الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

الطعن 2144 لسنة 36 ق جلسة 25 / 4 / 1967 مكتب فني 18 ج 2 ق 114 ص 581

جلسة 25 من إبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عزيز الدين سالم، ونصر الدين عزام.

-----------------

(114)
الطعن رقم 2144 لسنة 36 القضائية

(أ) رشوة. موظفون عموميون. مكلفون بخدمة عامة.
المكلف بخدمة عمومية: هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع، ولو لم يكن عن طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين، ما دام قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف.
عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي، إلا أنها تصبح لمن ينضمون إلى عضويته تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها.
عضو اللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية لتصفية الإقطاع والمختص بمكتب شئون الفلاحين الموكول إليه بحث الشكاوى المتعلقة بالفلاحين ومخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها. اعتباره مكلفاً بخدمة عامة.
(ب، ج، د، هـ) رشوة. جريمة. " أركانها ".
(ب) جريمة عرض الرشوة. قيامها: لا يشترط فيه أن يكون المجني عليه جادا في قبولها. مجرد عرض الرشوة ولو لم تقبل كاف لقيامها، متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه.
(ج) دفع مبلغ الرشوة مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط سيان في تكامل أركان الجريمة.
(د) الركن المادي لجريمة عرض الرشوة. توافره: بصدور وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له (مادياً كان أو يمكن تقويمه بمال) متى كان هذا العرض جدياً. صلاحية الشيك لأن يكون عطاء في الجريمة المذكورة.
(هـ) تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة ولو تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه.
(و) إصلاح زراعي. منفعة عامة.
تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية. ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله.
(ز) نقض. " المصلحة في الطعن ". ارتباط. رشوة.
تطبيق المحكمة المادة 32 عقوبات ومعاقبتها المتهم بالعقوبة الأشد المقررة للجريمة الأولى. لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر الجريمة الثانية المنسوبة إليه.
(ح، ط، ى، ك) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
(ح) تساند الأدلة في المواد الجنائية. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة. كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
(ط) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى.
(ى) لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(ك) التناقض الذي يعيب الحكم: هو الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر.

