الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 2 فبراير 2020

عدم اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالمنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين

الدعوى رقم 38 لسنة 40 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر والدكتور محمــد عمـاد النجـار والدكتور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 38 لسنة 40 قضائية " دستورية "، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بحكمها الصادر بجلسة 23/4/2016، ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية.
المقامة من
هشام محمد محمد يونس
ضــــد
1 – رئيس لجنة انتخابات نقابة الصحفيين "خصم مدخل"
2 – نقيب الصحفيين
الإجـراءات
بتاريخ الثالث من مارس سنة 2018، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية) بجلسة 23/4/2016، بوقف الدعوى تعليقًا، وإحالتها بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستوريــة نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد تقدم بالترشيح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين التي أجريت بتاريخ 20/3/2015، وتضمنت النتيجة التي أعلنتها اللجنة المنظمة للعملية الانتخابية فوزه بمقعد عضوية المجلس، إلا أنه فوجئ بقيام اللجنة بإعادة الفرز مرة أخرى، مع خلط الأوراق في صندوق واحد، بما أدى إلى تساويه مع المنافس اللاحق له في ترتيب الأصوات، وإعلان فوز الأخير بمقعد مجلس النقابة، مما دعاه إلى إقامة الدعوى رقم 45409 لسنة 69 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الثانية)، ضد نقيب الصحفيين، طالبًا بصفة مستعجلـة وقف تنفيذ قرار اللجنة بإعـادة الفــــرز وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعلان فوزه بمقعد النقابة، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه. وبجلسة 23/4/2016، قضت المحكمة بوقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، لما ارتأته من أن إسناد الفصل في المنازعة الانتخابية لأعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، بالرغم من طبيعتها الإدارية، إنما يقع مخالفًا لنص المادة (190) من دستور سنة 2014، الذى خص مجلس الدولة دون غيره الاختصاص بالفصل في جميع المنازعات الإدارية.
      وحيث إن المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بشأن إنشاء نقابة الصحفيين وبإلغاء القانون رقم 185 لسنة 1955 بتنظيم نقابة الصحفيين، قد نصت على أنه "لوزير الإرشاد القومي أن يطعن في تشكيل الجمعية العمومية وتشكيل مجلس النقابة، وله كذلك حق الطعن في القرارات الصادرة من الجمعية العمومية.
      ولخمس الأعضاء الذين حضروا اجتماع الجمعية العمومية حق الطعن في صحة انعقادها، وفى تشكيل مجلس النقابة.
      ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية) خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية بالنسبة لأعضائها، ومن تاريخ الإبلاغ بالنسبة لوزير الإرشاد القومي (النص المحال). ويجب أن يكون الطعن مسببًا.
وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال بعد سماع أقوال النيابة العامة، والنقيب أو من ينوب عنه، ووكيل الطاعنين، في جلسة سرية".

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستوريـة، وهـى شرط لقبولهـــا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحـرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولهـا. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة انتخابات نقابة الصحفيين، بإعادة فرز أوراق التصويت في الانتخابات التى أجريت بتاريخ 20/3/2015، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعلان فوز المدعى في الدعوى الموضوعية بمقعد مجلس النقابة. وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر الطعن في القرار المشار إليه هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية تلك المحكمة في نظر النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابق بالضرورة على البحث في موضوعه. وإذ كان النص المحال قد أسند الاختصاص بالفصل في هذا الطعن إلى محكمة النقض (الدائرة الجنائية). ومن ثم، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض (الدائرة الجنائية) بالفصل في الطعن على تشكيل الجمعية العمومية للنقابة، وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية للنقابة، باعتبارها قسائم متساوية في شأن اختصاص الدائرة الجنائية بمحكمة النقض بالفصل في الطعون المقامة عنها، بحسبان الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه على حسم مسألة اختصاص محكمة القضاء الإداري التي تنظر الدعوى الموضوعية بالفصل فيها. وإذ نصت الفقـرة الأخيرة من النص المحال على أن "وتفصـل المحكمة في الطعن ... في جلسة سرية"، وكان هذا الحكـم يرتبط بالنص المحال ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، الأمر الذى يكون معه مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة.


      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته نص المادة (190) من دستور سنة 2014، التي قضت بأن مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، تختص، دون غيرهــا، من جهـات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية ....، وأن النقابات المهنية من أشخاص القانون العام، وتقوم على إدارة مرفق عام، ومن ثمَّ، فإن ما يصدر عنها من قرارات تكون من طبيعة إدارية، مما ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة. ومن ثم، فلا يجوز للمشرع أن ينتزعها من مجلس الدولة ليسند الاختصاص بنظرها إلى جهة قضائية أخرى.
   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971 قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذي أصبح منذ تنظيمه بنص المادة (172) منه جهة قضـاء قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا عن طريق المشرع العادي، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر بتاريخ 25/12/2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي التي تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ......". ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971 نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر في 25/12/2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية. وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن" ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي"، فقد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التى تصدر فيها. وكان مجلس الدولة قد غدا في ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.

