جلسة 14 من يناير سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل، وبحضور السادة المستشارين: لطفي علي، ومحمد صادق الرشيدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وعباس حلمي عبد الجواد.
----------------
(10)
الطعن رقم 115 لسنة 30 القضائية
(أ) إثبات. "القرائن القانونية". "حجية الأمر المقضي".
حكم بندب خبير. عدم فصله على وجه قطعي في أية نقطة من نقط النزاع. لا حجية له في موضوع النزاع تلتزمها المحكمة بعد تنفيذه. مثال.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "القرائن القضائية".
إثبات واقعة التوقيع على الورقة العرفية بالبينة. جواز إثباتها كذلك بالقرائن.
(ج) إثبات. "إجراءات الإثبات". "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "إنكار التوقيع". محكمة الموضوع.
إنكار التوقيع على الورقة العرفية. عدم التزام المحكمة بإجراء تحقيق متى رأت في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي لإقناعها بصحة التوقيع.
(د) إثبات. "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "الأوراق العرفية".
انتهاء المحكمة إلى أن الطاعن قد وقع بإمضائه على المحرر الذي أنكر توقيعه عليه. اعتباره صادراً منه وحجة عليه. لا يقبل تحلله منه إلا بالطعن فيه بالتزوير.
(هـ) إثبات. "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "الأوراق العرفية". "الرسائل".
الرسائل الموقع عليها حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت عكسها. الاحتجاج بها غير قاصر على المرسل إليه. لكل من تتضمن الرسالة دليلاً لصالحه الاحتجاج بها على المرسل متى حصل عليها بطريقة مشروعة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضده الدعوى رقم 358 سنة 1953 مدني كلي دمنهور بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له ألفين من الجنيهات، وقال في بيان دعواه إنه كان يملك قطعة أرض فضاء تجاور قطعة أخرى يملكها المطعون ضده واتفقا بعقد مؤرخ 20 أكتوبر سنة 1951 على أن يكون العقاران المذكوران مملوكين لهما على الشيوع مناصفة بينهما. ونص في هذا العقد على أنه لا يجوز لأيهما إقامة مبان أو غيرها أو التأجير إلا بقبول الطرف الآخر وشرط تعويض قدره 500 ج في حالة مخالفة شروط العقد، ولكن المطعون ضده بدافع رغبته في تشييد عمارة على قطعة أرض أخرى مجاورة لأرضهما وحتى يوفر لهذه العمارة سبل الضوء والهواء عمد إلى الاتفاق سراً مع بعض الأهالي على إقامة مسجد من دور واحد على قطعة الأرض الأولى البحرية ثم أعلن في 11/ 1/ 1953 عن تبرعه بهذه القطعة لهذا الغرض ولما كان في تصرفه هذا مخالفة لما التزم به في العقد آنف الذكر فقد بادر الطاعن بالشكوى إلى الشرطة في 8/ 1/ 1953، ولما لم يجد التحقيق الذي أجري في هذه الشكوى في منع المطعون ضده من الاستمرار في أعمال الحفر والبناء حتى تم بناء المسجد فقد أقام دعواه الحالية بطلب تعويضه عن الأضرار التي لحقته بسبب غصب المطعون ضده نصيبه في تلك الأرض وقد أنكر المطعون ضده الدعوى مقرراً أن أهالي أبو حمص كونوا من بينهم لجنة لعمارة بيوت الله واتفق أعضاؤها ومنهم الطاعن على إقامة مسجد على قطعة الأرض محل النزاع وأرسلت اللجنة إلى وزارة الأوقاف خطاباً تطلب فيه معاونتها في تنفيذ هذا المشروع الخيري واشترك الطاعن في تحرير هذا الخطاب ووقع عليه بإمضائه وقامت اللجنة بتشييد المسجد بعد أن تبرع هو - المطعون ضده - بنصيبه في قطعة الأرض وبعد أن قبل الطاعن التخلي عن نصيبه فيها مقابل وعد من رئيس اللجنة بتعويضه بمبلغ من المال