-----------------
1 - من المقرر أن المكلف بالخدمة العمومية هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع ولو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين ما دام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف. ولما كانت منظمات الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن بينها المكاتب التنفيذية هي الموكول إليها تنفيذ الاختصاصات المنوطة به بما في ذلك القضاء على أثار الإقطاع، وهو ما من شأنه التحري عن تهريب الأراضي الزراعية والكشف عن صور الانحرافات المختلفة، ويتم ذلك عن طريق أعضاء هذه المكاتب، وكانت عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي إلا أنها تصبح لمن ينضمون إلى عضويته تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها. ولما كان من عرضت عليه الرشوة عضواً باللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية والخاصة بتصفية الإقطاع، متخصصاً بمكتب شئون الفلاحين ومن اختصاصه بحث كافة الشكاوى المتعلقة بالفلاحين وبحث مخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها على ما أورده الحكم المطعون فيه استناداً إلى الكتاب الصادر من الاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية، فإنه بذلك يقوم بخدمة عامة يباشرها بتكليف ممن يملكه.
2 - لا يشترط لقيام جريمة عرض الرشوة عرض الرشوة أن يكون المجني عليه جاداً في قبولها. إذ يكفي لقيام تلك الجريمة مجرد عرض الرشوة ولو لم يكن تقبل متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه.
3 - يستوي لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط.
4 - يكفي لتوافر الركن المادي لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جدياً، لا يهم في ذلك نوع العطاء المعروض، وبقطع النظر عن الصورة التي قدم بها. ولما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الاطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقاً كاملة قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب، فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته في الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها يكفي لتحقق الركن المادي لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات، ذلك بأن وجود أو عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجني عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة ولا مدخل له في اكتمال عناصرها القانونية.
5 - تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة ولو تم بعد تمام العمل الذي وقعت الرشوة من أجل تجنبه، وهو إبلاغ المجني عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن ولا ارتباط له بجريمته.
6 - إن تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله.
7 - لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر التهمة الثانية في حقه ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة عرض الرشوة التي أثبتتها في حقه.
8 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
9 - لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى.
10 - لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
11 - التناقض الذي يعيب الحكم هو ذلك الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 10/ 6/ 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: عرضا رشوة علي موظف مكلف بخدمة عمومية للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها و للإخلال بواجباتها بأن عرضا علي السيد/ عطا محمد محمد سليم العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين و المكلف بالاشتراك في إجراءات بحث تصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك علي سبيل الرشوة مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي و نظير التستر علي هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع و لكن المكلف بالخدمة العمومية لم يقبل الرشوة منهما. و المتهم الأول حاز بوضع اليد أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالواد 104و 109و 110و 111/ 5 من قانون العقوبات و بالمادة 37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 العدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا بتاريخ 29 سبتمبر سنة 1966 عملا بالمواد 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية و109 و111/ 5 و32 من قانون العقوبات و 37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و 127 لسنة 1961. (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين. (ثانيا) معاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين مجتمعين ينعيان علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أقام قضاءه بالإدانة علي أن عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي مكلف بخدمة عامة في حكم الفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات تصدق في حقه جريمة عرض الرشوة في مجال تطبيق المادة 109 مكررا منه، مع أنه ليس كذلك، على سند من القانون الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي والإعلان الدستوري الصادر في 24 مارس سنة 1964 اللذين حددا دور هذا الاتحاد بأنه تنظيم شعبي سياسي يقتصر اختصاصه على المجال السياسي، وأبقاه الدستور خارج الإطار القانوني للدولة فلم يخوله أي قدر من السلطة العامة التي قصر حق مباشرتها علي سلطات الحكم التقليدية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه وحدها هي التي تملك حق التكليف بالخدمة العامة من دونه، وإذ ما كان مشروع قانون العقوبات الجديد قد تضمن نصا ألحق به أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي بالموظفين العموميين ومن في حكمهم طبقا للمادة 111 من قانون العقوبات، فإنه بذلك يكون قد كشف عن أن القانون ـ بنصوصه الحالية ـ لا يعين علي اعتبارهم كذلك. وقد أدى الحكم من ذلك إلي خطأ أخر إذ اعتبر أن ما وقع من الطاعنين تتوافر به جريمة عرض الرشوة مع أن هذه الواقعة كانت قد انقضت برفض الصراف محمد أحمد سلامة الوساطة لدي المجني عليه، فكان سعي الأخير من بعد ـ للإيقاع بالطاعنين ـ واقعة جديدة منبته عن الواقعة الأولي، وهي في صورتها هذه لا تنطوي علي عرض الرشوة من جانبهما، وإنما تتضمن طلبا لها من جانب المجني عليه، الأمر الذي تفتقد به جريمة عرض الرشوة ـ التي دين الطاعنان بها ـ ركنها المادي وهو واقعة العرض ذاتها.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت علي الطاعنين بأنهما في يوم 10 يونيه 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية، عرضا الرشوة علي مكلف بخدمة عامة للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بأن عرضا علي السيد/ عطا محمد سليم العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين والمكلف بالاشتراك في إجراءات بحيث وتصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك علي سبيل الرشوة في مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي ونظير التستر علي هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع ولكن المكلف بالخدمة العامة لم يقبل الرشوة منهما، كما أن المتهم الأول خلال العام الزراعي 65 و 66 و حتى 10/ 6/ 1966 حاز بوضع اليد الفعلي أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها في القانون، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما بالمواد 104 و109 و 110 و 111/ 5 من قانون العقوبات والمادة 37 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1958 و 127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. ومحكمة الجنايات بحكمها المطعون فيه قضت بمعاقبة الطاعن الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين وبمعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنية وذلك طبقا لمواد الاتهام بعد استبعاد المادتين 104 و 110 من قانون العقوبات وإعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 32 منه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله " إنه عقاب حادث كمشيش الذي أغتيل فيه أحد أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي على يد بعض الإقطاعيين نشط أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي المختصين بوحي من الأجهزة المهيمنة على نشاطه في تتبع أوكار الإقطاع المتخلف في البلاد وفي تقديم التقارير والمذكرات في هذا الصدد تمهيداً للقضاء نهائياً على جيوب الإقطاع ومعاقبة أولئك الذين يتحايلون على مخالفة القوانين الإصلاحية وبالأخص قوانين الإصلاح الزراعي بتملك أو حيازة أرض زراعية أكثر من المسموح به قانوناً أو أولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً وإجراماً مرتكبين في ذلك على ما كان لهم من قوة أو سطوة الأسرة، وقد علم السيد/ عطا محمد سليم عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية المختص بشئون الفلاحين والمتفرغ لهذا العمل أن المتهم الأول ...... يحوز بوضع اليد فعلاً أرضاً زراعية غير مملوكة له بناحية المعمورة أكثر من المسموح به في القانون ومساحتها 25 فداناً بعقود صورية حررت بأسماء مستأجرين هم في حقيقة الأمر مجرد إجراء لديه فأنهى ذلك لرياسته بالاتحاد الاشتراكي بالإسكندرية كما قدم بذلك مذكرة للجهات العليا المختصة فكلف بمواصلة البحث في هذا الموضوع وتتبع ما عسى أن يكون قد ارتكبه المتهم الأول من مخالفات، فاتصل بالمستأجرين المزعومين وعلم منهم بصفة قاطعة وبأقوال وقعوا عليها أنهم إنما يعملون كأجراء لدى المتهم الأول إن كانت الأرض قد وزعت عليهم في الظاهر إلا أن الحائز الحقيقي لها والذي يستغلها فعلاً لمصلحته هو المتهم الأول الذي رفض أن يسلمها إليهم، وحدث بطبيعة الحال أن علم المتهم الأول بتحريات السيد/ عطا محمد سليم التي يجريها كما علم بذلك صديقه المتهم الثاني........ المفتش بالإصلاح الزراعي فاتصل ثانيهما بإيعاز أولهما بالشاهد إبراهيم أحمد سلامه صراف ناحية المعمورة التي تتبعها الأراضي الزراعية التي يحوزها المتهم الأول بالمخالفة لأحكام القانون وطلب إليه أن يتصل بدوره بالسيد/ عطا محمد سليم ليعمل من جانبه على عدم إبلاغ الرؤساء المختصين بحقيقة الأمر بشأن هذه الأرض وعلى توزيعها على المستأجرين الصوريين ومنع أي ضرر قد يلحق بالمتهم الأول بهذا الخصوص مفهماً إياه بأن المتهم مستعد لترضية السيد/ عطا محمد سليم إن هو قام بما يطلب، ثم تقابل الشاهد المذكور مع السيد/ عطا سليم وأبلغه بهذه المحاولة من جانب المتهمين وبأنه أفهم المتهم الثاني أنه أي السيد/ عطا سليم ليس من أولئك الذين يستهويهم المال فما كان من الشاهد الأول السيد/ عطا سليم إلا أن طلب من الصراف أن يجاري المتهمين حتى يتمكن من إلقاء القبض عليهما متلبسين وأبلغ ما تقدم إلى السيد أمين الاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية فكلفه بإبلاغ ذلك إلى البوليس الذي طلب إليه - بعد الاتصال بالسيد رئيس النيابة - أن يستمر في إجراءاته وفي يوم الجمعة 10/ 6/ 1966 ذهب السيد/ عطا سليم إلى الصراف إبراهيم أحمد سلامه وطلب إليه أن يتصل تليفونياً بالمتهم الثاني........... ليحدد ميعاد للمقابلة فتم ذلك بالفعل وحدد ميعاد المقابلة بممر القهوة التجارية بالإسكندرية الساعة الثامنة مساء فأخطر السيد/ عطا محمد سليم البوليس الذي ندب بعض الضباط لمراقبة هذه المقابلة ومحاولة الاستماع لما يدور فيها وفي الميعاد المضروب توجه السيد/ عطا محمد سليم مع الصراف إبراهيم أحمد سلامه إلى القهوة التجارية حيث وجدا المتهمين بانتظارهما - وكان ضابطان من البوليس قد جلسا على مقربة منهما - فانضما إلى المتهمين حول المائدة التي يجلسان إليها وعرض المتهم الثاني على السيد/ عطا محمد سليم مبلغ 200 ج لينهي الأمر دون مساس بالمتهم الأول فتظاهر السيد/ عطا بأن المبلغ قليل وقد تدخل الصراف طالباً رفعه إلى 500 ج وانتهى الأمر بتحديد مبلغ ألف من الجنيهات فأخرج المتهم الأول من جيبه دفتر شيكاته وسلمه إلى المتهم الثاني الذي حرر شيكين كل منهما بمبلغ 500 ج أحدهما مؤرخ في 10/ 6/ 1966 والثاني في 20/ 6/ 1966 واتفق على أن يستولي السيد/ عطا في اليوم التالي على مبلغ 500 ج من المتهم الأول وعلى أن يرد له الشيك الأول أما الشيك الثاني فيقبض في ميعاده ووقع المتهم الأول على الشيكين وسلمهما إلى الصراف الذي أعطاهما للسيد/ عطا محمد سليم ثم انصرفا متجهين إلى البوليس حيث قدما الشيكين فأبلغت النيابة وبدأ التحقيق وقبض على المتهمين وفتش منزلاهما ومكتب المتهم الأول فعثر في جيب المتهم الأول على دفتر الشيكات الذي حرر منه الشيكان المضبوطان " وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال كل من عطا محمد سليم عضو الاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية وإبراهيم أحمد سلامه صراف ناحية المعمورة والرائد محمد سامي شريف والنقيب عادل محمود قدري، ومحمد سالم حبيبه ومسعود محمود السقا وصابر شحاته فرعاص وأحمد أحمد عسر وعلي مسعود السقا وإلى أقوال الطاعنين وإمبابي محمود سعيد وكيل الطاعن الأول والمهندس حامد خليفة وإلى ما تبين من كتاب الاتحاد الاشتراكي العربي المؤرخ 15 يونيه 1966 في شأن صفة واختصاصات المجني عليه وهي أدلة سائغة ولها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان رئيس الجمهورية قد أصدر القرار رقم 1789 لسنة 1961 بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني يقدم إليه فيه مشروع بميثاق العمل الوطني ثم أصدر القرار بقانون رقم 35 لسنة 1962 بتشكيل المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي انعقد في 21 مايو سنة 1962 وقدم إليه رئيس الجمهورية مشروع الميثاق فأقره المؤتمر وأعلنه في 30 يونيه 1962، كما قدم إليه أيضاً في 2 يوليه سنة 1962 مشروع إقامة الاتحاد الاشتراكي العربي، وبتاريخ 4 يوليه سنة 1962 فوّض المؤتمر رئيس الجمهورية في تشكيل لجنة تنفيذية عليا مؤقتة لهذا الاتحاد وبناء على هذا التفويض أصدر رئيس الجمهورية في 28 أكتوبر 1962 القرار الجمهوري رقم 3607 لسنة 1962 بتشكيل اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي لتقوم بإعداد البحوث والدراسات اللازمة لقيام تشكيلات التنظيم وممارسة أوجه نشاطه وعرض اقتراحاتها على اللجنة التنفيذية العليا التي أصدرت من بعد النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي. وقد نص في هذا النظام " أن الاتحاد الاشتراكي العربي وهو السلطة الشعبية يقوم بالعمل القيادي والتوجيهي وبالرقابة التي يمارسها باسم الشعب بينما يقوم مجلس الأمة وهو سلطة الدولة العليا ومعه المجالس النقابية والشعبية بتنفيذ السياسة التي يرسمها الاتحاد الاشتراكي العربي ". ثم صدر الدستور في 24 مارس سنة 1964 فأكد هذا المعنى ولم يخرج عن مدلوله بما نص عليه في المادة الثالثة منه من أن " الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب العامل وهي الفلاحون والعمال والجنود المثقفون والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة ". لما كان ذلك، وكان هذا التسلسل التشريعي يكشف عن السند القانوني للاتحاد الاشتراكي العربي وتشكيلاته المنبثقة عنه، وإنه إنما يمارس سلطاته واختصاصه ومن بينها " الرقابة الفعالة.... وليصفي ما تبقى من آثار تحكم الرأسمالية والإقطاع" حسبما ورد في مقدمة نظامه على سند صحيح من القانون. ولما كانت منظمات الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن بينها المكاتب التنفيذية، هي الموكول إليها تنفيذ الاختصاصات المنوطة به بما في ذلك القضاء على آثار الإقطاع، وهو ما من شأنه التحري عن تهريب الأراضي الزراعية والكشف عن صور الانحرافات المختلفة، ويتم ذلك عن طريق أعضاء هذه المكاتب. ولما كانت عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي إلا أنها تصبح، لمن ينضمون إلى عضويته - تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها، وهو ما جرت به الكتب السنوية الصادرة عن الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المكلف بالخدمة العمومية هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع لو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين ما دام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف. ولما كان المجني عليه عطا محمد سليم عضواً باللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية والخاصة بتصفية الإقطاع، متخصصاً بمكتب شئون الفلاحين ومن اختصاصه بحث كافة الشكاوى المتعلقة بالفلاحين وبحث مخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها، على ما أورده الحكم المطعون فيه استناداً إلى الكتاب الصادر عن الاتحاد الاشتراكي العربي لمحافظة الإسكندرية بتاريخ 15 يونيه 1965، فإنه بذلك يقوم بخدمة عامة يباشرها بتكليف ممن يملكه وهو ما لم يخطئ الحكم في استخلاصه. ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن العرض الصادر منها كان قد سقط بصد الصراف لهما عن السعي في رشوة المجني عليه فكان سعي هذا الأخير - من بعد - إلى طلب الرشوة واقعة جديدة مقطوعة الصلة بالواقعة الأولى فإنه يبين من مساق الحكم المطعون فيه أنه أطرح ما قيل من أن الصراف صد الطاعنين عن الرشوة وما ترتب علي ذلك من القول بأن عرض الرشوة كان قد انقض من جانب الطاعنين، وأقام قضاءه علي أساس أن هذا العرض استمر قائما منذ أن اتصل الطاعن الثاني بالصراف ليسعى إلى المجني عليه بالرشوة إلى أن انتهي هذا العرض بتقديم الشيكين إليه علي سبيل الرشوة، فلم يكن مسعى المجني عليه - من بعد - طلبا للرشوة مما يوفر واقعة جديدة علي نحو ما يثيره الطاعنان في وجه طعنهما، وإنما كان في واقعة استمرارا للواقعة الأولى. ولما كان ما أوردة الحكم من ذلك يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة التي دين الطاعنان بها، ولا ينال من ذلك مظهر الاستجابة من جنب المجني عليه لعرض الطاعنين، ذلك بأن لا يشترط لقيام جريمة عرض الرشوة أن يكون المجني عليه جادا في قبولها إذ يكفي لقيام تلك الجريمة مجرد عرض الرشوة - ولو لم تقبل - متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه. ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن في غير محله.
وحيث إن سائر ما ينعاه الطاعن الأول علي الحكم المطعون فيه هو التناقض في التسبيب والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أورد في بيان واقعة الدعوى أن الصراف إبراهيم أحمد سلامه قد أفض إلى المجني عليه بأنه صد الطاعنين عن السعي إليه بالرشوة، وأن المجني عليه طلب إليه مجاراتهما حتى يتم القبض عليهما متلبسين بالجريمة، غير أن الحكم عاد - وهو بسبيل الرد علي ما دفع به الطاعنان من أن المجني عليه هو الذي سعي إلى طلب الرشوة - فأطرح هذه الأقوال بمقالة إن الصراف هو مصدرها الوحيد، علي خلاف ما هو ثابت في التحقيقات من أن المجني عليه أيد الصراف في روايته تلك، هذا إلى أن الحكم حصل من أقوال المجني عليه أنه تسلم الشيكين مناولة الصراف بالمخالفة لما أورده من مؤدى أقول الصراف من أن الشيكين بقيا معه ولم يسلمهما إلى المجني عليه، ومع أن هذا التعارض يتصل بواقعة جوهرية لها أثرها في ثبوت أو نفى عرض الرشوة إذ أن من شأن استبقاء الصراف للشيكين أن ينفى عن الطاعن عرض الرشوة ويساند دفاعه بأن تسليم الشيكين إليه إنما كان تنفيذا لاتفاق بينهما متضمنا قبول الطاعن توزيع الأرض علي المستأجرين وسداد الديون المستحقة عليها لبنك التسليف وتفويض الصراف في هذا السداد بموجب الشيكين المسلمين إليه، فإن الحكم لم يلتفت إلى هذا التعارض بين الأدلة فيعمد إلى رفعه. كما أن الحكم اعتبر الأرض موضوع التهمة الثانية التي دين الطاعن بها أرضا زراعية لمجرد أنها ظلت تزرع حتى تاريخ الواقعة، مع أنها كانت قد بيعت في 9 نوفمبر سنة 1954 من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي طبقا لأحكام القانون رقم 565 لسنة 1964 إلى شركة سياحة التزمت قانونا بتقسيمها و تخصيصها لإقامة مدينة سكنية عليها، و بذلك تعتبر أرضا مقسمة معدة للبناء، ومن الجائز أن تكون قد خصصت كلها أو بعضها للمنفعة العامة بمقتضى القانون رقم 34 لسنة 1959، و بذلك تكون الأرض قد فقدت - في الحالين - صفتها كأرض زراعية وخرجت بالتالي من نطاق تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي. ولا يغير من ذلك أن تكون الشركة المشترية قد تركت الأرض بطريق التسامح و بصفة مؤقتة لاستغلالها زراعيا، إذ أن ذلك ليس من شأنه أن يضفى مركزا أو يكسب حقا علي خلاف القانون. وأخيرا فإن الحكم عول في الإدانة علي أقوال الرائد محمد سامي شريف والنقيب عادل فوزي مع أن ما أورده من أقوالهما لا ينتفي به دفاع الطاعن في خصوص جريمة عرض الرشوة أو يؤدى إلى ثبوتها في حقه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وساق أدلتها مستندة إلى أقوال الشهود التي أورد مؤداها بما له أصله الثابت في الأوراق، استظهر من ظروف الحال في الدعوى أن رواية الصراف إبراهيم أحمد سلامه من أنه صد الطاعنين عن رشوة المجني عليه وأنه - أثناهما عن عرضهما الرشوة عليه، هي رواية غير صادقة، وأن حقيقة الأمر هي أنه سعي بالرشوة إلى المجني عليه، فإن ذلك من الحكم، لا يتعارض مع ما أثبته في صدره من أن الصراف أخبر المجني عليه بهذه الرواية المكذوبة، إذ الإخبار بأمر يختلف عن حصوله بالفعل، ولا يقدح في ذلك أن يكون المجني عليه قد نقل هذا القول عن الصراف لا يعدو مجرد ترديد للقول لا يحمل معنى صحته أو تأييده وليس من شأنه أن يصم الحكم بالتعارض الذي يعيبه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر قصد الإرشاء في حق الطاعنين بالاستناد إلى أدلة الثبوت السائغة التي عول عليها مما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وكان ما أورده الحكم من أن الشيكين قد سلما إلى المجني عليه على سبيل الرشوة له سنده من أقوال الصراف وشهادة المجني عليه والضابطين وأقوال المتهم الثاني، وكان ما خلص إليه الحكم من ذلك لا يتعارض البتة مع كون تسليم الشيكين قد حصل عن طريق الصراف إذ يستوي لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط ويكون ما يثيره الطاعن - من بعد - من أن الشيكين سلما إلى الصراف تنفيذاً للاتفاق الذي تم بينهما ووفاء للدين المستحق على الأرض هو وجه صورة للدعوى أطرحتها المحكمة ولم تأخذ بها ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكانت الأرض موضوع النزاع تدخل في نطاق كردون محافظة الإسكندرية، ولم يثبت صدور مرسوم بتقسيمها طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1940 أو أن تجزئة لها قد تمت بوجه رسمي بالصورة الواردة في القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1963 بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي، وكان يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 60 لسنة 1962 بتصفية الشركة المصرية للأراضي والمباني - التي ابتاعت الأرض موضوع النزاع - أنها لم تقم من جانبها بتقسيم ما كانت قد ابتاعته من الأراضي الزراعية بناحية المعمورة وبتزويرها بالمرافق، وكان تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة - لو صح ذلك - لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله، وكان الطاعن لا ينازع في أن الأرض موضوع حيازته ظلت تزرع بالفعل حتى تاريخ الواقعة، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون سديداً متفقاً مع حكم القانون. هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر التهمة الثانية في حقه ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة عرض الرشوة التي أثبتها في حقه ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما عول عليه الحكم من أقوال الرائد محمد سامح شريف والنقيب عادل فوزي يتساند مع أقوال المجني عليه والصراف والمتهم الثاني وسائر الأدلة التي أوردها الحكم والتي من شأنها في مجموعها أن تكشف عن أن الطاعن اجتمع بالمجني عليه بقصد رشوته لحمله على الإخلال بواجبات خدمته وأنه دفع إليه الرشوة في صورة شيكين سلمها إليه وأن الحديث الذي دار بالمقهى ونقله الحكم عن الضابطين إنما انصب على هذا العرض وحده. ولما كان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وهو ما لم تخطئ المحكمة فيه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير قويم.
وحيث إن باقي ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والتناقض في التسبيب، ذلك بأنه اعتبر مجرد تسليم الشيكين بمبلغ الرشوة إلى المجني عليه يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة في حين لم يثبت أن لهذين الشيكين رصيد قائم وقابل للسحب مما ينفي به معنى العطاء الذي يكون ذلك الركن وتنتفي به الجريمة بالتالي، وأنه وإن اعتبر التسليم بهذه المثابة وعداً بالعطاء، أو اعتبر عطاء كاملاً وكان قد تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه وهو إبلاغ المسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي فعلى الحالين لا تتوافر جريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات. كما أن الطاعن دفع بأنه حرر الشيكين بناء على طلب الطاعن الأول وفاء للديون المتأخرة على الأرض موضوع التهمة الثانية وسلمها لهذا الغرض دون غيره وقد اطرح الحكم هذا الدفاع بما لا يسوغ به اطراحه. كما تمسك الطاعن بأن علاقة الطاعن الأول بمستأجري تلك الأرض هي علاقة تأجيرية صحيحة على سند من أقوال الشهود وبطاقات الحيازة وعقود الإيجار وهي علاقة لم يكن يحظرها قانون الإصلاح الزراعي قبل تعديله بالقانون رقم 127 لسنة 1961 ولو زادت الحيازة على خمسين فداناً فالتفت الحكم عن هذا الدفاع وأغفل الثابت فيما قدمه الطاعن من مستندات في شأنه. بل أنه قضى على خلافه ثم إن الحكم أغفل التحدث عن ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها بما يدحض ما هو مستفاد من ظروف الحال وأقوال المجني عليه وسائر الشهود من أن هذا الغرض إنما كان للاتفاق على قسمة الأرض وكيفية سداد الديون المستحقة عليها دون غيرها من الأغراض. هذا فضلاً عن أن الحكم لم يبين واقعة الدعوى بياناً يكشف عن عناصر الجريمة والغرض من الرشوة واجتزأ من أقوال الشهود فلم يضمنها شيئاً عن ذلك الغرض. كما أن الحكم تناقض حين اعتمد في الإدانة على ما قرره الطاعنان، ثم عاد وعدل وأثبت أنهما اعتصما بالإنكار، وكذلك حين أشار إلى أن قيمة الشيكين تمثل مقابل الرشوة، ثم أكد أنه لا يقابلهما رصيد قائم وقابل للسحب. ثم إنه لم يعمد إلى رفع التناقض بين ما قرره الشهود في شأن حيازة الطاعن الأول للأرض وما دلت عليه الأوراق المقدمة من أن المستأجرين هم أصحاب الحيازة الفعلية لها.
وحيث إنه يكفي لتوافر الركن المادي لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جدياً لا يهم في ذلك نوع العطاء المعروض مادياً كان أو يمكن تقويمه بمال وبقطع النظر عن الصورة التي قدم بها. ولما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الاطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقاً لحامله قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب - فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته في الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها، يكفي لتحقق الركن المادي لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات، ذلك أن وجود أو عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجني عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة ولا مدخل له في اكتمال عناصرها القانونية. لما كان ذلك، وكان تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة - ولو تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه، وهو إبلاغ المجني عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي - لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن ولا ارتباط له بجريمته فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها واطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جريمة عرض الرشوة التي دان الطاعنين بها، متضمنة الغرض من الرشوة وهو امتناع المجني عليه عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بالتغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه عن مخالفة الطاعن الأول لقانون الإصلاح الزراعي والتستر على هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع، وأورد على ثبوتها أدلة سائغة مردودة لأصولها في الأوراق وتؤدي إلى ما رتب عليها، مستمدة من أقوال الشهود وسائر أدلة الدعوى، ودلل من واقعها على أن المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه كانت لغرض غرض الرشوة عليه لحمله على الإخلال بواجبات الخدمة العمومية التي وكل إليه أداؤها ولم تكن لغرض آخر، وهو محض تقدير تستقل به محكمة الموضوع ما دامت قد استخلصته من الأسباب السائغة التي أوردتها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن عن سبب تحرير الشيكين أو حيازة الطاعن الأول للأرض موضوع التهمة الثانية أو ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو ذلك الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر. ولما كان الحكم إذ أخذ بأقوال الطاعنين في التحقيقات لا يناقض ما أثبته من أنهما اعتصما بالإنكار بجلسة المحاكمة، وكذلك ما أشار إليه من أن الشيكين يمثلان مقابل الرشوة لا يتعارض مع عدم وجود رصيد لهما قائم وقابل للسحب كعطاء عرض للرشوة على ما سلف بيانه، وكان باقي ما يثيره الطاعن هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تثار أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته - من كلا الطاعنين - على غير أساس ويتعين رفضه.

