باسم الشعب
محكمـــة
النقــــــض
الدائــرة
الجنائيـة
دائرة الاثنين
(ب)
المؤلفة برئاسة
السيد المستشار / مصطفى كامــــــل نائب رئيس المحكمــــة
وعضوية السادة المستشارين / بهيـــج القصبجـــى وجاب الله محمــــــد
وهانــــى حنــــا ومحمـــد هلالـــى
نواب رئيس المحكمــة
وحضور رئيس النيابة
العامة لدى محكمة النقض السيد/ جمال عبد المنعم .
وأمين السر السيد / حسام الدين أحمد .
فى الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالى بمدينة
القاهرة .
فى يوم الاثنين 6 من ذى الحجة سنة
1430
هـ الموافق 23
من نوفمبر
سنة 2009 م .
أصدرت
الحكم الآتى :
فـى الطعن المقيد فى
جدول المحكمة
برقم 9987
لسنة 78
القضائية .
المرفوع مــــــن :
........... المحكوم
عليهما
ضــد
النيابــة العامــــة
"
الوقائــع "
اتهمت النيابة العامة الطاعنين فى قضية الجناية رقم 6972 لسنـة 2008 قسم ثانى أسيوط
(المقيدة بالجدول الكلى برقم 1598 لسنة 2008) بوصف أنهما فى غضون
الفترة من عام 2005 وحتى الأول من يوليه سنة 2007 بدائرة قسم ثانى أسيوط ـ
محافظة أسيوط . أولاً :ـ المتهم الأول :ـ 1ـ بصفته موظفاً عمومياً " مدير عام
تموين حى شرق أسيوط " ـ طلب وأخذ لنفسه عطية للإخلال بواجبات وظيفته من
المتهم الثانى مبلغ ثلاثمائة جنيه ـ على سبيل الرشوة مقابل إصدار ستة خطابات رسمية
منسوبة لجهة عمله وموجهة لمحكمة أسيوط الجزئية أثبت فيها على خلاف الحقيقة أن
المتهم الثانى لم يرتكب المخالفات المسندة إليه فى القضايا أرقام 4876 لسنة 2007 ،
12046 لسنة 2005 ، 875 لسنة 2006 ، 977 لسنة 2006 ، 1864 لسنة 2006 ، 4342 لسنة
2007 جنح قسم ثانى أسيوط . 2ـ بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً فى محررات رسمية
بأن وقع على الخطابات موضوع الإتهام السابق ومهرها بخاتم الإدارة جهة عمله والثابت
بها على خلاف الحقيقة أن المتهم الثانى لم يرتكب المخالفات المسندة إليه فى
القضايا سالفة الذكر . 3ـ اشترك بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهم الثانى فى
استعمال المحررات الرسمية المزورة سالفة الذكر بأن سلمها له لتقديمها لمحكمة أسيوط
الجزئية مع علمه بتزويرها .
ثانيا : المتهم الثانى 1ـ قدم رشوة لموظف عام " المتهم الأول "
للإخلال بواجبات وظيفته مبلغ ثلاثمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل توقيعه على
الخطابات المزورة موضوع الإتهامات السابقة ومهرها بخاتم الإدارة جهة عمله . 2ـ
اشترك بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى تزوير محررات رسمية بأن قام
بكتابة صلب الستة خطابات المزورة موضوع الإتهامات سالفة الذكر فتمت الجريمة بناء
على ذلك الإتفاق وتلك المساعدة . 3ـ استعمل محررات رسمية مزورة فيما أعدت من اجله
بأن قدم الخطابات الرسمية موضوع الإتهامات السابقة فى القضايا المذكورة لمحكمة
أسيوط الجزئية .
وأحالتهما
إلى محكمة جنايات أسيوط لمحاكمتهما
طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً فى 9 من أكتوبر سنـة 2008 عملاً بالمـواد 40 و 41/1 ،2 و 103 و 104 و 211 و 213
و 214 من قانون العقوبات مع إعمال المواد 17و 32 و 107 مكرراً من قانون العقوبات
بمعاقبة الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ ألفى جنيه وبمعاقبة الثانى بالحبس
مع الشغل لمدة سنة عن التهمتين الثانية والثالثة وإعفائه من العقاب عن التهمة
الأولـى ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة .
فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض فى 9 من أكتوبر
سنة 2008 وقدمت ثلاث مذكرات بأسباب الطعن الأولى والثانية عن المحكوم عليه الأول فى 17 من نوفمبر و 4 من ديسمبر سنة 2008 موقعاً
عليها من الأستاذ/ ..... و...... المحامين والثالثة عن المحكوم عليه الثانى فى 3
من ديسمبر سنة 2008 موقعاً عليها من الأستاذ / .... المحامى .
وبجلسة اليوم سمعت المحكمة
المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
المحكمــة
بعد
الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة
وبعد المداولة .
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون
أولاً : الطعن المقدم من المحكوم عليه / ......... .
حيث إن
الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم طلب واخذ رشوة للإخلال
بواجب من واجبات وظيفته والتزوير فى محررات رسمية والاشتراك فى استعمالها مع العلم
بتزويرها ، قد شابه التناقض والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال وانطوى على
الإخلال بحق الدفاع والخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق ، ذلك انه لم
يدلل سائغاً على اتفاقه والطاعن الثانى على ارتكاب الجرائم المسندة إليهما وعلى
توافر ركن الطلب فى جريمة طلـب وأخذ رشوة التى دانه بها رغم أن دفاعه قام على
المنازعة فى توافره ، وأن تلك الجريمة فاقدة الأركان لعدم توافر ركنى القصد
الجنائى وعلاقة السببية بين العطية والإخلال بالعمل ، بدلالة إبلاغه مفتش التموين
لتحرير محاضر ضد الطاعن الثانى ، كما أنه وبفرض حصوله على مقابل الرشوة فإنه
بالنظر لتفاهة ذلك المبلغ فإنه لا يعدو وأن يكون هدية ، هذا فضلاً عن خلو الأوراق
من تسجيلات أو لقاءات لجريمة الرشوة أو شاهد رؤيا ، وأطرح بما لا يصلح دفاعه بإنحصار
اختصاصه عن العمل المنسوب إليه القيام به وهو إصدار الخطابات موضوع الرشوة
والتزوير ، بدلالة ما شاب أقوال كلاً من مدير عام شئون التموين ومدير مديرية
التموين من تناقض فى شأن تحديد اختصاصه الوظيفى مع ما ثبت من كتاب مديرية التموين
والتجارة فى هذا الخصوص ، ولم يعن بتحقيقه بالاستعلام من الجهة المختصة فى هذا
الصدد ، وفوق ذلك فإن دفاعه قام على عدم توافر جريمة التزوير لعدم صلاحية المحررات
المضبوطة للاحتجاج بها لعدم توافر شرائط صحتها إذ يلزم إعتمادها بعد مراجعتها من
مدير مديرية التموين ، ودانه بتلك الجريمة دون أن يستظهر توافر القصد الجنائى فى
حقه ويدلل على توافره برغم إنتفاء علمه بتزوير تلك المحررات ، كما لم يفطن إلى
القرائن التى سيقت للتدليل على دفاعه فى هذا الصدد ، كما لم يستظهر أيضاً صفة
الموظف العام فى حقه واختصاصه بتحرير المحررات محل التزوير ، لا سيما وأن مفاد
أقوال مدير مديرية التموين تؤكد أن الخطابات موضوع التزوير قبل توقيعه لا تعدو أن
تكون مشروع إعداد خطابات بما تنتفى معه جريمة التزوير والاستعمال فى حقه ، وعول
على اعتراف الطاعن الثانى بتحقيقات النيابة العامة ، بالرغم من دفع الطاعن
ببطلانها ، لكونها وليدة إكراه ووعد وإغراء من ضابط الرقابة الإدارية بإعفائه من
العقاب ، ملتفتاً عن دفعه فى هذا الخصوص ، وعلى الرغم من انه لا يصح الأخذ باعتراف
متهم على متهم أخر ، كما أوردت المحكمة بمحضر الجلسة فى عبارة واحدة ـ أن الطاعن
الثانى إعترف ـ دون أن تبين مضمون ذلك
الاعتراف فى بيان واف بالمخالفة للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ، بما كان
يتعين معه على المحكمة مناقشته تفصيلاً فى ذلك الاعتراف للوقوف على مدى توافر شروط
الإعفاء المنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ، وتساند الحكم إلى
تحريات الرقابة الإدارية رغم دفاعه بعدم جديتها لكونها مكتبية إستقاها محررها من
اعتراف الطاعن الثانى ، بدلالة أنها لم تتوصل لمعرفة إتفاق الطاعنين المزعوم أو أسماء
أصحاب المخابز التى كان الطاعن يتقاضى منهم مبالغ على سبيل الرشوة ، فضلاً عن أنها
لا تصلح بذاتها دليلاً على الإدانة بيد أن الحكم أطرح ذلك الدفع برد قاصر ، كما
أورد أن المحكمة إطلعت على الأحكام المقدم فيها المحررات المزورة واثبت أنها صادرة
بالبراءة حال أن تلك الأحكام غير مضمومة بدلالة ان الجنح أرقام 12046 لسنة 2005 ،