يقدره هذا الأخير فيما بعد ولكن الطاعن ما لبث أن نكل هذا الاتفاق وقدم شكواه ثم رفع دعواه عندما تباطأ رئيس اللجنة في تقدير التعويض المستحق له. وانتهى المطعون ضده في دفاعه إلى أن تبرعه مقصور على نصيبه وأنه لم يغتصب شيئاً من ملك الطاعن - وبجلسة 31/ 5/ 1955 قضت محكمة الدرجة الأولى بندب خبير للانتقال إلى قطعتي الأرض المشاع بين الطرفين وبيان قيمة كل منهما على حده في 8/ 1/ 1953 وقيمة النقص أو الزيادة المترتبة على إنشاء مسجد في القطعة الأمامية والاطلاع على دفاتر مصلحة الأملاك فيما يتعلق بالثمن الذي رست به هاتين القطعتين على الطرفين، وبعد أن باشر الخبير هذه المأمورية وقدم تقريره أصدرت المحكمة في 29/ 4/ 1958 حكماً آخر بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه (المطعون ضده) بكافة الطرق القانونية أن المدعي (الطاعن) وافق على تشييد المسجد على قطعة الأرض الأمامية واشترك في اللجنة المنوط بها تنفيذ المشروع على تلك الأرض وساهم في إرسال الخطاب الموجه إلى وزارة الأوقاف طلباً للموافقة على ذلك وأنه أي المطعون ضده إنما تبرع بنصيبه فقط في قطعة الأرض دون أن يقوم بتنفيذ المشروع وأن اللجنة المشكلة لذلك هي التي نهضت به - وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت بتاريخ 30/ 12/ 1958 برفض الدعوى - فاستأنف الطاعن طالباً إلغاء هذا الحكم والحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 29/ 4/ 1958 والقضاء له بطلباته وقيد الاستئناف برقم 43 لسنة 15 ق إسكندرية - وبتاريخ 30/ 1/ 1960 قضت محكمة الاستئناف: أولاً - بإلغاء الحكم التمهيدي المستأنف الصادر في 29/ 4/ 1958 فيما قضى به من تكليف المستأنف عليه (المطعون ضده) إثبات أن المستأنف (الطاعن) وافق على تشييد المسجد على قطعة الأرض الأمامية وأنه ساهم في إرسال الخطاب الموجه من اللجنة إلى وزارة الأوقاف بطلب الموافقة على المشروع وتأييده فيما عدا ذلك: ثانياً - تأييد الحكم القطعي المستأنف الصادر بجلسة 30/ 12/ 1958 - فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض في خصوص قضائه برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي - وقدمت النيابة مذكرة انتهت فيها إلى أنها ترى رفض الطعن. وبجلسة 26/ 10/ 1963 عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى في السببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ويقول في بيان ذلك: أولاً - إن محكمة الدرجة الأولى قد قطعت في حكمها الصادر بتاريخ 31 من مايو سنة 1955 بثبوت مسئولية المطعون ضده عن تصرفه في نصيب الطاعن في الأرض محل النزاع وندبت من أجل ذلك خبيراً لتقدير التعويض المستحق له، ومن ثم يكون قضاؤها بعد ذلك بتاريخ 29/ 4/ 1958 بإحالة الدعوى إلى التحقيق تمهيداً للفصل في ثبوت المسئولية وقضاؤها القطعي الصادر في 30/ 12/ 1958 في موضوع الدعوى برفضها تأسيساً على انتفاء مسئولية المطعون ضده قد جاءا مهدرين لقضائها القطعي السابق وبالتالي مخالفين للقانون، وأنه أي الطاعن قد تمسك في صحيفة استئنافه بحجية هذا القضاء القطعي الذي تضمنته أسباب حكم 31/ 5/ 1955 والذي أصبح نهائياً بعدم استئنافه ولكن الحكم المطعون فيه لم يلتفت إلى ذلك وقضى بتأييد الحكم الابتدائي الأخير القاضي برفض الدعوى فخالف بذلك القانون كما شابه القصور لإغفاله الرد على هذا الدفاع. ثانياً - أنه إذا اعتبر الحكم الفرعي الصادر بتاريخ 31/ 5/ 1955 من المحكمة الابتدائية تمهيدياً وغير منطو على قضاء قطعي، فإن محكمة الدرجة الأولى إذ عدلت عن هذا الحكم