جلسة 8 من أكتوبر سنة 2014
برئاسة السيد القاضي / أحمد عبد القوي أيوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / هاني مصطفى ، إبراهيم عوض ، محمد العشماوي نواب رئيس المحكمة وياسر كرام .
----------
(82)
الطعن 8359 لسنة 83 ق
(1) نقض " ما لا يجوز الطعن فيه من
الأحكام " " المصلحة في الطعن " " الصفة في الطعن " .
عقوبة
" الإعفاء منها " .
عدم جواز الطعن في الأحكام ممن قُضيَ له بكل طلباته . أساس ذلك ؟
معيار المصلحة في الطعن . ماهيته ؟
وجود مصلحة للطاعن
تضفي عليه الصفة في رفع الطعن . شرط لقبوله .
الطعن بالنقض على الحكم الصادر بإعفاء
الطاعنة من العقوبة . غير جائز . أساس وعلة ذلك ؟
(2) اشتراك . اتفاق .
إثبات " بوجه عام " " قرائن " . تزوير
" أوراق رسمية " . محكمة الموضوع
" سلطتها في تقدير الدليل " .
الاشتراك بالاتفاق .
يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه .
النية . من مخبآت الصدور
ودخائل النفوس التي لا تقع تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة .
للقاضي الجنائي
الاستدلال على الاتفاق بطريق الاستنتاج والقرائن . ما دام سائغاً . ما لم يقم دليل
مباشر عليه .
الاشتراك
في التزوير . يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة . كفاية اعتقاد
المحكمة حصوله من ظروف الدعوى . ما دام سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم .
مثال
.
(3)
إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود
" . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة
الأخذ بقول للشاهد أدلى به في إحدى مراحل التحقيق أو المحاكمة . ولو خالف قولاً
آخر له أبداه في مرحلة أخرى . دون بيان العلة.
تناقض
الشاهد أو تضاربه في أقواله . لا يعيب الحكم . ما دام استخلص الحقيقة من أقواله
استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه . النعي على الحكم في هذا الصدد . غير مقبول . علة
ذلك ؟
(4)
إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . أهلية .
نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة الأخذ
بأقوال الشهود متى اقتنعت بصحتها واطمأنت إلى قدرتهم على التمييز .
النعي بعدم قدرة الشاهدة على التمييز . غير جائز إثارته لأول مرة أمام
محكمة النقض .
(5)
استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض
" أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير
معيب " .
تقدير
جدية التحريات . موضوعي .
الجدل
الموضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول أمام محكمة النقض .
مثال .
(6)
دفوع " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا
يوفره " . إثبات " أوراق رسمية " .
الدفع
بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها
الحكم .
بحسب الحكم كيما يتم
تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل
جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
للمحكمة الالتفات عن
دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع
الحقيقة التي اطمأنت إليها .
(7) دستور . قانون " القانون الأصلح "
" تطبيقه ". محكمة الجنايات . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها
" .
النعي
بوجوب تطبيق المادة 77 من الدستور الجديد بوصفها أصلح للطاعن فيما تضمنته من جعل
المحاكمة في الجنايات على درجتين . غير مقبول . علة ذلك ؟
---------
1- لمَّا كَانت المادة 211 من قانون المرافعات – وهي
من كليات القانون – لا تجيز الطعن في الأحكام ممن قُضي له بكُل طلباته ، وذلك
أخذاً بقاعدة أن المصلحة مناط الدعوى وفق المادة الثالثة من القانون سالف الذكر
والتي تُطَبق حال الطعن بالنقض وعند استئناف الحُكم وكَذا ابتداءً حال إقامة
الدعوى ، ومعيار المصلحة الحقة سواء كَانت حالة أو مُحتَملة إنما تكون بكون الحُكم
المُتَخذ فيه إجراء الطعن قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته كُلها أو قضى له
ببعضها دون البعض الآخر، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن إذا ما كَان الحُكم قد صَدر وفق
طلباته أو مُحققاً لمقصوده ، وبعبارة أُخرى فإن ثبوت الحق في الطعن لا يَكفي
لقبوله ، وإنما يَلزم زيادة على ذلك توافر شروط مُبَاشرة حق الطعن وهو أن يكون
للطاعن مصلحة في إلغاء الحُكم موضوع الطعن بناءً على الأسباب التي ساقها وأوجه
