474) زمان التسليم بأنه الوقت الذي يحدده العقد، فإذا لم يحدد العقد وقتًا التزم البائع بالتسليم فورًا بمجرد انعقاد البيع، وإذا اتفق على أن يتم التسليم في الوقت الذي يحدده المشتري التزم البائع بإجرائه فيه، وكل ذلك مع مراعاة المواعيد التي تستلزمها طبيعة المبيع أو يقضي بها العرف. وفي الفقه الحنفي يتعين على البائع تسليم المبيع فور أداء الثمن إذا كان الثمن معجلاً، ولكن لا يجوز أن يشترط البائع على المشتري تأجيل التسليم ولا أن يشترط المشتري على البائع تسليم المبيع قبل دفع الثمن إذا كان حالاً، ويترتب على الشرط في الحالتين فساد البيع. وقد قُنن هذا الفقه في مرشد الحيران (م 353) ولكن المجلة لم تأخذ بفقه الحنفية في الشروط الفاسدة - فكان يجوز الاتفاق في ظلها، على تسليم المبيع في وقت معين، سواء قبل دفع الثمن أو بعده وهو ما أخذ به المشروع ويجري به قانون التجارة الحالي (المادة 397).
وتحدد المادة (475) بفقرتها الأولى مكان التسليم، بأنه المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت تمام العقد، ما لم يتفق على غير ذلك وهو ما يتفق مع حكم المادتين (285 و287) من المجلة. ويُعتبر المنقول، إذا لم يعين مكان وجوده موجدًا في موطن البائع ومن ثم يجب تسليمه فيه وهو ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة (475). فإذا كان المبيع واجب الإرسال إلى مكان معين، فإن التسليم لا يتم إلا بوصوله فيه وجرى بذلك حكم المادة (476) نقلاً عن المادة (393) من قانون التجارة.
وتعرض المادة (477) لنفقات التسليم فتقضي بالتزام البائع بها لأنه هو الملتزم بالوفاء بالمبيع فيقع على عاتقه مصاريف نقل المبيع وفرزه أو عده أو وزنه ونحو ذلك وهذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف مخالف، ويتفق حكم المشروع في ذلك الشأن مع ما ينص عليه قانون التجارة بالمادة (400) والمجلة بالمادتين (289، 291).
وقد عالج المشروع الأحوال التي يقع فيها هلاك المبيع والحكم في كل حالة بالمواد من (478 إلى 480). ويجدر التنويه بادئ ذي بدء إلى أنه في الفقه الحنفي يختلف حكم هلاك المبيع قبل القبض باختلاف سبب هلاكه فلو هلك بفعل - البائع، أو بفعل المبيع أو بآفة سماوية (أي بسبب أجنبي) بطل البيع (أي أنفسخ) ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان قد قبضه. وإن هلك بفعل أجنبي يكون مضمونًا عليه بالقيمة أو بالمثل ويكون المشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع فيعود المبيع إلى ملك البائع الذي يتبع الجاني بضمانه، وإن شاء أمضى البيع ودفع الثمن ويرجع هو بالضمان على الجاني. وإذا هلك بفعل المشتري فعليه ثمنه، لأنه صار قابضًا للمبيع بالإتلاف، إذ لا يمكنه إتلافه إلا بعد إثبات يده عليه.
أما إذا هلك بعض المبيع قبل قبضه، وكان الهلاك بآفة سماوية أو بفعل المبيع نفسه، فإنهم يفرقون بين نقصان القدر ونقصان الوصف. فإن كان نقصان قدر، بأن كان مكيلاً أو موزونًا أو معدودًا، يبطل البيع (ينفسخ) بقدر الهالك وتسقط عن المشتري حصة الفائت من الثمن وله الخيار في الباقي إن شاء أخذه وإن شاء تركه. وإن كان نقصان وصف، وهو كل ما يدخل في البيع بغير ذكر، لا يسقط شيء من الثمن لأن الأوصاف لا مقابل لها من الثمن، ولكن المشتري يكون بالخيار، إن شاء أخذ بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل قبضه. وإذا هلك بعض المبيع بفعل البائع، سقط من الثمن قدر النقص سواء كان نقصان قدر أو نقصان وصف (لأن الأوصاف لها حصة من الثمن عند ورود الجناية عليها)، وخير المشتري بين الفسخ والإمضاء أما إذا هلك بعض المبيع بفعل المشتري فلا يسقط عنه شيء من الثمن لأنه صار قابضًا للكل بإتلاف البعض، إذ لا يتمكن من إتلاف البعض إلا بإثبات اليد على الكل. وإذا وقع هلاك بعض المبيع بفعل أجنبي، فحكمه حكم هلاك المبيع كله.
ويتفق قانون التجارة الحالي مع الفقه الحنفي في تحميل البائع تبعة الهلاك الكلي قبل التسليم، إذا كان الهلاك لسبب أجنبي لا يد للبائع فيه، ولكنه ينقل تبعة الهلاك إلى المشتري إذا وقع الهلاك بعد إعذاره لتسلم المبيع (م 391). أما إذا وقع الهلاك بفعل البائع فإنه يكون مسؤولاً عنه طبقًا للقواعد العامة، ويلتزم بتعويض المشتري عن الضرر الذي لحقه منه، فلا يقتصر أثر الهلاك على سقوط الثمن أو رده كما يرى الأحناف، وفي حالة الهلاك الجزئي إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه، يكون للمشتري الخيار بين الفسخ إبقاء البيع مع إنقاص الثمن، إذا كان النقص من الجسامة بحيث لو طرأ قبل العقد لامتنع المشتري عن الشراء، أما إذا لم يبلغ النقص هذا القدر من الجسامة فلا يكون للمشتري سوى إبقاء البيع وإنقاص الثمن (م 392)، وقد سبق إلى وضع أحكام مماثلة القانون المصري (437، 438 مدني) والقوانين العربية التي نسجت على منواله. وقد استبقى المشروع تلك الأحكام أيضًا بالنسبة للهلاك الكلي قبل التسليم وكذلك بالنسبة للهلاك الجزئي وكل ذلك إذا كان الهلاك أو التلف لسبب لا يد لأحد المتعاقدين فيه. وإذا أعذر البائع المشتري لتسلم المبيع قبل أن يهلك فإن تبعه الهلاك أو التلف تنتقل إلى المشتري وهو ما تنص عليه المادتان (478، 479) من المشروع.
أما إذا هلك المبيع أو تلف بفعل المشتري فإنه يبقى ملتزمًا بالثمن كاملاً. ويمتنع الفسخ سواء كان الهلاك كليًا أو جزئيًا. فإذا كان الهلاك لسبب يعزى إلى البائع، فإنه يكون للمشتري إذا فسخ أن يسترد الثمن وأن يتقاضى تعويضًا فوق ذلك فإن أبقى البيع أنقص الثمن بمقدار ما فات. وهو الحكم الذي تقرره المادة (480) من المشروع، وتعرض المادتان (481 و482) لضمان التعرض، وهو ضمان لم يعرفه الفقه الإسلامي بوجه محدد. كما لم يرد له ذكر في المجلة أو في قانون التجارة الحالي، وقد استمد المشروع أحكام هذا الضمان من القانون المدني المصري (مادة 439) ومن النصوص المقابلة بالتشريعات التي سارت على منوال ذلك القانون، وأفرد المدة (481) لضمان التعرض الصادر من البائع وخصص المادة التالية لضمان تعرض الغير، فطبقًا للمادة الأولى يلتزم البائع بعدم التعرض للمشتري في حيازته للمبيع وانتفاعه به وعدم منازعته في ملكيته، سواء كان تعرضه ماديًا أو قانونيًا، والتعرض المادي هو الذي لا يستند فيه البائع إلى حق يدعيه، كأن يفتح على مقربة من المحل التجاري الذي باعه محلاً تجاريًا آخر من نفس النوع ليجتذب عملاءه الأسبقين - أما التعرض القانوني، فهو الذي يستند إلى سبب قانوني، كأن يدعي البائع حقًا على المبيع في مواجهة المشتري، سواء كان هذا الحق سابقًا على البيع أو لاحقًا له. وطبقًا للمادة (482) يلتزم البائع بضمان تعرض الغير، الذي يدعي على المبيع حقًًا موجودًا وقت البيع يحتج به على المشتري، كما يكون ملزمًا بالضمان ولو ادعى المتعرض حقًا نشأ بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليه من البائع أو كان نتيجة لفعله. أما التعرض المادي من الغير فإنه لا يوجب الضمان وعلى المشتري أن يدفعه بما وضعه القانون في يده من وسائل، وغني عن البيان أنه في جميع الأحوال فإن الضمان لا يجب على البائع إلا إذا حصل التعرض فعلاً من الغير، أما احتمال وقوعه فلا يكفي.
وقد تعرض المشروع في المواد من (483 إلى 488) لكيفية تنفيذ الالتزام بضمان التعرض، سواء كان تنفيذًا عينيًا بدفع تعرض الغير، أو تنفيذًا بطريق التعويض أو ضمان الاستحقاق. مراعيًا في ذلك أن يكون متفقًا بقدر الإمكان مع أحكام الفقه الحنفي الذي يعرف ضمان الاستحقاق. فتقضي المادة (483) أنه إذا رفعت على المشتري دعوى باستحقاق المبيع، وجب عليه المبادرة بإدخال البائع فيها ليقوم بتنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذًا عينيًا. وهو حكم له أصل في الفقه الحنفي، وله نظير في بعض التقنينات (كالتقنين البولوني في المادتين 314 و318) وفيه قصد في الوقت والإجراءات فضلاً عن أنه يكفي المشتري مؤونة دفع دعوى الغير - وقد لا يعرف عنها شيئًا - كما يجنبه عاقبة التهمة أو الخطأ في الدفاع. فإذا لم يقم المشتري بإدخال البائع في الدعوى وصدر لصالح الغير حكم نهائي فإن ضمان البائع يسقط إذا أثبت أن إدخاله في دعوى الاستحقاق كان من شأنه أن يؤدي إلى رفضها، والحكم الذي جاء به المشروع يفضل ما تأخذ به القوانين العربية من جعل دخول البائع في الدعوى متروكًا لتقديره حتى لو أخطره المشتري بها (440 مدني مصري والمواد المقابلة بالقوانين العربية الأخرى).
وإذا أدخل المشتري البائع في الدعوى فلم يحضر أو حضر وفشل في دفعها يصبح ضامنًا لاستحقاق المبيع. فإن حكم باستحقاق المبيع كله، كان البائع مسؤولاً عن تعويض المشتري عما لحقه من خسارة أو فاته من كسب بسبب هذا الاستحقاق. ومع ذلك يقتصر حق المشتري على استرداد الثمن، إذا أثبت البائع أنه لم يكن يعلم عند البيع بسبب الاستحقاق وهو الحكم الذي جاء به المشروع في المادة (484).
أما إذا قُضي باستحقاق بعض المبيع، أو ثبت عليه حق للغير، وكانت خسارة المشتري من ذلك تبلغ قدرًا لو علمه لما أتم العقد، كان له أن يرد المبيع وما أفاده منه، على أن يعوض وفقًا لأحكام المادة السابقة. فإذا اختار المشتري استبقاء المبيع، أو كانت الخسارة التي لحقته لم تبلغ قدرًا لو علمه لما أتم العقد، فإنه لا يكون له إلا المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب الاستحقاق وهو ما تقرره المادة (485).
وقد نقل المشروع عن القانون المدني السوداني (المادة 381) حكمًا ملائمًا وقننه بالمادة (486) وهو يقضي بعدم ضمان البائع لبعض الحقوق التي تنقص من انتفاع المشتري في الحالات التالية:
أولاً: إذا كان البائع قد أبان عن الحق للمشتري وقت التعاقد، إذ يعتبر سكوت المشتري بعد علمه به رضاء ضمنيًا بإسقاط ضمان البائع له.
ثانيًا: إذا كان الحق ارتفاقًا ظاهرًا، فيستطيع المشتري وقت البيع - وهو يعاين المبيع - أن يرى معالمه، أو كان يستطيع أن يراها ظاهرة فيكون سكوته دليلاً على رضائه بعدم ضمان البائع.
ثالثًا: إذا كان سبب نقص انتفاع المشتري بالمبيع ناشئًا عن قيد من القيود القانونية التي ترد على حق الملكية، وهذه القيود وأن كانت بحسب الأصل لا يضمنها البائع لأن القانون هو الذي يقررها والمشتري يعرفها أو ينبغي أن يعرفها، سواء كانت مظاهرة أو غير ظاهرة، إلا أن المشروع آثر النص عليها تأكيدًا لعدم دخولها في الضمان حتى ولو لم تكن ظاهرة.
ويعرض المشروع في المادتين (487 و488) للاتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء بالزيادة أو الإنقاص أو الإسقاط فأحكام الضمان ليست من النظام العام ولذلك فأنه يجوز الاتفاق على تعديلها، ولكن هذا الاتفاق يجب أن يكون صريحًا واضحًا. على أنه يشترط في إنقاص الضمان أو إسقاطه ألا يكون البائع قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق وألا يكون الاستحقاق ناشئًا عن فعله، وإلا وقع الاتفاق على ذلك باطلاً أما إذا كان الاستحقاق ناشئًا عن فعل الغير ولم يتعمد البائع إخفاء حق هذا الغير فإن شرط عدم الضمان يكون صحيحًا، وكلما جاء شرط عدم الضمان صحيحًا فإن البائع يبقى مسؤولاً عن رد الثمن إلا إذا أثبت أن المشتري كان يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق، أو أنه اشترى ساقط الخيار، وقد استمد المشروع حكم هاتين المادتين من القانون المدني المصري (المادتان 445 و446) ومن القوانين العربية التي أخذت عنه وإنما أدخل المشروع من التعديلات ما يقتضيه المقام.
وعرض المشروع لضمان العيوب الخفية في المواد من (489 إلى 497) وهذا الضمان - وهو كضمان التعرض والاستحقاق - يجاوز نطاقه عقد البيع إلى كل عقد ناقل للملكية، بل وإلى كل عقد ينقل الانتفاع وبخاصة إذا كان من عقود المعاوضة. ولكن لما كان عقد البيع هو العقد الرئيسي الذي ينقل الملكية والحيازة، فقد وضعت فيه القواعد العامة لهذا الضمان، مع الإشارة إليها في العقود الأخرى وبيان ما تقتضيه طبيعة كل عقد من تعديلات خاصة، لا سيما في عقود التبرع. ويقتضي ضمان العيوب الخفية في البيع أن يلتزم البائع بتسليم المبيع خاليًا من العيب فإن ظهر في المبيع عيب ينقص من قيمته أو يجعله غير صالح لما أعده له المشتري، كان البائع ملزمًا بالضمان.
وقد عرضت المجلة لخيار العيب في المواد (336 – 355)، ورتبت على ظهور العيب، ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ أو إبقاء المبيع بالثمن المسمى، لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، أما قانون التجارة الحالي فلم يعرض للعيب إلا في مادة واحدة أوجب فيها على المشتري إخطار البائع بالعيب فور كشفه، وإلا سقط حقه في الرجوع عليه بسبب العيب (المادة 401).
وقد انتهج المشروع نهج القوانين العربية في سن أحكام تفصيلية لذلك الضمان اعتبارًا بما يحظى به من أهمية في التعامل فأورد بالمادة (489) حكمًا يقضي بالتزام البائع بالضمان وقفًا لأحكام المادة (485) منه إذا كان بالمبيع وقت البيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه مستفادة مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة المبيع أو الغرض الذي أعد له وإنما يشترط في العيب أن يكون مؤثرًا بحيث ينقص من قيمة المبيع أو نفعه، ويرجع في تقدير ذلك إلى معيار مادي، فينظر إلى قصد المتعاقدين كما هو مبين في العقد وإلى طبيعة المبيع وإلى الغرض الذي أعد له.
قد جرى المشروع في المادة (490) على اعتبار أن العيب لا يعتبر مؤثرًا إذا كان العرف قد جرى على التسامح فيه، كما إذا وجد المشتري في الحبوب المشتراة كمية من الأتربة جرى العرف على التسامح فيها واستلهم المشروع هذا الحكم من المادة (448) من القانون المدني المصري والقوانين العربية التي نقلته عنه وكذلك عن المفهوم العام للمادتين (353 و354) من مجلة الأحكام.
واشترط الشروع في وضوح بالمادة (491) أن يكون المشتري غير عالم بالعيب ولم يكن في استطاعته أن يعلم به.
فإذا كان يعرف العيب وقت البيع أو كان العيب من الظهور بحيث يستطيع أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية، فإن العيب لا يكن خفيًا ولا يضمنه البائع وذلك ما لم يكن البائع قد أكد للمشتري خلو المبيع من هذا العيب أو أنه قد تعمد إخفاءه غشًا منه وقد أخذ المشروع بذلك الحكم نقلاً عن القانون المدني المصري (المادة 447/ 2).
وكذلك أوجب المشروع في المادة (492) على المشتري أن يقوم عند تسلم المبيع بالتحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك، وفقًا لما هو مألوف في التعامل، فإذا كشف عيبًا يضمنه البائع وجب عليه أن يبادر بإخطاره به وإلا سقط حقه في الضمان هذا إذا كان العيب مما يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد، أما إذا كان العيب مما يحتاج في كشفه إلى خبرة فنية، فإنه يجب على المشتري بمجرد كشفه أن يخطر به البائع وإلا سقط حقه في الضمان. وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (401/ 1، 2) من قانون التجارة الحالي والتي نقلته في الأصل عن القانون المصري (المادة 449).
وعرض المشروع في المادة (493) لحكم ذلك الضمان إذا هلك المبيع مقررًا بأن دعوى الضمان تبقى حتى لو هلك المبيع بسبب العيب أو هلك قضاءً وقدرًا حتى تنتفي الشبهة في أن هلاك المبيع قد يُسقط دعوى الضمان، وهو حكم سبق إليه القانون المصري (المادة 451) وكثير من القوانين العربية التي تأثرت به.
وتقضي المادة (494) من المشروع بأنه إذا علم المشتري بوجود عيب في المبيع ثم تصرف فيه تصرف الملاك فلا رجوع له بالضمان اعتبارًا بما ينطوي عليه ذلك من رضاء المشتري بالمبيع متعيبًا، وغني عن البيان أن رضاء المشتري بالعيب بعد العلم به يسقط حقه في الضمان لأن ضمان العيب يتأسس على فوات السلامة المشروطة في المبيع دلالة. ورضاء المشتري بالعيب بعد علمه به، دليل على أنه ما شرط السلامة فيه، وقد أخذ المشروع بذلك الحكم من القانون المدني العراقي (المادة 566 مدني) والقانون الأردني (المادة 515) وهو يتفق مع الحكم الذي سنته المجلة بالمادة (344).
ولما كانت أحكام الضمان غير متعلقة بالنظام العام، فقد أجاز المشروع بالمادة (495) للمتعاقدين أن يعدلا فيها باتفاق خاص فيزيدا في الضمان أو ينقصا منه أو يسقطا هذا الضمان، على أن يبطل الشرط إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًا منه، لأنه في هذه الحالة يكون قد اشترط عدم مسؤوليته عن الغش وهذا غير جائز وقد قال رسول الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا وفيه عيب إلا بينه له) وقد سبق إلى الأخذ بهذا الأصل القانون المدني المصري بالمادة (453) وغالبية القوانين العربية.
ونص المشروع في المادة (496) منه على سقوط دعوى ضمان العيب إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع، ولو لم يكتشف المشتري العيب إلا فيما بعد، وذلك حتى يستقر التعامل ولا يكون البائع مهددًا بالضمان أمدًا يتعذر بعده التعرف على منشأ العيب، وهذا ما لم يقبل البائع أن يلتزم بالضمان لمدة أطول. وما لم يتعمد إخفاء العيب عن غش منه وقد أخذ المشروع في تقدير المدة التي تسقط بعدها الدعوى بالمدة التي ينص عليها قانون التجارة الحالي لتقادم دعوى الضمان.
كما نص المشروع في المادة (497) على أنه لا ضمان للعيب في البيوع القضائية ولا في البيوع الإدارية، إذا تمت بطريق المزايدة العلنية لما توفره هذه البيوع من ضمانات في إجراءاتها، وقد سبق إلى ذلك الحكم كثير من القوانين العربية والأجنبية فأخذه المشروع عنها.
وقد استحدث المشروع أيضًا حكمًا جديدًا بشأن الوصف المشروط في المبيع فقد لوحظ خلو قانون التجارة الحالي من وجه الحكم فيه، وإن كانت مجلة الأحكام العدلية قد عالجت الأمر في المواد (310 – 312) فرتبت على فوات الوصف ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ أو إبقاء المبيع بالثمن المسمى، اعتبارًا بأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن وبذلك لم تعرض للأضرار التي يمكن أن تلحق بالمشتري، أما التقنين المصري فقد أدمج ضمان البائع لمثل ذلك الوصف بضمانه للعيوب في المبيع (المادة 447 مدني) مقتفيًا في ذلك أثر بعض التقنينات الأجنبية وقد آثر المشروع الفصل بينهما فأفرد لفوات الوصف نصًا خاصًا هو نص المادة (498)، فالبائع يلتزم بتسليم المبيع بالوصف المتفق عليه في العقد، فإن فات هذا الوصف كان للمشتري أن يطلب الفسخ مع التعويض. أو أن يستبقي المبيع مع طلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب عدم توافر ما كفل البائع وجوده في المبيع من صفات، وغني عن البيان أن للبائع - طبقًا للقواعد العامة - أن يتوقى الفسخ إذا قدم مبيعًا تتوافر فيه الصفات المكفولة.
واستحدث المشروع بالمادة (499) حكمًا آخر بشأن ضمان البائع صلاحية المبيع مدة معينة وأخذه نقلاً عن التقنين المصري (المادة 455) والتقنينات العربية التي تأثرت به، ويقصد به ضمان صلاحية المبيع وبخاصة إذا كان من الأجهزة الدقيقة التي انتشرت في الوقت الحاضر كالأجهزة الميكانيكية والكهربائية وغيرها فإذا وُجد شرط صريح بضمان المبيع للعمل مدة معلومة ثم ظهر فيه خلل أثناء هذه المدة، وجب على المشتري أن يخطر البائع بهذا الخلل في مدة شهر من ظهوره. فإذا لم يقم البائع بالإصلاح، كان للمشتري أن يطلب الفسخ مع التعويض أو أن يستبقي المبيع ويقتصر على طلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب الخلل. وفي الحالين يجب على المشتري أن يقيم دعواه في مدة ستة أشهر من تاريخ إخطاره البائع بوجود الخلل وإلا سقط حقه في الضمان. وكل هذا ما لم يتفق على غيره.
2 - التزامات المشتري:
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات المشتري تباعًا فيحدد زمان وفاء المشتري بالثمن بالمادة (500) وهي تنص على أن الثمن يكون مستحق الوفاء فورًا بمجرد تمام البيع، حتى تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد، وذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره، فقد يتفق المتبايعان على أجل لدفع الثمن، فلا يلتزم المشتري بدفعه إلا عند حلول هذا الأجل وقد يقضي العرف بأن يكون دفع الثمن في وقت معين، فيتعين اتباع هذا العرف، ومع ذلك فإنه يجوز للمشتري أن يحبس الثمن إذا تعرض له أحد مستندًا إلى حق سابق على البيع أو آيل إليه من البائع أو نتيجة لفعله، أو إذا خاف على المبيع أن ينزع من يده، كأن يظهر على المبيع رهن أو يتبين أن ملكية البائع معلقة على شرط فاسخ أو أنه لم يدفع ثمن المبيع. ويترتب ذات الحكم على العيب الخفي أيضًا. ويظل حق المشتري في حبس الثمن قائمًا إلى أن ينقطع التعرض أو يزول خطر الاستحقاق، أو حتى يحسم النزاع المتعلق بالعيب، وإنما يجوز للبائع أن يطلب استيفاء الثمن، إذا قدم للمشتري كفالة شخصية أو عينية تضمن له ما عسى أن يتعرض له من خطر. على أنه يجوز الاتفاق بين الطرفين على عدم حبس الثمن لكل أو لبعض الأسباب السابقة، وقد نقل المشروع حكم هذه المادة (403) من قانون التجارة الحالي والمادة (457) من القانون المصري.
وعين المشروع مكان الوفاء بالمادة (501) التي تنص على أن الثمن يكون مستحق الوفاء في المكان الذي يتم فيه تسليم المبيع، وذلك حتى يتم تنفيذ الالتزامات المتقابلة معًا، وهو حكم يتفق مع ظاهر أحكام المجلة. فإذا لم يكن الثمن مستحقًا وقت تسليم المبيع تحدد المكان الذي يدفع فيه بموطن المشتري اتفاقًا مع القواعد العامة في الوفاء، وذلك حكم لم تعرض له المجلة. وكل ذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره وقد نقل المشروع الحكم الذي جاء به من قانون التجارة الحالي (المادة 402) وهو مستمد في أصله من القانون المصري المادة (456) والقوانين العربية التي تأثرت به.
وتعرض المواد (502 إلى 504) لجزاء الإخلال بالالتزام بدفع الثمن فتقضي أولاها بأنه إذا لم يدفع المشتري الثمن في ميعاد استحقاقه أو إذا أخل بأي التزام آخر يرتبه العقد كان البائع بالخيار بين طلب إلزامه بالتنفيذ أو طلب فسخ العقد وهو حكم تمليه القواعد العامة التي انتهجها المشروع ويأخذ بها قانون التجارة الحالي على أن الحنفية لا يقرون ذلك الحكم فعندهم أنه إذا أخل المشتري بالتزامه بدفع الثمن فلا يكون للبائع سوى اقتضائه بطريق التنفيذ على ماله وليس له الفسخ لاسترداد المبيع (مرشد الحيران م 393) بمقولة إن البائع بعد البيع يصبح مجرد دائن وليس للدائن إلا طلب حقه بل إنه إذا قبض المشتري المبيع ثم مات مفلسًا قبل أداء الثمن، فإن البائع - طبقًا لنصوص المجلة (م 295) - يكون مثل الغرماء. أما الشافعية والحنابلة فإنهم يجيزون الفسخ إذا لم يكن الثمن حاضرًا، أو كان المشتري معسرًا، أو كان موسرًا وماله في بلد بعيد ويجد المشروع في ذلك مسندًا له من الفقه الإسلامي.
وأما المادة (503) فجاءت بحكم يقضي بأحقية البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن المستحق جميعه ويثبت له هذا الحق ولو قدم المشتري تأمينًا ما لم يكن البائع قد منح المشتري أجلاً، وهو حكم منقول عن المادة (404) من القانون التجارة الحالي والمادة (459) من القانون المصري ويتفق كذلك مع الفقه الحنفي إذ تجيز المجلة للبائع في البيع بثمن حالٍ، أن (يحبس المبيع إلى أن يؤدي المشتري جميع الثمن) (م 278). ويؤسسون ذلك على المساواة التي يجب تحقيقها بين المتعاوضين، كما يستندون فيه إلى الحديث الشريف (الدين مقضي) فلو تأخر دفع الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيًا. وإنما يشترط لقيام حق البائع في حبس المبيع، أن يكون الثمن حالاً، فإذا كان الثمن مؤجلاً لا يثبت للبائع هذا الحق (م 283) ويستوي في ذلك أن يكون الأجل متفقًا عليه في العقد، أو قبله البائع بعد إبرامه (م 284). وللبائع أن يحبس جميع المبيع حتى يستوفي الثمن كله، ولو كان المبيع قابلاً للتجزئة. ويعتبر تسليم المبيع للمشتري قبل دفع الثمن نزولاً من البائع عن حقه في حبسه فلا يستطيع استرداده (م 281) ولكن حق الحبس لا يسقط إذا قدم المشتري رهنًا أو كفيلاً بالثمن (م 280) لأنهما لا يسقطان الثمن عن ذمة المشتري، ولا حق المطالبة به، فكانت الحاجة إلى تعيينه بالقبض قائمة، فيبقى حق الحبس لاستيفائه، وكذلك لا يسقط حق الحبس بموت المشتري وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن من تركته.
وغني عن البيان أن البائع يكون له الحق الحبس ولو لم يحل الأجل المشترط لدفع الثمن، إذا كان المشتري قد أضعف ما قدمه من تأمينات للوفاء به، أو بوجه عام إذا سقط حقه في الأجل وفقًا للقواعد العامة، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره.
وتعرض المادة (504) للحكم فيما لو حبس البائع المبيع وهلك في يده فتقضي بأنه إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له، كان هلاكه على المشتري، ما لم يكن قد هلك بفعل البائع على أنه يجب أن يثبت أنه قد باشر حق الحبس على المبيع بأن يكون مثلاً قد طولب بالتسليم فعلاً فامتنع لعدم الوفاء بالثمن، وهو ذات الحكم الذي أخذ به قانون التجارة الحالي بالمادة (405) بعد أن نقلها عن القانون المصري (المادة 460).
وتورد المادة (505) حكمًا خاصًا ببيع المنقول. فالمنقولات بطبيعتها تقتضي سرعة التداول، وبخاصة في التجارة، حين تكون هذه المنقولات سلعًا وبضائع يتعجل البائع تسليمها إلى مشتريها وقبض ثمنها في ميعاد محدد، وإلا كان في حل من بيعها إلى غيره واعتبار البيع الأول مفسوخًا دون حاجة إلى حكم أو إعذار لذلك افترض المشروع أن اتفاق بائع المنقول مع مشتريه على ميعاد لدفع الثمن كله أو أكثره وتسلم المبيع ينطوي على شرط فاسخ يكون البيع بموجبه مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار إذا حل ميعاد تسليم المبيع ودفع الثمن ولم يتقدم المشتري لدفع الثمن، وهو ما يقترب من خيار النقد في الفقه الإسلامي الذي أخذت به المجلة في المادة (313) وما بعدها، مع مراعاة أن المشروع قد اشترط في الحكم الذي جاء به ألا يكون الباقي من الثمن قليل الأهمية بالنسبة لما دفع منه، وهو أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع، وإذ كان ذلك الحكم ليس من النظام العام فقد أجاز النص الاتفاق صراحة أو ضمنًا على غيره، وإذا كان مقررًا لمصلحة البائع، فله ألا يعتبر البيع مفسوخًا وأن يطالب المشتري بالتنفيذ بالرغم من تأخره في دفع الثمن وذلك حسب ما يراه متفقًا مع مصلحته.
وتعرض المادة (506) لزمان التسلم ومكانه وتنص على أنه إذا لم يوجد اتفاق أو عرف فإنه على المشتري أن يتسلم المبيع في المكان الذي يوجد فيه وقت البيع، ويجب أن يقوم بالتسلم دون إبطاء إلا ما يقتضيه ذلك من زمن. وغني عن البيان أن هذا الحكم خاص بالمبيع المعين بالذات لأنه هو الذي يكون له مكان، أما المبيع المعين بنوعه فإن تسليمه يكون في موطن البائع.
وأخيرًا جمع المشروع الأحكام المتعلقة بما يتحمله المشتري من نفقات ومصروفات في نص واحد هو نص المادة (507)، فالمشتري يلتزم بنفقات عقد البيع، ويدخل فيها أتعاب كتابة العقد وما يقضي العرف بأن يتحمله المشتري من السمسرة ورسوم التسجيل، ويوافق ذلك ما تنص عليه المجلة من أن أجرة كتابة السندات والحجج وصكوك المبيعات تلزم على المشتري (م 292). ويتحمل المشتري أيضًا نفقات الوفاء بالثمن، إذا كان هذا الثمن يقتضي نفقات لدفعه، كما يتحمل نفقات تسلم المبيع وهو ما تنص عليه المادتان (329 و409) من قانون التجارة الحالي. وكل ذلك ما لم يقضِ الاتفاق أو العرف بغيره.
الفرع الثاني - بعض أنواع البيوع:
1 - بيع الوفاء:
بيع الوفاء هو بيع يحتفظ فيه البائع - خلال مدة معينة - بحق استرداد المبيع من المشتري في مقابل رد الثمن ومصروفات المبيع إليه، وقد اختلف موقف التشريعات العربية إزاء هذا البيع اختلافًا بينًا، فبعضها أجازه وأخذ به، كالتقنين اللبناني، وكذلك التقنينان التونسي والمغربي، وبعضها أبطله كالتقنين المصري والتقنينات التي حذت حذوه، ولكن بعضًا آخر - كالتقنين العراقي - توسط بين الموقفين فجعل بيع الوفاء لا بيعًا صحيحًا، ولا بيعًا باطلاً، وأقام قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس على أن بيع الوفاء رهن حيازي وذلك جريًا على تقاليد الفقه الحنفي. وقد اختلفت أقوال الفقهاء المسلمين في شأن بيع الوفاء فاعتبره بعضهم بيعًا فاسدًا وأقره آخرون بيعًا صحيحًا مفيدًا لبعض أحكامه، ولكن أكثرهم اعتبره رهنًا لا يفترق عنه في حكم من الأحكام لأن طرفيه وإن سمياه بيعًا، غرضهما منه الاستيثاق للدين، وقد تأثر تنظيم بيع الوفاء في المجلة بهذه النظرة الأخيرة، فتنص المادة الثالثة منها على إجراء حكم الرهن عليه لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، وهو ما آثر المشروع الأخذ به في المادة (508) إقرارًا لما جرى عليه العمل واستقر في الأذهان سنوات طويلة، فإذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع من المشتري في مقابل رد الثمن والمصروفات إليه، اعتُبر العقد قرضًا مضمونًا برهن حيازي وسرت عليه جميع أحكام الرهن الحيازي بما فيها بطلان الاتفاق على تملك العقار المبيع عند عدم رد الثمن أو الاتفاق على بيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون، وذلك حماية للبائع.
2 - بيع ملك الغير:
واجه المشروع حكم بيع ملك الغير في المادة (509) وآثر تطبيق القواعد العامة في شأنه فهذا البيع لا يكون نافذًا بالنسبة للمالك الحقيقي إلا إذا أقره، أما فيما بين المتعاقدين فإن البيع لا يبطل لمجرد كونه واردًا على ملك الغير وإنما يكون للمشتري وفقًا للقواعد العامة أن يطلب إبطال البيع تأسيسًا على الغلط إذا كان يجهل عند إبرام العقد عدم ملكية البائع، فإذا آلت الملكية إلى البائع أو أقر المالك الحقيقي البيع، أمكن للبيع أن ينتج أثره في نقل الملكية وإلا جاز للمشتري طبقًا للقواعد العامة أيضًا أن يطلب فسخ البيع تأسيسًا على عدم وفاء البائع بالتزاماته فضلاً عن التعويض إن كان له محل، وذلك دون إخلال بحق المشتري في التمسك بالعقد، والرجوع بضمان الاستحقاق على أساسه.
3 - بيع الحقوق المتنازع فيها:
وعرض المشروع لبيع الحق المتنازع فيه في المواد من (510) إلى (513) والأصل أن هذا البيع من بيوع الغرر، لأن وجود الحق المبيع وثبوته يتوقف على مصير النزاع القائم بشأنه، مما يجعل مشتريه مخاطرًا بل ومضاربًا. وفي الفقه الإسلامي إذا صاحب عقد البيع غرر فإنه يفسده، فبيع ما في تسليمه للمشتري خصومة، كمغصوب في يد غاصبه، غرر وجهالة بإمكان قبض المبيع وعدمه، وقيل يصح بيع المغصوب لقادر على أخذه من غاصبه. وكذلك يفسد بيع ما فيه معنى المقامرة.
لذلك كانت نظرة المشروع إلى بيع الحق المتنازع فيه نظرة ريبة، لأنه ينطوي في القليل على فكرة المضاربة واستغلال الخصومات، ومن أجل ذلك خول في المادة (510) لمن عليه الحق المتنازع فيه أن يسترده ويتخلص من المطالبة، إذا هو رد إلى مشتريه ما دفعه من ثمن في شرائه وما تكبده من مصروفات في سبيل اكتساب الحق المتنازع فيه والحصول عليه. وذلك حتى ينحسم النزاع في أمر لا تُعرف مغبته.
ويُعتبر الحق متنازعًا فيه، إذا رفعت بموضوعه دعوى أو قام في شأنه نزاع جدي.
ويسقط حق الاسترداد بمضي ثلاثين يومًا من تاريخ علم المسترد بالبيع (مادة 511) عملاً على استقرار المراكز القانونية. ولما كان حق الاسترداد قد شرع للقضاء على المضاربة في الحقوق المتنازع فيها ولمنع استغلال الخصومات، فقد استثنى المشروع (في المادة 512) أربع حالات لا يجوز فيها الاسترداد لانتفاء فكرة المضاربة فيها، وهذه الحالات هي:
( أ ) إذا كان الحق المتنازع فيه يدخل ضمن مجموعة أموال بيعت جزافًا بثمن واحد، كبيع التركة، وهي مجموع من المال بما له من حقوق وما عليه من ديون، فإذا كان في التركة حق متنازع فيه، فإن هذا الحق يفقد ذاتيته ويفنى مع العناصر الأخرى في مجموع التركة، فتنعدم فكرة المضاربة في هذا الحق بالذات ومن ثم فلا يجوز الاسترداد.
(ب) إذا كان حق المتنازع فيه شائعًا، وباع أحد الشركاء نصيبه فيه لشريك آخر - كوارث يبيع نصيبه من وارث آخر، أو مالك على الشيوع يبيع نصيبه في الحق من شريكه، لأن شراء الشريك لنصيب شريكه لا يقصد به المضاربة بل هو قسمه أو خطوة في سبيل القسمة، ومن ثم فإن الاسترداد لا يجوز.
(ج) إذا كان الحق قد تصرف فيه صاحبه لدائن له وفاءً لدين مستحق في ذمته، لأن الدائن عندما قبل ذلك التصرف، لم يقصد المضاربة وإنما قصد أن يستوفي حقه.
(د) إذا كان الحق المتنازع فيه مضمونًا برهن يثقل عقارًا وبيع الحق لحائز هذا العقار لتطهيره، ذلك أن الذي دفع حائز العقار إلى شراء الحق المتنازع فيه لم يكن فكرة المضاربة، بل تطهير العقار وتجنب الإجراءات التي يتخذها الدائن المرتهن قبله.
وإذا كان تخويل حق الاسترداد للمدين، قد بني على مظنة المضاربة واستغلال الخصومات، بشراء الحقوق المتنازع فيها، فإن شراء عمال القضاء لهذه الحقوق ينطوي فوق ذلك على شبهة استغلال النفوذ أو في القليل يلقي على الشراء ظلال الشبهة في حيدة القضاء، ولذلك حرص المشروع في المادة (513) على أن يحرم عليهم أن يشتروا - ولو باسم مستعار - حقًا متنازعًا فيه، وإلا كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا حتى ولو كان الشراء في مزاد علني، كما عدد المشروع عمال القضاء على سبيل الحصر على النحو الذي اتبعه التقنين المصري والتقنينات التي أخذت عنه.
وتتفق المادة (514) بفقرتيها مع ما تقضي به المادتان (412 و413) من قانون التجارة الحالي، فتحظر الفقرة الأولى منها على السماسرة والخبراء أن يشتروا ولو باسم مستعار، الأموال المعهود إليهم في بيعها أو في تقدير قيمتها أو مباشرة الخبرة في شأنها، سواء كان الشراء بالممارسة أو بطريق المزايدة العلنية وهو حكم تمليه القواعد العامة في النيابة عن الغير، وتقضي الفقرة الثانية بتصحيح العقد المخالف لحكم الفقرة الأولى إذا أقره الأصيل الذي تم البيع لحسابه.
وتقضي المادة (515) بسحب الحظر الذي تفرضه المادتان السابقتان على الأزواج والأقارب والأصهار حتى الدرجة الثانية دفعًا لكل شبهة.



4 - بيع حصة في تركة:
تعرض المواد (516 – 518) لبيع الوارث تركة أو حصة فيها، وهو يختلف عن التخارج المعروف في الفقه الإسلامي، والذي يقتصر على بيع الوارث لنصيبه لباقي الورثة، أما البيع المقصود في المشروع فإنه قد يكون لوارث أو لغير وارث. وهو بيع لمجموع من المال بما يشتمل عليه من حقوق وديون.
وتنص المادة (516) على أن البائع لا يضمن إلا ثبوت وراثته لما باعه، أما ما تشتمل عليه التركة أو الحصة من حقوق وديون فلا يضمن شيئًا منها، ولكن إذا استوفى البائع بعض حقوق التركة أو باع شيئًا مما اشتملت عليه أو استهلكه فإنه يجب عليه أن يرد للمشتري ما استوفاه من حقوق أو ثمن، وكذلك قيمة ما استهلكه (المادة 517)، ومن ناحية أخرى يجب على المشتري أن يرد للبائع ما يكون قد وفاه من ديون التركة، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره، ولا يخل بيع الوارث لحصته بما عساه أن يكون له من حقوق قبل التركة، إذ له أن يستوفي هذه الحقوق طبقًا للقواعد العامة (المادة 518)، ولا مقابل لتلك الأحكام في التشريع الكويتي الحالي، وإنما استمدها المشروع من القانون المصري (المواد 473 و475 و476 مدني).
5 - البيع في مرض الموت:
يقصد بمرض الموت، في الفقه الحنفي، المرض الذي يغلب فيه الهلاك عادة ويتصل به الموت فعلاً، ولو وقع لغير سببه لأمر خارجي عنه كقتل مثلاً، وعرفته المجلة في المادة (1595) بأنه (المرض الذي يُخاف فيه الموت في الأكثر الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور، ويعجزه عن رؤية مصالحه الداخلة في داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة صاحب فراش كان أو لم يكن..) ويلحق بمرض الموت ويأخذ حكمه، كل حالة يغلب فيها الهلاك ولا يفلت الشخص فيها من الموت عادة، ويتعلق بمال المريض حال مرضه، حق دائنيه ليستوفوا ديونهم منه، وحق ورثته ليخلص لهم ثلثا ما بقي من تركته بعد وفاء ديونه. ولذلك كان لبيع المريض في مرض الموت عند الحنفية - أحكام خاصة قصد بها حماية دائنيه وورثته من المحاباة التي قد يتضمنها التصرف إضرارًا بهم.
ويأخذ تبرع المريض، في مواجهة ورثته حكم الوصية، كما تعتبر المحاباة في البيع - بالبيع بأقل من ثمن المثل أو بالشراء بأكثر منه - تبرعًا بقدرها. ولما كانت الوصية لوارث، غير جائزة - على القول المشهور في المذهب - إلا بإجازة بقية الورثة، فقد ذهب الصاحبان إلى أن بيع المريض لأحدهم بأقل من المثل موقوف على إجازتهم، أما إذا كان البيع بثمن المثل أو يزيد فإنه يكون نافذًا بغير إجازة لانعدام مظنة المحاباة، وعند الإمام الأعظم البيع لوارث موقوف على إجازة بقية الورثة في كل الأحوال، ولو كان بمثل القيمة أو يزيد، منعًا لإيثار أحد الورثة، ببعض الأعيان وتحقيقًا للمساواة بين الورثة، في جميع ما كان لمورثهم، وهو ما أخذت به المجلة في المادة (393).
وإذا باع المريض لغير وارث، كان البيع نافذًا، أما إذا باع بأقل من ثمن المثل، اعتُبر النقص محاباة منه للمشتري ومن ثم تبرعًا له يأخذ حكم الوصية، فلا يكون نافذًا إلا في حدود ثلث أمواله، ووقع البيع فيما جاوزه موقوفًا على إجازة الورثة الذين يجوز لهم فسخ البيع إلا إذا أكمل المشتري الثمن ليصل نقصه إلى ثلث التركة (المادة 394 من المجلة وانظر أيضًا المواد من 358 - 360 من مرشد الحيران)، والسبب في تقييد التصرف الذي يصدر في مرض الموت لا يرجع إلى أهلية المريض ولا إلى عيب في إرادته، وإنما يرجع إلى تعلق حق الورثة بأمواله من وقت المرض الذي يموت فيه، فإذا صدرت عنه - منذ المرض - تصرفات تنطوي على تبرع، كان لهذه التصرفات حكم الوصية. ذلك أن المريض وهو على شفا الموت، إذا تبرع بماله، فإنما يقصد أن ينقل هذا المال إلى غيره بعد موته، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الوصية وبقيودها فكل تبرع يصدر في مرض الموت يتقيد إذن بقيود الوصية، وكذلك المعاوضات إذا انطوت على تبرع - كأن يبيع بثمن أقل من القيمة - يكون لها أيضًا في القدر المحابَى به حكم الوصية.
وعلى أساس ما تقدم جميعه، آثر المشروع أن يطبق على هذا البيع أحكام المادة (942) التي تضع قرينة مقتضاها افتراض أن التصرف الذي يصدر في مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية (المادة 519/ 1) وإنما أضاف المشروع في الفقرة الثانية من هذه المادة حكمًا يقضي بعدم الاعتداد بتلك القرينة في مواجهة الغير حسن النية، إذا كان قد كسب بعوض حقًا عينيًا على المبيع، وهو حكم استمده المشروع من المادة (478) من القانون المدني المصري.

الفصل الثاني: المقايضة:
البيع في الفقه الإسلامي يتسع لكل مبادلة مال بمال، ويحيط من ثم بالبيع والمقايضة، ولكن المشروع يميز بين الاثنين، كما تقدم، فيُعرف البيع بأنه عقد على تمليك شيء أو نقل حق مالي آخر لقاء عوض نقدي، وهو هنا يعرف المقايضة بأنها مبادلة مال بمال لا يكون أحدهما نقدًا، فهي مبادلة حق غير نقدي بحق آخر نقدي، سواء كان أحدهما أو كلاهما حقًا عينيًا أو حقًا شخصيًا (المادة 520).
ومع ذلك فإذا كان للأموال المتقايض فيها قيم مختلفة في تقدير المتقايضين، فإنه يجوز تعويض الفرق بمبلغ من النقود يكون معدلاً (المادة 521)، ويبقى العقد بالرغم من ذلك عقد مقايضة، إلا أن يكون مقدار المعدل أزيد بكثير من قيمة المال الذي قرن به لتكملة قيمته.
وتسري على المقايضة في الأصل أحكام البيع، فيعتبر كل متقايض بائعًا لما قايض به ومشتريًا لما قايض عليه، فتسري على المقايضة الأحكام المتعلقة بالمبيع، والأحكام المتعلقة بانتقال الملكية، وبالتسليم والتسلم، وضمان التعرض والاستحقاق وضمان العيب والفسخ وغير ذلك من الأحكام التي تتفق مع طبيعة المقايضة (المادة 522)، ولكن لا يسري عليها من أحكام البيع ما يتعارض مع طبيعتها، فأحكام البيع المتعلقة بالثمن أو بالتزامات المشتري في شأنه لا تسري في عقد المقايضة، إلا إذا كان فيها معدل من النقود، فتسري أحكام الثمن على هذا المعدل وحده.
وإذا كان الأصل في عقد البيع أن تكون نفقاته على المشتري، كما تقدم، فإن اعتبار كل من المتقايضين بائعًا لما قايض به، ومشتريًا لما قايض عليه، يتلاءم معه تقسيم مصروفات عقد المقايضة ونفقاته مناصفة بين الطرفين، وذلك ما لم يُتفق على خلافه (المادة 523).
الفصل الثالث: الهبة:
الهبة عقد مالي كسائر العقود المالية فينبغي أن ينظم التقنين المدني أحكامها كاملة سواء في الشكل أو في الموضوع، وأن تأخذ مكانها الطبيعي بين العقود المسماة، واتفاقًا مع ذلك يتعين تعديل المادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء، التي تدرجها ضمن مسائل الأحوال الشخصية وقد استمد المشروع الأحكام الموضوعية في الهبة من الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين، فعرف الهبة في المادة (524) بأنها عقد على تمليك مال في الحال بغير عوض، وهو تعريف يميزها عن عقود المعاوضة، وعن غيرها من أعمال التبرعات، ويقترب من تعريف المالكية لها بأنها تمليك ذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده.
أولاً: أركان الهبة:
في انعقاد الهبة يفرق التقنين المصري - والتقنينات التي حذت حذوه بين العقار والمنقول: فهبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية، أما هبة المنقول فتتم إما بورقة رسمية وإما بالقبض، والجزاء على الإخلال بالشكل هو البطلان. ومع ذلك فإذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه، وهو ما ينتهي عملاً إلى اعتبار القبض مساويًا للرسمية في كل من العقار والمنقول.
لذلك رأى المشروع في المادة (525/ 1) أن يعلق انعقاد الهبة، على القبض أو التوثيق في محرر رسمي في العقار والمنقول على وجه سواء، ويعتبر القبض قد تم ولو بقي الشيء في يد الواهب إذا كان وليًا أو وصيًا أو قيمًا أو قائمًا على تربية الموهوب له (525/ 2).
وينص المشروع في المادة (526) على أن الهبة لا تنعقد على مال مستقبل، كما هو مستقر في الفقه الإسلامي (المادتان 854 و856 من المجلة) وهو ذات النهج الذي انتهجه القانون المصري (المادة 492)، والقوانين العربية التي نحت نحوه.
وفي هبة مال الغير نص المشروع في (المادة 527) على أنها تقع باطلة، فلم يلتزم في ذلك بما جرت عليه تقنينات عربية أخرى من تطبيق حكم بيع ملك الغير على الهبة ولا بما ذهب إليه الحنفية من اعتبارها عقدًا موقوفًا على إجازة المالك، بل آثر الحكم الذي جاء به مستمدًا من مذهب مالك والذي يتأسس على أن هبة مال الغير تؤدي إلى تمليك ماله بلا عوض يعود عليه فتقع باطلة، والباطل لا تصح إجازته وهو حكم يرفع الحرج عن المالك الأصلي، إذا وهب غيره مالاً يملكه، ثم عُرض الأمر عليه ليقر الهبة أو لا يقرها.
ويعرض المشروع في المادة (528) لهبة المشاع وهو ما لم يعرض له التقنين المصري مكتفيًا باستخلاص حكمه من القواعد العامة، وفي ذلك تنص المادة (826) منه على أن (كل شريك في الشيوع يملك حصته ملكًا تامًا، وله أن يتصرف فيها وأن يستولي على ثمارها وأن يستعملها بحيث لا يلحق الضرر بحقوق سائر الشركاء) ومن ثم تكون هبة المشاع جائزة في التقنين المصري وفي التقنينات العربية الأخرى التي أوردت نصًا مماثلاً.
أما في الفقه الإسلامي، فعند الحنفية تجوز هبة المشاع فيما لا يقسم ويُكتفى بالقبض القاصر للضرورة، ولكن لا تصح الهبة فيما يقسم إلا محوزة مقسومة، وعند مالك والشافعي وأحمد فإن ذلك جائز، ولذلك آثر المشروع أن ينص صراحةً على جواز هبة المشاع ولو كان الموهوب قابلاً للقسمة أخذًا برأي الأئمة الثلاثة، وهو ما فعله التقنين العراقي أيضًا (المادة 609 الفقرة الثانية).
وينص المشروع في المادة (592) على تطبيق أحكام الوصية على الهبة في مرض الموت وهو نص لا يعدو أن يكون تطبيقًا للحكم العام الذي أورده المشروع في المادة (942) والذي يعتبر كل تصرف صادر في مرض الموت بقصد التبرع تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت وتسري أحكام الوصية.
ثانيًا: آثار الهبة:
1 - التزامات الواهب:
تعرض المواد (530 – 533) لالتزامات الواهب، وهي التسليم وضمان التعرض والاستحقاق وضمان العيب، فتنص المادة (530) بفقرتيها على التزام الواهب بتسليم الموهوب، ويقع ذلك إذا تمت الهبة بمحرر رسمي، وتسري عندئذٍ الأحكام المتعلقة بتسليم المبيع - فيلتزم الواهب بتسليم المال للموهوب - في الزمان والمكان المعينين - وبالحالة التي كان عليها وقت الهبة، وبالمقدار المعين في العقد. فإن تغيرت حالته أو وُجد فيه نقص، لم يكن الواهب مسؤولاً إلا عن فعله العمد أو خطأه الجسيم، وإن هلك المال الموهوب قبل تسليمه لسبب أجنبي كان هلاكه على الموهوب له، لأنه لم يدفع مقابلاً حتى يسترده، أما إن كان الهلاك بخطأ من الواهب فإنه لا يُسأل في ذلك إلا عن فعله العمد أو خطئه الجسيم لأنه متبرع. ويكون التسليم في كل شيء حسب طبيعته أو باختلاف حاله. ويتم بوضع الموهوب تحت تصرف الموهوب له، بحيث يتمكن هذا من قبضه والانتفاع به دون حائل، ويقوم مقام التسليم الفعلي، التسليم الحكمي. كما في البيع. أما إذا لم تعقد الهبة بمحرر رسمي، فإنها لا تتم إلا بالقبض، ويكون التسليم ركنًا في الهبة لا التزامًا. 
وتعالج المادتان (531 و532) ضمان التعرض وضمان الاستحقاق، ومؤداها أن الواهب لا يضمن إلا التعرض الناشئ عن فعله، كما لا يضمن استحقاق المال الموهوب إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق، أو كانت الهبة مقترنة بتكليف وذلك ما لم يُتفق على غيره أو يقضِ القانون بخلافه، وفي الحالة الأولى يقدر القاضي للموهوب له تعويضًا عادلاً، أما في الحالة الثانية فيضمن الواهب الاستحقاق ولو كان يجهل سببه. ولكنه لا يكون مسؤولاً إلا في حدود ما أداه له الموهوب له من تكليف، وفي الحالتين يحل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق ودعاوى بسبب الاستحقاق. 