875 ، 1861 لسنة 2006 جنح قسم ثان أسيوط ، صادرة بالإدانة ، ولم تقم النيابة
العامة بالاطلاع عليها كذلك ، والتفت عن دفاعه بإنتفاء صلته بالواقعة وأن تلك
المحررات دست عليه فى غفلة منه وأن الطاعن الثانى مرتكب الجريمة وحده ، بدلالة
تحرير المستنـدات بخطه ، ودون أن يعرض له بتحقيقه عن طريق المختص فنياً وسماع
الشهود ، وأعمل الحكم فى حق الطاعن الثانى المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبه
بعقوبة جريمة الرشوة بوصفها الجريمة الأشد رغم إعفاؤه من العقاب عنها ، مما ينبئ
عن اضطراب صورة الواقعة لدى المحكمة وتناقضها فى حقه ، وأخيراً فإن المحكمة قامت
بفض الحرز دون أن تبين بيانات المحررات
محل التزوير ومدى وضوح التزوير فيها ، كل هذا مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم
المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى فى قوله " أنه فى غضون الفترة من عام 2005
وحتى 1/7/2007 طلب المتهم / ...... مدير عام إدارة تموين حى شرق أسيوط وأخذ لنفسه
من المتهم / ...... صاحب مستودع بوتجاز مبلغ ثلاثمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل
إصداره ستة خطابات رسمية مزورة منسوب صدورها لإدارة تموين حى شرق أسيوط وموقعة منه
وممهورة بخاتمها وموجهة إلى محكمة أسيوط الجزئية اثبت فيها على خلاف الحقيقة أن
المتهم الثانى لم يرتكب المخالفات المسندة إليه فى القضايا أرقام 4876 لسنة 2007 ،
12046 لسنة 2005 ، 875 لسنة 2006 ، 977 لسنة 2006 ، 1864 لسنة 2006 ، 4342 لسنة
2007 جنح قسم ثان أسيوط وقام بتسليمها إليه مع علمهما بتزويرها وقد إعتـرف المتهم
الثانى بذلك وأيدته تحريات / .... عضو هيئة الرقابة الإدارية بأسيوط وتقرير إدارة
أبحاث التزييف والتزوير والإطلاع على القضايا آنفة الذكر فى الأحكام الصادرة فيها
" . فإنه يكون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
للجرئم التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه ـ على النحو السالف بيانه ـ
أدلة إستمدها من اعتراف المتهم الثانى ... وما شهد به كل من ... عضو هيئة الرقابة
الإدارية بأسيوط و.... مدير مديرية التموين بأسيوط وما أثبته الإطلاع على القضايا
سالفة البيان وتقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بشأن فحص الخطابات الست المزورة
صلباً وتوقيعاً وخاتماً ، وهى أدلة سائغة أورد مضمونها وفحواها ومفادها فى بيان
كاف وواف ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان القانون
لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف
التى وقعت فيها بل يكفى أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً فى تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ـ كما هو الحال فى الدعوى ـ ومن ثم فإن
ما يثيره الطاعن فى هذا المنحى لا يكون له محل.لما كان ذلك،وكان لمحكمة الموضوع أن
تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه إقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى
ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى
الأوراق ، وإنها لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه
قضاءها من بعد اطمئنانها إليها،وأن تناقض الشاهد وتضاربه فى أقواله أو مع أقوال
غيره لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقــوال
إستخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه ، ذلك أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى
يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها
من شبهات كل ذلك مرجعه إلي محكمة الموضوع تنزلة المنزلة التي تراها وتقدره التقدير
الذى تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع
الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكانت المحكمة ـ فى
الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى
هذا الصدد لا يكون سليماً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى
الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه
يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال
بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف
والملابسات التى صاحبت العمل أو الإمتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم
المطعون فيه قد دلل على أن المبلغ الذى قدم للطاعن الأول من الطاعن الثانى مقابل
إعطاء الأخير خطابات وإفادات موقعة من الطاعن ومختومة بخاتم جهة عمله تفيد عدم
ارتكاب الطاعن الثانى للمخالفات المسندة إليه فى القضايا المحررة قبله للحصول على
أحكام بالبراءة ، وهو ما يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد
الجنائى،ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذا الشأن يكون غير سديد.لما كـان ذلك،
وكان نص المادة 104 من قانون العقوبات على عقاب الموظف إذا طلب لنفسه أو لغيره أو
قبل أو اخذ وعداً أو عطية للإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها
أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك ، يستوى الحال أن يكون العطاء سابقاً أو
معاصراً للإمتناع أو الإخلال أو أن يكون لاحقاً عليه ، ما دام الإمتناع أو الإخلال
كان تنفيذاً لاتفاق سابق،إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ
بداية الأمر بدلالة تعمد الإخلال بواجباتها،فإذا كان الحكم قد ربط علاقة السببية
بين تحرير الخطابات والإفادات الموقعة من الطاعن والمختومة بخاتم جهة عمله والتى
تفيد عدم ارتكاب الطاعن الثانى للمخالفات المسندة إليه فى القضايا المحررة قبله
وبين الإخلال بواجبات الوظيفة العامة، مما يفيد أن عرض الرشوة أنما كان متفقاً عليه
من قبل ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون عديم الجدوى . لما كان ذلك ،
وكان من المقرر أنه لا يشترط فى القانون شيئاً من التناسب بين قيمة مقابل الرشوة
وأهمية العمل الوظيفى ، ما دام تقديم هذه العطية يخل بثقة جمهور الناس فى نزاهة
الوظيفة العامة ولم يبلغ درجة من الضآلة تنتفى عنه صفة المقابل فى الرشوة، ومن ثم
فإن ما يثيره الطاعن فى هذا المنحى يضحى تأويلاً غير صحيـح فى القانون . لما كان
ذلك ، وكان القانون لم يجعل لإثبات جريمة الرشوة طريقاً خاصاً ، ما دامت المحكمة
قد اطمأنت من الأدلة السائغة التى أوردتها إلى ثبوت الجريمة ، فإن نعى الطاعن بخلو
الأوراق من تسجيلات أو لقاءات أو شاهد رؤيا ، يكون على غير سند . لما كان ذلك ،
وكان نص الشارع فى المادة 104 من قانون العقوبات التى عددت صور الرشوة على الإخلال
بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن فى حكمه
بإمتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة ، وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد ، بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب
كل عيب يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعوق
من واجبات أدائها على الوجه السوى الذى يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم ،
وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً
عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التى تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث
يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام
به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذى عناه الشارع فى النص ، فإذا تقاضى
الموظف جعلاً عن هذا الإخلال كان فعله ارتشاء وليس من الضرورى فى جريمة الرشوة ان
تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن
يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشى قد اتجر معه
على هذا الأساس ، كما لا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذى عرضت
عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون
له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة . لما كان ذلك ، وكان
توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب
الرشوة من أجله هو من الأمور الموضوعية التى يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير
معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت فى الأوراق ، وكان الحكم
المطعون فيه ـ بعد أن أورد بعض التقريرات القانونية ـ قد استظهر اختصاص الطاعن
بصفته مدير إدارة تموين حى شرق أسيوط بإستخراج الخطابات والإفادات التى تفيد عدم ارتكاب
الطاعن الثانى للمخالفات المسندة إليه فى القضايا المحررة قبله فى قوله " ...