الطعن التي تَقدَّم بها ، فإذا انتفت تلك المصلحة كَان الطعن غير مقبول ، ومن ثم
فإن شرط قبول الطعن هو وجود مصلحة للطاعن تضفي عليه الصفة في رفعه ، ومناط ذلك هو
ما يَدعيه الطاعن من حق ينسبه لنفسه . لمَّا كَان ذلك ، وكَانت المادة 30 من قانون
حالات وإجراءات الطعن بالنقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 لا تجيز الطعن
بالنقض في غير الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجُنح ، ومناط ذلك –
وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون الحُكم قد أضر بالطاعن حتى يَصح له أن
يَطعن فيه ، فإذا تَخلَّف هذا الشرط – كالحال في الطعن الماثل – كَان الطعن غير
جائزً باعتبار أن المصلحة مناط الطعن . لمَّا كَان ذلك ، وكَان قضاء الحُكم
المطعون فيه بإعفاء الطاعنة من العقوبة لا يُعد قد أضر بها حتى يَصح لها أن تطعن
فيه بأي وجه من الوجوه ، ومن ثم يضحى الطعن المُقدَّم منها قد قُرِّر به على غير
ذي محل ، ويَتعيَّن الحُكم بعدم جواز الطعن ، مع مُصَادرة الكفالة ، وتغريمها
مبلغاً مُساوياً لها .
2- لما كان الاشتراك بالاتفاق إنما يَتكوَّن من اتحاد نية الفاعل والشريك
على ارتكاب الفعل المُتَفق عليه وهذه النية من مُخبآت الصدور ودخائل النفس
التي لا تَقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم
على الاتفاق دليل مُباشر أن يَستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم
لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يُبرِّره ، ومن المُقرَّر
أن الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو
أعمال مادية محسوسة يُمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم يكفي
لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها سائغاً تُبرِّره الوقائع التي أثبتها الحُكم ،
وكَان الحُكم المطعون فيه في سرده لوقائع الدعوى وأدلتها قد أورد من الأدلة
القولية والفنية ما يَكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن في ارتكاب
جريمتي التزوير في مُحررين رسميين واستعمالهما ، فإن هذا حسبه
ليستقيم قضاؤه ، وذلك فضلاً عن أن الحُكم المطعون فيه عَرض لدفاع الطاعن في هذا
الشأن واطرحه في منطق سائغ ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحُكم بقالة
القصور في التسبيب في هذا الشأن يكون غير قويم .
3- من المُقرَّر أن للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقول للشاهد
أدلى به في إحدى مراحل التحقيق أو المُحَاكمة ولو خالف قولاً آخر له أبداه في
مرحلة أُخرى دون أن تُبيِّن العلة إذ المرجع في ذلك إلى ما تَقتنع به ويطمئن إليه
وجدانها ، وكَان تنَاقُض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحُكم ما دامت
المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تنَاقُض فيه –
كالحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً ،
لِمَا فيه من مُصَادرة لحُرية محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتكوين مُعتقدها
في الدعوى .
4- لمَّا كَان لمحكمة الموضوع أن تُكوّن عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة
وعناصر في الدعوى ولها أن تأخذ بأقوال الشهود متى اقتنعت بصحتها واطمأنت إلى
قدرتهم في التمييز وكَانت المحكمة قد رَكنت إلى أقوال/ .... وأخذت من إقرارها
باصطحاب الطاعن لها إلى السجل المدني مُدعياً استخراج بطاقة وجواز سفر لها
مُستغلاً أُميتها وكبر سنها ، وكَان الطاعن على ما يبين من محاضر جلسات المُحَاكمة
لم يثر شيئاً عن قُدرة تلك الشاهدة على التمييز فليس له أن يثير ذلك لأول مرة أمام
محكمة النقض .
5- لما كَان تقدير جدية التحريات من المسائل الموضوعية التي تَستقل بها محكمة الموضوع ، فإن المُجَادلة في تعويل الحُكم على أقوال العقيد/ ....
التي استقاها من تحرياته بدعوى أنها مكتبية وعدم توصلها للمجهول الذي اصطحب والدته
ومُخالفتها للمُستَند المُقدَّم بشأن سوابقه أو أنها ترديد لأقوال المُتَهمة الأولى –
كُل أولئك – لا ينال من صحتها فإن منعى الطاعن في هذا الشأن – بفرض صحته – يكون غير قويم ،
ويَتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل لا يُقبل أمام محكمة النقض ، هذا
إلى أن الحُكم عَرض لدفع الطاعن بشأن عدم جدية التحريات واطرحه برد سائغ .