      وحيث إن الدستور الحالي قد نص في مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية.....".
      وحيث إنه باستعراض أحكام القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه يتبين أنه أنشأ نقابة للصحفيين في البلاد مقرها القاهرة، تتوافر لها جميع مقومات النقابات المهنية، ومنحها الشخصية الاعتبارية، وأجاز إنشاء فروع لها في المحافظات، وحدد كيفية تشكيلها، وعضويتها، وأهدافها، وجداول القيد وشروط العضوية، مبينًا ما للصحفى من حقوق، وما عليه من واجبات والتزامات يخضع لها في أدائه لعمله.



      وحيث إنه لما كان ذلك، وكانت نقابة الصحفيين تعتبر من أشخاص القانون العام، وهي مرفق عام مهني، وقد منحها قانون إنشائها قدرًا من السلطة العامة في مجال مباشرتها لأعمالها، فإن الطعن في تشكيل الجمعية العمومية، والانتخابات المتعلقة بتشكيل مجلس النقابة، التي تتصل في حقيقتها ببنيان النقابة، والأجهزة القائمة على تسيير شئونها، وكـذا الطعـون في القرارات الصـادرة من الجمعية العمومية، تُعد جميعها بهذا الوصف منازعـات إدارية بطبيعتها. ومن ثم، ينعقد الاختصاص بنظرها حصرًا لمجلس الدولة، بهيئة قضاء إداري، إعمالاً لنص المادة (190) من الدستور، والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972.

وحيث إنه لما كان ذلك، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 المشار إليه، قد عهد بالاختصاص بالفصل في الطعن في تشكيل الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وتشكيل مجلس النقابة، والقرارات الصادرة من الجمعية العمومية إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، على الرغم من أن هذه المنازعة تدخل في عداد المنازعات الإدارية بطبيعتها، لتعلقها بمرفق عام مهني يتمتع بقدر من السلطة العامة، فإن مسلك المشرع على هذا النحو يكون مصادمًا لأحكام الدستور، الذى أضحى بمقتضاه مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية في المنازعات الإدارية، وقاضيها الطبيعي. ومن ثم، يمثل هذا النص اعتداءً على استقلال القضاء، وانتقاصًا من اختصاص مجلس الدولة، فوق كونه يمثل خروجًا من المشرع عن نطاق التزامه الدستوري المقرر بمقتضى نص المادة (92/2) من الدستور، التي وضعت قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، بألا يمس التنظيم الذى يقره أصل الحق أو الحرية وجوهر، بما يوقع هذا النص في حومة مخالفة نصوص المواد (92، 94 و97 و184 و190) من الدستور.


وحيث إن المادة (187) من الدستور تنص على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية"، بما لازمه أن الأصل في نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة يكون في جلسة علنية"، واستثناءً من ذلك الأصل، أجاز المشرع الدستوري نظر الدعوى في جلسة سرية، استجابة لاعتبارات النظام العام أو الآداب، وجعل تقدير ذلك للمحكمة المختصة. إلا أنه قد استوجب، وفى جميع الأحوال، النطق بالحكم في جلسة علنية. لما كان ذلك، وكان عجز الفقرة الأخيرة من النص المحال قد جعل فصل المحكمة في الطعن في جلسة سرية، وجاء هذا الحكم عامًا مطلقًا ليشمل نظر الدعوى والفصل فيها، دون التزام الضوابط التي قررها الدستور في هذا الشأن، فإنه يكون مصادمًا لنص المادة (187) من الدستور، متعينًا معه القضاء بعدم دستورية عبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز هذا النص.

وحيث إن النيابة العامـة طبقًا لنص المادة (189) من الدستور تُعد جزءًا لا يتجزأ من القضاء العادي، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم دستورية النص المحال فيما تضمنه من منح الاختصاص لمحكمة النقض بالفصل في نظر الطعون المشار إليها في حدود النطاق المار ذكره، الأمر الذي يستتبع سقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من النص المحال، لارتباطهــا بالنص المقضي بعـدم دستوريته، ارتباطًا لا يقبـل الفصل أو التجزئة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (62) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين فيما نصت عليه من أن "ويتم الطعن بتقرير في قلم كتاب محكمة النقض (الدائرة الجنائية)"، وعبارة "في جلسة سرية" الواردة بعجز الفقرة الأخيرة من هذا النص، وسقوط عبارة "بعد سماع أقوال النيابة العامة" الواردة في الفقرة الأخيرة من نص المادة المشار إليه.


عدم دستورية قواعد صرف حافز المناطق النائية للكادر الخاص من أعضاء المهن الطبية

الدعوى رقم 126 لسنة 38 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020

 باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا            نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع           أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 126 لسنة 38 قضائية " دستورية ".