أما العيوب الخفية فتتناول حكمها المادة (533)، والأصل أن الواهب لا يضمن العيوب الخفية إلا إذا اتفق على أنه يضمنها، أو كان قد تعمد إخفاء عيب في الموهوب. وعندئذٍ لا يُلزم بتعويض الموهوب له إلا عن الضرر الذي يسببه العيب ولا يلزم بتعويضه عن العيب ذاته لأنه متبرع لم يأخذ مقابلاً لما أعطى، ولا يُغير من ذلك أن تكون الهبة مقترنة بتكليف، لأن التكليف يجب أن يكون أقل من قيمة الموهوب وإلا كان العقد من عقود المعاوضة. 
وقد اهتدى المشروع في وضع أحكام الضمان بأنواعه المختلفة بما أورده القانون المصري من أحكام بشأنها (المواد 494 - 496 مدني) ونقلته عنه القوانين العربية الأخرى التي تأثرت به، وذلك بعد إدخال التعديلات المناسبة عليها.
2 – التزامات الموهوب له:
وتعرض المواد (534 – 536) لالتزامات الموهوب له، وهي التزامات محتملة لا تكون إلا إذا اقترنت الهبة بتكليف. فيكون التكليف التزامًا في ذمة الموهوب له وهو ما تقضي به المادة (534)، فيجوز للواهب – ولورثته من بعده – المطالبة بتنفيذه، سواء كان التكليف مشترطًا لمصلحة الواهب أو لمصلحة الغير، وللغير المشترط له أن يطالب أيضًا بالتنفيذ لأنه المستفيد وله حق مباشر قبل الموهوب له طبقًا للقواعد العامة المقررة في الاشتراط لمصلحة الغير. 
وحتى تحتفظ الهبة بطابعها التبرعي، فإنه يجب أن تكون قيمة التكليف المشترط أقل من قيمة المال الموهوب، أما إذا كانت قيمة التكليف تقترب من قيمة الموهوب أو تزيد عليها، وكان الموهوب له على علم بذلك، فإن العقد يكون معاوضة لا هبة فإذا تبين أن التكليف تزيد قيمته على قيمة الموهوب وكان الموهوب له لا يعلم بذلك، فإنه لا يكون ملزمًا بأن يقوم بالتكليف إلا في حدود قيمة الموهوب وهو ما تنص عليه المادة (535) من المشروع. 
وإذا اشترط الواهب على الموهوب له وفاء ديونه، وأطلق دون أن يعين هذه الديون، فالمفروض أنه أراد الديون الموجودة وقت تمام الهبة، لا الديون التي تجد بعد ذلك (المادة 536). 
وجميع هذه الأحكام لها ما يقابلها في القانون المصري (المادتان 497 و499/ 1 مدني) وكثير من القوانين العربية التي أخذت عنه.
ثالثًا: الرجوع في الهبة:
جواز الرجوع في الهبة مختلف عليه في الفقه الإسلامي، فالمذهب الحنفي يجيز الرجوع إلا لمانع، أما المالكية والشافعية والحنابلة فلا يجيزون الرجوع إلا في حالة واحدة، هي حالة هبة الوالد لولده، وهو ما يسمى عند المالكية باعتصار الهبة أو استرجاعها، فيعتصر الأب – أي يسترجع قهرًا – ما وهبه لولده، وتستند هذه المذاهب الثلاثة إلى ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – " لا يرجع الواهب في هبته، إلا الوالد فيما يعطي لولده ". وهناك أيضًا رأي آخر يحكي عن أهل الظاهر رواية عن أحمد بن حنبل، لا يجيز الرجوع في الهبة أصلاً، ولو من الوالد ويستدل على ذلك بالحديث " العائد في هبته كالعائد في قيئه " وبأن الهبة عقد تمليك منجز كالبيع، فلا يجوز الرجوع فيها.
وقد رأى المشروع أن يجعل الأصل هو عدم جواز الرجوع في الهبة إلا للأبوين فيما وهباه لولدهما – كما هو مقرر في مذهب مالك (المادة 537/ 1) ولكنه آثر لاعتبارات عديدة أن يجيز الرجوع في الهبة، استثناءً من هذا الأصل العام بقيدين أوردهما بالمادة (537/ 2) والمادة (538) منه: 
القيد الأول – أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر مقبول، ويعتبر على وجه الخصوص عذرًا مقبولاً:
( أ ) أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، إخلالاً يعتبر جحودًا كبيرًا من جانبه.
(ب) أن يصبح الواهب عاجزًا عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير.
(جـ) أن يرزق الواهب بعد الهبة ولدًا يظل حيًا إلى وقت الرجوع، وغني عن البيان أنه يكون للواهب أن يطلب إبطال الهبة للغلط إذا كان له ولد يظنه ميتًا وقت الهبة ثم تبين أنه على قيد الحياة.
وهذه الأعذار ليست مذكورة على سبيل الحصر، وإنما خصت بالذكر لأنها هي الأعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة. وذلك لا يمنع من أن تقوم أعذار أخرى تجعل الرجوع مبررًا.
القيد الثاني – أن يصدر إذن من القضاء بالرجوع، حتى يكون القضاء رقيبًا على الواهب في ذلك، يجيبه إلى طلب الرجوع إذا رأى أن العذر في الرجوع عذر مقبول ويرفض طلبه إذا لم يرَ قبول العذر أو إذا تبين وجود مانع من موانع الرجوع.
وطبقًا للمادة (539) من المشروع يمتنع الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية: 
( أ ) إذا كانت الهبة من الأم وكان ولدها يتيمًا، سواء حصل اليتم قبل الهبة أم حصل بعدها، لأن الهبة لليتيم في معنى الصدقة، والصدقة لا يجوز الرجوع فيها، وهذا هو القول المعتمد في مذهب مالك، وينبني على اعتبار حال الولد وقت الرجوع، أي على اعتبار حالة كونه يتيمًا أو غير يتيم، وقطع النظر عن حاله وقت الهبة، واليتيم هو الصغير الذي ليس له أب تجب نفقته عليه، فيشترط لرجوع الأم في هبتها أن يكون ولدها كبيرًا، أو صغيرًا له أب مسؤول عن نفقته.
(ب) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر ما دامت الزوجية قائمة.
(جـ) إذا مات الواهب أو الموهوب له. لأنه إذا مات الواهب فإنه حق الرجوع لا ينتقل إلى ورثته، وإذا مات الموهوب له تعلق حق ورثته بالمال الذي وهب له.
(د) إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفًا يخرجه عن ملكه، كما إذا باعه أو وهبه لغيره. فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي.
(هـ) إذا حصل تغير في ذات الموهوب أو حصلت فيه زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته، أما تغير قيمة الموهوب مع بقاء الذات على حالها فلا يمنع من الرجوع. لأن زيادة القيمة بالغلاء أو نقصها بالرخص أمر عارض لا يُعتد به. ومن باب أولى فإن هلاك الموهوب في يد الموهوب له، يمنع من الرجوع لفواته.
(و) إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع اعتبار قيام الهبة، كالبيع له بثمن مؤجل أو إقراضه أو تزويجه نظرًا لما حصل له من الميسرة بما وهب له، لأنه يترتب على الرجوع في الهبة ضياع حقوق الغير وتوريط الموهوب له، أما حصول التعامل مع الموهوب له الذي لا يكون مع اعتبار قيام الهبة، فلا يمنع من الرجوع، لأنه لا دخل للهبة في حصوله، فلا يترتب على الرجوع ضياع حق للغير ولا توريط الموهوب له.
(ز) إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضًا مخوفًا - أي مرضًا يُخشى معه الموت - أما المرض العادي فلا يُعتد به. ويمتنع الرجوع في هذه الحالة لأنه إذا مرض الواهب مرضًا مخوفًا، كان استرجاعه الموهوب لمصلحة غيره لرجحان موته من مرضه، ومصلحة ذلك الغير ليست بأولى من مصلحة الموهوب له، وإذا مرض الموهوب له مرضًا مخوفًا، تعلق حق ورثته بالمال الذي وهب له. فيمتنع الرجوع لتعلق حق الغير به. فإذا زال المرض عاد حق الرجوع لزوال المانع.
(ح) إذا اقترنت الهبة بتكليف.
(ط) إذا كانت الهبة لغرض خيري، كإنشاء مسجد.
وغني عن البيان أن هذه الموانع تسري على رجوع الأبوين الذي لا يرد عليه قيد، كما تسري على الرجوع المقيد بالعذر وباستئذان القضاء.
وتنص المادة (540) على أنه يجوز لأي من ورثة الواهب فسخ الهبة إذا قتل الموهوب له الواهب عمدًا وبدون حق أو اشترك في قتله. كما ترتب المادة (541) على الرجوع في الهبة إعادة الموهوب إلى ملك الواهب من حين تمامه، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل. 
أما نفقات الهبة فالأصل أن تكون على المستفيد منها، وهو الموهوب له، فيتحمل مصروفات العقد ورسم التسجيل ومصروفات تسلم الموهوب ونقله وذلك تفسيرًا للهبة في أضيق حدودها، فلا يجمع الواهب بين التجرد عن ماله بغير عوض وبين تحمل هذه النفقات. أما نفقات الرجوع فيتحملها الواهب لأنه المستفيد من الرجوع، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره (المادة 542). 
الفصل الرابع: القرض:
لم تعرض المجلة لعقد القرض على الرغم من أنه من المعاملات الجائزة بالسنة والإجماع، وقد عرفه الحنفية بأنه ما تعطيه من مال مثلي لتتقاضى مثله كما عرفه المالكية بأنه إعطاء شيء متمول لنفع المعطى له، نظير عوض مماثل مؤجل في الذمة.
ويعرفه المشروع في المادة (543) بأنه عقد يلتزم به المقرض أن يؤدي إلى المقترض مبلغًا من النقود أو أي شيء مثلي آخر مقابل رد مثله نوعًا وصفةً وقدرًا، ومؤدى ذلك أن القرض عقد رضائي يتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، أما تسليم الشيء المقترض فهو التزام ينشئه عقد القرض في ذمة المقرض وليس ركنًا في العقد ذاته، على عكس بعض التقنينات التي تجعل القرض عقدًا عينيًا لا يتم إلا بالتسليم (قارن على سبيل المثال المادة 684 عراقي والمادة 754 لبناني والمادة 1892 فرنسي). وأكثر ما يكون الشيء المقترض نقودًا، ولذا خُصصت بالذكر في التعريف، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون هذا الشيء غير نقود ما دام من المثليات التي تُستهلك بالانتفاع بها. 
وغني عن البيان أنه يجب أن يتوافر في الشيء المقترض - إلى جانب ذلك - الشروط العامة التي يجب توافرها في المحل، فيجب أن يكون موجودًا معينًا أو قابلاً للتعين، غير مخالف للنظام العام ولا للآداب.
1 - التزامات المقرض:
وتعرض المادة (544) لالتزام المقرض بالتسليم ولتبعة الهلاك قبل حصوله، ففيما يتعلق بالتسليم، إذا كان الشيء المقترض نقودًا - وهو الغالب - وأصبح المقترض بمجرد تمام القرض دائنًا للمقرض بهذا المبلغ - لأن النقود لا تتعين بالتعيين - وكذلك إذا وقع القرض على أشياء مثلية أخرى وتعينت بالإفراز فانتقلت ملكيتها إلى المقرض، ففي الحالين يلتزم المقرض بتسليم الشيء المقترض وتتبع في ذلك القواعد العامة وبخاصة القواعد المقررة في التزام البائع بتسليم المبيع، فإذا أخل المقرض بالتزامه بالتسليم جاز للمقترض أن يطالب بالتنفيذ عينًا. 
وفيما يتعلق بتبعة الهلاك، فإنه لا يتصور، إذا كان الشيء المقترض مبلغًا من النقود أو أي شيء مثلي آخر لم يتحدد بالإفراز أن يهلك الشيء قبل التسليم، أما إذا كان المقترض أشياء مثلية أخرى وتعينت بالإفراز فإنها إن هلكت قبل التسليم بسبب أجنبي كان هلاكها على المقرض وإن هلكت بعد التسليم كان هلاكها بداهة على المقترض، ولهذه الأحكام مثيل في القانون المصري (المادة 539 مدني) والقوانين العربية التي أخذت عنه.
ويلتزم المقرض أيضًا بضمان الاستحقاق، فإذا كان المقترض أشياء مثلية غير النقود، وتعينت بالإفراز وسلمت للمقترض ثم استحقت، اتُبعت أحكام الإعارة (المادة 545 من المشروع) وهي تقضي بألا ضمان إلا أن يكون المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق. 
أما إذا كان المقترض نقودًا أو أي شيء مثلي آخر لم يتحدد بالإفراز فإن الاستحقاق لا يصدق عليه ولا يتصور أن يقع فيه.
أما الالتزام بضمان العيوب الخفية فقد عرض له المشروع في المادة (546) والأصل فيه أن المقرض لا يلتزم بضمان العيب لأنه متبرع. فإذا ظهر في الشيء عيب خفي واختار المقترض استبقاءه فلا يلزمه أن يرد إلا قيمة الشيء معيبًا، ومع ذلك إذا كان المقرض يعلم بالعيب وتعمد إخفاءه، فإنه يكون مسؤولاً عما يسببه العيب من ضرر. وهذه هي القاعدة العامة في ضمان العيب التي التزمها المشروع في كل عقود التبرع كالهبة والقرض، ما لم يتفق المتعاقدان على خلافها. 
2 - التزامات المقترض:
أباح الإسلام القرض على أساس التعاون والإخاء الإنساني، وتفريج الكروب والنوازل، وشدد النكير على المرابين وهددهم بأشد أنواع التهديد والوعيد. ولذلك حُرم في الفقه الإسلامي أن يُشترط في القرض أي شرط يجر منفعة للمقرض، وإلا فسد العقد بمثل هذا الشرط. وقد حرص المشروع على التزام هذا الأصل، فنص في المادة (547) على أن يكون الإقراض بغير فائدة وعلى بطلان كل شرط يقضي بخلاف ذلك دون مساس بعقد القرض ذاته ويُعتبر في حكم الفائدة كل منفعة يشترطها المقرض، في أية صورة تكون. 
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات المقترض وهي رد المثل، وتحصيل نفقات القرض: فطبقًا للمادة (548) يجب على المقترض أن يرد المثل بحلول الأجل المتفق عليه أو عند سقوط هذا الأجل طبقًا للقواعد العامة. فإذا لم يتفق المتعاقدان على أجل للرد. عين القاضي الأجل وفقًا للظروف، أي وفقًا للإرادة المفترضة للمتعاقدين وهي تتحدد بالعرف وبالغرض من القرض وليس بحالة المقترض المالية، فالتحديد هنا لا علاقة له بنظرة الميسرة التي يوليها القاضي للمدين العاثر الجد. وفي ذلك يقول المالكية: إنه إن لم يكن للقرض أجل مضروب فلا يخلو إما أن تكون العادة أن يرد مثل هذا القرض في وقت مخصوص، كما إذا اقترض قمحًا والعادة أن يرد مثله بعد حصاد القمح. فإن كانت في ذلك عادة فإنه يُعمل بها. كما يُعمل بانقضاء الأجل فيلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة، وإن لم تكن فيه عادة فإنه لا يلزم برده إلا إذا انتفع به الانتفاع الذي جرت به عادة أمثاله، وكذلك يحدد القاضي الأجل إذا اتفق على أن يكون الرد عند المقدرة أو الميسرة وطبقًا للقواعد العامة، فإنه يراعي في ذلك موارد المدين الحالية والمستقبلة، ويقتضي منه عناية الشخص الحريص على الوفاء بالتزاماته. 
وطبقًا للمادة (549) من المشروع يجب على المقترض أن يرد المثل في المكان المتفق عليه، فإذا لم يتفق على مكان، كان الرد واجبًا - على خلاف القواعد العامة - في موطن المقرض لأن القرض بدون أجر فلا يلزم الدائن تحمل مصروفات سعيه إلى موطن المقترض. 
ويرد المقترض مثل ما اقترضه، نوعًا وصفةً وقدرًا، فالتزامه هو التزام بتحقيق غاية، فإذا كان الشيء المقترض نقودًا - كما هو الغالب - فلا يلتزم المقترض أن يرد للمقرض إلا مقدارًا من النقود يعادل في عدده المقدار الذي اقترض دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود، أو لانخفاضها أثر طبقًا للقواعد العامة.
أما إذا كان الشيء المقترض من المثليات الأخرى، فإنه يجب على المقترض أن يرد مثله نوعًا وصفةً وقدرًا، ولا عبرة بتغير قيمة المثل وقت الرد (المادة 550/ 1) فالقرض - كما يقول الحنفية - مضمون بمثله بقطع النظر عن غلائه ورخصه. وإذا انقطع مثل الشيء المقترض عن السوق كان المقرض بالخيار: إما أن ينتظر حتى يعود الشيء إلى السوق فيرد له المقترض مثله، وإما أن يطالب المقترض بقيمة الشيء المقترض في الزمان والمكان اللذين يجب فيهما الرد (المادة 550/ 2). 
أما نفقات القرض، كنفقات تحرير عقده ونفقات الرهن الذي يضمنه ومصروفات تسلم القرض ورده وغير ذلك، فإن المقترض هو الذي يتحملها، ما لم يُتفق على غيره (المادة 551). 
الفصل الخامس: الصلح:
الصلح شرعًا عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة، وهو جائز بالإجماع لقوله تعالي (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وقوله (والصلح خير)، ولحديث أبي هريرة مرفوعًا (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا) وقد عرفه المالكية بأنه انتقال عن حق أو دعوى، بعوض لرفع نزاع أو لخوف وقوعه، والأول - الانتقال عن الحق - صلح على الإقرار، أما الثاني - الانتقال عن الدعوى - فصلح على الإنكار.
ويعرفه المشروع في المادة (552) بأنه عقد يحسم به عاقداه نزاعًا قائمًا بينهما أو يتوقيان به نزاعًا محتملاً، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جانب من ادعائه. ويبين من هذا التعريف، أن عقد الصلح يفترض وجود نزاع قائم أو محتمل، ويتطلب تضحيات متبادلة لحسم النزاع، سواء بتنازل كل من المتصالحين عن جزء من ادعاءاته، أو بتنازل أحدهما عن كل ادعاءاته في مقابل بدل خارج عن موضوع النزاع، وليس بضروري بعد ذلك أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة، فمهما كانت تضحية أحد الطرفين قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الآخر، فإن العقد يكون صلحًا. 
أولاً: أركان الصلح:
في المجلة - وفي الفقه الحنفي كذلك - يُشترط في المتصالحين أن يكونا عاقلين ولا يشترط فيهما البلوغ والحرية، وعلى هذا يصح الصلح من الصبي المأذون إن عري صلحه عن ضرر بين (قارن المادة 1539 من المجلة).
ولكن المادة (553) من المشروع تستلزم في كل من المتصالحين، توافر أهلية التصرف بعوض في الحقوق التي تصالحا عليها، لأن كلاً منهما ينزل عن جزء من ادعائه في نظير نزول الآخر عن جزء مقابل. والنزول بمقابل عن حق مدعى به، هو تصرف بعوض، وعلى ذلك فكل من بلغ سن الرشد ولم يُقض باستمرار الولاية على ماله، تكون أهليته كاملة في الصلح على جميع الحقوق. وقد استوحى المشروع هذا الحكم من القانون المصري (المادة 550) والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه. 
أما محل الصلح فهو الحق المتنازع فيه وتنازل كل من الطرفين عن جزء مما يدعيه في هذا الحق، ويدخل فيه بدل الصلح إن عقد الصلح على بدل.
وأيًا كان محل الصلح، فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في المحل بوجه عام، فيجب أن يكون موجودًا، ممكنًا، معينًا أو قابلاً للتعين، وبوجه خاص، أن يكون مشروعًا - أي حقًا يجوز الاعتياض عنه ولو كان غير مال ولذلك نصت المادة (554) من المشروع على عدم جواز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وعليه فلا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية - كالبنوة والزوجية - أو الأهلية، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالنظام العام وإنما يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على هذه المسائل كالصلح على النفقة أو على مؤخر الصداق. 
وكل ذلك ما لم يقضِ القانون بغيره ففيما يتعلق بالقصاص أو التعزيز إذا كان حقًا للعبد، يصح الصلح عن دعوى الجناية في النفس من القتل وفيما دونها، عمدًا كانت الجناية أو خطأ. أما العمد فلقوله تعالي (فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) (البقرة 178) أي من أُعطي له بدل أخيه المقتول شيء بطريق الصلح. وأما الخطأ فلأن موجبه المال.
وتعرض المادة (555) لإثبات الصلح، فتنص على أنه لا يثبت إلا بالكتابة أو محضر رسمي. وهو نص مقابل له في غالبية التقنينات العربية، فالصلح وقد شرع لرفع النزاع وقطع الخصومة، لا يجوز أن يكون مثارًا لنزاع آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة. 
والكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد، لأن الصلح من عقود التراضي، ويترتب على ذلك أنه لم توجد كتابة لإثبات الصلح، جاز إثباته بما يقوم مقامها كالإقرار واليمين.
ولكن الإثبات بالبينة والقرائن غير جائز ولو في صلح لا تزيد قيمته على نصاب الشهادة، إلا في الحالات التي تجيز فيها القواعد العامة الإثبات بهذين الطريقين.
وغني عن البيان أنه لا يشترط في الكتابة اللازمة لإثبات عقد الصلح، شكل خاص، فالورقة العرفية تكفي للإثبات، ومن باب أولى يكفي لإثبات الصلح المحضر الرسمي الذي تدون فيه المحكمة الصلح الذي يقع بين الخصوم.
ثانيًا: آثار الصلح:
وتعرض المواد (556 – 559) لآثار الصلح: وأول هذه الآثار انقضاء الادعاءات التي يتنازل عنها كل من المتصالحين تنازلاً نهائيًا (المادة 556) فإذا تنازع شخصان على ملكية دار وأرض، ثم تصالحا على أن تكون الدار لأحدهما والأرض للآخر، فهذا الصلح يترتب عليه انقضاء ادعاء من اختص بالدار في ملكية الأرض، وادعاء من اختص بالأرض في ملكية الدار. فلا يجوز لأيهما أن يعود إلى منازعة الآخر فيما اختص به. وفي ذلك يقول الحنابلة إن الصلح يحسم النزاع نهائيًا، فلا تُسمع بعده دعوى المدعي ولو أقام بينة على ما ادعاه أو على سبق إقرار المنكر به، ويترتب حتمًا على انقضاء الادعاءات، تثبيت حق كل متصالح فيما خلص له فيبقى حقه فيه على وضعه الأول، ويكون أثر الصلح الكشف عن هذا الحق لا إنشائه (المادة 557/ 1) فلا يكون المتصالح متلقيًا له من المصالح الآخر، ولا خلفًا له فيه بكل ما يترتب من نتائج. وهو حكم مأخوذ به في الفقه الحنفي. على أنه إذا تضمن الصلح حقوقًا غير متنازع فيها، فإنه يكون منشئًا أو ناقلاً بالنسبة لهذه الحقوق، فإذا تنازع شخصان على دار وتصالحا على أن يختص بها أحدهما في نظير أن يعطي الثاني عقارًا آخر، فإن الصلح يكون له أثر ناقل أو منشئ بالنسبة إلى هذا العقار (المصالَح عليه) بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. وهو حكم مأخوذ به أيضًا في الفقه الحنفي (قارن المادة 1550 من المجلة). 
وإذا كان أثر العقد يقتصر، بوجه عام، على كل من كان طرفًا فيه، وعلى المحل الذي تناوله، وعلى السبب الذي وقع من أجله غير أن الصلح في صدد هذا الأثر النسبي أكثر بروزًا:
( أ ) فهو مقصور على الحقوق التي كانت محلاً للنزاع دون غيرها، ولذلك نصت المادة (557/ 2) من المشروع على وجوب تفسير عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسيرًا ضيقًا فإذا تصالح شريك مع بقية شركائه على ما يستحق من أرباح في الشركة فإن هذا الصلح لا يشمل إلا ما استحقه فعلاً من أرباح، لا ما قد يستحقه في المستقبل، وإذا تصالح وارث مع بقية الورثة على استحقاقه في التركة باعتباره وارثًا، فإن هذا الصلح لا يتناول ما يكون المورث قد أوصى له به من مال في التركة. 
(ب) والصلح لا يترتب عليه نفع ولا ضرر لغير عاقديه، حتى لو وقع على محل لا يقبل التجزئة (المادة 558/ 1)، فإذا اصطلح الموصى له مع أحد الورثة على الوصية فإن الورثة الآخرين لا يحتجون بهذا الصلح ولا يُحتج به عليهم، وإذا كان الموصى له شخصين بوصية واحدة وصالح أحدهما الوارث فإن هذا الصلح لا يحتج به الموصى له الأخر ولا يحتج به عليه، ولكن الفقرة الثانية من المادة (558) تورد استثناء من هذه القاعدة وهو حالة الصلح مع المدينين المتضامنين أو الدائنين المتضامنين فإن لكل منهم أن يتمسك بالصلح الذي يعقده أحدهم إذا رأى فيه نفعًا له. 
أما إذا كان من شان الصلح أن يزيد فيما يلتزم به المدينون المتضامنون أو يسيء إلى مركز الدائنين المتضامنين فإنه لا ينفذ في حقهم ما لم يرتضوا ذلك.
(جـ) وأخيرًا يقتصر أثر الصلح على السبب الذي وقع من أجله، وفي ذلك تنص المادة (559) من المشروع على أن من تصالح على حق له (أو على حق تلقاه بناءً سبب معين)، ثم كسب هذا الحق ذاته بناءً على سبب آخر، لا يكون بالنسبة إلى هذا الكسب الجديد مرتبطًا بصلحه السابق. فإذا تصالح مع الوارث أحد الموصى لهما، ثم مات الموصى له الآخر وورثه الموصى له الأول الذي عقد الصلح، فإنه يجوز له أن يعود إلى النزاع في الوصية فيما يتعلق بحقه في الإرث من الموصى له الثاني، دون أن يستطع الوارث أن يحتج عليه بالصلح بالرغم من وحدة المحل - وهي الوصية - ووحدة الأشخاص لأن السبب لم يتحد في الحالين. 
ثالثًا: بطلان الصلح:
تنص المادة (560/ 1) على أن الصلح لا يتجزأ، فبطلان جزء منه أو إبطاله، يقتضي بطلان الصلح كله أو إبطاله. 
فقد يكون الصلح قابلاً للإبطال لنقص الأهلية أو لعيب في الرضاء وقد يكون باطلاً لعدم مشروعية المحل أو السبب. وأيًا كان سبب الإبطال أو البطلان، فإن الصلح إذا كان يشتمل على أكثر من أمر واحد، فالأصل أن إبطال جزء منه أو القضاء ببطلانه، يقتضي إبطال العقد كله أو بطلانه بجميع أجزائه، ولكن هذا الحكم ليس إلا افتراضًا لإرادة المتصالحين فإذا تبين أن إرادتهما قد اتجهت صراحة أو ضمنًا إلى اعتبار أجزاء الصلح منفصلة ومستقلاً بعضها عن بعض فإن إبطال جزء منها أو بطلانه لا يؤثر على بقية الأجزاء الأخرى (المادة 560/ 2).
الباب الثاني - العقود التي ترد على منفعة الأشياء
الفصل الأول: الإيجار:
نظمت المجلة عقد الإيجار في الكتاب الثاني منها (المواد 404 إلى 611). وظلت هذه الأحكام وحدها تحكم عقد الإيجار في الكويت، حتى صدر في 27 سبتمبر 1954 قانون للإيجار (عُدل بعد ذلك بالقانون رقم 32 لسنة 1962) متضمنًا بعض الأحكام المتعلقة بإيجار العقارات المخصصة للسكن أو لأعمال تجارية أو صناعية أو لمهن حرة، دون الأراضي الزراعية التي أُخرجت من نطاقه بنص صريح، ومتضمنًا عدة أحكام تتعلق بتحديد أجرة العقارات وامتداد عقود الإيجار بقوة القانون وحصر الأسباب التي يجوز للمؤجر عند توافرها إنهاء الإيجار، ثم أُلغي هذا القانون وحل محله القانون رقم (39) لسنة 1964 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين ونص في المادة منه على سريان أحكامه على الأماكن وأجزاء الأماكن على اختلاف أنواعها، المؤجرة للسكن أو لغير ذلك من الأغراض، مستأجر من المالك أو من مستأجر لها، سواء مسورة أو غير مسورة.
وقد أُلغي هذا القانون بالقانون رقم (25) لسنة 1971، الذي حل محله أخيرًا القانون رقم (35) لسنة 1978، في شأن إيجار العقارات ويختلف هذان القانونان عن القانونين السابقين، في عدم اقتصارهما على أحكام خاصة تتعلق بالامتداد القانوني لعقد الإيجار أو بالتحديد القانوني للأجرة، بل إنهما تضمنا علاوة على ذلك قواعد أخرى موضوعية وإجرائية.
وتنص المادة الأولى من القانون الأخير على سريان أحكامه على العقارات بما في ذلك الأراضي الفضاء، والمؤجرة للسكن أو لغير ذلك من الأغراض، مع استثناء الأراضي الزراعية من نطاق تطبيقه (لما لها من وضع خاص ليس مجاله هذا القانون)، وهو استثناء لم يكن واضحًا من نصوص القانون الذي سبقه.
وبذلك يخرج عن نطاق هذا القانون على الأخص إيجار المحل التجاري الذي يخضع لأحكام قانون التجارة، كما يخرج عن نطاقه إيجار المنقولات والأراضي الزراعية الذي يظل خاضعًا لأحكام المجلة، بالإضافة إلى إيجار الوقف الذي يظل خاضعًا لأحكام الفقه المالكي، فيما عدا ما يمكن تطبيقه عليه من الأحكام الخاصة الواردة في ذلك القانون.
على أن القانون رقم (35) لسنة 1978، وإن تضمن كثيرًا من القواعد الموضوعية في عقد الإيجار، فإنه لم يضع تنظيمًا كاملاً لهذا العقد يغني عن الرجوع إلى أحكام المجلة، التي ما زالت تعتبر، تبعًا لذلك، القانون العام لعقد الإيجار ويتعين تطبيق أحكامها على ما لم يرد بشأنه نص تشريعي كما أفصح القانون في المادة الثالثة منه.
ولذلك فقد آثر المشروع أن ينظم الأحكام الموضوعية في عقد الإيجار تنظيمًا شاملاً مفصلاً، يغني عن الرجوع إلى تلك المصادر المتعددة، وبعد أن أورد الأحكام العامة للإيجار، أفرد بالذكر أنواعًا خاصة من الإيجارات - هي إيجار الأراضي الزراعية والمزارعة وإيجار الوقف - نظرًا لأهميتها، ولكن هذا التنظيم الجديد لا يمس ما ورد في القانون رقم (35) لسنة 1978 من أحكام خاصة في حدود نطاق سريانه وذلك اعتبارًا بأن القانون العام لا يلغي قانونًا خاصًا ما لم يرد نص صريح بذلك.
الفرع الأول - الإيجار بوجه عام:
الإيجار عند الحنفية عقد يفيد تمليك منفعة معلومة مقصودة من العين المستأجر بعوض، وفي المجلة، هو بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم، وقد جرى التقنينان العراقي والأردني على نهج الفقه الإسلامي في تعريفه بأنه تمليك منفعة معلومة لقاء عوض معلوم، (722 عراقي و658 أردني)، كما عرفه القانون الكويتي (قانون رقم 35 لسنة 1978) نقلاً عن التقنين المصري والتقنينات العربية الأخرى بأنه (عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بعين معينة، مدة محددة لقاء أجر معلوم) ويعرفه المشروع في المادة (561) تعريفًا لا يخرج عن ذلك مع تعديل في الصياغة اقتضته الملاءمة.
أولاً: أركان الإيجار:
عرض المشروع في المواد (من 562 إلى 568) للمؤجر والأجرة والمدة، أما عن المؤجر، فمن شروط نفاذ الإيجار عند الحنفية، الملك والولاية، وهو ما قننته المجلة في المادة (246) بقولها: (يلزم أن يكون الآجر متصرفًا بما يؤجره، أو وكيل المتصرف، أو وليه أو وصيه) وإلا كانت الإجارة موقوفة على إجازة المالك أو وكيله أو وليه أو وصيه.
فالأصل أن مالك الشيء هو الذي له الحق في إدارته وتأجيره، ولكن قد يثبت حق الإدارة لغير المالك، فيكون نائبًا عن المالك في استعمال هذا الحق، سواء كانت نيابته نيابة اتفاقية - كالوكيل - أو قانونية، كالولي والوصي وناظر الوقف. فهؤلاء جميعًا لا يملكون الشيء المؤجر وليس لهم إلا حق إدارته ولذلك قيد المشروع في المادة (562) من سلطتهم في الإيجار. فمن يدير الشيء لا يملك إيجار لمدة تزيد على ثلاث سنوات، فإذا زاد على هذه المدة، فإن كان ذلك بإذن ممن يملك الإذن - كالأصيل في حالة الوكيل والمحكمة في حالة الوصي وناظر الوقف - جاز، وإلا أُنقصت المدة إلى ثلاث سنين، وكل هذا ما لم يوجد نص يقضي بغيره، كما هو الحال بالنسبة لناظر الوقف فإن له أن يؤجر لأكثر من ثلاث سنين إذا كان هو الواقف أو المستحق الوحيد (المادة 646 من المشروع).
كذلك فإنه، يجوز للمنتفع أن يؤجر الشيء، لأن الإيجار هو الوسيلة الطبيعية للاستغلال، ولكن المنتفع لا يتقيد في إيجاره بالمدة المنصوص عليها في المادة السابقة، لأنه عندما يؤجر الشيء لا يفعل ذلك بموجب حق الإدارة، وإنما يستعمل حقه الأصيل في الانتفاع، فلا حد لمدة الإيجار إلا المدة التي يبقى فيها حق الانتفاع قائمًا، لأنه بطبيعته حق موقوت، فلا يسري الإيجار بعد انتهاء حق الانتفاع، إلا إذا أقره مالك الرقبة بالنسبة للمدة التالية، وذلك دون إخلال بمواعيد التنبيه بالإخلاء والمواعيد اللازمة لنضج المحصول القائم ونضجه، وهو ما نص عليه المشروع في المادة (563/ 1). أما من ليس له إلا حق الاستعمال، أو السكنى، فليس له أن يؤجر الشيء إلا بإذن خاص أو لمبرر قوي (المادة 563/ 2).
أما الأجرة فهي المال الذي يلتزم المستأجر بإعطائه للمؤجر في مقابل الانتفاع بالمأجور. والأصل أنها تستحق باستيفاء المنفعة أو بإمكان استيفائها فإن زالت المنفعة أو اختلت، سقطت الأجرة أو أنقصت.
والأجرة في عقد الإيجار تقابل في الفقه الإسلامي، الثمن في عقد البيع، فما يصلح ثمنًا في البياعات يصلح أجرة في الإيجارات ومن ثم وجب أن تكون الأجرة مالاً متقومًا معلومًا (قارن المادتين 463 و450 من المجلة). ومع ذلك (يجوز أن يكون بدلاً في الإجارة الشيء الذي لم يصلح أن يكون ثمنًا في البيع) (463). كمنفعة شيء معين فالمنفعة وإن كانت لا تصلح ثمنًا، يجوز أن تكون أجرة.
وإذا كان المشروع قد أوجب في البيع أن يكون الثمن من النقود لأسباب سبق بيانها، غير أنه آثر في الإيجار أن يأخذ بأحكام الفقه الإسلامي فأجاز في المادة (564) أن تكون الأجرة شيئًا آخر غير النقود، كجزء من المحصول أو الانتفاع بشيء آخر مقابل الانتفاع بالمأجور.
وتستلزم قواعد المجلة تعيين الأجرة وإلا وقع الإيجار فاسدًا غير أنها تفرض أجر المثل بالغًا ما بلغ إذا كان فساد الإجارة بسبب كون البدل مجهولاً (المادة 462). ولذا لم يجد المشروع حرجًا في أن يأخذ في المادة (565) بالحكم الوارد في قانون الإيجارات الكويتي نقلاً عن التقنين المصري والذي يقرر أنه إذا لم يحدد المتعاقدان الأجرة ولا الأساس الذي يقوم عليه تقديرها، وكذلك إذا تعذر على أيهما إثبات الأجرة التي اتفقا عليها، فإن أجرة المثل وقت إبرام العقد تكون هي الواجبة ويحددها القاضي بمراعاة جميع العناصر اللازمة لذلك، ويبقى عقد الإيجار صحيحًا، وغني عن البيان أن مجال الأخذ بهذا الحكم هو إغفال الاتفاق على الأجرة أو أسس تقديرها، أو تعذر إثبات مقدار الأجرة المتفق عليها، أما إذا حاول المتعاقدان الاتفاق على الأجرة فلم يستطيعا، فإن الإيجار يكون باطلاً لأن المتعاقدين قد تعذر عليهما الاتفاق على ركن من أركان العقد.
بقيت المدة، وهي ركن لا يتم الإيجار إلا به، فإذا عرض المتعاقدان للمدة اختلفا في تحديدها، كان الإيجار باطلاً لعدم توفر الرضاء وإذا كان المتعاقدان يتفقان عادة على المدة وعلى تاريخ بدئها، غير أنه يقع في بعض الأحيان أنهما لا يعرضان إطلاقًا لشيء من ذلك ولكن هذا الإغفال لا يجعل الإيجار باطلاً، بل يظل صحيحًا ويتكفل المشروع في هذه الحالة بتحديد المدة وتاريخ بدئها كذلك قد يتفق المتعاقدان على أن يكون الإيجار لمدة معينة، أو يتفقان على مدة معينة ولكن لا يستطيع أي منها أن يثبت ما اتفقا عليه في ذلك، ففي هاتين الحالتين أيضًا لا يكون الإيجار باطلاً، بل يكون صحيحًا، ويتكفل المشروع بتحديد المدة على نفس الوجه الذي يحدد به المدة في الحالة الأولى.
أما بالنسبة لبدء المدة، فإنه إذا لم يعين المتعاقدان تاريخ بدء الإيجار، فإنه يبدأ من تاريخ العقد (المادة 566 من المشروع وقارن المادتين 485 و486 من المجلة)، وأما بالنسبة لتحديد المدة، فإنه إذا عقد الإيجار دون اتفاق عليها فإن الإيجار يعتبر نافذًا منعقدًا للمدة التي حُددت عنها الأجرة، وكذلك يكون الحال لو عقد الإيجار لمدة غير معينه أو تعذر إثبات مدته (المادة 567/ 1 من المشروع).
وينتهي الإيجار بانقضاء هذه المدة بناءً على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه على المتعاقد الآخر بالإخلاء قبل نصفها الأخير على ألا يزيد ميعاد الإخلاء على ثلاثة أشهر (المادة 567/ 2) وغني عن البيان أنه إذا لم يحصل التنبيه في ميعاده يمتد الإيجار لفترة أخرى تبدأ من انتهاء الفترة السابقة وهكذا حتى يصدر التنبيه في ميعاده. وإذا اتفق المتعاقدان على تحديد مدة معينة، صح اتفاقهما والتزما به، ما دامت هذه المدة لا تجعل الإيجار مؤبدًا أو في حكم المؤبد، وكل ذلك مع مراعاة النصوص الأخرى التي تحدد المدة في بعض الأحوال، كمن له حق الإدارة لا يجوز أن يؤجر لمدة تزيد على ثلاث سنين.
أما إذا اتفق المتعاقدان على أن يكون الإيجار مؤبدًا وكذلك إذا اتفقا على مدة طويلة تجعل الإيجار في حكم العقد المؤبد. فإن المشروع ينص في المادة (568) منه على أن المدة ترد إلى خمس وعشرين سنة ولكن المشروع أجاز أن يكون الإيجار لمدة حياة المستأجر أو المؤجر، حتى لو امتد لمدة تزيد على خمس وعشرين سنة.

ثانيًا: آثار الإيجار:
1 - التزامات المؤجر:
تعرض المواد (569 – 585) لالتزامات المؤجر، وهي التزامات إيجابية ويؤدي مجموعها إلى التزام المؤجر بأن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور، فإلى جانب التزامه بالتسليم، يلتزم المؤجر بتعهد المأجور بالصيانة، كما يلتزم بضمان التعرض وضمان العيب.
ويلاحظ أن مجلة الأحكام العدلية تضع على عاتق المؤجر التزامين أساسيين: أولهما بتسليم المأجور والثاني بترك المستأجر ينتفع به طوال مدة الإجارة. فإذا انعقدت الإجارة الصحيحة لزم تسليم المأجور للمستأجر (م 583). ويكون ذلك بإجازة الآجر ورخصته للمستأجر بأن ينتفع به بلا مانع (م 582). ومن ثم يلتزم بأن يسلم المأجور للمستأجر خاليًا من العوائق التي تحول دون انتفاعه به.
أما قانون إيجار العقارات والأماكن - رقم (35) لسنة 1978 - فقد قامت أحكامه (في حدود ومجال تطبيقه) على أساس أن المؤجر ملزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، فهو ملزم بتسليم العين ذاتها وملحقاتها وكل ما أُعد بصفة دائمة لاستعمالها على أن يكون ما يسلمه في حالة يصلح معها لأن يفي بما أُعدت له العين من المنفعة وذلك طبقًا لما تم عليه الاتفاق أو لما يقضي به العرف وطبيعة الأشياء، فإذا سُلمت العين في حالة لا تكون معها صالحة لاستيفاء المنفعة المقصودة، أو كانت في حالة ينقص معها الانتفاع نقصًا كبيرًا، فإن المستأجر يكون بالخيار بين فسخ العقد أو التعويض إن كان له مقتض (المادة 7 من القانون).
وطبقًا لنصوص المشروع، يلتزم المؤجر بتسليم المأجور تسليمًا صحيحًا والتسليم الصحيح لا يكون إلا بتسليم الشيء وملحقاته في حالة صالحة للانتفاع به كل الانتفاع المقصود من إيجاره (المادة 569). ويرجع في معرفة ذلك إلى اتفاق المتعاقدين، فإن لم يوجد وجب الرجوع إلى العرف وطبيعة الشيء ذاته، وتفريعًا على ذلك يلتزم المؤجر قبل التسليم بإجراء جميع الإصلاحات اللازمة لتهيئة المأجور للانتفاع به، على النحو المقصود، ولو كانت من قبيل الإصلاحات التي يلتزم بها المستأجر بعد تسلم المأجور وأثناء مدة الإيجار.
ولكن للمتعاقدين أن يتفقا على خلاف ذلك فيشترط المؤجر أن يسلم الشيء في الحالة التي هو عليها وقت التسليم، أو يشترط المستأجر تسليمه في حالة معينة، بعد القيام بأعمال كمالية لزخرفته وتجميله على سبيل المثال، فإذا لم يقم المؤجر بتسليم المأجور تسليمًا صحيحًا، بأن سلمه غير كامل أو بغير ملحقاته، أو سلمه في حاله لا يكون فيها صالحًا للانتفاع الذي أُجر من أجله أو إذا نقص هذا الانتفاع نقصًا كبيرًا، أو كان الشيء في حالة من شأنها أن تعرض المستأجر أو من يعيشون معه أو يعملون لديه لخطر جسيم، أو لم يقم بما تعهد به من إصلاحات أو إضافات للشيء المؤجر قبل تسليمه، فإنه يكون للمستأجر في جميع هذه الأحوال أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة بقدر ما نقص من الانتفاع مع التعويض في الحالين إن كان له مقتض، (المادة 570) وكل ذلك دون إخلال بحقه في طلب التنفيذ العيني وفقًا لما يقضي به القانون.
وفيما عدا ما تقدم، فإنه يسري على الالتزام بتسليم المأجور ما يسري على الالتزام بتسليم المبيع من أحكام (المادة 571). وعلى الأخص ما يتعلق منها بزمان التسليم ومكانه وتحديد المأجور وملحقاته والعجز والزيادة فيه، وكل هذه أحكام مستوحاة من القانون المصري والقوانين التي أخذت عنه.
أما عن التزام المؤجر بتعهد المأجور بالصيانة، فيُلاحظ بادئ ذي بدء أنه في الفقه الحنفي - وفي المجلة أيضًا - لا يلتزم المؤجر إلا بترك المستأجر ينتفع بالمأجور مدة الإجارة، وليس للمستأجر أن يلزمه بإجراء أي إصلاح فيه وقت بدء الإجارة ولا في أثناء سريانها، لأن الإنسان لا يُجبر على إصلاح ملكه ولا على إزالة العيب عنه، فالتزام المؤجر فيما يتعلق بانتفاع المستأجر بالمأجور، التزام سلبي بحت.
ولكن التقنينات العربية جميعها، حتى تلك التي لم تلزم المؤجر بتسليم المأجور إلا بالحالة التي يكون عليها وقت العقد، كالتقنين العراقي، (قارن المادتين 742 و750 منه) تلزم المؤجر بتعهد المأجور بالصيانة طوال مدة الإيجار، وكذلك فعل قانون إيجار العقارات الحالي فألزم المؤجر بتعهد العين المؤجرة بالصيانة وبالقيام في أثناء الإجارة بالترميمات الضرورية (المادة 8 فقرة أولى)، وقد ساير المشروع هذا النظر، فألزم المؤجر بتعهد المأجور بالصيانة حتى بعد تسليمه إلى المستأجر، ويستمر التزامه بذلك طوال سريان مدة الإيجار، حتى يظل المأجور في حالة يصلح معها للانتفاع به المقصود (المادة 572 من المشروع) - وعلى ذلك يلتزم المؤجر بتجصيص الأسطح وبإصلاح المصعد أو السلم، وبنزح المراحيض وبإجراء الإصلاحات الهامة (الكبيرة) في دورات المياه وأجهزة الكهرباء والتكييف ومواسير المياه وبكل ما يقضي العرف بجعله على المؤجر ما دامت حاجة المأجور إلى هذه الإصلاحات أو الترميمات غير راجعة إلى فعل المستأجر أو أحد من ذويه، كما يلحق بهذه الإصلاحات تكاليف المأجور من رسوم أو ضرائب، - كرسم السيارة المؤجرة - وغير ذلك مما لا ينص القانون على تحمل المستأجر به.
ولكن المؤجر لا يلتزم بثمن المياه والكهرباء التي يستهلكها المستأجر ولا بنفقات تشغيل الشيء المأجور - كثمن البنزين والزيت وأجرة التشحيم كما لا يلتزم بعمل التصليحات التي لا تكون ضرورية للانتفاع بالمأجور فهو لا يلتزم مثلاً بأعمال الزخرفة والتجميل ولا بإجراء الإصلاحات العادية التي يقتضيها استعمال المأجور استعمالاً مألوفًا.
ومع ذلك فهذه الأحكام ليست من النظام العام ويجوز الاتفاق على خلافها.
فإذا لم يقم المؤجر بالتزامه من إجراء الإصلاحات والترميمات الضرورية إعمالاً لما تقضي به المادتان (570 و572) يكون للمستأجر أن يطلب إما التنفيذ العيني، وإما فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة على حسب الأحوال، مع التعويض إن كان له مقتض، ولكن بشرط أن يقوم أولاً بإعذار المؤجر.
فطبقًا للقواعد العامة يجوز للمستأجر أن يلجأ إلى القضاء لمطالبة المؤجر بإجراء الإصلاحات أو الترميمات الضرورية التي تقع على عاتقه، ويحكم القضاء بإلزام المؤجر بإجراء هذه الإصلاحات ويحدد له ميعادًا للقيام بها، ولكن طبقًا للمادة (573) من المشروع يجوز للمستأجر عند إخلال المؤجر بالتزامه بإجراء الإصلاحات أن يحصل على إذن من القضاء بإجرائها بنفسه وفي استيفاء ما أنفقه خصمًا من الأجرة كما يجوز له، دون حاجة إلى هذا الإذن، أن يقوم بإجراء هذه الإصلاحات بنفسه على أن يستوفي ما ينفقه خصمًا من الأجرة، وذلك بعد إعذار المؤجر طبقًا للقواعد العامة، بشرط أن تكون الإصلاحات بسيطة لا تبرر اللجوء إلى القضاء، أو مستعجلة لا تحتمل الإبطاء حتى ولا الالتجاء إلى القضاء المستعجل. ويستوي أن تكون الحاجة إلى الإصلاح قائمة وقت بدء الانتفاع أو طرأت بعد ذلك بغير خطأ من المستأجر.
وغني عن البيان أن المستأجر إذا أجرى الإصلاح بغير ترخيص من القضاء فإنما يقوم بذلك على مسؤوليته، وللقضاء أن يستوثق بعد ذلك - إذا رفع المؤجر إليه الأمر - من توافر الشروط السابقة حتى يقر خصم النفقات من الأجرة.
كذلك يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار - بدلاً من التنفيذ العيني - إذا كان حرمانه من الانتفاع بالمأجور بسبب حاجته إلى الإصلاح، حرمانًا جسيمًا يبرر الفسخ، ويخضع هذا الطلب لتقدير القضاء، فله أن يجيب المستأجر إلى الفسخ أو أن يمهل المؤجر ليقوم بالإصلاح.
وأخيرًا يجوز للمستأجر أن يطلب من القضاء إنقاص الأجرة - بدلاً من التنفيذ العيني ومن الفسخ - وذلك على أساس أن نقص الانتفاع بالمأجور بسبب عدم إجراء الإصلاحات، يقابله نقص مناسب في الأجرة، وللقضاء أن يجيبه إلى طلبه إن كان ثمة مبرر لذلك.
وسواء اختار المستأجر التنفيذ العيني أو الفسخ أو إنقاص الأجرة، فإن له الحق في جميع الأحوال أن يطلب تعويضه عما أصابه من ضرر في شخصه أو ماله وكذلك تعويضه عن الضرر الذي أصابه بسبب نقص الانتفاع بالمأجور سواء كان هناك خطأ في جانب المؤجر أو كانت الحاجة إلى الإصلاح أو الترميم ناشئة عن سبب أجنبي.
وهناك نوع آخر من الإصلاحات أو الترميمات الضرورية عرض له المشروع في المادة (574) وهي الإصلاحات اللازمة، لا للانتفاع بالمأجور بل لحفظه من الهلاك وهذه تكون على المؤجر ولكنها أيضًا من حقه، ولذلك فلا يجوز للمستأجر أن يمنعه من إجرائها ولو أخلت بانتفاعه، لأن حفظ المأجور من الهلاك مقدم على انتفاع المستأجر به. ولكن يشترط في هذه الإصلاحات أن تكون ضرورية لحفظ المأجور، فإن لم تكن، بأن كانت لإدخال تحسينات أو زيادات على المأجور أو كانت لإعداده لمستأجر آخر يخلف المستأجر بعد انتهاء عقده، فإنه لا يكون للمؤجر حق في إجرائها إلا إذا اشترط هذا الحق على المستأجر أو حصل على إذن منه بإجرائها، أما إذا كانت هذه الإصلاحات ضرورية لحفظ المأجور فإنه يكون للمأجور الحق في القيام بها ولو عارض المستأجر بل حتى لو اقتضى الأمر تخليه عن المأجور المدة اللازمة للقيام بها.
ويشترط أيضًا في هذه الإصلاحات أن تكون مستعجلة وعبء إثبات استعجالها يقع على المؤجر، فإذا لم تكن كذلك، وكان من الممكن إرجاؤها حتى تنتهي مدة الإيجار - لم يكن للمؤجر حق في إجرائها إذا عارض المستأجر، بل يجب أن يتربص حتى ينتهي الإيجار ليقوم بها، ويجب على المؤجر أن يخطر المستأجر بعزمه على إجراء الإصلاحات قبل بدئها بمدة مناسبة حسب حالة الاستعجال، حتى يأخذ المستأجر أهبته لذلك، كما يجب على المؤجر أن يبذل العناية الواجبة في القيام بهذه الإصلاحات فيختار أيسر السبل لإجرائها حتى لا يُجشم المستأجر إلا أقل ضرر ممكن، وحتى لا يستغرق إلا المدة اللازمة لإجرائها دون إبطاء، فإذا ترتب على قيام المؤجر بهذه الإصلاحات إخلال كلي أو إخلال جسيم بالانتفاع بالمأجور، جاز للمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار، أما إذا ترتب على إجراء الإصلاحات إخلال جزئي غير جسيم بالانتفاع بالمأجور فإنه يكون للمستأجر أن يطلب إنقاص الأجرة أثناء مدة الإصلاح وذلك بنسبة النقص في الانتفاع.
وغني عن البيان أنه لا يجوز للمستأجر أن يفسخ الإيجار بنفسه أو أن ينقص الأجرة دون حكم أو اتفاق مع المؤجر ولكن حق المستأجر في فسخ الإيجار يسقط إذا ظل محتفظًا بالمأجور حتى تمام الإصلاحات. وعندئذٍ لا يكون له إلا طلب إنقاص الأجرة. ومع ذلك فإنه يجوز الاتفاق على خلاف هذه الأحكام، كأن يشترط المؤجر على المستأجر ألا يرجع عليه بشيء مهما طالت مدة الإصلاح.