فالمتهم طلب مبلغ الرشوة وأخذه بصفته المختص والمنوط به تحرير الخطابات المزورة
رداً على المحاضر المحررة بالمخالفات المنسوبة إلى الراشى من مفتش إدارته ولا يقلل
من هذا الاختصاص كون تلك الإفادات تستوجب إعتمادها من مديرية التموين والتجارة
بأسيوط والشئون القانونية بها فلا يشترط فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو
والذى طلب واقعة الرشوة هو وحده المختص بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن
يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما بتنفيذ الغرض من الرشوة فإذا ما منح المتهم
الأول خطابات أو إفادات موقعة منه ومختومة بخاتم جهة عمله تفيد عدم ارتكاب المتهم
الثانى للمخالفات المسندة إليه فى القضايا المحررة قبله للحصول على أحكام من
المحاكم المختصة بالبراءة يكون قد قصد الغرض من جريمة طلب وأخذ الرشوة بعد أن
قدمها إليه المتهم الثانى الراشى تكون أركان تلك الجريمة قد توافرت فى حق المتهمين
كاملة وتعين إنزال العقاب عنها " . وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى هذا
الخصوص يتحقق به قدر من الاختصاص يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، كما
استظهر الحكم المطعون فيه إخلال الطاعن بواجبات الوظيفة اطمئناناً إلى ما أثبتته
المحكمة من الوقائع والأدلة التى اعتمدت عليها فى حكمها ودان الطاعن على هذا
الاعتبار ، فإنه يكون قد طبق القانون على
واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ويستقيم به الرد على دفاع الطاعن فى هذا الخصوص . لما
كان ذلك ، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن قد طلب من المحكمة إجراء
تحقيق عن طريق المختص فنياً أو الإستعلام من وزارة التموين والتجارة وسؤال
المختصين عن الاختصاص الوظيفى له أو إجراء تحقيقاً معيناً فى شأن ذلك ، كما لا
يبين من محاضر جلسات المحاكمة أيضاً أن الطاعن طلب إلى المحكمة ضم الجنح أرقام 12046
لسنة 2005 ، 875 ، 1861 لسنة 2006 جنح قسم ثان أسيوط تحقيقاً لدفاعه ـ فليس له أن
ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق او إتخاذ إجراء لم يطلبه منها ولم تر هى
حاجة إليه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة من ادلة الإثبات التى اطمانت إليها ووثقت
فيها وعولت عليها فى قضائها ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً . لما
كان ذلك ، وكان من المقرر انه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن
من أركان جريمة التزوير ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، ويتحقق القصد
الجنائى فى جريمة التزوير فى الأوراق الرسمية متى تعمد الجانى تغيير الحقيقة فى
المحرر مع إنتواء استعماله فى الغرض الذى من اجله غيرت الحقيقة فيه ، وليس أمراً
لازماً للتحدث صراحة واستقلالاً فى الحكم عن توافر هذا الركن ما دام قد أورد من
الوقائع ما يشهد بقيامه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمة
التزوير فى المحررات الرسمية المضبوطة والمنسوب صدورها إلى جهة عمل الطاعن وهى
إدارة تموين حى شرق أسيوط والموقعة منه والمختومة بخاتم جهة عمله والتى تفيد عدم
ارتكاب المتهم الثانى للمخالفات المسندة إليه فى القضايا المحررة قبله ، وقد قدمها
الأخير إلى محكمة جنح قسم ثان أسيوط وتمكن بذلك من الحصول على أحكام البراءة فى
القضايا الخاصة بتلك المحررات ، وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزوير تلك المحررات
فى حق الطاعن ، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً ـ من بعد ـ بالتدليل على استقلال على
توافر القصد الجنائى لديه . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاصطناع كطريق من
طرق التزوير المادى هو إنشاء محرر بكامل أجزائه على غرار أصل موجود أو خلق محرر
على غير مثال سابق ما دام المحرر فى أى من
الحالتين متضمناً لواقعة تترتب عليها آثار قانونية وصالحاً لأن يحتج به فى إثباتها
، وأنه لا يلزم لتحقيق جريمة التزوير فى الأوراق الرسمية أن تصدر فعلاً من الموظف
المختص بتحريرها وإنما يكفى لتحققها إعطاء الورقة شكل أو مظهر الورقة الرسمية
الصادرة من الموظف العام المختص ، وهو ما لم يخطئ الحكم فى تحصيله أو تقديره ، ومن
ثم فإن ما ينعاه الطاعن فى شأن إنتفاء علمه بتزوير المحررات موضوع الاتهام وصفته
واختصاصه بتحرير الشهادات والإفادات المزورة ، لا يعدو أن يكون منازعة فى تقدير
أدلة الدعوى ومبلغ اقتناع المحكمة بها وهو ما يستقل به قاضى الموضوع مما لا تجوز
إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من
اتحاذ نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت
الصدور ودخائل النفس التى لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ، وللقاضى
الجنائى إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج
والقرائن التى تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره
، وكان الحكم المطعون فيه فى سرده لوقائع الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها قد أورد
من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة بإشتراك الطاعن مع المتهم
الآخر على ارتكاب جريمة استعمال المحررات المزورة
، فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه ، ويضحى النعى على الحكم بقالة القصور فى
التسبيب لعدم إستظهار عناصر الإشتراك والتدليل على توافره فى حق الطاعن غير قويم .
لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من اى دليل أو
قرينة ترتاح إليها ، ولها أن تعول فى تكوين عقيدتها على تحريات الرقابة الإدارية
بإعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط
البحث . لما كان ذلك ، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن دفع ببطلان
التحريات لعدم جديتها أو بطلان اعتراف الطاعن الثانى عليه أو آثار أن إكراهاً قد
وقع على ذلك المتهم أو أن أقواله بتحقيقات النيابة حدثت تحت تهديد ووعد وإغراء من
ضابط الرقابة الإدارية بإعفائه من العقاب ، ومن ثم فلا يقبل منه أن يطالب المحكمة
بالرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يجوز له أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة
النقض لأنه فى حقيقته دفع موضوعى أساسه المنازعة فى سلامة الأدلة التى كونت منها
محكمة الموضوع عقيدتها فى الدعوى ويتطلب تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفة هذه
المحكمة . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن أقوال متهم على آخر هو فى حقيقة الآمر
شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها فى الإدانة متى وثقت فيها وارتاحت إليها ولو لم
يكن من دليل سواها ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن استدلال الحكم بأقوال المتهم الأخر
على ارتكابهما الجرائم المشار إليها يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان ما ورد
بمحضر الجلسة من أن الطاعن الثانى سئل عن التهمة المسندة إليه فإعترف بها ، ما يصح
به الأخذ بهذا الاعتراف وإعتباره حجة عليه متى اطمأنت إليه المحكمة ولا على
المحكمة إن لم تناقشه تفصيلاً فى ذلك الاعتراف ، ذلك أن المادة 274 من قانون
الإجراءات الجنائية إذ نصت فى فقرتها الأولى على أن " لا يجوز استجواب المتهم
إلا إذا قبل ذلك " فقد افادت بأن الاستجواب بما يعنى من مناقشة المتهم على
وجه مفصل فى الأدلة القائمة فى الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء أكان ذلك
من المحكمة أو من الخصوم أو المدافعين عنهم ـ لما له من خطورة ظاهرة ـ لا يصح إلا
بناء على طلب المتهم نفسه يبديه فى الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته بإعتباره
صاحب الشأن الأصلى فى الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة ، وكان الطاعن
الثانى لم يطلب إلى المحكمة استجوابه إثباتاً فيما نسب إليه بل إقتصر قوله على انه
يعترف بالتهمة عند سؤاله عنها ، كما أن الطاعن لا يدعى فى أسباب طعنه أن إعتراف
الطاعن الثانى بمحضر تلك الجلسة كان مفصلاً أو جاء على خلاف ما تضمنته مدونات
الحكم أو أن المحكمة منعته من إبداء ما يروق له من أقوال أو دفاع ، ومن ثم يكون
النعى على الحكم فى شأن ما تقدم حرياً بالاطراح . لما كان ذلك ، وكان الخطأ فى
الإسناد هو الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت إليها ، وكان ما
يثيره الطاعن من خطأ الحكم فيما أورده أن الأحكام التى اطلعت عليها المحكمة جميعها
صادرة بالبراءة على الرغم أن بعض هذه الدعاوى كانت صادرة بالإدانــة ، فإنـه بفرض صحته
، غير ذى بال فى جوهر الواقعة التى اعتنقها الحكم ولم يكن له أثر فى منطقه وسلامة
استدلاله ، على مقارفة الطاعن للجريمة التى دانه بها ، ومن ثم تضحى دعوى
مخالفة الثابت فى الأوراق غير مقبولة .
لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إجراءات وتحقيقات النيابة العامة لا يعدو
أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للنعى
على الحكم . لما كان ذلك ، وكان نعى الطاعن بإلتفات الحكم عن دفاعه بإنتفاء صلته
بالواقعة وأن تلك المحررات دست عليه فى غفلة منه وأن الطاعن الثانى مرتكب الجريمة
وحده مردود بأن نفى التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستأهل رداً طالما
كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب
الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضائه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما
استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى الطاعن ولا عليه أن يتعقبه فى كل جزئية من
جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم يكون النعى فى هذا الشأن
بعيداً عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على
الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه ، وكان منعى الطاعن على
الحكم فى شأن إعماله أحكام المادة 32 عقوبات ومعاقبة الطاعن الثانى بعقوبة الجريمة
الأشد ، وهى جريمة الرشوة بالرغم من سبق إعفائه منها ، لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له
فيه فلا يقبل ما يثيره فى هذا الصدد . لما كان ذلك ، وكان الثابت بمحضر جلسة
المحاكمة ـ التى مثل بها الطاعن ومحاميه ـ أن المحكمة قامت بفض الأحراز ، فغدت
محتوياتها معروضة على بساط البحث والمناقشة بالجلسة ، وكان لا سند لإلزام المحكمة
بأن تثبت ماهية الأوراق المزورة التى تحتوى عليها الاحراز ومضمونها بمحضر جلسة
المحاكمة ، وكان المحضر ذلك حجة بما اثبت فيه ، بحيث لا يجوز إدعاء عكسه إلا بطريق
الطعن بالتزوير ، فإن ما ينعاه الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له وجه . لما كان ذلك
، وكان الحكم المطعون فيه قد عاقب الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألفى
جنيه ، دون أن يقضى بعقوبة العزل عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ، فإنه
يكون مشوباً بالخطأ فى تطبيق القانون ، ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت
عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول فى أى خدمة فى الحكومة ولم تورد لفظ العزل ،
ذلك أن العزل يندرج بحكم اللزوم العقلى فى مفهوم هذا النص يؤكد ذلك أن المادة 27
من قانون العقوبات قـد نصـت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه فى
الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل
بالرأفة فحكم عليه بالحبس يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس
المحكوم عليه بها " الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل
الموظف من وظيفته فى حالة معاملته بالرأفة فحسب والقول بغير ذلك مؤداه ان يكون المتهم
الذى يعامل بالرأفة فى وضع أسوأ من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة وهو ما
يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه ، وهو
ما كان يؤذن لهذه المحكمة ـ محكمة النقض ـ أن تتدخل لتصلح ما وقعت فيه محكمة
الموضوع من مخالفة للقانون ، إلا انه لما كان الطاعن هو المحكوم عليه فإن محكمة
النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ ، لما فى ذلك من إضرار بالمحكوم عليه ، إذ من
المقرر أن لا يصح أن يضار المتهم بناء على الطعن المرفوع منه وحده . لما كان ما
تقدم ، فإن طعن الطاعن عاطف إدوار إيليا منقريوس يكون على غير أساس متعيناً رفضه
موضوعاً .
ثانياً : الطعن المقدم من المحكوم عليه ....... .