المقامة من
أسماء زكريا أبو الوفا حسنين
ضد
1 – رئيس مجلس الوزراء
2 – وزير الصحة
3 – محافظ أسوان
4 – مدير عام مديرية الشئون الصحية بأسوان


الإجراءات
      بتاريخ الثاني عشر من ديسمبر سنة 2016، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية: أولاً: نص المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014. ثانيًا: المادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمـة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعية كانت قد أقامت، بتاريخ 30/4/2015، الدعوى رقم 6649 لسنة 2 قضائية، أمام المحكمة الإدارية بأسوان، طالبة الحكم بأحقيتها في صرف حافز المناطق النائية المنصوص عليه بقرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014، بواقع 400% من الأجر الأساسي شهريًّا، اعتبارًا من 1/1/2014، مع ما يترتب على ذلك من آثار، قولاً منها؛ بأنها من خريجي كليات العلوم، وتقيم بمركز إدفو محافظة أسوان، وتعمل أخصائي تحاليل بالإدارة الصحية بإدفو، ولم يُصرف لها حافز المناطق النائية، على الرغم من أنها من الفئات المخاطبة بأحكام القرار بقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه. وإبان تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة، دفعت المدعية بعدم دستورية المادة (12) من ذلك القرار بقانون، والمادة الأولى من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014. وإذ تدوولت الدعوى أمام المحكمة الإدارية بأسوان فقد صرحت بجلسة 22/11/2016 للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014، والمادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بالقرار بقانون رقم 14 لسنة 2014، فأقامت المدعية دعواها الدستورية المعروضة.



وحيث إن المادة رقم (1) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهـات التابعـــة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 تنص على أن "تسري أحكام هذا القانون على الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والأطباء البيطريين والصيادلة وممارسي وأخصائيى العلاج الطبيعي والتمريض العالي وخريجي كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين وهيئات التمريض الفنية والفنيين الصحيين الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، العاملين بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة وهى:
* ديوان عام وزارة الصحة والسكان.
* مستشفيات الصحة النفسية.
* المراكز الطبية المتخصصة.
* مديريات الشئون الصحية بالمحافظات والمستشفيات والوحدات الطبية التابعة لها.
* الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية والمستشفيات التابعة لها.
* الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية.
* الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية.
* مرافق الإسعاف التى لم تضم إلى هيئة الإسعاف المصرية.
وذلك من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة".



      وحيث إن المادة رقم (12) من القرار بقانون المشار إليه تنص على أن "يصرف حافز مناطق نائية بنسبة تتراوح بين (200%) إلى (600%) من الأجر الأساسى للأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة وممارسى وأخصائيى العلاج الطبيعى والتمريض العالى وفنيى التمريض والفنيين الصحيين المغتربين العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التى تقدم خدمة علاجية بمحافظات مطروح والوادى الجديد وأسوان وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومناطق القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية ومنطقة الواحات البحرية بمحافظة الجيزة، وغيرها من المناطق التى يصدر بشأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
      ويُصرف هذا الحافز لغير المغتربين من العاملين المشار إليهم حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك المحافظات، وذلك وفقًا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
      وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وشروط صرف هذا الحافز، وكذلك ضوابط الاغتراب بين المحافظات.
      ولا يخل صرف الحافز المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة بما قد يصرف من مزايا لهؤلاء العاملين، من موازنة المحافظة للغرض ذاته في تاريخ العمل بهذا القانون".



      وحيث إن المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014، بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (12) من القانون، يصرف حافز مناطق نائية للمغتربين من الفئات المنصوص عليها في المادة المذكورة، للعاملين بالمحافظات المحددة بتلك المادة، وما يصدر بشأنه قرار من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
      كما يصرف هذا الحافز لغير المغتربين العاملين بهذه المحافظات، إذا كان مقر عملهم يقع على بعد 40 كيلو مترًا على الأقل من عاصمة المحافظة.
      ويصدر بتحديد نسبة الحافز المستحق قرار من وزير الصحة والسكان بناءً على عرض من القطاع العلاجى، يتضمن الحدين الأدنى والأقصى للحافز بالنسبة لكل محافظة على حده في ضوء ما نصت عليه المادة (12) من القانون، وكذلك تدرج الاستحقاق فيما بين الحدين، سواء بالنسبة للمغتربين أو غير المغتربين".



      وحيث إن المادة (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014، تنص على: "يصرف حافز مناطق نائية لأعضاء المهن الطبية المنصوص عليهم بالمادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014، المغتربين وغير المغتربين، العاملين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التى تقدم خدمة علاجية بالمحافظات والمناطق النائية على النحو الوارد بالجدول المرافق لهذا القرار على أن يصرف الحافز لغير المغتربين حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك المحافظات بمسافة لا تقل عن 50 كيلو متر".