وقد يهلك المأجور هلاكًا كليًا أو جزئيًا، سواء من جراء عدم القيام بالترميمات اللازمة لحفظ العين أو بخطأ من المؤجر أو المستأجر أو بقوة قاهرة، وفي الفقه الحنفي، إذا كان المأجور منقولاً وهلك، انفسخت الإجارة بهلاكه، ولكنهم اختلفوا في حكم هلاك العقار (الدار)، فذهب بعضهم إلى انفساخ الإجارة بهلاكه، وذهب رأي إلى بقاء الإجارة رغم هلاكه ولكن تسقط الأجرة فلا يلتزم المستأجر بدفعها، لعدم تمكنه من الانتفاع بالمأجور، وهو شرط لوجوب الأجرة (قارن المادة 478 من المجلة والمادة 697/ 1 من التقنين الأردني)، فإذا أعاد المؤجر بناء الدار، يجوز للمستأجر أن يسكنها في بقية المدة، وعند المالكية ينفسخ عقد الإيجار بتلف العين المتعلقة بها المنفعة المطلوبة، بحيث لا يمكن للمستأجر أن يستوفيها، كما إذا استأجر شخص دارًا فانهدمت أو اكترى دابة فنفقت، والرأي كذلك عند الشافعية والحنابلة، ولكن الشافعية يشترطون للفسخ أن يكون التلف تامًا، أما إذا تلف بعض العين مع إمكان الانتفاع بما بقي منها، فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ويكون للمستأجر الخيار في هذه الحالة بين أن يسكن أو يخرج.
وقد فرق المشروع بين الهلاك الكلي والهلاك الجزئي للمأجور، ففي حالة الهلاك الكلي، ينفسخ العقد من تلقاء نفسه، إذا كان الهلاك راجعًا لسبب أجنبي لا يد لأحد المتعاقدين فيه (المادة 575/ 1).
أما في حالة الهلاك الجزئي – وكذلك إذا أصبح المأجور في حالة لا يصلح معها لاستيفاء المنفعة المقصودة كاملة – فإنه يكون للمستأجر، إذا لم يكن له يد في ذلك، أن يختار بين التنفيذ العيني وبين فسخ أو إنقاص الأجرة مع التعويض في جميع الأحوال إن كان له مقتض.
فيستطيع المستأجر طبقًا للمادة 575/ 2 من المشروع أن يطالب المؤجر بإصلاح المأجور وإعادته إلى أصله ليتمكن من الانتفاع به انتفاعًا كاملاً، وأن يحدد للمؤجر ميعادًا مناسبًا للقيام بذلك. ويستوي في ذلك أن يكون الهلاك الجزئي – أو الخلل في الانتفاع – بخطأ المؤجر أو بفعل الغير أو بقوة قاهرة – فإذا لم يقم المؤجر إلى أصله في الميعاد المحدد، الذي يخضع تقديره لرقابة القضاء، جاز للمستأجر أن يقوم بنفسه بإصلاح المأجور وإعادته إلى أصله وفقًا للأحكام الواردة في المادة (573) من المشروع.
ولكن يشترط في ذلك ألا تكون نفقات إعادة المأجور إلى أصله باهظة لا تتناسب مع الأجرة التي يتقاضاها المؤجر، وذلك إذا لم يكن الهلاك الجزئي أو الخلل في الانتفاع ناجمًا عن خطأ المؤجر، وإلا فعليه أن يصلح خطأه طبقًا للقواعد العامة، أما إذا لم يكن هناك خطأ في جانبه، فلا يصح إرهاقه بتحميله نفقات باهظة لا تتناسب مع الأجرة التي يتقاضاها، ولا يكون للمستأجر عندئذٍ إلا أن يطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة.
ويجوز للمستأجر، إذا لم يختر التنفيذ العيني على الوجه المتقدم أن يطلب: إما فسخ الإيجار، إذا كان الهلاك الجزئي أو الخلل في الانتفاع جسيمًا بحيث يفوت عليه الانتفاع بالمأجور الانتفاع المقصود. وإما إنقاص الأجرة إذا كان الهلاك الجزئي أو الخلل في الانتفاع غير جسيم وإنما يؤثر في الانتفاع المأجور تأثيرًا لا يتمكن معه من استيفاء المنفعة المقصودة كاملة.
وعلى عكس الهلاك الكلي، لا ينفسخ الإيجار من تلقاء نفسه أو تنقص الأجرة بحكم القانون. بل يجب، إذا لم يحصل اتفاق بين المتعاقدين أن يصدر حكم بذلك. والمحكمة هي التي تقدر ما إذا كان هناك محل للفسخ أو إنه يُكتفى بإنقاص الأجرة.
وغني عن البيان أنه سواء انفسخ الإيجار من تلقاء نفسه – في حالة الهلاك الكلي – أو طلب المستأجر التنفيذ العيني أو الفسخ أو إنقاص الأجرة – في حالة الهلاك الجزئي – فإنه يكون له أيضًا الحق في طلب التعويض، ما لم يكن الهلاك أو التلف راجعًا إلى سبب لا يد للمؤجر فيه.
وتعرض المواد من (576 إلى 579) لأحكام ضمان التعرض.
وطبقًا للمجلة، يلتزم المؤجر بضمان تعرضه الشخصي، فلا يجوز له أن يأتي عملاً يؤدي إلى حرمان المستأجر من الانتفاع بالمأجور أو الإخلال بانتفاعه به، فيجب أن يبقى المأجور في حيازة المستأجر للانتفاع به طوال مدة الإيجار، مثلاً لو استأجر أحد مركبة لكذا مدة، أو على أن يذهب إلى المحل الفلاني، فله أن يستعمل المركبة الذكورة في ظرف تلك المدة أو إلى أن يصل ذلك المحل، وليس لصاحبها أن يستعملها في تلك الأثناء في أموره (المادة 583 من المجلة). والجزاء على الإخلال بهذا الالتزام، سقوط الأجر بقدر ما يترتب على التعرض من نقص في المنفعة، وكذلك إذا غُصب المأجور من المستأجر أثناء مدة الإيجار سقطت الأجرة مدة الغصب لزوال التسليم.
ويلاحظ أن المشروع سبق أن عرض لأحكام التعرض والاستحقاق في الفصل الخاص بالبيع، ولكنه عاد ووضع نصوصًا خاصة بذلك فيما يتعلق بالإيجار، لما له من خصائص يتميز بها عن البيع، مع اعتبار الأحكام الواردة في البيع هي الأصل الذي يُرجع إليه فيما لم يرد في شأنه نص خاص وبالقدر الذي يتفق مع طبيعة العقد.
وطبقًا لهذه النصوص يضمن المؤجر تعرضه الشخصي مطلقًا، كما يضمن تعرض الغير إذا كان مبنيًا على سبب قانوني، ولكنه لا يضمن التعرض المادي من الغير.
فالمؤجر يلتزم أولاً بعدم التعرض للمستأجر، في استيفائه المنفعة المعقودة عليها طوال مدة الإيجار، سواء كان التعرض ماديًا، أو كان مبنيًا على سبب قانوني، ويعتبر تعرضًا ماديًا يجب على المؤجر الامتناع عنه، أن يحدث في المأجور أو في ملحقاته تغييرًا يمنع من الانتفاع به أو يخل بالمنفعة المقصودة (الفقرة الأولى من المادة 576) وهي صورة خصها النص بالذكر تنويهًا بأهميتها.
والمؤجر يضمن للمستأجر أيضًا التعرض الصادر من أتباعه، (الفقرة الثانية من المادة 576)، والمقصود بأتباع المؤجر هنا، الأشخاص الذين تقوم بينهم وبين المؤجر صلة تكون هي التي مكنت لهم من التعرض للمستأجر فيعتبر من أتباع المؤجر خدمه ومستخدموه، وعماله وأهل بيته، وكل من يحل محله في مباشرة حقوقه أو تنفيذ التزاماته الناشئة من عقد الإيجار: كالمقاول والمهندس عند قيامهما بإجراء إصلاحات وترميمات لازمة للمأجور بتكليف من المؤجر. فإذا وقع من أحد هؤلاء تعرض للمستأجر، ولو كان تعرضًا ماديًا، اعتُبر هذا التعرض كأنه صادر من المؤجر نفسه، فيصبح مسؤولاً عنه ويجب عليه الضمان.
فإذا صدر تعرض مادي أو تعرض مبني على سبب قانوني من المؤجر للمستأجر، كان للمستأجر طبقًا للقواعد العامة أن يطلب بعد إعذار المؤجر، التنفيذ العيني، إذا كان ممكنًا، فيُقضى له بوقف التعرض، بل يجوز للمستأجر، حتى يدفع المؤجر إلى التنفيذ العيني أن يحبس الأجرة عنه إلى أن يقوم بوقف تعرضه، وللمستأجر بدلاً من طلب التنفيذ العيني أن يطلب فسخ الإيجار إذا اختل انتفاعه اختلالاً جسيمًا، أو أن يطلب إنقاص الأجرة إذا لم يكن اختلال الانتفاع بالجسامة التي تبرر الفسخ، وسواء طلب المستأجر التنفيذ العيني، أو الفسخ، أو إنقاص الأجرة، فإن له أن يطلب أيضًا التعويض عما أصابه من الضرر بسبب إخلال المؤجر بالتزامه.
وغني عن البيان أنه يجوز الاتفاق على تعديل هذه الأحكام بزيادة الضمان أو إنقاصه أو إعفاء المؤجر من المسؤولية في حدود ما يقضي به القانون.
أما تعرض الغير المبني على سبب قانوني، فيتحقق بادعاء الغير حقًا يتعارض مع حق المستأجر، يستوي في ذلك أن يكون الحق الذي يدعيه الغير حقًا عينيًا أو حقًا شخصيًا: كأن يدعي الغير أنه اشترى المأجور من المؤجر وأن الإيجار لا يسري في حقه. أو يدعي أنه أستأجر المأجور من نفس المؤجر وأنه مفضل في إيجاره على المستأجر الأول، أو يدعي على المأجور حقًا يتعارض مع حق المستأجر كحق انتفاع أو حق رهن حيازة أو حق ارتفاق، ويستوي في ذلك أيضًا أن يكون الحق الذي يدعيه الغير مستمدًا من المؤجر نفسه أو غير مستمد منه، وأن يكون سابقًا على عقد الإيجار أو تاليًا له. وفي هذا يختلف ضمان تعرض الغير في الإيجار عنه في البيع، فضمان تعرض الغير يتحقق في الإيجار إذ ادعى الغير حقًا ثبت له بعد الإيجار، ولو كان هذا الحق مستمدًا من غير المؤجر. أما في البيع فلا يتحقق ضمان البائع لتعرض الغير إذا ادعى هذا حقًا مستمدًا من غير البائع بعد عقد البيع.
فإذا حصل التعرض على الوجه المتقدم، وجب على المستأجر أن يبادر إلى إخطار المؤجر بذلك (المادة 577 فقرة أولى) حتى يتمكن من دفع التعرض في الوقت المناسب وإلا تحمل المستأجر مسؤولية عدم الأخطار طبقًا للقواعد العامة.
فإذا نجح المتعرض في تعرضه، رجع المستأجر على المؤجر بضمان الاستحقاق وجاز له - بحسب الأحوال - أن يطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة مع التعويض إن كان له مقتض (المادة 577 فقرة ثانية)، ولكن المؤجر لا يضمن للمستأجر التعرض الصادر من الغير إلا إذا كان مبنيًا على سبب قانوني فما دام المتعرض لا يدعي حقًا على المأجور، فلا ضمان على المؤجر (المادة 578) ما لم يُتفق على غير ذلك - وللمستأجر أن يواجه الاعتداء بما خوله القانون من الوسائل، فيكون له أن يحمي حيازته ضد المتعرض بجميع دعاوى الحيازة (وضع اليد) إذا كان المأجور عقارًا.
ويكون له أن يرجع على المتعرض بالتعويض طبقًا لقواعد المسؤولية التقصيرية، كما يكون له أن يلجأ إلى القضاء الجنائي إذا انطوت أعمال المتعرض على جريمة يعاقب عليها القانون.
ومع ذلك إذا وقع تعرض مادي من الغير ولم يكن للمستأجر قِبل بدفعه، وكان هذا التعرض من الجسامة بحيث يحرم المستأجر من الانتفاع بالمأجور أو ينقص انتفاعه به إنقاصًا كبيرًا، جاز له - بحسب الأحوال - أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة (المادة 579). والحق الذي يعطيه هذا النص للمستأجر في طلب الفسخ أو إنقاص الأجرة لا يتأسس على ضمان التعرض، لأن المؤجر غير مسؤول عن التعرض المادي من الغير إلا إذا اشترط عليه المستأجر ذلك، وإنما يتأسس على تحمل المؤجر لتبعة حرمان المستأجر من الانتفاع بالمأجور، ويتمثل تحمله لهذه التبعة في حق المستأجر في طلب فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة، دون أن يكون له الحق في مطالبة المؤجر بالتعويض لأن التعويض جزاء للمسؤولية عن الضمان ولا محل لهذا الجزاء في تحمل تبعة حرمان المستأجر من الانتفاع بالمأجور، على أنه يشترط لتطبيق هذا النص أن يكون التعرض قد وقع، لا على المأجور ذاته، بل على انتفاع المستأجر به، كأن تقع حرب أو تقوم ثورة ترغم المستأجر على ترك المأجور وتحرمه من الانتفاع به. أما إذا كان التعرض قد وقع على المأجور ذاته، فأدى إلى هلاكه هلاكًا كليًا أو جزئيًا، فإنه تسري في هذه الحالة الأحكام المتعلقة بهلاك المأجور التي تضمنتها المادة (575) من المشروع.
ويعرض المشروع في المادة (580) لصورة مألوفة من صور تعرض الغير المبني على سبب قانوني، وهي التنازع بين المستأجرين لمأجور واحد، ذلك أنه إذا استأجر أكثر من شخص نفس المأجور ممن يملك حق تأجيره، وكانت مدة الإيجار واحدة أو بالقليل متداخلة، جاز أن يتعرض كل منهم للآخرين مستندًا إلى حق يتعارض مع حقوقهم، فإذا فضل أحدهم طبقًا للقاعدة الواردة في النص، كان لباقيهم أن يرجع بضمان الاستحقاق على المؤجر.
وقد عرضت المجلة لهذه الصورة في المادة (589) منها، وفضلت المستأجر السابق بإجارة لازمة، أما الإجازة اللاحقة (في التاريخ) فتكون غير نافذة وغير معتبرة، فلو أجر أحد مالاً له، عقارًا أو منقولاً على مدة معلومة ببدل معلومة إجارة لازمة. ثم أجر أيضًا المال تلك المدة نفسها مرة ثانية من غير المستأجر، فلا يطرأ خلل على الإجارة الأولى ولا تكون الإجارة الثانية نافذة لا في حق الآجر ولا المستأجر الأول، وفرع شراح المجلة على عدم نفاذ الإجارة الثانية في حق المستأجر الأول، أن تكون موقوفة بالنسبة له، فله إذا شاء أن يجيزها والأجرة تكون له، وإذا شاء فسخها وأبطلها، كما فرعوا على عدم نفاذها في حق الآجر، أنه إذا سقط حق المستأجر بانفساخ إجارته بالإقالة أو بغيرها، لا يلزم الآجر تسليم المأجور للمستأجر الثاني.
ولم تعرض التقنينات الأجنبية لهذه الصور (كما لم يعرض لها أيضًا كثير من التقنينات العربية: كالعراقي واللبناني والأردني والتونسي والمغربي) ولكن محكمة النقض الفرنسية، استقرت في أحكامها الحديثة على أن المفاضلة بين المستأجرين المتعاقبين، تكون على أساس الأسبقية في تاريخ عقد الإيجار. فمن كان من المستأجرين عقده أسبق في ثبوت التاريخ كان هو الذي يتقدم، حتى ولو سبقه مستأجر آخر في وضع يده. فبالرغم من اعتبار حق المستأجر حقًا شخصيًا، فإنه يسري في مواجهة الغير. سواء كان هذا الغير متلقيًا لملكية المأجور (م 1743 مدني فرنسي) أو كان مستأجرًا لاحقًا.
وقد وضع التقنين المصري قاعدة أخرى للمفاضلة بين المستأجرين المتنازعين، تخالف ما ورد في المجلة وما استقر عليه القضاء الفرنسي. فمن وضع يده أولاً دون غش، أو من سجل عقده أولاً (إذا كان المأجور عقارًا) وهو حسن النية، قبل أن يضع مستأجر آخر يده أو قبل أن يتجدد عقد إيجاره، يكون هو المفضل. وحذا كل من التقنين السوري (م 541)، والتقنين الليبي (م 572) والصومالي (م 535)، حذو التقنين المصري في ذلك وأقام التقنين السوداني التفضيل بين المستأجرين، على أساس الأسبقية في وضع اليد مع حسن النية، ثم على أساس الأسبقية في التعاقد (م 466)، كما أعطى التقنين الجزائري الأولوية لمن سبق من المستأجرين إلى وضع اليد بغير غش (م 585).
أما قانون إيجار العقارات الحالي - رقم (35) لسنة 1978 - فأخذ بقاعدة مماثلة للقاعدة التي وضعها التقنين المصري، فيفضل من وضع يده أولاً دون غش أو من أثبت تاريخ عقده وهو حسن النية، قبل أن يضع مستأجر آخر يده على العين المؤجرة (المادة 10 من القانون). ولما كان هذا القانون لا ينطبق إلا على العقارات (م 1)، فإن المفاضلة بين المستأجرين للمنقول تظل على أساس الأسبقية في التعاقد طبقًا لأحكام المجلة.
وقد وضع المشروع في ذلك قاعدة مقتضاها أنه إذا سبق أحد المستأجرين إلى وضع يده على المأجور وهو حسن النية، فإنه يكون حينئذٍ أولى بالتفضيل على غيره من المستأجرين ولو كانت عقودهم أسبق في التاريخ، وهو حكم يتفق مع القواعد العامة، لأن وضع المستأجر يده على المأجور، هو استيفاء لحقه كدائن شخصي للمؤجر. ومن معنى الاستيفاء للحق يجيء التفضيل. ولا يبقى للمستأجرين الآخرين، سوى الرجوع على المؤجر بالتعويض على أساس ضمان الاستحقاق.
والمقصود بحسن النية في وضع اليد أن يكون المستأجر وقت وضع يده على المأجور لا يعلم بوجود عقد سابق على عقد إيجاره، فإن كان يعلم بأن هناك مستأجرًا استأجر المأجور قبله، فإنه لا يكون حسن النية ولا يكون أولى بالتفضيل.
فإن لم يكن أحد المستأجرين قد وضع يده على المأجور بحسن نية فإن الأسبق منهم في التعاقد، هو الذي يفضل وهو نفس الحكم الذي يأخذ به التقنين السوداني.
وقد أغفل المشروع ما نص عليه القانون الكويتي (في الفقرة الأخيرة من المادة السادسة) وبعض القوانين الأخرى - من أنه إذا لم يوجد سبب لتفضيل أحد المستأجرين، فليس لهم فيما تعارضت فيه حقوقهم إلا طلب التعويض، لأن ذلك غير مقصود.
ويعرض المشروع في المادة (581) للأعمال الصادرة من السلطات العامة، والتي يترتب عليها حرمان المستأجر من انتفاعه بالمأجور أو الإخلال بالانتفاع به، والعمل الصادر من السلطة العامة قد يكون قرارًا من جهة الإدارة، كما هو الغالب، كقرار يصدر بنزع الملكية أو الاستيلاء المؤقت على العقار المأجور. أو قرار بمنع عرض فيلم سينمائي استأجرته إحدى دور العرض. ولكنه يجوز أيضًا أن يكون عملاً صادرًا من الهيئة التشريعية أو الهيئة القضائية، كقانون بتحديد الانتفاع بالمأجور (تحديد زراعة معينة)، أو حكم من القضاء بغلق المأجور أو سحب ترخيصه أو مصادرته، هذه الأعمال تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي لا يكون المؤجر ملتزمًا بضمانها، ولكنه يتحمل تبعتها. فيكون للمستأجر تبعًا لجسامة الإخلال بالانتفاع أن يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة. والمحكمة هي التي تقدر هذه الجسامة، فلها أن تجيب المستأجر إلى طلب الفسخ أو تكتفي بإنقاص الأجرة، ولكن يشترط، في كل ذلك ألا يكون عمل السلطة ناجمًا عن عمل يعزى إلى المستأجر كما يشترط أن يكون هناك نقص كبير في الانتفاع، يسوغ الفسخ أو الإنقاص. أما إذا كان النقص في الانتفاع يسيرًا فإنه لا يكون ثمة مبرر لا للفسخ ولا لإنقاص الأجرة.
على أنه إذا كان عمل السلطة العامة قد صدر لسبب يكون المؤجر مسؤولاً عنه فإن المؤجر يكون ملتزمًا بالضمان، ويكون مسؤولاً ليس فحسب عن فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة، بل أيضًا عن التعويض إن كان له مقتض.
وكل هذا ما لم يتم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على غيره فيجوز أن يشترط المؤجر أن يكون مسؤولاً عن أي عمل يصدر من السلطات العامة، كما يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر عدم مسؤوليته عن هذه الأعمال أو التخفيف من مسؤوليته عنها.
وغني عن البيان أنه إذا كانت أعمال السلطة العامة قد صدرت مخالفة للقانون، ومن باب أولى إذا كانت من قبيل الأعمال المادية، فإنها تكون من قبيل التعرض المادي الذي لا يضمنه المؤجر، وتسري في شأنه أحكام المادة (578) من المشروع.
وتعرض المادتان (582 و583) من المشروع لضمان العيوب الخفية. وهو آخر التزام من الالتزامات الإيجابية التي قررها المشروع في ذمة المؤجر. ويلاحظ أنه في المجلة - وفي الفقه الحنفي أيضًا - يكون العيب موجبًا للخيار، إذا كان سببًا لفوات المنافع المقصودة بالكلية، أو الإخلال بها، أما النواقص التي لا تخل بالمنافع فليست موجبة للخيار في الإجارة (م 514) ولو أُنقصت العين، لأن المعقود عليه في الإيجار هو المنفعة لا العين. ويثبت الخيار للمستأجر، سواء كان العيب موجودًا وقت العقد أو طرأ بعد ذلك في مدة الإيجار (م 515) ولكن يجب لثبوت الخيار، إذا كان العيب موجودًا وقت القبض، ألا يعلم به المستأجر، فإذا علم به، وقبض مع ذلك المأجور كان راضيًا به وسقط خياره، ويترتب على العيب ثبوت الخيار للمستأجر، إن شاء استوفى المنفعة مع العيب وأعطى تمام الأجرة، وإن شاء فسخ الإجارة (م 516) وليس له المطالبة بإنقاص الأجرة، فإذا أزال المؤجر العيب الحادث قبل فسخ الإجارة لا يبقى للمستأجر حق الفسخ (م 517). وتفرق المجلة في الفسخ – مقننة في ذلك الفقه الحنفي – بين العيب الذي يخل بالمنفعة والعيب الذي يفوت المنافع المقصودة بالكلية، كانهدام الدار المؤجرة كلها. ففي الحالة الأولى، لا يجوز للمستأجر فسخ العقد إلا في حضور المؤجر " وإن فسخها في غيابه دون أن يخبره لم يعتبر فسخه وكراء المأجور يستمر كما كان ". وفي الحالة الثانية يكون له فسخها في غياب المؤجر (م 518)، ذلك أنه إذا فات الانتفاع بالمأجور بالكلية سقطت الأجرة (م 478)، والمقصود بالفسخ في حضور المؤجر – كما تفيد عبارة المادة (518) – هو مجرد إخطاره به، بحيث لا يترتب أثر الفسخ، إذا وقع في غيبة المؤجر، إلا منذ اتصاله بعلمه، لأنه يجب أن يلحق علم المؤجر بالفسخ حتى يكون على علم به، ولكن الفسخ في الحالتين لا حاجة فيه إلى رضاء المؤجر أو قضاء الحاكم.
أما قانون إيجار العقارات الحالي – رقم (35) لسنة 1978 – فلم ترد فيه نصوص تتعلق بأثر العيب على الإيجار، وإذا كانت المادة السابعة من هذا القانون تلزم المؤجر بتسليم العين المؤجر وملحقاتها، في حالة تصلح معها لأن تفي بما أُعدت له من المنفعة، غير أنها لم ترتب على إخلال المؤجر بهذا الالتزام سوى حق المستأجر في فسخ العقد أو التعويض إن كان له مقتض، متفقة في ذلك مع المجلة في أثر خيار العيب.
وطبقًا لنصوص المشروع، يلتزم المؤجر بضمان العيوب الخفية في المأجور – ولكن العيب الخفي في الإيجار لا يُشترط فيه أن يكون قديمًا، أي موجودًا وقت العقد كما في البيع، فالمؤجر يضمن العيب الحادث أيضًا أثناء تنفيذ العقد لأن عقد الإيجار عقد زمني مستمر، فإذا طرأ على المأجور عيب في مدة الإيجار ضمنه المؤجر. وفي ذلك يتفق المشروع مع الفقه الحنفي والمجلة.
ويقتصر الضمان على العيب المؤثر، ولكن بينما يُعتبر العيب مؤثرًا - وفقًا للمجلة والفقه الحنفي – متى فوت المنفعة المقصودة من الإيجار، أو أخل بها سواء كان الإخلال بالمنفعة كثيرًا أو قليلاً، فإن العيب لا يعتبر مؤثرًا طبقًا لنصوص المشروع إلا إذا حال دون الانتفاع بالمأجور أو انقص من هذا الانتفاع إنقاصًا كبيرًا (المادة 582/ 1) ويرجع في تقدير ذلك إلى قصد المتعاقدين كما هو مبين في العقد، وإلى طبيعة المأجور والغرض الذي أُجر من أجله، كما لا يُعتبر العيب مؤثرًا إذا جرى العرف على التسامح فيه، وكذلك يجب أن يكون العيب خفيًا، بأن يكون المستأجر غير عالم به وغير مستطيع أن يتبينه بنفسه، لو أنه فحص المأجور بما ينبغي من العناية، وهو يكون كذلك أيضًا إذا أثبت المستأجر أن المؤجر قد أكد له خلو المأجور من هذا العيب أو انه قد تعمد إخفاءه غشًا منه، أما إذا كان المستأجر عالمًا بالعيب وقت التعاقد، أو علم به وقت التسليم ولم يعترض فإن المؤجر لا يكون ضامنًا (المادة 582/ 2). فإذا ظهر بالمأجور عيب يتحقق معه الضمان، كان للمستأجر أن يطلب إما التنفيذ العيني، وإما فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة، مع التعويض في جميع الأحوال إن كان له مقتض، فيجوز للمستأجر أن يطلب إصلاح العيب، أو يقوم هو بإصلاحه على نفقة المؤجر، بترخيص من القضاء أو دون ترخيص وفقًا للأحكام المبينة بالمادة (573) من المشروع، ما لم يكن إصلاح العيب من شأنه أن يرهق المؤجر (المادة 583) كما إذا كان هذا الإصلاح يقتضي إعادة بناء المأجور من جديد أو القيام بأعمال تتكلف مصروفات باهظة لا تتناسب مع الأجرة التي يحصل عليها المؤجر.
وللمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار، ويكون للمحكمة حق التقدير، فلها أن تجيب المستأجر إلى ذلك، إذا كان حرمان المستأجر من الانتفاع بسبب العيب على درجة من الجسامة تبرر الفسخ، ولها أن تكتفي بإنقاص الأجرة بما يقابل النقص في الانتفاع.
وسواء طلب المستأجر التنفيذ العيني أو الفسخ أو إنقاص الأجرة فإنه يكون له الحق أيضًا في التعويض عن الضرر الذي أصابه، سواء بسبب الحرمان من الانتفاع بالمأجور، أو بسبب العيب ذاته، وسواء كان المؤجر يعلم وجود العيب، أو لا يعلمه. فمجرد وجود العيب يعتبر إخلالاً بالالتزام بضمان العيب يوجب التعويض، ولو كان المؤجر حسن النية لا علم له بالعيب، وهو ما يأخذ به التقنين الفرنسي بنص صريح (م 1721 مدني فرنسي، وقارن المادة 687 أردني)، أما التقنين المصري (م 577) والتقنينات التي تابعته، فتلزم المؤجر بالتعويض ما لم يثبت أنه كان يجهل وجود العيب.
ولما كانت أحكام ضمان التعرض والعيب ليست من النظام العام، فإنه يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على ما يخالفها بالتشديد أو بالتخفيف أو بالإعفاء ولكن شرط الإعفاء من الضمان أو التخفيف منه، يقع باطلاً طبقًا لنص المادة (584) من المشروع، إذا كان المؤجر قد تعمد إخفاء سبب الضمان غشًا منه، أما إذا كان المؤجر يعلم سبب الضمان ولكنه لم يتعمد إخفاءه عن المستأجر، واشترط عليه عدم الضمان أو تخفيف مسؤوليته عنه، فإن الشرط يكون صحيحًا.
ويلاحظ أن التقنين المصري قد ألحق بالعيب، حالة خلو المأجور من صفة كفل المؤجر للمستأجر وجودها فيه، كما فعل ذلك في البيع. وسايرته في ذلك التقنينات العربية الأخرى – فيما عدا التقنين الأردني – ولكن المشروع آثر الفصل بينهما أيضًا كما فعل في البيع (انظر المادة 498 من المشروع)، وأفرد لفوات الوصف نصًا خاصًا هو نص المادة (585) فالمؤجر يلتزم بتسليم المأجور بالوصف المتفق عليه في العقد، فإن فات هذا الوصف، كان للمستأجر أن يطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة، وذلك دون إخلال بحقه في التعويض إن كان له مقتض.
2 – التزامات المستأجر:
عرض المشروع في المواد (586 إلى 598) لالتزامات المستأجر الرئيسية، وهي الالتزام بدفع الأجرة، والالتزام باستعمال المأجور بحسب ما أُعد له والالتزام بالمحافظة على المأجور، وأخيرًا الالتزام برده عند انتهاء الإيجار.
( أ ) أما الالتزام بدفع الأجرة فهو الالتزام الرئيسي الذي يواجهه المستأجر منذ البداية. والغالب أن ينص عقد الإيجار على المواعيد التي تدفع فيها الأجرة، كأن ينص على تعجيل الأجرة بأكملها أو على تأجيلها، أو على تقسيطها إلى أقساط تؤدى في أوقات معينة، فيلتزم المستأجر بهذه المواعيد، وإذا لم ينص عقد الإيجار على مواعيد دفع الأجرة اتبع العرف في تعيينها (المادة 586/ 1)، أما مكان دفع الأجرة فهو موطن المستأجر لأنه هو المدين بها، وليس هذا إلا تطبيقًا للقواعد العامة، فإذا وجد اتفاق أو عرف بغيره وجب اتباعه (المادة 586/ 2). وغني عن البيان أنه إذا لم يقم المستأجر بهذا الالتزام، فللمؤجر أن يلزمه القيام به طبقًا للقواعد العامة، وله في ذلك أما أن يطلب تنفيذ الالتزام عينًا، أو أن يفسخ الإيجار، مع طلب التعويض في الحالتين إن كان له محل.
وتنص المادة (587) من المشروع على أن الوفاء بالأجرة عن وحدة زمنية معينة يعتبر قرينة على الوفاء بالأجرة عن المدة السابقة، حتى يقوم الدليل على العكس، لأن المعتاد ألا يقبل المؤجر قبض قسط من الأجرة إلا إذا قبض القسط الذي قبله. وبفضل هذه القرينة لا يضطر المستأجر إلى الاحتفاظ بمخالصات الوفاء بالأجرة طوال المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى، ويكفيه أن يحتفظ بالمخالصة الأخيرة، ولكنها قرينة قابلة لإثبات العكس، ويكون عبء هذا الإثبات على عاتق المؤجر.
هذا ولم يُلزم المشروع مستأجر العقار بأن يضع في العقار المأجور، منقولات تضمن الوفاء بالأجرة عن مدة معينة كما فعل القانون المصري في المادة (588)، وهو مسلك اتبعته غالبية القوانين العربية الأخرى (السوري والعراقي والسوداني والأردني واللبناني والتونسي والمغربي) غير أن المشروع آثر أن يعطي للمؤجر بمقتضي المادة (588) حق حبس المنقولات الموجودة في المأجور ولو لم تكن مملوكة للمستأجر، ما دامت مثقلة بامتياز المؤجر، كما أعطاه الحق في الممانعة في نقلها وفي استردادها إذا نُقلت رغم معارضته أو دون علمه، إلا إذا كان النقل أمرًا اقتضته حرفة المستأجر أو المألوف في شؤون الحياة أو كانت المنقولات التي تركت في المأجور تفي بضمان الأجرة وفاءً تامًا.
(ب) وتنص المادة (589) من المشروع على التزام المستأجر بأن يستعمل المأجور على النحو المتفق عليه، فإذا لم يكن هناك اتفاق التزم باستعماله بحسب ما أُعد له ووفقًا لما يقتضيه العرف، وفي ذلك يتفق المشروع مع الفقه الحنفي وأحكام المجلة (قارن المواد 426 و427 و527 من المجلة).
ويتفرع عن هذا الالتزام، أنه لا يجوز للمستأجر بغير إذن المؤجر أن يُحدث في المأجور تغييرًا ينشأ عنه ضرر للمؤجر (مادة 590 من المشروع) فإن فعل، كان ملزمًا بإعادة المأجور إلى الحالة التي كان عليها وبالتعويض إن كان له مقتض، كما يكون للمؤجر الحق في طلب فسخ الإيجار إن كان سمة مبرر لذلك، وكل هذا تطبيق محض للقواعد العامة. ويتفق نص المشروع مع الفقه الحنفي الذي لا يجيز للمستأجر أن يُحدث في المأجور تغييرًا بغير إذن المؤجر.
على أنه يجوز للمستأجر أن يضع في المأجور أجهزة أو تركيبات تكفل له الانتفاع المقصود، كتركيب أجهزة الهاتف والتبريد والاستقبال الإذاعي، وما إلى ذلك من الوسائل الحديثة التي شاع استعمالها، بشرط مراعاة الأصول السلمية في وضعها وذلك ما لم يكن في وضع هذه الأجهزة أو التركيبات إضرار بالمأجور أو إنقاص من قيمته. فإذا كان تدخل المؤجر لازمًا لإتمام شيء من ذلك، كان للمستأجر أن يقتضي منه هذا التدخل، على أن يتحمل بنفقاته (المادة 591 من المشروع).
 (جـ) وتعرض المواد (592 - 594) لالتزام المستأجر بالمحافظة على المأجور، فتقتضي منه أن يبذل من العناية في استعماله وفي المحافظة عليه ما يبذله الشخص العادي، وتوجب عليه أن يخطر المؤجر بكل أمر يستوجب تدخله، كما تحمله بإجراء الإصلاحات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال المألوف وإذا كانت المجلة لم تورد نصًا صريحًا يقرر هذا الالتزام، إلا أنه يستخلص ضمنًا من بعض نصوصها (قارن المواد 601 - 605) التي تُلزم المستأجر بالضمان إذا تلف المأجور أو طرأ على قيمته نقصان بتقصير منه في أمر المحافظة أو بتعديه، أو مخالفته لمأذونيته، ولكن المجلة لم تحدد قدر العناية المطلوبة من المستأجر في قيامه بهذا الالتزام.
فبالنسبة للعناية الواجبة في المحافظة على المأجور، حدد المشروع في المادة (592) هذه العناية بأنها عناية الشخص العادي، وليس هذا الحكم إلا تطبيقًا محضًا للقواعد العامة التي تقضي بأنه في الالتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه، فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود (قارن المادة 209 من قانون التجارة الحالي) فالمعيار هنا موضوعي، والمطلوب من المستأجر هو عناية الشخص العادي، لا عنايته هو في شؤون نفسه والتزامه هذا هو التزام ببذل عناية، ومن ثم يكون قد وفى بالتزامه متى بذل العناية المطلوبة منه ولو لم يتحقق الغرض المقصود من هذه العناية، وهو سلامة المأجور.
ولا يلتزم المستأجر بعناية الشخص العادي في المحافظة على المأجور فحسب، بل يلتزم بهذه العناية أيضًا في استعماله فيجب عليه أن يستعمل المأجور استعمالاً مألوفًا، فإن استعمله استعمالاً غير مألوف، وترتب على ذلك هلاك المأجور أو تلفه أو أصابته بأي ضرر كان مسؤولاً عن تعويض المؤجر.
كذلك لا تقتصر مسؤولية المستأجر في المحافظة على المأجور وفي استعماله الاستعمال المألوف، على أفعاله الشخصية، بل تمتد أيضًا إلى أعمال تابعيه ويقصد بهم الأشخاص الذين تكون صلتهم بالمستأجر هي التي مكنت لهم من الإضرار بالمأجور، كأهل بيته وخدمه وعماله والمستأجرين من الباطن، فإذا أصاب المأجور تلف أو هلاك، وقع على المستأجر عبء الإثبات، فيكون عليه أن يثبت أنه بذل عناية الشخص العادي، بأن استعمل المأجور استعمالاً مألوفًا، وبأنه اتخذ الاحتياطات المعتادة في المحافظة عليه. فإن أثبت ذلك، يكون قد أثبت أنه نفذ التزامه في المحافظة على المأجور، فلا يكون مسؤولاً عما أصابه من تلف أو هلاك، أما إذا لم يستطع إثبات ذلك، أو أثبت المؤجر أن المستأجر لم يبذل عناية الشخص العادي بل قصر في اتخاذ الاحتياطات المعتادة، فإنه يبقى على المستأجر للتخلص من المسؤولية، أن يثبت أنه بالرغم من عدم بذله عناية الشخص العادي، فإن تلف المأجور أو هلاكه إنما يرجع إلى سبب أجنبي.
وفي سبيل العناية بالمحافظة على المأجور، أوجب المشروع في المادة (593) على المستأجر أن يبادر إلى إخطار المؤجر بكل ما يهدد سلامة المأجور مما لا يستطيع أن يعلمه من تلقاء نفسه كأن يحتاج المأجور إلى إصلاحات مستعجلة أو ينكشف فيه عيب، أو يقع عليه غصب، فإذا لم يقم المستأجر بهذا الواجب وأصيب المؤجر بضرر من جراء ذلك، كان المستأجر مسؤولاً عن تعويضه.
كذلك أوجب المشروع في المادة (594) على المستأجر إجراء الإصلاحات البسيطة - أو التأجيرية - التي يقتضيها استعمال المأجور استعمالاً مألوفًا، فهي تدخل في العناية الواجب بذلها في استعمال المأجور، فإذا كان المأجور منزلاً مثلاً: كان على المستأجر إصلاح النوافذ والأبواب وصنابير المياه والأقفال والمفاتيح والأجراس الكهربائية وغير ذلك من الإصلاحات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال المألوف بالنسبة للمنازل - وإذا كان المأجور سيارة تحمل المستأجر بالإصلاحات البسيطة اللازمة لأبوابها وعجلاتها وأجهزتها الميكانيكية والكهربائية مما يقتضيه الاستعمال المألوف للسيارة. أما الإصلاحات الكبيرة لشيء مما تقدم فهي على المؤجر. ما لم يثبت أنها مترتبة على خطأ المستأجر أو أحد تابعيه.
(د) وتعرض المواد من (595 - 598) لالتزام المستأجر برد المأجور عند انتهاء الإيجار، وهي تقابل المواد (531 و591 - 595 و606) من المجلة، والمادة (23) من قانون إيجار العقارات رقم (35) لسنة 1978، مع ملاحظة ما يأتي:
1 – يضع المشروع في المادة (595) منه على عاتق المستأجر الالتزام برد المأجور وملحقاته عند انتهاء الإيجار، أما في المجلة فإن المستأجر لا يلتزم إلا برفع يده عن المأجور عند انقضاء الإجارة (م 591)، فلا يكون له بعد انقضائها أن يستعمل المأجور، لأن الثابت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية، ولكن المستأجر لا يلزمه رد المأجور وإعادته، بل يلزم الآجر أن يأخذه عند انقضاء الإجارة ولا يلزم المستأجر إلا تسليمه إياه (م 593 و594).
2 – طبقًا للقواعد العامة ولنصوص المشروع (المادة 597) يتحمل المستأجر مصروفات رد المأجور إن وجدت، وكل ذلك ما لم يقضِ الاتفاق أو العرف بغيره. أما في المجلة، فإن مصروفات رد المأجور تكون على المؤجر (م 595)، لأن المستأجر لا ينال منافع المأجور مجانًا فلا يلزمه أن يتحمل مؤونة الرد ومضرته، ففي الإجارة تجب مؤونة الرد على رب المال على عكس العارية، ففيها تجب مؤونة الرد على المستعير، هذا إذا كان الإخراج بإذن رب المال، أما إذا حصل الإخراج بغير إذنه فمؤونة الرد على الذي أخرجه مستعيرًا كان أو مستأجرًا (هندية).
3 – يبين المشروع أن المستأجر إذا أخل بالتزامه بالتسليم يجب عليه تعويض المؤجر عما يلحقه من ضرر وذلك دون إخلال بحق المؤجر في تسلم المأجور (المادة 595) وهو ما يتفق مع أحكام المجلة والفقه الحنفي فالمأجور عندهم يكون أمانة في يد المستأجر فإذا استمر في استعماله بعد انقضاء الإجارة دون إذن المؤجر يكون غاصبًا ويكون ضامنًا لتلف المأجور ولا تلزمه الأجرة، أما قانون إيجار العقارات الحالي، فيلزم المستأجر بأن يدفع عن المدة الزائدة تعويضًا يعادل ضعف الأجرة (م 23/ 1).
4 – يقرر المشروع أن على المستأجر أن يرد المأجور بالحالة التي تسلمه عليه إلا ما يكون قد أصاب المأجور من هلاك أو تلف بغير خطأ يسأل عنه المستأجر، وإذا كان تسليم المأجور قد تم دون بيان لحالته، افترض أن المستأجر قد تسلمه في حالة حسنة حتى يقوم الدليل على العكس (المادة 596 من المشروع) وقارن (المادة 23/ 2 و3 من قانون إيجار العقارات الحالي) أما المجلة فلم يرد فيها نص عن الحالة التي يجب أن يكون عليها المأجور عند تسليمه ومع ذلك فإنه يترتب على اعتبار المأجور أمانة في يد المستأجر أن يلتزم هذا الأخير برده بالحالة التي يكون عليها عند انقضاء الإجارة إلا إذا كان ما لحق المأجور من عيب أو تلف يرجع إلى تقصير المستأجر في حفظه أو تعديه عليه، أو مخالفة مأذونيته بشأنه.
5 – وفيما يتعلق بالزيادات التي يكون المستأجر قد أضافها إلى المأجور أثناء الإجارة، فعند الحنفية إذا أقام المستأجر في المأجور بناءً أو غرس أشجارًا، لزمه عند انقضاء مدة الإيجار أن يهدم البناء أو يقلع الأشجار وأن يسلم المأجور فراغًا من البناء والغرس ونحوهما لعدم نهايتها، فإذا كان في الإزالة ضرر بالمأجور كان للمؤجر إبقاء البناء أو الغرس مقابل دفع قيمته مستحقًا للهدم أو القلع دفعًا للضرر عنه أما إذا لم يكن في ذلك ضرر بالمأجور فلا يكون للمؤجر إبقاء البناء أو الغرس إلا برضاء المستأجر. ولكن المجلة تعطي الخيار للمؤجر في جميع الأحوال، فإن شاء قلع البناء والشجر، وإن شاء أبقاه وأعطي قيمته كثيرة كانت أو قليلة (م 531).
أما التقنينات العربية، فقد اختلفت في ذلك اختلافًا بينًا. فالتقنين الأردني يأخذ بأحكام الفقه الحنفي كاملة (المادة 70/ 1) وقانون إيجار العقارات الكويتي، يخير المستأجر بين ترك التحسينات أو إزالتها على نفقته دون إضرار بالعقار ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بغير ذلك (م 23/ 4) فليس للمؤجر أن يطلب إبقاء ما زاده المستأجر إلا برضائه وليس للمستأجر إذا اختار إبقاء هذه التحسينات، أن يطلب من المؤجر عوضًا عنها.
ولكن غالبية هذه التقنينات تستقي أحكامها من المشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 435)، فتفرق بوجه عام، بين ما إذا كانت هذه الزيادات قد أحدثها المستأجر بإذن المؤجر، أو على الأقل بعلمه، ودون معارضته، أو إحداثها بغير علمه أو رغم معارضته ففي الحالة الأولى، يستبقي المؤجر هذه الزيادات، ويلتزم بأن يرد للمستأجر أدنى القيمتين، ما أنفقه في هذه التحسينات أو ما زاد في قيمة العقار، وفي الحالة الثانية يجوز له أن يطلب إزالتها (إذا أثبت أنها لا تعود عليه بفائدة) وأن يطلب أيضًا تعويضًا عن الضرر الذي يصيب العقار من الإزالة، وله أن يحتفظ بها على أن يرد أدنى القيمتين المتقدمتين، ويجوز أن ينظره القاضي إلى أجل للوفاء بها (قارن المواد 592 مصري، 559 سوري، 591 ليبي، 483 سوداني، 583 لبناني، 553 صومالي، 504 جزائري).
أما التقنين العراقي فقد سلك مسلكًا وسطًا، وميز بين فروض ثلاثة:
الأول: استحداث الزيادات رغم معارضة المؤجر أو دون علمه فيلزم المستأجر بالإزالة إلا إذا كان ذلك يضر بالمأجور فيستبقي المؤجر ما استحدثه المستأجر بقيمته مستحقًا للقلع وفي هذا اتفقت أحكام التقنين العراقي مع أحكام الفقه الحنفي.
الثاني: استحداث الزيادات بعلم المؤجر ودون معارضته، فيرد المؤجر للمستأجر الأقل مما أنفقه أو ما زاد في قيمة المأجور، وهو ما يتفق مع أحكام المشروع الفرنسي الإيطالي والتقنينات العربية التي أخذت عنه.
الثالث: استحداث الزيادات بأمر المؤجر، فيرد المؤجر للمستأجر ما أنفقه بالقدر المعروف، أي بما لا يزيد على المألوف.
وقد آثر المشروع أن يأخذ في ذلك بأحكام الفقه الحنفي مع بعض التعديل فإذا أحدث المستأجر في المأجور بناءً أو غرسًا أو أية تحسينات أخرى تزيد في قيمته، كان له عند انقضاء الإيجار أن يتركها أو أن يزيلها على نفقته إذا لم يكن في ذلك إضرار بالمأجور فإن لم يقم المستأجر بإزالة هذه الزيادات فإن للمؤجر أن يطالبه بإزالتها، كما أن له أن يستبقيها بقيمتها مستحقة الإزالة، دون إخلال بحقه في التعويض عما تسببه الإزالة من ضرر إذا كانت الزيادات قد أضيفت بغير إذن منه وكل ذلك ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره (المادة 598 من المشروع).
ثالثًا: التنازل عن الإيجار والتأجير من الباطن:
لم تعرض المجلة أو الفقه الحنفي للتنازل عن الإيجار، ولكنهم عرضوا للتأجير من الباطن، فأجازوا للمستأجر أن يتصرف في منفعة العين المؤجرة معاوضة عن طريق الإجارة، أو تبرعًا عن طريق الإعارة، إذا كان المأجور مما لا يتفاوت استعماله والانتفاع به باختلاف الناس، حتى ولو شرط المؤجر أن يستعمل المستأجر المأجور بنفسه وأن ليس له إيجاره من غيره. لأن كل ما لم يختلف باختلاف المستعملين فالتقييد فيه لغو لأنه غير مقيد، فلو استأجر أحد دارًا على أن يسكنها كان له أن يسكن غيره فيها (المجلة 428)، لأن السكنى لا تتفاوت فيها الناس. ولكن كل ما اختلف باختلاف المستعملين يُعتبر فيه التقييد، فلو استكرى أحد دابة لركوبه ليس له أن يركبها غيره (المجلة 427) ومن استأجر ثيابًا على أن يلبسها بنفسه، فليس له أن يلبسها غيره.
والإجارة من الباطن تجوز عند الحنفية بمثل الأجرة الأصلية أو بأقل أو بأكثر، فإن كانت الأجرة الثانية من جنس الأجرة الأولى، فإن الزيادة لا تطيب للمستأجر ويتصدق بها إلا إذا كان قد زاد في المأجور زيادة، كما لو حفر في الدار بئرًا أو أصلح أبوابها أو شيئًا من حوائطها، وإن كانت الأجرة من خلاف جنس الأجرة الأولى طابت له الزيادة.
وقد اختلفت التقنينات الأجنبية في شأن التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، فبعضها يجيزه ما لم يوجد شرط مانع (1717 فرنسي و419 مشروع فرنسي إيطالي) وبعضها لا يجيزه إلا بإذن المؤجر (549/ 1 ألماني) وبعض آخر يجيزه بشرط ألا ينتج منه ضرر للمؤجر (264/ 1 التزامات سويسري).
أما التقنينات العربية فتجيز غالبيتها التنازل والإيجار ما لم يقضِ الاتفاق (أو العرف) بغير ذلك (593 مصري، 560 سوري، 775 عراقي، 554 صومالي، 584 لبناني، 772 تونسي، 668 مغربي) وشذ بعض منها فمنع التنازل والإيجار إلا بموافقة المؤجر أو بإذنه (484 سوداني، 505 جزائري، 703 أردني)، وكذلك فعل قانون إيجار العقارات الكويتي الذي علق جواز التنازل والتأجير على إذن كتابي صريح من المؤجر (المادة 14).
ويقرر المشروع للمستأجر حق التنازل عن الإيجار والإيجار من الباطن، ما لم يوجد شرط يمنع من ذلك أو يتبين أن شخصية المستأجر كانت محل اعتبار عند التعاقد (مادة 599).
فإذا وجد الشرط المانع من التنازل فإنه يقتضي المنع من الإيجار من الباطن، وكذلك العكس (مادة 600 من الشروع) وهو حكم يبرره أن المتعاقدين لا يدركان عادةً ما بين التنازل والإيجار من الباطن من الفروق الدقيقة، ومع هذا فليس ثمة ما يمنع من ظهور نية في منع أحد العملين دون الآخر وقاضي الموضوع هو الذي يستظهر هذه النية دون معقب علية في ذلك.
ويعرض المشروع بعد ذلك لحكم التنازل عن الإيجار والإيجار من الباطن، ففي حالة التنازل عن الإيجار، يحل المتنازل له محل المستأجر الأصلي في جميع حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد الإيجار. ويكون للمؤجر أن يطالبه بجميع الالتزامات التي تقع على عاتق المستأجر الأصلي بطريق الدعوى المباشرة كما يكون للمتنازل له أن يطالب المؤجر، وبطريق الدعوى المباشرة أيضًا، بجميع حقوق المستأجر الأصلي، ومع ذلك يبقى المستأجر الأصلي ضامنًا للمتنازل له في تنفيذ التزاماته (مادة 601 من المشروع).
وفي حالة الإيجار من الباطن، تبقى العلاقة ما بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي المبرم بينهما، أما العلاقة بين المستأجر والمستأجر من الباطن، فتسري عليها أحكام عقد الإيجار من الباطن. ومع ذلك يكون المستأجر من الباطن ملزمًا بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتًا في ذمته للمستأجر الأصلي وقت أن ينذره المؤجر، دون أن يكون للمستأجر من الباطن أن يتمسك قِبل المؤجر بما يكون قد عجله من الأجرة للمستأجر الأصلي ما لم يكن ذلك قد تم قبل الإنذار وبسند ثابت التاريخ (مادة 602 من المشروع).
وفي الحالتين - حالة التنازل وحالة التأجير - تبرأ ذمة المستأجر الأصلي قبل المؤجر، فيما يتعلق بضمانه للمتنازل له في حالة التنازل عن الإيجار وفيما يتعلق بما يفرضه عقد الإيجار الأصلي من التزامات في حالة الإيجار من الباطن، إذا صدر من المؤجر قبول صريح أو ضمني بالتنازل عن الإيجار أو بالإيجار من الباطن بعد حصول أيهما، ويعتبر قبولاً ضمنيًا استيفاء المؤجر الأجرة مباشرة من المتنازل له أو من المستأجر من الباطن دون أن يبدي أي تحفظ في شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلي (مادة 603 من المشروع).
رابعًا: انتهاء الإيجار:
تعرض المواد من (604 إلى 606) لانتهاء الإيجار بانقضاء مدته، وللتجديد الضمني للإيجار هي تقابل المادة (19) من قانون إيجار العقارات رقم (35) لسنة 1978 مع ملاحظة ما يأتي:
1 - يميز المشروع بين تجديد الإيجار تجديدًا ضمنيًا وبين امتداد الإيجار فإذا كان الإيجار لمدة محددة وانقضت، انتهى الإيجار بانقضائها دون حاجة إلى تنبيه (مادة 604)، فإن بقي المستأجر مع ذلك منتفعًا بالمأجور دون رضاء المؤجر فإنه يكون مغتصبًا ويجوز الحكم عليه بالرد وبالتعويض، أما إن بقي المستأجر منتفعًا بالمأجور بعلم المؤجر ودون اعتراض منه، فإن هذا يكون تجديدًا للإيجار السابق أي إيجارًا جديدًا بشروط الإيجار الأول ولكن لمدة غير محددة تسري في شأن تحديدها أحكام المادة (567) من المشروع (مادة 605/ 1).