الطعن 1475 لسنة 36 ق جلسة 25 / 4 / 1967 مكتب فني 18 ج 2 ق 113 ص 569

جلسة 25 من إبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

-------------------

(113)
الطعن رقم 1475 لسنة 36 القضائية

(ا) تزوير. قصد جنائي.
القصد الجنائي في جريمة التزوير. تحققه: بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضررا وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه.
(ب) تزوير. " إقرارات فردية". حكم. " ما لا يعيبه في نطاق التدليل ".
قول القرار المطعون فيه بأن الإقرارات الفردية - على إطلاقها - لا عقاب على تغيير الحقيقة فيها هو تقرير قانوني خاطئ. هذا الخطأ القانوني لا يعيب الحكم. طالما أنه لم يكن له أثر في النتيجة التي خلص إليها.
(ج، د، هـ) مستشار الإحالة. حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
(ج) المقصود من كفاية الأدلة في قضاء الإحالة: أنها تسمح بتقديم المتهم للمحاكمة مع رجحان الحكم بإدانته.
(د) لمستشار الإحالة الأخذ برأي دون آخر في سبيل تكوين عقيدته.
(هـ) حق مستشار الإحالة في الأخذ بأي قرينة دليلاً لقضائه.

-------------
1 - القصد الجنائي في جريمة التزوير إنما يتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراًً وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة. وإذ كان القرار المطعون فيه قد نفى عن المطعون ضده تعمد تغيير الحقيقة في البيان الذي أثبته في صحيفة افتتاح الدعوى المدنية وفي محضر الحجز، واستظهر أن ثمت مبررات سائغة دعته إلى الاعتقاد بصحة ذلك البيان، فقد انتفى القصد الجنائي في جريمة التزوير كما هو معرف به في القانون وامتنع القول باشتراك المطعون ضده مع المحضر في تزوير الإعلان أو استعمال محرر مزور، وهو ما يكفي وحده لحمل النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه.
2 - إن القرار المطعون فيه وإن ذهب في مدوناته إلى القول بأن الإقرارات الفردية - على إطلاقها - لا عقاب على تغيير الحقيقة فيها وهو تقرير قانوني خاطئ، إلا أن الظاهر من مساق تسبيب القرار أنه لم يسق هذا التقرير القانوني إلا على سبيل الافتراض الجدلي بصحة الاتهام المسند إلى المطعون ضده دون أن يؤسس عليه قضاءه، بل أنه عمد إلى تمحيص واقعة الدعوى وأدلتها وخلص في تدليل سليم إلى عدم توافر القصد الجنائي في جريمتي التزوير والاستعمال في حق المطعون ضده. ومن ثم فإنه لا جدوى للطاعنة من إثارة ذلك الخطأ القانوني الذي لم يكن له أثر في النتيجة التي خلص إليها القرار المطعون فيه.
3 - من المقرر قانوناًَ وفقاً للمواد 173/ 3 , 176، 178 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقرار بالقانون رقم 107 لسنة 1964 أن مستشار الإحالة إنما يحيل الدعوى إلى محكمة الجنايات إذا رأي أن الواقعة جناية وأن الأدلة على المتهم كافية، أما إن رأى عدم كفايتها فيصدر أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وفي الحالين يجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التي بني عليها، فهو وإن لم يكن من وظيفته البحث عما إذا كان المتهم مداناً إلا أن من حقه بل من واجبه - وهو بسبيل إصداره قراره - أن يمحص الدعوى وأدلتها ثم يصدر أمره مسبباً بما يراه من كفاية الأدلة أو عدم كفايتها. والمقصود من كفاية الأدلة في قضاء الإحالة أنها تسمح بتقديم المتهم للمحاكمة مع رجحان الحكم بإدانته وهو المعنى الذي يتفق ووظيفته ذلك القضاء كمرحلة من مراحل الدعوى الجنائية.
4 - الأصل أن لمستشار الإحالة في سبيل تكوين عقيدته أن يأخذ برأي دون آخر.
5 - من حق مستشار الإحالة أن يأخذ بأي قرينة دليلاً لقضائه، لأن سلطته في الموازنة والترجيح تقتضيه تقدير عناصر الدعوى المطروحة أمامه. ومن ثم فلا يقدح في سلامة القرار المطعون فيه أن يكون قد تزود في تعزيز اقتناعه بما فصلت فيه المحكمة المدنية في دعوى صحة التعاقد من سلامة الإجراءات التي اتخذها المطعون ضده في سبيل إعلان المدعي عليها ومطابقتها للقانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه (أولاً) في الفترة من 12 يناير سنة 1960 حتى يونيه سنة 1961 بدائرة قسم الدرب الأحمر: (أ) اشترك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو " جميل فراج " محضر محكمة القاهرة الابتدائية في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هو صحيفة افتتاح الدعوى 4071 سنة 1960 مدني كلي القاهرة وإعلانها وإعلان الحكم الصادر فيها حال تحريرها المختص بوظيفته، وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن ذكر فيها على خلاف الحقيقة أن المدعى عليها ذهنية إبراهيم حامد القيمة على المحجور عليه جمال الدين أحمد محمد حسن غير معلوم لها محل إقامة في الجمهورية العربية المتحدة حالة كونه يعلم أنها تقيم في 110 شارع النيل بالعجوزة فقام المحضر في 12 و20 أكتوبر و3 و19 نوفمبر 24 ديسمبر سنة 1960 و8 يناير و9 مارس سنة 1961 بإعلانها في مواجهة النيابة على خلاف القانون وتمت الجريمة بناء على تلك المساعدة (ب) استعمل تلك المحررات الرسمية المزورة مع علمه بتزويرها بأن قدمها في دعوى صحة التعاقد 4071 سنة 1960 مدني كلي القاهرة وقدم الحكم الصادر فيها إلى وزارة الأوقاف وتسلم بموجبه حصة المحجور عليه في وقف شركي. (ثانياً): (أ) في 12/ 9/ 1953 ارتكب تزويراً في عقد البيع المؤرخ 12/ 9/ 1953 بطريق الاصطناع والتوقيع عليه بإمضاء مزور بأن حرر ذلك العقد ناسياً صدوره إلى جمال الدين أحمد محمد حسن باعتباره بائعاً وإستوقعه عليه وهو شخص معتوه عتهاً مطبقاً يجعله لا يدرك معنى التوقيع ولا فحوى ما يوقع عليه (ب) في 26/ 2/ 1961 استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه في دعوى صحة التعاقد سالفة البيان (ح) في 20/ 4/ 1965 استعمل عقد البيع المزور آنف الذكر بأن قدمه لمأمورية قصر النيل للشهر العقاري بغية تسجيله وذلك مع علمه بتزويره. (ثالثاً) في 4/ 7/ 1959 (أ) اشترك مع موظف عمومي حسن النية هو أبو العباس محضر محكمة حلوان الجزئية في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو إعلان ذهنيه إبراهيم حامد ممثلة المدين جمال الدين أحمد محمد حسن بمحضر حجز ما للمدين لدى الغير المتوقع في 25/ 6/ 1959 حالة تحريره المختص بوظيفته. وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن قرر في إعلان الحجز على غير الحقيقة أن المطلوب إعلانها غير معلوم لها محل إقامة في البلاد حالة كونه يعلم أنها تقيم في رقم 110 شارع النيل بالعجوزة فقام المحضر بإعلان في مواجهة النيابة على خلاف القانون وتمت الجريمة بناء على هذه المساعدة (ب) استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه للتنفيذ. وطلبت إلى مستشار الإحالة بمحكمة القاهرة الابتدائية إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 40/ 3 و42 و211 و213 و214 من قانون العقوبات. والجنحة المنصوص عليها في المادتين 215 و217 من هذا القانون. فقرر بتاريخ 20 يناير سنة 1966 (أولاً) بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية قبل المتهم عن التهمتين الأولى والثالثة بشقيها (وثانياً) بإحالة الدعوى بحالتها بالنسبة للمتهم للتهمة الثانية بشقيها إلي محكمة الدرب الأحمر المختصة بنظرها لمحاكمة المتهم. فطعنت النيابة العامة بتوكيل من المحامي العام في هذا القرار بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على القرار المطعون فيه أنه إذ انتهى إلى الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى عن جرائم الاشتراك في تزوير محررات رسميه واستعمالها مع العلم بتزويرها قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأن القرار المطعون فيه أسس قضاءه علي القول بأن تغيير الحقيقة في البيان الخاص بمحل الإقامة في صحيفة افتتاح الدعوى لا يعتبر تزويرا لأنه لا يعدو أن يكون إقرارا فرديا يخضع للرقابة والفحص من جانب المحضر ثم من جانب المحكمة المدنية، وهو تقرير خاطئ لأن إقرار المطعون ضده كذبا وعن عمد بأن المدعي عليها مجهولة محل الإقامة حالة أنه يعلم بيقين محل إقامتها برقم 110 شارع النيل بالعجوزة ثم قيام المحضر بتأييد هذا البيان المزور بإعلان المدعى للنيابة يتوافر به في حق المطعون ضده العناصر القانونية لجريمة الاشتراك في تزوير محرر رسمي. أما القول بأن الإقرار يخضع للرقابة والفحص من قبل المحضر فغير سديد لأن الإقرار الكاذب بأن المدعي عليها ليس لها محل إقامة هو بطبيعته مما يستحيل على المحضر فحصه والتحقيق من صحته بعكس ما إذا كان البيان بعنوان محدد إذ باستطاعة المحضر عند انتقاله إليه أن يتحقق من صحته أو كذبه. ثم أن ما أورده القرار - للتدليل على انتفاء القصد الجنائي لدى المطعون ضده - من أنه قد ثبت من