      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت المدعية قد أقامت دعواها الموضوعية بطلب أحقيتها في صرف حافز المناطق النائية المقررة للفئات المخاطبة بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وكانت المادة (12) منه بفقرتيها الأولى والثانية، والمادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 السابق بيانه، قد حالت بينها وبين صرف ذلك الحافز، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية يتحدد نطاقها في نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبيـــــن بقوانين أو لوائح خاصـــــة الصادر بقـــــرار رئيس الجمهورية بالقانـــــون رقـــــم 14 لسنة 2014، والمادة رقم (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 14 لسنة 2014 والجدول المرافق له.



      وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه أنه مايز بين الكيميائيين والفيزيقيين والأطباء البيطريين، وبين باقى الفئات المخاطبة بنص المادة (1) من القرار بالقانون ذاته، بأن حرمهم من حافز المناطق النائية، كما أقام النص المطعون فيه، ومعه نص المادة (1) من قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 والجدول المرافق له، تفرقة غير مبررة في نسبة الحافز بين المغتربين وغير المغتربين العاملين بالمحافظات والمناطق النائية، بالمخالفة لنصوص المواد (8، 14، 18، 53) من دستور 2014.



      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الاستيثاق من توافر الأوضاع الشكلية التى يتطلبها الدستور في قانون ما يعتبر سابقًا بالضرورة على الخوض في أمر اتفاقهما أو تعارضهما مع الأحكام الموضوعية للدستور.



      وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن "الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتصلة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها، إنما يتحدد على ضوء ما قررته في شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها.



      وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، عُمل به اعتبارًا من 9/2/2014، ومن ثم فـــــإن أوضاعه الشكلية تحكمها المادة (156) من الدستور الحالـــــى الصـــــادر في 18 يناير 2014.



      وحيث إن المادة (156) من الدستور تنص على أنه "إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".



      وحيث إن مفاد نص المادة (156) من دستور 2014 أنه وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصًا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدودًا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته، ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادًا إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس النواب غير قائم، وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر معها حالة الضرورة التى تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس النواب، باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فقد تغيا بهما ألا يتحول هذا الاختصاص إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.



      وحيث إن حالة الضرورة التى يجوز بمقتضاها لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين – طبقًا للشطر الثانى من المادة (156) من الدستور - إنما ينضبط مفهومها بالتماهى مع الاحتياجات التى يوجبها صون مقومات المجتمع الأساسية، وتتقيد حدودها بالمسائل التى ترتبط بمسئولية الدولة قِبَل مواطنيها، وتلتزم تخومها بضمان سير المرافق العامة على نحو يتوخى الصالح العام، ويقارنها حتمًا الاستجابة لما تمليه الاستحقاقات الدستورية في الدولة المدنية، وذلك كله بمراعاة أن تتخذ التشريعات الصادرة في ظل حالة الضرورة من كفالة الحقوق والحريات العامة سياجًا لأهدافها، ومن سيادة القانون ملاذًا يعصمهـا من الخروج على مقتضيـــات الشرعية الدستورية. ولا يعزب عن نظر أن تَحَقُّقَ حالة الضرورة تلك، مع لزوم ما تقدم من ضماناتها، رهن بوجود واقع دستورى مؤقت، ينشأ عن كون السلطة التشريعية الأصلية غير قائمة – مهمــــا كان سبب ذلك أو مدته -، فلا يكتمل في غيبتها البناء الدستورى لنظام الحكم، بالمفهوم الموافق لأحكام الباب الخامس من الدستور، مما يستنهـض تدخلاً استثنائيًّا من رئيس الجمهورية، بإصدار قرارات بقوانين، تلازمها شرعية دستورية مؤقتة، حتى تخضع لرقابة مجلس النواب الجديد، في المواعيد وبالإجراءات المقـــــــــــررة في نص المادة (156) من الدستور، ولا يحول إقرارها منه، دون خضوعها لرقابة قضائية على دستورية الأوضاع الشكلية، والأحكام الموضوعية للقرارات بالقوانين المشار إليها، التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، طبقًا للأوضاع المقررة في قانونها، وليغدو التنظيم الدستورى لإصدار رئيس الجمهورية قرارات بقوانين – وفق السياق الفائت بيانه – محققًا الفصل بين سلطات الدولة، مقيمًا التوازن بينها، ضامنًا قوامًا ديمقراطيًّا لنظام الدولة ، وذلك على ما تجرى به أحكام المادتين (1، 5) من الدستور ذاته.