وإذا اشترط في الإيجار أنه لا ينتهي إلا بعد حصول التنبيه في ميعاد معين، فإن الإيجار ينتهي بحصول هذا التنبيه في الميعاد، فإذا لم يصدر هذا الإخطار في الميعاد، امتد الإيجار الأول إلى مدة أخرى ولا يُعتبر ذلك تجديدًا (مادة 604).
هذا ويلاحظ أن انتهاء الإيجار بانقضاء المدة، إنما يكون حيث لا يتعارض مع الأحكام الاستثنائية الواردة في بعض التشريعات والتي تقضي بامتداد الإيجار بحكم القانون بعد انقضاء مدته، ومن ثم يجب تطبيق هذه الأحكام الاستثنائية ما دامت سارية.
2 - وقد كان من مقتضى اعتبار التجديد الضمني إيجارًا جديدًا، ألا تنتقل إليه تأمينات الإيجار السابق من تلقاء نفسها - سواء كانت هذه التأمينات مقدمة من المستأجر أو مقدمة من الغير - بل كان لا بد في انتقالها من اتفاق جديد تطبيقًا للقواعد العامة. ولكن المشروع رأى الخروج على هذه القواعد فنص صراحةً في الفقرة الثانية من المادة (605) على انتقال التأمينات التي قدمها المستأجر ضمانًا للإيجار السابق إلى الإيجار الجديد، مع مراعاة القواعد المتعلقة بشهر الحقوق. ومن ثم فلا يشترط في انتقال الرهن الذي يكون المستأجر قد قدمه في الإيجار السابق ورقة رسمية جديدة، بل ينتقل هذا الرهن بسنده الأصلي إلى الإيجار الجديد، ولكن مع مراعاة قيده قيدًا جديدًا يأخذ مرتبته من وقت هذا القيد حتى لا يضر ذلك بحقوق الغير.
أما التأمينات المقدمة من غير المستأجر فلم يرَ المشروع الخروج فيها على القواعد العامة، ولذا فإنها لا تنتقل إلى الإيجار الجديد إلا برضاء من قدمها، سواء كانت هذه التأمينات شخصية أو عينية ومن ثم فإنه يشترط في انتقال الرهن الذي يكون الكفيل قد قدمه في الإيجار الأول ورقة رسمية جديدة غير ورقة الرهن السابق.
3 - اعتبر المشروع التنبيه بالإخلاء - سواء كان ضروريًا أو غير ضروري - قرينه على أن نية المتعاقد الذي وجه التنبيه لا تنصرف إلى التجديد الضمني، ولكنها قرينة قابلة لإثبات العكس بصريح نص المادة (606/ 1) إذ يجوز أن يكون من صدر عنه التنبيه قد عدل بعد ذلك، وانصرفت نيته في وضوح إلى التجديد الضمني، وقبل المتعاقد الآخر ذلك منه. وفي هذه الحالة ينعقد التجديد الضمني بالرغم من هذا الإخطار ويقع عبء إثبات ذلك على عاتق من يدعيه.
وقد يكون القصد من الإخطار أن المؤجر يقبل تجديد الإيجار على أن ترفع الأجرة إلى مبلغ معين يذكر في الإخطار، أو على أن تعدل بعض شروط العقد بطريقة توضح في الإخطار. فإذا سكت المستأجر وبقي منتفعًا بالمأجور بعد انقضاء مدة الإيجار، فإن سكوته يُعتبر رضاء وقبولاً للتجديد بالشروط الجديدة (مادة 606/ 2).
وتعرض المواد من (607 إلى 609) لأثر بيع المأجور على عقد الإيجار، ويلاحظ أنه في الفقه الحنفي وفي المجلة، لا أثر لبيع المأجور على عقد الإيجار بل إن حق المستأجر يكون عندهم مفضلاً باعتباره حقًا للغير يتعلق بالمبيع، فلو باع الآجر المأجور بدون أذن المستأجر، يكون البيع نافذًا بين البائع والمشتري فقط ولكنه لا يكون نافذًا في حق المستأجر ولا تنفسخ به الإجارة، أي أن البيع يكون موقوفًا على إجازة المستأجر، فإن أجازه نفذ في مواجهته وانقضت الإجارة، وإن لم يجزه ظل موقوفًا إلى حين انقضاء مدة الإجارة، وهو ما أخذ به التقنين الأردني في المادة (691).
أما قانون إيجار العقارات الحالي، فإن مقتضى القاعدة التي أوردتها المادة (16) منه، أنه إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة إلى شخص آخر بأي تصرف قانوني ناقل لها، فإن الإيجار لا ينتهي لكنه يظل قائمًا وتنتقل الحقوق والالتزامات الناشئة عنه إلى المالك الجديد حتى ولو لم يكن للإيجار تاريخ ثابت قبل انتقال الملكية وكل ما يشترط لذلك هو أن يكون المستأجر شاغلاً للعين المؤجرة في تاريخ انتقال الملكية، ولكن الإيجار لا ينفذ في حق المالك الجديد إذا هو أثبت صوريته أو أثبت غشًا يبطله، وهذا الحكم ورد تطبيقًا للقواعد العامة التي طبقها القانون أيضًا في المادة (18) منه، على وفاء المستأجر معجلاً بالأجرة إلى المؤجر ومن مقتضاها أنه لا يجوز للمستأجر أن يتمسك (بما عجله من الأجرة قبل من انتقلت إليه الملكية إذ أثبت هذا أن المستأجر كان يعلم وقت الدفع بانتقال الملكية، أو كان من المفروض حتمًا أن يعلم بذلك، ومتى ثبت العلم الفعلي أو العلم الافتراضي كان دفع الأجرة عن المدة التي تلت العلم غير سارٍ في حق المالك الجديد الذي يحق له استيفاء الأجرة من المستأجر، ولهذا أن يرجع على المؤجر بما دفعه له طبقًا لقواعد الإثراء بلا سبب، أما إذا عجز المالك الجديد عن الإثبات فإن دفع الأجرة للمؤجر يكون قد تم صحيحًا ويستطيع المالك الجديد أن يرجع على المؤجر بما استوفاه من الأجرة عن المدة التالية للتصرف الناقل للملكية (المذكرة الإيضاحية للقانون).
ويلاحظ فيما يتعلق بنصوص المشروع ما يأتي:
1 - أن الإيجار لا يكون نافذًا في حق من انتقلت إليه ملكية المأجور ما لم يثبت أنه كان يعلم به أو كان له تاريخ ثابت سابق على السبب الذي ترتب عليه انتقال الملكية (مادة 607) ومع ذلك يجوز لمن انتقلت إليه الملكية أن يتمسك بعقد الإيجار حتى لو كان غير نافذ في حقه على هذا الوجه. فقد يكون له مصلحة في ذلك كأن يرى أن الإيجار بشروطه التي يتضمنها صفقة رابحة وأنه لن يجد مستأجرًا بشروط أفضل. وقد تكون المدة الباقية لانتهاء الإيجار أقل من مدة الإخطار الذي يتعين توجيهه للمستأجر حتى يرد المأجور.
2 - أنه يستوي أن يكون المأجور الذي انتقلت ملكيته عقارًا أو منقولاً.
3 - أنه لا عبرة بالسبب الذي تنتقل به ملكية المأجور، فيستوي أن تنتقل الملكية جبرًا، كما يقع في نزع ملكية العقار وفي التنفيذ بالحجز على المنقول، أو اختيارًا بأي تصرف مثل البيع أو المقايضة أو الهبة أو بأي سبب أخر كالشفعة، ولكن يشترط أن يكون من انتقلت إليه الملكية خلفًا خاصًا للمؤجر.
 4 - حدد المشروع العلاقة ما بين المستأجر وبين كل من متلقي الملكية والمؤجر الأصلي سواء في حالة عدم نفاذ الإيجار في حق متلقي الملكية أو في حالة نفاذه في حقه: ففي الحالة الأولى، لا يجوز لمتلقي الملكية بالرغم من عدم نفاذ الإيجار في حقه أن يجبر المستأجر على رد المأجور دون إخطاره في الميعاد المبين بالمادة (567) أما المؤجر فإنه يلتزم بتعويض المستأجر عن حرمانه من الانتفاع بالمأجور فيما بقي من مدة الإيجار. ويكون للمستأجر أن يحبس المأجور ولا يرده حتى يستوفي هذا التعويض أو يحصل على تأمين كافٍ للوفاء به (مادة 608) سواء من المؤجر أو ممن انتقلت إليه الملكية ويكون لهذا الأخير أن يرجع على المؤجر بما دفعه للمستأجر وفقًا لقواعد الإثراء بلا سبب، أما في حالة بقاء الإيجار قائمًا سواء لنفاذه في حق الخلف أو لتمسك الخلف به رغم عدم نفاذه، فإن من انتقلت إليه الملكية يحل محل المؤجر في جميع ما يرتبه عقد الإيجار من حقوق والتزامات  (مادة 609/ 1) ويلتزم المستأجر بسداد الأجرة إليه من وقت علمه بانتقال الملكية إليه، ويقع عبء إثبات العلم على الخلف الخاص فإذا أثبت أن المستأجر كان يعلم وقت الدفع بانتقال الملكية، أو كان من الفروض حتمًا أن يعلم ذلك، كان دفع الأجرة عن المدة التي تلت هذا العلم غير سارٍ في حقه (المادة 609/ 2)، وله أن يستوفي الأجرة مرة ثانية من المستأجر، ولهذا أن يرجع على المؤجر بما دفعه له طبقًا لقواعد الإثراء بلا سبب، أما إذا عجز متلقي الملكية عن الإثبات المتقدم، فإن دفع المستأجر الأجرة للمؤجر يكون صحيحًا ساريًا في حق متلقي الملكية، ولهذا أن يرجع على المؤجر بما استوفاه من المستأجر من وقت التصرف الناقل للملكية.
وغني عن البيان أن الأحكام المتقدمة تسري على ما عجله المستأجر دون غش أو تواطؤ مع المؤجر، من الأجرة عن مدة لاحقة، حتى لو كانت هذه المدة تالية للوقت الذي علم فيه بانتقال الملكية، ما دام تعجيل الأجرة كان سابقًا على هذا العلم.
وأخيرًا يعرض المشروع في المواد من (610 إلى 615) لانتهاء الإيجار بالعذر، وهو مبدأ مأخوذ عن الفقه الإسلامي. فقد أجاز الحنفية فسخ الإجارة بالعذر إذا استلزمت ضررًا ليس من مقتضى عقد الإجارة، إذ لا يجوز تحميل أحد العاقدين ضررًا لا يقتضيه العقد. فإذا كان باستيفاء المعقود عليه ضرر بالنفس أو المال، تنفسخ الإجارة، لأنه لما كانت المنافع - وهي المعقود عليه - غير مقبوضة (فصار العذر في الإجارة كالعيب قبل القبض في البيع، تنفسخ به، إذ المعنى يجمعها وهو عجز العاقد عن المضي في موجبه ألا يتحمل ضررًا زائدًا لم يستحق به). وإذا كان العذر ظاهرًا فسخت الإجارة بلا حكم حاكم، وإن كان غير ظاهر فلا تنفسخ إلا بحكم الحاكم أو برضاء الطرفين. وهذا الفقه قننته المجلة بالنص في المادة (443) منها على أنه (لو حدث عذر مانع لإجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة) ومن أمثلة العذر الطارئ في الفقه الإسلامي أن يلحق المؤجر دين فادح لا يجد قضاءه إلا من ثمن العين المؤجرة فيكون هذا الدين عذرًا له يجيز فسخ الإجارة لأن في بقائها ضررًا يصيبه في نفسه وهو الحبس في دينه، أو أن يفلس المستأجر، فإذا استأجر شخص من آخر حانوتًا ليتجر فيه ثم أفلس، فإن له أن يفسخ الإجارة. وأما إذا كسدت سوق الحانوت فليس له أن يفسخ بذلك. ومن أمثلته أيضًا أن يغير المستأجر من حرفته أو ينتقل من التجارة إلى الزراعة أو أن يصاب مستأجر الأرض الزراعية بمرض يقعده عن زراعتها أو أن يترك الزراعة أصلاً، أو أن ينتقل المستأجر إلى بلدة أخرى والحاصل أن كل عذر لا يمكن معه استبقاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله يثبت له حق الفسخ). أما ابتغاء الربح فليس عذرًا يجيز فسخ الإجارة فلا يُعتبر العثور على حانوت أجرته أقل أو مساحته أوسع عذرًا للمستأجر يجيز له فسخ الإجارة، كما لا يُعتبر عذرًا للمؤجر أن يجد مستأجرًا بأجرة أعلى، كذلك لا يُعتبر انهدام الدار التي يسكنها المؤجر عذرًا يجيز له فسخ الإجارة ليسكن بدل المستأجر ولو كان لا يملك دارًا أخرى، لأنه لا ضرر عليه فوق ما التزمه بالعقد.
وقد أخذ التقنين المصري هذا المبدأ عن الفقه الإسلامي، فأجاز لكل من المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد - إذا كان محدد المدة - قبل انقضاء مدته، إذا جدت ظروف خطيرة غير متوقعة من شأنها أن تجعل تنفيذ الإيجار مرهقًا سواء تحقق الإرهاق من مبدأ تنفيذ العقد أو أثناء تنفيذه، على أن يراعي من يطلب إنهاء العقد مواعيد التنبيه بالإخلاء، وأن يعوض الطرف الأخر تعويضًا عادلاً تراعى فيه الظروف، فإذا كان المؤجر هو الذي يطلب الإنهاء فلا يجبر المستأجر على رد المأجور حتى يستوفي التعويض أو حتى يحصل على تأمين كافٍ (المادة 608 ومذكراتها الإيضاحية)، ونحت كثير من التقنيات العربية منحى التقنين المصري في الأخذ بهذا المبدأ (المواد 575 سوري و792 عراقي و607 ليبي و496 سوداني و710 أردني) ورأى المشروع بدوره أن يأخذ به، فأجاز في المادة (610) للمستأجر وللمؤجر على السواء إنهاء العقد قبل انقضاء مدته للعذر الطارئ، سواء كان المأجور عقارًا أو منقولاً، مع مراعاة ما يأتي:
1 - لم يشترط المشروع - كما اشترطت غالبية التقنينات الأخرى التي أخذت بهذا لمبدأ - أن يكون الإيجار محدد المدة، وذلك حتى لا يكون الطرف المرهق في الإيجار محدد المدة في حالة أفضل منه في الإيجار غير محدد المدة، وهو ما فعله التقنين الأردني أيضًا.
2 - لم يشترط المشروع، في الظروف التي تجد لأحد المتعاقدين بعد إبرام الإيجار، سوى أن تكون ظروفًا غير متوقعة، تجعل استمرار الإيجار مرهقًا له، ومن ثم يعتد بالعذر الطارئ حتى لو كان عذرًا شخصيًا مقصورًا على طرف العقد دون غيره من الناس ولا يشترط أن تكون هذه الظروف عامة، فيكفي أن يجعل العذر الطارئ تنفيذ الإيجار مرهقًا لا مستحيلاً. والإرهاق الذي يقع فيه أحد الطرفين معناه أن تقع به خسارة فادحة لو أنه استمر في تنفيذ الإيجار إلى نهاية مدته. ولكنه يجب أن تكون هذه الظروف غير متوقعة ولا يستطاع دفعها، فإن كانت متوقعة أو كان يمكن توقعها أو في الاستطاعة دفعها فلا يعتد بها كعذر طارئ، كل ذلك متروك تقديره لقاضي الموضوع بعد الموازنة بين مصالح طرفي العقد.
ولم يقتصر المشروع على تقرير المبدأ القاضي بانتهاء الإيجار بالعذر الطارئ على النحو السابق، بل عمد إلى إيراد تطبيقات تشريعية مختلفة لهذا المبدأ، فعرض في المواد التالية لجواز إنهاء الإيجار بسبب موت المستأجر وبسبب تغييره لمحل إقامته، أما إفلاس المستأجر فقد ترك المشروع حكمه لنصوص قانون التجارة.
موت المستأجر – والإجارة عند الأئمة الثلاثة لا تنفسخ بوفاة أحد المتعاقدين، كما لا تنفسخ بوفاتهما، لأنها عقد كالبيع لا ينفسخ بعد الانعقاد فيما لو توفي البائع أو المشتري أو الاثنان معًا، وعليه فإذا توفي المؤجر قام ورثته مقامه في أخذ الأجرة، كما يقوم ورثة المستأجر مقامه في استيفاء المنعة من المأجور.
أما عند الحنفية، فإن موت أحد المتعاقدين يوجب فسخ عقد الإجارة بشرط أن يكون عقد الإجارة لنفسه لا لغيره، ولم يرد في المجلة نص في هذا الشأن فكان يجب الحكم فيه طبقًا للمذهب الحنفي، ولكن قانون إيجار العقارات الحالي أورد نصًا (المادة 22) يقضي بأن الإيجار لا ينتهي بموت المؤجر ولا بموت المستأجر، وإن جاز في حالة وفاة المستأجر لورثته أن يطلبوا إنهاء العقد دون أن يشترط لذلك أي شرط.
وقد نص المشروع في المادة (611) على أن الإيجار لا ينتهي بموت المؤجر ولا بموت المستأجر، ولكنه في حالة موت المستأجر أجاز لورثته أن يطلبوا إنهاء العقد إذا أثبتوا أنه بسبب موت مورثهم أصبحت أعباء العقد أثقل من أن تتحملها مواردهم، أو أصبح الإيجار مجاوزًا حدود حاجتهم.
كما أجاز المشروع في المادة (612) لورثة المستأجر – وللمؤجر أيضًا – أن يطلبوا إنهاء العقد إذا لم يكن الإيجار معقودًا إلا بسبب حرفة المستأجر أو لاعتبارات أخرى تتعلق بشخصه، كما في المزارعة.
تغيير المستأجر محل إقامته:
وتغيير محل الإقامة من الأعذار التي تسوغ إنهاء الإيجار في الفقه الحنفي. ولكن المشروع يشترط لذلك أن يكون النقل قد اقتضاه عمل المستأجر حتى يكون عذرًا طارئًا، (مادة 613) وغني عن البيان أن هذا النص ليس من النظام العام، فيجوز الاتفاق على خلافه، وفي جميع الحالات التي يجوز فيها إنهاء الإيجار بالعذر الطارئ أوجب المشروع على من يطلب الإنهاء – أن يراعي ميعاد التنبيه المنصوص عليه في المادة (567) (مادة 614 من المشروع).
ومن ناحية أخرى، احتاط المشروع في حالة معينة لم يعتد فيها بالعذر، وهى حالة عدم تمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور انتفاعًا كاملاً، إذا كان ذلك راجعًا إلى خطئه أو إلى سبب يتعلق بشخصه، ففي هذه الحالة يبقى ملزمًا بالإيجار وبما يفرضه عليه العقد من التزامات، ما دام المؤجر قد وضع المأجور تحت تصرفه في حالة صالحه لاستيفاء المنفعة المقصودة. وهو ما يتفق مع أحكام الفقه الحنفي من أن الأجر يكون واجبًا بتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة وإن لم يستوفها فعلاً، غير أنه يجب على المؤجر في هذه الحالة، أن يخصم من الأجرة قيمة ما اقتصده من نفقات بسبب عدم انتفاع المستأجر بالمأجور، وكذلك قيمة ما حققه من نفع إذا استعمل المأجور في أغراض أخرى (مادة 615 من المشروع).

الفرع الثاني – بعض أنواع الإيجار:
تهتم الدولة اهتمامًا بالغًا بزيادة الإنتاج الزراعي، وتحسينه، وحمايته من الآفات، وفي هذا السبيل لم تأل جهدًا في عمل الدراسات وتنفيذ المشروعات التي تحقق هذه الأغراض، كما انضمت إلى كثير من الاتفاقيات المتعلقة بالتنمية والاستثمار الزراعي، حتى أخذت المساحات المزروعة في الكويت تزداد عامًا بعد عام رغم ما يعترض هذه الزيادة من صعوبات.
وفي إطار هذه التوقعات، حرص المشروع على تنظيم طريقتين لاستغلال الأراضي الزراعية: الأولى: هي طريقة الإيجار العادي وتسري في شأنها في الأصل الأحكام العامة في عقد الإيجار، ولكن المشروع خصها ببعض الأحكام التي تتلاءم مع طبيعتها، والثانية: هي طريقة المزارعة، ولها خصائصها التي تتميز بها عن الإيجار العادي، وقد عني المشروع بإيراد النصوص التي تتضمن هذه الخصائص.
كذلك فإن للوقف نظامًا خاصًا روعيت فيه مصلحته، مما يبرر إفراد إيجاره بأحكام خاصة تكفل رعاية هذه المصلحة، ولا شك في أن أحكام الفقه الإسلامي هي الخليقة وحدها بأن تكون مرجعًا لتقنين هذه الأحكام لصدورها عن إدراك دقيق لحاجات الوقف وما ينبغي له من حماية.
لكل هذا رأى المشروع أن يختص هذه الأنواع من الإيجار بنصوص خاصة، لما لها من أهمية تبرر مثل هذا الإفراد.
أولاً: إيجار الأراضي الزراعية:
لم تفرد المجلة بابًا خاصًا لإيجار الأراضي الزراعية، وإنما اقتصرت على إيراد بعض نصوص متفرقة تتعلق بالصحة والفساد، وحكم انتهاء الإجارة قبل إدراك الزرع، ولكن الفقه الإسلامي عامة – والفقه الحنفي بوجه خاص – عرض بكثير من التفصيل لأحكام إيجار الأراضي الزراعية ضمن مباحث الإيجار.
وعندهم أن استئجار الأرض للزرع يكون صحيحًا إذا بين المستأجر ما يزرع أو لم يبين، وقال على أن يزرع فيها ما شاء، لأن ما يزرع في الأرض يتفاوت فلا بد من بيانه كيلا يفضي إلى المنازعة، فلو لم يبين ما يزرع فيها أو لم يقل على أن يزرع فيها ما يشاء فسدت الإجارة للجهالة، ولو زرعها بعد ذلك لا تعود صحيحة في القياس، وفي الاستحسان يجب المسمى وينقلب العقد صحيحًا (قارن المادتين 454 و524 من المجلة) ولا تصح إجارة الأرض المشغولة بالزراعة إلا إذا كانت تلك الزراعة بغير حق، حتى يصح قلعها وتسليم الأرض للمستأجر، أما إذا كانت بحق كأن كانت الأرض مستأجرة لشخص فزرعها ولم يحصد زرعها فإنه لا يصح إجارتها لآخر، ولكن يجوز تأجير الأرض المشغولة بالزرع إذا أدرك الزرع لأن صاحبه يؤمر بحصاده وتسليم الأرض، وكذلك يصح تأجيرها وهي مشغولة، إذا كان العقد مؤجلاً إلى زمن يدرك فيه الزرع أوان حصاده، وللمستأجر الشرب والطريق بغير نص، فله الانتفاع بالمساقي الموجودة في الأرض وسقيها منها وله الانتفاع بالطريق الموصلة إليها المملوكة للمؤجر وإن لم ينص عليها في العقد، وإذا استأجرها مدة تسع أن يزرعها مرتين، فإن له أن يزرعها مرتين وفي القنية استأجر أرضًا سنة على أن يزرع فيها ما شاء، فله أن يزرع زرعين ربيعًا وخريفًا.
وبمراعاة هذه الأحكام أورد المشروع في المواد من (616 إلى 625) بعض الأحكام الخاصة بإيجار الأراضي الزراعية تتعلق بالأدوات الزراعية التي توجد في الأرض، وبالسنة الزراعية، وبكيفية استغلال المستأجر للأرض والإصلاحات التي يقوم بها، ويتعذر انتفاع المستأجر بالأرض إما لتعذر تهيئتها للزراعة أو لهلاك الزرع وبحق المستأجر عند انتهاء الإيجار أن يبقى في الأرض حتى تنضج الغلة، وبواجبه في أن يسمح لخلفه بتهيئة الأرض وبذرها.
وقد بدأ المشروع بالنص في المادة (616) منه على سريان أحكام الإيجار على إيجار الأراضي الزراعية مع مراعاة أحكام المواد التالية، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يخالفها، فالأصل هو أن تسري في شأن إيجار الأراضي الزراعية، الأحكام العامة في عقد الإيجار، ولكن المشروع خص إيجار هذه الأراضي ببعض الأحكام التي تتلاءم مع طبيعتها، ما لم يوجد اتفاق يخالف حكمًا منها، وإلى جانب هذه الأحكام يجب اتباع العرف الزراعي أيضًا، لأن له هنا أهمية خاصة، فهو كثيرًا ما يكمل الأحكام التي ينص عليها القانون بل كثيرًا ما ينسخها ويحل محلها إذا لم تكن من النصوص الآمرة.
وتعرض المادتان (617 و618) من المشروع لخصائص إيجار الأراضي الزراعية، فهذا الإيجار، وإن كان يشمل الشرب والطريق بغير نص - كما هو في الفقه الإسلامي، غير أنه لا يشمل الأدوات الموجودة في الأراضي، إلا إذا اتفق على ذلك، فإذا تناولها الإيجار التزم المستأجر أن يرعاها ويتعهدها بالصيانة بحسب المألوف في استعمالها (مادة 623).
أما مدة الإيجار، فتحسب بالسنين الزراعية، فإذا ذكر في العقد أن الإيجار قد عقد لسنة أو لعدة سنوات، كان المقصود من ذلك أنه عقد لدورة زراعية سنوية أو لعدة دورات (مادة 618)، ويتبع في ذلك العرف الزراعي، ولكن المهم أن تكون السنة الزراعية دورة زراعية كاملة وهي المدة التي تستغرقها الزراعة الشتوية والزراعة الصيفية، فإذا لم تحدد المدة، اعتُبر الإيجار منعقدًا للمدة الكافية لحصد محصول السنة، أي لسنة زراعية كاملة، مع مراعاة وجوب الإخطار في الميعاد المقرر لإنهاء الإيجار.
ويعرض المشروع في المادتين (619 و620) لتطبيق التزامات المستأجر والمؤجر فيما هو من خصائص الأرض الزراعية:
فالمستأجر - طبقًا للأحكام العامة في الإيجار - يلتزم بأن يستعمل المأجور على النحو المتفق عليه، فإن لم يكن هناك اتفاق، التزم بأن يستعمله بحسب ما أُعد له ووفقًا لما يقتضيه العرف (مادة 589 من المشروع)، كما لا يجوز له بدون إذن المؤجر أن يحدث في المأجور تغييرًا يضر به (مادة 590) فإذا كان المأجور أرضًا زراعية، واشترط عليه المؤجر نظامًا خاصًا في زراعة الأرض يكون المستأجر ملتزمًا باتباع هذا النظام أما إذا كان الاستعمال غير مبين في العقد، فإنه يلتزم طبقًا للمادة (619/ 1) بأن يستغل الأرض المؤجرة وفقًا لمقتضيات الاستغلال المألوف بحسب طبيعتها وما يجري عليه العرف الزراعي.
كذلك لا يجوز له أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلال الأرض، تغييرًا يبقى إلى ما بعد انتهاء الإيجار (مادة 619/ 2)، كأن يحولها وهي تستغل لزراعات الخضراوات إلى زراعة محصولات أخرى، فإذا أخل المستأجر بالتزامه، جاز للمؤجر طبقًا للقواعد العامة، أن يطالبه بالتنفيذ عينًا أو يطلب الفسخ، مع طلب التعويض في الحالين إن كان له مقتض.
وطبقًا للأحكام العامة في الإيجار كذلك، يلتزم المؤجر بتعهد المأجور بالصيانة ليبقى في حالة يصلح معها للانتفاع المقصود، فيقوم بالإصلاحات الضرورية لذلك (المادة 572)، أما الإصلاحات البسيطة التي يقتضيها استعمال المأجور استعمالاً مألوفًا فتكون على عاتق المستأجر (المادة 594) والإصلاحات التي يجوز أن تتطلبها الأراضي الزراعية هي بدورها، إما أن تكون إصلاحات بسيطة - أو تأجيرية - وهذه على المستأجر، وإما أن تكون إصلاحات كبيرة - أو غير تأجيرية - وهذه على المؤجر، وقد تكلفت المادة (620) من المشروع ببيان كل من النوعين: فالمستأجر يلتزم بالإصلاحات التي يقتضيها الانتفاع المألوف بالأرض المؤجرة، ومن ذلك أعمال الصيانة المعتادة للآبار ومجاري المياه والمباني المعدة لسكن العمال أو للاستغلال كزرابي المواشي والمخازن، وعمومًا كل ما يقتضيه الانتفاع المألوف كجز الحشائش ونزع الأعشاب الضارة، والترميمات البسيطة التي يقتضيها استعمال الأدوات الزراعية ...
أما الإصلاحات غير التأجيرية - أو الكبيرة - التي يتوقف عليها استيفاء المنفعة المقصودة، فيلتزم بها المؤجر، وكل هذا ما لم يقضِ الاتفاق أو العرف بغيره.
وتعرض المواد من (621 إلى 623) لحرمان المستأجر من الانتفاع بالأرض الزراعية لقوة قاهرة، إما لأنه لم يتمكن من تهيئة الأرض للزراعة أو لأن المحصول قد هلك قبل حصاده، كما تعرض لهلاك المحصول بعد ذلك:
وفي الفقه الإسلامي، يفرقون بوجه عام بين عدم تمكن المستأجر من زرع الأرض، وبين تلف الزرع بجائحة أو آفة، ففي الحالة الأولى لا يلزمه الأجر لأنه لم يتمكن من زرعها، أما في الحالة الثانية، فعند الحنفية أنه إذا أصاب الزرع آفة فهلك أو غرق وجب أجر ما قبل الإصابة وسقط ما بعدها، لكن هذا إذا بقي بعد هلاك الزرع مدة لا يتمكن من إعادة الزراعة، فإن يتمكن من إعادة المثل الأول أو دونه في الضرر يجب الأجر، وعند المالكية تلزم الأجرة بتمكن المستأجر من زرع الأرض ولو تلف الزرع بجائحة غير ناشئة من الأرض كتلفه بجراد أو جليد أو صقيع، لأنه لا دخل للأرض في تلفه فيستحق ربها أجرتها ولا تلزم الأجرة فيما إذا تلف الزرع بجائحة ناشئة من الأرض كتلفه بدودها أو فأرها أو عطشها لعدم نزول المطر عليها أو عدم وصول الماء لها أو نحو ذلك من آفات الأرض لأن تلفه راجع إلى الأرض فلا أجرة لها.
وقد أخذ المشروع بهذه التفرقة مع بعض التعديل، فإذا استحال على المستأجر تهيئة الأرض للزراعة أو بذرها، أو هلك البذر كله أو أكثره، وكان ذلك بسبب أجنبي لا يد له فيه، سقطت الأجرة عنه كلها أو بعضها بحسب الأحوال ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك (مادة 621/ 1 من المشروع).
أما إذا تمكن المستأجر من تهيئة الأرض للزراعة ومن بذرها، ثم هلك الزرع كله قبل حصاده، بسبب أجنبي لا يد للمستأجر فيه، فإنه يجوز له أن يطلب إسقاط الأجرة كلها (مادة 621/ 2)، وإذا هلك بعض الزرع وترتب على هلاكه نقص كبير في ريع الأرض – ويترك تقدير ذلك لقاضي الموضوع – فإنه يكون للمستأجر أن يطلب إنقاص الأجرة بما يتناسب مع ما نقص من ريع الأرض (621/ 3).
وفي جميع الحالات لا يكون للمستأجر أن يطلب إسقاط الأجرة أو إنقاصها، إلا في حدود ما أصابه من ضرر (مادة 622) فإذا كان ما عاد عليه من ربح في مدة الإجارة كلها يعوضه عما أصابه من ضرر، أو إذا كان قد عوض عن ذلك من أي طريق آخر كالحصول على تعويض من الحكومة، فإنه لا يكون له أن يطلب إسقاط الأجرة أو إنقاصها.
وغني عن البيان، أن هلاك المحصول كله أو بعضه بعد حصاده – أي بعد استيفاء المستأجر لمنفعة الأرض – لا يسقط شيئًا من الأجرة في مقابل ما يهلك من المحصول، بل يتحمل المستأجر تبعة الهلاك، لأن المحصول هلك على ملكه بعد أن استوفى منفعة الأرض بالكامل، وكل ذلك ما لم يكن متفقًا على أن يكون للمؤجر جزء معلوم من المحصول، إذ يتحمل المؤجر عندئذٍ نصيبه فيما هلك، على ألا يكون الهلاك قد وقع بخطأ المستأجر أو بعد إعذاره بالتسليم (مادة 623).
ويعرض المشروع في المادة (624) لحالة انقضاء مدة الإيجار قبل أن يدرك الزرع أوان حصاده. وفي ذلك تنص المجلة في المادة (526) على أنه (لو انقضت مدة الإجارة قبل إدراك الزرع فللمستأجر أن يُبقي الزرع في الأرض إلى إدراكه ويعطي أجر المثل). وقد أخذ المشروع بهذا الحكم مع اشتراط أن يكون عدم إدراك الزرع راجعًا إلى سبب لا يد للمستأجر فيه. فإذا كان ذلك راجعًا إلى خطأ المستأجر، كأن يكون قد تأخر في الزرع كان هو المسؤول عن ذلك، أما إذا كان عدم إدراك الزرع لا يرجع إلى خطأ المستأجر، فإن الإيجار يمتد بحكم القانون ولكن للمدة اللازمة لإدراك الزرع أو أن حصاده، ويدفع المستأجر للمؤجر أجر المثل عن المدة التي بقي فيها الزرع بالأرض.
وطبقًا للمادة (625) من المشروع يلتزم المستأجر بتمكين المستأجر اللاحق له من تهيئة الأرض للزراعة ومن بذرها، وذلك حتى لو كانت مدة الإيجار السابق لم تنقضِ، بل حتى لو كان المستأجر السابق لم ينتهي من جني محصوله، فيترك المستأجر اللاحق يدخل في الأرض ليهيئها للزراعة ويبذرها، ما دام لا يعود عليه ضرر من ذلك وهو حكم يمليه التعاون الواجب بين المستأجر السابق للأراضي الزراعية والمستأجر اللاحق له.
ثانيًا: المزارعة:
المزارعة عقد على الشركة في الزرع، ولذلك عرضت المجلة لها في أحد أبواب كتاب الشركات (الباب الثامن من الكتاب العاشر).
وقد عرفها المشروع - وفقًا لتعريف الحنفية لها، بأنها عقد على زرع الأرض ببعض ما يخرج منها (مادة 626)، ثم أورد بعد ذلك الأحكام الخاصة بها مأخوذة بحسب الأصل من الفقه الحنفي وخصوصًا ما تعلق منها بمصروفات الزراعة وتوزيع الغلة بين المزارع وصاحب الأرض، فالأحكام التي تنظم المزارعة هي في الأصل أحكام الإيجار مع مراعاة الأحكام الخاصة التي وضعها المشروع في شأنها، إلا إذا وُجد اتفاق أو عرف يخالف هذه الأحكام، (مادة 627 من المشروع)، والأحكام الخاصة التي أوردها المشروع هي كالآتي: 
1 - إذا لم تُحدد للمزارعة مدة، تكون مدتها هي تلك اللازمة لجمع المحصول المتفق عليه (مادة 628).
2 - تختص المزارعة - خلافًا لإيجار الأراضي الزراعية - بأنها تشمل الآلات والأدوات الزراعية التي توجد في الأرض وقت التعاقد، إذا كانت مملوكة لصاحب الأرض، فهي تدخل دون اتفاق ولا تخرج إلا باتفاق على خروجها، ويرجع ذلك إلى أن المزارعة شركة بين صاحب الأرض والمزارع وصاحب الأرض يكون شريكًا بالأرض وما عليها من آلات وأدوات (مادة 629).
3 - العناية المطلوبة من المزارع في زراعة الأرض هي العناية التي يبذلها الشخص العادي (مادة 630).
4 - ليس للمزارع أن يحل غيره في المزارعة أو يشركه فيها إلا برضاء صاحب الأرض (مادة 631)، وذلك على أساس أن شخصية المزارع ملحوظة في هذا العقد.
5 - أما مصروفات الزراعة، فإن الأصل فيها، طبقًا للفقه الحنفي، أن ما كان منها قبل القسمة يكون على الاشتراك بين المزارع وصاحب الأرض، وما كان منها بعد القسمة يكون على كل واحد في نصيبه خاصة لتميز ملك كل واحد منهما عن ملك الآخر. فإذا كانت الأرض والبقر (الماشية) لأحدهما والبذر والعمل للآخر بطلت المزارعة لأن رب البذر يصير مستأجرًا بالبذر وأنه لا يجوز لكون الانتفاع بالاستهلاك، أو يصير مستأجرًا للبقر مع الأرض ببعض الخارج وأنه لا يجوز لعدم التعامل وهو ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه يجوز لما فيه من العادة، وكذلك قال بعض شيوخ المالكية الأندلسيين، أنه لا يشترط في صحة المزارعة سلامتها من كراء الأرض بما يخرج منها.
وفي ضوء ذلك قسم المشروع في المادة (632) نفقات الزراعة، على أساس أن ما يخدم المحصول يتحمله المزارع، وأن ما يخدم الأرض ذاتها يكون على صاحب الأرض، ويتحمل الطرفان - كل بنسبة حصته في الغلة - نفقات البذر والتسميد وثمن المبيدات ومصروفات الحصاد وما يتلوه حتى القسمة لأنه في صالحهما معًا، وهو ما أخذ به أيضًا التقنين الأردني في المادة (730) منه.
6 - وتوزع الغلة بين الطرفين على أساس وجود الشركة بالنسبة المتفق عليها أو بالنسبة التي يعينها العرف، فإذا لم يوجد اتفاق ولا عرف كان لكل منهما نصف الغلة (مادة 633/ 1)، وحصة كل من الطرفين يجب أن تكون جزءًا شائعًا من الحاصلات، وهذا شرط من شروط صحة المزارعة في الفقه الحنفي، فلا يجوز الاتفاق على أن تكون حصة أحد الطرفين مقدارًا محددًا من المحصول، أو محصول جزء معين من الأرض (مادة 633/ 2)، لاحتمال ألا يخرج إلا هذا المقدار المحدد، أو ألا يخرج إلا من هذه الأرض المعينة فيؤدي ذلك إلى قطع الشركة، وبناءً على ذلك، فإنه إذا هلكت الغلة كلها أو بعضها بسبب أجنبي لا يد لأحد الطرفين فيه، هلكت عليهما معًا ولا يرجع أحد منهما على الآخر (مادة 634).
7 - وتعرض النصوص الباقية (635 - 638) لانتهاء عقد المزارعة، على أساس أن شخصية المزارع ملحوظة في هذا العقد، فهي تنتهي بانقضاء مدتها، وبعجز المزارع عن زراعة الأرض، كما تنتهي بموته، ولكنها لا تنتهي بموت صاحب الأرض.
فإذا انتهت المزارعة بانقضاء مدتها، قبل أن يدرك الزرع أوان حصاده، يبقى الزرع حتى يتم إدراكه (مادة 635).
وإذا عجز المزارع عن زراعة الأرض لمرضه أو لأي سبب آخر يقعده عن زراعتها، فلا يحل محله إلا أحد من أفراد أسرته، إذا كان ذلك مستطاعًا بحيث يتحقق استغلال الأرض استغلالاً مرضيًا. فإن لم يكن ذلك مستطاعًا، جاز لكل من الطرفين فسخ العقد (مادة 636).
أما إذا مات المزارع، فإن الأصل أن المزارعة تنتهي بموته (مادة 637) إلا إذا رغب الورثة في الحلول محله كما سيجيئ.
وفي جميع الأحوال التي تنتهي فيها المزارعة قبل انقضاء مدتها يجب على صاحب الأرض أن يرد للمزارع أو لورثته ما أنفقه المزارع على الزرع الذي لم يدرك مع تعويض يعادل أجر المثل عن عمله، على ألا يجاوز جميع ذلك قيمة حصة المزارع من المحصول، ومع ذلك إذا انتهت المزارعة بموت المزارع، فإنه يكون لورثته الخيار بين تقاضي ما تقدم ذكره، أو الحلول محل مورثهم في العمل حتى يدرك الزرع ما داموا يستطيعون القيام بذلك على الوجه المرضي (مادة 638) وكل هذه الأحكام تتفق مع ما يقول به الفقه الحنفي.
ثالثًا: إيجار الوقف:
عرض المشروع لإيجار الوقف في عشر مواد، أخذها - كما فعل التقنين المصري - عن الفقه الإسلامي، (مرشد الحيران)، وهو مصدر النظام القانوني للوقف وما يتعلق به من أصل وإدارة، ولا يوجد لهذه النصوص مقابل في المجلة فهي لم تعرض لإيجار الوقف على أهميته العملية، فترك الأمر للمحاكم تقضي فيه طبقًا لمذهب الأمام مالك، على ما أشارت إليه المذكرة التفسيرية لقانون تنظيم القضاء وما ورد في الأمر السامي الصادر في 29 جماد الثاني 1370هـ (5 إبريل 1951م)، بتطبيق أحكام شرعية خاصة بالأوقاف.
وتعرض النصوص التي أوردها المشروع في شأن إيجار الوقف للمسائل الآتية: من له الحق في إيجار الوقف. ومن له الحق في استئجاره، وكيف تحدد أجرة الوقف، ومدة إيجاره.
1 - فللناظر وحده ولاية إيجار الوقف، أما الموقوف عليه فلا يملك الإيجار ولو انحصر فيه الاستحقاق إلا إذا أذن له في ذلك الواقف أو الناظر أو القاضي (مادة 639) كذلك فإن الناظر هو الذي يقبض الأجرة، إلا إذا أذن لغيره في قبضها (مادة 640)، والإيجار لا ينتهي بموت الناظر ولا بعزله، بل يسري إيجاره الصحيح على الناظر الذي يأتي بعده (مادة 647).
ولا يجوز للناظر أن يستأجر الوقف ولو بأجر المثل، كما لا يجوز له أن يؤجره لزوجه أو لأحد من أصوله أو فروعه (مادة 641).
3 - وأجرة الوقف يجب ألا يكون فيها غبن فاحش، فلا يجوز أن تقل عن أربعة أخماس أجرة المثل، إلا إذا كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، فيجوز إجارته بالغبن الفاحش في حق نفسه لا في حق من يليه من المستحقين، والعبرة في تقدير أجر المثل بالوقت الذي أُبرم فيه عقد الإيجار ولا يعتد بالتغيير الحاصل بعد ذلك (المادتان 642 و643). وإذا أجر الناظر الوقف بالغبن الفاحش سرت في ذلك الأحكام العامة المتعلقة بالغبن (المواد 163 وما بعدها).
4 - أما مدة الإيجار، فيراعى فيها شرط الوقف، فإن عين مدة وجب التقيد بها، إلا إذا كان الناظر مأذونًا بالتأجير بما هو أنفع للوقف، فإذا لم يوجد من يرغب في استئجار الوقف المدة التي عينها الواقف أو كانت الإجارة لأكثر من تلك المدة أنفع للوقف، جاز للناظر - بعد استئذان القاضي - أن يؤجر لمدة أطول (مادة 644) وكل هذا قدر متفق عليه عند الأئمة الأربعة.
وإذا لم يعين الواقف مدة الإيجار، فالمباني لا يزيد إيجارها عن سنة والأراضي لا يزيد إيجارها على ثلاث سنين، إلا إذا قدر الناظر أن المصلحة تقتضي الزيادة في إيجار المباني أو النقص في إيجار الأرض (مادة 645)، وفي كل حال يجب ألا تزيد مدة الإيجار على ثلاث سنين ولو تم ذلك بعقود مترادفة، فإذا زادت المدة أُنقصت إلى ثلاث سنين، ومع ذلك يجوز الإيجار لمدة أطول إذا أذن القاضي في ذلك ويأذن للضرورة، أو إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد، وحينئذٍ يسري الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإذا انتهت كان للناظر الذي يخلفه أن ينقص المدة إلى ثلاث سنين (مادة 646) وهذه الأحكام تتفق مع ما يقول به الحنفية.
أما المالكية، فقد ذهبوا إلى التفصيل وقالوا لا يصح التأجير في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا، كالفقراء، وكالمساجد، وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين، أما إن كانت موقوفة على غير معين كالفقراء، فإنه يصح تأجيرها إلى أربع سنين بدون زيادة، فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف له فإنه يصح أن يؤجرها له زمنًا طويلاً كعشر سنين ونحوها لأن الوقف يرجع إليه، إذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت كما إذا تهدم الوقف وليس له ريع يُبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عامًا.
وقد فضل المشروع أن يتجنب هذا التفصيل فأخذ بما قالت به الحنفية.
5 - وأخيرًا، فإن الأحكام التي أوردها المشروع في إيجار الوقف يقتصر تطبيقها على حالة ما إذا كان المأجور عينًا موقوفة، وفي المسائل التي عرضت لها هذه الأحكام، فإذا وجدت مسألة في إيجار الوقف لم يعرض لها نص من النصوص الواردة في هذا الصدد، سرت على هذه المسألة أحكام عقد الإيجار في كل ما لا يتعرض معها (مادة 648) وكل ذلك مع عدم الإخلال بالأحكام الاستثنائية الواردة في قانون إيجار الأماكن فيما إذا كانت العين الموقوفة من المباني.
الفصل الثاني: الإعارة:
الإعارة من أعمال البر التي تقتضيها الإنسانية، لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضًا، فهي مندوبة بحسب ذاتها، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم، استعار فرسًا من أبي طلحة فركبه، واستعار درعًا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال له صفوان: أغصب يا محمد أو عارية، فقال له بل عارية مضمونة، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها باعتبارها داخله في قوله تعالي ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) فسد حاجات الناس من أنواع البر التي تتوثق بها الروابط وتنمو بها الألفة وتتأكد المودة، وذلك ممدوح في نظر الإسلام.
وقد وضع المشروع الإعارة إلى جانب الإيجار، باعتبارها من العقود التي ترد على المنفعة، أما المجلة فقد وضعتها إلى جانب اللقطة والإيداع، وجمعت بينهم في كتاب واحد وهو الكتاب السادس المتعلق بالأمانات، وهو ما فعله أيضًا ابن نجيم في أشباهه.
والمشروع يتفق مع المجلة في غالبية الأحكام التي أوردها، ولكنه يختلف عنها في بعض آخر، فالإعارة فيه عقد رضائي - كما يقول المالكية - ومن ثم يكون التسليم التزامًا في ذمة المعير لا ركنًا في العقد، على عكس المجلة التي تنص على أن القبض شرط في العارية.
والإعارة في المشروع عقد لازم، على خلاف المجلة التي تجعله عقدًا غير لازم، وهي لا تخول المستعير أن يعير العارية مطلقًا، إلا بإذن المعير، كما أنها لا تنتهي بموت هذا الأخير ولكنها تنتهي فقط بموت المستعير، وعلى هذا الأساس عرف المشروع الإعارة في المادة (649) منه بأنها عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئًا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بنفسه من غير عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال، والخصائص التي يمكن استخلاصها من هذا التعريف، أن الإعارة عقد رضائي وليس بعقد عيني، وهو كذلك عند المالكية على عكس المجلة التي تنص على أن القبض شرط في العارية (م 810). وهي أيضًا عقد ملزم للجانبين ودائمًا من عقود التبرع، وتخول المستعير أن يستعمل العارية بنفسه وليس له أن يستغلها، ويفهم من التعريف أيضًا، أن العارية يجب أن تكون شيئًا غير قابل للاستهلاك، وذلك لأن المستعير يأخذ الشيء ليستعمله وليرده بعينه، فإذا كان قابلاً للاستهلاك واستعمله المستعير فإنه يستهلكه بالاستعمال ولا يستطيع أن يرده بعينه، وكما يعبر الفقه الإسلامي يجب أن يكون قابلاً للانتفاع به مع بقاء عينه أو ذاته، فلا تصح العارية فيما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه.
أولاً: آثار الإعارة:
1 - التزامات المعير:
تعرض المواد (650 - 652) لالتزامات المعير، فهو يلتزم بأن يسلم العارية للمستعير، وبأن يرد له ما أنفقه من مصروفات لحفظ العارية من الهلاك وبأن يضمن له الاستحقاق والعيوب في حدود معينة:
( أ ) فالمعير طبقًا لنص المادة (650) يلتزم أن يسلم المستعير العارية بالحالة التي تكون عليها وقت انعقاد العقد. فالتسليم التزام في ذمة المعير ما دامت الإعارة عقدًا رضائيًا، وتسري على هذا الالتزام قواعد التسليم بوجه عام، وهي نفس القواعد المقررة في التزام البائع بتسليم المبيع للمشتري وفي التزام المقرض بتسليم القرض للمقترض وفي التزام المؤجر بتسليم المأجور للمستأجر.
وإذا كان من مقتضى هذه القواعد أن تكون مصروفات التسليم على المعير لأنه هو المدين بالتسليم، غير أن المشروع يقضي بأن تكون مصروفات التسليم على المستعير (م 655) لأنه لا يدفع أجرًا، وهو ما فعله التقنين العراقي في المادة (856) منه (وانظر أيضًا المادة 745 لبناني) ويتم تسليم العارية بالحالة التي تكون عليها وقت انعقاد الإعارة - على خلاف الإيجار - لأن الإعارة عقد تبرع لا يدفع فيه المستعير مقابلاً للانتفاع بالعارية.
(ب) ولما كانت ملكية العارية وثمارها للمعير، فإنه هو الذي يتحمل النفقات الضرورية للمحافظة عليها من الهلاك، فإذا اضطر المستعير إلى القيام بهذه النفقات كي يحفظ العارية إلى أن يردها وجب على المعير أن يرد إليه هذه النفقات (مادة 651 من المشروع) بل إنه يلتزم بردها حتى لو هلكت العارية دون خطأ من المستعير.
وغني عن البيان أن هذه المصروفات هي غير المصروفات التي يقتضيها استعمال العارية الاستعمال المعتاد، وكذلك مصروفات صيانة العارية الصيانة المعتادة، وهذه كلها يتحملها المستعير وفقًا للمادة (655) من المشروع.
(جـ) أما ضمان الاستحقاق والعيوب، فالإعارة في ذلك كالهبة - وكلاهما من عقود التبرع - فكما أن الواهب لا يضمن الاستحقاق ولا العيوب، إلا إذا وجد اتفاق على الضمان، أو تعمد الواهب إخفاء سبب الاستحقاق أو إخفاء العيب، أو كانت الهبة مقترنة بتكليف فكذلك ضيق المشروع في المادة (652) من التزام المعير بهذا الضمان فجعل الأصل هو عدم ضمانه لاستحقاق العارية وعدم ضمانه لما يوجد فيها من عيوب، إلا إذا كان هناك اتفاق على الضمان، أو كان قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب، وعبء الإثبات يقع على المستعير، فعليه أن يثبت أن المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب، ومتى أثبت ذلك رجع على المعير بالتعويض، ولكن في ضمان العيوب لا يلزم المعير بتعويض المستعير إلا عن الضرر الذي يسببه العيب، فلا يعوض المستعير إذن عن العيب ذاته، أي عن نقص الانتفاع بالعارية بسبب العيب وإنما يعوضه فقط عما سببه من العيب من أضرار.
2 - التزامات المستعير:
وتعرض نصوص المواد من (653 – 657) لالتزامات المستعير، فهو يلتزم بأن يستعمل العارية وفقًا للعقد، وأن يحافظ عليها في أثناء الإعارة وأن يردها بعد انتهائها.
( أ ) فإذا قيد المعير الإعارة بزمان أو مكان أو بنوع معين من أنواع الاستعمال لم يكن للمستعير أن يستعمل العارية في غير الزمان والمكان المعينين، أو أن يخالف الاستعمال المأذون به إلى ما يتجاوزه ضررًا (المادة 653/ 1) ولكن يكون له أن يخالفه باستعمال العارية بما هو مساوٍ لنوع الاستعمال الذي قيدت به أو بنوع أخف منه.
أما إذا كانت الإعارة غير مقيدة بأي قيد، فإنه يجوز للمستعير أن يستعمل العارية في أي زمان أو مكان وبأي استعمال أراد، بشرط ألا يجاوز المألوف في استعمالها (653/ 2) فلا يستعمل العارية إلا فيما تقبله طبيعتها أو يحدده العرف في ذلك (قارن المواد 816 - 818 من المجلة)، وفي الحالين، لا يكون المستعير مسؤولاً عما يلحق العارية من تغيير أو تلف أو نقصان (استهلاك تدريجي) بسبب الاستعمال، ما دام لم يخرج في استعمالها عن الحدود المتقدمة (653/ 3) لأن ذلك يُعتبر ملازمًا لطبيعة الإعارة وعلى المعير أن يتوقعه.
ولما كان حق المستعير مقصورًا على استعمال العارية دون استغلالها فإنه لا يجوز له أن يؤجرها إلى الغير أو أن يعيرها إلا إذا أثبت أن المعير قد أذن له في ذلك صراحةً أو ضمنًا (654). وفي هذا يتفق المشروع مع المجلة والفقه الحنفي، فيما عدا أنهم يفرقون في الإعارة بين ما يختلف باختلاف المستعمل، وهذا ليس للمستعير أن يعيره إن عين المعير مستعملاً، وبين ما لا يختلف باختلاف المستعمل وهذا يكون للمستعير أن يعيره سواء عين المعير مستعملاً أو لم يعين (قارن المواد 819 - 823 من المجلة).
فإذا كان الاستعمال، وكذلك الإعداد له، يقتضي نفقة، فإن المستعير هو الذي يتحمل بها، كما يتحمل نفقات الصيانة المعتادة التي يقتضيها هذا الاستعمال (المادة 655 من المشروع).