دون أن تبين سبب هذا العدول سواء في حكمها التمهيدي الصادر في 29/ 4/ 1958 أو في حكمها القطعي الصادر في الموضوع، فإن قضاءها يكون مخالفاً نص المادة 165 مرافعات، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتأييد هذا القضاء فإنه يكون قد خالف القانون. ثالثاً - إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون فيما قرره من أن الخطاب المؤرخ 4/ 11/ 1952 المرسل إلى وزارة الأوقاف يعتبر حجة على الطاعن في إثبات تصرفه في قطعة الأرض محل النزاع إلى أن يطعن على هذا الخطاب بالتزوير. ذلك أنه ما دام أن المطعون ضده قد تمسك بهذا الخطاب وادعى أنه كان للطاعن توقيعاً عليه وأن هذا الإمضاء قد طمس فإنه يكون عليه إثبات وجود هذه الإمضاء، كما أن ادعاءه بطمس الإمضاء هو ادعاء منه بوقوع تزوير في الخطاب فيقع عليه عبء إثبات هذا التزوير مما كان يقتضي أن يتخذ هو لا الطاعن إجراءات الطعن بالتزوير في هذه الورقة. رابعاً - أخطأ كلا الحكمين الابتدائي والاستئنافي حكم القانون في مدى حجية الخطابات - ذلك أن الخطاب المذكور على فرض أنه يحمل إمضاء للطاعن غير مطموس فهو مرسل لوزارة الأوقاف لا للمطعون ضده وبالتالي فلا يصح لهذا المطعون ضده الاحتجاج به، كما أن ما ورد بهذا الخطاب لا يبلغ مبلغ الإقرار الكتابي الصادر من الطاعن.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن الثابت من مطالعة الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بتاريخ 31/ 5/ 1955 أنه قضى قبل الفصل في الموضوع بندب خبير هندسي للانتقال إلى قطعتي الأرض موضوع النزاع ومعاينتهما وبيان قيمة كل منهما بتاريخ 8/ 1/ 1953 وقيمة النقص أو الزيادة المترتبة على إنشاء مسجد في القطعة الأمامية منهما واستند الحكم في ذلك إلى ما أورده بأسبابه من أنه "إزاء ما أثاره المدعى عليه (المطعون ضده) من أنه على فرض أنه قد تصرف في القطعة الأمامية بالتبرع لإقامة مسجد عليها فإنه لم يثبت أن النصف الباقي لا يفي بنصيب المدعي (الطاعن) وأن مصلحته غير قائمة إذا لم يتبين أن ثمة ضرر أصابه من التصرف إذا ما استأثر بالنصف الباقي من الأرض" ثم استطردت المحكمة قائلة "إنها ترى قبل أن تتوغل في الدعوى أن تعين وجه مصلحة رافعها فيها بأن تندب خبيراً لأداء المهمة المبينة بالمنطوق" - وهذا الذي أورده الحكم سواء في منطوقه أو في أسبابه لا ينطوي على قضاء قطعي بثبوت مسئولية المطعون ضده عن التعويض المطالب به تأسيساً على غصبه قطعة الأرض موضوع النزاع وانفراده بالتبرع بها. ذلك أن الحكم قصد بندب الخبير - على ما صرح به في أسبابه - مجرد استظهار وجه المصلحة في إقامة الدعوى بعد أن دفع المطعون ضده احتياطياً بانتفاء هذه المصلحة على سبيل الفرض الجدلي بصحة دفاع الطاعن - لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تفصل على وجه قطعي في حكمها آنف الذكر في أية نقطة من نقط النزاع فلا تكون لهذا الحكم حجية في خصوص تقرير مسئولية المطعون ضده تلتزم بها المحكمة بعد تنفيذه ومن ثم يكون كل ما يرتبه الطاعن في سبب الطعن على قيام هذه الحجية منهار الأساس - وإذ كان الثابت من الصورة الرسمية لصحيفة الاستئناف التي يدعي الطاعن بأنه تمسك فيها بقيام هذه الحجية وبإصدار الحكم الابتدائي الصادر في الموضوع لها - أنه لم يرد ذكر لهذا الدفاع في تلك الصحيفة كما أن بيانات الحكم المطعون فيه خلو مما يفيد تمسك الطاعن به - فإن النعي على هذا الحكم بالقصور لإغفاله الرد عليه يكون أيضاً على غير أساس - والنعي في شقه الثاني مردود بأن المحكمة الابتدائية - خلافاً لما يقول الطاعن - لم تعدل عما أمرت به في حكمها الصادر في 31 مايو سنة 1955 من ندب خبير بل مضت في تنفيذه وباشر الخبير مأموريته فعلاً وقدم تقريره، ومن ثم يكون النعي بمخالفة المادة 165 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من وجوب بيان أسباب العدول في حالة ما إذا رأت المحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات على غير أساس - والنعي في شقه الثالث مردود بأن الحكم المطعون فيه انتهى من فحص المحكمة للخطاب المؤرخ 4 نوفمبر سنة 1952 المرسل إلى وزارة الأوقاف ومن التحقيق الذي أجري في الشكوى الإدارية رقم 144 سنة 1953 مركز أبي حمص المقدمة من الطاعن وبعد أن أقر النتيجة التي خلصت إليها المحكمة الابتدائية من أقوال الشهود في التحقيق الذي أجرته تلك المحكمة فيما يختص بالوقائع المادية التي تناولها هذا التحقيق - انتهى الحكم المطعون فيه من ذلك إلى القول "فيكون مؤدى ذلك أن هذا المحرر (الخطاب) تم إنشاؤه ووقع عليه أعضاء الجمعية ومن بينهم المستأنف (الطاعن) ثم شابه تزوير بأن غيرت الحقيقة فيه بطمس إمضاء المستأنف فلا يستطيع الأخير فكاكاً من هذه الإمضاء المنسوبة إليه والتي تلزمه بما تضمنه الخطاب إلا إذا قضى برد وبطلان هذا السند بعد الطعن عليه بالتزوير ولكن وقد أمسك المستأنف عن اتخاذ هذا الإجراء فإن ما تضمنه الخطاب يكون مقيداً له - ولما كان يجوز إثبات واقعة التوقيع على الورقة العرفية بشهادة الشهود على ما تقرره المادة 274 من قانون المرافعات وبالتالي يكون إثباتها بالقرائن جائزاً أيضاً عملاً بالمادة 407 من القانون المدني، وكان قاضي الموضوع - على ما يستفاد من المادة 262 من قانون المرافعات - غير ملزم في حالة إنكار التوقيع على الورقة العرفية بإجراء التحقيق المشار إليه في هذه المادة بل أن له إذا رأى في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي لإقناعه بأن التوقيع المذكور صحيح أن يرد على المنكر إنكاره ويأخذ بالورقة من غير إجراء هذا التحقيق ومن ثم فإنه بفرض اعتبار مسلك الطاعن أمام محكمة الموضوع بالنسبة للخطاب ينطوي على طعن فيه بالإنكار فإن فيما أورده الحكم المطعون فيه في أسبابه ما يفيد أن تلك المحكمة قد وجدت في وقائع الدعوى والأدلة القائمة فيها ما أقنعها بأن هذا الإنكار غير صحيح وأن الطاعن قد وقع على هذا الخطاب بإمضائه، فلا عليها بعد ذلك إذا هي لم تأمر بالتحقيق لأن الغرض من هذا الإجراء هو اقتناع المحكمة برأي ترتاح إليه في حكمها فإذا كان هذا الاقتناع موجوداً بدونه فلا لزوم له ومتى كانت المحكمة قد انتهت إلى أن الطاعن قد وقع بإمضائه على الخطاب الذي أنكر توقيعه عليه، فإن هذا الخطاب يعتبر صادراً منه وحجة عليه بما فيه ولا يجوز له بعد أن أخفق في إنكاره أن يتحلل من نسبة هذه الورقة إليه إلا بالطعن فيها بالتزوير، كما قال الحكم - المطعون فيه بحق - ولم يكن المطعون ضده بعد ذلك بحاجة إلى أن يتخذ من جانبه إجراءات الطعن في هذا الخطاب بالتزوير فيما يختص بطمس الإمضاء لأن هذا الطمس لا يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم ما دام قد أثبت حصول التوقيع فعلاً وأن الطمس وقع في أحد أصلي الخطاب بعد إرسال الأصل الثاني إلى وزارة الأوقاف ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص بالخطأ في القانون على غير أساس. والنعي في شقه الرابع مردود بأن المادة 396 من القانون المدني تنص على أن "تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات" ومقتضى ذلك أن تكون لهذه الرسائل قوة الدليل