6- لما كان ما يثيره الطاعن بشأن المُتَهمة الأولى وبعدم ارتكابه الجريمة لا
يعدو أن يكون دفاعاً بنفي التُهمة ، وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل
رداً طالما كَان الرد عليها مُستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم – كما هو
الحال في الدعوى – وبحسب الحُكم كيما يتم تدليله ويَستقيم قضاؤه أن يُورد الأدلة المُنتجة
التي صَحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المُسندة إلى المُتَهم ولا عليه أن يَتعقبه في كُل جُزئية من جُزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها
أنه اطرحها ، وكَان من المُقرَّر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق
رسمية ما دام يَصح في العقل أن يكون غير مُلتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها
المحكمة ، فإن النعي على الحُكم بأنه لم يعرض للمُستندات المُقدَّمة منه والتي
تنفي الاتهام عنه يكون في غير محله .
7- لمَّا كَان ما يثيره الطاعن بشأن الدستور الجديد فيما تَضمنه من جعل
المُحَاكمة في الجنايات على درجتين مما يبيح له التقرير بالاستئناف على الحُكم
الصادر قِبَله فمردود بأن ما تَضمَّنه الدستور في هذا الشأن لا يُفيد وجوب تطبيق
هذا التعديل إلا باستجابة المُشرع والتَدخُل منه لإفراغ ما تضمنه في نص تشريعي
محدد ومنضبط ينقله إلى مجال العمل والتنفيذ يلتزم الكافة بمقتضاه بدءاً من التاريخ
الذي تُحدده السُلطة التشريعية لسريان أحكامه ، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي
على الحُكم بالخطأ في تطبيق القانون لا سند له .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابـة العامـة الطاعنين
بأنهما :ــــ أولا : اشتركا بطريق الاتفاق فيما بينهما وبطريق المُسَاعدة
مع موظفين عموميين وأُخرى حسنة النية هم المُختصون بالسجل المدني والجوازات بــ
.... ، ووالدة المُتَهم الثاني .... في ارتكاب تزوير في مُحررين رسميين منسوب
صدورهما للجهتين سالفتي البيان هما
"بطاقة تحقيق شخصية وجواز سفر" بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة
حال تحريرها المُختص بوظيفته بأن اتفقا على تزويرهما وأمدَّت المُتَهمة الأولى
المُتَهم الثاني بالبيانات اللازمة وقام الثاني باصطحاب والدته سالفة البيان أمام
الموظفين المُختصين على أنها المجني عليها/ .... واستخرج المُستندين سالفي الذكر
ونسبهما زوراً للأخيرة فتمت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المُسَاعدة . ثانيا
: استعملا المُحررين المُزورين فيما زُورا من أجله بأن قدَّماهما للجهتين
سالفتي البيان مع علمهما بذلك . ثالثا : توصَّلا بطريق الاحتيال إلى
الاستيلاء على نقود المجني عليها / .... ، بأن أوهماها على قدرتهما على تجديد جواز
سفر والدة المجني عليها مقابل مبلغ مالي ، وتَمكَّنا بتلك الوسيلة من الاستيلاء
على أموالها على النحو المُبيَّن بالتحقيقات .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمُحَاكمتهما وفقاً
للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة
المذكورة قَضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانياً ، ثالثاً ، 41/1 ، 211 ، 212 ، 214 ، 217
من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 32 من القانون ذاته ، وكذا المادة 210 من القانون ذاته وذلك بالنسبة
للمُتَهمة الأولى ، بمعاقبتهما بالسجن المُشدد لمُدة ثلاث سنوات، ومُصَادرة
المُحررات المُزورة ، وأعفت المُتَهمة الأولى من العقوبة، وذلك بعد أن التفتت
المحكمة عن الاتهام الثالث المُسند إليهما.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم
بطريق النقض ... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـــة
أولاً : عن
الطعن المُقدَّم من الطاعنة الأولى / .... :
من حيث إنه
لمَّا كَانت المادة 211 من قانون المرافعات – وهي من كليات القانون – لا تجيز
الطعن في الأحكام ممن قُضي له بكُل طلباته ، وذلك أخذاً بقاعدة أن المصلحة مناط الدعوى
وفق المادة الثالثة من القانون سالف الذكر والتي تُطَبق حال الطعن بالنقض وعند