التحقيق أن المدعى عليها كانت تتخذ لنفسها أكثر من عنوان وأن المطعون ضده أعلنها غير مرة في العناوين التي أمكنه الحصول عليها وأن المحكمة المدنية قضت بصحة إعلانها للنيابة فهو في مجموعه استدلال غير سائغ لأن ثبوت بعض العناوين للمدعى عليها ليس من شأنه أن ينفي علم المطعون ضده بعنوانها الحقيقي الواجب إعلانها فيه. على أن القرار قد أغفل في هذا الصدد القرينة المستفادة من قيام المطعون ضده بإعلان المدعى عليها في ستة عناوين لها وتعمد عدم إعلانها في العنوان السابع وهو محل إقامتها الحقيقي مع أنه كان تحت بصره ضمن العناوين التي ذكرتها المدعى عليها في التحقيق مما يكشف عن سوء قصده فضلاً عما قرره محامي المدعى عليها في التحقيقات من أن موكلته أبلغته أنها كثيراً ما شاهدت المطعون ضده واقفاً قرب مسكنها مترقباً خروجها كنوع من التهديد مما ينبئ عن علمه اليقيني بمحل إقامتها الحقيقي، ومن ناحية أخرى فإنه ما كان يصح للقرار المطعون فيه أن يستند في نفي التهمة إلى قضاء المحكمة المدنية بصحة إعلان المدعى عليها بهذه الدعوى للنيابة، ذلك بأن مناط المساءلة عن جريمة التزوير المسندة إلى المطعون ضده ليس هو صحة الإعلان للنيابة أو بطلانه طبقاً لأحكام قانون المرافعات وإنما مناطه هو ثبوت علم المطعون ضده علماً يقينياً بالموطن الحقيقي للمعلن إليها وإقراره على الرغم من ذلك بأنها مجهولة محل الإقامة توصلا إلى إعلانها في مواجهة النيابة وهي الواقعة الجنائية التي يتعين على المحكمة الجنائية تحريها بمطلق سلطتها للكشف عن حقيقتها دون أن تتقيد في ذلك بأي حكم صادر من جهة أخرى، مما يعيب القرار المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت المطعون ضده بأنه (أولاً) في الفترة من 12 أكتوبر سنة 1960 حتى يونيه سنة 1961 (أ) اشترك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو جميل فراج محضر محكمة القاهرة الابتدائية في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هو صحيفة افتتاح الدعوى رقم 4071 سنة 1960 كلي القاهرة وإعلاناتها وإعلان الحكم الصادر فيها حال تحريرها المختص بوظيفته وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن ذكر فيها على خلاف الحقيقة أن المدعى عليها ذهنية إبراهيم حامد القيمة على المحجور عليه جمال عليه جمال الدين أحمد محمد حسن غير معلوم لها محل إقامة في الجمهورية العربية المتحدة حالة كونه يعلم أنها تقيم في المنزل رقم 110 شارع النيل بالعجوزة وقام المحضر في 12 و20 أكتوبر سنة 1960 و3 و19 نوفمبر سنة 1960 و24 ديسمبر سنة 1960 و8 يناير و9 مارس سنة 1961 بإعلانها في مواجهة النيابة على خلاف القانون فوقعت الجريمة بناء على تلك المساعدة (ب) استعمل تلك المحررات الرسمية المزورة مع علمه بتزويرها بأن قدمها في دعوى صحة التعاقد رقم 4071 سنة 1960 كلي القاهرة وقدم الحكم الصادر فيها إلى وزارة الأوقاف وتسلم بموجبه حصة المحجور عليه في وقف شركي (ثانياً): (أ) في 12 سبتمبر سنة 1953 ارتكب تزويراً في عقد البيع المؤرخ 12 سبتمبر سنة 1953 بطريق الاصطناع والتوقيع عليه بإمضاء مزور بأنه حرر ذلك العقد ناسباً صدوره إلى جمال الدين أحمد محمد حسن باعتباره بائعاً واستوقعه عليه وهو شخص معتوه عتهاً مطبقاً يجعله لا يدرك معنى التوقيع ولا فحوى ما يوقع عليه (ب) في 26 فبراير سنة 1961 استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه في دعوى صحة التعاقد سالفة الذكر (ج) في 20 أبريل سنة 1965 استعمل عقد البيع المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه لمأمورية قصر النيل للشهر العقاري بغية تسجيله وذلك مع العلم بتزويره (ثالثاً) في 4 يوليه سنة 1959 (أ) اشترك مع موظف عمومي حسن النية هو أبو العباس محضر محكمة حلوان الجزئية في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو إعلان ذهنية إبراهيم حامد ممثلة المدين جمال الدين أحمد محمد حسن بمحضر حجز ما للمدين لدى الغير المتوقع في 25 يونيه سنة 1959 حال تحريره المختص بوظيفته وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن قرر في إعلان الحجز على غير الحقيقة أن المطلوب إعلانها غير معلوم لها محل إقامة في البلاد حالة كونه يعلم أنها تقيم في رقم 110 شارع النيل بالعجوزة فقام المحضر بالإعلان في مواجهة النيابة على خلاف القانون وتمت الجريمة بناء على المساعدة (ب) استعمل المحرر المزور آنف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه للتنفيذ. وطلبت النيابة العامة من مستشار الإحالة إحالة المطعون ضده إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمواد 40/ 3 و42 و211 و213 و214 و215 و217 من قانون العقوبات. وبجلسة 20 يناير سنة 1966 - أصدر مستشار الإحالة قراراً (أولاً) بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية قبل المتهم عن التهمتين الأولى والثالثة بشقيها. (ثانيا) إحالة الدعوى بحالتها بالنسبة للتهمة الثانية بشقيها إلى محكمة الدرب الأحمر المختصة بنظرها لمحاكمة المتهم.
وحيث إن القرار المطعون فيه بعد أن أشار إلى الأدلة التي اعتمدت عليها النيابة العامة في إثبات جنايات التزوير في الأوراق الرسمية واستعمالها موضوع التهمتين الأولى والثالثة بشقيها وحصل مؤدى تلك الأدلة ودفاع المطعون ضده استطرد إلى القول " إنه بجلسة 20/ 6/ 1959 قضت محكمة القاهرة للأحوال الشخصية في القضية 111 سنة 1955 كلي حضورياً بتوقيع الحجر على جمال الدين أحمد محمد للعته وتعين خبير الجدول صاحب الدور قيما عليه وسلب ولايته على قصره وتعيين والدتهما ذهنية إبراهيم حامد وصية بلا أجر عليهما وتعدل القرار استئنافيا بتعيين ذهنية إبراهيم حامد قيمة على المحجور عليه. كما قضت محكمة القاهرة الكلية بجلسة 27/ 2/ 1961 في القضية رقم 4071 سنة 1960 كلي القاهرة حضورياً بإثبات صحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 12 سبتمبر سنة 1953 الصادر من جمال الدين أحمد محمد حسن والمشمول بقوامه المدعى عليها والمتضمن بيعه للمدعي - المتهم المطعون ضده - كامل حصته في وقف أحمد عصمت شركي ومقداره 85949 متراً على المشاع في كامل الأرض وبناء وعقارات وحقوق الوقف المذكور والمبين بالعقد المذكور وصحيفة افتتاح الدعوى نظير ثمن قدره 40000 ج يستحق بشرائها العقد وألزمت المدعي عليها بالمصاريف من مال المحجور عليه ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأصبح هذا الحكم نهائياً وأن الدفاع عن المتهم تقدم بالجلسة الأخيرة بحافظتين الأولى بها صورة فوتوغرافية من خطاب صادرة من جمال الدين بكير إلى المتهم يطلب فيه إنكار مسألة بيع حصته في الوقف حتى يبت في تحقيق قضية الحجر عليه وصورة فوتوغرافية لخطاب وإيصال التسجيل صادر من المتهم إلى جمال أحمد بكير يخطره فيه أنه سوف يتخذ إجراءات دعوى صحة نفاذ عقد البيع المؤرخ 12/ 9/ 1953 الصادر من جمال أحمد بكير إليه بعد أن أدى واجبه نحوه محافظة على حقوقه وبعد أن تنازل عن الحضور في دعوى الحجز وبالحافظة الثانية صورة مذكرة محررة من قسم الأوقاف والنظار بوزارة الأوقاف أن طلب مقدم من المتهم بطلب إعطاءه شهادة رسمية عن عنوان الست ذهنية إبراهيم حامد ومبين بالمذكرة ثلاثة عناوين فيها أخر عنوان طبقاًَ لمعلومات الوزارة وصورة خطاب مرسل من وكيل الأوقاف إلى السيد وكيل نيابة قصر النيل رداً على كتاب النيابة بالاستعلام عن عنوان السيدة ذهنية إبراهيم حامد ويبين منه جميع عناوينها المعطاة منها للوزارة بما فيها أخر عنوان. وصورة خطاب مرسل من نيابة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية رداً على استعلام نيابة قصر النيل عن محل إقامة السيدة ذهنية ثابت في أنها مقيمة بعناوين ثلاثة منها أخر عنوان وهو نفس العنوان الوارد بالخطاب السابق وصورة طلب حضور للنيابة موجهة من نيابة الساحل إلى السيدة ذهنية إبراهيم حامد ثابت فيه أنها مقيمة بشارع 77 بالمعادي رقم 18 طرف والدها إبراهيم حامد بالسكن ولم يستدل على عنوانها " ثم خلص القرار من ذلك إلى القول: " حيث إنه عن تهم الجناية المنسوبة للمتهم وهي التهم الأولى والثالثة بشقيها فإن القاعدة العامة هي أن تغير الحقيقة في الإقرارات الفردية لا يعد تزويراً سواء تضمنته محررات عرفية أو محررات رسمية والعلة في ذلك أن تغيير الحقيقة يحصل في ورقة هي من صنع من غير فيها فالكذب الذي تتضمنه يتعلق بمركز المقر شخصياً وليس في اغتصاب لصفة أو حق لشخص آخر ذلك أن الإقرارات الفردية تخضع في كل الأحوال لمراجعة وتمحيص ما كتب في المحرر ". ثم استطرد القرار إلى القول: " واضح من أوراق الدعوى. أن للمدعى عليها أكثر من عنوان وواضح من أقوالها في التحقيقات أنها كانت تتعمد أحيانا إخفاء عنوانها الحقيقي خشية الاعتداء عليها. وأن المتهم قام بإعلانها