(ب) ويلتزم المستعير أن يبذل من العناية في المحافظة على العارية ما يبذله في المحافظة على ماله دون أن ينزل في ذلك عن عناية الشخص العادي (م 656 من المشروع). ولكن هذا الحكم لا يتعلق بالنظام العام، فيجوز الاتفاق على ما يخالفه سواء بتشديد مسؤولية المستعير أو بالتخفيف منها.
(جـ) وأخيرًا على المستعير أن يرد العارية عند انتهاء الإعارة وتسري في ذلك القواعد العامة. فيجب أن يرد العارية بذاتها لا شيئًا غيرها ولو ماثلها، وأن يرد معها ملحقاتها وتوابعها وزيادتها متحملاً في ذلك كله مصرفات الرد لأنه هو المدين في هذا الالتزام.
وترد العارية بالحالة التي تكون عليها وقت الرد، دون إخلال بمسؤولية المستعير عما يكون قد أصابها من هلاك أو تلف أو تعيب (مادة 657/ 1)، إلا إذا أثبت أنه قد بذل العناية المطلوبة منه، أو أثبت أن الهلاك أو التلف أو التعييب كان بسبب أجنبي. فإذا كان المستعير قد أساء استعمال العارية أو استخدمها في غير ما أعدت له، أو في غير الزمان والمكان المعينين، أو أهمل في صيانتها أو في حفظها أو تصرف فيها دون إذن المعير أو عهد في حفظها إلى شخص آخر دون ضرورة تدعو لذلك، كان هذا تقصيرًا منه يستوجب مسؤوليته.
ويتم الرد في المكان الذي يكون المستعير قد تسليم فيه العارية، ما لم يتفق على غير ذلك (مادة 657/ 2).
وغني عن البيان أن مؤونة رد العارية تكون على المستعير لأنه المدين في هذا الالتزام.
ثانيًا: انتهاء الإعارة:
ويعرض المشروع في المواد (658 – 660) لانتهاء الإعارة:
1 - فهي تنتهي أولاً بانقضاء المدة بالمتفق عليها (سواء انتهى الاستعمال بالذي أُعيرت من أجله العارية أو لم ينتهِ)، كما تنتهي أيضًا بتمام استعمال العارية فيما أُعيرت من أجله، إذا لم يتفق على مدة (مادة 658/ 1).
فإذا لم يكن هناك سبيل لتعيين مدة الإعارة، جاز للمعير أن يطلب إنهاءها في أي وقت (مادة 658/ 2). وفي كل حال يجوز للمستعير أن يرد العارية قبل انتهاء الإعارة، غير أنه إذا كان هذا الرد يضر المعير فلا يُرغم على قبوله (مادة 658/ 3).
2 - وقد تنتهي الإعارة أيضًا قبل انقضاء مدتها، إذا عرضت للمعير حاجة للعارية، أو إذا مات المستعير، فعلى الرغم من أن الإعارة تلزم المعير، غير أن المشروع قدر أنه قد تعرض للمعير حاجه ضرورية للعارية لم تكن متوقعة، وبذلك يكون أولى من المستعير بالانتفاع بماله، فأجاز له عندئذٍ إنهاء الإعارة قبل انقضاء أجلها واسترداد العارية، بشرط أن تكون الحاجة التي تعرض له ضرورية وغير متوقعة، وهو أمر يترك تقديره لقاضي الموضوع بغير معقب عليه في ذلك (مادة 659).
وقد يموت المستعير قبل انقضاء مدة الإعارة، فتنتهي بموته لأن شخصيته محل اعتبار في العقد، وقد قصد المعير أن يعيره هو فلا تنتقل العارية إلى ورثته إلا إذا وجد اتفاق على غير ذلك (مادة 660)، والالتزامات التي تكون قد نشأت في ذمة المستعير بسبب الإعارة كالتزامه بالرد والتزامه بتعويض المعير فيما لو كان قد قصر في المحافظة على العارية أو في استعمالها، كل هذه الالتزامات تبقى في تركة المستعير وللمعير أن يطالب بها.
أما موت المعير فلا ينهي الإعارة (عكس ذلك الفقه الحنفي والمادة 807 من المجلة)، وتنتقل حقوق المعير إلى ورثته وكذلك تنتقل التزاماته في حدود تركته.
وغني عن البيان أن الإعارة كعقد ملزم للجانبين، يجوز أن تنتهي بالفسخ، فإذا أخل المستعير بالتزامه وأساء استعمال العارية أو قصر في الاحتياط الواجب للمحافظة عليها، كان للمعير أن يطلب الفسخ وفقًا للقواعد العامة.

الباب الثالث: العقود الواردة على العمل
الفصل الأول - المقاولة:
لم تعرض المجلة لعقد المقاولة تحت هذا العنوان، وإنما عرضت له في أحد فصول الباب السابع من كتاب البيوع وفي بعض نصوص متفرقة في كتاب الإجارة، فإذا قدم الصانع العمل والعين معًا انعقد البيع استصناعًا وطبقت عليه أحكام البيع، وإذا كانت العين من المستصنع، كان الصانع أجيرًا مشتركًا وطُبقت عليه أحكام الإجارة.
وكان القصد من ذلك، وقت وضع المجلة، تنظيم العلاقة القانونية بين مستصنع وصانع يعهد إليه بعمل ما، فكان وضع الصانع بالنسبة للمستصنع أقرب ما يكون إلى وضع العامل بالنسبة لرب العمل، ولكن هذا النظر أصبح غير متلائم مع الحاجات الحاضرة والتطورات الاقتصادية الحديثة، فقد تعددت أشكال المقاولة وصورها، وزاد حجمها زيادة ضخمة لها أثرها في اقتصاد البلاد وفي أوضاع العاملين في هذا القطاع، ووجب أن ينظم عقد المقاولة تنظيمًا شاملاً، يتفق مع أهميته الاقتصادية والاجتماعية ويواجه جميع الصور المختلفة للمقاولات، وهو ما فطنت إليه الحكومة، فأعدت مشروع تنظيم عقد المقاولة مستمدة أحكامه من التقنين المصري ومشروعه التمهيدي.
ولكن هذا المشروع لم يستكمل الخطوات اللازمة لإصداره.
وقد أخذ المشروع في اعتباره هذا المشروع السابق وأدخل على أحكامه كثيرًا من التعديلات، كما غير من ترتيبه في عرض الأحكام: فهو بعد أن يعرف عقد المقاولة، يتناول في فرع أول القواعد العامة التي تنطبق على جميع أنواع المقاولات، ثم يتكلم في فرع ثانٍ عن بعض الأحكام الخاصة بمقاولات المباني والإنشاء، اعتبارًا لأهميتها، ويعرض المشروع في القواعد العامة، لالتزامات كل من المقاول ورب العمل ولأحكام التنازل عن المقاولة والتقاول من الباطن، ثم لأسباب انتهاء المقاولة، كما يعرض في الأحكام الخاصة بمقاولات المباني والإنشاء للتعديل والإضافات التي قد ترد على المقايسة أو التصميم التي تبرم المقاولة على أساسه، وللأحكام المتعلقة بمسؤولية المقاول والمهندس عما يحدث من خلل فيما يشيدانه من مبانٍ أو يقيمانه من منشآت.
الفرع الأول - القواعد العامة للمقاولات:
يبدأ المشروع هذا الفرع بتعريف المقاولة فيعرفها في المادة (661) بأنها عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين أن يؤدي عملاً للطرف الآخر مقابل عوض، دون أن يكون تابعًا له أو نائبًا عنه.
وبهذا التعريف ينفصل عقد المقاولة عن عقدين آخرين، كانا مختلطين به في المجلة، وهما عقد البيع وعقد الإيجار، ويخلص منه أن عقد المقاولة عقد ملزم للجانبين ومن عقود المعاوضة، يقع التراضي فيه على العمل المطلوب تأديته من المقاول وعلى المقابل الذي يتعهد رب العمل بأدائه.
ويبرز هذا التعريف أيضًا عنصرين هامين في عقد المقاولة هما عدم تبعية المقاولة هما عدم تبعية المقاول لرب العمل، وعدم نيابته عنه في تأدية العمل المتعاقد عليه، بما يكفل تمييز عقد المقاولة عن عقد العمل وعن عقد الوكالة فالذي يميز المقاولة عن عقد العمل هو أن المقاول لا يخضع لإدارة رب العمل وإشرافه، بل يعمل مستقلاً، طبقًا لشروط العقد المبرم بينهما، ومن ثم فلا يُعتبر المقاول تابعًا لرب العمل ولا يكون هذا الأخير مسؤولاً عنه مسؤولية المتبوع عن تابعه.
كذلك فإن الذي يميز المقاولة عن الوكالة هو أن المقاول وهو يؤدي العمل لمصلحة رب العمل، لا ينوب عنه وإنما يعمل استقلالاً، أما الوكيل وهو يقوم بالتصرف القانوني لمصلحة موكله يكون نائبًا عنه ويمثله في التصرف الذي يقوم به فينصرف أثر هذا التصرف إلى الموكل.
أولاً: تقديم مواد العمل:
كانت المجلة تميز – كما تقدم بين - الاستصناع، وهو نوع من البيوع، يقدم فيه الصانع العمل والعين معًا، وبين استئجار أرباب الحرف والصنائع وهو إجارة على العمل يقدم الأجير في عمله فقط ويكون أجيرًا مشتركًا إذا كان غير مقيد بأن يعمل للمستأجر دون غيره.
وقد تابع المجلة في ذلك بعض التقنينات كالتقنين العراقي وكذلك المشروع السابق، ولكن المشروع الحالي حرص على أن يجمع بين الصورتين تحت لواء المقاولة فطبقًا لنص المادة (662) من المشروع يجوز أن يقتصر التزام المقاول على تنفيذ العمل المتفق عليه على أن يقدم رب العمل المواد اللازمة للعمل، كما يجوز أن يلتزم المقاول بتقديم المواد كلها أو بعضها إلى جانب التزامه بتنفيذ العمل، وفي الحالين يكون العمل إجارة في الحالة الأولى واستصناعًا في الثانية.
وتعرض المادة (663) للحالة الأولى، فإذا التزم المقاول بتقديم مواد العمل كلها أو بعضها وجب أن تكون هذه المواد مطابقة للشروط والمواصفات المتفق عليها، فإذا لم تكن هناك شروط أو مواصفات، وجب على المقاول أن يتوخى في اختيار المواد أن تكون وافية بالغرض المقصود (663/ 1) مستفادًا مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة المواد أو الغرض الذي أُعدت له، وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة المواد من حيث جودتها ولم يمكن استخلاص ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر التزم المقاول بأن يقدم موادًا من صنف متوسط طبقًا للقواعد العامة.
وعلى المقاول أيضًا ضمان المواد المقدمة وفقًا لأحكام الضمان المقررة في عقد البيع (مادة 663/ 2) وذلك لأنه يكون في هذه الحالة بائعًا للمواد التي يقدمها، فيضمن ما فيها من عيوب ضمان البائع للعيوب الخفية.
وتعرض المادتان (664، 665) للحالة الثانية، فإذا كانت مواد العمل مقدمة من رب العمل، فإنه يجب على المقاول في هذه الحالة أن يحافظ على المواد المسلمة إليه وأن يبذل في المحافظة عليها عناية الشخص العادي، فإذا نزل عن هذه العناية كان مسؤولاً عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقتها، ثم يجب على المقاول أن يستخدم هذه المواد طبقًا لأصول الفن، فيجانب الإفراط والتفريط فيها، ويستعمل منها القدر اللازم لإنجاز العمل دون نقص أو زيادة، وأن يؤدي حسابًا لرب العمل عما استعمله منها ويرد له الباقي إن وجد، وإذا كشف في أثناء عمله، أن بالمواد عيوبًا لا تصلح معها للغرض المقصود، كما إذا كان القماش الذي تسلمه من رب العمل لا يصلح لصنع الثوب المطلوب أو كانت الأرض التي يراد إقامة البناء عليها بها عيوب تهدد سلامته، وجب عليه أن يخطر رب العمل فورًا بذلك، كذلك إذا تبين له وجود عوامل أخرى من شأنها أن تعوق تنفيذ العمل في أحوال ملائمة وجب على المقاول أيضًا إخطار رب العمل فورًا، فإذا أهمل في الإخطار، كان مسؤولاً عن كل ما يترتب على إهماله من نتائج، والمفروض في كل ما تقدم أن المقاول يتوافر على الكفاية الفنية الكافية، فإذا صار شيء من المواد المسلمة إليه غير صالح للاستعمال بسبب إهماله أو بسبب قصور فني من جانبه، التزم برد قيمته إلى رب العمل مع التعويض إن كان له مقتض، ولما كانت مسؤولية المقاول في هذا الخصوص مسؤولية عقدية، فإن عبء إثبات إهمال المقاول، أو عدم بذله عناية الشخص العادي، أو تسببه بقصور كفايته الفنية في جعل المواد أو بعض منها غير صالح للاستعمال، يقع على رب العمل، وللمقاول من جانبه أن يدرأ عن نفسه المسؤولية بأن يثبت أنه بذل عناية الشخص العادي، وأنه قام بجميع واجباته بحسب أصول الفن، أو أن التلف أو الضياع أو الهلاك كان بسبب أجنبي لا يد له فيه فترتفع مسؤوليته.
ثانيًا: التزامات المقاول:
يلتزم المقاول بإنجاز العمل المعهود به إليه ثم بتسليمه بعد، إنجازه كما يلتزم بضمانه بعد التسليم، ويعرض نص المادة (666) للالتزام الأول من هذه الالتزامات.
فأولاً يجب على المقاول أن ينجز العمل بالطريقة المتفق عليها في عقد المقاولة، وطبقًا للشرط الواردة فيه وبخاصة طبقًا لدفتر الشروط إذا وجد هذا الدفتر فإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها، وجب اتباع العرف وبخاصة أصول الصناعة والفن في العمل الذي يقوم به المقاول فلكل صناعة أو عمل أصول وقوانين تجب مراعاتها دون حاجة إلى ذكرها في العقد.
كذلك يلتزم المقاول بأن ينجز العمل في المدة المتفق عليها، فإن لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة، فالواجب أن ينجزه في المدة المعقولة التي تسمح بإنجازه تبعًا لمقدرة المقاول ووسائله، وبمراعاة طبيعة العمل ومقدار ما يقتضيه من دقة، وحسب عرف حرفته، فإذا احتاج المقاول، في إنجازه العمل إلى أدوات ومهمات أو أيدٍ عاملة وجب عليه أن يأتي بها، ويكون ذلك على نفقته فأدوات العمل ومهماته مثل آلات البناء وعدة النجار أو السباك وأدوات الخياط وغير ذلك تكون على المقاول بغير نص ما لم يقضِ الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره (قارن المادة 574 من المجلة)، كذلك إذا احتاج المقاول، في إنجازه للعمل، إلى أيدي عاملة أو إلى أشخاص يعاونونه ويعملون تحت إشرافه، فإنه يكون على المقاول أن يأتي بهم ويتحمل بأجورهم ما لم يقضِ الاتفاق أو عرف الحرفة بغير ذلك.
ويخول نص المادة (667) رب العمل حق مراقبة تنفيذ العمل، فالمقاول يعمل مستقلاً عن رب العمل، وهذا هو ما يميز المقاولة عن عقد العمل كما تقدم، غير أنه من حق رب العمل أن يتعهد العمل وهو في يد المقاول ليراقب ما إذا كان يتم تنفيذه طبقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها وما إذا كان المقاول يقوم بتنفيذه، طبقًا لأصول الصناعة وعرف أهل الحرفة، فرب العمل ليس ملزمًا أن ينتظر حتى ينتهي العمل ويقدمه له المقاول، ليتبين ما إذا كان هذا الأخير قد راعى الشروط والمواصفات وأصول الصناعة، فيقبل العمل، أو لم يراعها فيرفضه، بل الأفضل أن يمكن رب العمل من مراقبة ذلك منذ البداية حتى يوفر على نفسه وعلى المقاول ذاته الوقت والجهد والمشقة، إذا ما تم العمل معيبًا أو منافيًا للشروط المتفق عليها ثم يرفضه بعد أن يكون قد تم.
فإذا لاحظ رب العمل أن مقاول البناء مثلاً قد أخل وهو يقيم البناء، بالشروط والمواصفات المتفق عليها بأن لم يدعم الأساس أو لم يصل به إلى العمق الكافي أو تبين أن النجار الذي يصنع الأثاث المطلوب قد استخدم في صنعه نوعًا من الخشب غير المتفق عليه أو صنفًا أقل جودة، فإن لرب العمل في هذه الحالة حق التداخل لمنع المقاول من المضي قدمًا في عمله المعيب أو المخالف لشروط العقد، ويكون ذلك بأن ينذر المقاول بأن يصحح طريقة التنفيذ ويحدد له أجلاً معقولاً يصلح فيه العيب، فإذا انصاع المقاول لإنذار رب العمل وقام بإصلاح العيب في الأجل المحدد، كان له أن يمضي في عمله ولا سبيل عليه لرب العمل. أما إذا نازع المقاول في وجود العيب أو المخالفة أو سلم به ولكنه لم يقم بإصلاحه في الأجل المحدد، فإنه يكون لرب العمل أن يرفع الأمر إلى القضاء ويطلب إما الفسخ وإما الترخيص له في إنجاز العمل كله على الوجه الصحيح بواسطة مقاول آخر على نفقه المقاول الأول إذا كان هذا ممكنًا وتسمح به طبيعة العمل (667/ 1). وكل ذلك مع عدم الإخلال بحق رب العمل في التعويض إن كان له مقتض.
وغني عن البيان أن لرب العمل أن ينفذ العمل على نفقة المقاول دون ترخيص من القضاء، إذا كان العمل مستعجلاً لا يحتمل الإبطاء، كما إذا كان الأمر متعلقًا بترميم منزل آيل للسقوط، أو إقامة جناح في معرض على وشك الافتتاح، وللقاضي بعد أن يبت فيما إذا كان رب العمل على حق فيما فعل.
كل ما تقدم إذا كان إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب ممكنًا، أما إذا كان هذا الإصلاح مستحيلاً، كما إذا أقام مقاول البناء المبنى وارتفع بأدواره الأولى على خلاف المواصفات والتصميم المعهود إليه بتنفيذه، فعند ذلك لا يكون تدارك الخطأ مستطاعًا ولا يكون ثمة سبيل إلى إصلاح طريقة التنفيذ إلا بهدم البناء كله، وفي هذه الحالة يكون لرب العمل، الحق منذ البداية في أن يطلب فسخ العقد في الحال دون حاجة إلى إنذار أو تحديد أجل (667/ 2).
على أنه يجوز للقاضي رفض طلب الفسخ إذا كان العيب أو المخالفة من البساطة بحث لا يخل إخلالاً كبيرًا بقيمة العمل أو من صلاحيته للاستعمال المقدر له، وهو ما عني المشروع بالنص عليه دفعًا لكل شبهة (667/ 3).
ومن ناحية أخرى، فإنه إذا تأخر المقاول في البدء في تنفيذ العمل أو في إنجازه تأخرًا لا يرجى معه مطلقًا أن يتمكن من القيام به كما ينبغي في المدة المتفق عليها، أو إذا اتخذ مسلكًا ينم عن نيته في عدم تنفيذ التزامه، أو أتى فعلاً من شأنه أن يجعل تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً، فإن نص المادة (668) من المشروع تجيز لرب العمل أن يطلب فسخ العقد دون انتظار لحلول أجل التسليم، وهذا النص منقول عن المشروع التمهيدي المصري الذي اقتبسه بدوره عن تقنين الالتزامات السويسري والتقنين البولوني وله مثيل في بعض التقنينات العربية كالتقنين العراقي واللبناني والتونسي والمغربي، وهو يسمح بطلب الفسخ مقدمًا إذا تأخر المقاول في تنفيذ التزامه تأخرًا يصبح معه ثابتًا أو كبير الاحتمال أنه لن يتمكن من إتمام العمل في الميعاد فيكون بذلك قد أخل مقدمًا بالتزامه.
ومثال ذلك أن يتفق عارض مع مقاول على أن ينجز صنع أشياء لعرضها في معرض يفتتح في تاريخ معين فيتأخر المقاول في البدء في العمل أو في إنجازه بعد البدء فيه بحيث يتبين جليًا قبل حلول الميعاد المتفق عليه صراحةً أو ضمنًا أن المقاول لن يتمكن من إنجاز العمل في الميعاد، فعندئذٍ يجوز لرب العمل ألا ينتظر حلول الأجل المتفق عليه أو الأجل المعقول، ويبادر منذ أن يتبين استحالة تنفيذ العمل في الميعاد إلى طلب فسخ العقد، ولا يقتصر الأمر طبقًا لهذا النص على حالة تأخر المقاول في البدء في العمل أو في تنفيذه بل يتناول أيضًا حالة ما إذا صرح المقاول أنه لن ينفذ العمل أو اتخذ مسلكًا ينم عن هذه النية، أو أتى بفعل من شأنه أن يجعل تنفيذ التزامه في المدة المتفق عليها مستحيلاً، كما لو تعاقدت فرقة تمثيلية مع صاحب مسرح على تقديم بعض العروض على مسرحه في خلال أسبوع معين وقبل حلول هذا الأسبوع تعاقدت مع صاحب مسرح آخر على تقديم عروضها فيه في خلال الأسبوع ذاته، ففي هذه الحالة يجوز لرب العمل - وهو صاحب المسرح - أن يطلب فسخ العقد دون انتظار لحلول الموعد المحدد لتنفيذ العقد فيتاح له أن يتعاقد مع فرقة أخرى بما يكفل له ألا يبقى مسرحه بغير فرقة، الأمر الذي قد يحدث له لو انتظر حلول موعد التنفيذ الأول.
وإلى جانب التزام المقاول بإنجاز العمل المعهود به إليه بموجب عقد المقاولة، فإنه يلتزم بتسليم العمل بعد إنجازه، ويكون التسليم بوضع الشيء تحت تصرف رب العمل بحيث يتمكن من الاستيلاء عليه والانتفاع به دون عائق، ويكون تسليم كل شيء بحسبه، فالحائك يسلم الثوب بعد صنعه إلى رب العمل يدًا بيد، وكذلك النجار وغيره من أرباب الحرف والصناعات ومقاول البناء يسلم البناء بالتخلية بينه وبين رب العمل ووضعه تحت تصرف بحيث يتمكن من الاستيلاء عليه والانتفاع به، وقد يتم ذلك بتسليم مفاتيح البناء لرب العمل، وإذا كان المقاول قد نفذ العمل في شيء ظل في حيازة صاحبه، كالسباك يصلح مواسير المياه والدهان يدهن حوائط البناء، فإن التسليم يكون بتخلية السبيل أمام رب العمل لينتفع بالشيء الذي تم العمل فيه، فإذا لم يقم المقاول بتسليم العمل كاملاً في الزمان والمكان المتفق عليهما، فإنه يكون قد أخل بالتزامه بالتسليم، ويكون لرب العمل وفقًا للقواعد العامة طلب التنفيذ العيني أو طلب الفسخ، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض.
فإذا هلك الشيء أو تلف قبل تسليم العمل،  فإن المادة (669) من المشروع تنص على أنه إذا كان الهلاك بقوة قاهرة أو حادث فجائي، فلا يكون للمقاول أن يطالب لا بمقابل عمله ولا برد نفقاته، فلو تعاقد رب العمل مع نجار على صنع أثاث واحترق الأثاث أو سرق قبل أن يسلمه النجار وكانت الحريق أو السرقة بقوة قاهرة ولم يثبت تقصير في جانب النجار، فإن التبعة هنا يتحملها النجار فيما قدمه من عمل ومواد، وما أنفقه من نفقات، وكل ذلك ما لم يكن رب العمل، وقت الهلاك أو التلف مخلاً، بالتزامه بتسليم بأن يكون المقاول قد أعذره بأن يتسلمه فلم يفعل.
فإذا كانت المواد مقدمة من رب العمل وهلك الشيء أو تلف قبل تسليمه له بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة، فلا يكون له أن يطالب المقاول بقيمة المواد ما لم يكن المقاول وقت الهلاك أو التلف، مخلاً بالتزامه بتسليم العمل - بأن يعذره رب العمل بالتسليم فلا يفعل - ولم يثبت أن الشيء كان ليتلف لو أنه قام بالتسليم دون أن يخل بالتزامه، وتعتبر مواد العمل مقدمة من رب العمل، إذا كان قد أدى للمقاول قيمتها أو عجل له مبلغًا تحت الحساب يشمل هذه القيمة (مادة 670 من المشروع)، وغني عن البيان أنه إذا كان الهلاك أو التلف راجعًا لخطأ أحد الطرفين، فإنه يتحمل وحده تبعة الخسارة الناجمة عن الهلاك.
ثالثًا: التزامات رب العمل:
وتعرض المواد (671 إلى 679) لالتزامات رب العمال وهي: تمكين المقاول من إنجاز العمل، وتقبل العمل بعد إنجازه، ودفع المقابل المتفق عليه.
فرب العمل يلتزم بأن يبذل كل ما في وسعه لتمكين المقاول من البدء من تنفيذ العمل ومن المضي في تنفيذه حتى يتم إنجازه ومن ذلك استصدار أي ترخيص إداري يكون لازمًا للبدء في العمل مثل الترخيص بالبناء، وتقديم المواد التي تستخدم في العمل، أو الآلات والمعدات اللازمة لإنجازه إذا كان رب العمل قد التزم بتقديمها، وتقديم الرسومات والبيانات والمواصفات التي يكون متفقًا على أن يتم العمل على أساسها، فإذا لم يقم رب العمل بالتزامه، فإن نص المادة (671) من المشروع يجيز للمقاول أن يكلفه القيام بذلك في أجل معقول يحدده، فإذا انقضى الأجل دون أن يقوم رب العمل بالتزامه، جاز للمقاول أن يطلب فسخ العقد مع التعويض إن كان له مقتض.
ويلتزم رب العمل بتسليم العمل بعد إنجازه. والتسلم هنا ليس مجرد الاستيلاء على العمل بعد أن يضعه المقاول تحت تصرف رب العمل دون عائق من الاستيلاء عليه، كما هو الحال في التزام المقاول بالتسليم بل إنه يتضمن إلى جانب ذلك تقبل العمل والموافقة عليه بعد فحصه أو معاينته وهو ما تقتضيه طبيعة المقاولة فهي تقع على عمل لم يكن قد بدأ وقت إبرام العقد - أي لم يكن موجودًا - فوجب عند إنجازه أن يستوثق رب العمل من أنه موافق للشروط المتفق عليها أو لأصول الصنعة، ويكون ذلك بفحصه ومعاينته ثم الموافقة عليه أي تقبله والذي يقع عادة أن رب العمل يقوم بتقبل العمل وبتسلمه في وقت واحد ولكن لا يوجد ما يمنع من أن ينفصل التقبل والتسلم فيسبق أحدهما الآخر أو يليه، فإذا امتنع رب العمل دون سبب مشروع عن معاينة العمل وتسلمه رغم دعوته إلى ذلك اعتبر أنه قد تسلم العمل ووافق عليه (مادة 672)، ويشترط حتى يكون رب العمل ملزمًا بتسلمه على هذا الوجه أن يكون العمل موافقًا للشروط المتفق عليها، أو لما تقضي به أصول الصنع في العمل محل المقاولة أي خاليًا من العيوب، وغني عن البيان أنه إذا حصل اختلاف بين الطرفين حول ما إذا كان العمل موافقًا أو غير موافق، فإنه يجوز لأيهما أن يطلب ندب خبير على نفقته لمعاينة العمل ووضع تقرير يثبت حالته ليكون محل اعتبار فيما لو رفع الأمر إلى القضاء.
وطبقًا للفقرة الأولى من المادة (673) يجب أن يكون العيب أو المخالفة للشروط أو لأصول الصنعة التي تبرر امتناع رب العمل عن تسلمه جسيمة بحيث تجعل العمل غير صالح للغرض المقصود منه كما يستفاد من ظروف التعاقد وكل ذلك مع مراعاة ما تنص عليه المادة (691) فيما يتعلق بالمباني أو الإنشاءات التي تقام على أرض مملوكة لرب العمل، فإذا لم يبلغ العيب أو المخالفة هذا الحد من الجسامة، بقي رب العمل ملزمًا بالتسلم، ولكنه يكون له الحق، إما في طلب إنقاص المقابل بما يتناسب مع أهمية العيب أو المخالفة، وإما في طلب إلزام المقاول بالإصلاح في أجل معقول يحدده إذا كان الإصلاح ممكنًا ولا يتكلف نفقات تبهظ المقاول (673/ 2) وفي جميع الأحوال يجوز للمقاول إذا كان العمل يمكن إصلاحه، أن يقوم بهذا الإصلاح في مدة معقولة إذا كان هذا لا يسبب لرب العمل أضرارًا ذات قيمة (مادة 673/ 3).
على أنه ليس لرب العمل أن يتمسك بالحقوق المتقدمة، إذا كان هو المتسبب في إحداث العيب، سواء أكان ذلك بإصداره أوامر تخالف رأي المقاول أم كان ذلك بأية طريقة أخرى وهو ما تنص عليه صراحةً المادة (674) من المشروع.
ويعرض نص المادة (675) لأهم ما يترتب على تسلم العمل وتقبله من نتائج فمن وقت تسلم العمل لا يضمن المقاول العيوب والمخالفات الظاهرة التي كان يمكن كشفها بالفحص العادي، ذلك أنه إذا كان العيب في العمل واضحًا يمكن للشخص العادي أن يكشفه بالمعاينة، فالمفروض أنه إذا تقبل رب العمل، العمل دون أن يعترض، أنه قبله معيبًا ونزل عن حقه في الرجوع على المقاول من أجل هذا العيب، ومن ثم ينقضي ضمان المقاول للعيب بمجرد تقبل العمل مع مراعاة أحكام الضمان الخاص فيما يتعلق بالمباني والمنشآت المنصوص عليها في المادة (692) من المشروع (مادة 675/ 1).
أما إذا كانت العيوب خفية أو كانت المخالفة غير ظاهرة ولم يلحظها رب العمل وقت تسلمه ثم كشفها بعد ذلك، فإنه يجب عليه أن يخطر المقاول بها بمجرد كشفها أو في المدة التي يقضي بها عرف الحرفة، وإلا اعتبر أنه قد قبل العمل، فإذا تم إخطار المقاول في الوقت المناسب كان لرب العمل الحقوق المنصوص عليها في المادة (673) (مادة 675/ 2). كل ذلك ما لم يتفق الطرفان على خلافه، فالأحكام المتقدمة ليست من النظام العام (وذلك على عكس أحكام الضمان الخاص في حالة المباني والمنشآت)، ومن ثم يجوز الاتفاق على تشديد ضمان المقاول بتحديد مدة ضمان العيب، كما يجوز الاتفاق على تخفيف الضمان أو الإعفاء منه، فيشترط المقاول عدم ضمانه للعيب بمجرد تقبل العمل ولو كان العيب خفيًا.
وغني عن البيان أنه إذا أخفى المقاول العيب غشًا منه، فلم يستطع رب العمل أن يكشفه وقت تقبل العمل فإنه في هذا الفرض يكون المقاول مسؤولاً عن غشه، وبمجرد أن يكشف رب العمل العيب يكون له الحق في الرجوع على المقاول بالضمان وهو فرض لا يجوز فيه الاتفاق على تخفيف الضمان ولا الإعفاء منه.
وتعرض المواد من (676 – 678) لالتزام رب العمل بقع المقابل (الأجر)، ودفع المقابل يكون في الموعد المحدد في العقد، إذا كان هناك اتفاق على ذلك، وهو الغالب، فإذا لم يوجد اتفاق على ميعاد معين وكان هناك عرف للصنعة يحدد مواعيد دفع المقابل، وجب اتباع ما يقضي به هذا العرف.
وإذا لم يوجد اتفاق أو عرف، فإن المقابل يستحق دفعه عند تسليم العمل (مادة 676) أي مؤخرًا، وهذا الحكم هو الذي تقضي به طبيعة عقد المقاولة، فهو عقد على تنفيذ عمل معين لقاء مقابل معين، وبمجرد تمام العقد يصبح المقاول - وفقًا للقواعد العامة - دائنًا بالمقابل ولكن في نظير عمل لم ينجزه، ولهذا يقرر النص استثناءً من القواعد العامة ألا يستحق المقابل إلا بعد إنجاز العمل وتسلم رب العمل له (قارن المادة 424 من المجلة) وغني عن البيان أن دفع المقابل عند تسلم العمل مشروط فيه أن يكون العمل مطابقًا للمواصفات والشروط المتفق عليها، ولأصول الفن في هذا النوع من العمل، وإلا كان لرب العمل أن يحبس المقابل، طبقًا للقواعد العامة.
فإذا كان العمل مكونًا من أجزاء متميزة، أو كان المقابل محددًا على أساس الوحدة، كأن يكون المقاول قد تعهد برصف طريق وحدد المقابل على أساس كل وحدة طولية يتم رصفها، فإنه يجوز للمقاول طبقًا لنص المادة 677/ 1 من المشروع أن يستوفي من المقابل بقدر ما أنجز من العمل وذلك بعد إجراء معاينته وتقبله، على أن يكون ما تم إنجازه جزءًا متميزًا، أو قسمًا ذا أهمية كافية بالنسبة إلى العمل في جملته وكل ذلك ما لم يُتفق على خلافه.
ويُفترض فيما دفع المقابل عنه، أن رب العمل قد عاينه وتقبله، ما لم يثبت أن ما دفعه ليس إلا مبلغًا قدمه للمقاول تحت الحساب (مادة 677/ 2).
والمقابل لا بد من وجوده في عقد المقاولة (قارن المادة 450 من المجلة) وإلا كان العقد من عقود التبرع ولا يُعتبر مقاولة، ويشترط فيه أن يكون معينًا أو قابلاً للتعين (قارن المادة 630 لبناني) غير أن المقابل وإن كان ركنًا في المقاولة إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد ولا أن يحدده المتعاقدان، فإذا لم يحدداه تكفل القانون بتحديده وتبقى المقاولة صحيحة، ويكفي أن يتبين أن العمل المعهود به إلى المقاول ما كان ليتم إلا لقاء مقابل، حتى يفترض أن هناك اتفاقًا ضمنيًا على وجود المقابل (قارن المادة 631 لبناني و880/ 2 عراقي) وهو ما يُستخلص ضمنًا من ظروف التعاقد وبخاصة من أهمية العمل ومهنة من يتولاه، ويمكن القول بوجه عام إن أصحاب المهن الحرة وكذلك أرباب الحرف والصنعة يعملون بمقابل، فإذا تعاقد العميل مع أحد منهم فالمفروض أن العمل يكون بمقابل، حتى لو سكت المتعاقدان ولم يذكرا شيئًا عن ذلك، أما مقدار المقابل فيحدده القانون كما تقدم.
والأصل أن المتعاقدين هما اللذان يقومان بتحديد المقابل، وهما قد يحددانه بموجب مقايسة على أساس الوحدة. أو يحددانه جزافًا (إجمالاً) على أساس تصميم متفق عليه، ولكنهما قد يحددانه على وجه تقريبي أو لا يعرضان لتحديد مقداره أصلاً فيتكفل القانون بتحديد هذا المقدار، وفي ذلك تختلف التقنينات: فالتقنين الأردني يعطي المقاول أجر المثل بالإضافة إلى قيمة ما قدمه من المواد التي تطلبها العمل (المادة 796)، والتقنين اللبناني يعين بدل العمل بحسب العرف، فإذا كانت هناك تعريفة أو رسم وجب تطبيقهما (المادة 632 وقارن المادة 632 ألماني) أما التقنين المصري والتقنينات الأخرى التي أخذت عنه فتوجب الرجوع في تحديد الأجر إلى قيمة العمل ونفقات المقاول (659 مصري، وقارن 374 التزامات سويسري و479 بولوني).
وقد آثر المشروع في المادة (678) منه أن يجمع ذلك في عبارة (مقابل المثل وقت إبرام العقد) فعند الخلاف يعين القاضي مقدار المقابل على هذا الأساس وله أن يسترشد في ذلك بالعرف الجاري في الصنعة أو المهنة وبطبيعة العمل فقد يكون معقدًا في حاجة إلى مهارة فنية كبيرة، وقد يتضمن تبعات جسامًا ومسؤوليات يتعرض لها مقاول ويدخل طبعًا في الحساب، نفقات المقاول وكمية العمل والوقت الذي استغرقه إنجازه، ومؤهلات المقاول وكفايته الفنية وسمعته.
وقد حرص المشروع بعد ذلك على النص في المادة (679) منه على أنه لا يكون لارتفاع تكاليف العمل أو انخفاضها أثر في مدى الالتزامات التي يرتبها العقد، وذلك دون إخلال بأحكام المادة (198)، وهو نص له مقابل في غالبية التقنينات العربية، ويردد الأصل العام من أن ارتفاع تكاليف العمل أو انخفاضها (أي أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملة أو غيرها من التكاليف) لا يكون له أثر في مدى الالتزامات التي يرتبها العقد، فلا يجوز للمقاول عند ارتفاع هذه التكاليف أن يطالب بزيادة في المقابل كما لا يجوز لرب العمل عند انخفاض هذه التكاليف أن يطالب بإنقاص المقابل وكل ذلك دون إخلال بأحكام نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها في المادة (198) من الأحكام العامة للالتزامات.
رابعًا: التنازل عن المقاولة والمقاولة من الباطن:
ويعرض المشروع في المواد من (680 - 683) للتنازل عن المقاولة، وللتقاول من الباطن.
ويأخذ التنازل عن المقاولة إحدى صورتين، الأولى أن يتنازل المقاول للغير عن جميع عقد المقاولة بما يشتمل عليه من حقوق والتزامات، والثانية أن يتنازل رب العمل عن عقد المقاولة، كأن يبيع الأرض التي قاول على إنشاء بناء فيها ويتنازل في الوقت ذاته للمشتري عن عقد المقاولة وما ينشأ عنه من حقوق والتزامات. وفي الحالين ينص المشروع في المادة (680) على عدم جواز التنازل إلا بموافقة المتعاقد الآخر، ما لم يوجد في العقد شرط يقضي بخلافه، فإذا تم التنازل بموافقة المتعاقد الآخر أو بناءً على إجازته في العقد، فإن المتنازل له يحل محل المتنازل في جميع حقوقه والتزاماته قبل المتعاقد الآخر، ولكن التنازل لا يكون ساريًا في مواجهة الغير، في حالة إجازته في العقد، إلا إذا أُعلن للمتعاقد الآخر بوجه رسمي، أما في حالة حصول التنازل بموافقة المتعاقد الآخر، فإن التنازل لا يكون ساريًا في مواجهة الغير إلا إذا كانت الموافقة ثابتة التاريخ، وغني عن البيان أن للمقاول أيضًا أن يتنازل عن مستحقاته قبل رب العمل لشخص ثالث عن طريق حوالة الحق وعندئذٍ تطبق أحكامها.
أما التقاول من الباطن وهو أكثر وقوعًا في العمل خاصة في مقاولات المباني والإنشاء، حيث تتعدد الأعمال وتتشعب فقد عرض المشروع له في المواد (681 - 683).
ويخلص من النص الأول أن للمقاول أن يقاول من الباطن في كل العمل أو في جزء منه ما لم يمنعه من ذلك شرط في العقد (قارن المواد 571 - 573 من المجلة)، أو تكون طبيعة العمل تتطلب الاعتماد على الكفاية الشخصية للمقاول، كأن يكون العمل محل المقاولة عملاً فنيًا ركن فيه رب العمل إلى كفاية المقاول الشخصية في هذا العمل أو ما اشتهر عنه في أدائه، فعندئذٍ يتحتم أن يقوم المقاول بالعمل شخصيًا، وغني عن البيان أن هذا المنع لا يحول دون المقاول وبين الاستعانة بأشخاص آخرين، فنيين أو غير فنيين، في إنجاز العمل، ما دام هؤلاء الأشخاص ليسوا مقاولين من الباطن بل يعملون عند المقاول بعقد عمل لا بعقد مقاولة.
فإذا لم يكن هناك شرط مانع أو لم تكن شخصية المقاول محل اعتبار عند التعاقد، وعهد المقاول بتنفيذ العمل كله أو بعضه إلى مقاول من الباطن فإن المقاولة من الباطن تكون صحيحة، وتنفذ حتى في حق رب العمل، وتكون العلاقة ما بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن، علاقة رب العمل بمقاول ينظمها عقد المقاولة من الباطن، فيكون المقاول الأصلي بالنسبة إلى المقاول من الباطن رب العمل، وعليه جميع التزامات رب العمل، كما يكون المقاول من الباطن بالنسبة إلى المقاول الأصلي مقاولاً عليه جميع التزامات المقاول فيما عدا الأحكام الاستثنائية المتعلقة بالضمان في المباني والإنشاءات. (انظر المادة 692 من المشروع) ولكن المقاول الأصلي يُسأل إزاء رب العمل عن أعمال المقاول من الباطن (الفقرة الثانية من المادة 681)، فإذا أخل المقاول من الباطن بالتزامه من إنجاز العمل طبقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها ولأصول الصنعة، أو بالتزامه من تسليم العمل بعد إنجازه أو ظهر في عمله عيب، كان المقاول الأصلي مسؤولاً عن كل ذلك قِبل رب العمل، أما المقاول من الباطن فيكون مسؤولاً عن ذلك قبل المقاول الأصلي.
وجدير بالذكر أن مسؤولية المقاول الأصلي عن أعمال المقاول من الباطن هي مسؤولية عقدية تنشأ من عقد المقاولة الأصلي وليست مسؤولية متبوع عن تابعه، فالمقاول من الباطن يعمل مستقلاً عن المقاول الأصلي ولا يُعتبر تابعًا له. وتقوم هذه المسؤولية على افتراض أن كل أعمال المقاول من الباطن تعتبر بالنسبة إلى رب العمل أعمالاً صادرة من المقاول الأصلي ومن ثم يكون مسؤولاً قبله عنها.
ولما كانت المسؤولية هنا عقدية، فإنه يجوز الاتفاق على ما يخالفها فيجوز أن يشترط المقاول على رب العمل ألا يكون مسؤولاً عن المقاول من الباطن، كما يجوز أن يقبل رب العمل حلول المقاول من الباطن محل المقاول الأصلي في كل حقوقه والتزاماته، فتتحول المقاولة من الباطن إلى تنازل عن المقاولة وتسري عليه أحكام الحوالة.
والأصل ألا تقوم علاقة مباشرة بين رب العمل وبين المقاول من الباطن إذ لا يربطهما أي تعاقد، فلا يطالب أيهما الآخر مباشرة بتنفيذ التزاماته، وإنما يكون للمقاول من الباطن طبقًا للقواعد العامة أن يرجع على رب العمل في خصوص المقابل المستحق له قِبل المقاول الأصلي وذلك بطريق الدعوى غير المباشرة يرفعها باسم المقاول الأصلي ويطالب فيها بما هو مستحق في ذمة رب العمل للمقاول الأصلي، ولكن هذه الدعوى غير المباشرة تسمح لدائني المقاول أن يزاحموا المقاول من الباطن، فلا يستأثر وحده بما يستخلصه من رب العمل، بل يقاسمه فيه سائر دائني المقاول الأصلي مقاسمة الغرماء. ومن أجل هذا حمى المشروع المقاول من الباطن من مزاحمة دائني المقاول الأصلي بإعطائه دعوى مباشرة وحق امتياز يجنبانه مزاحمة دائني المقاول الأصلي، كما مد هذه الحماية إلى عمال المقاول الأصلي وعمال المقاول من الباطن لأن هؤلاء العمال لا يقلون في الحاجة إلى الرعاية عن المقاول من الباطن، (المادتان 682 و683) وهي أحكام لها مقابل في جميع التقنينات العربية.
خامسًا: انتهاء المقاولة:
تنتهي المقاولة انتهاءً مألوفًا بانقضاء المدة المحددة لها إذا كان العمل المتفق عليه متجددًا يقترن بمدة معينة ينجز في أثنائها، كعقود الصيانة (مادة 684 من المشروع).
وهي تنتهي أيضًا انتهاء غير مألوف قبل تنفيذها باستحالة التنفيذ أو الفسخ، أو بالتقايل طبقًا للقواعد العامة، ولكنها تنتهي أيضًا بسببين خاصين بها هما: تحلل رب العمل من المقاولة بإرادته المنفردة وموت المقاول إذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار.
ويعرض المشروع في المواد التالية (685 - 688) لهذه الأسباب فيما عدا الفسخ والتقايل اكتفاءً بتطبيق القواعد العامة في شأنها.
فالمادة (685) تعرض لانتهاء المقاولة باستحالة التنفيذ لسبب لا يد لأحد الطرفين فيه (كمرض المدرس أو قطع يد الفنان) وفي هذه الحالة فإن التزام المقاول ينقضي، وينقضي التزام رب العمل المقابل له، وينفسخ عقد المقاولة من تلقاء نفسه تطبيقًا للقواعد العامة ومتى انتهى عقد المقاولة بالانفساخ على هذا الوجه، استحق المقاول تعويضًا، لا بموجب المقاولة وقد انتهت، ولكن بموجب مبدأ الإثراء بلا سبب، فيقتضي تعويضًا من رب العمل، أقل القيمتين، قيمة ما أنفقه من ماله ووقته، وقيمة ما استفاد به رب العمل.
هذا ويلاحظ أن إفلاس أحد الطرفين لا يُعتبر قوة قاهرة تمنع من التنفيذ، بل يستمر تنفيذ العقد بواسطة مدير تفليسة الطرف المفلس، وإذا امتنع مدير التفليسة عن التنفيذ جاز للطرف الآخر أن يطلب فسخ العقد مع التعويض (قارن المادة 862 من قانون التجارة الحالي).
وتعرض المادتان (686 و687) لموت المقاول، ويلاحظ أنه في الفقه الإسلامي يكون الاستصناع باطلاً بوفاة المستصنع أو الصانع، ولكن نصوص المشروع لم تعرض لموت رب العمل، لأن شخصيته لا تكون في العادة محل اعتبار في عقد المقاولة، ولذلك فلا تنتهي المقاولة بموته، بل يبقى العقد قائمًا بين المقاول وورثة رب العمل الذين يحلون محله في العقد طبقًا للقواعد العامة.
أما موت المقاول فهو يبطل المقاولة في الفقه الإسلامي، وكذلك تنتهي به المقاولة في القانون الفرنسي (المادة 1795) ولكن التقنينات العربية، وبعض من التقنينات الأجنبية، تميز في ذلك بين ما إذا كانت مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد أو لم تكن، وهو ما أخذ به المشروع في المادة (686) منه.
فإذا كانت مؤهلات المقاول الشخصية أو إمكاناته محل اعتبار في التعاقد، فإن عقد المقاولة ينتهي بحكم القانون بمجرد موت المقاول (686/ 1) دون حاجة لفسخه لا من ناحية رب العمل ولا من ناحية ورثة المقاول. والمقصود بالمؤهلات كل صفات المقاول الشخصية التي تكون ذات تأثير في حسن تنفيذ العمل، فيدخل فيها ما اشتهر عن المقاول من ناحية الكفاية الفنية والأمانة وحسن المعاملة، وما قام به قبلاً من أعمال تكسبه تجربة عملية فيه (سابقة الأعمال)، ومقدار ملاءته، وإمكاناته.
وتقدير ما إذا كانت مؤهلات المقاول الشخصية وإمكاناته محل اعتبار في التعاقد هو من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك، وله أن يسترشد في هذا التقدير بضوابط ثلاثة:
1 - فشخصية المقاول تعتبر دائمًا محل اعتبار في التعاقد، إذا اتفق في العقد على أن يعمل المقاول بنفسه، أو إذا أبرم العقد مع أحد رجال الفن، كالرسامين والنحاتين والموسيقيين والمطربين أو مع أحد أصحاب المهن الحرة، كالمهندسين والمعماريين وغيرهم، فكل هؤلاء تعتبر مؤهلاتهم الشخصية محل اعتبار في التعاقد.
2 - أما أرباب الحرف والصناع، كالخياط وصانع الأحذية والنقاش والسباك والنجار وغيرهم، فالأصل أن تكون مؤهلاتهم الشخصية محلاً للاعتبار في التعاقد، ما لم يقم دليلاً أو عرف على غير ذلك، كأن يكون العمل المعهود إلى أحدهم بسيطًا لا يقتضي مهارة فنية خاصة، ويستطيع القيام به أي شخص في الحرفة.
3 - وأما مقاولات المباني والإنشاء، فهذه يقوم بها عادةً مكاتب المقاولات الكبرى، التي تعتمد على ما يتوفر لديها من مهندسين وفنيين وأدوات ومعدات ورؤوس أموال، وغير ذلك من الإمكانات، بحيث تكون العبرة لا بصفات المقاول الشخصية ولكن بالمكانة التي وصل إليها اسمه في السوق، فهؤلاء لا تكون مؤهلاتهم الشخصية في الغالب محلاً للاعتبار في التعاقد.
أما إذا لم تكن مؤهلات المقاول الشخصية محل اعتبار في التعاقد فإنه طبقًا للفقرة الثانية من المادة (686) لا ينتهي العقد من تلقاء نفسه، ولكن يجوز لرب العمل طلب إنهائه إذا لم تتوافر في ورثة المقاول الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل. والقاضي هو الذي يقدر ما إذا كان الورثة لا تتوافر فيهم الضمانات الكافية فيحكم بإنهاء العقد، أو أن فيهم من الضمانات ما يكفي للمضي في العمل وحسن تنفيذه، فيرفض الطلب.
فإذا انتهت المقاولة بموت المقاول، سواء انتهت من تلقاء نفسها لقيامها على اعتبار مؤهلات خاصة في شخص المقاول، أو انتهت عن طريق الإنهاء بناءً على طلب رب العمل أو طلب الورثة وكان ذلك قبل البدء في تنفيذ العمل، فإن الالتزامات التي أنشأها عقد المقاولة في جانب كل من الطرفين تنقضي بانتهاء العقد، ولا يرجع أي منهما على الآخر بشيء، إلا إذا كان رب العمل قد عجل شيئًا من المقابل المتفق عليه فيسترده.
أما إذا كان المقاول قد بدأ في تنفيذ العمل قبل موته، فإن المادة (687) من المشروع تعطي لورثته الحق في نسبة من المقابل تعادل ما قام بتنفيذه من أعمال، كما تعطيهم الحق في قيمة ما تخلف في موقع العمل عند موت مورثهم من مواد يكون قد جلبها إذا كانت صالحة لاستعمالها في إتمام العمل، ومن ناحية أخرى يكون لرب العمل أن يطالبهم بتسليم المواد الأخرى التي يكون مورثهم قد أعدها، وكذلك الرسومات التي بُدئ في تنفيذها على أن يدفع عن كل ذلك مقابلاً عادلاً.
وتسري الأحكام المتقدمة أيضًا، إذا بدأ المقاول في تنفيذ العمل ثم أصبح عاجزًا عن إتمامه لسبب لا دخل لإرادته فيه.
وأخيرًا تعرض المادة (688) من المشروع لجواز تحلل رب العمل من المقاولة بإرادته المنفردة، ويُلاحظ بادئ ذي بدء أن الاستصناع لدى جمهور الحنفية عقد غير لازم في مواجهة كلا طرفيه قبل العمل، أما إذا أتى الصانع بالشيء المصنوع على الصفة المشروطة، فحكمه في حق المستصنع ثبوت (ملك غير لازم) في المصنوع، حتى يثبت له خيار الرؤية إذا رآه، إن شاء أخذه وإن شاء تركه، وفي حق الصانع ثبوت (ملك لازم) في الثمن إذا رأى المستصنع الشيء المصنوع ورضي به ولا خيار له، وهذا جواب ظاهر الرواية، لأن الاستصناع في حكم البيع، والمستصنع مشترٍ لشيء لم يره فيكون له الخيار إذا رآه، أما الصانع فقد أسقط خيار نفسه بالإحضار فبقي خيار صاحبه على حاله، كالبيع الذي فيه شرط الخيار للعاقدين، إذا أسقط أحدهما خياره، يبقى خيار الآخر، ورُوي عن أبي حنيفة، أنه ملك غير لازم في حق كل منهما، حتى يثبت لكل واحد منهما الخيار، لأن في تخيير كل واحد منهما دفعًا للضرر عنه.
ولكنه رُوي عن أبي يوسف أنه ملك لازم في حق كل منهما، فلا خيار للمستصنع ولا الصانع، لأن في إثبات الخيار للمستصنع إضرارًا بالصانع لأنه أفسد متاعه، وفي إثبات الخيار للصانع إضرارًا بالمستصنع لعدم اندفاع حاجته، وقد أُخذ في المجلة برأي أبي يوسف، فنصت المادة (392) منها، على أنه إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع، ولم يعطِ المستصنع الخيار إلا إذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة.