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه
بجريمتى الاشتراك فى تزوير محررات رسمية واستعمالها قد شابه الخطأ فى تطبيق
القانون والإخلال بحق الدفاع ، ذلك انه وقد انتهى إلى تحقق موجب الإعفاء من العقاب
فى جريمة الرشوة موضوع التهمة الأولى فى حقه ، فقد كان يتعين إعفاؤه أيضاً من
العقاب عن التهمتين الثانية والثالثة ، خاصة وقد خلص الحكم فى أسبابه إلى قيام
الارتباط بين الجرائم المسندة إليه ، وضرب صفحاً وتحقيقاً عن دفاعه بإنتفاء علمه
بالتزوير وحسن نيته وما تعرض له من إكراه فى مصدر رزقه رغم جوهريتها ، مما يعيب
الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن
الحكم المطعون فيه قد قضى بإعفاء الطاعن من العقاب من جريمة تقديم الرشوة فى قوله
" وحيث إنه لما كان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهم الثانى الراشى / محمود
عباس محمود قد أخبر السلطات بجريمة طلب واخذ المتهم الأول للرشوة منه وتقديمها إليه
واعترف تفصيلاً تحقيقاً ومحاكمة بذلك ومن ثم يتعين وعملاً بالمادة 107 مكرراً من
قانون العقوبات القضاء بإعفائه من العقاب عن هذه الجريمة المسندة إليه ( الجريمة موضوع التهمة الأولى للمتهم
الثانى ) . ثم خلص الحكم إلى معاقبته عن تهمتى الاشتراك مع المتهم الأول فى تزوير
محررات رسمية واستعمالها واعمل فى حقه المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبه عن
الجريمة الأشد ، مشيراً إلى أنها الجريمة موضوع التهمة الأولى لـه . لما كان ذلك ،
وكان مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات رهن
بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض بالبراءة فى إحداها أو بسقوطها أو انقضائها أو
الحكم على إحداها بحكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب ، لأن تماسك
الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانونى إلى الجريمة المقررة لها أشد
العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدى المحكمة لها والتدليل على نسبتها
للمتهم ثبوتاً ونفياً ـ ولازم ذلـك ومقتضاه ـ أن شرط انطباق إعمال المادة (32) من
قانون العقوبات ـ القضاء بعقوبة بمفهومها القانونى فى الجريمة الأشد ـ فإذا قضى
الحكم ـ بغير العقوبة فى الجريمة الأشد ـ ينفك الارتباط الذى هو رهن بالقضاء
بالعقوبة فى الجريمة الأشد ، ومن ثم فإنه لا محل لإعمال المادة (32) من قانون
العقوبات عند القضاء بالإعفاء من العقاب فى خصومة الجريمة الاشد ( الرشوة )
وبالتالى لا محل للقول بالإعفاء من العقاب بالنسبة لجريمتى اشتراك الطاعن مع
المتهم الأول فى تزوير محررات رسمية واستعمالها المرتبطتين بها ، حيـث ينفك
الارتباط ـ بما مؤداه ـ وجوب الفصل فيها ثبوتاً ونفياً ، وإذ التزم الحكم المطعون
فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعى عليه بالخطأ
فى تطبيق القانون فى هذا الخصوص بعيداً عن محجة الصواب . لما كان ذلك وكان
الاشتراك فى التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن
الاستدلال بها عليه ، ومن ثم فإنه يكفى أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف
الدعوى وملابساتها ، وأن يكون اعتقادها هذا سائغاً تبرره الوقائع التى أثبتها
الحكم ، وكان الحكم المطعون فيه قد اثبت بأدلة سائغة توافر جريمة اشتراك الطاعن فى
تزوير المحررات الرسمية المضبوطة التى قدمها إلى محكمة جنح قسم ثان أسيوط وتمكن من
ذلك فى الحصول على أحكام البراءة فى القضايا الخاصة بتلك المحررات وهو ما يتضمن
إثبات توافر ركن العلم بتزوير تلك المحررات فى حقه فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً ـ
من بعد بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائى لديه ـ ويضحى ما يثيره بشأن
إنتفاء علمه بتزوير المحررات موضوع الإتهام وحسن نيته فيما اقترف مجرد جدل موضوعى
فى سلطة المحكمة فى تقدير الأدلة واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه لدى
محكمة النقض ، هذا فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب من
المحكمة إجراء تحقيق معين فى شأن إثبات حسن نيته وعدم علمه بالتزوير فليس له من
بعد النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هى من جانبها
لزوماً لإجرائه ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى الإخلال بحق الدفاع فى هذا الشأن لا
يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن
الطاعن وإن دفع بتعرضه للإكراه فى مصدر رزقه ، إلا انه لم يبين أساس دفعه بالإكراه
الذى يتحدث عنه فى وجه طعنه ، فإنه لا يقبل منه إثارة هذا الدفاع لاول مرة أمام
محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق موضوعى تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض .
لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس
متعيناً رفضه موضوعا ً .
فلهــذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .