جلسة
أول من مارس سنة 1965
برياسة السيد المستشار/
عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان،
ومحمد محفوظ، ومحمد عبد الوهاب خليل.
--------------
(40)
الطعن رقم 1891 لسنة 34
القضائية
إجراءات المحاكمة. بطلان.
شهود.
مذهب الشارع في التفرقة
بين الشهادة التي تسمع بيمين وبين تلك التي تعد من قبيل الاستدلال والتي تسمع بغير
يمين يوحى بأنه يرى أن الأشخاص الذين قضى بعدم تحليفهم اليمين هم أقل ثقة ممن أوجب
عليهم حلفها ولكنه مع ذلك لم يحرم على القاضي الأخذ بالأقوال التي يدلي بها على
سبيل الاستدلال إذا أنس فيها الصدق.
المحكمة لا تملك إجبار
الشاهد على حلف اليمين أو الإدلاء بالشهادة إن رأى الامتناع عن ذلك. كل ما لها
طبقاً للمادة 284 إجراءات أن توقع عليه العقوبة المقررة فيها وأن تعفيه منها إذا
عدل من تلقاء نفسه عن امتناعه قبل إقفال باب المرافعة. امتناع شاهد النفي عن أداء
اليمين. رفض المحكمة الاستماع إلى شهادته بغير يمين. حصول ذلك في حضور الطاعن
والمدافع عنه دون أن يفصح أيهما للمحكمة عن رغبته في أن تسمع شهادته بغير يمين.
سقوط حق الطاعن في الدفع بهذا البطلان الذي يدعى وقوعه بغير حق.
---------------
الأصل أنه يجب على الشاهد
أن يكون صادقاً في شهادته، ولحمله على الصدق أوجب القانون في المادة 283/ 1 من
قانون الإجراءات الجنائية على الشهود الذين بلغت سنهم أربع عشرة سنة أن يحلفوا
يميناً قبل أداء الشهادة على أنهم يشهدون بالحق ولا يقولون إلا الحق, كما عاقب
الشارع على شهادة الزور وعلى إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء بتقديم
معلومات غير صحيحة تتعلق بالجريمة. فاستحلاف الشاهد هو من الضمانات التي شرعت
لمصلحة المتهم لما في الحلف من تذكير الشاهد بالإله القائم على كل نفس وتحذيره من
سخطه عليه إن هو قرر غير الحق ولما هو مظنون من أنه قد ينجم عن هذا الترهيب أن
يدلي الشاهد بأقوال لمصلحة المتهم قد تقع موقع القبول في نفس القاضي فيتخذها من
أسس تكوين عقيدته. إلا أنه من جهة أخرى يجوز سماع المعلومات من أشخاص لا يجوز
توجيه اليمين إليهم لكونهم غير أهل لذلك إما بسبب حداثة سنهم كالأحداث الذين لم
يبلغوا أربع عشرة سنة كاملة والمحرومين من أداء الشهادة بيمين كالمحكوم عليهم
بعقوبة جناية مدة العقوبة فإنهم لا يسمعون طبقاً للبند "ثالثاً" من
المادة 25 من قانون العقوبات إلا على سبيل الاستدلال مثلهم في ذلك ناقص الأهلية.
ومذهب الشارع في التفرقة بين الشهادة التي تسمع بيمين وبين تلك التي تعد من قبيل
الاستدلال والتي تسمع بغير يمين يوحى بأنه يرى أن الأشخاص الذين قضى بعدم تحليفهم
اليمين هم أقل ثقة ممن أوجب عليهم حلفها ولكنه مع ذلك لم يحرم على القاضي الأخذ
بالأقوال التي يدلي بها على سبيل الاستدلال إذا أنس فيها الصدق فهي عنصر من عناصر
الإثبات يقدره القاضي حسب اقتناعه وغاية ما في الأمر أن الشارع أراد أن يلفت النظر
إلى هذه الأقوال كي يكون القاضي أكثر احتياطاً في تقديرها وترك له بعد ذلك الحرية
التامة في الأخذ بها أو إطراحها. ولما كان شاهد النفي الذي امتنع عن أداء اليمين
ليس من بين الأشخاص الذين قضى الشارع بعدم تحليفهم اليمين ولا تملك المحكمة أن
تجبر الشاهد على حلف اليمين أو الإدلاء بالشهادة إن رأى الامتناع عن ذلك وكل ما
لها طبقاً للمادة 284 من قانون الإجراءات الجنائية - أن توقع عليه العقوبة المقررة
فيها وأن تعفيه منها إذا عدل من تلقاء نفسه عن امتناعه قبل إقفال باب المرافعة.
وكان الطاعن وقد وضع قدره حسب تصوره واعتقاده في يد شاهده، فهو وحده الذي كان
يستطيع تكييف موقفه من شهادة هذا الشاهد مقدراً احتمالاتها بعد أن تكشفت نيته
بالامتناع عن أداء اليمين، وكان له أن يفصح للمحكمة عن رغبته في أن تسمع شهادته
بغير يمين راضياً بقسمه منها. ولما كان الطاعن لم يتمسك بسماع أقوال شاهده على
سبيل الاستدلال، وكان الإجراء الذي اتخذته المحكمة برفضها الاستماع إلى شهادته
بغير يمين قد تم في حضور الدفاع والطاعن الذي سكت عن الاعتراض عليه وبذلك يسقط حقه
في الدفع بهذا البطلان الذي يدعى وقوعه بغير حق - ولا يقدح في هذا أن تكون المحكمة
قد أصدرت قراراً برفض سماع الشاهد المذكور إذ أن هذا القرار لا يعدو أن يكون من
الإجراءات التنظيمية لسير المحاكمة. التي لا تقيد المحكمة ولا ينغلق به الباب على
الطاعن.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعنين بأنهم في ليلة الاثنين 18 من سبتمبر سنة 1961 بدائرة مركز مطاى محافظة
المنيا: شرعوا في قتل خلف محمد أحمد ومحمد عيد سيد أحمد وشبيب أحمد علي يوسف عمداً
بأن أطلقوا عليهم أعيرة نارية من أسلحة يحملونها قاصدين قتلهم وأحدث مجهول منهم
بالمجني عليه الأول الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي تخلفت من جراء
إحداها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد إبصار العين اليسرى كلية وخاب أثر
الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه هو وتدارك المجني عليه الأول بالعلاج
وعدم إصابتهم الهدف بالنسبة للمجني عليهما الثاني والثالث - وقد اقترنت بهذه
الجناية ثلاث جنايات أخرى هي أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر: (أولاً) شرعوا
في السرقة من حقل محمد على يوسف بطريق الإكراه الواقع على الخفيرين شبيب أحمد على
يوسف ومحمد عيد سيد أحمد وحالة كونهم يحملون أسلحة نارية ظاهرة، بأن داهموا الحقل
سالف الذكر وضغط أحدهم على رأس الخفير الأول وطرحه آخر أرضاً وألقوا عليه بعض
الأجولة الفارغة ووضع ثالث بندقيته بظهره آمراً إياه بالصمت كما ضربوا الخفير
الثاني وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة الجناة فيه هو مقاومتهم وركونهم إلى
الفرار. (ثانياً) أحرزوا بغير ترخيص أسلحة نارية مششخنة وغير مشخشنة (بنادق
وفرود). (ثالثاً) أحرزوا ذخيرة (طلقات) مما تستعمل في الأسلحة سالفة الذكر دون أن
يكون مرخصاً لهم بحملها. وطلبت إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45
و46 و314/ 1 و316 من قانون العقوبات و 1/ 1 و6 و26/ 1 - 2 - 4 و30 من القانون رقم
394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدولين رقمي 2 و3
(البندين أ و ب من القسم الأول). والأمر المنطبق على المواد 45 و46 و234/ 1 - 2 من
قانون العقوبات فصدر القرار بذلك. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً بتاريخ 11
مارس سنة 1963 عملاً بالمواد 45 و46 و234/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/
1 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون 546 لسنة 1954 والجدول رقم 2
المرافق و32/ 1 عقوبات بالنسبة لجميع المتهمين وكذلك المادة 17 عقوبات بالنسبة لهم
عدا السابع وبالمادة 66 عقوبات للسابع وحده بمعاقبة كل من المتهمين جميعاً عدا
السابع بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. وبمعاقبة المتهم السابع بالحبس مع الشغل
لمدة خمس سنوات. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين من
الثاني إلى التاسع وإن قرروا بالطعن في الحكم المطعون فيه إلا أنهم لم يقدموا
أسباباً فيكون طعنهم غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من
الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الوجه الأول
من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الشروع في القتل
والشروع في السرقة بالإكراه وإحراز السلاح والذخيرة المسندة إليه قد انطوى على
إخلال بحق الدفاع ذلك بأن المحكمة لم تجب طلب الدفاع بإحالة الطاعن إلى الكشف
الطبي لإصابته بشذوذ عقلي يتمثل في ميله للكذب والتفاخر في سبيل إظهار نفسه بمظهر
العظمة على الرغم مما لهذا الدفاع من أثر في تقدير اعترافه وتحديد مسئوليته.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي
دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة تؤدي إلى ما رتبه عليها ولها أصل في
الأوراق ومنها اعتراف الطاعن في حق نفسه وحق غيره من المتهمين في الدعوى - عرض إلى
دفاع الطاعن بإصابته بجنون العظمة ورد عليه بما يفنده تأسيساً على ما استظهره من
أقواله ومسلكه في التحقيقات وظروف الواقعة وهو ما يحمل قضاءه في هذا الصدد، إذ
الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية التي يترتب عليها الإعفاء من المسئولية
الجنائية أمر يتعلق بوقائع الدعوى يفصل فيه قاضي الموضوع بما لا معقب عليه طالما
أنه يقيمه على أسباب سائغة. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة في جميع الأحوال
بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من ندب خبير لإبداء الرأي في حالة المتهم العقلية ما
دامت قد رأت أنها في غير حاجة للاستعانة برأيه في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما
بوشر فيها من تحقيقات، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه
الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على بطلان في الإجراءات أثر فيه
كما خالف القانون ذلك بأن المحكمة رفضت سماع أقوال أحد شاهدي النفي بعد أن امتنع
عن أداء اليمين وكان يتعين عليها الاستماع إليه على سبيل الاستدلال.
وحيث انه يبين من الاطلاع
على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن طلب سماع أقوال شاهدي النفي فلما استدعى أولهما
وهو محمد على يوسف امتنع عن حلف اليمين فرفضت المحكمة سماع أقواله ثم استمعت إلى
شهادة الشاهد الثاني الذي قرر بأنه يعلم أن الطاعن يكذب كثيراً ثم ترافع الدفاع
نافياً مسئولية الطاعن لميله للكذب وإصابته بجنون العظمة وانتهى إلى طلب البراءة.
لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب على الشاهد أن يكون صادقاً في شهادته، ولحمله على
الصدق أوجب القانون في المادة 283/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية على الشهود
الذين بلغت سنهم أربع عشرة سنة أن يحلفوا يميناً قبل أداء الشهادة على أنهم يشهدون
بالحق ولا يقولون إلا الحق, كما عاقب الشارع على شهادة الزور وعلى إعانة الجاني من
الفرار من وجه القضاء بتقديم معلومات غير صحيحة تتعلق بالجريمة فاستحلاف الشاهد هو
من الضمانات التي شرعت لمصلحة المتهم لما في الحلف من تذكير الشاهد بالإله القائم
على كل نفس وتحذيره من سخطه عليه إن هو قرر غير الحق ولما هو مظنون من أنه قد ينجم
عن هذا الترهيب أن يدلي الشاهد بأقوال لمصلحة المتهم قد تقع موقع القبول في نفس
القاضي فيتخذها من أسس تكوين عقيدته. إلا أنه من جهة أخرى يجوز سماع المعلومات من
أشخاص لا يجوز توجيه اليمين إليهم لكونهم غير أهل لذلك إما بسبب حداثة سنهم
كالأحداث الذين لم يبلغوا أربع عشرة سنة كاملة والمحرومين من أداء الشهادة بيمين
كالمحكوم عليهم بعقوبة جناية مدة العقوبة فإنهم لا يسمعون طبقاً للبند (ثالثاً) من
المادة 25 من قانون العقوبات إلا على سبيل الاستدلال مثلهم في ذلك ناقص الأهلية.
ومذهب الشارع في التفرقة بين الشهادة التي تسمع بيمين وبين تلك التي تعد من قبيل
الاستدلال والتي بغير يمين يوحى بأنه يرى أن الأشخاص الذين قضى بعدم تحليفهم
اليمين هم أقل ثقة ممن أوجب عليهم حلفها ولكنه مع ذلك لم يحرم على القاضي الأخذ
بالأقوال التي يدلي بها على سبيل الاستدلال إذا أنس فيها الصدق. فهي عنصر من عناصر
الإثبات يقدره القاضي حسب اقتناعه وغاية ما في الأمر أن الشارع أراد أن يلفت النظر
إلى هذه الأقوال كي يكون القاضي أكثر احتياطاً في تقديرها وترك له بعد ذلك الحرية
التامة في الأخذ بها أو إطراحها. لما كان ذلك, وكان شاهد النفي الذي امتنع عن أداء
اليمين ليس من بين الأشخاص الذين قضى الشارع بعدم تحليفهم اليمين ولا تملك المحكمة
أن تجبر الشاهد على حلف اليمين أو الإدلاء بالشهادة إن رأى الامتناع عن ذلك وكل ما
لها طبقاً للمادة 284 من قانون الإجراءات الجنائية أن توقع عليه العقوبة المقررة
فيها وأن تعفيه منها إذا عدل من تلقاء نفسه عن امتناعه قبل إقفال باب المرافعة.
لما كان ما تقدم, وكان الطاعن - وقد وضع قدره حسب تصوره واعتقاده في يد شاهده -
فهو وحده الذي كان يستطيع تكييف موقفه من شهادة هذا الشاهد مقدراً احتمالاتها بعد
أن تكشفت نيته بالامتناع عن أداء اليمين وكان له أن يفصح للمحكمة عن رغبته في أن
تسمع شهادته بغير يمين راضياً بقسمه منها. ولما كان الطاعن لم يتمسك بسماع أقوال
شاهده على سبيل الاستدلال. وكان الإجراء الذي اتخذته المحكمة برفضها الاستماع إلى
شهادته بغير يمين قد تم في حضور الدفاع والطاعن الذي سكت عن الاعتراض عليه وبذلك
يسقط حقه في الدفع بهذا البطلان الذي يدعى وقوعه بغير حق. ولا يقدح في هذا أن تكون
المحكمة قد أصدرت قراراً برفض سماع الشاهد المذكور إذ أن هذا القرار لا يعدو أن
يكون من الإجراءات التنظيمية لسير المحاكمة التي لا تقيد المحكمة ولا ينغلق به
الباب على الطاعن.
وحيث إنه لما تقدم يكون
الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.