ولكن المشروع آثر أن يذهب مذهبًا وسطًا، فخول رب العمل وحده، دون المقاول، أن يتحلل بإرادته المنفردة من عقد المقاولة وينهيه، فيوقف تنفيذ العمل في أي وقت قبل إتمامه على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات وما أنجزه من أعمال، وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل (مادة 688/ 1)، وهو حكم وارد في غالبية التقنينات العربية، وفي بعض من التقنينات الأجنبية، فقد يرى رب العمل بعد وضع المقاولة موضع التنفيذ أن من الخير له العدول عنها والرجوع في العقد وقد تتغير الظروف التي أبرم فيها العقد، كأن تكون المقاولة متعلقة بإنشاء عمارة للاستغلال ثم يصدر قانون بتحديد الأجرة فتصبح الصفقة غير رابحة، وقد يعتمد رب العمل على موارد يدفع منها أجر المقاولة فتتخلف هذه الموارد أو تقصر عن دفع الأجر، وقد يصبح العمل المطلوب تنفيذه غير مجدٍ لرب العمل، فلمثل هذه الأسباب أو لغيرها مما يبدو وجيهًا في نظر صاحب العمل، أجاز المشروع لرب العمل أن يرجع في العقد ويتحلل من المقاولة، على أن يعوض المقاول عما تكلفه من نفقات وما فاته من كسب، بدلاً من المضي في العمل إلى غايته والإنفاق عليه دون فائدة.
وأما المقاول فإنه ليس له حق التحلل من المقاولة بإرادته المنفردة بل يبقى ملزمًا بتنفيذها إلى النهاية، ويجوز لرب العمل إجباره على التنفيذ العيني دون أن يقتصر على مطالبته بالتعويض، ذلك أن لرب العمل مصلحة محققة في هذا التنفيذ العيني، فهو لم يبرم عقد المقاولة إلا للحصول على هذا التنفيذ.
وغني عن البيان أن حق رب العمل في التحلل من المقاولة مع تعويض المقاول ليس من النظام العام، ومن ثم يجوز الاتفاق على خلافه، فيجوز الاتفاق على عدم جواز تحلل رب العمل من العقد كما يجوز الاتفاق على أن يكون لرب العمل التحلل من المقاولة دون أن يدفع أي تعويض أو دون أن يدفع تعويضًا كاملاً بل يقتصر على دفع ما أُثري به على حساب المقاول.
على أنه يجوز للمحكمة - طبقًا للفقرة الثانية من المادة (688) أن تخفض التعويض المستحق للمقاول عما فاته من كسب، إذا كانت الظروف تجعل هذا التخفيض عادلاً.

الفرع الثاني - الأحكام الخاصة بمقاولات المباني والإنشاء:
خصص المشروع هذا الفرع لبعض الأحكام الخاصة بمقاولات المباني والإنشاء، اعتبارًا لأهميتها، ويعرض فيه للتعديلات والإضافات التي قد ترد على المقايسة أو التصميم وللأحكام المتعلقة بمسؤولية المقاول والمهندس عن المباني والمنشآت التي يقيمانها.
فتعرض المادتان (689 و690) لما يترتب على تعديل المقايسة أو التصميم، في مقاولات المباني والإنشاء، أما غير ذلك من المقاولات فتسري في شأن تعديل عقودها القواعد العامة.
ويعرض النص الأول (المادة 689) لمقاولات المباني والإنشاء التي تُبرم على أساس مقايسة تقديرية، تقدر فيها كميات الأعمال المختلفة تقديرًا تقريبيًا ويحدد المقابل لكل وحدة من هذه الأعمال، حيث يقتضي ذلك أن يتفاوت المقابل بحسب كمية الأعمال التي يتم تنفيذها، فلا يكون في زيادة المقابل إذا اقتضى الأمر ذلك ما يخالف طبيعة الاتفاق، ولكن النص يوجب على المقاول إذا تبين له في أثناء التنفيذ، ضرورة مجاوزة المقايسة المقدرة مجاوزة جسيمة، أن يبادر بإخطار رب العمل بذلك مبينًا مقدار ما يتوقعه من زيادة في المقابل نتيجة لهذه المجاوزة.
والمقصود بمجاوزة المقايسة، هو مجاوزة كميات الأعمال المقدرة فيها وليس مجاوزة أسعارها، ولذلك فإن عبارة (مجاوزة المصروفات المقدرة في المقايسة) الواردة في نص المادة (18) من المشروع السابق تكون غير دقيقة في هذا المجال إذ قد ينصرف معناها إلى أن المقصود بالمجاوزة، وهو مجاوزة السعر الوارد في المقايسة، مع أن المقصود هو حالة مجاوزة الكم لا السعر، فمثلاً إذا تبين للمقاول عند حفر الأساس اللازم للبناء الذي يقوم بإنشائه، أنه يجب تعميقه أكثر، وأن هذا التعميق يقتضي كميات من العمل تزيد زيادة جسيمة عما هو مقدر في المقايسة انطبق النص.
كذلك يجب أن تكون المجاوزة غير متوقعة وقت إبرام العقد، أما إذا كانت متوقعة أو من الممكن توقعها، فإن الأجر يزيد بمقدار هذه المجاوزة ولا خيار لرب العمل.
فإذا لم يخطر المقاول رب العمل بالمجاوزة غير المتوقعة، أو أبطأ في إخطاره دون مبرر، أو لم يذكر في الإخطار مقدار ما يتوقعه من الزيادة، سقط حقه في استرداد هذه الزيادة وبقي المقابل بغير تعديل، (مادة 689/ 1).
أما إذا أخطر المقاول رب العمل بالمجاوزة، فحينئذٍ يكون رب العمل مخيرًا - إما أن يوافق على المضي في تنفيذ العمل، ومن ثم يلتزم بزيادة المقابل بما يتناسب مع المجاوزة، وإما أن يتحلل من المقاولة إذا رأى في الزيادة إرهاقًا له، وفي هذه الحالة يكون عليه أن يطلب دون إبطاء، من المقاول وقف العمل، كما يكون عليه أن يوفي المقول قيمة ما أنجزه من الأعمال إلى يوم إخطاره بوقف العمل، وتقدر هذه القيمة بحسب مما هو مقدر في العقد لا يحسب ما أنفقه المقاول فعلاً، ولا يكون للمقاول أن يطالب رب العمل بتعويضه عما كان يمكنه كسبه لو أنه أتم العمل (مادة 689/ 2). ذلك أن رب العمل لم يتحلل هنا من العقد بمحض رغبته، بل إنه اضطر لذلك إزاء الزيادة المرهقة في المقابل.
وغني عن البيان أن النص لا ينطبق حيث تكون المجاوزة في المقايسة غير جسيمة، فحينئذٍ لا يستطيع رب العمل أن يتحلل من العقد بسبب مثل هذه المجاوزة، وتجب عليه زيادة المقابل بما يتناسب معها، شاء ذلك أو أبى، وتقدير ما إذا كانت المجاوزة جسيمة فتجيز لرب العمل التحلل من المقاولة، أو غير جسيمة فتبقيه مقيدًا بها مع زيادة المقابل الزيادة المناسبة، هو من مسائل الواقع التي يستقل قاضي الموضوع بتقديرها دون معقب عليه في ذلك.
ويعرض النص الثاني (المادة 690) لتعديل التصميم في حالة المقاولات التي تبرم على أساس مقابل جزافي يحدد للمقاولة مقدمًا وإجمالاً، بعد وضع تصميم نهائي كامل يتضمن وصفًا لجميع الأعمال المطلوبة ويتم الاتفاق عليه مع رب العمل، أما إذا كان التصميم غير كامل، أو كان تقريبيًا أو احتفظ أحد الطرفين بحق إجراء التعديل فيه أثناء التنفيذ، فلا ينطبق النص. وفي هذه الحالة - التي يعرض لها النص - فإن المقابل الإجمالي الجزافي الذي اتفق عليه الطرفان في عقد المقاولة لا يكون قابلاً للتعديل، فلا يزيد المقابل إذا أدخل المقاول تعديلاً على التصميم ولو كان التعديل هامًا نافعًا بل ولو كان ضروريًا، وليس هذا إلا تمشيًا دقيقًا مع إرادة المتعاقدين، وقد وضع هذا النص حماية لرب العمل - وهو عادةً رجل غير فني قليل الخبرة - من المقاول، وهو دائمًا رجل فني واسع الخبرة، فأتاحت له أن يصل بالاتفاق مع المقاول على مقابل إجمالي جزافي، إلى هذا القدر من الاطمئنان والاستقرار والثبات.
ومع ذلك فإن النص يجيز استثناء زيادة المقابل في حالتين:
الأولى: حالة تعديل التصميم أو زيادة التكاليف لسبب يرجع إلى رب العمل كأن يقدم للمقاول معلومات خاطئة عن الأبعاد التي يريدها للبناء أو يتأخر في الحصول على الترخيص أو في تقديم الأرض التي يتم البناء عليها فينجم عن ذلك تحميل المقاول بنفقات أو تكاليف إضافية - ولا يشترط أن يكون رب العمل سيئ النية ولا حتى أن يكون مقصرًا، فيكفي أن يكون التعديل في التصميم أو زيادة التكاليف ناجمًا عن فعله ومنسوبًا إليه، دون حاجة لأن يثبت في جانبه أي خطأ أو تقصير.
الثانية: إذا حدث في التصميم تعديل أو إضافة، وكان رب العمل قد أذن بذلك، ولم يرَ المشروع بعد ذلك أن يوجب الاتفاق مقدمًا على مقدار الزيادة ولا أن يوجب حصول الاتفاق على التعديل، كتابةً إذا كان عقد المقاولة الأصلي مكتوبًا، كما فعل التقنين المصري وبعض التقنينات الأخرى - اكتفاءً بالقواعد العامة في الإثبات.
ويعرض نص المادة (691) من المشروع لحالة خاصة هي حالة إقامة بناء أو إنشاء على أرض مقدمة من رب العمل إذا كانت تشوبه عيوب تبلغ من الجسامة حدًا يجعله غير صالح للاستعمال المقدر له، فيكون لرب العمل أن يرفض تسلمه طبقًا للأحكام الواردة في المادة (673) ويقتضي الأمر إزالته. ولما كانت إزالة البناء أو الإنشاء في هذه الحالة قد ترتب أضرارًا بالغة للمقاول، فقد رأى المشروع أن يقصر حق رب العمل في هذه الحالة على طلب إنقاص المقابل أو إصلاح العيب إن كان ممكنًا دون إزالة البناء أو الإنشاء، وكل ذلك دون إخلال بالحق في التعويض إن كان له مقتض، وهذا النص مأخوذ عن المشروع التمهيدي المصري الذي أخذه بدوره عن تقنين الالتزامات السويسري وهو مجرد تطبيق للقواعد العامة في حالة ما إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين.
وأخيرًا ضمن المشروع نصوص المواد من (692 – 697) أحكامًا خاصة في ضمان المقاول والمهندس لما يقيماه من مبانٍ أو منشآت ثابتة أخرى، حتى يدفعهما إلى بذل كل عناية ممكنة فيما يشيدانه من المباني والمنشآت، نظرًا لخطورة ما يترتب على تهدمها أو تصدعها بالنسبة إلى رب العمل وبالنسبة إلى الغير، ويلاحظ بالنسبة لهذه النصوص ما يأتي:
1 - تنطبق أحكام هذه النصوص إذا وقعت المقاولة على منشآت ثابتة وفي مقدمة هذه المنشآت المباني من أي نوع كان، سواء كانت مشيدة بالطابوق أو بالحجارة أو بالخشب أو بغيره، ما دامت مستقرة ثابتة لا يمكن نقلها دون هدمها، ومن ذلك أيضًا الجسور والسدود والخزانات والبوابات، وأجهزة التكييف المركزية والمداخن، ولا يتحتم أن تكون هذه المنشآت فوق الأرض، بل يصح أن تكون تحتها أو في مستواها كالطرق والأنفاق.
2 - يترتب الضمان أولاً في ذمة المقاول الذي يُعهد إليه في إقامة المنشآت الثانية. وقد يعهد رب العمل تنفيذ ذلك إلى عدة مقاولين، فيعهد إلى مقاول بوضع الأساس والقيام بأعمال البناء الأخرى، وإلى مقاول آخر بأعمال النجارة وإلى ثالث بأعمال الحدادة، وإلى رابع بالأعمال الصحية وهكذا، فيعتبر كل من هؤلاء مقاولاً في حدود الأعمال التي يقوم بها ويكون ملتزمًا بالضمان في هذه الحدود، كذلك يترتب الضمان في ذمة المهندس الذي يعهد إليه رب العمل في وضع التصميمات والرسومات والنماذج اللازمة لإقامة المنشآت أو جانب منها، أو الذي قد يُعهد إليه بإدارة العمل أو بالإشراف على تنفيذه ولا يُشترط أن يكون مهندسًا معماريًا بل إن أي مهندس إنشائي أو ميكانيكي أو كهربائي أو مدني أو غيره يكون ملتزمًا بالضمان إذا قام بمهمة من المهمات المشار إليها وذلك في حدود العمل الذي قام به.
3 - طبقًا للفقرة الثالثة من المادة (692) يشمل الضمان ما يحدث في المنشآت من تهدم كلي أو جزئي أو خلل ولو كان التهدم ناشئًا عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، لأن الخطأ هو خطأ المقاول، ولم يفعل رب العمل سوى أن يجيز هذا الخطأ والمفروض أنه شخص غير فني فلا يعتمد بإجازته ولا يكون لها أثر في مدى مسؤولية المقاول عن الضمان.
كما يشمل الضمان أيضًا ما يظهر في المنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانتها وسلامتها، سواء كان العيب في المواد المستخدمة أو في أصول الصنعة أو في الأرض التي أُقيم الإنشاء عليها أو تحتها، كأن تكون الأرض هشة ولم تتخذ الإجراءات التي تستوجبها أصول الصنعة لتقويتها أو تعميق الأساس فيها، ولا يشترط أن يكون العيب خفيًا، فلو كان العيب ظاهرًا بحيث يمكن كشفه بالفحص المعتاد، فإن تقبل رب العمل للعمل دون اعتراض لا يسقط الضمان.
4 - وإذا اقتصر عمل المهندس على وضع التصميم، دون الإشراف على التنفيذ فإنه لا يكون مسؤولاً إلا عن العيوب التي أتت من التصميم، دون العيوب التي ترجع إلى طريقة التنفيذ (مادة 693/ 1) سواء كانت عيوب التصميم راجعة إلى خطأ فني، أو إلى مخالفة قوانين البناء ولوائحه، غير أن المهندس إذا أشرف على التنفيذ يكون مسؤولاً عن عيوب التصميم وعن عيوب التنفيذ معًا (مادة 693/ 2).
أما المقاول، فإنه لا يكون مسؤولاً إلا عن العيوب التي تقع في التنفيذ دون العيوب التي تأتي من الغلط أو عدم التبصر في وضع التصميم (مادة 694/ 1). ولكن إذا كان العيب في التصميم من الوضوح بحيث لا يخفى على المقاول، كأن يكون متعلقًا بمخالفة قوانين البناء ولوائحه ويقوم المقاول على تنفيذ التصميم بالرغم من ظهور العيب فيه، فإنه يكون هو أيضًا ملتزمًا بالضمان، ومن ثم فإنه يكون على المقاول إذا ظهر له عيب في التصميم أن يقف العمل ولا يعود إليه إلا إذا تم إصلاح العيب ومع ذلك يكون المقاول مسؤولاً عن العيوب التي ترجع إلى التصميم إذا كان المهندس الذي قام بوضعه تابعًا للمقاول (مادة 694/ 2). فإذا كان كل من المهندس والمقاول مسؤولاً عما وقع في التنفيذ من عيب، كانا متضامنين في المسؤولية (مادة 695)، وعلى ذلك فإذا أشرف المهندس على التنفيذ فإنه يكون متضامنًا مع المقاول في حدود عيوب التنفيذ ومستقلاً وحده في الضمان من عيوب التصميم، الذي وضعه بتكليف من رب العمل، وإذا كان المقاول مسؤولاً عن العيب في التصميم لوضحه كان متضامنًا مع المهندس في ذلك، وقد روعي في وضع هذه الأحكام أن التصميم يجب أن يقوم بوضعه مهندس مختص كما تنص قوانين تنظيم أعمال البناء.
وغني عن البيان أنه إذا قُضي على أي من المهندس أو المقاول بالتعويض كاملاً لقيام التضامن فإنه يكون له أن يرجع على الآخر وتقسم المسؤولية بينهما بنسبة مساهمة خطأ كل منهما في أحداث الضرر مع مراعاة جسامة الخطأ.
5 - يتحقق الضمان إذا حدث سببه خلال عشر سنوات تبدأ من وقت إتمام البناء أو الإنشاء (مادة 692/ 1) وهو ما يتمشى مع الحكمة من فرض هذا الضمان، وفي ذلك يتفق المشروع مع المشروع الفرنسي الإيطالي (522) والتقنين الإسباني (1591) والتقنين الإيطالي. أما التقنين المصري والتقنينات العربية الأخرى وكذلك تقنين الالتزامات السويسري، فيبدأ سريان المدة فيها من وقت تسلم العمل (أو تقبله كما هو المقصود).
وغني عن البيان أن مدة العشر سنوات هي مدة اختبار لصلابة المنشآت ومتانتها، وليست مدة تقادم، ومن ثم فلا تكون عرضة لأن توقف ولو وجد مانع يتعذر معه على رب العمل أن يطالب بحقه، وكذلك لا تكون عرضه لأن تنقطع.
وتحديد المدة التي يبقى فيها المقاولون والمهندسون مسؤولين عن خلل البناء بعشر سنوات أخذ به المشروع جريًا على نسق التقنين المصري (م 651) وغالبية التقنينات التي أخذت عنه، وقد أخذ بهذه المدة أيضًا التقنين الفرنسي (م 1792) والتقنين الأردني (788) والتقنين المغربي (م 769) والمشروع الفرنسي الإيطالي (م 522) والمشروع الكويتي السابق (م 6). أما تقنين الالتزامات السويسري (م 371) والتقنين اللبناني (م 668) والتقنين العراقي (م 870) والتقنين السوداني (م 525) فقد أنقصت جميعها المدة إلى خمس سنوات، ومع ذلك يجوز أن تكون مدة الضمان أقل من عشر سنوات إذا كان المقصود من المنشآت ألا تبقى طوال هذه المدة (مادة 698/ 2) فإذا كان هناك معرض مدته سنة مثلاً، وأقام أحد العارضين مبنى في المعرض. يعرض فيه منتجاته فإن من المفروض أن هذا المبنى لا يدوم إلا سنة واحدة، هي مدة بقاء المعرض، وفي هذه الحالة تكون مدة الضمان سنة واحدة لا عشر سنوات.
ولتطبيق هذا الحكم يجب أن يتبين أن المتعاقدين قصدا بالبناء أن يبقى لمدة أقل من عشر سنوات، فلا يكفي مجرد النص في عقد المقاولة على مدة للضمان أقل من عشر سنوات.
6 - تسقط دعوى الضمان بانقضاء ثلاث سنوات على حصول التهدم أو انكشاف العيب (المادة 696 من المشروع) وهي سنة في بعض التقنينات الأخرى (المادة 6 من المشروع الكويتي السابق والمادة 870 من التقنين العراقي والمادة 791 من التقنين الأردني، والمادة 528 من التقنين السوداني).
ويخلص من ذلك أن رب العمل يستطيع أن يرفع دعوى الضمان خلال ثلاث سنوات يبدأ سريانها من وقت انكشاف العيب أو حصول التهدم، فإذا انكشف العيب أو حصل التهدم بعد خمس سنوات مثلاً من وقت إتمام الإنشاء، كان أمامه ثلاث سنوات أخرى لرفع دعوى الضمان أي إلى انقضاء ثماني سنوات من وقت إتمام الإنشاء، وإذا انكشف العيب أو حصل التهدم في آخر السنة العاشرة من وقت إتمام الإنشاء، كان أمامه ثلاث سنوات أخرى لرفع الدعوى، أي ثلاث عشرة سنة من وقت إتمام العمل، وتكون هذه هي أقصى مدة يمكن أن تنقضي من وقت إتمام الإنشاء إلى وقت رفع دعوى الضمان فإذا انقضت مدة الثلاث سنوات ولم ترفع دعوى الضمان خلالها، فإن الدعوى تسقط.
7 - تعتبر أحكام الضمان الخاص الذي تعرض له النصوص المتقدمة - خلافًا لأحكام الضمان بوجه عام - من النظام العام وفي ذلك تنص المادة (697) من المشروع على أن كل شرط بإعفاء المهندس أو المقاول من الضمان أو بالحد منه يكون باطلاً ويبرر ذلك أن رب العمل لا يكون عادة ذا خبرة فنية ولذلك حماه المشروع هذه الحماية الخاصة، ومن ثم فلا يجوز الاتفاق مقدمًا على الإعفاء من الضمان أو على الحد منه، أما بعد تحقق سبب الضمان وتبين رب العمل خطورة العيوب التي انكشفت، فإنه يكون له وقد ثبت حقه في الضمان أن ينزل عن هذا الحق كله أو بعضه نزولاً صريحًا أو ضمنيًا، ولكنه لا يوجد ما يمنع من الاتفاق مقدمًا على تشديد الضمان، إذ أن الضمان إنما قُصد به حماية رب العمل، فليس هناك ما يحول دون أن يقوي رب العمل هذه الحماية باتفاق خاص.
الفصل الثاني: الوكالـة:
الوكالة شرعًا إقامة الغير مقام نفسه في تصرف معلوم ودليل جوازها قوله تعالي (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) لأن ذلك كان توكيلاً، وما روي من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم وَكَّل حكيم بن حزام بشراء الأضحية، كما أجمعت الأمة على جوازها من لدن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وسببها حاجة الناس إليها لترفهم أو عجزهم.
وأحكام الوكالة في القانون الكويتي الحالي موزعة بين مصادر مختلفة: فقد عرضت المجلة للوكالة في الكتاب الحادي عشر منها (المواد 1449 - 1530) فتكلمت على ركنها وتقسيمها وبينت شروطها وأحكامها وعرض لها أيضًا قانون التجارة في الباب الرابع من الكتاب الثالث (المواد 543 - 558)، كما تضمن قانون التسجيل العقاري بعضًا من أحكامها.
وقد أعاد المشروع تنظيم هذه الأحكام بعد تعديلها التعديلات المناسبة، مراعيًا في ذلك عدم تكرار النصوص التي أوردها في القواعد العامة للالتزامات عند الكلام عن النيابة، فعرض في عقد الوكالة، أساسًا للأحكام المتعلقة بعلاقة الموكل بالوكيل، مع الإحالة على أحكام النيابة في الأحكام الأخرى المتعلقة بالعلاقة مع الغير الذي يتعاقد معه الوكيل.
وتبدأ نصوص المشروع بتعريف الوكالة، فتعرفها المادة (698)، بأنها عقد يقيم به الموكل شخصًا آخر مقام نفسه في مباشرة تصرف قانوني.
ويخلص من هذا التعريف أن محل الوكالة الأصلي يكون دائمًا تصرفًا قانونيًا، حتى لو استتبع هذا التصرف القيام بأعمال مادية تعتبر ملحقة به وتابعة له، وهذا ما يميز الوكالة عن غيرها من العقود، وبخاصة عقدي العمل والمقاولة، أما إذا كان العمل المعهود به قد تمحض عملاً ماديًا، فإن العقد لا يكون وكالة، بل قد يكون عقد عمل أو عقد مقاولة.
والتصرف القانوني محل الوكالة يجب أن يكون جائزًا، أي مشروعًا، فإذا كان غير مشروع لمخالفته للقانون أو للنظام العام أو للآداب، كان باطلاً وكان التوكيل فيه أيضًا باطلاً، ومع ذلك فقد تحدد نصوص القانون من يجوز توكيله في أمر من الأمور المشروعة، ومن ثم يكون توكيل غير من حددته هذه النصوص غير جائز لمخالفته للقانون، ومن ذلك التوكيل في الخصومة، فهو وإن كان في الأصل جائزًا، لأنه توكيل في أمر مشروع، غير أن نصوص قانون المرافعات تحدد من يجوز توكيله في الحضور أمام القضاء.
وغني عن البيان أن التصرف القانوني محل الوكالة، يجب أن يكون أيضًا ممكنًا وهو ما تقضي به القواعد العامة، فإذا كان مستحيلاً، كانت الوكالة باطلة تبعًا لذلك، ومع هذا قد يكون التصرف القانوني ممكنًا، ولكن طبيعته لا تقبل التوكيل فيه إذ يكون عملاً يقتضي أن يقوم به صاحبه شخصيًا، ومن ذلك حضور الخصم أمام القضاء للاستجواب أو لحلف اليمين.
أولاً: أركان الوكالة:
يعرض المشروع في المادة (699) منه لأهلية الموكل، أي الأصيل، فالتصرف القانوني الذي يبرمه النائب لحساب الأصيل وباسمه ينصرف أثره إلى الأصيل مباشرة (المادة 57 من المشروع) ولذلك وجب أن يكون الموكل أهلاً أن يؤدي بنفسه التصرف الذي وكل به غيره، والعبرة في توافر الأهلية في الموكل هي بوقت الوكالة بالوقت الذي يباشر فيه الوكيل التصرف أيضًا، أما الوكيل فإن أهليته تخضع للقواعد العامة.
وتعرض المادة (700) من المشروع لشكل الوكالة فتنص على أنه يجب أن يتوافر فيها الشكل الواجب توافره في التصرف القانوني محل الوكالة، فلما كان الأصل في التصرفات القانونية أن تكون رضائية لا تستوجب شكلاً خاصًا، فكذلك الأصل في الوكالة أن تكون هي أيضًا رضائية، ولكن هناك عقودًا شكلية تقتضي لانعقادها شكلاً خاصًا، ورقة رسمية أو ورقة مكتوبة مثلاً، فهذه يجب أن تكون الوكالة فيها أيضًا شكلية، وهو استثناء من الأصل العام الذي قررته المادة (55) من المشروع.
ويعرض المشروع في المواد من (701 إلى 703) لنطاق الوكالة، فالوكالة تنقسم من ناحية التصرفات القانونية التي تكون محلاً لها، إلى قسمين رئيسيين: وكالة عامة ووكالة خاصة.
أما الوكالة العامة فهي التي ترد في ألفاظ عامة، فلا يعين فيها الموكل محل التصرف القانوني المعهود به إلى الوكيل بل ولا يعين نوع هذا التصرف ذاته فيقول للوكيل مثلاً: وكلتك في إدارة أعمالي، أو في مباشرة ما تراه صالحًا لي، أو جعلتك وكيلاً مفوضًا عني، أو نحو ذلك من العبارات التي تشير إلى الإدارة أو لا تشير إليها، ولكنها حتى لو أشارت إلى الإدارة تكون في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها. وسواء أشارت الوكالة العامة إلى الإدارة أو لم تشر، فإنها لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة (مادة 701/ 1) وقد أورد المشروع في الفقرة الثانية من المادة (701) طائفة من أعمال الإدارة التي تشملها الوكالة العامة، ولكن هذه الأعمال لم ترد على سبيل الحصر، بل ذُكرت على أنها من أبرز أعمال الإدارة، فهناك أعمال إدارة أخرى لم يذكرها النص ويمكن أن يقوم بها الوكيل ومن ذلك التنفيذ على أموال مديني الموكل لاستخلاص حقوقه، ورفع دعاوى الحيازة دون دعاوى الملكية ودعاوى القسمة فهذه وتلك تقتضي توكيلاً خاصًا وكذلك يكون للوكيل أن يرفع جميع الدعاوى التي تنشأ من أعمال الإدارة التي يقوم بها، وأن يشطب الرهن بعد استيفاء الحق، كما يكون له قبل ذلك أن يقيد الرهن وأن يجدد قيده.
وأما الوكالة الخاصة فهي التي تتحدد بتصرف أو تصرفات قانونية معينة، سواء كانت من أعمال الإدارة كالتوكيل بالإيجار أو بأعمال الحفظ والصيانة، أو كانت من أعمال التصرف، كالتوكيل بالبيع والشراء والصلح والتحكيم، فأعمال الإدارة تحتمل الوكالة العامة كما تحتمل الوكالة الخاصة، ولكن التصرفات التي لا تدخل في أعمال الإدارة لا يصح أن تكون محلاً إلا لوكالة خاصة (مادة 702/ 1) لخطورتها، وفي ذلك يجوز أن تقتصر الوكالة الخاصة على تصرف واحد من هذه التصرفات، كبيع منزل معين أو رهنه، كما يجوز أن تشمل نوعًا معينًا منها، كالتوكيل في البيع أو التوكيل في الرهن، دون تعيين للمحل الذي يقع عليه التصرف، ومع ذلك فإنه إذا كان التصرف من التبرعات كالهبة وكالإبراء، فإن التوكيل فيه يجب أيضًا أن يعين المحل الذي يرد عليه التصرف. فلا يكفي أن يوكل شخص شخصًا آخر في الهبة أو في الإبراء دون تعيين للمحل وذلك لخطورة هذه التصرفات، بل يجب أن يعين المال الذي وكله أو الدين الذي وكله في هبته أو الدين الذي وكله في الإبراء منه (مادة 702/ 2) والأصل أن الوكالة – سواء كانت عامة أو خاصة – لا تجعل للوكيل صفة إلا في مباشرة الأمور المحددة فيها، فالتوكيل بالإبراء من دين لا يشمل التوكيل بحوالته، والتوكيل ببيع منزل لا يشمل التوكيل بإيجاره والتوكيل بالصلح لا يشمل التوكيل بالتحكيم. ولكن الوكالة مع ذلك تشمل كل ما يقتضيه تنفيذها من تصرفات أو أعمال ضرورية، ويرجع في ذلك إلى طبيعة التصرف محل الوكالة وإلى ما جرى به العرف وقبل ذلك إلى ما انصرفت إليه إرادة المتعاقدين (مادة 703).
فالوكالة العامة يمكن أن تمتد أيضًا إلى أعمال التصرف، إذا كانت أعمال الإدارة تقتضيها، ومن ذلك بيع المحصول وقبض ثمنه، وبيع المنقول الذي يسرع إليه التلف، وشراء ما يستلزمه المال الذي يديره الوكيل من أدوات لحفظه واستغلاله. والوكالة بالبيع تشمل تسليم البيع، والوكالة بالشراء تشمل تسلم الشيء المشترى، والوكالة بالإيجار تشمل تسليم المأجور، والوكالة بالاقتراض تشمل تسلم مبلغ القرض كما تشمل الوكالة بقبض الدين إعطاء المخالصة بدفعه وشطب الرهن الذي يضمنه وقبض الدين قبل ميعاد حلوله، واستيفاء جزء من الدين إذ جرى العرف بذلك أو انصرفت إليه نية المتعاقدين وهكذا.
ثانيًا: آثار الوكالة:
1 – التزامات الوكيل:
تعرض نصوص المواد من (704 إلى 707) لالتزامات الوكيل: ( أ ) وأول هذه الالتزامات تنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة وعدم مجاوزتها، ولكن للوكيل أن يخرج في تصرفه عن هذه الحدود متى كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفًا إذا كانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف، وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل بخروجه عن حدود الوكالة ليتبين موقفه (مادة 704).
(ب) كذلك يجب أن يبذل الوكيل في تنفيذ الوكالة القدر الواجب من العناية، فإذا كانت الوكالة بأجر، وجب على الوكيل أن يبذل في تنفيذها عناية الشخص العادي (مادة 705 / 2) أما إذا كانت بغير أجر، فإن على الوكيل أن يبذل في تنفيذها العناية التي يبذلها في أعماله الخاصة، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الشخص العادي (705/ 1). 
(ج) ويلتزم الوكيل باطلاع موكله عن الحالة التي وصل إليها في تنفيذ الوكالة أثناء سريانها، من تلقاء نفسه أو كلما طلب منه الموكل ذلك في أوقات معقولة، وأن له حسابًا عن وكالته عند انتهائها ويجب أن يكون الحساب مفصلاً شاملاً لجميع أعمال الوكالة ومؤيدًا بالمستندات، حتى يتمكن الموكل من أن يستوثق من سلامة تصرفات الوكيل وإذا تعدد الوكلاء قدموا حسابًا واحدًا إلا إذا كانت أعمال الوكالة موزعة بينهم فيقدم كل وكيل حسابًا مستقلاً عن أعماله، ومع ذلك لا يكون الوكيل ملتزمًا بتقديم حساب عن وكالته إذا قضت طبيعة المعاملة أو الظروف أو الاتفاق بذلك، فقد تقضي طبيعة المعاملة بعدم تقديم حساب، إذا كان التصرف محل الوكالة لا يحتمل تقديم حساب عنه، كالوكالة في الإقرار أو في الزواج أو في الطلاق. وقد تقضي الظروف بالإعفاء عن تقديم الحساب نظرًا للصلة القائمة بين الموكل والوكيل. وكذلك قد يتفق الموكل مع الوكيل على عدم تقديم حساب فيكون هذا الاتفاق صحيحًا (مادة 706).
(د) وأخيرًا، يلتزم الوكيل، إذا وقع في يده مال للموكل، ألا يستعمل هذا المال لصالح نفسه بدون إذن وإلا كان ملزمًا بتعويض الموكل تعويضًا عادلاً يقدره القاضي بمراعاة ظروف الحال (مادة 707).
ويعرض المشروع بعد ذلك في المادتين (708 و709) لتعدد الوكلاء ومسؤوليتهم فيفرق في ذلك بين فرضين:
الأول: أن يعين الوكلاء بعقود متفرقة، وفي هذه الحالة يجوز لأي وكيل منهم أن ينفرد بالعمل، إلا إذا اشترط الموكل عليهم أن يعملوا مجتمعين، فعندئذٍ لا يجوز لأحد منهم أن ينفرد بالعمل (مادة 708/ 1).
الثاني: أن يعين الوكلاء بعقد واحد وفي هذه الحالة يجب عليهم أن يعملوا مجتمعين إلا إذا رخص الموكل لهم، صراحةً أو ضمنًا، في الانفراد بالعمل.
على أنه يستثنى مما تقدم أن يكون التصرف محل الوكالة مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي، فيجوز لأي من الوكلاء أن يباشره منفردًا (مادة 708 / 2)، لانتفاء الحكمة من وجوب اجتماعهم، ومثال ذلك أن يكون التصرف هو قبض دين معين أو الوفاء به أو الإبراء منه.
والأصل أنه إذا تعدد الوكلاء، فإنهم لا يكونون متضامنين في التزاماتهم قبل الموكل باعتبارهم مدينين، لان التزاماتهم ناشئة عن العقد، ولا تضامن في الالتزامات العقدية إلا باتفاق أو بنص في القانون، على أن المشروع قد نص في المادة (709) على تضامن الوكلاء في حالتين:
( أ ) إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام، كأن يكون العمل الموكل به هو بيع منزل معين وقبض ثمنه، فلا يتصور في هذه الحالة أن ينفرد كل وكيل بالعمل إذ أن صفقة البيع لا تتجزأ، ومن ثم يجب على الوكيلين أن يعملا مجتمعين ويكونان مسؤولين في ذلك بالتضامن قبل الموكل.
(ب) إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام ولكن الضرر الذي أصاب الموكل كان نتيجة خطأ مشترك من الوكلاء جميعهم، ففي هذه الحالة يكون الوكلاء مسؤولين بالتضامن قبل الموكل، وفي غير هاتين الحالتين، لا يكون الوكلاء المتعددون متضامنين فيما بينهم إلا إذا اشترط التضامن.
على أن الوكلاء لا يسألون – ولو كانوا متضامنين – عما فعله أحدهم مجاوزًا حدود الوكالة. فإذا انفرد أحدهم بمجاوزة حدود الوكالة فإنه يكون مسؤولاً وحده قبل الغير الذي تعامل معه إذا كان الموكل قد رفض إقرار عمل الوكيل.
وأخيرًا يتفق نص المادة (710) من المشروع مع المجلة في أنه لا يجيز للوكيل أن يقيم نائبًا عنه إلا بإذن الموكل، فإذا رخص الموكل للوكيل في إقامة نائب عنه دون تعيين لشخصه، فإن الوكيل لا يكون مسؤولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات، ويجوز في هذه الحالة للموكل ونائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر.
2 - التزامات الموكل:
تعرض المواد (711 - 714) لالتزامات الموكل قبل الوكيل، فهو يلتزم بأن يدفع له الأجر وأن يرد له ما أنفقه وأن يعوضه عما يصيبه من ضرر بسبب تنفيذ الوكالة.
( أ ) أما عن الالتزام بدفع الأجر:
فالشائع في غالبية التقنينات أن الوكالة تكون تبرعية ما لم يتفق على غير ذلك، وهو حكم موروث عن تقاليد القانون الروماني حيث كانت بعض المهن الحرة، وبخاصة مهنة المحامي ومهنة الطبيب، من المكانة الرفيعة في نظر الرومان بحيث تترفع عن الأجر ولكنه مع تطور الظروف الاقتصادية وما تقتضيه من أن يعيش أصحاب المهن الحرة من ممارسة مهنهم، أجيز لهم، لا أن يأخذوا أجرًا، بل أن يتقاضوا أتعابًا تحمل معنى التقدير، وانتقلت هذه التقاليد إلى مدونة نابليون عبر القانون الفرنسي القديم فجعلت الوكالة تبرعًا في الأصل، ولا يكون للوكيل أجر إلا إذا اتفق عليه مع الموكل، وتأثر القضاء الفرنسي بأن أجر الوكيل لا يكون إلا باتفاق فذهب إلى أنه حتى مع وجود هذا الاتفاق يجوز للقضاء تخفيض أجر الوكيل. ثم انتقلت هذه الأحكام إلى التقنين المصري كما انتقلت إلى غيره من التقنينات.
وقد آثر المشروع ألا يغير من هذه الأحكام، فالوكالة تكون في الأصل تبرعية ما لم يشترط أو يتبين من الظروف خلاف ذلك، وتقدير ذلك متروك لقاضي الموضوع.
فإذا اتفق الطرفان على مقدار الأجر، كان هذا المقدار خاضعًا لتقدير القاضي، إلا إذا دُفع طوعًا بعد تنفيذ الوكالة.
(ب) وقد يقتضي تنفيذ الوكالة نفقات يصرفها الوكيل، فيلتزم الموكل بردها إليه طبقًا لنص المادة (712) من المشروع. ولكنه يجب أن تكون هذه النفقات قد استلزمها تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد، فلا يسترد الوكيل نفقات يجاوز بها حدود الوكالة أو تكون غير لازمة لتنفيذ الوكالة، أو تكون نفقات غير معقولة كان يمكن تفاديها لو نفذت الوكالة التنفيذ المعتاد بأن بذل الوكيل في تنفيذها العناية الواجبة ولم يرتكب خطأ في ذلك، وغني عن البيان أن هذه النفقات يجب أن تكون مشروعة، فلو دفع الوكيل رشوة لم يجز له استردادها.
والوكيل يسترد هذه النفقات مهما كان حظه من النجاح في مهمته، وحتى ولو فشل فيها لأن التزامه التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية.
كذلك يلتزم الموكل أن يقدم للوكيل المبالغ اللازمة للإنفاق منها في تنفيذ الوكالة ما لم يتفق على خلاف ذلك (712/ 2).
(جـ) وإذا أصاب الوكيل ضرر من تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد ولم يكن قد ارتكب خطأ تسبب عنه هذا الضرر، فإن له أن يرجع على الموكل بتعويض هذا الضرر (مادة 713) يستوي في ذلك أن يكون الوكيل قد نجح في مهمته أو لم ينجح.
وتنص المادة (714) من المشروع على أنه إذا تعدد الموكلون في تصرف واحد، كانوا متضامنين في التزاماتهم قبل الوكيل دون حاجة إلى شرط خاص في ذلك، فلو وكل عدة أشخاص محاميًا في قضية مشتركة بينهم كانوا متضامنين في دفع الأجر للمحامي ورد المصروفات وتحمل الالتزامات الأخرى.
ويستوي بعد ذلك أن تكون الوكالة بأجر أو أن تكون بغير أجر، كما يستوي أن يكون الوكيل قد نجح في مهمته أو لم ينجح. ففي كل هذه الأحوال يكون الموكلون المتعددون متضامنين نحو الوكيل في جميع التزاماتهم الناشئة عن عقد الوكالة ويستطيع الوكيل الرجوع على أي منهم بأي التزام من هذه الالتزامات كاملاً.
على أن تضامن الموكلين على النحو السالف ليس من النظام العام، ومن ثم يجوز الاتفاق على استبعاد التضامن، ويصبح كل موكل مسؤولاً عن الالتزامات بالنسبة التي يتفق عليها، فإن لم يتفق على نسبة معينة، كان مسؤولاً بنسبة ما له من مصالح.
وكل ما تقدم خاص بالعلاقة بين الموكل والوكيل، أما في علاقة كل من الموكل والوكيل بالغير، فإن أحكام الوكالة تتفق مع أحكام النيابة بوجه عام والتي نظمها المشروع في المواد من (56 إلى 61) وقد اقتضى ذلك عدم تكرار هذه الأحكام والإحالة في شأنها إلى الأحكام الخاصة بالنيابة في التعاقد (مادة 715 من المشروع).
ثالثًا: انتهاء الوكالة:
تعرض نصوص المواد من (716 إلى 719) لانتهاء الوكالة:
1 - فالوكالة تنتهي انتهاءً عاديًا، بإتمام العمل الموكل فيه وبانقضاء الأجل المعين لها، كما تنتهي أيضًا بموت الموكل أو موت الوكيل أو بفقد أحدهما أهليته (مادة 716)، لأن لشخصية كل متعاقد اعتبارًا في نظر الآخر، على أن انتهاء الوكالة بموت أحد طرفيها ليس من النظام العام، ومن ثم يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك.
2 - والوكالة عقد غير لازم، فللموكل أن يعزل الوكيل في أي وقت قبل إتمام العمل محل الوكالة، فتنتهي الوكالة بعزله وله من باب أولى أن يقيد من وكالته (مادة 717/ 1) كأن يوكله في البيع وقبض الثمن ثم يقيد الوكالة بالبيع دون قبض الثمن، فيكون هذا عزلاً جزئيًا من الوكالة، وتعتبر هذه القاعدة من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، على أنه يرد على حق الموكل في عزل الوكيل أو تقييد وكالته قيدان، (الأول) أنه إذا عزل الموكل الوكيل بغير مبرر معقول أو في وقت غير مناسب. فإنه على الرغم من صحة العزل وانعزال الوكيل به. فإنه يكون للوكيل أن يرجع على الموكل بالتعويض عما لحقه من ضرر من جراء هذا العزل (مادة 717/ 3)، (الثاني) أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح شخص من الغير، فإنه لا يجوز في هذه الحالة عزل الوكيل أو تقييد الوكالة دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه (مادة 717/ 2)، ومثل أن تكون الوكالة في صالح الوكيل، أن يوكل الشركاء في الشيوع شريكًا منهم في إدارة المال الشائع، وأن يوكل المؤمن له شركة التأمين في الدعوى التي ترفع منه أو عليه حسب الخطر المؤمن منه، ومثل أن تكون الوكالة في صالح الغير أن يوكل شخص شخصًا آخر في بيع منزل له وقبض الثمن ووفاء دين في ذمته للغير من هذا الثمن، فهذه وكالة في صالح الغير وهو الدائن.
كذلك يجوز للوكيل أن يتنحى عن الوكالة في أي وقت قبل إتمام العمل الموكول إليه، ويتم التنحي بإعلانه للموكل (مادة 718) فلا ينتج التنحي أثره إلا بوصوله إلى علم الموكل، وجواز تنحي الوكيل كجواز عزله، قاعدة من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها ولكنه يرد على جواز تنحي الوكيل عن الوكالة قيدان (الأول) أنه إذا تنحى عنها في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول صح تنحيه، ولكنه يكون مسؤولاً عن تعويض الموكل عما يلحقه من ضرر (مادة 718/ 1)، (الثاني) أنه إذا كانت الوكالة لصالح شخص من الغير، فلا يجوز التنحي عن الوكالة إلا إذا وجدت أسباب جدية تبرر هذا التنحي مع إخطار الغير وإعطائه وقتًا كافيًا ليتخذ ما يراه مناسبًا لرعاية مصالحه (مادة 718/ 2)، أما إذا كانت الوكالة لصالح الوكيل نفسه فإنه يجوز له التنحي دون شرط لأنه هو الذي يقدر مصلحته، وقد طبق القانون رقم (42) لسنة 1964 في شأن تنظيم مهنة المحاماة، هذه القواعد على تنحي المحامي عن وكالته، فأوجب عليه أن يخطر موكله بتنحيه بكتاب موصى عليه وأن يستمر في مباشرة إجراءات الدعوى شهرًا على الأكثر، ولا يجوز له التنحي إذا كان منتدبًا للدفاع عن الفقير إلا لأسباب تقبلها لجنة المعونة القضائية أو المحكمة المنظورة أمامها الدعوى (المادتان 26 و29 من القانون المذكور).
3 – وإذا انتهت الوكالة قبل انتهاء العمل الموكل فيه، فإنه يجب على الوكيل بالرغم من انتهاء وكالته بالعزل أو التنحي أو موت الموكل أو غير ذلك من الأسباب أن يستمر في الأعمال التي بدأها حتى يصل بها إلى مرحلة لا يخشى معها ضرر على الموكل. أما إذا كانت الوكالة قد انتهت بموت الوكيل، فإنه يكون على ورثته إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة، أن يتخذوا من التدابير ما تقتضيه الحال لصالح الموكل، وأن يبادروا بأخطاره بموت مورثهم حتى يتدبر أموره (المادة 719). وغني عن البيان أنه إذا لم تتوافر في الورثة الأهلية اللازمة للقيام بهذه الأعمال التحفظية، فلا التزام عليهم حتى لو كان لهم نائب يمثلهم يستطيع أن يقوم عنهم بهذه الأعمال.
الفصل الثالث – الإيداع:
عرضت المجلة لعقد الإيداع في الكتاب السادس منها المتعلق بالأمانات. كما عرض قانون التجارة لبعض أنواع من الإيداع هي الإيداع في المخازن العامة والإيداع في البنوك (المواد 528 - 542 و630 – 632).
وقد وضع المشروع هذا العقد في مكانه بين العقود الواردة على العمل، وبعد أن عرف الإيداع حدد التزامات الوديع (المودع عنده) والتزامات المودع وبين أسباب انتهاء العقد، ثم عرض لبعض أنواع الإيداع فوضع لها ما تقتضيه من أحكام.
وتعرف المادة (720) الإيداع بأنه عقد يلتزم الوديع بمقتضاه أن يتسلم من المودع شيئًا لحفظه، وأن يرده عينًا .
ويتضح من هذا التعريف أن الإيداع عقد رضائي، يلتزم الوديع بموجبه أن يتسلم شيئًا، منقولاً أو عقارًا، ليتولى حفظه ثم يرده عينًا. فالعقد يتم قبل التسليم، أما تسلم الوديعة فهو التزام في ذمة الوديع بعد انعقاد العقد، وفي ذلك يتفق المشروع مع التقنيين المصري والتقنينات التي حذت حذوه، وكذلك مع تقنين الالتزامات السويسري.
أما التقنينات العربية الأخرى وكذلك غالبية التقنينات الأجنبية فإن الإيداع فيها عقد عيني.
أولاً: التزامات الوديع:
وتعرض المواد (721 – 725) لالتزامات الوديع فهو بأن يتسلم الوديعة وبأن يقوم بحفظها، وبأن يردها للمودع عند انتهاء الإيداع.
1 – فالوديع يلتزم طبقًا لنص المادة (721) بأن يتسلم الوديعة، بحيث لو امتنع عن ذلك اعتبر مخلاً بالتزامه وتحمل بالمسؤولية طبقًا للقواعد العامة، والغالب أن المودع لا يطلب التنفيذ العيني، إذ الإيداع من عقود الأمانة والثقة، وإذا أبى الوديع تسلم الوديعة فإن ثقة المودع فيه تتزعزع، لذلك يكون الأصلح للمودع أن يطالب الوديع بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب عدم تنفيذ هذا الأخير لالتزامه، وغني عن البيان أن الإيداع لا ينقل ملكية الوديعة إلى الوديع، لذلك فإن الوديع لا يتحمل تبعة هلاك الوديعة بسبب أجنبي سواء قبل التسليم أو بعده.
والوديع ليس له أن يستعمل الوديعة، ولا أن يسمح لأحد باستعمالها، إلا إذا أذن له المودع بذلك صراحة أو ضمنًا، وهذا الإذن لا يُفترض، بل يقع على عاتق الوديع عبء إثباته، وإذا أخل الوديع بالتزامه، فاستعمل الوديعة دون إذن أو تصرف فيها بالبيع أو بالرهن أو الإيجار أو العارية أو أي تصرف آخر، كان مسؤولاً عن ذلك مسؤولية مدنية، وجازت أيضًا مساءلته جنائيًا عن جريمة التبديد إذا توافرت أركانها.
2 – ويلتزم الوديع بحفظ الوديعة، بل إن التزامه بالحفظ هو الالتزام الجوهري الذي يترتب على عقد الإيداع، ولما كان الأصل في الإيداع أن يكون بغير أجر، فإن الوديع لا يلتزم في حفظ الوديعة إلا بالعناية التي يبذلها في حفظ ماله، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الشخص العادي (مادة 722/ 1)، أما إذا كان الإيداع نظير أجر، فإن الوديع يلتزم في حفظ الوديعة بعناية الشخص العادي (م 722/ 2)، وكل ذلك ما لم يتم الاتفاق على خلافه (722/ 3)، ومن ثم يجوز الاتفاق على تشديد مسؤولية الوديع، كما يجوز الاتفاق على تخفيضها أو الإعفاء منها.
3 – ولما كان شخص الوديع يكون عادةً محل اعتبار خاص عند المودع فإنه لا يجوز للوديع أن ينيب عنه غيره في حفظ الوديعة إلا في حالتين:
1/ إذا أذن له المودع في ذلك إذنًا صريحًا.
2/ أو إذا اضطر إلى ذلك بسبب ضرورة ملجئة عاجلة (مادة 723)، كما إذا فاجأه داعٍ للسفر ولم يتمكن من رد الوديعة إلى المودع فاضطر إلى إيداعها عند من يأتمنه عليها، ويكون عليه أن يخطر المودع بذلك بمجرد أن يتيسر له هذا الإخطار.
4 - ويلتزم الوديع، عند انتهاء الإيداع، أن يرد الوديعة إلى المودع أو إلى ما من يخلفه فإذا كانت الوديعة مما ينتج ثمارًا وقبضها المودع لديه وجب عليه ردها أيضًا إلى المودع، ويكون الرد في المكان الذي كان يجب فيه حفظ الوديعة، وتكون مصروفاته على المودع وكل ما سبق ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك (مادة 724).
5 – وقد يموت الوديع، ويعتقد وارثه بحسن نية أن الوديعة ملك لمورثه وتدخل في تركته فيتصرف فيها. فإن كان تصرفه فيها بالبيع وتعذر على المودع استردادها من المشتري التزم الوارث أن يرد إلى المودع ما قبضه من ثمن أو أن يحول إليه ما عسى أن يكون له من حقوق قبل المشتري (مادة 725/ 1)، أما إن كان قد تصرف فيها بطريق التبرع وتعذر على المودع استردادها من المتبرع إليه، فإن الوارث يلتزم أن يرد إلى المودع قيمتها وقت التبرع (مادة 725/ 2). وكل ذلك يصدق على المنقول، أما إذا كان الشيء المودع عقارًا، وباعه الوارث ولو بحسن نية، فإن ملكيته لا تنتقل إلى المشتري بالبيع، لأن البيع قد صدر من غير مالك، ولذلك يستطيع المودع وهو المالك الحقيقي أن يسترد العقار من تحت يد المشتري.

ثانيًا: التزامات المودع:
ويعرض المشروع في المادتين (726 و727) لالتزامات المودع، وهى دفع الأجر إذا كان مشترطًا ورد المصروفات التي أنفقها الوديع في حفظ الوديعة، وتعويضه عن كل ما لحقه من خسارة بسببها.
1 – والأصل في الإيداع أن يكون بغير أجر، إلا إذا وجد اتفاق على الأجر وقد يكون هذا الاتفاق صريحًا، كما قد يكون ضمنيًا يُستخلص عادة من حرفة الوديع، فالإيداع في المخازن العامة مثلاً يُفترض فيه أن يكون بأجر وإذا لم يعين مقدار الأجر، ترك تعيينه للعرف أو لتقدير القاضي، ولا يجوز تعديل الأجر المتفق عليه لا بالنقص ولا بالزيادة، ويُدفع الأجر في الوقت الذي يتفق عليه المتعاقدان، فإذا لم يُتفق على وقت كان الأجر مستحقًا في الوقت الذي يعينه العرف، فإن لم يوجد عرف، كان الدفع في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة (مادة 726 من المشروع). وغني عن البيان أنه إذا انتهي حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد استحق الوديع الأجر بنسبة المدة التي بقيت فيها الوديعة في حفظه ما لم يتفق على غير ذلك.
2 - فإذا أنفق الوديعة مصروفات لحفظ الوديعة التزم المودع بردها إليه (مادة 727)، والمقصود بحفظ الوديعة هنا حفظها من الهلاك إذا تعرضت لخطر وكذلك الحفظ العادي إذا اقتضى هذا الحفظ مصروفات ما. فإن أودع شخص عند آخر بضائع أو منقولات أخرى، فإن ما ينفقه الوديع على هذه المنقولات لحفظها من الهلاك، كرشها بالمبيدات الحشرية وتنقيتها وكأقساط التأمين ضد السرقة والحريق وما ينفقه في حفظ المنقولات الحفظ العادي كأجرة المكان وأجر الحارس وكذلك مصروفات الصيانة المعتادة كعلف الحيوان وتشحيم السيارة، كل هذا يرجع به الوديع على المودع بموجب عقد الوديعة.