      وحيث إن البين من مطالعة تقرير لجنة الشئون الصحية والبيئية لمجلس النواب، المعقودة في 13 من يناير سنة 2016 - المنوط بها مناقشة القرار بالقانون المشار إليه - أن فلسفته وأهدافه قوامها رعاية مصالح المخاطبين بأحكامه، وقد أورد التقرير في هذا السياق ما نصه "إن بعض المهن الطبية، وعلى الأخص المهن المعاونة لها، لم تصدر بشأنها قرارات تنظيم الشئون الوظيفية لمزاولتها، كما أن الأجور والمزايا المالية التى يتلقاها أعضاء هذه المهن لا تتناسب مع أعباء مسئوليتهم، خاصة إذا ما قورنت بالأجور والمزايا المالية التى يحصل عليها أقرانهم بالقطاع الخاص أو الجهات التى ينظم شئونها قوانين ولوائح خاصة، في الوقت الذى تتضاءل فيه القيمة السوقية للأجور التى يحصلون عليها، وتزداد إغراءات العمل بالقطاع غير الحكومى سواء كان المحلى أو الخارجى، مما يقتضى إعادة النظر في المعاملة المالية لهذا القطاع من قطاعات الدولة، مما يشجع على استمرار العاملين به في البقاء بمواقعهم وعدم الاستجابة للإغراءات التى يلوح بها القطاع الخاص، لا سيما وأن السياسة العامة للدولة تتجه إلى تطوير القطاع الصحى وتحسين الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، ولن ينهض هذا القطاع إلا بتوفير الرعاية المادية والمعنوية المناسبة للعاملين الذين هم العمود الفقرى لتقديم خدمة صحية ذات جودة وفاعلية". متى كان ذلك، وكان ثبوت تدنى المعاملة المالية لأعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة، قبل صدور القرار بالقانون المشار إليه، في ظل عدم اكتمال البنيان الدستورى للدولة وقتئذ، وفى غيبة رئيس جمهورية منتخب، وعدم وجود حياة نيابية، لعدم انتخاب مجلس النواب القائم على شئون السلطة التشريعية الأصلية، فقد كان من شأن اجتماع هذه الظروف الاستثنائية التى ألمت بالبلاد ما أوجب على رئيس الجمهورية المؤقت الإسراع في إصدار القرار بالقانون المشار إليه، إيقانًا بحلول خطر جسيم هدد سير المرافق الصحية الحكومية، على نحو كان معه التراخى في مواجهته، يُعد إخلالاً من الدولة بالتزامها الدستورى بالرعاية الصحية المتكاملة للمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية لقطاع منهم بما يضمن حياة كريمة لهم. ومن ثم يكون إصدار رئيس الجمهورية المؤقت القرار بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، قد التزم ضوابط حالة الضرورة المعدودة قيدًا أوليًّا على مباشـــــــــرة رئيس الجمهورية اختصاصــــــــــــــــــــــه الاستثنائى بإصدار قرارات بقوانين. إذ كان ذلك، وكان البين أن مجلس النواب التالى في انتخابه لصدور القرار بالقانون المشار إليه، قد تمت دعوته للانعقاد للدور العادى السنوى الأول بتاريخ 10/1/2016، وذلك طبقًا لقرار رئيس الجمهورية المنتخب رقم 561 لسنة 2015، وكان هذا المجلس قد أحال بجلسته المعقودة في 12/1/2016 ذلك القرار بالقانون إلى لجنة الشئون الصحية والبيئية به، وكان المجلس ذاته قد وافق عليه بجلسته المعقودة في 19/1/2016، بما يكون معه قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وقد تم عرضه ومناقشته والموافقة عليه خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، جاء مستوفيًا للأوضاع الشكلية التالية لصدوره، على النحو الذى انتظمته أحكام المادة (156) من الدستور القائم.



      وحيث إنه عن مدى توافق النصوص التشريعية التى تحدد فيها نطاق الدعوى المعروضة، مع الضوابط الموضوعية التى حواها الدستور، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن "الأصل في السلطة التى يملكها المشرع في مجال تنظيمه الحقوق هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، منها أن هذا التنظيم ينبغى ألا يؤدى إلى إجراء تمييز تحكمى فيما بين أصحاب المراكز القانونية المتكافئة بلا أساس موضوعى يبرره".



      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن "المراكز القانونية التى يتعلق بها تطبيق مبدأ المســــــــــــاواة أمام القانون وفقًا لنص المادة (40) من دستور 1971 - المقابلة للمادة 53 من الدستور الحالى - هى تلك التى تتحدد في العناصر التى تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية – بل بوصفها عناصر أدخلها المشرع في اعتباره مرتبًا عليها أثرًا قانونيًّا، فلا يكون ترابطها إلا منشئًا لذلك المركز القانونى الذى يضمها".



     



      وحيث استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الدستور وإن قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها، فنصت عليه المواد (4، 8، 27، 38، 177) منه، وخلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، فإن مفهوم العدل – سواء بمبناه أو أبعاده – يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى، باعتبار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة في حركتها، والتى تتبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقًا لديها، فلا يكون العدل مفهومًا مطلقًا باطراد بل مرنًا متغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتمـــــــــــــــــاعى ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها بينهم إنصافًا، وإلا كان القانون منهيًّا للتوافق في مجال تنفيذه وغدا إلغاؤه لازمًا".



