جلسة 2 من نوفمبر سنة 1992
برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب
رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد يحى ومجدي منتصر وحسن حمزه
ومصطفى كامل نواب رئيس المحكمة.
------------------
(149)
الطعن رقم 4100 لسنة 61 القضائية
(1) تزوير "أوراق
رسمية". جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب".
القصد الجنائي في جريمة التزوير. موضوعي. للمحكمة أن تفصل فيه في ضوء
الظروف المطروحة عليها.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم لزوم أن يكون الدليل صريحاً ومباشراً.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(3)دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم
يثر أمامها. غير جائز.
(4)إثبات
"اعتراف". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل".
حق المحكمة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من
المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه. علة ذلك؟
(5)إثبات
"اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". بطلان.
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات وصدوره اختيارياً من عدمه.
موضوعي.
(6) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب".
خصومة الشاهد للمتهم لا تمنع من الأخذ بشهادته.
(7) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في
تكوين عقيدتها.
(8) إثبات "شهود" محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعريف الشاهد والشهادة؟
حق المحكمة في الاعتماد في القضاء بالإدانة على أقوال شاهد سمع على
سبيل الاستدلال بغير حلف يمين.
(9)إثبات
"شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم
"تسبيبه". تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بأقوال الشاهد؟
(10) تزوير "تزوير في أوراق رسمية". جريمة
"أركانها".
تحقق الضرر في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية. غير لازم. أساس
ذلك؟
(11)إجراءات
"إجراءات المحاكمة". محضر جلسة. تزوير "الطعن بالتزوير". دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها".
الأصل في الإجراءات أنها روعيت. المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة
1959.
إثبات عكس ما أثبت بمحضر الجلسة أو بالحكم لا يكون إلا بالطعن
بالتزوير.
ثبوت فض المحكمة المظروف المحتوي على المحرر المزور في حضور الطاعن
والمدافع عنه. اعتبار المحرر معروضاً على بساط البحث.
(12) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه.
تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه المتهم. بحسب
الحكم أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه.
(13)حكم
"حجية الحكم". إثبات "قوة الأمر المقضي". تزوير "تزوير
أوراق رسمية". استعمال أوراق مزورة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مناط حجية الأحكام؟
اتحاد السبب مفاده؟
عدم كفاية التماثل في النوعية أو الاتحاد في الوصف القانوني أو أن
تكون الواقعتان كلتاهما سلسلة من وقائع متماثلة.
المغايرة التي تمنع من القول بوحدة السبب تتحقق بالذاتية الخاصة لكل
واقعة.
(14) إثبات "بوجه عام". قوة الأمر المقضي.
تزوير "تزوير أوراق رسمية". سرقة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". ارتباط.
تقدير الدليل في دعوى لا يحوز قوة الأمر المقضي به في دعوى أخرى.
وقوع الجريمتين لغرض واحد. لا يكفي بذاته لتوافر الارتباط.
------------------
1 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة
التزوير من المسائل المتعلقة بواقع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء
الظروف المطروحة عليها.
2 - من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن
يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه
المحكمة منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى
واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة
بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا
يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، ولما كان ما أورده الحكم - على نحو ما سلف
بيانه - كاف وسائغ في التدليل على توافر القصد الجنائي لدى كل من الطاعنين الأول
والثاني، فإن ما يثيره كل منهما - في خصوص هذا القصد ينحل جدلاً موضوعياً في سلطة
المحكمة في تقدير الدليل، وفي حقها في استنباط معتقدها عن الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوى، وهو ما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة النقض.
3 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة
المحاكمة أن أحداً من الطاعنين لم يطلب ضم المحضر رقم......، فلا يجوز - من بعد -
النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة
في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار
التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
5 - لمحكمة الموضوع أن تقدر عدم صحة ما يدعيه
الطاعن من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب ما دامت
تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى
نفي وقوع ثمة إكراه من....... على الطاعن الثالث للإدلاء بأي أقوال، فإن سعي
الطاعن الأول لإثبات وجود خلافات بينه وبين الضابط المذكور - بفرض صحته - يكون غير
منتج في الدعوى لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد حتى ولو كان بينه
وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها.