كذلك يلتزم المودع بتعويض الوديع عما يصيبه من ضرر بسبب الوديعة. فإذا كان في الشيء المودع عيب خفي. كمرض معدٍ في الحيوان، ولم ينبه المودع الوديع إلى وجود هذا العيب، كان مسؤولاً عن تعويض الوديع عما يصيبه من ضرر بسبب ذلك، إلا إذا كان هذا الأخير عالمًا بالعيب دون تنبيه.
ثالثًا: انتهاء الإيداع:
تعرض المواد (728 - 731) لانتهاء الإيداع، فهو ينتهي بانقضاء الأجل وبرجوع أحد المتعاقدين عن الإيداع قبل انقضاء الأجل وكذلك بموت الوديع.
1 - فقد يتفق المتعاقدان على أجل لحفظ الوديعة، فينتهي العقد بانقضاء هذا الأجل، سواء كان متفقًا عليه صراحةً أو ضمنًا، وإذا لم يُتفق على أجل، كان لكل من المتعاقدين إنهاء الإيداع بعد إخطار الطرف الآخر بميعاد مناسب (مادة 728 من المشروع).
2 - ولما كان الأصل في الإيداع أن الأجل يكون محددًا لمصلحة المودع، فإنه يكون له أن ينزل عن الأجل ويطلب رد الوديعة وذلك دون إخلال بحق الوديع في الأجر عما بقي من مدة (مادة 729 من المشروع).
كذلك يجوز للوديع أن يطلب إنهاء الإيداع قبل الأجل المتفق عليه، إذا كان الإيداع بغير أجر، وطرأت للوديع أسباب يتعذر معها أن يستمر حافظًا للوديعة (مادة 730)، لأن الوديع يكون في هذه الحالة متبرعًا ولا يصح أن يُضار بتبرعه.
3 - كذلك ينتهي الإيداع بموت الوديع، ما لم يُتفق على غير ذلك (مادة 731)، لأن شخص الوديع يكون محل اعتبار عند التعاقد فوجب أن ينحل العقد بموته إلا إذا اتُفق على غير ذلك، ومتى انحل العقد استقرت في تركة الوديع الالتزامات التي ترتبت عليه إلى وقت انحلاله فتبقى التركة مثقلة بها، بما في ذلك الالتزام برد الوديعة.
رابعًا: بعض أنواع الإيداع:
ويعرض المشروع بعد ذلك لبعض أنواع الإيداع، وهي الإيداع الناقص والإيداع في الفنادق.
1 - فإذا كانت الوديعة مبلغًا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وأذن المودع للوديع في استعمال هذا الشيء، فلا مناص من أن يستهلك الوديع الشيء باستعماله، ومن ثم لا يستطيع أن يرده بعينه وإنما يرد مثله كما هو الحال في القرض. ولذلك خرج المشروع بهذا النوع من الإيداع. ويسمى الإيداع الناقص أو الشاذ - عن أن يكون إيداعًا واعتبره قرضًا (مادة 732)، وأظهر مثال لذلك، ودائع النقود في المصارف حيث تنتقل ملكية النقود إلى المصرف ويرد مثلها، فيكون العقد في هذه الحالة قرضًا أو حسابًا جاريًا، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يرد الإيداع الناقص على أشياء أخرى مما يهلك بالاستعمال، كالقطن والحبوب.
على أنه إذا تم إيداع مبلغ من النقود على أن يرد بالذات دون أن يستعمل كان هذا إيداعًا عاديًا لا إيداعًا ناقصًا، ويفترض في إيداع النقود أنه إيداع ناقص ما لم يقم الدليل على العكس.
2 - أما الإيداع في الفنادق وما ماثلها من الأماكن فقد وضع المشروع له أحكامًا خاصة تحمل أصحاب هذه المحال بمسؤولية جسيمة عن الودائع التي يأتي بها النزلاء إلى محالهم، وتظهر جسامة هذه المسؤولية من وجهين:
الأول: التوسع في معنى الوديعة، فأي شيء يأتي به النزيل معه في الفندق يُعتبر مودعًا عند صاحب الفندق ولو لم يسلم إليه بالذات، فيشمل ذلك كل ما يأتي به النزيل من حقائب وأمتعة وملابس ونقود ومجوهرات وأوراق مالية ومستندات وبضائع، كما تدخل السيارة التي يأتي بها النزيل ويودعها في جراج الفندق أو في فنائه.
الثاني: التوسع في المسؤولية، فصاحب الفندق وما ماثله مسؤول في العناية بحفظ الأشياء التي يأتي بها النزلاء، حتى عن فعل المترددين على محله (733/ 1)، فلا يكفي إذن بذله عناية الشخص العادي في المحافظة على هذه الأشياء، بل عليه أيضًا أن يراقب أتباعه من خدم وموظفين بل ومراقبة المترددين على الفندق من زوار وغيرهم، فهو مسؤول عن أفعال هؤلاء جميعا ولو كانوا من غير أتباعه، فإذا ما تحققت هذه المسؤولية وجب على صاحب الفندق أن يعوض النزيل عن كل ما أصابه من ضرر وفقًا للقواعد العامة.
3 - وفي مقابل هذا التوسع في المسؤولية تم التخفيف عن كاهل صاحب الفندق من ثلاثة وجوه:
الأول: وضع حد أقصى لمسؤولية صاحب الفندق فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء النفيسة الأخرى (مادة 733/ 2) فهو لا يُسأل فيما يتعلق بها عن تعويض يجاوز ألف دينار إلا في ثلاثة أحوال هي:
( أ ) أن يكون الحادث قد وقع بخطأ جسيم منه أومن أحد أتباعه، ففي هذه الحالات يجوز الرجوع عليه بكل القيمة أيًّا كان مقدارها ولو زادت على ألف دينار.
(ب) أن يكون قد تسلم النقود أو الأوراق المالية أو الأشياء الثمينة الأخرى، وأخذ على عاتقه حفظها وهو على علم بقيمتها.
(جـ) أن يكون قد رفض تسلم هذه الأشياء عهدة لديه وهو على علم بقيمتها دون أن يبدي لذلك سببًا معقولاً.
الثاني: إلزام النزيل بإخطار صاحب الفندق بسرقة الشيء أو فقده أو تلفه بمجرد كشفه لذلك، فإن أبطأ في الإخطار دون عذر مقبول فلا يكون صاحب الفندق مسؤولاً إذا أثبت أنه لو أُخطر في وقت مناسب لأمكنه تفادي الضرر (مادة 734/ 1).
الثالث: إذا انقضت مدة ستة أشهر من اليوم الذي يغادر فيه النزيل الفندق دون أن يطالب صاحب الفندق قضائيًا بحقه، سقطت دعواه (مادة 734/ 2).
4 - وإذا كان الاتفاق على تشديد مسؤولية صاحب الفندق جائزًا بالرغم مما عليه من شدة، غير أن الاتفاق على الإعفاء من هذه المسؤولية أو على التخفيف منها كان ولا يزال محل خلاف في الفقه والقضاء، ولذلك رأى المشروع حسمًا لهذا الخلاف أن ينص على بطلان كل شرط بالإعفاء من المسؤولية أو بالتخفيف منها (مادة 735)، إذ أن النزيل إذا قبل مثل هذا الشرط يكون مضطرًا إلى قبوله فآثر المشروع أن يحميه وهو نص له مثيل في بعض التقنينات الأجنبية (609 صيني).
الفصل الرابع - الحراسـة:
لم يعرض الفقه الإسلامي ولا المجلة للحراسة بوجه عام، وإنما عرضوا لصورة خاصة من صورها في حالة الرهن، فأجازوا للراهن والمرتهن أن يتفقا على شخص يتسلم الرهن عن المرتهن، ويسمى عدلاً، ولا يكون له أن يعطي الرهن لأيهما إلا برضاء الاثنين معًا، وإذا أعطاه لأحدهما دون رضاء الآخر كان له استرداده (المواد 705 و752 و755 و760 من المجلة).
ولكن الحراسة، وبخاصة الحراسة القضائية، قد أصبح لها في العمل أهمية كبيرة، مما حدا بقانون المرافعات المدنية والتجارية أن يعرض لها (في المواد من 160 إلى 167) عند الكلام على القضاء المستعجل، كما جمع مشروع تطوير قانون المرافعات هذه النصوص في المادتين (32 و33) منه فعرض لأحوال فرض الحراسة القضائية، وكيفية تعيين الحارس وبيان ما عليه من التزامات وما له من حقوق وسلطات.
ولما كان التقنين المدني هو المكان الطبيعي لهذه النصوص فقد حرص المشروع على تنظيم أحكام الحراسة سواء كانت اتفاقية أو قضائية.
وتبدأ نصوص المشروع بتعريف الحراسة تعريفًا شاملاً، فهي وضع مال متنازع فيه بيد أمين، إذا كان بقائه في يد حائزه من شأنه أن يهدد بالخطر من يدعي لنفسه حقًا فيه، على أن يتكفل الأمين بحفظه وإدارته ورده إلى من يثبت له الحق فيه (مادة 736)، فالحراسة يجوز أن تتم بالاتفاق بين المتنازعين، فتكون اتفاقية، كما يجوز أن تتم بأمر من القضاء في الحالات التي يجوز فيها ذلك، فتكون حراسة قضائية (مادة 737).
وتعرض المادة (738) لتعيين الحارس وهو أمر منفصل عن فرض الحراسة ذاتها، فالحراسة قد تتم رضاء أو قضاء، ولكن تعيين الحارس في الحالين يكون باتفاق ذوي الشأن جميعًا، ولا يكفي في ذلك اتفاق الأغلبية بل يتعين الإجماع على شخص الحارس، فإن لم يتوفر هذا الإجماع تولت المحكمة بنفسها تعيين الحارس.
أما التزامات الحارس وحقوقه، فيحددها الاتفاق أو حكم القاضي، فإن خلا الاتفاق أو الحكم من ذلك، فإن المشروع ينص في المادة (739) منه، على تطبيق أحكام الإيداع وأحكام الوكالة بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع أحكام المواد التالية:
فبالنسبة لالتزامات الحارس، وأولها الالتزام بالمحافظة على المال وإدارته - وهو التزام ببذل العناية - يضع المشروع في الفقرة الأولى من المادة (740) معيارًا لهذه العناية، هو عناية الشخص العادي، سواء كانت الحراسة بأجر أو بغير أجر. وفي هذا تختلف الحراسة عن الإيداع الذي يميز فيه بين بالإيداع بأجر والإيداع بغير أجر (انظر المادة 722 من المشروع)، أما الفقرة الثانية من المادة (740)، فتحظر على الحارس أن ينيب عنه في أداء مهمته كلها أو بعضها أحدًا من ذوي الشأن دون رضاء الآخرين أو إذن القاضي.
وتحدد المادة (741) من المشروع سلطة الحارس، فتنص على أنه لا يجوز له في غير ما تقتضيه الإدارة أن يجري أعمال الصرف إلا برضاء ذوي الشأن جميعًا أو بترخيص من القضاء، فأعمال التصرف التي تدخل بطريق التبعية في أعمال الإدارة هي وحدها التي يكون للحارس مباشرتها، أما غير ذلك من أعمال التصرف فلا يجوز للحارس أن يباشرها إلا بموافقة ذوي الشأن أو بترخيص من القضاء.
وتعرض المادة (742) لالتزام الحارس بتقديم الحساب. وهو بحسب الأصل كالتزام الوكيل بتقديم حساب لموكله. ولكن المشروع بعد أن ألزم الحارس بأن يقدم حسابًا بما تسلمه وبما أنفقه مؤيدًا بالمستندات نظم هذا الالتزام تنظيمًا دقيقًا، فألزم الحارس بإمساك دفاتر حساب منتظمة، كما ألزمه بأن يقدم الحساب لذوي الشأن مرة على الأقل كل سنة فإذا كان معينًا من المحكمة فإنه يجب عليه أن يودع إدارة الكتاب صورة من الحساب، وكل ذلك لضمان الرقابة على إدارة الحارس.
أما بالنسبة لحقوق الحارس، فإن المشروع ينص في الفقرة الأولى من المادة (743) على حقه في تقاضي الأجر عن عمله، ما لم يكن قد قبل القيام بالحراسة تبرعًا، وفي هذا يختلف الحارس عن الوكيل وعن الوديع، فكلاهما لا يكون مأجورًا، إلا أن يُشترط الأجر، أما ما ينفقه الحارس من مصروفات على حفظ وإدارة المال المعهود إليه حراسته، فتنص الفقرة الثانية من المادة (743) على حق الحارس في استرداده، وذلك تطبيقًا للقواعد العامة.
وأخيرًا يعرض المشروع في المادة (744) لانتهاء الحراسة، فهي تنتهي إما باتفاق ذوي الشأن جميعا على انتهائها أو بحكم من القضاء، كما تنتهي بانقضاء مدتها إذا كانت المدة محددة. ويكون على الحارس حينئذ أن يبادر إلى رد المال المعهود إليه حراسته، إلى من يختاره ذوو الشأن جميعًا أو من يعنيه القاضي.
الباب الرابع: الكفالة والتأمين
الفصل الأول – الكفالة:
الكفالة في اصطلاح الفقهاء، هي ضم الكفيل ذمته إلى ذمة الأصيل، أو بعبارة أخرى إلى ذمة المكفول عنه بالشيء المكفول به، وهي مشروعة بدليل قوله تعالي (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم)، وقول النبي صلي الله عليه وسلم (الزعيم غارم) أي الكفيل ضامن.
وقد عرضت المجلة للكفالة في الكتاب الثالث منها (المواد من 612 إلى 672)، فتكلمت في ركن الكفالة وشرائطها وأحكامها والبراءة منها، كما عرض لها قانون التجارة في المواد (501 إلى 520) ولكن المجلة فرقت في بيان أحكام الكفالة، بين الكفالة بالنفس والكفالة بالمال، وكذلك فعلت بعض التقنينات العربية (كالتقنين العراقي وكالتقنين الأردني)، وهو ما لم يرَ المشروع أن يجاريها في الأخذ به، لأن الكفالة بالنفس لا تُعتبر كفالة حقيقية. فالكفيل بالنفس لا يلتزم التزامًا تابعًا لالتزام المدين الأصلي، وإنما يلتزم التزامًا أصليًا بعمل معين، هو إحضار المدين يوم حلول أجل الدين.
وقد احتفظ المشروع بوجه عام في تنظيم الكفالة بالأحكام المنصوص عليها في التقنين المصري، ولكنه أجرى عليها من التعديلات ما تقتضيه الملاءمة، كما أضاف إليها أحكامًا جديدة تسد ما فيها من نقص وتفصل في بعض المسائل الخلافية.
ويعرف المشروع الكفالة في المادة (745) منه، بأنها عقد بمقتضاها يضم شخص ذمته إلى ذمة المدين في تنفيذ التزام عليه، بأن يتعهد الدائن بأدائه إذا لم يؤده المدين.
وهذا التعريف مأخوذ من الفقه الإسلامي مع بعض التعديل، وهو يوضح أن الكفالة تفترض وجود التزام مكفول في ذمة المدين الأصلي، كما تفترض وجود عقد بين الكفيل والدائن يرتب التزامًا في ذمة الكفيل بتنفيذ الالتزام الأصلي إذا لم ينفذه المدين، فيكون التزام الكفيل التزامًا تابعًا للالتزام الأصلي.
أولاً: أركان الكفالة:
التزام الكفيل هو أساسًا من الالتزامات التبرعية، فيجب أن يستند إلى رضاء صريح قاطع - ولذلك ذهب الكثير من التقنينات العربية وبعض التقنينات الأجنبية إلى الخروج على القواعد العامة في الإثبات بتقرير وجوب إثبات الكفالة بالكتابة. ولكن المشروع آثر أن يأخذ في ذلك بمذهب التقنين الفرنسي، فنص في المادة (746) منه على أن الكفالة لا تفترض وأوجب أن يكون رضاء الكفيل صريحًا، تاركًا مسألة الإثبات للقواعد العامة.
أما الشروط الواجب توافرها في الكفيل فيعرض لها المشروع في المادة (747). ويخلص من نصها أن الشخص حين يكون ملزمًا بتقديم كفيل، سواء كان مصدر التزامه هو القانون أو القضاء أو الاتفاق، فإنه يجب أن يتوافر في هذا الكفيل شرطان:
الأول: أن يكون موسرًا، أي قادرًا على وفاء الدين الذي كفله إذا اقتضى الأمر ذلك، وعلى المدين عبء إثبات اقتدار الكفيل الذي قدمه.
الثاني: أن يكون موطنه في الكويت، وذلك مراعاة لمصلحة الدائن وللتسهيل عليه عند المطالبة، ولا يشترط بعد ذلك أن يكون الكفيل كويتيًا بل يصح أن يكون أجنبيًا ما دام موطنه في الكويت.
فإذا توافر في الكفيلان هذان الشرطان صح للمدين تقديمه كفيلاً. وغني عن البيان أنه إذا أعسر الكفيل بعد ذلك، أو نقل موطنه إلى الخارج، فإنه يكون على المدين أن يقدم كفيلاً آخر يتوافر فيه الشرطان (747/ 2)، إلا إذا كان الدائن قد اشترط شخصًا معينًا لكفالة الدين أو أن يكون الكفيل قد التزم دون علم المدين (قارن المواد 1068 لبناني و1140 مشروع تمهيدي مصري و2020 فرنسي).
ولكن النص يعطي المدين الحق إذا كان ملتزمًا بتقديم كفيل لدائنه وتعذر عليه ذلك أن يقدم له تأمينًا عينيًا كافيًا، كرهن رسمي أو رهن حيازي.
هذا ويُراعى أن مشروع قانون المرافعات قد أورد نصوصًا خاصة بشروط الكفيل في أحوال الكفالة القانونية والكفالة القضائية، فيجب تطبيق هذه النصوص في الدائرة المرسومة لها.
وتنص المادة (748) على جواز كفالة المدين بغير علمه أو بالرغم عن معارضته. فالكفالة عقد طرفاه الكفيل والدائن، أما المدين فليس طرفًا فيه، ومن ثم فلا حاجة إلى رضائه أو علمه، وقد لا يكون هناك موجب لإيراد هذا النص سوى بيان أن المشروع قد خرج في هذا الصدد عن أحكام الفقه الحنفي، وهي تحرم الكفيل الذي يضمن المدين بغير إذنه، أو على الرغم من عدم رضاه، من حق الرجوع عليه تأسيسًا على أن (الكفالة بلا أمر، وإن كانت صحيحة، فهي تبرع، فليس للكفيل بعد أداء الدين الرجوع على الأصيل). 
ولكن نص المشروع يستند إلى ما ذهب إليه الإمامان مالك وأحمد من أن للكفيل بغير أمر المدين حق الرجوع لأن الدائن بقبوله الدين منه يعتبر أنه قد ملكه ما على المدين من الدين فيحل محله في المطالبة، فالكفالة يجوز إذن أن تعقد بين طرفيها بإذن المدين أو بغير إذنه، بل وعلى الرغم من معارضته، وللكفيل في جميع الحالات أن يرجع على المدين إذا وفى الدين عنه أيًا كان تكييف الدعوى التي يرجع بها عليه.
ويعرض المشروع في المادة (749) لكفالة الالتزام المستقبل فيجيزه، والواقع أن كفالة الالتزامات المستقبلية صحيحة وشائعة في العمل على الأخص في عقود الحساب الجاري وفتح الاعتماد، وقد وردت الإشارة إليها في المادتين (635 و636) من قانون التجارة في شأن الضمانات العينية والشخصية التي يقدمها المعتمد له ضمانًا لفتح الاعتماد، ولذلك آثر المشروع أن يورد نصًا صريحًا بجواز كفالة الالتزام المستقبل، مجاريًا في ذلك غالبية التقنينات العربية والتقنينات الحديثة.
ويؤخذ من النص أن كفالة الالتزام المستقبل جائزة وإن كان التزامًا غير موجود وقت الكفالة. فإذا اتفق طرفان على عقد حساب جارٍ بينهما جاز أن يقدم أحدهما كفيلاً للرصيد الذي يصبح مستحقًا عليه عند إقفال الحساب، وإذا فتح شخص اعتمادًا لدى مصرف، جاز أن يقدم كفيلاً يضمن ما عسى أن يقبضه من هذا الاعتماد.
ولكن المشروع يضع لكفالة الالتزام المستقبل قيدين:
الأول: أن يحدد مقدمًا في عقد الكفالة الحد الأقصى لما يلتزم به الكفيل، وذلك حماية له حتى لا يتورط في كفالة التزام لا يعلم مقدارها.
الثاني: أنه إذا لم يعين الكفيل مدة لكفالته، كان له أن يرجع في أي وقت في هذه الكفالة، ما دام الالتزام المكفول لم ينشأ على أن يخطر الدائن برجوعه في وقت مناسب، أما إذا عين الكفيل مدة لقيام كفالته فإنه لا يجوز له الرجوع في الكفالة طوال هذه المدة.
هذا ولم يجد المشروع حاجة للإشارة إلى كفالة الالتزام الشرطي، كما فعلت بعض التقنينات، فلا شك في جواز هذه الكفالة طبقًا للقواعد العامة، سواء كان الالتزام الأصلي معلقًا على شرط فاسخ أو معلقًا على شرط واقف.
وتعرض نصوص المواد من (750 - 752) لبعض أمور تتفرع عن تبعية التزام الكفيل للالتزام المكفول.
1 - فالتزام الكفيل يتبع التزام المدين الأصلي في صحته وفي بطلانه. وحتى تكون الكفالة صحيحة وترتب التزامًا في ذمة الكفيل بضمان الالتزام المكفول، يجب أن يكون هذا الالتزام الأخير في ذاته صحيحًا (الفقرة الأولى من المادة 750). فإذا كان الالتزام المكفول باطلاً أو قابلاً للإبطال، كان التزام الكفيل بدوره باطلاً، أو قابلاً للإبطال، يبطل بإبطال الالتزام الأصلي ويصح بإجازته.
على أنه يحصل في العمل، أن يكفل الكفيل التزامًا لشخص ناقص الأهلية، وتكون الكفالة بسبب نقص أهليته توقعًا لاحتمال أن يطلب إبطال التزامه لهذا السبب. فرأى المشروع أن ينص في الفقرة الثانية من المادة (750) على التزام الكفيل في هذه الحالة بتنفيذ التزام المكفول باعتباره مدينًا أصليًا إذا أبطل التزام المدين وهو نص مستوحى من المادة (626) من التقنين البولوني.
2 - ويخلص من نص المادة (751) أن الالتزام المكفول هو الذي يحدد مدى التزام الكفيل، مقدارًا وشروطًا وعبئًا وموعد حلول ومكان وفاء وغير ذلك مما يحدد التزام المكفول، ومن ثم فلا يلتزم الكفيل بمبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين الأصلي، ولا يلتزم لأجل أقرب من أجل الالتزام المكفول، كما لا يلتزم بالوفاء في مكان أبعد. وإذا كان الالتزام الأصلي مؤجلاً على الأصيل تأجل على الكفيل أيضًا (قارن المادة 1013 عراقي) ولكن التزام الكفيل يجوز أن يكون أهون، فيجوز أن يكفل الكفيل المدين الأصلي في جزء من الدين أو لأجل أطول من أجل الالتزام المكفول.
3 - ويعرض نص المادة (752) لتحديد مدى التزام الكفيل بالنسبة لتوابع الالتزام المكفول ومصروفات المطالبة به، وذلك عند عدم وجود اتفاق على ذلك.
فكما أن الالتزام المكفول يشمل توابعه، كذلك يشملها التزام الكفيل، فيشمل التعويض عن عدم التنفيذ ومسؤولية المدين العقدية أما المصروفات فيضمن الكفيل منها مصروفات المطالبة الأولى لأن الدائن لا بد أن يبدأ بمطالبة المدين الأصلي بالدين، ولكن الكفيل لا يضمن ما يتلو ذلك من مصروفات إلا إذا كانت قد صرفت بعد أن يخطره الدائن بمطالبته المدين المطالبة الأولى، وغني عن البيان أن هذه المصروفات يجب أن تكون غير مبالغ فيها.
ثانيًا: آثار الكفالة:
1 - العلاقة ما بين الكفيل والدائن:
ولأن التزام الكفيل التزام تابع، فإنه كما يبطل ببطلان التزام الأصيل، ينقضي أيضًا بانقضائه. وفي ذلك تنص المادة (753) من المشروع على أن الكفيل يبرأ ببراءة المدين، وله طبقًا لنص المادة (754) أن يتمسك بجميع الأوجه التي يستطيع أن يحتج بها المدين، من بطلان أو قابلية للإبطال، أو انقضاء. ولكنه ليس له أن يتمسك بنقص أهلية المدين إذا كانت الكفالة بسبب ذلك.
وإذا قبل الدائن أن يستوفي في مقابل دينه شيئًا أخر، برئت ذمة الكفيل، حتى ولو استحق هذا الشيء، ما لم يكن الدائن قد احتفظ عند تسلمه المقابل بحقه في الرجوع على الكفيل لو استحق هذا المقابل وهو ما تنص عليه المادة (755) من المشروع، ولكن النص لا ينصرف إلا إلى الحالة التي يستوفي فيها الدائن مقابل الدين من المدين أو من الغير، أما إذا استوفى المقابل من الكفيل، فإن هذا الأخير يكون ضامنًا لاستحقاق الشيء لا تبرأ ذمته طبقًا للقواعد العامة.
ومع ذلك يعرض المشروع في المواد (756 - 758) لحالات ثلاث قد ينقضي بها التزام الكفيل دون أن ينقضي الالتزام المكفول.
( أ ) فطبقًا لنص المادة (756) تبرأ ذمة الكفيل، سواء كان متضامنًا أو غير متضامن، بمقدار ما أضاعه الدائن بخطئه من التأمينات ذلك أن من حق الكفيل أن يحل محل الدائن في ضماناته فإذا أضاع الدائن هذه الضمانات التي اعتمد عليها الكفيل، كان من حق الكفيل أن تبرأ ذمته بقدر ما أُضيع من ضمان بشرط أن يكون ذلك نتيجة خطأ يرتكبه الدائن، كأن يبرئ ذمة أحد الكفلاء أو أن ينزل عن رهن ترتب لمصلحته، أو أن يهمل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجديد قيد هذا الرهن. وعلى الكفيل أن يثبت أنه قد أصابه ضرر من عمل الدائن، كما عليه أن يثبت مقدار ما أصابه من ضرر، لأنه هو الذي يطلب براءة ذمته فيكون عليه أن يثبت ما يبرر طلبه.
والمقصود بالتأمينات هنا، كل تأمين يخصص لضمان الدين سواء كان تأمينًا اتفاقيًا، كالرهن الرسمي والرهن الحيازي أو تأمينًا قانونيًا. كحقوق الامتياز، وسواء تقرر التأمين قبل الكفالة أو بعدها.
(ب) وطبقًا لنص المادة (757) لا تبرأ ذمة الكفيل لمجرد عدم اتخاذ الدائن الإجراءات ضد المدين عند حلول أجل الدين أو لمجرد تأخره في اتخاذها. ولكن للكفيل في هذه الحالة أن ينذر الدائن لاتخاذ الإجراءات، فإذا لم يتخذها في خلال ثلاثة أشهر من وقت الإنذار ولم يقدم المدين للكفيل ضمانًا كافيًا كان للكفيل أن يطلب براءة ذمته من الكفالة، فإذا اتخذ الدائن الإجراءات الواجبة قانونًا ضد المدين خلال الثلاثة أشهر التالية للإنذار وسار في اتخاذها بالعناية اللازمة، كان هذا كافيًا، وبقي الكفيل ملتزمًا حتى بعد حلول أجل الالتزام الأصلي.
والإجراءات الواجب اتخاذها قانونًا ضد المدين عند حلول أجل الدين، هي إقامة الدعوى عليه لمطالبته بالدين إذا كان سند الدين عرفيًا أما إذا كان السند تنفيذيًا (حكمًا كان أو ورقة رسمية) فإنه يكون على الدائن أن يشرع في مباشرة إجراءات التنفيذ على أموال المدين في المدة المحددة. ولا يحول دون حق الكفيل في التمسك ببراءة ذمته أن يمنح الدائن المدين أجلاً دون موافقة الكفيل.
(جـ) وتعرض المادة (758) لحالة إفلاس المدين قبل حلول الدين المكفول، فتوجب على الدائن في هذه الحالة أن يتقدم بحقه في تفليسة المدين، فإن لم يفعل وأراد الرجوع على الكفيل سقط من حقه في الرجوع على الكفيل، ما كان يستوفيه لو أنه تقدم بحقه في تفليسة المدين. 
ويعرض نص المادة (759) من المشروع لتعدد كفلاء المدين وتحديد المقدار الذي يطالب به الدائن كل كفيل عند الرجوع عليه، فيفرق في ذلك بين تعدد الكفلاء بعقد واحد وبين تعدد الكفلاء بعقود متوالية (قارن المادة 647 من المجلة).
فإذا تعدد الكفلاء، وكانوا جميعًا قد التزموا كفالة الدين بعقد واحد، ولم يبينوا في عقد الكفالة مقدار ما يكفل كل منهم من الدين، فإن المشروع يتخذ من وحدة العقد دليلاً على أن كل كفيل قد اعتمد على الكفلاء الآخرين، فيقسم الدين فيما بين الكفلاء جميعًا، فإذا طالب الدائن أي كفيل منهم لم يطالبه إلا بمقدار نصيبه. وإذا أعسر أحد الكفلاء بعد إبرام عقد الكفالة ولو قبل مطالبة الدائن الكفلاء بحقه، فإنه لا يكون للدائن أن يوزع حصة الكفيل المعسر على باقي الكفلاء، بل يتحمل وحده نتيجة هذا الإعسار. وذلك لأن الدين ينقسم على الكفلاء من وقت إبرام عقد الكفالة لا من وقت الدفع بتقسيم الدين.
ويُشترط لتقسيم الدين على الكفلاء المتعددين ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون الكفلاء المتعددون قد كفلوا نفس الدين، فإذا كفل كفيلان كل منهما دينًا غير الذي كفله الآخر لم ينقسم أي الدينين عليهما.
الثاني: أن يكفل الكفلاء المتعددون نفس المدين أو نفس المدينين فإذا كفل كفيلان كل منهما مدينًا متضامنًا بنفس الدين فإن كل منهما يكون قد كفل نفس الدين ولكنه لم يكفل نفس المدين، فلا ينقسم الدين بينهما، أما إذا كفل كل منهما مدينين متضامنين معًا، فإنهما يكونان قد كفلا نفس الدين وكفلا نفس المدينين فينقسم الدين عليهما.
الثالث: ألا يكون الكفلاء المتعددون متضامنين فيما بينهم وإلا جاز الرجوع على أي منهم بكل الدين طبقًا لأحكام التضامن فلا ينقسم الدين عليهم.
أما إذا تعدد الكفلاء، ولكن بعقود متوالية، ولو كانوا جميعًا يكفلون نفس الدين ونفس المدين. فإن كلاً منهم يصبح مسؤولاً عن كل الدين لأنه قد كفل الدين كله بعقد على حدة، على أنه إذا احتفظ أحد الكفلاء لنفسه بحق التقسيم، وقت أن كفل الدين بعقد على حدة، فإنه لا يجوز للدائن أن يطالبه إلا بجزء من الدين طبقًا لما احتفظ به في عقد الكفالة.
وتعرض المواد (من 760 إلى 763) لرجوع الدائن على الكفيل ويميز المشروع مقتفيًا في ذلك أثر التقنين المصري، بين دفعين يجوز للكفيل أن يدفع بهما رجوع الدائن عليه، وهما الدفع بوجوب الرجوع أولاً على المدين، والدفع بالتجريد. فالدفع الأول يُبدى عند مطالبة الدائن للكفيل، أما الدفع الثاني فيُبدى عند التنفيذ على مال الكفيل.
( أ ) فطبقًا لنص المادة (760) يجب على الدائن إذا لم يرفع الدعوى على كل من المدين والكفيل في وقت واحد، أن يرجع على المدين أولاً يطالبه قضائيًا، فإن رجع على الكفيل أولاً كان للكفيل أن يدفع رجوع الدائن عليه بوجوب رجوعه أولاً على المدين، ولا يكفي في ذلك إعذار المدين بالوفاء، بل تجب المطالبة القضائية، ويحل محل المطالبة القضائية التنبيه بالوفاء إذا كان لدى الدائن سند رسمي قابل للتنفيذ ضد المدين، كما يحل محلها كذلك تقدم الدائن بحقه في تفليسة المدين إن كان قد أفلس وامتنع على الدائن اتخاذ إجراءات فردية قِبله. وله أن يدفع بذلك في أية حالة كانت عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالدفع من تلقاء نفسها.
فإذا حصل الدائن على سند قابل للتنفيذ، فإنه لا يجوز له ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريده المدين من أمواله فإن شرع في التنفيذ على أموال الكفيل أولاً، كان للكفيل أن يدفع بأنه لا يجوز التنفيذ عليه إلا بعد تجريد المدين من أمواله، ويجب على الكفيل أن يتمسك بحقه في التجريد عند شروع الدائن في التنفيذ على أمواله سواء عن طريق الإشكال في التنفيذ أو عن طريق الاعتراض على الإعلان عن البيع عند التنفيذ على العقار، ويظل له هذا الحق، يبديه في أي وقت مناسب، إلى أن يتم التنفيذ، ما لم ينزل عنه صراحةً أو ضمنًا.
وغني عن البيان أنه إذا كان الكفيل متضامنًا مع المدين، فإنه لا يكون له أن يدفع بوجوب الرجوع أولاً على المدين، ولا أن يوجب تجريد المدين من أمواله.
(ب) فإذا طلب الكفيل التجريد، فإنه يكون عليه طبقًا للمادة (761) أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال للمدين تكفي للوفاء بالدين، ويصح أن تكون هذه الأموال عقارًا أو منقولاً، ولكنها - طبقًا لنص المشروع - يجب أن تتوافر فيها شروط ثلاثة:
الأول: أن تكون مملوكة للمدين.
الثاني: أن تكون كافية للوفاء بالدين كله، فلا يكفي أن تفي بجزء من الدين أو حتى بمعظمه، لأنه لا يجوز إجبار الدائن على قبول وفاء جزئي لحقه.
الثالث: أن تكون هذه الأموال غير متنازع فيها، وموجودة في الكويت، حتى لا يصعب التنفيذ عليها - ذلك أن الأموال المتنازع فيها غير مأمونة العاقبة، فقد يسفر فض النزاع حولها على أنها غير مملوكة للمدين، وهي على كل حال يصعب التنفيذ عليها، إذ يقتضي النزاع فيها غالبًا، اللجوء إلى التقاضي وما يترتب عليه من إجراءات طويلة. كذلك فإن أموال المدين إذا كانت واقعة في خارج الكويت، فإنها تكون بعيدة ويصعب التنفيذ عليها، لذلك يجب أن يدل الكفيل على أموال للمدين تكون واقعة داخل البلاد.
ويكون إرشاد الكفيل للدائن إلى أموال تفي بالدين كله، على نفقه الكفيل، لأنه هو الذي يستفيد من هذا الإرشاد. ومن المصروفات التي يتحملها الكفيل في هذا الصدد، مصروفات استخراج صور لمستندات ملكية المدين للأموال التي دل عليها، وكذلك مصروفات الشهادات العقارية الخاصة بهذه الأموال.
(جـ) فإن دل الكفيل على أموال تفي بالدين كله، وجب على الدائن أن يبادر إلى اتخاذ إجراءات التنفيذ على هذه الأموال، فإذا لم يتخذها في الوقت المناسب، تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما تعذر على الدائن استيفاؤه من الدين (المادة 762). ويقع عبء إثبات تقصير الدائن على الكفيل وفقًا للقواعد العامة. أما إذا اتخذ الدائن، في الوقت المناسب، إجراءات التنفيذ على الأموال التي دل عليها الكفيل، فالغالب أنه يحصل من هذا التنفيذ على حقه كاملاً، لأن المفروض أن الكفيل قد دله على أموال تكفي الوفاء بالدين كله، ومن ثم تبرأ ذمة الكفيل باستيفاء الدائن لحقه. فإذا فرض ولم يحصل الدائن على حقه كاملاً من التنفيذ على تلك الأموال، وهو فرض من الممكن تحققه فيما لو انخفضت قيمة الأموال عند التنفيذ عليها، أو زاحم الدائن في التنفيذ عليها دائنون آخرون، ففي مثل هذه الأحوال لا تبرأ ذمة الكفيل إلا بمقدار ما حصل الدائن عليه من حقه ويكون للدائن أن يرجع عليه بالباقي.
(د) ويعرض نص المادة (763) لصورة خاصة للدفع بالتجريد، في حالة وجود تأمين عيني يضمن الدين، فيجيز للكفيل غير المتضامن مع الدين أن يطلب التنفيذ على المال المحمل بالتأمين العيني قبل التنفيذ على أمواله هو، وذلك إذا كان قد اعتمد على هذا التأمين العيني، بأن كفل المدين والتأمين العيني الموجود، والمقصود بالتأمين العيني هنا، أن يوجد مال للمدين، عقارًا أو منقولاً يكون مرهونًا رهنًا رسميًا أو رهنًا حيازيًا في الدين، أو عليه حق امتياز ضمانًا للدين، ومن ثم يجب استبعاد المال الذي يباشر عليه الدائن الحق في الحبس، لأن الحق في الحبس ليس بتأمين عيني.
ويجب أن يكون التأمين العيني مقررًا على مال مملوك للمدين لأنه إذا كان التأمين العيني مقررًا على مال للغير، فإن هذا الغير يكون كفيلاً عينيًا لا يجوز للكفيل الشخصي أن يطلب تجريده.
ولا يشترط في هذه الصورة من الصور الخاصة من التجريد أن يكون التأمين العيني كافيًا للوفاء بالدين كله، كما هو الحال بالنسبة إلى التجريد في صورته العامة، فحتى لو لم يكن هذا التأمين كافيًا، فإنه يجوز للكفيل أن يطلب من الدائن تجريد هذا التأمين العيني أولاً، ولكنه يشترط لتطبيق النص أن يكون الكفيل غير متضامن مع المدين، وأن يتمسك الكفيل بوجوب تنفيذ الدائن أولاً على المال الذي ترتب عليه التأمين العيني وهو شرط لحق التجريد بوجه عام.
فإذا لم ينجح الكفيل في دفع دعوى الدائن، أو لم يدفعها بدفع ما، فُحكم عليه بالدين، أو إذا تقدم الكفيل مختارًا للدائن دون دعوى، ووفى الدين، ففي جميع هذه الأحوال، يجب على الدائن عند وفاء الكفيل بالدين له، أن يمكنه من الرجوع على المدين، وأن يمكنه من الحلول محله في التأمينات المتعلقة بالدين وذلك وفقًا لنص المادة (764) من المشروع.
فطبقًا لهذا النص يلتزم الدائن أولاً، أن يسلم للكفيل المستندات اللازمة لاستعمال حقه في الرجوع، فيسلمه مستندات الدين المكفول، ومخالصة بأنه استوفى منه الدين المذكور، كما يلتزم بتمكينه من الحلول في تأمينات الدين، فإن كانت هذه التأمينات واقعة على منقول، وكان المنقول في يد الدائن مرهونًا أو محبوسًا لديه، وجب على الدائن أن يسلم الكفيل هذا المنقول ليحل محله في حق رهنه، أو في الحق في حبسه، ضمانًا لحقه في الرجوع على المدين أو يسلمه لعدل، إذا عارض المدين في تسليمه للكفيل، أما إن كان التأمين عقاريًا، كرهن رسمي أو حيازي أو حق امتياز على عقار، فإنه يكون على الدائن أن يقوم بالإجراءات اللازمة لسريان حلول الكفيل محله فيه، ويتحمل الكفيل مصروفات هذه الإجراءات على أن يرجع بها على المدين ضمن ما يرجع به عليه.
ويعرض المشروع في المادة (765) منه لكفيل الكفيل، وطبقًا لنص هذه المادة يعتبر الكفيل بالنسبة إلى كفيله مدينًا أصليًا، ويعتبر كفيل الكفيل بالنسبة إلى الكفيل الأصلي كفيلاً، وعلى ذلك تسري في العلاقة بينه وبين الدائن أحكام الكفالة، فإذا كان كفيل الكفيل غير متضامن من الكفيل، جاز له أن يطلب من الدائن أن يرجع أولاً على المدين الأصلي، ثم على الكفيل، وذلك قبل إن يرجع الدائن عليه هو، ويكون له أن يدفع بتجريد المدين الأصلي ثم بتجريد الكفيل، كما يجوز له أن يتمسك بالدفوع التي يجوز للكفيل أن يتمسك بها، سواء كانت هذه الدفوع خاصة بالكفيل، أو خاصة بالمدين الأصلي، وله كذلك أن يتمسك بأن ينفذ الدائن على التأمين العيني المقدم من المدين الأصلي، كما يتمسك بذلك الكفيل المكفول، وعمومًا له أن يستعمل حقوق المدين في الدعوى غير المباشرة، وإذا وفى كفيل الكفيل الدين، كان له أن يرجع على الكفيل أو على المدين الأصلي أو عليهما معًا، سواء بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول.
وتعرض المواد (766 – 768) للكفيل المتضامن مع المدين، أو مع كفلاء آخرين:
( أ ) والأصل أن تضامن الكفيل، مع المدين أو مع غيره من الكفلاء لا يفترض، ولكنه يتقرر كالتضامن ما بين المدينين الأصليين، إما بالاتفاق أو بنص في القانون، وينص المشروع في المادة (766) على أنه في الكفالة القانونية والقضائية والتجارية، يكون الكفلاء دائمًا متضامنين فيما بينهم ومتضامنين مع المدين ومقتضى ذلك تطبيق أحكام التضامن عليهم، فيجوز للدائن أن يطالب المدين أو أيًا منهم بكل الدين، فإذا كان الكفيل متضامنًا، فإنه لا يجوز له أن يتمسك بأي من الحقين المنصوص عليهما في المادة (760)، فإذا رجع الدائن على الكفيل المتضامن قبل أن يرجع على المدين، فلا يكون للكفيل المتضامن أن يدفع رجوعه عليه بوجوب الرجوع أولاً على المدين، وإذا شرع الدائن في التنفيذ على أموال الكفيل المتضامن، فلا يستطيع هذا الأخير أن يتمسك قبل الدائن بحق التجريد ووجوب التنفيذ أولاً على أموال المدين.
(ب) ولكن للكفيل المتضامن أن يتمسك بما يجوز أن يتمسك به الكفيل غير المتضامن من دفوع متعلقة بالدين (المادة 767)، فهو ليس في مركز المدين المتضامن تمامًا، بل يبقى كفيلاً، التزامه تابع للالتزام الأصلي، ومن ثم يكن له أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين، كبطلان الالتزام الأصلي أو قابليته للإبطال، وله أن يتمسك بنقص أهلية المدين إلا إذا كان قد كفل هذا المدين بسبب نقص أهليته. وإذا انقضى التزام المدين الأصلي بسبب غير الوفاء جاز للكفيل المتضامن مع المدين، أن يتمسك هو أيضًا بانقضاء التزامه، كما يستطيع أن يحتج ببراءة ذمته بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من التأمينات وكذلك بتأخر الدائن في اتخاذ الإجراءات ضد المدين أو بعدم تقدمه بالدين في تفليسته.
(جـ) فإذا تعدد الكفلاء، وكانوا متضامنين فيما بينهم، فإن للكفيل الذي وفى الدين كله عند حلول الأجل أن يرجع على كل من الكفلاء الباقين بحصته في الدين وبنصيبه في حصة المعسر منهم، سواء بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول، ويكون الأمر كذلك إذا تعدد الكفلاء ولكن بعقود متوالية، ولم يحتفظ أحدهم لنفسه بحق التقسيم (المادة 768 من المشروع).
2 - العلاقة بين الكفيل والمدين:
وتعرض المواد (769 – 772) للعلاقة فيما بين الكفيل والمدين، فإذا وفى الكفيل الدين للدائن، كان له، أن يرجع على المدين الأصلي إما بالدعوى الشخصية وإما بدعوى الحلول.
( أ ) ففيما يتعلق بالرجوع بالدعوى الشخصية، تنص المادة (770)، على أن للكفيل الذي وفى الدين، أن يرجع على المدين بما أداه من أصل الدين وتوابعه وبمصروفات المطالبة الأولى، وبما دفعه من مصروفات من وقت إخطاره المدين الأصلي بالإجراءات التي اتُخذت ضده، ويشمل أصل الدين كل ما دفعه الكفيل للدائن لإخلاء ذمة المدين. فيشمل ذلك مقدار الدين في أصله، كما يشمل ما يضطر الكفيل إلى دفعه للدائن في نظير المصروفات كل التي تكبدها هذا الأخير في مواجهة المدين، وتشمل المصروفات كل ما أنفقه الكفيل في سبيل الوفاء بالتزامه، كنفقات إرشاد الدائن إلى أموال المدين لتجريدها، وكذلك كل ما حكم عليه به من المصروفات للدائن، ومع ذلك فليس للكفيل أن يرجع على المدين، من هذه المصروفات، إلا بالذي أنفقه من وقت إخطاره بالإجراءات التي اتخذها الدائن ضده، لأن المدين إذا أخطره الكفيل بذلك، قد يكون لديه من الدفوع ما يتوقى به مطالبة الدائن، أو قد يبادر إلى دفع الدين الذي في ذمته، وتُستثنى مصروفات المطالبة الأولى التي يقوم بها الدائن للكفيل، من هذا الشرط كمصروفات رفع الدائن الدعوى على الكفيل، فهذه لا يعلم بها الكفيل قبل حصولها حتى يخطر بها المدين، ومن ثم كان للكفيل أن يرجع بها على المدين وإن كان لم يخطره بها.
(ب) وطبقًا لنص المادة (769) من المشروع، يجب على الكفيل أن يخطر المدين قبل إن يقوم بوفاء الدين، وإذا طالبه الدائن قضائيًا، وجب عليه أن يطالب إدخال المدين في الدعوى، وكل ذلك خشية أن يكون المدين قد وفى الدين قبل أن يوفيه الكفيل، أو أن يقوم بوفائه مرة أخرى بعد أن يوفيه الكفيل، وخشية أن يكون للمدين وقت استحقاق الدين أسباب تبطل الدين أو تقضيه من غير الوفاء به، فإذا لم يخطر الكفيل المدين قبل وفاء الدين، أو لم يطلب إدخاله خصمًا في الدعوى عند مقاضاة الدائن له، وقام بوفاء الدين فإنه يفعل ذلك على مسؤوليته، فإذا أثبت المدين أنه كان قد وفى الدين قبل وفاء الكفيل به، أو بعد وفاء الكفيل، أو أثبت أن الدين كان باطلاً أو قابلاً للإبطال، وكان المدين يستطيع أن يتمسك بذاك ضد الدائن، أو أثبت أن الدين قد انقضى بسبب يرجع إليه هو، كمقاصة أو تجديد، أو اتحاد ذمة، أو إبراء، فإن الكفيل يفقد حقه في الرجوع على المدين بالدعوى الشخصية.
(جـ) أما فيما يتعلق برجوع الكفيل على المدين بدعوى الحلول، فتنص المادة (771) من المشروع، على أنه إذا وفى الكفيل كل الدين أو بعضه، حل محل الدائن في حقه، طبقًا لقواعد الحلول القانوني، فهذه الدعوى ليست إلا تطبيقًا للقواعد العامة في الحلول القانوني فيما إذا قام بالوفاء شخص غير مدين، ولذلك يكون للكفيل، إذا وفى الدين أن يرجع على المدين بدعوى الحلول، سواء كانت الكفالة بعلم المدين أو بغير علمه أو على الرغم من معارضته ولا يُشترط للرجوع بدعوى الحلول، إخطار المدين كما هو الحال في الدعوى الشخصية، ويحل الكفيل محل الدائن في حقه بما لهذا الحق من خصائص، وما يلحقه من توابع، وما يكفله من تأمينات عينية، وما يرد عليه من دفوع. وتسري على هذا الحلول القواعد العامة في الحلول القانوني الواردة في الكتاب الأول المتعلق بالالتزامات بوجه عام.
وغني عن البيان أن الكفيل يتخير من الدعويين، الدعوى الشخصية ودعوى الحلول، ما يتناسب مع مصلحته.
(د) وأخيرًا يعرض نص المادة (772) من المشروع، لرجوع الكفيل على المدينين المتضامنين الذين كفلهم، فإذا كان هناك مدينون متضامنين في دين واحد وكفلهم الكفيل جميعًا، فإنه يكون للكفيل في هذه الحالة إذا وفى الدين، أن يرجع على أي من هؤلاء المدينين المتضامنين بالدين كله، إما بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول، وفقًا للتفصيل الذي سبق.

الفصل الثاني - عقد التأمين:
يقوم التأمين على أسس فنية دقيقة، ويؤدي وظائف لها خطرها بالنسبة للاقتصاد القومي، ذلك أن شركات التأمين تجمع من الأقساط التي تحصلها أموالاً ضخمة يتم استثمارها في المشروعات والقروض، ومن ثم كان على الدولة أن تفرض رقابتها بل وسيطرتها على هذه الشركات، وأن تصدر التشريعات التي تخضع هذه الهيئات لتنظيم دقيق، وتكفل بسط الرقابة عليها مراعاةً لصالح الاقتصاد القومي، ومحافظةً على مصالح المؤمن لهم والمستفيدين، وتضع الضمانات اللازمة لمواجهة هيئات التأمين لالتزامها نحو عملائها، كتكوين الاحتياطيات المختلفة وتنظيم عمليات إعادة التأمين.
أما فيما يتعلق بعلاقة المؤمن بعملائه، وهي العلاقة التي ينظمها عقد التأمين، فقد حرصت غالبية الدول على تنظيمها بقوانين خاصة، وأهم القوانين الأجنبية التي صدرت في هذا الشأن هي القانون البلجيكي الصادر في 11 يونيه سنة 1874، والقانون السويسري الصادر في 2 إبريل سنة 1908، والقانون الألماني الصادر في 30 مايو سنة 1908، والقانون الفرنسي الصادر في 13 يوليه سنة 1930، (وتعديلاته) بالإضافة إلى القوانين المختلفة صدرت بعد ذلك بتنظيم التأمين الإجباري.
وفي البلاد العربية، كان تقنين الموجبات والعقود اللبناني الصادر في سنة 1932، هو أول تقنين احتوى على تنظيم كامل لعقد التأمين، وذلك في الباب الأول من الكتاب العاشر منه تحت عنوان الضمان.
ولما صدر المشروع التمهيدي للتقنين المصري، كان عقد التأمين محل عنايته الكبيرة، فأفرد لهذا العقد فصلاً خاصًا يتضمن (99) مادة استهلها بنصوص تتناول أحكام العقد العامة والتزامات كل من المؤمن له والمؤمن، ثم أفرد المشروع لكل فرع من الفروع التأمين نصوصًا خاصة، فنظم التأمين على الحياة في فرع على حدة، ثم نظم التأمين من الحريق - وهو أظهر أنواع التأمين من الأضرار - وجعل من نصوصه أحكامًا عامة تنطبق على التأمين من الأضرار بوجه عام، وفى فرعين أخيرين نظم المشروع التأمين من المسؤولية، وهو فرع من التأمين من الأضرار، والتأمين من الإصابات، وهو فرع من التأمين على الأشخاص، وقد اقتبس المشروع هذه النصوص من مختلف القوانين الأجنبية التي نظمت عقد التأمين في العصر الحديث وأخصها القانون السويسري الصادر في سنة 1908، وقانون التأمين الفرنسي الصادر في سنة 1930، ولما عرض هذا المشروع التمهيدي على لجنة المراجعة، حذفت منه كثيرًا من النصوص التي اعتبرتها نصوصًا تفصيلية تغني عنها القواعد العامة، ثم حذفت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ غالبية النصوص الباقية ولم تبقِ من مواد المشروع غير خمس وعشرين مادة، جاءت غير كافية لتنظيم هذا العقد الهام، مع وعد سجل في المادة (748) بإصدار قوانين خاصة تكميلية، وهو ما حدا بالحكومة بعد ذلك إلى أن تعد مشروعًا لعقد التأمين، أعادت فيه كثيرًا من النصوص المحذوفة، كما أصدر المشرع القانون رقم (652) لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، إلى جانب قوانين أخرى كان قد أصدرها ومنها القانون رقم (68) لسنة 1942 بشأن التأمين الإجباري من حوادث العمل.