      وحيث اطرد قضـــــــــــــــــــاء المحكمـــــــــــة الدستورية العليا على أن "عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التى يؤديها العامل، ســـــــــــــــواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابلاً للعمل إلا بشرطين، أولهما: أن يكون متناسبًا مع الأعمال التى أداها العامل، مُقدرًا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن إنجازها وغير ذلك من العناصر الواقعية التى يتحدد على ضوئها نطاقها ووزنها. ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدًا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر، وهو ما يعنى بالضرورة ألا يكون مقدار الأجر محددًا التواءً أو انحرافًا، فلا يمتاز بعض العمال عن بعض إلا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التى يؤدونها وأهميتها، فإذا كان عملهم واحدًا، فإن الأجر المقرر لجميعهم ينبغى أن يكون متماثلاً، بما مؤداه أن قاعدة التماثل في الأجر للأعمال ذاتها تفرضها وتقتضيها موضوعية الشروط التى يتحدد الأجر في نطاقها".



      وحيث إن "ضمان الدستور للحق في الملكية – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يقتصر على صون ما يكون قائمًا منها فعلاً، وإنما تمتد حمايته إلى فرص كسبها، والأصل فيها الإطلاق، فلا يجوز تقييدها دون ما ضرورة تقتضيها مصلحة مشروعة.



      وحيث إن الدستور نص في المادة (18) على أن "تلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحى"، وعُنى بضمان توفير الرعاية الصحية لكل مواطن، وفقًا لمعايير الجودة، بحسبانها العمود الفقرى للحياة الكريمة للإنسان، فأقر ذلك حقًا لكل مواطن، يستوجب التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى على الصحة لا يقل عن 3% من إجمالى الناتج القومى، يتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وإذ كان ذلك محور اهتمام الدستور ومبتغاه، فقد أفصح الدستور عن المفترض الرئيسى لضمان بلوغ هذا الهدف، بإلقائه التزامًا على الدولة لتحسين أوضاع سائر العاملين في القطاع الصحى، قاصدًا من ذلك توفير الدعائم الأساسية لتحقيق هذا الهدف. وهكذا فقد بات تحسين أوضاعهم أحد التزامات الدولة التى ألقاها الدستور على عاتق المشرع، وسائر أجهزة الدولة، كلّ في حدود اختصاصه.



      متى كان ما تقدم، وكان نصا الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، قد قصرا صرف حافز المناطق النائية على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المبينة بنص تلك المادة، دون الأطباء البيطريين وخريجى كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين المخاطبين بأحكام القرار بالقانون ذاته، على ما جرى به نص المادة الأولى منه، فإن النصين المطعون عليهما يكونان قد أقاما تمييزًا تحكميًّا منهيًّا عنه بين أصحــــــاب مراكز قانونية ذات عناصر متكافئة، في خصوص سبب استحقـاق الحافـــز الفائت بيانــــــه، ومن ثم يغدو هذان النصان قد أخلا بمبدأى المساواة والعدل، وجاءا مصادمين للحق في العمل، ومفتئتين على حق الملكية الخاصة، مهدرين التزامًا على الدولة بتحسين أوضاع العاملين في المجال الصحى، ولازمه مخالفتهما للمواد (4، 8، 12، 18، 35، 53) من دستور سنة 2014.



      وحيث إنه نظرًا للارتباط الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بين نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه، وبين نص المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لذلك القرار بقانون، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) المار بيانهما، فمن ثم يترتب على ذلك سقوط نص المادة (15) من اللائحة التنفيذية المشار إليها في مجال تطبيق النصين المقضى بعدم دستوريتهما.



      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن "إخطار المخاطبين بالقاعدة القانونية بمضمونها يعتبر شرطًا لإنبائهم بمحتواها، وكان نفاذها من ثمَّ يفترض إعلانها من خلال نشرها، وحلول الميعاد المحدد لبدء سريانها، وكان ذلك مؤداه: أن دخول القاعدة القانونية مرحلة التنفيذ مرتبط بواقعتين تجريان معًا وتتكاملان، هما نشرها وانقضاء المدة التى حددها المشرع لبدء العمل بها.



      وحيث استقر قضاء هذه المحكمة على أن "كل قاعدة قانونية لا تكتمل في شأنها الأوضاع الشكلية التى تطلبها الدستور فيها، كتلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفادها، إنما تفقد مقوماتها باعتبارها كذلك، فلا يستقيم بنيانها، وكان تطبيقها في شأن المشمولين بحكمها – مع افتقارها لقوالبها الشكلية – لا يلتئم ومفهوم الدولة القانونية التى لا يتصور وجودها ولا مشروعية مباشرتها لسلطاتها، بعيدًا عن خضوعها للقانون وسموه عليها باعتباره قيدًا على كل تصرفاتها وأعمالها".