7 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث
في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وإذ كانت المحكمة قد أفصحت عن
اطمئنانها إلى شهادة الضابط المذكور فلا مجال لتعييب حكمها في هذا الخصوص.
8 - من المقرر أنه وإن كانت الشهادة لا
تتكامل عناصرها قانوناً إلا بحلف اليمين إلا أن ذلك لا ينفي عن الأقوال التي يدلي
بها الشاهد بغير حلف يمين أنها شهادة، وقد اعتبر القانون الشخص شاهداً بمجرد دعوته
إلى أداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها، ومن ثم فإن
سماع أقوال الشاهد........ على سبيل الاستدلال دون حلف اليمين - بفرض صحة ذلك - لا
ينفي عن أقواله أنها شهادة.
9 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتعويل
القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى قاضي الموضوع، وكانت المحكمة قد
أفصحت عن اطمئنانها لأقوال الشاهد المذكور فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها لأن مفاد
أخذها بشهادته أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ
بها.
10 - من المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق
الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو
لم يتحقق ثمة ضرر يلحق شخصاً بعينه، لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً ضرر بالمصلحة
العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر
الجمهور وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في رده على الدفع بانتفاء ركن
الضرر، كما أنه استخلص أن بيان اسم المالك في تصريح المرور هو من البيانات
الجوهرية التي أعد المحرر لإثباتها فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير
أساس.
11 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة
أنه قد أثبت به أن المحكمة قد فضت الحرز المحتوي على المحررين المزورين واطلعت
عليه ومكنت الدفاع من الاطلاع عليه، وكان الأصل طبقاً للمادة 30 من القانون رقم 57
لسنة 1959 أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما ثبت بمحضر الجلسة إلا
بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله، كما أنه لم يكن من اللازم إثبات بيانات المحررين
في صلب الحكم بعد أن ثبت أنهما كانا مطروحين على بساط البحث والمناقشة في حضور
الخصوم وكان في مكنة الدفاع عن الطاعنين وقد أطلع عليهما أن يبدي ما يعن له
بشأنهما في مرافعته، ومن ثم يكون النعي على الإجراءات بالبطلان لهذا السبب على غير
أساس.
12 - من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم
بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في
قضائها بالإدانة، وأنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاءه أن يورد الأدلة
المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا
عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
13 - من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي
بوحدة الخصوم والموضوع والسبب، ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي
يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفي
للقول بوحدة السبب في الدعويين أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع
ارتكبها المتهم لغرض واحد إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتيتها وظروفها
الخاصة التي تتحقق بها المغايرة والتي يمتنع معها القول بوحدة السبب في كل منهما
مما لا يحوز معه الحكم السابق حجية في الواقعة الجديدة محل الدعوى المنظورة، لما
كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في رده على الدفع بعدم جواز
نظر الدعوى واستخلص أن جريمتي الاشتراك في تزوير المحررين واستعمالهما تختلف
ذاتيتهما وظروفهما والنشاط الإجرامي بهما وطبيعة الحق المعتدى عليه فيهما عن جريمة
الشروع في السرقة التي تمت محاكمة الطاعن الثالث عنها اختلافاً تتحقق به المغايرة
التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في الدعويين فإنه لا يكون قد أخطأ في شيء.