الكتابي فتكون حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت هو العكس بالطرق المقررة قانوناً للإثبات، وحق الاحتجاج بالرسالة الموقع عليها غير مقصور على المرسل إليه بل إن لكل من تتضمن الرسالة دليلاً لصالحه أن يحتج بها على المرسل متى كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ أقر حق المطعون ضده في الاحتجاج على الطاعن بما هو وارد في الخطاب المرسل إلى وزارة الأوقاف بعد أن أثبت أن الطاعن قد وقع على هذا الخطاب فإنه لا يكون قد خالف القانون ما دام الطاعن لم ينازع أمام محكمة الموضوع ولا في أسباب طعنه في شرعية الطريقة التي قدم بها هذا الخطاب إلى المحكمة.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد فيما استخلصه من الخطاب آنف الذكر، ذلك أنه اعتمد على هذا الخطاب فيما قرره من حصول تصرف من الطاعن في نصيبه في الأرض محل النزاع وقبوله تصرف المطعون ضده في هذه الأرض مع أن ما تضمنه الخطاب لا يفيد أكثر من أن فكرة تكونت لدى عدد من الناس لإنشاء مسجد وقد خلا الخطاب من الإشارة إلى حصول تنازل أو تبرع من الطاعن بل وخلا أيضاً من الإشارة إلى العقار محل النزاع وبذلك يكون الحكم قد انتزع وقائع من مصدر لا ينتجها.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن كل ما استخلصه من الخطاب آنف الذكر قد أورده في قوله "وحيث إن المستأنف عليه (المطعون ضده) في أقواله بالشكوى الإدارية أشار إلى أن لجنة كونت في ليلة 4/ 11/ 1952 وأن المستأنف (الطاعن) كان من بين أعضائها وأن مهمة اللجنة كانت بناء مسجد على أرض النزاع وأن اللجنة كتبت إلى وزارة الأوقاف تنهي إليها هذا النبأ - وحيث إن هذه الأقوال ثبتت صحتها من المستند رقم 30 ملف وهو خطاب موجه إلى وزير الأوقاف ينهي إليه فيه مرسلوه أن جمعية كونت بأبي حمص لعمارة بيوت الله وإقامة مسجد ودار لتحفيظ القرآن وأن الجمعية حازت قطعة أرض وسط البندر لهذا الغرض وأن أعضائها جمعوا من بعضهم خمسمائة جنيه بصفة نواة لتنفيذ المشروع وأنهم يطلبون إلى الوزارة إعانتهم لإتمام المشروع وذيل هذا الخطاب بأسماء أعضاء الجمعية وعددهم عشرة من بينهم المستأنف (الطاعن) والمستأنف عليه (المطعون ضده) وقرين كل اسم وقع صاحبه بإمضائه غير أنه لوحظ قرين اسم المستأنف (الطاعن) أثر لإمضاء مطموس - وحيث إن هذا الخطاب لا يغفل شأنه فقد حوى اعترافاً صريحاً من أعضاء الجمعية بأنهم هم الذين حازوا قطعة أرض لبناء مسجد عليها - ولا جدال في أن هذه القطعة بذاتها هي أرض النزاع - فتنتفي بذلك مظنة غصب المستأنف عليه (المطعون ضده) نصيب شريكه المستأنف. كذلك قد حوى الخطاب الدليل على أن المستأنف (الطاعن) كان أحد أعضاء هذه الجمعية التي اضطلعت بالمشروع "ومن هذا يبين أن الحكم المطعون فيه لم يستخلص من الخطاب ما يسنده إليه الطاعن من وقائع في سبب النعي. وإذ كان حقيقة ما استخلصه الحكم من ذلك الخطاب على النحو الوارد في أسبابه المتقدمة الذكر تؤدي إليه عبارات الخطاب التي نقلها الحكم في هذه الأسباب، وكان الطاعن لم يقدم إلى محكمة النقض هذا الخطاب أو صورة رسمية منه ليدلل على أن هذا الذي استخلصه الحكم منه لا سند له فيه، كما لم يقدم من ناحية أخرى ما يدل على أنه جادل أمام محكمة الموضوع في أن قطعة الأرض المشار إليها في الخطاب هي غير الأرض محل النزاع فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في الاستدلال ويقول في بيان ذلك إن الحكم المطعون فيه نفى في أسبابه واقعة الغصب التي أسندها الطاعن إلى المطعون ضده، الأمر الذي لا يتفق والدليل الكتابي