استئناف الحُكم وكَذا ابتداءً حال إقامة الدعوى ، ومعيار المصلحة الحقة سواء كَانت
حالة أو مُحتَملة إنما تكون بكون الحُكم المُتَخذ فيه إجراء الطعن قد أضر بالطاعن
حين قضى برفض طلباته كُلها أو قضى له ببعضها دون البعض الآخر ، ومن ثم فلا مصلحة
للطاعن إذا ما كَان الحُكم قد صَدر وفق طلباته أو مُحققاً لمقصوده ، وبعبارة أُخرى
فإن ثبوت الحق في الطعن لا يَكفي لقبوله ، وإنما يَلزم زيادة على ذلك توافر شروط
مُبَاشرة حق الطعن وهو أن يكون للطاعن مصلحة في إلغاء الحُكم موضوع الطعن بناءً
على الأسباب التي ساقها وأوجه الطعن التي تَقدَّم بها ، فإذا انتفت تلك المصلحة كَان
الطعن غير مقبول ، ومن ثم فإن شرط قبول الطعن هو وجود مصلحة للطاعن تضفي عليه
الصفة في رفعه ، ومناط ذلك هو ما يَدعيه الطاعن من حق ينسبه لنفسه . لمَّا كَان ذلك ، وكَانت المادة 30 من
قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 لا تجيز
الطعن بالنقض في غير الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجُنح ، ومناط
ذلك – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون الحُكم قد أضر بالطاعن حتى يَصح
له أن يَطعن فيه ، فإذا تَخلَّف هذا الشرط – كالحال في الطعن الماثل – كَان الطعن غير جائزً باعتبار أن المصلحة مناط الطعن .
لمَّا كَان ذلك ، وكَان قضاء الحُكم المطعون فيه بإعفاء الطاعنة من العقوبة
لا يُعد قد أضر بها حتى يَصح لها أن تطعن فيه بأي وجه من الوجوه ، ومن ثم يضحى
الطعن المُقدَّم منها قد قُرِّر به على غير ذي محل ، ويَتعيَّن الحُكم بعدم جواز
الطعن ، مع مُصَادرة الكفالة ، وتغريمها مبلغاً مُساوياً لها .
ثانياً : عن
الطعن المُقدَّم من الطاعن الثاني / .... :
ومن حيث إن
الطاعن ينعى على الحُكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك في تزوير مُحررين رسميين ، واستعمالهما مع علمه بذلك
قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في تطبيق
القانون ذلك أنه دانه بالجريمتين المُسنَدتين إليه رغم قيام دفاعه على خلو الأوراق
من ثمة دليل على اشتراكه فيهما ، وتساند في إدانته إلى أقوال الشاهدتين الأولى
والثانية مع تنَاقُض أقوال الشاهدة الأولى في مراحل الدعوى المُختَلفة ، وكون
الثانية فاقدة الأهلية لمرض أصابها ، كما عَوَّل على تحريات الشرطة وأقوال مُجريها
في حين أنه دفع بعدم جديتها - لشواهد عددها بأسباب طعنه – هـذا إلى أن
المحكمة لــم تَــعرض للمستندات المُقدَّمة منه والتي تنفي الاتهام عنه وتقطع في اتهام المُتَهمة الأُخرى ،
وأخيراً فإن المادة 77 من الدستور الجديد تُعد أصلح له مما يستوجب تطبيقها ، كُل
ذلك يعيب الحُكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحُكم المطعون فيه بيَّن
واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعن
بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مُستَمدة من أقوال شهود الإثبات وإقراري
المُتَهمة الأولى و.... والدة الطاعن ، ومن تحريات الشرطة وهي أدلة سائغة تُؤدي
إلى ما رَتَّبه الحُكم عليها . لمَّا كَان ذلك ، وكَان الاشتراك بالاتفاق إنما
يَتكوَّن من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المُتَفق عليه وهذه
النية من مُخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تَقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات
ظاهرة ، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مُباشر أن يَستدل على ذلك
بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف
الدعوى ما يُبرِّره ، ومن المُقرَّر أن الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر
خارجية أو أعمال مادية محسوسة يُمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم يكفي لثبوته أن
تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها
سائغاً تُبرِّره الوقائع التي أثبتها الحُكم ، وكَان الحُكم المطعون فيه في سرده
لوقائع الدعوى وأدلتها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يَكشف عن اعتقاد
المحكمة باشتراك الطاعن في ارتكاب جريمتي التزوير في مُحررين رسميين واستعمالهما ،
فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه ، وذلك فضلاً عن
أن الحُكم المطعون فيه عَرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن واطرحه في منطق سائغ ،
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن نعياً على الحُكم بقالة القصور في التسبيب في هذا
الشأن يكون غير قويم . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن للمحكمة في سبيل
تكوين عقيدتها أن تأخذ بقول للشاهد أدلى به في إحدى مراحل التحقيق أو المُحَاكمة
ولو خالف قولاً آخر له أبداه في مرحلة أُخرى دون أن تُبيِّن العلة إذ المرجع في ذلك إلى ما تَقتنع به ويطمئن إليه وجدانها ، وكَان
تنَاقُض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحُكم ما دامت المحكمة قد
استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً بما لا تنَاقُض فيه – كالحال في
الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً ، لِمَا فيه
من مُصَادرة لحُرية محكمة الموضوع في وزن أقوال الشهود وتكوين مُعتقدها في الدعوى
. لمَّا كَان ذلك ، وكَان لمحكمة الموضوع أن تُكوّن عقيدتها مما تطمئن إليه من
أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تأخذ بأقوال الشهود متى اقتنعت بصحتها واطمأنت إلى قدرتهم في التمييز وكَانت المحكمة
قد رَكنت إلى أقوال/ .... وأخذت من إقرارها باصطحاب الطاعن لها إلى السجل المدني مُدعياً استخراج بطاقة
وجواز سفر لها مُستغلاً أُميتها وكبر سنها ، وكَان الطاعن على ما يبين من محاضر
جلسات المُحَاكمة لم يثر شيئاً عن قُدرة تلك الشاهدة على التمييز فليس له أن يثير
ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان تقدير جدية التحريات من
المسائل الموضوعية التي تَستقل بها محكمة الموضوع ، فإن المُجَادلة في تعويل
الحُكم على أقوال العقيد/ .... التي استقاها من تحرياته بدعوى أنها مكتبية وعدم
توصلها للمجهول الذي اصطحب والدته ومُخالفتها للمُستَند المُقدَّم بشأن سوابقه أو
أنها ترديد لأقوال المُتَهمة الأولى – كُل أولئك – لا ينال من صحتها فإن منعى الطاعن في هذا الشأن – بفرض صحته – يكون غير قويم
، ويَتمخض جدلاً موضوعياً في تقدير
الدليل لا يُقبل أمام محكمة النقض ، هذا إلى أن الحُكم عَرض لدفع الطاعن بشأن عدم
جدية التحريات واطرحه برد سائغ . لمَّا كَان ذلك ، وكَان ما يثيره الطاعن بشأن المُتَهمة الأولى وبعدم ارتكابه الجريمة لا يعدو أن
يكون دفاعاً بنفي التُهمة وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما
كَان الرد عليها مُستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحُكم – كما هو الحال في
الدعوى – وبحسب الحُكم كيما يتم تدليله ويَستقيم قضاؤه أن يُورد الأدلة المُنتجة
التي صَحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المُسندة إلى المُتَهم ولا عليه أن
يَتعقبه في كُل جُزئية من جُزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، وكَان
من المُقرَّر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام
يَصح في العقل أن يكون غير مُلتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة ، فإن
النعي على الحُكم بأنه لم يعرض للمُستندات المُقدَّمة منه والتي تنفي الاتهام عنه
يكون في غير محله . لمَّا كَان ذلك ، وكَان ما يثيره الطاعن بشأن الدستور الجديد
فيما تَضمنه من جعل المُحَاكمة في الجنايات على درجتين مما يبيح له التقرير
بالاستئناف على الحُكم الصادر قِبَله فمردود بأن ما تَضمَّنه الدستور في هذا الشأن
لا يُفيد وجوب تطبيق هذا التعديل إلا باستجابة المُشرع والتَدخُل منه لإفراغ ما
تضمنه في نص تشريعي محدد ومنضبط ينقله إلى مجال العمل والتنفيذ يلتزم الكافة
بمقتضاه بدءاً من التاريخ الذي تُحدده
السُلطة التشريعية لسريان أحكامه ، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي على الحُكم بالخطأ في تطبيق القانون لا سند له . لمَّا
كَان ما تَقدَّم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مُتعيّناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