14 - من المقرر أن قوة الأمر المقضي للحكم في
منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى، وتظل الواقعتين قابلتين للتجزئة وإن وقعتا
لغرض واحد، ويكون الحكم بالتالي بريئاً من قالة التناقض فيما أورده من أن التزوير
كان بقصد الاختلاس، إذ أن وقوع الجريمتين لغرض واحد لا يكفي بذاته للقول بتوافر
الارتباط بينهما طالما لم تتوافر باقي عناصر هذا الارتباط.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً:
المتهمان الأول والثاني بصفتهما موظفين عموميين الأول مدير المسطح المائي والثاني
مسئول مكتب إلا هوسه بهيئة ميناء......... ارتكبا تزوير في محررين رسميين هما
تصريحي مرور الصندلين........ حال تحريرهما المختص بوظيفتهما وذلك بجعلهما واقعة
مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن أثبت المتهم الثاني في
التصريحين اسم المتهم الثالث باعتباره المالك أو الوكيل وذلك على خلاف الحقيقة
وقام المتهم الأول باعتماد التصريحين وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. المتهم
الثالث أولاً: وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة
مع المتهمين الأول والثاني في ارتكاب التزوير موضوع التهمة الأولى بأن اتفق معهما
على ذلك وساعدهما بأن أمدهما بالبيانات الخاصة به فوقعت الجريمة بناء على هذا
الاتفاق وتلك المساعدة على النحو الموضح بالتهمة الأولى. ثانياً: استعمل المحررين
المزورين سالفي الذكر بأن قدمهما للضابط المختص حال التفتيش على أوراق الصندلين مع
علمه بتزويرهما. وأحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبتهم طبقاً للقيد
والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/
2، 3، 41، 213، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات
والمادتين 55، 56 من ذات القانون أولاً بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة
سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس. ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع
الشغل لمدة سنة واحدة. ثالثاً: بمعاقبة المتهم الثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
رابعاً بمصادرة الأوراق المزورة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.
المحكمة
وحيث إن حاصل أوجه الطعن التي تضمنها تقرير
الأسباب المقدم عن كل من الطاعنين هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين الأول
والثاني بجريمة التزوير في محررين رسميين ودان الطاعن الثالث بجريمتي الاشتراك في
تزوير المحررين واستعمالهما، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في
الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، وران عليه البطلان والخطأ في تطبيق القانون وفي
الإسناد ذلك بأنه التفت عن دفع الطاعن الأول بانتفاء القصد الجنائي لديه إذ لم يقم
باعتماد تصريحي المرور المزورين إلا بعد التوقيع عليهما من الطاعن الثاني وهو
المسئول عن مراجعة المستندات ولم تقع منه أية مخالفة للتعليمات إذ أشر بإثبات حالة
الصندلين وإخطار مالكهما وهو ما ينفي شبهة الاتفاق مع الطاعن الثاني على التزوير،
والتفت عن دفاعه والطاعن الثاني بأن ما وقع من كل منهما لا يعدو أن يكون إهمالاً
في مراجعة المستندات لا يتوافر به قصد التزوير، ولم تضم المحكمة المحضر رقم.......
الذي حرر بناء على تأشيرة الطاعن الأول، وعولت على إقرار الطاعن الثالث بمحضر جمع
الاستدلالات دون إيراد فحواه ورغم ما قرره المذكور من أن إقراره كان وليد إكراه من
المقدم.......، وأغفلت المستندات التي قدمها الطاعن الأول لإثبات ما يوجد بينه
وبين الضابط المذكور من خلافات سابقة، وعولت على أقوال الشاهد........ التي أدلى
بها دون حلف يمين رغم أنها تكشف عن عدم إلمامه بنظام العمل، وأطرحت الدفع بانتفاء
ركن الضرر لأن البيان الذي لحق به التغيير - وهو اسم المالك والوكيل - ليس من
البيانات الجوهرية التي أعد المحرر لإثباتها بما لا يسوغ إطراحه، والتفتت عن دفاع
الثاني بأن الأوراق قد خلت من دليل قبله إذ لم يذكر الطاعن الثالث أنه قام بدور في
الجريمة، هذا إلى أن المحكمة أغفلت الاطلاع على المحررين المزورين ولم تورد
بياناتهما في الحكم، ولم تعرض للمستندات التي قدمها الطاعن الثالث والتي تثبت
شراءه للصندلين بتاريخ.....، وأطرحت الدفع بعدم جواز نظر الدعوى قبله لسبق محاكمته
وإدانته بحكم نهائي عن جريمة الشروع في سرقة الصندلين تأسيساً على انتفاء الارتباط
بين الجريمتين رغم أن الحكم أورد في مدوناته أن القصد من التزوير هو اختلاس
الصندلين وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، وساق على صحة إسنادها إليهم
وثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، لما كان ذلك، وكان
من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة التزوير من المسائل المتعلقة بواقع الدعوى
التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، وكان الحكم قد عرض
للدفع بانتفاء القصد الجنائي لدى الطاعنين الأول ورد عليه بالقول "إن الثابت
من أقوال المتهم الثالث بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة أن الصندلين غير
مملوكين له، وأنه لجأ إلى المتهم الأول - بصفته مدير إدارة المسطح المائي - واتفق
معه على استخراج تصريحين باسمه لمرور الصندلين، وحصل منه على التصريحين مقابل مبلغ
من المال دفعه إليه، والثابت بالأوراق أن المتهم الأول قام باستخراج التصريحين
والتوقيع عليهما ضارباً عرض الحائط بكافة الإجراءات اللازمة لاستخراج التصاريح،
دون أن يتخذ المتهم الثالث أي إجراء منها، الأمر الذي تستبين منه المحكمة توافر
القصد الجنائي لدى المتهم الأول وتتحقق به جريمة التزوير ومن ثم لا تعول المحكمة
على الدفع" كما أن الحكم قد أورد في مدوناته ما يفيد مساهمة الطاعن الثاني في
الجريمة بتحرير بيانات التصريحين وإثبات اسم الطاعن الثالث بهما باعتباره المالك
أو الوكيل على خلاف الحقيقة واستظهر علمه بتزوير هذا البيان، لما كان ذلك، وكان المقرر
أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً
في الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما
تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات
العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، ولما كان
ما أورده الحكم - على نحو ما سلف بيانه - كاف وسائغ في التدليل على توافر القصد
الجنائي لدى كل من الطاعنين الأول والثاني، فإن ما يثيره كل منهما - في خصوص هذا
القصد ينحل جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في تقدير الدليل، وفي حقها في استنباط
معتقدها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، وهو ما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة
النقض، لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن أحداً من الطاعنين
لم يطلب ضم المحضر رقم.......، فلا يجوز - من بعد - النعي على المحكمة قعودها عن
القيام بإجراء لم يطلب منها لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لإقرار
الطاعن الثالث بمحضر جمع الاستدلالات وأورد فحواه ورد على الدفع ببطلانه للإكراه
في قوله (وقد أقر المتهم الثالث بمحضر جمع الاستدلالات لمقارفته للجريمة، واشتراكه
في التزوير مع المتهمين الأول والثاني وترى المحكمة أن إقراره هذا صحيح وصدر عن
طواعية واختيار وعن إرادة حرة دون ما شائبة إكراه أو عنف وقع عليه، وأن ما أثاره
الدفاع في هذا الشأن لا دليل عليه...) وكان المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة
في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين في أي دور من أدوار
التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ولها -
بهذه المثابة أن تقدر عدم صحة ما يدعيه الطاعن من أن الاعتراف المعزو إليه قد
انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة ومن ثم
يضحى النعي على الحكم أنه عول على هذا الإقرار غير مقبول، لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه وقد انتهى إلى نفي وقوع ثمة إكراه من....... على الطاعن الثالث للإدلاء
بأي أقوال، فإن سعي الطاعن الأول لإثبات وجود خلافات بينه وبين الضابط المذكور -
بفرض صحته - يكون غير منتج في الدعوى لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة
الشاهد حتى ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها، ولا تثريب على
الحكم بالتالي في الالتفات عن أي مستندات قدمت لإثبات هذا الخلاف - بفرض تقديمها -
لأن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين
عقيدتها، وإذ كانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادة الضابط المذكور فلا
مجال لتعييب حكمها في هذا الخصوص، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كانت
الشهادة لا تتكامل عناصرها قانوناً إلا بحلف اليمين إلا أن ذلك لا ينفي عن الأقوال
التي يدلي بها الشاهد بغير حلف يمين أنها شهادة، وقد اعتبر القانون الشخص شاهداً
بمجرد دعوته إلى أداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها،
ومن ثم فإن سماع أقوال الشاهد....... على سبيل الاستدلال دون حلف اليمين - بفرض
صحة ذلك - لا ينفي عن أقواله أنها شهادة ولما كان وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء
عليها مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى قاضي الموضوع، وكانت المحكمة قد أفصحت عن