أكثر من مرة إلى العناوين التي أمكنه الحصول عليها وفق البيان المقدم منه بحافظته الأخيرة وأن تقرير كفاية التحريات التي تسبق إعلان الخصم في شخص النيابة يرجع لظروف كل واقعة على حدتها وقد ارتأت المحكمة عند نظرها دعوى صحة نفاذ العقد أن ما اتخذه المتهم من خطوات سابقة إعلانها يكفي بعدئذ لإعلانها للنيابة. وعلى فرض الجدل أن المتهم قرر غير الحقيقة عندما اعتبرها ليس لها محل إقامة بالجمهورية العربية المتحدة فإن هذا الإقرار الفردي خاضع للرقابة والفحص من جانب المحضر عندما قام بخطوات الإعلانات الأولى التي تبين عدم إقامتها بها ومن جانب المحكمة أخيراً عندما أقرت المتهم على ما اتخذه من تحريات وافقته على صحة الإعلان للنيابة وبالتالي فإن هذا الإقرار الفردي وما احتواه من كذب لو صح الاتهام لا يعد تزويراً وبالتالي لا تكون هناك جريمة استعمال المحرر المزور. ولما تقدم تكون الأدلة غير كافية قبل المتهم بالنسبة للتهمتين الأولى والثالثة بشطريها ". لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن ما أورده القرار المطعون فيه من تعمد المدعى عليها إخفاء عنوانها الحقيقي له أصله الصحيح بالأوراق، ذلك لأن الثابت من كتاب وزارة الأوقاف إلى نيابة قصر النيل أن المدعى عليها قد اتخذت لنفسها ثلاث عناوين هي (أولاً) 38 شارع المنيل. (ثانيًا) 18 شارع 77 المعادي (ثالثاً) 120 شارع الهرم ثم اتخذت لنفسها عنواناً رابعاً 110 شارع فاروق بالعجوزة وذلك في طلب معافاتها من رسوم دعوى الحجر بتاريخ 16 فبراير سنة 1954 وفي صور تحقيقات تلك الدعوى بتاريخ أول مايو سنة 1955 كما أثبتت في طلب الحجر المقدم منها في 23 إبريل سنة 1955 وفي عريضة استئنافها لقرار تعيين خبير الجدول قيما على المحجور عليه عنواناً خامساً وهو 6 عطفة السادات البكرية قسم الخليفة وقد أعلنت في هذا العنوان بتاريخ 4 أكتوبر 1955 مخاطبة مع شخصها ونبه عليها في ذلك العنوان الحضور إلى نيابة القاهرة للأحوال الشخصية يوم 4 أكتوبر سنة 1963 وحضرت فعلاً. وعندما أعيد سؤالها في تحقيقات الحجر بتاريخ أول مايو سنة 1958 اتخذت لنفسها عنواناً سادساً وهو 2 ميدان الإمام الشافعي طرف والدها وأخيراً عندما سئلت في تحقيق معاون النيابة بتاريخ 29 فبراير سنة 1960 أثبتت عنواناً سابعاً رقم 136 شارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة وأكدت هذا العنوان في محضر الجرد المؤرخ 15 أبريل سنة 1960. فالمدعى عليها لم تذكر عنوانها الحقيقي رقم 110 شارع النيل بالعجوزة إلا في طلب معافاتها من رسوم دعوى الحجر بتاريخ 16 فبراير سنة 1954 وفي صور تحقيقات هذه الدعوى بتاريخ أول مايو سنة 1955. أما في التحقيقات التالية لدعوى الحجر وفي استئناف القرار الصادر فيها وفي تحقيقات معاون النيابة ومحضر الجرد ولدى وزارة الأوقاف حيث اعتادت استلام نصيب المحجور عليه فقد اتخذت لنفسها ستة عناوين أخرى أعلنت في إحداها لشخصها ونبه عليها فيه من النيابة العامة وحضرت فعلاً. كما يبين من التحقيقات أن المطعون ضده نفى علمه بالعنوان الحقيقي للمدعى عليها الذي ورد في دعوى الحجر واعتصم بأنه منع من الاطلاع على التحقيقات التي أجريت فيها ولم يثبت بالأوراق ما يفيد بطريق القطع أنه اطلع على تلك التحقيقات، أما ما جاء بأقوال المدعى عليها من أن موكلته أنهت إليه - قبل وفاتها - أنها شاهدت المطعون ضده يحوم حول مسكنها الكائن في 110 شارع النيل بالعجوزة كمحاولة لتهديها وأنها كانت تتعمد إخفاء عناوينها لخشيتها من أشخاص يتهددونها فقد نفاه المطعون ضده. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً وفقاً للمواد 173/ 3 و176 و178 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقرار بالقانون رقم 107 لسنة 1964 أن مستشار الإحالة إنما يحيل الدعوى إلى محكمة الجنايات إذا رأى أن الواقعة جناية وأن الأدلة على المتهمة كافية أما إن رأى عدم كفايتها فيصدر أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفي الحالين يجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التي بني عليها، فهو وإن لم يكن من وظيفته البحث عما إذا كان المتهم مداناً إلا أن من حقه بل من واجبه - وهو بسبيل إصدار قراره - أن يمحص الدعوى وأدلتها ثم يصدر أمره مسبباً بما يراه من كفاية الأدلة أو عدم كفايتها والمقصود من كفاية الأدلة في قضاء الإحالة أنها تسمح بتقديم المتهم للمحاكمة مع رجحان الحكم بإدانته وهو المعنى الذي يتفق ووظيفة ذلك القضاء كمرحلة من مراحل الدعوى الجنائية. لما كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه قد محص واقعة الدعوى وأدلتها واستظهر بما له أصله الصحيح بالأوراق، أن المدعى عليها قد اتخذت لنفسها أكثر من موطن واحد، وأنها كانت تتعمد إخفاء موطنها الحقيقي بقصد تضليل المطعون ضده الذي لم يدخر وسعاً في البحث عن عناوينها وتتبعها لدى الجهات الرسمية وقام بإعلانها بالفعل في أكثر من عنوان لها فلم يستدل عليها، ورتب القرار على ذلك تسويغ اعتقاد المطعون ضده بأنه لم يغير الحقيقة في شيء حين أثبت في صحيفة افتتاح الدعوى المدنية وفي محضر حجز ما للمدين لدى الغير أن المدعي عليها ليس لها محل إقامة معلوم بأراضي الجمهورية مما أدى بالمحضر إلى إعلانها في موجهة النيابة وفقاً للمادة 14 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهو تدليل سائغ من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه القرار المطعون فيه، ذلك بأن القصد الجنائي في جريمة التزوير إنما يتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة فيه وإذا ما كان القرار المطعون فيه قد نفى عن المطعون ضده تعمد تغيير الحقيقة في البيان الذي أثبته في صحيفة افتتاح الدعوى المدنية وفي محضر الحجز، واستظهر أن ثمت مبررات سائغة دعته إلى الاعتقاد بصحة ذلك البيان، فقد انتفى القصد الجنائي في جريمة التزوير كما هو معرف به في القانون، وامتنع القول باشتراك المطعون ضده مع المحضر في تزوير الإعلان أو استعمال محرر مزور، وهو ما يكفي وحده لحمل النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه وإن ذهب في مدوناته إلى القول بأن الإقرارات الفردية - على إطلاقها - لا عقاب على تغيير الحقيقة فيها وهو تقرير قانوني خاطئ، إلا أن الظاهر من مساق تسبيب القرار أنه لم يسق هذا التقرير القانوني إلا على سبيل الافتراض الجدلي بصحة الاتهام المسند إلى المطعون ضده دون أن يؤسس عليه قضاءه، بل إنه عمد إلى تمحيص واقعة الدعوى وأدلتها وخلص في تدليل سليم إلى عدم توافر القصد الجنائي في جريمتي التزوير والاستعمال في حق المطعون ضده، ومن ثم فإنه لا جدوى للطاعنة من إثارة ذلك الخطأ القانوني الذي لم يكن له أثر في النتيجة التي خلص إليها القرار المطعون فيه. أما ما تنعاه الطاعنة على القرار من إغفاله التصدي إلى القرينة المستفادة من قيام المطعون ضده بإعلان المدعى عليها في ستة عناوين دون العنوان السابع - وهو موطنها الحقيقي - مع أنه كان تحت بصره في تحقيقات دعوى الحجز مما ينبئ عن سوء قصده. ما تنعاه الطاعنة من ذلك مردود بأنه لا يبين من الأوراق ما يدل بطريق الجزم على اطلاع المطعون ضده على دعوى الحجر أو علمه بالعناوين المختلفة التي اتخذها المدعى عليها في تلك الدعوى حتى يعني القرار المطعون فيه بالتصدي إلى تلك القرينة بالرد والمناقشة. أما القول بأن القرار التفت عن الدليل المستمد من شهادة محامي المدعي عليها فإنه لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلا موضوعياً، ذلك بأن مفاد ما أورده القرار من تعمد المدعى عليها إخفاء عنوانها الحقيقي أنه لم ير في شهادة محاميها السماعية ما يكفي لإثبات علم المطعون ضده بمحل إقامة المدعى عليها علماً يقيناً. ولما كان الأصل أن لمستشار الإحالة في سبيل تكوين عقيدته أن يأخذ برأي دون آخر، فإنه لا يقبل من الطاعنة مصادرته في عقيدته. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في سلامة القرار المطعون فيه أن يكون قد تزود في تعزيز اقتناعه بما فصلت فيه المحكمة المدنية في دعوى صحة التعاقد من سلامة الإجراءات التي اتخذها المطعون ضده في سبيل إعلان المدعى عليها ومطابقتها للقانون، إذ من حق مستشار الإحالة أن يأخذ بأي قرينة دليلاً لقضائه لأن سلطته في الموازنة والترجيح تقتضيه تقدير عناصر الدعوى المطروحة أمامه. وإذ كان ما كان البين من القرار المطعون فيه أنه لم يقض في الدعوى إلا بعد أن أحاط بعناصرها ووزان بين أدلتها وخلص في تقدير سائغ إلى عدم كفايتها لإحالة المطعون ضده للمحاكمة عن التهمتين الأولى والثالثة بشقيها، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد ينحل إلى جدل في تقدير الدليل مما لا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