      وحيث إن قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 المشار إليه، قد صدر استنادًا إلى نص المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، وقرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه، وقد تضمن قواعد عامة مجردة تناولت بالتنظيم الأوضاع الخاصة لصرف حافز المناطق النائية المقرر بنص المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 سالفة البيان، كما تضمن تعديل أحكام المادة (15) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وحيث إن الثابت من كتاب الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية المؤرخ 20/7/2017، عدم نشر قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 المشار إليه بالجريدة الرسمية، فلا يكون له وجود قانونًا، لعدم اكتمال مقومات نفاذه التي اعتبر الدستور توافرها شرطًا لتنظيم الحقوق والحريات، والواجبات المتصلة بها، مما يكون معه القرار المشار إليه مخالفًا لنصى المادتين (94، 225/1) من الدستور.
فلهــذه الأسبــاب
            حكمت المحكمة:
أولاً:    بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قانون تنظيم شئون أعضاء المهن الطبية العاملين بالجهات التابعة لوزارة الصحة والسكان من غير المخاطبين بقوانين أو لوائح خاصة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014، فيما تضمناه من قصر صرف حافز مناطق نائية على المغتربين وغير المغتربين من الفئات المخاطبة بحكم المادة الأولى من قرار رئيس الجمهوريــة بالقانون المشار إليه دون الأطبـاء البيطريين وخريجي كليات العلوم من الكيميائيين والفيزيقيين.
ثانيًا:    بعدم دستورية قرار وزير الصحة والسكان رقم 575 لسنة 2014 بشأن صرف حافز مناطق نائية للمخاطبين بأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 المشار إليه.
ثالثًا:   بسقوط نص المادة (15) من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 236 لسنة 2014 بإصدار اللائحة التنفيذية لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 14 لسنة 2014 بتنظيم شئون أعضاء المهن الطبية، في مجال تطبيق نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه.


الالزام بالرسوم القضائية في حالة رفض الدعوى (رغم الاعفاء) فهم خاطئ للنص وتطبيق غير صحيح لأحكامه.

الدعوى رقم 19 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمـد عمـاد النجـار والدكتـور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا       نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 33 قضائية " دستورية ".

المقامة من
محمد عبد العزيز عطية
ضد
1 - رئيس الجمهوريــة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًا)
4- وزيــــر العــدل
5- معاون تنفيذ محكمة السويس
الإجراءات
بتاريخ الثامن من فبراير سنة 2011، أودع المدعى صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى، كان أحد العاملين بشركة مصر إيران للغزل والنسيج، وصدر قرار بفصله من عمله، فأقام، ضد الشركة، الدعوى رقم 240 لسنة 2009 عمال كلى، أمام محكمة السويس الابتدائية، طالبًا الحكم بإلغاء قرار فصله والقضاء بعودته إلى العمل، مع استحقاقه لكامل أجره لحين عودته للعمل، وتعويضه بمبلغ مائة ألف جنيه عما أصابه من أضرار. وتدوولت الدعوى أمام تلك المحكمة، وبجلسة 19/11/2009، قضت برفض الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات. وبناء على ذلك صدر أمر تقدير الرسوم النسبية ورسم الخدمات عن تلك الدعوى، بموجب المطالبة رقم 395 لسنة 2009/2010، بمبلغ 4972 جنيهًا "رسم نسبى"، ومبلغ 2483,75 جنيهًا "رسم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية"، فتظلم المدعى من تلك المطالبة، طالبًا إلغاءها، كما أقام دعوى مبتدأه للمنازعة في أساس الالتزام، قُيدت برقم 450 لسنة 2010 عمال كلى، أمام المحكمة ذاتها، وبجلسة 29/7/2010، قررت المحكمة ضم الدعوى الأخيرة إلى التظلم ليصدر فيهما حكم واحد، وحال نظرهما دفع المدعى بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، والمادتين (14و16) من قانــــون الرســــوم القضائية الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1944، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة، قاصرًا طلباته فيها على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته، وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكان المدعى قد قصر طلباته في صحيفة الدعوى المعروضة على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، دون باقي النصوص التشريعية التي دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية عنها، ومن ثم يقتصر نطاق الدعوى المعروضة على نص المادة (6) المشار إليها، دون سواها.
وحيث إن المادة (6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، تنص على أن: "تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون التي يرفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عن هؤلاء، وللمحكمة في جميع الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، ولها في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها.
وتعفى الفئات المشار إليها في الفقرة السابقة من رسم الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم، والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقًا لأحكام هذا القانون."
وحيث إن المدعى ينعى على نص هذه المادة الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، والإخلال بالحق في التقاضي؛ لتحميلها العامل عبء المصروفات القضائية بما يثقل كاهله، ويُقعد همته عن إقامة الدعاوى القضائية دفاعًا عن حقوقه .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد مباشرتها لولايتها في شأن هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. ويتحدد مفهـوم هـذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون عليه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا - اقتصاديًا أو غيره - قد لحق به، سواء أكان هذا الضرر الذى يتهدده وشيكًا، أم كان قد وقع فعلاً. ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر مباشرًا، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية لتسوية آثاره. ثانيهما : أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه. وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته الدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في دائرة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، ذلك أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها على أحكامه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعها. فإذا كان الضرر المدعى به ليس مرده إلى النص المطعون بعدم دستوريته، وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ له والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، غدت المصلحة في الدعوى الدستورية منتفية.