اطمئنانها لأقوال الشاهد المذكور فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها لأن مفاد أخذها
بشهادته أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها،
ويكون النعي على الحكم أنه عول على أقوال الشاهد المذكور غير مقبول، لما كان ذلك،
وكان المقرر أن جريمة التزوير في الأوراق الرسمية تتحقق بمجرد تغيير الحقيقة بطريق
الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ولو لم يتحقق ثمة ضرر يلحق شخصاً بعينه، لأن
هذا التغيير ينتج عنه حتماً ضرر بالمصلحة العامة لما يترتب عليه من عبث بالأوراق
الرسمية ينال من قيمتها وحجيتها في نظر الجمهور وكان الحكم المطعون فيه قد التزم
هذا النظر في رده على الدفع بانتفاء ركن الضرر، كما أنه استخلص أن بيان اسم المالك
في تصريح المرور هو من البيانات الجوهرية التي أعد المحرر لإثباتها فإن النعي عليه
في هذا الخصوص يكون على غير أساس، لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة
أنه أثبت به أن المحكمة قد فضت الحرز المحتوي على المحررين المزورين واطلعت عليه
ومكنت الدفاع من الاطلاع عليه وكان الأصل طبقاً للمادة 30 من القانون رقم 57 لسنة
1959 أن الإجراءات قد روعيت فلا يجوز للطاعن أن يدحض ما ثبت بمحضر الجلسة إلا
بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله كما أنه لم يكن من اللازم إثبات بيانات المحررين
في صلب الحكم بعد أن ثبت أنهما كانا مطروحين على بساط البحث والمناقشة في حضور
الخصوم وكان في مكنة الدفاع عن الطاعنين وقد اطلع عليهما أن يبدي ما يعن له
بشأنهما في مرافعته ومن ثم يكون النعي على الإجراءات بالبطلان لهذا السبب على غير
أساس لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الجرائم المسندة إلى الطاعنين
قد وقعت بتاريخ...... وأقام قضاءه بإدانة الطاعن الثالث على أنه لم يكن حتى هذا
التاريخ مالكاً للصندلين موضوع التصريحين المزورين، ومن ثم يكون سعيه إلى إثبات
شرائه لهما في تاريخ لاحق على تاريخ وقوع الجريمة - بفرض صحته - غير منتج في
الدعوى، وكان المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه
المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة، وأنه بحسب الحكم
كيما يتم تدليله ويستقيم قضاءه أو يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما
استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من
جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن
التفتت عن المستندات المثبتة لواقعة شراء الطاعن الثالث للصندلين ما دامت أركان
الجريمة قد تكاملت في حقه ولا تأثير بالتالي لهذه الواقعة اللاحقة في قيامها، لما
كان ذلك وكان المقرر أن مناط حجية الأحكام هي بوحدة الخصوم والموضوع والسبب، ويجب
للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة
التي كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفي للقول بوحدة السبب في الدعويين أن تكون
الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع ارتكبها المتهم لغرض واحد إذا كان لكل
واقعة من هاتين الواقعتين ذاتيتها وظروفها الخاصة التي تتحقق بها المغايرة والتي
يمتنع معها القول بوحدة السبب في كل منهما مما لا يحوز معه الحكم السابق حجية في
الواقعة الجديدة محل الدعوى المنظورة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد
التزم هذا النظر في رده على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى واستخلص أن جريمتي
الاشتراك في تزوير المحررين واستعمالهما تختلف ذاتيتهما وظروفهما والنشاط الإجرامي
بهما وطبيعة الحق المعتدى عليه فيهما عن جريمة الشروع في السرقة التي تمت محاكمة
الطاعن الثالث عنها اختلافاً تتحقق به المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب
في الدعويين فإنه لا يكون قد أخطأ في شيء ولا يغير من ذلك أن يكون تصريحي المرور
اللذين اتخذا دليلاً على تهمة الشروع في السرقة التي حوكم الطاعن الثالث عنها هما
بذاتهما أساس تهمتي الاشتراك في التزوير والاستعمال اللتين يحاكم عنهما في الدعوى
المنظورة، لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى، وتظل
الواقعتين قابلتين للتجزئة وإن وقعتا لغرض واحد، ويكون الحكم بالتالي بريئاً من
قالة التناقض فيما أورده من أن التزوير كان بقصد الاختلاس، إذ أن وقوع الجريمتين
لغرض واحد لا يكفي بذاته للقول بتوافر الارتباط بينهما طالما لم تتوافر باقي عناصر
هذا الارتباط، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن الثالث في هذا الصدد غير سديد، لما كان
ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس خليقاً بالرفض.