الطعن 2016 لسنة 36 ق جلسة 24 / 4 / 1967 مكتب فني 18 ج 2 ق 111 ص 563

جلسة 24 من إبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

------------------

(111)
الطعن رقم 2016 لسنة 36 القضائية

مواد مخدرة. مسئولية جنائية. موانع العقاب.
مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع في المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960 هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ. مجرد اعتراف الجاني على نفسه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة لا يتوفر به وحده موجب الإعفاء.

-----------------
إن مجرد اعتراف الجاني على نفسه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 - في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها - قبل علم السلطات بها لا يتوفر به وحده موجب الإعفاء، لأن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما في يوم أول يونيه سنة 1965 بمركز التل الكبير محافظة الإسماعيلية: المتهم (الأول) حاز وأحرز جوهرين مخدرين (أفيوناً وحشيشاَ) وكان ذلك بقصد الإتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. المتهم (الثاني) أحرز جوهراً مخدراً " حشيشاً " وكان ذلك بقصد الإتجار في غير الأحوال المصرح بها في القانون. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاَ لمواد الاتهام، فقرر بذلك.
ومحكمة جنايات الإسماعيلية قضت حضورياً بتاريخ 14 مارس سنة 1966 عملاً بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 30 من قانون العقوبات ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ انتهى إلى إعفاء المطعون ضدها من العقاب في جريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الإتجار طبقاً للفقرة الأولى من المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها وقضى ببراءتهما قد أخطأ في القانون وانطوى على قصور في التسبيب، ذلك بأن ما صدر من المطعون ضدهما لا يعد مبادرة منهما بإبلاغ السلطات العامة من جريمة الإتجار بالمخدر، وإنما اعترافاً بارتكابها بعد أن قبض عليها المخبران للتحري وأودعاهما مخفر الشرطة وضيق الخناق عليهما فلم يجدا مفراً من ذلك الاعتراف، في حين أنه يشترط في المبادرة بالإبلاغ الموجب للإعفاء - طبقاً لهذه الفقرة - أن تكون مبتدأة وعن تطوع وتلقائية من جانب المبلغ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن مخبرين قبضا على المطعون ضدهما لاشتباههما في أمرهما إذ كانا يسرعان الخطى ليلاً فاعتقدا أنهما هاربين من تنفيذ أحكام صدرت ضدهما ثم أودعاهما مخفر الشرطة إلى أن حضر الضابط المختص، فأفضيا إليه بما كان من أمر ريبتهما في المطعون ضدهما، وإذ تشرع الضابط في سؤالهما عن اسميهما ومحل إقامتيهما بقصد إتمام التحري عنهما، فوجئ باعترافهما له بإحرازهما مواد مخدرة بقصد الإتجار كانا قد اشتراها لهما من يدعي السيد إبراهيم جبر وأنهما كانا في طريق العودة بالمخدر إلى بلدتهما حين قبض عليهما المخبران للتحري. ثم قام الضابط بتفتيشهما فعثر معهما على الجواهر المخدرة المضبوطة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضدهما على أن اعترافهما للضابط بإحرازهما جواهر مخدرة بقصد الإتجار قبل علمه بها يتوفر به موجب الإعفاء المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها وينسحب عليه، فإنه يكون مخطئاً في تأويل القانون، ذلك بأن مجرد اعتراف الجاني على نفسه بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة المذكورة قبل علم السلطات بها لا يتوفر به وحده موجب الإعفاء لأن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمة التشريع هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود والإبلاغ على غير المبلغ. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حجب نفسه بما انتهى إليه من تقرير قانوني خاطئ عن مناقشة عناصر الدعوى من حيث توافر سائر مقومات الإعفاء التي يتحقق فيها حكم القانون أو تخلفها وذلك بالتصدي بمدى جدية الإبلاغ عن الشخص المقول بأنه اشترى الجواهر المخدرة للمطعون ضدهما والمعلومات التي بادرا بإحاطة السلطات بها في هذا الشأن، فإنه يكون معيباً بما يبطله ويستوجب نقضه والإحالة.

الطعن 1470 لسنة 36 ق جلسة 24 / 4 / 1967 مكتب فني 18 ج 2 ق 110 ص 559

جلسة 24 من إبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، وحسين سامح، ومحمود العمراوي.

----------------

(110)
الطعن رقم 1470 لسنة 36 القضائية

(أ، ب، ج، د) تزوير. أوراق رسمية. موظفون عموميون. مكلفون بخدمة عامة.
(أ) مناط رسمية الورقة ؟ أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته.
(ب) الموظف العمومي في حكم المادتين 211، 213 عقوبات ؟ هو كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه، سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، وسواء كان الموظف تابعاً مباشرة إلى تلك السلطات أو بمصلحة تابعة لإحداها.
(ج) قصر الشارع تطبيق المادتين 211 و213 عقوبات على الموظف العام فحسب دون الشخص المكلف بخدمة عامة.
(د) المجندون بالقوات المسلحة يعتبرون من المكلفين بخدمة عامة.

---------------
1 - مناط رسمية الورقة أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته.
2 - الموظف العمومي المشار إليه في حكم المادتين 211 و213 من قانون العقوبات هو كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو القضائية، يستوي في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى تلك السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها.
3  - لم يسو الشارع في باب التزوير بين الموظف العام والشخص المكلف بخدمة عامة الذي يكلف ممن يملك التكليف بالقيام بعمل عارض من الأعمال العامة. ولو أراد الشارع التسوية بينهما في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111 و119 من قانون العقوبات المعدلتين بالقانون رقم 69 لسنة 1953.
4 - يعتبر المجندون بالقوات المسلحة طبقاً لقانون الخدمة العسكرية والوطنية من المكلفين بخدمة عامة لا من الموظفين العامين الذين يقصر نطاق تطبيق المادتين 211 و213 من قانون العقوبات عليهم. ولما كانت الإيصالات موضوع التزوير عبارة عن إيصالات نزعت من دفتر مطبوع وليس عليها خاتم حكومي وقد نسبت بياناتها والتوقيع عليها زوراً إلى جندي من المجندين بالقوات المسلحة وهو مكلف بخدمة عامة وليس موظفاً عاماً في باب التزوير. ومن ثم فلا يدخل التزوير فيها في عداد التزوير في الأوراق الرسمية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة ضده بأنه في خلال عامي 1961 , 1962 بدائرة قسم الأربعين محافظة السويس. (أولاً) اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي الإيصالات المبينة بالتحقيقات بأن قدم إيصالات مطبوعة لهذا المجهول واتفق معه على اصطناع بياناتها والتوقيع عليها بتوقيع نسبه زوراً للجندي المختص بذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (ثانياً) استعمل المحررات سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها للقوات الجوية للمحاسبة على أساسها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 40 و41 و211 و212 و214 و336 من قانون العقوبات. وبتاريخ 13 من أكتوبر سنة 1965 قرر مستشار الإحالة إحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية المختصة بنظرها عملاً بالمواد 40 و41 و215 و336 من قانون العقوبات والمادة 177 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن رئيس النيابة العامة بتوكيل من المحامي العام في هذا الأمر بطريق النقض...الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الأمر المطعون فيه أنه إذ انتهى إلى إحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية المختصة قد أخطأ في
تطبيق القانون، ذلك بأنه قام على أن الواقعة ليست إلا جنحة تزوير في أوراق عرفية واستعمالها لأنها لا تحمل خاتم الحكومة ويقوم بالتوقيع عليها أي جندي من جنود القوات المسلحة يتصادف وجوده بغير أن يكون مختصاً أصلاً بتحريرها أو التوقيع عليها فضلاً عن أنه لا يعتبر من الموظفين العموميين مع أن الإيصالات موضوع الدعوى قد اصطنعت على غرار الإيصالات الصحيحة ونسب تحريرها والتوقيع عليها إلى جندي القوات المسلحة المكلف بإصدارها من قبل القوات الجوية مما يضفي عليها صفة الرسمية ويكون التزوير فيها تزويراً في أوراق رسمية دون اعتداد بتغير أشخاص الجنود الذين يقومون بتحريرها والتوقيع عليها تبعاً لنوبات العمل.
وحيث إن الأمر المطعون فيه أثبت أن الاتهام صور الواقعة في أن النقيب عبده رجائي حجازي شهد أن المطعون ضده وهو مقاول يقوم بعملية الكسح بمطار كبريت قدم إيصالات مزورة نسب التوقيع عليها زوراً إلى الجندي القائم بالعمل عند البوابة أو بغرفة العمليات المكلف بتحريرها إثباتاً لعدد نقلات الكسح وإنبني على ذلك أن استولى المطعون ضده بغير حق على مبلغ 337 ج و255 م وأن تقرير المضاهاة انتهى إلى أن هذه الإيصالات محررة بخط مغاير لخط الجنود المنسوب صدورها منهم. وخلص الأمر من ذلك إلى أن واقعة التزوير بفرض صحتها انصبت على أوراق عرفية طبقاً للمادة 215 من قانون العقوبات لما تبين من الاطلاع عليها ومن أقوال الشهود أنها عبارة عن إيصالات منزوعة من دفاتر مطبوعة لدى المقاول القديم لهذه العملية وليس عليها ختم حكومي وأن أي جندي من القوات الجوية يتصادف وجوده بغرفة العمليات أو بالبوابة الخارجية يقوم بملء بياناتها إثباتاً لعدد نقلات الكسح والتوقيع عليها وأن هذا الجندي غير مختص أصلاً بتحريرها وهو ليس من الموظفين العموميين. وانتهى الأمر إلى إحالة الدعوى إلى المحكمة الجزئية المختصة لنظرها باعتبارها جنحة طبقاً للمواد 49 و41 و215 و336 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان مناط رسمية الورقة أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته، وكان الموظف العمومي المشار إليه في حكم المادتين 211 و213 من قانون العقوبات هو كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو القضائية، يستوي في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى تلك السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها. وكان الشارع لم يسو في باب التزوير بين الموظف العام والشخص المكلف بخدمة عامة الذي يكلف ممن يملك التكليف القيام بعمل عارض من الأعمال العامة. ولو أراد الشارع التسوية بينهما في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111 و119 من قانون العقوبات المعدلتين بالقانون رقم 69 لسنة 1953. لما كان ذلك، وكان المجندون بالقوات المسلحة طبقاً لقانون الخدمة العسكرية والوطنية يعتبرون من المكلفين بخدمة عامة لا من الموظفين العامين الذين يقتصر نطاق تطبيق المادتين 211 و213 من قانون العقوبات عليهم. لما كان ذلك، وكانت الإيصالات موضوع التزوير - وعلى ما أثبته الأمر المطعون فيه - وهو ما تسلم به الطاعنة ولا تجادل فيه - عبارة عن إيصالات نزعت من دفتر مطبوع وليس عليها خاتم حكومي وقد نسبت بياناتها والتوقيع عليها زوراً إلى جندي من المجندين بالقوات المسلحة وهو مكلف بخدمة عامة وليس موظفاً عاماً في باب التزوير على ما تقدم القول، ومن ثم فلا يدخل التزوير فيها في عداد التزوير في الأوراق الرسمية. وإذ كان الأمر المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون الطعن عليه في غير محله متعيناً رفضه.

الطعن 1899 لسنة 36 ق جلسة 7 / 2 / 1967 مكتب فني 18 ج 1 ق 35 ص 178

جلسة 7 من فبراير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

-------------------

(35)
الطعن رقم 1899 لسنة 36 القضائية

(أ، ب) ضرائب. حكم. " تسبيبه. تسبيب معيب ".
(أ) نسبة الحكم المطعون فيه التعويض المقضي به على الطاعن إلى مبلغ الضريبة المفروضة عليه في السنة المالية موضوع لربط دون أن يحدد المبالغ المنسوب إلى الطاعن الاحتيال بإخفائها. قصور.
(ب) حكم الإدانة. بياناته ؟ مثال لتسبيب معيب في جريمة استعمال طرق احتيالية للتهرب من الضريبة.
(ج) محكمة ثاني درجة. " الإجراءات أمامها ". إجراءات المحاكمة. دفاع. " الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره.
عدم التزام محكمة ثاني درجة بإجراء تحقيق في الجلسة. بناء قضائها على ما تسمعه من الخصوم وما تستخلصه من الأوراق. تقيدها في ذلك بما يجب عليها من مراعاة حقوق الدفاع طبقا لما فرضته المادة 413 إجراءات.

---------------
1 -  أوجب القانون رقم 14 لسنة 1939 في المادة 85 مكررا إلزام المتهم بتعويض لا يقل عن 25% ولا يجاوز ثلاثة أمثال ما لم يدفع من الضريبة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد نسب التعويض المقضي به على الطاعن إلى مبلغ الضريبة عليه في السنة المالية موضوع الربط دون أن يحدد المبالغ المنسوب إلى الطاعن الاحتيال بإخفائها، وكان هذا الجزاء النسبي المشار إليه في المادة سالفة الذكر إنما ينسب إلى ما لم يدفع من الضريبة في الميعاد المقرر، وهو الجزء الذي كان عرضه للضياع على الدولة بسبب مخالفة الممول للقانون، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور (1) .
2 - يوجب قانون الإجراءات الجنائية بنص المادة 310 منه في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم . ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلا من هذا البيان المعتبر في القانون بما يحدد عناصر التهمة التي دين بها وهي استعمال طرق احتيالية بإخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة، فلم يبين وجه اختلاف الرسوم المدفوعة من الطاعن للجمارك عن الوارد بإقراراته وشواهد هذا الاختلاف وأدلته على ثبوت الاحتيال في جانب الطاعن، ولا حاصل الشهادة الصادرة من مصلحة الجمارك بشأن نشاطه داخل الجمرك، وكيف اختلف ما ورد بها عما ادعاه في الإقرار المقدم منه لمصلحة الضرائب، ولا وجه قصور هذه الشهادة عن شمول نشاطه كله ومرجع هذا القصور، مما يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما أوردها الحكم.
3 - الأصل أن المحكمة الاستئنافية لا تلزم بإجراء تحقيق في الجلسة وإنما تبنى قضاءها على ما تسمعه من الخصوم وما تستخلصه من الأوراق، إلا أن هذا الأصل مقيد بما يجب عليها مراعاة حقوق الدفاع طبقا لما فرضته المادة 413/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. ولما كان الثابت من مراجعة الأوراق أن الدفاع عن الطاعن تمسك في مذكرته التي قدمها إلى المحكمة الاستئنافية بدفاعه المبين في وجه الطعن من أنه لم يخف عن مصلحة الضرائب أن له مخزنا بالجمرك، بل قدم لها عقد إيجار اطلع عليه مأمور الضرائب، كما تمسك في مذكرته الختامية التي قدمها بالجلسة التي صدر فيها الحكم بضرورة ضم الملف الفردي لتحقيق دفاعه، وقد أجلت المحكمة الدعوى مرارا لضمه، غير أنها قضت في الدعوى دون تنفيذ ذلك. ولما كان هذا الدفاع جوهريا لتعلقه بالواقعة، وكونه - إذا صح - منتجا فيها، فقد كان من المتعين على المحكمة أن تحققه بلوغا إلى غاية الأمر فيه أو ترد عليه بما ينفيه، أما وهي لم تفعل، فإنها تكون قد أخلت بحق الطاعن في الدفاع. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه معيبا بما يبطله ويوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 25 يناير سنة 1951 بدائرة قسم الأزبكية: استعمل طرقا احتيالية للتهرب من الضريبة المستحقة عن سنة 1949. وطلبت عقابه بالمواد 43 و48 و49 و85 من القانون رقم 14 لسنة 1939 والأمرين العسكريين 361 و362 والمادة 1/ 1 من المرسوم بقانون 105 لسنة 1945. ومحكمة الضرائب الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 3 مارس سنة 1952 عملا بمواد الاتهام بتغريم المتهم 50 قرش مع زيادة ما لم يدفع من الضريبة بمقدار يعادل ثلاثة أمثالها بلا مصاريف. استأنف المتهم هذا الحكم أمام محكمة القاهرة الابتدائية دفع الحاضر مع المتهم بسقوط الدعوى بمضي المدة ثم قضت للمتهم المذكور حضوريا بتاريخ 29 يناير سنة 1966 (أولا) بقبول الاستئناف شكلا (ثانيا) برفض الدفع بسقوط الدعوى الجنائية بالتقادم (ثالثا) بتعديل الحكم المستأنف وذلك بزيادة ما لم يدفع من الضريبة عن سنة 1949 وهو مبلغ 214 ج و135 م بما مقداره 25% منه وبتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من غرامه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن أنه إذا دانه بجريمة استعمال طرق احتيالية للتهرب من الضريبة المستحقة قد أخل بحقه في الدفاع، وشابه القصور في التسبيب وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عدد الطرق الاحتيالية المنسوبة إلى الطاعن في ثلاثة (أولها) أن له مخزنا أخفى وجوده عن مصلحة الجمارك مع أن ملفه الفردي حوى ما يفيد اطلاع مأمور الضرائب على عقد إيجار هذا المخزن، أما الطريقة الثانية فقد صاغها الحكم بعبارة غامضة لا يعرف حقيقة ما قصده منه، وأما الطريقة الثالثة وهي تقديم الطاعن شهادة من مصلحة الجمارك غير شاملة لأوجه نشاطه كلها، فلا محل لمسائلته عن خطأ وقعت فيه المصلحة، قد طلب الدفاع عن الطاعن في مذكرته الختامية المقدمة منه لجلسة 29 يناير سنة 1966 ضم الملف الفردي لتحقيق دفاعه، إلا أن المحكمة قضت في الدعوى دون أن تحققه أو ترد عليه. كما خلا الحكم أيضا من بيان ما لم يؤد من الضريبة، ونسب التعويض المقضي به إلى الضريبة المفروضة عن السنة موضوع الربط، مما يعيبه بما يبطله ويجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بأنها " تخلص في أن مأمور ضرائب الأزبكية حرر في 16/ 11/ 1951 محضرا ذكر فيه أن المتهم - وهو تاجر وصانع دخان - استعمل طرقا احتيالية بقصد التخلص من مبالغ تسري عليها الضريبة بادعائه عدم وجود مخزن بالجمرك له، واختلاف الرسوم المدفوعة للجمارك عن الوارد بإقراراته، وتقديم شهادة رسمية غير شاملة لنشاطه داخل الجمرك، وادعائه بأنها عن جميع نشاطه " ولم يدلل الحكم على ثبوت هذه الواقعة بشيء، ثم قضى بإلزام الطاعن بتعويض قدره 25% من الضريبة المفروضة عليه في السنة المالية موضوع الربط دون تحديد القدر الذي لم يؤد من تلك الضريبة والذي تتناوله الزيادة وحده. لما كان ذلك، وكان قانون الإجراءات الجنائية يوجب بنص المادة 310 منه في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة، والظروف التي وقعت فيها، والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم، وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من هذا البيان المعتبر في القانون بما يحدد عناصر التهمة التي دين بها وهي استعمال طرق احتيالية بإخفاء مبالغ تسري عليها الضريبة، فلم يبين وجه اختلاف الرسوم المدفوعة من الطاعن للجمارك عن الوارد بإقراراته، وشواهد هذا الاختلاف وأدلته على ثبوت الاحتيال في جانب الطاعن , ولا حاصل الشهادة الصادرة من مصلحة الجمارك بشأن نشاطه داخل الجمرك، وكيف اختلف ما ورد بها عما ادعاه في الإقرار المقدم منه لمصلحة الضرائب، ولا وجه قصور هذه الشهادة عن شمول نشاطه كله مرجع هذا القصور، مما يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 14 لسنة 1939 الذي دين الطعن بمقتضاه وقد أوجب في المادة 85 مكرر إلزام المتهم بتعويض لا يقل عن 25% ولا يجوز ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضريبة، وكان الحكم المطعون فيه قد نسب التعويض المقدم المقضي به على الطعن إلى مبلغ الضريبة المفروضة عليه في السنة المالية موضوع الربط دون أن يحدد المبلغ المنسوب إلى الطاعن الاحتيال بإخفائها، وكان هذا الجزء النسبي المشار إليه في المادة سالفة الذكر إنما ينسب إلى ما لم يدفع من الضريبة في الميعاد المقرر، وهو الجزء الذي كان عرضة للضياع على الدولة بسبب مخالفة الممول للقانون، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور. لما كان ذلك، وكان الثابت من مراجعة الأوراق أن الدفاع عن الطاعن تمسك في مذكرته التي قدمها للمحكمة الاستئنافية بجلسة 24 مايو سنة 1958 بدفاعه المبين في وجه الطعن من أنه لم يخف عن مصلحة الضرائب أن له مخزنا بالجمرك، بل قدم لها عقد إيجار اطلع عليه مأمور الضرائب كما تمسك في مذكرته الختامية التي قدمها لجلسة 29/ 1/ 1966 التي صدر فيها الحكم بضرورة ضم الملف الفردي لتحقيق دفاعه، وقد أجلت المحكمة الدعوى مرارا لضمه، غير أنها قضت في الدعوى دون تنفيذ ذلك. لما كان هذا الدفاع جوهريا لتعلقه بالواقعة، وكونه - إذا صح - منتجا فيها، فقد كان من المتعين على المحكمة أن تحققه بلوغا إلى غاية الأمر فيه، أو ترد عليها بما ينفيه، أما وهي لم تفعل، فإنها تكون قد أخلت بحق الطاعن في الدفاع. ولا يقدح في هذا وما هو مقرر من أن المحكمة الاستئنافية لا تلزم بإجراء تحقيق في الجلسة وإنما تبني قضائها على ما تسمعه من الخصوم، وما تستخلصه من الأوراق، ذلك بأن هذا الأصل مقيد بما يجب عليها من مراعاة حقوق الدفاع طبقا لما فرضته المادة 413/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك كذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يبطله ويوجب نقضه.


 (1) هذا المبدأ مقرر أيضا في الطعن رقم 34 لسنة 35 ق - جلسة 10/ 5/ 1965 س 16 ص 446.