أما في الكويت، فلم تعرض المجلة لعقد التأمين، وهو أمر طبيعي ما دام هذا العقد لم يكن معروفًا في الفقه الإسلامي، وإن عرفت صورة منه عند بعض المتأخرين من فقهاء الحنفية، فقد تعرض ابن عابدين لعقد التأمين البحري، الذي أسماه بالسوكره، وذهب إلى تحريمه لأنه لا يشبه عقدًا من العقود المعروفة في الفقه الإسلامي، ولما انتشر التأمين في العصر الحديث، كثرت الفتاوى الشرعية في شأنه، بعضها يحلله وبعضها يحرمه، ولكن هذا الخلاف لم يكن له من أثر على دخول نظام التأمين في الحياة الاقتصادية للبلاد، فأنشأت كثير من الشركات الأجنبية فروعًا لها في الكويت، كما تكونت كثير من الشركات التي تزاول عمليات التأمين المختلفة، وأسبغ المشروع الشرعية عليها بإصداره القانون رقم (24) لسنة 1961 بشأن شركات ووكلاء التأمين، وفي سنة 1976 صدر قانون التأمينات الاجتماعية رقم (61) متضمنًا نظام التأمين الإجباري ضد إصابات العمل وقانون المرور رقم (67) ولائحته التنفيذية متضمنًا نظام التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، وفى غضون ذلك تم وضع مشروع متكامل لتنظيم عقد التأمين وصدر في 12/ 4/ 1970 مرسوم بإحالته إلى مجلس الأمة ولكنه لم يستكمل الخطوات اللازمة لإصداره حتى حُل المجلس بالأمر الأميري الصادر في 29/ 8/ 1976 فتقرر تأجيل النظر فيه إلى أن تتم دراسته من قبل اللجنة التي ستقوم بإعداد التشريعات المدنية، كما وضعت وزارة التجارة بدورها مشروعًا لا يخرج عما قرره المشروع السابق بعد إدخال تعديلات على نصوصه مستوحاة من مشروع تنظيم عقد التأمين الذي تم وضعه مؤخرًا في مصر، ويقع المشروع السابق في (92) مادة مستمدة جميعها من المشروع التمهيدي المصري، الذي استوحته جميع التقنينات العربية، فيما أوردته من نصوص تنظم جانبًا من أحكامه.
وعلى هدي هذه المشروعات المختلفة، وضع المشروع المعروض النصوص المتعلقة بتنظيم عقد التأمين، ولكنه آثر أن يقتصر على إيراد أحكام عامة متكاملة لتنظم العقد، وأن يترك ما عدا ذلك من أحكام ليصدر بها تشريع أو تشريعات خاصة تتناول جميع تفاصيل هذا العقد وجزئياته، وما يتخصص به كل نوع من أنواعه، حتى لا يترتب على الإفاضة في هذه التفاصيل إخلال بتناسق القسم الخاص بالعقود في المشروع، بل إن هناك من نواحي تنظيم عقد التأمين ما يحسن أن تتناوله لوائح تنفيذية لم يجر عرف الصياغة بإصدارها بالنسبة إلى التقنينات المدنية، مثل ما تضمنته لائحة المرور بالنسبة لتنظيم التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية من حوادث السيارات.
ويبدأ المشروع في المادتين (773 و774) بتعريف عقد التأمين وبيان عناصره، فالتأمين عقد يبرم بين المؤمن له والمؤمن في شأن خطر أو حادث محتمل الوقوع في المستقبل ويبغي المؤمن له تأمينه منه، فيلتزم المؤمن بموجبه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه عوضًا يكون مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، كما يلتزم المؤمن له أن يدفع للمؤمن مقابل التأمين مبلغًا نقديًا على أقساط أو دفعة واحدة (مادة 773) فالمؤمن له هو الشخص الذي يتعهد بتنفيذ الالتزامات المقابلة لالتزامات المؤمن، وهو في العادة أيضًا يكون الشخص الذي يتقاضى من المؤمن مبلغ التأمين عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر المؤمن منه، ولكن في بعض أنواع والتأمين، كالتأمين على الحياة والتأمين من الحوادث، يكون المؤمن له والمستفيد عادةً شخصين مختلفين ولذلك حرص المشروع على إيضاح التفرقة بينهما مع اعتبار المؤمن له هو المستفيد إذا لم يعين في العقد مستفيد آخر (مادة 774).
وعناصر التأمين كما يتضح من التعريف السابق هي الخطر، ومقابل التأمين، والعوض المالي.
1 - والخطر أو الحادث المؤمن منه له في عقد التأمين مدلول واسع، فهو قد يكون أمرًا يُخشى عاقبته، كحريق أو سرقة أو إصابة أو وفاة أو مسؤولية، وهو الغالب، ولكنه قد يكون أيضًا حادثًا سعيدًا، فهناك تأمين الأولاد يتقاضى فيه المؤمن له مبلغ التأمين كلما يرزق ولدًا، وهناك تأمين الزواج يتقاضى المؤمن له فيه مبلغ التأمين إذا ما تزوج قبل بلوغه سنًا معينة، وهناك تأمين المهر يكون المستفيد فيه أحد أولاد المؤمن له إذا عاش إلى تاريخ معين وهو التاريخ الذي يغلب أن يتزوج فيه فيكون في حاجه إلى المهر، وهناك التأمين لحالة الحياة يتقاضى فيه المؤمن له مبلغ التأمين إذا عاش إلى تاريخ معين.
2 - ومقابل التأمين هو القسط أو الدفعة المالية التي يدفعها المؤمن له للمؤمن لتغطية الخطر أو الحادث المؤمن منه، وبينه وبين الخطر علاقة وثيقة، فهو يحسب على أساس الخطر وإذا تغير الخطر تغير معه قسط التأمين زيادةً أو نقصًا، وهو ما يعرف بمبدأ نسبية القسط إلى الخطر، وقد يكون مقابل التأمين مبلغًا إجماليًا يدفع مرة واحدة، ويسمى بالقسط الوحيد، ولكن الغالب أن يكون دفع مقابل التأمين على أقساط جرت العادة على أن تكون سنوية تدفع مقدمًا في أول كل سنة، وإن جاز تقسيم القسط السنوي إلى أجزاء يدفع كل جزء منها مقدمًا كل ستة أشهر، أو كل ثلاثة أشهر أو كل شهر، ولكن ذلك ليس إلا طريقًا لتيسير الدفع على المؤمن له، ويبقى القسط سنويًا.
3 - أما العنصر الثالث وهو عوض التأمين، فقد يكون تعويضًا يقاس بمقياس الضرر وحده الأقصى المبلغ المذكور في وثيقة التأمين، كما هو الشأن في التأمين من الأضرار عمومًا، وقد يكون مبلغًا محددًا يتقاضاه المؤمن له أو المستفيد مرة واحدة أو إيرادًا مرتبًا كما هو في التأمين على الحياة.
أولاً: إبرام عقد التأمين:
يبرم عقد التأمين بين طرفيه وهما المؤمن والمؤمن له، على أنه يجوز أن يعقد التأمين لحساب الغير بناءً على تفويض منه أو دون تفويض فإذا كان بناءً على تفويض يكون المفوض مجرد نائب عن صاحب الشأن في إجراء التأمين، ويعتبر الأخير هو المؤمن له الذي يلتزم بدفع الأقساط وله وحده في حالة وقوع الخطر مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين. أما إذا تم التأمين بغير نيابة، فإنه إذا أقر الغير (المؤمن له) التأمين المعقود لصالحه، حتى بعد تحقق الخطر المؤمن منه، انصرف أثر عقد التأمين إليه من وقت إبرامه لا من وقت الإقرار ويحق له أن يقبض مبلغ التأمين من المؤمن، كما يكون هو الملتزم بدفع الأقساط، فإذا تحقق الخطر ولم يقر المؤمن له العقد خلال ثلاث سنوات من تحقق الخطر أصبحت الأقساط حقًا خالصًا للمؤمن (مادة 775).
وغني عن البيان أنه يجوز أيضًا أن يعقد التأمين لحساب ذي المصلحة أو لحساب من يثبت له الحق فيه، كأن يؤمن شخص من المسؤولية عن حوادث السيارات لحساب أي سائق يقود سيارته، فهنا يكون صاحب السيارة هو المؤمن له الذي يلتزم بدفع الأقساط ويكون السائق الذي يقود السيارة هو المستفيد.
وتنص المادة (776) على أن التأمين من الأضرار يقع باطلاً إذا لم يستند إلى مصلحة اقتصادية مشروعة، فالرأي السائد هو أن المصلحة لا تكون عنصرًا إلا في التأمين من الأضرار، أما التأمين على الأشخاص فلا تشترط فيه المصلحة، والمقصود بالمصلحة هو أن يكون للمؤمن له أو للمستفيد مصلحة في عدم وقوع الخطر المؤمن منه، ومن أجل هذه المصلحة أمن هذا الخطر، ويجب أن تكون المصلحة اقتصادية أي ذات قيمة مالية، لأن المؤمن عليه في التأمين من الأضرار هو المال.
وغني عن البيان أنه يجب أن تكون المصلحة مشروعة، فالخطر المؤمن منه يجب أن يكون متولدًا عن نشاط غير مخالف للنظام العام أو الآداب، فلا يجوز التأمين من المخاطر المترتبة على أعمال التهريب أو الاتجار في المخدرات أو على الأماكن التي تدار للدعارة أو المقامرة وما إلى ذلك.
والخطر المؤمن منه هو العنصر الجوهري في التأمين، فإذا كان قد زال أو تحقق قبل تمام العقد وقع التأمين باطلاً (مادة 777)، ويسري هذا الحكم حتى لو كان كل من الطرفين يجهل وقت إبرام العقد أن الخطر قد زال أو قد تحقق، فلو كان كل منهما يظن أن الخطر قائم محتمل لبقي العقد باطلاً على الرغم من ذلك، إذ يكون الخطر في هذه الحالة خطرًا ظنيًا والتأمين من الخطر الظني لا يجوز، وهذا هو الرأي السائد في فرنسا بشأن التأمين البري، أما في التأمين البحري، فإن التأمين من الخطر الظني جائز، ويسمى بالتأمين على الأنباء السارة أو السيئة فالتأمين على السفينة إذا كانت قد غرقت قبل إبرام العقد دون أن يعلم أحد من الطرفين بذلك تأمين جائز.
ويعرض نص المادة (778) للآثار التي تترتب على إعادة التأمين، والمستقر عليه في ذلك أن المؤمن له (أو المستفيد) في عقد التأمين الأصلي أجنبي في عقد إعادة التأمين الذي يعقده المؤمن المباشر مع المؤمن المعيد، فلا يستمد من هذا العقد أي حق قبل المؤمن المعيد ولا يتحمل التزامًا، ويبقى المؤمن المباشر وحده هو المسؤول قِبل المؤمن له بموجب عقد التأمين الأصلي الذي أُبرم فيما بينهما.
وتعرض المواد من (779 إلى 789) لإبرام عقد التأمين والمراحل المختلفة التي يجتازها في إبرامه، فعقد التأمين يُبرم بين طرفيه، وهما المؤمن له والمؤمن، فيبدأ المؤمن له بتقديم طلب التأمين، ثم يتم الاتفاق النهائي بإصدار وثيقة التأمين، ولكنه يقع كثيرًا أن يتفق الطرفان اتفاقًا مؤقتًا، انتظارًا للاتفاق النهائي، فيرسل المؤمن للمؤمن له مذكرة تغطية مؤقتة، كما يقع أن يعمد الطرفان بعد العقد إلى إجراء إضافة أو تعديل في عقد التأمين، ويثبتان ذلك في ملحق للوثيقة.
1 - طلب التأمين - وهو ورقة مطبوعة يقوم المؤمن بإعدادها مسبقًا، وتشتمل على البيانات اللازمة التي يبرم عقد التأمين على أساسها، وبخاصة الخطر المطلوب التأمين منه وجميع الظروف التي تحيط بهذا الخطر، لتكون هذه البينات أمام المؤمن عندما ينظر في إجابة هذا الطلب، وفي بعض الأحيان يشتمل طلب التأمين على مجموع من الأسئلة يجيب عليها المؤمن له، وتنص المادة (779/ 1) من المشروع على أن طلب التأمين وحده لا يكون ملزمًا للمؤمن ولا للمؤمن له، ولا يتم العقد إلا إذا وقع المؤمن على وثيقة التأمين، وتم تسليم هذه الوثيقة إلى المؤمن له، ولكن طلب التأمين له، على الرغم من ذلك، أهمية كبيرة، فهو يعتبر عند تمام العقد مكملاً له بما جاء به من بيانات وإقرارات، وكل بيان أو سؤال يكون المؤمن له قد أدلى به أو أجاب عليه فيه، يحسب عليه، ويؤخذ به.
2 - مذكرة التغطية المؤقتة وقد يقبل المؤمن الطلب ومع ذلك يمضي جانب من الوقت قبل تحرير وثيقة التأمين وتوقيعها وتسليمها إلى المؤمن له، وفى هذه الحالة لا يكون المؤمن له قد أمن نفسه من الخطر الذي يتهدده، ولذلك جرت العادة بأن يسلم المؤمن إلى المؤمن له مذكرة تغطية مؤقتة موقعة منه لتغطية المؤمن له طوال الوقت الذي يستغرقه تحرير وثيقة التأمين وتسليمها للمؤمن له، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة (779) لهذه الحالة ونصت على أن العقد يتم حتى قبل تسليم الوثيقة، إذا سلم المؤمن للمؤمن له - استجابةً لطلب الأمين - مذكرة تغطية مؤقتة يضمنها القواعد الأساسية التي يقوم عليها التعاقد (نوع التأمين والخطر المؤمن منه ومبلغ التأمين والقسط والمدة) ويثبت فيها التزامات كل من الطرفين قِبل الآخر، وتقوم هذه المذكرة مؤقتًا مقام الوثيقة النهائية، ومع ذلك رأى المشروع من باب التيسير على المؤمن لهم أن ينص في الفقرة الثالثة من المادة (779) على أنه إذا قدم المؤمن له إيصالاً بدفع جزء من مقابل التأمين، كان له أن يثبت بكافة الطرق أن العقد قد تم، حتى ولو لم يكن قد تسلم مذكرة تغطية مؤقتة.
3 - وثيقة التأمين - وعندما يقبل المؤمن طلب التأمين، فإنه يعمد إلى تحرير وثيقة التأمين ويوقعها ثم يسلمها إلى المؤمن له، أما توقيع المؤمن له على الوثيقة فليس ضروريًا، ذلك أنه قد وقع على طلب التأمين الذي يعتبر من جانبه إيجابًا باتًا، ووثيقة التأمين هي المحرر المثبت لعقد التأمين، وتتضمن الشروط المطبوعة التي يضعها المؤمن بحسب نموذج يعده لذلك، والتي قل أن يختلف باختلاف المؤمنين، وإلى جانب هذه الشروط العامة، تذكر بيانات معينة تكتب باليد أو بالآلة الكاتبة، وهذه هي البيانات التي تخصص وثيقة التأمين باعتبارها عقدًا مبرمًا مع مؤمن له بالذات.
والمفروض أن ما يرد في وثيقة التأمين من بيانات أو شروط، يكون مطابقًا لما تم الاتفاق عليه ابتداءً بين الطرفين عند تقدم المؤمن له بطلب التأمين، فإذا تسلم المؤمن له الوثيقة ووجد أن بعض الشروط المدونة بها لا يطابق ما كان الاتفاق قد تم عليه، فإنه يكون له - طبقًا لنص المادة (780) من المشروع - أن يطلب تصحيح هذه الشروط بعد إثبات عدم المطابقة، فإذا أثبت ذلك، وجب تصحيح الوثيقة حتى تصبح مطابقة للمتفق عليه، ولكنه إذا سكت عن طلب التصحيح ثلاثين يومًا من وقت تسلم الوثيقة، فإن سكوته يعتبر قبولاً منه للشروط المدونة فيها، وهذا النص ليس إلا تطبيقًا للقواعد العامة فيما عدا تحديد مدة الثلاثين يومًا.
وتعرض المادة (781) للصور المختلفة لوثائق التأمين، والغالب أن تكون الوثيقة في صورة وثيقة لمصلحة شخص معين، ولكنها قد تكون أيضًا في صورة وثيقة إذنية أو وثيقة لحاملها، فإذا كانت الوثيقة إذنية، فإنها تنتقل بالطرق المقررة لانتقال الوثائق الإذنية، أي بالتظهير ولو كان على بياض، أما إذا كانت الوثيقة لحاملها فإنها تنتقل من يد إلى يد بمجرد المناولة الفعلية، وكل ذلك مع استثناء الوثائق الخاصة بالتأمين على الحياة التي تخضع لأحكام خاصة. ويجوز للمؤمن أن يحتج على حامل الوثيقة أو على الشخص الذي يتمسك بها بكل الدفوع التي يكون له أن يحتج بها على المؤمن له.
وقد عمد المشروع إلى طائفة من الشروط التي يكثر ورودها في العمل، فبين حكمها في المواد (782 إلى 784)، ومن هذه الشروط شروط رأى المشروع عدم الاعتداد بها أو الاحتجاج بها على المؤمن له لاعتبارات شكلية وأخرى رأى عدم الاعتداد بها أو إبطالها لاعتبارات موضوعية.
أما الشروط التي لا يعتد بها لاعتبارات شكلية فهي الشروط المطبوعة التي تتعلق بالتحكيم أو بحال من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط، إذا لم تبرز هذه الشروط بطريقة متميزة كأن تكتب بحروف أكثر ظهورًا، أو أكبر حجمًا (مادة 782)، فإذا لم تبرز مثل هذه الشروط بشكل متميز فإنه لا يجوز الاحتجاج بها على المؤمن له، أما إذا كانت الشروط مكتوبة بالآلة الكاتبة أو باليد، ومن باب أولى إذا كانت موقعًا عليها من المؤمن له، فإن هذا يكون كافيًا لإعمالها.
وأما الشروط التي رأى المشروع عدم الاعتداد بها أو أبطالها لاعتبارات موضوعية فهي:
أولاً: الشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات، أو في تقديم المستندات، إذا تبين من الظروف أن التأخر كان لعذر مقبول (مادة 783).
ثانيًا: الشرط الذي يستثني من نطاق التأمين الأعمال المخالفة للقوانين واللوائح، ما لم يكن الاستثناء محددًا (مادة 784/ أ) فإذا استثنى المؤمن من نطاق التأمين أي عمل يأتيه المؤمن له مخالفًا للقوانين واللوائح، كان الاستثناء غير محدد فلا يعتد به، أما إذا ذكر المؤمن على وجه التحديد، المخالفة التي يستثنيها من نطاق التأمين، كأن يستثني العمل الذي يخالف نصًا معينًا من قانون معين أو من لائحة معينة، فإن الاستثناء يكون صحيحًا وتخرج المخالفة المستثناة من نطاق التأمين لأن استثناءها محدد لا إبهام فيه ولا غموض، وغني عن البيان أن المخالفات المنطوية على جنايات أو على جنح عمدية تكون مستثناة دون حاجة إلى نص، لأن التأمين من الخطأ العمدي غير جائز.
ثالثًا: كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في تحقيق الخطر المؤمن منه (784/ ب)، وقاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان لمخالفة الشرط أثر في تحقق الخطر المؤمن منه، فيكون الشرط صحيحًا، أو ليس لمخالفته أثر فيكون الشرط تعسفيًا ويقع باطلاً فلا يُعتد به.
ولم يرَ المشروع بعد ذلك أن يعرض للغة التي يجب أن تكتب بها وثيقة التأمين، كما فعل المشروع السابق في المادة (14) منه، لأن مجال هذا النص هو قانون الرقابة على هيئات التأمين.
4 - ملحق الوثيقة - وملحق الوثيقة هو اتفاق إضافي ما بين المؤمن والمؤمن له يلحق بالوثيقة الأصلية، ويكون من شأنه أن يعدل فيها، كأن يتفق على زيادة مبلغ التأمين أو على امتداد مدته أو على إضافة خطر لم يكن مؤمنًا منه. ويخضع في إثباته للقواعد العامة كما يسري عليه كل ما يسري على عقد التأمين الأصلي من أحكام.
مدة التأمين - ومدة التأمين هي من أهم البيانات التي ترد في الوثيقة، ولذلك أوجب المشروع أن تكون مكتوبة فيها بشكل ظاهر (مادة 785)، والأصل أن وثيقة التأمين يبدأ سريانها من وقت تمام العقد، فمن هذا الوقت تترتب الالتزامات الناشئة من العقد في ذمة كل من الطرفين، وذلك ما لم يتفق على وقت آخر لبدء سريان الوثيقة، كأن يؤمن مشتري السيارة على سيارته قبل أن يتسلمها ويجعل بدء سريان الوثيقة من تاريخ التسليم، ولما كان وقت تمام العقد، لو جُعل هو وقت بدء السريان، لا يعرف منه عادة إلا اليوم الذي تم فيه، لذلك نص المشروع على أن تبدأ مدة التأمين من أول اليوم التالي لليوم الذي تم فيه العقد (786/ 1) وتحديد مبدأ سريان العقد على هذا الوجه يكون له مزيتان - الأولى - أن هذا الوقت يكون منضبطًا تمامًا، فإذا تحقق الخطر قبل انتهاء اليوم الذي تم فيه العقد (الساعة 24) ولو بثانية واحدة، لم يكن المؤمن مسؤولاً، أما إذا تحقق الخطر بعد (الساعة 24) ليوم تمام العقد ولو بثانية واحدة فإن مسؤولية المؤمن تتحقق - والميزة الثانية - ميزة عملية، إذ يمنع سريان العقد من أول اليوم التالي من غش المؤمن له إذا أمن من الحادث عقب وقوعه مباشرة في نفس اليوم دون أن يخبر المؤمن بذلك، أما إذا اتفق على بدأ سريان التأمين في يوم معين، بدأ سريانه من أول هذا اليوم، وكل ذلك ما لم يتفق على خلافة (786/ 2 و3).
وعلى الرغم من أن لطرفي العقد مطلق الحرية في تعيين مدته، إلا أنه حرصًا على صالح المؤمن لهم ومنعًا من تورطهم في الالتزام بعقود طويلة الأمد، فقد نص المشروع في المادة (787) على تحديد أجل (خمس سنوات) يستطيع كل من الطرفين قبل حلوله بمدة ستة أشهر على الأقل، إنهاء العقد، وذلك دون إخلال بعقود التأمين على الحياة التي يكون للمؤمن له فيها أن يتحلل من العقد بعد انقضاء سنة واحدة، ويعتبر هذا الحق من النظام العام إذ يقصد به حماية المتعاقدين، ومن ثم فلا يجوز النزول عنه أو الحد منه أو الاتفاق على ما يخالفه، وهذا النص يقرر عرفًا تأمينيًا متبعًا، وأحكامه تدرج عادة في وثائق التأمين، ونظرًا لما ينطوي عليه حكم هذا النص من أهمية، فقد نصت المادة المذكورة على ضرورة بيانه في وثيقة التأمين.
وقد عرضت المادة (788) من المشروع لامتداد عقد التأمين فأجازت بمقتضى شرط محرر في الوثيقة بشكل متميز، الاتفاق على امتداد عقد التأمين من تلقاء ذاته، إذا لم يقم المؤمن له قبل انتهاء مدته بثلاثين يومًا على الأقل بإبلاغ المؤمن برغبته في عدم امتداد العقد، ولا يسري مفعول هذا الامتداد إلا سنة فسنة ويقع باطلاً كل اتفاق على أن يكون الامتداد لمدة تزيد على ذلك، وهذا النص ليس في مجموعه إلا تطبيقًا للقواعد العامة، فيما عدا ميعاد الثلاثين يومًا لصدور الرغبة في عدم امتداد العقد، وفيما عدا أن مدة الامتداد لا يجوز أن تزيد على سنة، وهو على كل حال يقرر عرفًا تأمينًا يحمي المؤمن من مفاجأته بعدم امتداد العقد يخطر به في وقت غير كافٍ، ويحمي المؤمن له بدوره، فلا يفاجأ لمجرد سكوته بامتداد العقد لمدة أطول من سنة ولذلك لم يرَ المشروع مانعًا من الأخذ بهذه الأحكام التي جرى عليها العرف التأميني ويُستثنى منها عقد التأمين على الحياة لأنه إما أن ينتهي بالموت فلا يقبل الامتداد وإما أن ينتهي بانقضاء مدته، وهذه المدة تقبل التعديل بملحق للوثيقة ولا تمتد عادةً بشرط في العقد، فإذا لم يكن هناك شرط صريح في وثيقة التأمين يقضي بامتداد العقد، وأراد المؤمن له قبل انقضاء مدة العقد امتداده لأية مدة (وكذلك تعديله أو سريانه بعد وقفه)، كان له أن يعرض هذا الامتداد على المؤمن بكتاب موصى عليه، فإن لم يقم المؤمن بإبلاغ المؤمن له خلال العشرين يومًا التالية لوصول الكتاب، بعدم الموافقة على الامتداد، عُد موافقًا عليه وامتد العقد المدة التي عرضها المؤمن له، على أنه إذا كان القرار المؤمن يعتمد على فحص طبي أو كان الطلب يتعلق بزيادة مبلغ التأمين، فلا يُعتد إلا بالموافقة الفعلية للمؤمن (مادة 789 من المشروع).
ثانيًا: التزامات المؤمن له:
طبقًا لنصوص المشروع يلتزم المؤمن له بالتزامات ثلاثة وهي:
1 - تقديم البيانات اللازمة وتقرير ما يستجد من الظروف.
2 - دفع مقابل التأمين.
3 - إخطار المؤمن بوقوع الحادث إذا تحقق الخطر المؤمن منه (مادة 790 من المشروع).
1 - فالمؤمن له يلتزم أن يبين بوضوح وقت إبرام العقد كل الظروف المعلومة له والتي يهم المؤمن معرفتها ليتمكن من تقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه، ويعتبر مهمًا على الأخص، الوقائع التي جعلها المؤمن محل أسئلة محددة ومكتوبة، كما يلتزم المؤمن له أيضًا أن يبلغ المؤمن بما يطرأ أثناء العقد من ظروف من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر وذلك فور علمه بها (مادة 790/ أ وب).
فإذا سكت المؤمن له عن أمر أو قدم بيانًا غير صحيح، وكان من شأن ذلك أن يتغير موضوع الخطر أو تقل أهميته في نظر المؤمن، فإن عقد التأمين يكون بحسب الأصل قابلاً للإبطال لمصلحة المؤمن (مادة 791/ 1) سواء كان المؤمن له سيئ النية أو حسن النية في ذلك.
فإذا انكشفت الحقيقة قبل تحقق الخطر، فإنه يكون للمؤمن أن يطلب إبطال العقد، ويتم الإبطال بعد عشرة أيام من تاريخ إخطار المؤمن له بذلك بكتاب موصى عليه، ولا يكون للإبطال هنا، خلافًا لما تقضي به القواعد العامة، أثر رجعي بل يبقى المؤمن ملتزمًا بضمان الخطر كما يبقى المؤمن له ملتزمًا بدفع الأقساط وذلك إلى يوم إبطال العقد، ومن ثم يكون ما قبضه المؤمن من الأقساط عن مدة سابقة على يوم الإبطال حقًا خالصًا له، أما ما قبضة عن مدة تلي يوم الإبطال، وهي مده لا يتحمل في مقابلها خطرًا ما، فلا يجوز له أن يستبقيه ويجب عليه رده، ولكن المؤمن له يستطيع أن يدرأ طلب الإبطال إذا هو قبل زيادة في القسط تتناسب مع الزيادة في الخطر (مادة 791/ 2وأما إذا لم تظهر الحقيقة إلا بعد تحقق الخطر، فإنه لا يجوز للمؤمن إبطال العقد، ذلك أن الخطر قد تحقق والعقد قائم وأصبح التزام المؤمن بالتعويض واجب الأداء، فلا يستطيع التحلل منه بالإبطال، ولكن لما كانت الأقساط التي دفعها المؤمن له لا تتناسب مع الخطر المؤمن منه، فإن المؤمن لا يدفع من التعويض إلا ما يتناسب مع هذه الأقساط (مادة 791/ 3)، وقد خالف المشروع في هذه الأحكام نصوص المشروع السابق التي كانت تفرق في ذلك بين حالة المؤمن له سيئ النية وحالة المؤمن له حسن النية، فتجعل العقد باطلاً في الحالة الأولى وقابلاً للإبطال في الثانية.
وغني عن البيان أن الأحكام المتقدمة تسري أيًا كان الوقت الذي وقع فيه الكتمان أو تم الإدلاء بالبيان غير الصحيح، يستوي أن يكون ذلك ابتداءً عند التعاقد، أو وقت أن يخطر المؤمن له المؤمن بما يستجد من ظروف تؤدي إلى زيادة الخطر.
ويعرض نص المادة (792) لحالة زيادة المخاطر المؤمن منها سواء بفعل المؤمن له أو بغير فعله بعد أن ألقى نص المادة (790 ب) على عاتق المؤمن له التزامًا بإبلاغ المؤمن بما يطرأ منها فور علمه بها، والنص لا يعدو أن يكون تنظيمًا مفصلاً لما يقتضيه تطبيق القواعد العامة ولما يقضي به العرف التأميني وفقًا للشروط التي جرت العادة بإدراجها في وثائق التأمين، ويخلص من أحكامه أنه إذا استجدت، في أثناء سريان العقد ظروف من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر المؤمن منها فإن طبيعة عقد التأمين، وما يهدف إليه من استمرار تغطية الخطر ما أمكن ذلك، تقضي بإفساح المجال للطرفين حتى يستبقيا العقد بعد زيادة في مقابل التأمين، وذلك إلى جانب حق المؤمن في طلب إنهاء العقد طبقًا للقواعد العامة، وحقه في استبقاء العقد دون زيادة في المقابل،  على أنه طبقًا لنص المادة (793) من المشروع يبقى عقد التأمين ساريًا دون زيادة في المقابل إذا تحقق الخطر أو زاد احتمال وقوعه نتيجة أعمال أُديت امتثالاً لواجب إنساني أو توخيًا للمصلحة العامة، فإذا تعمد المؤمن له زيادة الخطر لحماية مصلحة المؤمن نفسه، كما إذا أتلف في التأمين من الحريق بعض المنقولات المؤمن عليها لمنع امتداد الحريق وذلك لمصلحة المؤمن حتى ينحصر ضمانه في أضيق الحدود الممكنة فإن هذا العمل لا يكون له أثر في عقد التأمين، ويبقى هذا العقد ساريًا كما هو دون زيادة في المقابل، كذلك إذا عرض المؤمن له التأمين على الحياة نفسه للموت إنقاذًا لغيره فمات فعلاً أو قتل شخص حصانًا مؤمنًا عليه بعد أن أصيب بمرض، خشية أن يؤذي غيره، ففي مثل هذه الفروض يبقى عقد التأمين كما هو دون زيادة في المقابل، لأن هناك ما يبرر فعل المؤمن له، فهو يؤدي واجبًا أو يقوم بعمل للمصلحة العامة.
وكما تجوز زيادة مقابل التأمين في الحالة المنصوص عليها في المادة (792)، فإنه يجوز أيضًا تخفيضه، ويتحقق ذلك إذا كان قد لوحظ في تحديد مقدار المقابل اعتبارات معينة ثم زالت هذه الاعتبارات أو قلت أهميتها، فيجوز عندئذٍ للمؤمن له أن ينهي العقد، إلا إذا قبل المؤمن تخفيض المقابل بما يجعله مناسبًا للخطر بعد زوال هذه الاعتبارات أو بعد نقص أهميتها (مادة 794 من المشروع) ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف هذا الحكم لأنه في مصلحة المؤمن له فلا يجوز المساس به باتفاق خاص.
2 – ويعرض المشروع في المواد (من 795 إلى 798) لالتزام المؤمن له بدفع مقابل التأمين، والأصل أن المقابل يدفع في الوقت الذي يتفق عليه المتعاقدان، وقد جرت العادة أن يشترط المؤمن على المؤمن له أن يدفع المقابل مقدمًا، حتى يستطيع أن يواجه الأخطار التي تتحقق في خلال السنة، ويسدد مبالغ التعويض المستحقة عنها، وقد اضطرد شرط الدفع مقدمًا في وثائق التأمين حتى أصبح ذلك عرفًا تأمينيًا مستقرًا.
والغالب أن يكون مقابل التأمين أقساطًا دورية سنوية، وقد يكون مبلغًا إجماليًا يدفع مرة واحدة ويسمى بالقسط الوحيد، سواء لأن مدة التأمين تقل عن سنة كما في التأمين لمدة الرحلة، أو تكون المدة طويلة ولكن المؤمن له يختار أن يوفي بمقابل التأمين دفعة واحدة، وفى هذه الحالة يدفع مقابل التأمين كله مقدمًا عند إبرام العقد، ولكن الغالب كما تقدم أن يكون دفع مقابل التأمين على أقساط، وقد جرت العادة بأن يكون القسط سنويًا يدفع مقدمًا في أول كل سنة، ويدفع القسط الأول عند إبرام العقد، وقد قننت المادة (795) من المشروع هذه الأحكام.
هذا ويُلاحظ أن المشروع يقضي بأنه إذا نُص في وثيقة التأمين على إرجاء سريان العقد إلى ما بعد سداد القسط الأول، ثم سلم المؤمن للمؤمن له الوثيقة قبل سداد هذا القسط، لم يجز للمؤمن أن يتمسك بعد ذلك بإرجاء سريان العقد، ذلك أن تسليمه الوثيقة للمؤمن له يعتبر قرينة إما على نزوله عن شرط إرجاء سريان العقد، وإما على أنه قبض القسط الأول فبدأ العقد في السريان.
وتعرض المادة (796) من المشروع لمكان الوفاء، والأصل طبقًا للقواعد العامة، أن يكون مكان دفع القسط هو موطن المدين به، أي موطن المؤمن له، ولكن العادة جرت في المحيط التأميني أن يكون دفع أول قسط في موطن المؤمن، ثم يكون دفع الأقساط التالية في موطن المؤمن له، والموطن التأميني للمؤمن له هو الموطن الذي ذكره في وثيقة التأمين أو آخر موطن أخطر به المؤمن، ولكن قد يجد المؤمن له من مصلحته أن يتفق مع المؤمن على أن يكون الدفع في مكان آخر غير موطنه (في موطن وكيله، أو في موطن المؤمن نفسه، أو في موطن وكيل المؤمن)، ولما كان المفروض أن هذا الشرط إنما هو في مصلحة المؤمن له الذي اشترطه فإنه يجب إدراجه ضمن الشروط الخاصة المكتوبة بحروف ظاهرة بناءً على طلب المؤمن له.
ويكون الدفع استثناءً في موطن المؤمن إلى جانب حالة الاتفاق على ذلك، في الحالتين الآتيتين:
أ ) دفع القسط الأول، إذ جرت العادة كما تقدم أن يدفع هذا القسط في موطن المؤمن، ومن ثم يكون هذا القسط محمولاً لا مطلوبًا.
(ب) حالة ما إذا تأخر المؤمن له في دفع أي قسط آخر بعد أن سعى إليه المؤمن في طلبه، وعند ذلك يعذر المؤمن المؤمن له، ومن وقت الإعذار يصبح القسط محمولاً لا مطلوبًا، أي أنه يصبح واجب الدفع في موطن المؤمن لا في موطن المؤمن له (المادة 796 من المشروع).
وتعرض المادتان (797 و798) للجزاء الذي يترتب على الإخلال بالتزام دفع قسط التأمين، وطبقًا للقواعد العامة، إذا امتنع المؤمن له عن دفع القسط أو تأخر في دفعه، يكون للمؤمن، بعد إعذاره أن يطلب الحكم إما بالتنفيذ العيني وإما بالفسخ، ولا يتحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه إلا إذا حصل على حكم بفسخ العقد، ومن الوقت الذي يصدر فيه هذا الحكم، لأن التأمين عقد زمني لا يكون لفسخه أثر رجعي ولا يستطيع المؤمن وقف التزامه بضمان الخطر، وكل ما يستطيعه إذا تحقق الخطر ولزمه التعويض، أن يحبس مبلغ التأمين حتى يستوفي القسط أو الأقساط المستحقة، ويكون له أن يخصمها من هذا المبلغ، ولا شك أن هذه الإجراءات لا تلائم مصلحة المؤمن ولا تتفق في الوقت ذاته مع التبسيط الواجب مراعاته في تسيير عجلة التأمين، ولذلك كانت شركات التأمين تلجأ إلى تضمين وثائقها شروطًا من شأنها أن تيسر الإجراءات تيسيرًا شديدًا، فتشترط إعفاءها من الإعذار، فإذا تأخر المؤمن له في دفع القسط، وقف عقد التأمين ويفاجأ المؤمن له عند تحقق الخطر، بأن التزام المؤمن موقوف لعدم دفع القسط في الميعاد، فيضيع حقه في التأمين.
وقد جرى العرف التأميني، وهو عرف يتمثل في نصوص التشريعات الأجنبية في التأمين، وخاصةً قانون التأمين الفرنسي الصادر في سنة 1930، بالتوسط بين التشديد في الإجراءات إلى حد إرهاق المؤمن والتبسيط فيها إلى حد يجعل المؤمن له تحت رحمة المفاجآت، فأوجب إعذار المؤمن له بكتاب موصى عليه دون أن يكون للمؤمن أن يشترط إعفاءه من هذا الإعذار، وقرر مواعيد محددة يقف بعد انقضائها سريان عقد التأمين، ثم مواعيد أخرى يجوز بعدها أن يطلب المؤمن التنفيذ العيني أو الفسخ بإجراءات مبسطة، وحرم على المؤمن أن يشترط إعفاءه من هذه المواعيد أو تقصيرها، وإن جاز للمؤمن له أن يشترط إطالتها، وبذلك أقام التوازن بين مصلحة المؤمن ومصلحة المؤمن له، وقد نقل المشروع هذا العرف التأميني عن قانون التأمين الفرنسي، أسوة بمختلف المشروعات التي تم وضعها سواء في الكويت أو في مصر.
3 – فإذا تحقق الخطر المؤمن منه، وعلم المؤمن له بتحققه على وجه يستوجب مسؤولية المؤمن عن ضمانه، فإن المؤمن له يلتزم عندئذٍ بإخطار المؤمن بوقوع الحادث الذي نجم عنه تحقق الخطر، وقد ورد هذا الالتزام في الفقرة (د) من المادة (790) التي تلزم المؤمن له (أن يبادر إلى إبلاغ المؤمن بكل حادثة من شأنها أن تجعل المؤمن مسؤولاً)، وهذا الالتزام بديهي، فإن المؤمن قد تحققت مسؤوليته بتحقق الخطر المؤمن منه، فيعنيه أن يعلم ذلك في أقرب وقت ممكن حتى يتمكن من اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة في الوقت المناسب، وغني عن البيان أن على المؤمن له أن يخطر المؤمن بالحادث في وقت معقول، وإذا تأخر في الإخطار دون مبرر فألحق بتأخره ضررًا بالمؤمن كان عليه أن يعوضه عن هذا الضرر، ولا يوجد ما يمنع، طبقًا للقواعد العامة، من أن يشترط المؤمن أن يكون الإخطار في ميعاد معين، وعندئذٍ يجب على المؤمن له أن يراعي هذا الميعاد في الإخطار مع مراعاة حكم المادة (783) من المشروع.
ثالثًا: التزامات المؤمن:
أما المؤمن فيلتزم عند تحقق الخطر المؤمن منه أو عند حلول الأجل المحدد في العقد، بأداء مبلغ التأمين المستحق خلال ثلاثين يومًا من اليوم الذي يقدم فيه صاحب الحق البيانات والمستندات اللازمة للتثبت من حقه (مادة 799 من المشروع). وهذا النص ليس إلا تطبيقًا للقواعد العامة، وهو يبين ميعاد حلول الالتزام بدفع مبلغ التأمين، وما يقع على الدائن في هذا الالتزام من عبء إثبات الحادث المؤمن منه.
وتنص المادة (800) من المشروع على أنه في التأمين من الأضرار، يلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عن الضرر الناتج من وقوع الخطر المؤمن منه، على ألا يجاوز ذلك مبلغ التأمين، وهذا النص يتعلق بمبدأ الصفة التعويضية لعقد التأمين ولكنه مبدأ لا يسري إلا على التأمين من الأضرار فقط، أما التأمين على الأشخاص فيسوده مبدأ رئيسي عكسي هو انعدام صفة التعويض.
وتطبيقًا لمبدأ الصفة التعويضية في التأمين عن الأضرار، لا يجوز للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين والتعويض، وإلا تقاضى مقدار ما لحق به من الضرر مرتين، مرة من المؤمن وأخرى من الغير المسؤول وهذا لا يجوز (على عكس الحال في التأمين على الأشخاص)، ولذلك تنص المادة (801) من المشروع على حلول المؤمن قانونًا بما أداه من تعويض في الدعاوى التي تكون للمؤمن له قِبل المسؤول قانون عن الضرر المؤمن منه، وهذا النص مستوحى من المادة (771) مصري والمادة (36) من قانون التأمين الفرنسي ولهما مقابل في كثير من التشريعات العربية. وقبل صدور قانون التأمين الفرنسي لم يكن من السهل توجيه رجوع المؤمن على المسؤول بطريق الدعوى المباشرة ولم يقر القضاء الفرنسي الآراء التي ذهبت إلى جواز الرجوع، والواقع أنه لم يكن هناك سبب قانوني يجعل المؤمن يحل محل المؤمن له قبل المسؤول، بل إنه لا يوجد سبب قانوني يمنع المؤمن له بعد استيفائه مبلغ التأمين من المؤمن أن يرجع بالتعويض على المسؤول، ومن أجل ذلك جرت العادة بأن يحصل المؤمن من المؤمن له مقدمًا على حوالة بحقوق هذا الأخير قبل المسؤول، ثم صدر القانون الفرنسي مشتملاً على نص المادة (36) التي نقلتها المادة (771) من التقنين المصري بالنسبة إلى التأمين ضد الحريق فقط، ولكن المشروع آثر أن يعمم الحكم على جميع أنواع التأمين من الأضرار.
على أنه يرد على مبدأ الحلول قيدان - الأول - ما نصت عليه العبارة الأخيرة في الفقرة الأولى من المادة (801) من استثناء أقارب المؤمن له وأصهاره الذين يكونون معه في معيشة واحدة والأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعالهم من الرجوع عليهم بدعوى الحلول - والسبب في ذلك واضح، ففيما يتعلق بالأقارب والأصهار الذين يعيشون مع المؤمن له، افترض المشروع أنهم إذا كانوا هم الذين تسببوا في الحادث، فلن يرجع عليهم المؤمن له بالتعويض لعلاقته الخاصة بهم التي تأكدت بمعيشتهم معه في بيت واحد، فإذا كان هو لا يرجع عليهم فأولى بالمؤمن ألا يرجع، وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعالهم كالخدم والأتباع ويدخل أيضًا من هم تحت رقابته ولو لم يقيموا معه في معيشة واحدة منع المشروع أيضًا المؤمن من الرجوع عليهم بدعوى الحلول، ليس فحسب من أجل العلاقة الخاصة التي تربطهم بالمؤمن له، بل أيضًا لأن المؤمن له لو رجع عليهم وكانوا معسرين لجاز له الرجوع على المؤمن له باعتباره مسؤولاً عنهم، فيسلبه باليسار ما أعطاه باليمين، وهذا الحكم يعتبر من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه - القيد الثاني - أن يصبح حلول المؤمن محل المؤمن له متعذرًا بسبب راجع إلى المؤمن له (مادة 801/ 2)، مثل ذلك أن يقر المؤمن له، في غير الحدود المرسومة قانونًا، للمسؤول بعدم المسؤولية، أو يبرئ ذمته منها، أو يصالحه دون موافقة المؤمن، ومثل ذلك أيضًا أن يترك المؤمن له دعواه تجاه المسؤول تسقط بمضي الزمان، ثم يرجع بعد ذلك على المؤمن، ففي هذه الفروض وأمثالها يكون المؤمن له قد أضاع بفعله فرصة حلول المؤمن محله، فلا يستطيع عندئذٍ المؤمن الرجوع بدعوى الحلول على المسؤول، ومن ثم تبرأ ذمة المؤمن تجاه المؤمن له بقدر ما أضاعه هذا عليه من الرجوع بدعوى الحلول على المسؤول.
رابعًا: انتقال الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد التأمين وانقضاؤها:
وتعرض المواد (802 - 807) لنقل الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد التأمين في حالتين هما:
1 - انتقال الشيء المؤمن عليه إلى شخص آخر.
2 - إفلاس المؤمن له أو المؤمن كما تعرض لسقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمرور الزمان.
1 - انتقال الشيء المؤمن عليه إلى شخص آخر:
الأصل أن الشيء المؤمن عليه، إذا انتقلت ملكيته إلى خلف عام أو خلف خاص، تنتقل وثيقة التأمين مع الشيء إلى الخلف، ذلك أنه إذا كان الخلف خلفًا عامًا، فإن حقوق السلف الناشئة عن عقد التأمين تنتقل إليه وكذلك التزاماته الناشئة عن العقد في حدود التركة، طبقًا لقواعد الاستخلاف العام، وإذا كان الخلف خلفًا خاصًا، فإن عقد التأمين يعتبر من مكملات الشيء المؤمن عليه ومحدداته، فينتقل حقوقًا والتزامات من السلف إلى الخلف طبقًا لقواعد الاستخلاف الخاصة. ولما كان عقد التأمين ينتقل بانتقال ملكية الشيء المؤمن عليه، بحكم القانون دون حاجة إلى موافقة المؤمن أو المؤمن له الجديد، فإن أكثر التشريعات قد احتفظ في مقابل ذلك لكل منهما بالحق في طلب إنهاء عقد التأمين وهو ما آثر المشروع الأخذ به (مادة 802 وما بعدها).
ويبقى حق المؤمن في الإنهاء قائمًا إلى أن ينزل عنه صراحةً أو ضمنًا، ويستخلص النزول الضمني من عدم استعماله حقه في الإنهاء في مدة ثلاثين يومًا من التاريخ الذي يخطر فيه بالتصرف الناقل للملكية أو بوفاة المؤمن له.
أما المؤمن له الجديد فيجوز له طلب الإنهاء في أي وقت منذ انتقال الملكية إليه، ويبقى حقه قائمًا إلى أن ينزل عنه صراحةً أو ضمنًا، ولا يجوز تحديد ميعاد لطلب الإنهاء لا في وثيقة التأمين ولا من جهة المؤمن، لأن في ذلك تضييقًا في حق المؤمن له الجديد في طلب الإنهاء وهو مخالف للنظام العام فيقع باطلاً، على أن حق المؤمن له الجديد في الإنهاء لا يبقى بالفعل قائمًا لمدة طويلة، فإنه لا يلبث أن يطالب بقسط التأمين الذي يحل عقب انتقال الملكية، وهنا لا بد من أن يتخذ موقفًا في أمر الإنهاء، فإما أن يطلبه وإما أن ينزل عنه بدفع القسط، فإذا طلب المؤمن له الجديد الإنهاء، انتهى عقد التأمين من هذا الوقت دون أثر رجعي، ويقع باطلاً كل شرط يستحق المؤمن بمقتضاه تعويضًا إذا اختار من انتقلت أو آلت إليه الملكية إنهاء العقد (مادة 803).
ويعرض نص المادة (804) للآثار التي تترتب على انتقال عقد التأمين، فيلتزم المؤمن له الجديد نحو المؤمن بدفع الأقساط المستقبلة أما الأقساط التي تكون قد حلت وقت انتقال الملكية فهي على المؤمن له الأصلي، فإذا لم يكن قد دفعها فعليه دفعها، وإذا كان انتقال الملكية بالموت ولم تكن بعض الأقساط الحالة قد دفعت، فهي دين على التركة طبقًا للقواعد المقررة في الميراث.
ولكن قد يكون المؤمن جاهلاً بانتقال الملكية ولا يعرف إلا المؤمن له الأصلي يتقاضى منه الأقساط التي تحل، فيبقى المؤمن الأصلي ملتزمًا بدفع هذه الأقساط ويرجع بها على المؤمن له الجديد، وذلك إلى أن يخطر المؤمن بكتاب موصى عليه بحصول التصرف الناقل للملكية، فمن وقت حصول هذا الإخطار يكون المؤمن له الجديد هو الملتزم بدفع ما يحل من أقساط، وتبرأ ذمة المؤمن له الأصلي منها، فلا يكون ملزمًا بدفعها لا بصفته مدينًا أصليًا ولا بصفته ضامنًا للمؤمن له الجديد.
على أنه يُلاحظ أنه إذا كان القسط يدفع مقدمًا كما هو الغالب ودفع المؤمن له الأصلي القسط عن العام الذي بدأ، وانتقلت الملكية في خلال هذا العام، فإنه يكون للمؤمن له الأصلي أن يرجع على المؤمن له الجديد بجزء من القسط يتناسب مع المدة التي بقيت من العام منذ انتقال الملكية.
وتنص المادة (805) من المشروع، عن أنه إذا تعدد الورثة أو المتصرف إليهم، وسرى عقد التأمين بالنسبة لهم، كانوا مسؤولين بالتضامن عن دفع الأقساط، وقد نقل المشروع هذا النص عن المادة (9/ 4) من قانون التأمين الفرنسي، حتى لا ينقسم القسط في حالة تعدد المؤمن له الجديد.
2 - إفلاس المؤمن له أو المؤمن:
وتعرض المادة (806) من المشروع لإفلاس المؤمن له ولإفلاس المؤمن، فإذا أفلس المؤمن له، فإن عقد التأمين يبقى، وتحل جماعة الدائنين محل المؤمن له في جميع الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد، ذلك أن الشيء المؤمن عليه قد دخل في التفليسة، فيبقى المؤمن ضامنًا للخطر المؤمن منه، وتصبح جماعة الدائنين ملتزمة بجميع التزامات المؤمن له وبدفع أقساط التأمين التي تحل بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، أما الأقساط التي حلت قبل ذلك ولم تُدفع فيدخل بها المؤمن في التفليسة شأنه في ذلك شأن سائر الدائنين.
وقد ترى جماعة الدائنين ألا مصلحة لها في بقاء العقد، كما قد يرى المؤمن أيضًا إنهاء العقد بعد إفلاس المؤمن له، ولذلك تحتفظ التشريعات عادةً لكل من الطرفين بالحق في إنهاء العقد، وهو ما أخذ به المشروع على أن يتم ذلك في خلال ثلاثة أشهر من وقت صدور الحكم بالإفلاس، ويكون على المؤمن في حالة الإنهاء، أن يرد لجماعة الدائنين الجزء من القسط الذي لم يتحمل في مقابله بخطر ما.
أما إذا أفلس المؤمن، فإن العقد يقف سريانه من يوم صدور الحكم بشهر الإفلاس ويكون للمؤمن له الحق في استرداد الجزء من القسط الذي يكون قد دفعه عن الفترة التي يوقف فيها العقد، وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة بالتأمين على الحياة حيث يحدد حق المؤمن له أو المستفيد في العقود السارية بمبلغ يعادل قيمة الاحتياطي الحسابي محسوبة على أساس تعريفة التأمين المعمول بها وقت إبرام العقد، دون زيادة.
3 - سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمضي الزمان:
وتنص المادة (807) من المشروع على سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوى وذلك ما لم يقضِ القانون بخلاف ذلك، والدعاوى التي تُعتبر ناشئة عن عقد التأمين ويسري عليها حكم هذه المادة، إما أن تكون دعاوى للمؤمن أو دعاوى للمؤمن له.
وأما دعاوى المؤمن فهي دعاوى المطالبة بالأقساط المستحقة ودعاوى إبطال عقد التأمين، ودعاوى إنهاء عقد التأمين أيًا كان سبب الإنهاء، سواء كان إخلال المؤمن له بالتزامه بدفع الأقساط المستحقة، أو كان تقرير ما يستجد من الظروف ويكون من شأنه أن يزيد الخطر، أو كان غير ذلك من الأسباب.
وأما دعاوى المؤمن له فهي دعوى المطالبة بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، سواء رفعت هذه الدعاوى من المؤمن له أو من المستفيد، وكذلك دعاوى البطلان والإبطال والإنهاء وكذلك دعوى استرداد المبالغ التي دفعت بغير حق.
وتسري مدة ثلاث السنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى، غير أن هناك حالات يتأخر فيها مبدأ سريان المدة عن وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى وهي:
أ ) حالة إخفاء بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه، أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر، فلا تسري المدة في هذه الحالة إلا من اليوم الذي علم المؤمن بذلك.
(ب) حالة وقوع الحادث المؤمن منه، ففي هذه الحالة يبدأ سريان المدة من وقت وقوع الحادث المؤمن منه، بل من وقت علم ذوي الشأن بوقوع هذا الحادث.
(جـ) كذلك لا تسري المدة عندما يكون سبب دعوى المؤمن له على المؤمن ناشئًا عن رجوع الغير عليه، إلا من يوم رفع الدعوى من هذا الغير على المؤمن له أو من اليوم الذي يستوفي فيه الغير التعويض من المؤمن له.
وأخيرًا جعل المشروع النصوص التي تنظم عقد التأمين الواردة في هذا الفصل، والتي تهدف في مجموعها إلى حماية المؤمن له نصوصًا لا تجوز مخالفتها، إلا أن يكون ذلك لمصلحة المؤمن له أو المستفيد، (مادة 88 فقرة أولى) أما إذا اتفق على مخالفتها لمصلحة المؤمن فإن الاتفاق يكون باطلاً، وقد يُفهم من ذلك أنه يجوز الاتفاق على إطالة المدة المقررة لسقوط الدعوى المبينة في المادة (807) أو على تقصيرها إذا كان ذلك في مصلحة المؤمن له أو المستفيد، ولذا اقتضى الأمر النص على ذلك صراحةً في الفقرة الثانية من المادة (808) فلا يجوز الاتفاق على مدة تختلف عن المدة التي عينها المشروع.
  كذلك تسري الأحكام المبنية في هذا الفصل على جميع أنواع التأمين، مع مراعاة ما تقضي به التشريعات الخاصة في شأن نوع معين منها (مادة 809 من المشروع).
فالنصوص الواردة في قانون التجارة البحرية هي التي تسري على التأمين البحري والنصوص الواردة في قوانين المرور هي التي تسري في شأن التأمين من حوادث السيارات، وهكذا، ولا تسري النصوص الواردة في هذا الفصل إلا عند عدم وجود نص في تلك التشريعات الخاصة.