متى كان ذلك، وكانت رحى الخصومة في الدعوى الموضوعية تدور حول منازعة المدعى في الرسوم القضائية (النسبية) والرسم المستحق لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، الواردة بأمر تقدير الرسوم المار ذكره، دون سائر العناصر الداخلة في المصروفات، ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة يتحدد فيما نص عليه عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، من أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، دون سائر أحكام تلك المادة.
وحيث إن مدلول الرسوم القضائية لا يختلف عن مدلول المصروفات القضائية، في اشتمال كل منهما على رسم الدعوى، ورسوم الصور والشهادات والملصقات والأوراق القضائية والإدارية، وأجر نشر الإعلانات، والمصاريف الأخرى، كأمانة الخبير وبدل سفر الشهود، وغيرها مما كان لازمًا لتحقيق الدعوى أو اتخاذ إجراءات تحفظية أثناء سيرها، وأتعاب المحاماة. إلا إنه حال وجود نص قانوني يقضى بالإعفاء من الرسوم القضائية، لاعتبارات قدرها المشرع، إما لتيسير السبيل للمطالبة القضائية بما يُعتقد أنه حق، أو تقديرًا من الدولة لرفع العبء عن بعض الجهات أو الهيئات، فإن أثر هذا الإعفاء يقتصر على ما هو مستحق فقط من رسوم للدولة عند رفع الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها، باعتبار أن الرسم مبلغ من النقود تحصله الدولة جبرًا من شخص معين مقابل خدمة يؤديها له أحد مرافقها، ومن ذلك مرفق القضاء. أما ما ينفقه الخصم الآخر الذي كسب الدعوى من رسوم أو مصاريف، فإنه إعمالاً لنص المادة (184) من قانون المرافعات، يتعين إلزام خاسر الدعوى بها، وهو من رفعها أو دفعهـا بغير حق، إذ عليه أن يتحمل ما ألجأ إليه خصمه من دفع رسوم ومصروفات. وأساس الإلزام بالمصاريف أن الخصومة القضائية، كوسيلة قانونية لحماية الحق، يجب ألا يؤدى استخدامها من قبل صاحب الحق إلى إنقاص حقه بمقدار ما تحمله من نفقات في سبيل حمايته، فلا ينبغي أن يكون طلب الحق سببًا للغرم والخسران. وذلك كله، ما لم ينص القانون صراحةً على أن الإعفاء من الرسوم القضائية، يشمل ما توجبه المادة (184) من قانون المرافعات، من إلزام خاسر الدعوى بالمصاريف، ويدخل في حسابها مقابل أتعاب المحاماة.
وحيث كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، قد أعفى العاملين والصبية المتدرجين وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقين عن هؤلاء، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي عن الدعاوى التي يرفعوها متى كانت ناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام ذلك القانون. وكانت غاية المشرع من قصر الإعفاء على الرسوم القضائية، التي تؤول إلى خزانة الدولة، تمكين العمال من الولوج إلى ساحة القضاء للدفاع عن مصالحهم، غير محملين بعبء هــــذه الرسوم، واضعًا نصب عينيه تباين أوضاعهم المالية التي لا تُمكن قطاعًا كبيرًا منهم من تحمل هذا العبء المالي، وحتى لا يحول هذا العبء بين العامل وطرح دعواه على القضاء. ومن جانب آخر، فقد نص عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من ذلك القانون على أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، لينصرف حكم هذه المصروفات إلى ما ينفقه الخصم الآخر – رب العمل – الذي كسب الدعوى، من رسوم أو مصاريف جراء هذه الخصومة القضائية.

متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن أمر تقدير الرسوم محل التداعي في الدعويين الموضوعيتين، قد انصب على مطالبة قلم كتاب المحكمة للعامل (المدعى) بالرسوم القضائية النسبية، ورسم الخدمات، بعد أن قُضى برفض دعواه العمالية. وكانت تلك الرسوم محل إعفاء صريح بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، ومن ثم فإن الضرر الذي لحق بالمدعى لا يكون راجعًا إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى الفهم الخاطئ لهذا النص، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، من قبل السلطة المختصة، والذي لا يشكل عيبًا دستوريًّا، يستنهض ولاية هذه المحكمة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.