الثابت بالشكوى الإدارية والمستمد من قول المطعون ضده فيها بأنه لم يتصرف في قطعة الأرض لأحد ولكنه وهبها لإنشاء جامع، ولا يتفق أيضاً وما أدلى به المطعون ضده من دفاع في الدعوى مبناه أن تصرفه كشريك في كامل القطعة موقوف على القسمة وأن الأرض ما زالت في تكليفه وما شهد به السيد/ عبد العزيز مخيون من أن المطعون ضده تبرع بقطعة الأرض من حسابه الخاص وكان مزمعاً إرضاء الطاعن بمبلغ نقدي، وما ثبت من أن الطاعن اعترض على بناء المسجد في أرضه منذ تاريخ الشكوى ومن قبل أن يشرع في البناء - ويتحصل النعي بالوجه الثاني من هذا السبب في أن الحكم المطعون فيه قد شابه تناقض - ذلك أنه ألغى الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية في 29/ 4/ 1958 بإحالة الدعوى إلى التحقيق وبذلك يكون قد أسقط الدليل المستمد من شهادة الشهود الذين سمعتهم تلك المحكمة - وإذ عاد وأقام قضاءه على ما استمده من ذلك التحقيق من دليل على مساهمة الطاعن في إرسال الخطاب الموجه لوزارة الأوقاف واشتراكه في مشروع اللجنة المنوط بها إنشاء المسجد فإنه يكون مشوباً بالتناقض.
وحيث إن النعي بالوجه الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه قد استند في نفي ما أسنده الطاعن إلى المطعون ضده من غصب نصيبه في أرض النزاع إلى ما أورده في أسبابه من أن الطاعن "لم يقدم دليلاً مقبولاً على أن خصمه قد تبرع بأرض النزاع كاملة أو أنه هو الذي غصبها وأقام المسجد عليها" وأن الذي ثبت للمحكمة ينقض ذلك إذ تبين لها من الخطاب آنف الذكر أن اللجنة التي كان الطاعن أحد أعضائها هي التي اضطلعت بمشروع إنشاء المسجد عليها كما أحال الحكم المطعون فيه في نفي الغصب المدعى به إلى ما أورده الحكم الابتدائي في هذا الخصوص واستمده من أقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة أول درجة بصدد هذه الواقعة المادية - ولما كان هذا الذي استند إليه الحكم المطعون فيه في نفي الغصب المدعى به يكفي لحمل قضائه في هذا الخصوص وكان قاضي الموضوع حراً في أن يأخذ ما يطمئن إليه من الأدلة وأن يطرح ما عداه بغير معقب عليه في ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
والنعي بالوجه الثاني مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يلغ الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى في 29/ 4/ 1958 بإحالة الدعوى إلى التحقيق إلا بالنسبة لما قضى به من تكليف المطعون ضده بأن يثبت بكافة طرق الإثبات موافقة الطاعن على تشييد المسجد على الأرض محل النزاع ومساهمته في إرسال الخطاب الموجه من اللجنة إلى وزارة الأوقاف بطلب الموافقة على المشروع - وذلك لما تراءى لمحكمة الاستئناف من أن هذه الوقائع تنطوي على تصرفات قانونية تزيد قيمتها على عشرة جنيهات فلا يجوز إثباتها إلا بالكتابة - أما ما عدا ذلك من الوقائع المادية التي أمر الحكم المذكور بإثباتها ومن بينها أن المطعون ضده لم يقم بتنفيذ مشروع تشييد الجامع وأن اللجنة المشكلة لذلك والتي كان الطاعن أحد أعضائها هي التي نهضت بهذا المشروع - فإن الحكم المطعون فيه لم يتناول قضاء ذلك الحكم في شأنها بالإلغاء بل إنه اعتمده وأقر النتيجة التي خلصت إليها المحكمة الابتدائية من أقوال الشهود من حيث ثبوت هذين الأمرين - أما عن واقعة مساهمة الطاعن في إرسال الخطاب الموجه إلى وزارة الأوقاف فقد اعتمد الحكم المطعون فيه في ثبوتها على ما ورد في هذا الخطاب ذاته ومن ثم يكون النعي على هذا الحكم بالتناقض غير صحيح.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه.