جلسة 9 من فبراير سنة 2013
برئاسة السيد القاضي / عبد الفتاح حبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمود عبد الحفيظ ، خالد الجندي ، عباس عبد السلام وجمال حسن جودة نواب رئيس المحكمة .
----------------
(24)
الطعن 986 لسنة 82 ق
(1) اختلاس
أموال أميرية . حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب غير
معيب" .
حكم الإدانة . بياناته ؟
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به
الأركان القانونية لجريمة الاختلاس وإيراده الأدلة عليها في بيان واف . لا
قصور.
(2) اختلاس أموال أميرية . إثبات " بوجه
عام " . جريمة " أركانها " . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في
تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض "
أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
تدليل المحكمة على اقتراف الطاعن لجناية الاختلاس بناءً على ما
أوردته من شواهد عددتها . كفايته .
تحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جناية
الاختلاس . غير لازم . كفاية إيراده من الوقائع والظروف ما يدل على قيامه .
الجدل الموضوعي في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها أمام محكمة النقض .
غير جائز .
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر
بالإدانة بجناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 عقوبات .
(3) إثبات " خبرة ". محكمة الموضوع " سلطتها
في تقدير آراء الخبراء ". دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ".
تقدير آراء الخبراء
والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات . موضوعي . علة ذلك ؟
رد المحكمة على الطعون الموجهة
لتقارير الخبراء التي أخذت بها . غير لازم . علة ذلك ؟
(4) إثبات " شهود ".
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا
يعيبه في نطاق التدليل
". نقض
" أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود
وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بأقوال
الشهود . مفاده ؟
إحالة الحكم في بيان شهادة
الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه . شرط ذلك ؟
إثارة الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة
النقض . غير مقبول .
وجود
خصومة بين الشاهد والمتهم . لا يمنع المحكمة من الأخذ
بأقواله . علة وشرط ذلك ؟
(5) استدلالات . دفوع " الدفع بعدم جدية
التحريات " . محكمة النقض " سلطتها ". نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
الدفع بعدم جدية التحريات
. قانوني مختلط بالواقع . وجوب إبدائه صراحة . إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
غير مقبولة . علة وحد ذلك ؟
(6) إثبات " بوجه عام " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره
". محكمة
الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
رد المحكمة على كل دفاع موضوعي للمتهم . غير لازم . كفاية إيرادها الأدلة المنتجة التي صحت لديها . علة
ذلك ؟
(7) اختلاس أموال أميرية . تزوير
" أوراق رسمية " . جريمة " أركانها " . إثبات " بوجه عام
" . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
ركن التسليم بسبب الوظيفة . مناط تحققه ؟
تحدث الحكم استقلالاً عن ركن التسليم بسبب الوظيفة . غير لازم . كفاية
إيراده من الوقائع والظروف ما يدل عليه .
مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة بجناية الاختلاس المرتبطة بالتزوير
.
(7) جريمة "
الجريمة المستحيلة ". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
متى تعد الجريمة مستحيلة
؟
القول باستحالة وقوع الجريمة رغم تحقق وقوعها .
غير مقبول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كانت المادة 310 من قانون
الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة
المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف
التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين
مما سطَّره الحكم أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
لجريمة الاختلاس التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها
أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها
محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها
من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، مما يكون منعى الطاعن في هذا الصدد لا محل له .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد
دلَّل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن بناءً على ما أوردَّه من شواهد وأثبت في
حقه أنه اختلس مواد غذائية البالغ قيمتها 131.181.20 " مائة وواحد وثلاثين ألفاً ومائة وواحد وثمانين جنيهاً وعشرين قرشاً "
المملوكة لمخزن الأغذية الخاص بمستشفى .... العام بأن حرر الأذون وذيلها بتوقيعات
نسبها زوراً للمختصين ومهرها بخاتم مزور وأثبت بها بياناتها بما يفيد صرف كميات من
المواد الغذائية تزيد عن الكميات المقرر صرفها لتبدو على غرار الصحيح منها واحتج
بها قبل جهة عمله للاعتداد بما دون بها باستعمالها فيما زورت من أجله مع علمه
بتزويرها خلافاً للحقيقة ومحاسبته على أساسها، فإن ذلك حسبه بياناً لجناية
الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات بركنيها المادي والمعنوي،
فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى وتقدير
أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولا يلزم
أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جناية الاختلاس بل يكفى أن
يكون فيما أورده من وقائع وظروفها يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى
المطروحة - ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن في غير محله .
3-
لما كان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن
مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك
التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل ،
وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما
جاء بها ، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه ، فإن
ما ينعاه الطاعن على المحكمة في هذا الشأن لا يكون صائباً .
4- من المقرر أن وزن أقوال الشهود
وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من
مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها
وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ، وأنه متى أخذت
المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع
لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان
شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند
إليه الحكم منها، وكانت محاضر جلسة المحاكمة قد خلت مما يثيره الطاعن في أسباب
طعنه من دفاع موضوعي مفاده أن الشاهد .... لم يقدم للمحكمة أذون صرف وبصمة خاتم
صحيحة منسوبة لجهة العمل المختصة، فلا يقبل
منه إثارة ذلك الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض، كما أن وجود خصومة بين
الشاهد وبين المتهم لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد أفصحت عن
اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها، ذلك أن تقدير
قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون
مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون .
5-
لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بعدم جدية التحريات ،
وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز لأول مرة أمام
محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه
وظيفة هذه المحكمة ، ولا يقدح في ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته
ببطلان محضر التحريات لوجود خلافات بين المتهم والمبلغ عن الواقعة ، إذ هو قول
مرسل على إطلاقه لا يحمل على الدفع الصريح بعدم جدية التحريات الذى يجب إبداؤه في
عبارة صريحة تشمل على بيان المراد منه .
6- لما كانت محكمة الموضوع لا تلتزم
بالرد على كل دفاع موضوعي للمتهم اكتفاءً بأدلة الثبوت التي عوَّلت عليها في
قضائها بالإدانة ، وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة
التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن
يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإنه لا
يكون هناك محل لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من عدم رده على المستندات
الموضوعية المشار إليها بأسباب الطعن .
7- من المقرر أن ركن التسليم يتحقق
بسبب الوظيفة متى كان المال قد سلم إليه بأمر من رؤسائه حتى يعتبر مسئولاً عنه ولم
يكن في الأصل من طبيعة عمله في حدود الاختصاص المقرر لوظيفته ، وكان لا يلزم أن
يتحدث الحكم استقلالاً عن ركن التسليم بسبب الوظيفة بل يكفى أن يكون فيما أورده من
وقائع وظروف ما يدل على قيامه ، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن على ما سلف بيانه
أن الأغذية المودعة بالمخزن المعين أمين عليه قد سلمت إليه بسبب وظيفته باعتباره
أمين مخزن بمستشفى .... العام واختلس المواد الغذائية واصطنع أذونات صرف على خلاف
الحقيقة تتضمن كميات أزيد من المنصرف وحصل المبالغ قيمتها ، فإن هذا الذى أثبته
الحكم تتوافر به العناصر القانونية لجناية الاختلاس المرتبطة بالتزوير.
8- من المقرر أن الجريمة لا تعد
مستحيلة إلَّا إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقاً كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة لتحقيق الغرض الذى
يقصده الفاعل ، وهو ما يغاير الحال في الدعوى الحالية حيث كانت الوسيلة
صالحة بطبيعتها لتحقق الجريمة ومن ثم فإن القول باستحالة وقوعها لا يكون له محل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
بصفته موظفاً عمومياً ( أمين مخزن الأغذية بمستشفى .... العام) اختلس المواد
الغذائية البالغ قيمتها 131.181.20 ( مائة وواحد وثلاثين ألفاً ومائة وواحد
وثمانين جنيهاً وعشرين قرشاً) والمملوكة لجهة عمله والتي وجدت في حيازته بسبب
وظيفته حال كونه من الأمناء على الودائع وسلمت إليه بهذه الصفة على النحو المبين
بالتحقيقات ، وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمتي تزوير في محررات رسمية واستعمالها
ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، ذلك أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر بصفته آنفة
البيان ارتكب تزويراً في محررات لجهة عمله هي " أذون صرف المواد الغذائية
والمنسوب صدورها لها " وكان ذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن
حرر الأذون وذيلها بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين ومهرها بخاتم مزور وأثبت بها
بياناتها بما يفيد صرف كميات من المواد الغذائية تزيد على الكميات المقرر صرفها
لتبدو على غرار الصحيح منها باستعمالها فيما زوَّرت من أجله مع علمه بتزويرها بأن
احتج بها قبل جهة عمله للاعتداد بما دون بها وهى الجريمة المعاقب عليها بالمواد 206 /3
، 211 ، 214 من قانون العقوبات .
وأحالته إلى محكمة جنايات ....
لمعاقبته طبقاً للقيـد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1، 2 / أ ، ب ، 118 ، 118 مكرر ، 119/أ ، 119 مكرر/أ من قانون العقوبات وبعد إعمال نص المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 131.181.20 (مائة وواحد وثلاثين ألفاً ومائة وواحد وثمانين جنيهاً وعشرين قرشاً) قيمة تساوى ما اختلسه وعزله من وظيفته لما هو منسوب إليه .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1، 2 / أ ، ب ، 118 ، 118 مكرر ، 119/أ ، 119 مكرر/أ من قانون العقوبات وبعد إعمال نص المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ 131.181.20 (مائة وواحد وثلاثين ألفاً ومائة وواحد وثمانين جنيهاً وعشرين قرشاً) قيمة تساوى ما اختلسه وعزله من وظيفته لما هو منسوب إليه .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم
بطريق النقض .... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون
فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس بصفته أميناً على الودائع المرتبطة بجريمة تزوير
محرر رسمي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ،
ذلك أنه لم يُلم إلماماً شاملاً بواقعة الدعوى ولم يبين مؤدى أدلة الإدانة فيها ،
وردَّ بما لا يسوغ رداً على الدفعين بانعدام توافر الركنين المادي والمعنوي لجريمة
الاختلاس وببطلان تقرير لجنة الجرد لمخالفة نص المادة 85 من قانون الإجراءات
الجنائية ، وعوَّل في الإدانة على أقوال أعضائها رغم ما شاب التقرير من بطلان ،
كما عوَّل من ضمن ما عوَّل عليه على أقوال الشاهدين .... و.... رغم أن أقوال الأول
مجرد ترديد لأقوال أعضاء اللجنة ولم يقدم أذون صرف وبصمة خاتم صحيحين منسوبين لجهة
العمل المختصة ، كما أن الشاهد الثاني على خصومة مع الطاعن ، وأغفل الرد على الدفع
بعدم جدية التحريات رغم أنها جاءت متناقضة ولا تصلح دليلاً بذاتها، ولم يعن بتحقيق
المستندات المقدمة من الطاعن التي تثبت عمله كممرض ويعانى من مرض عضال في القلب
ويجهل العمل بالمخازن ولم يتسلم المواد
الغذائية التي في عهدته ، وما حدث ليس إلَّا خطأً حسابياً ورغم ذلك دانه والجريمة
مستحيلة ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات
الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة
للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت
فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطَّره
الحكم أنه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة
الاختلاس التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن
تؤدى إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراضها لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها
محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها
من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، مما يكون منعى الطاعن في هذا الصدد لا محل له . لما
كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلَّل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن
بناءً على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه أنه اختلس مواد غذائية البالغ قيمتها
131.181.20 " مائة وواحد وثلاثين ألفاً ومائة وواحد وثمانين جنيهاً وعشرين
قرشاً " المملوكة لمخزن الأغذية الخاص بمستشفى .... العام بأن حرر الأذون
وذيلها بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين ومهرها بخاتم مزور وأثبت بها بياناتها بما
يفيد صرف كميات من المواد الغذائية تزيد عن الكميات المقرر صرفها لتبدو على غرار
الصحيح منها واحتج بها قبل جهة عمله للاعتداد بما دون بها باستعمالها فيما زورت من
أجله مع علمه بتزويرها خلافاً للحقيقة ومحاسبته على أساسها، فإن ذلك حسبه بياناً
لجناية الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات بركنيها المادي
والمعنوي، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى
وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ، ولا
يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جناية الاختلاس بل يكفى
أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوى
المطروحة - ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن في غير محله . لما كان ذلك ،
وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه
إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير
شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل ، وأنها لا
تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها ،
لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه ، فإن ما ينعاه
الطاعن على المحكمة في هذا الشأن لا يكون صائباً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر
أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها
مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع
تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض
عليها ، وأنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد اطراحها لجميع
الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أنه لا
يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت
أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكانت محاضر جلسة المحاكمة قد خلت مما
يثيره الطاعن في أسباب طعنه من دفاع موضوعي مفاده أن الشاهد .... لم يقدم للمحكمة
أذون صرف وبصمة خاتم صحيحة منسوبة لجهة العمل
المختصة، فلا يقبل منه إثارة ذلك الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض، كما أن
وجود خصومة بين الشاهد وبين المتهم لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد
أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها، ذلك
أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا
يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون . لما كان ذلك ، وكان يبين من محضر جلسة
المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بعدم جدية التحريات ، وكان هذا الدفع من الدفوع
القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن
مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ولا
يقدح في ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته ببطلان محضر التحريات لوجود
خلافات بين المتهم والمبلغ عن الواقعة ، إذ هو قول مرسل على إطلاقه لا يحمل على الدفع
الصريح بعدم جدية التحريات الذى يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشمل على بيان المراد
منه . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع لا
تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعي للمتهم اكتفاءً بأدلة الثبوت التي عوَّلت عليها
في قضائها بالإدانة ، وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد
الأدلة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه
أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإنه
لا يكون هناك محل لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من عدم رده على
المستندات الموضوعية المشار إليها بأسباب الطعن ، وكان من المقرر أن ركن التسليم
يتحقق بسبب الوظيفة متى كان المال قد سلم إليه بأمر من رؤسائه حتى يعتبر مسئولاً
عنه ولم يكن في الأصل من طبيعة عمله في حدود الاختصاص المقرر لوظيفته ، وكان لا
يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن ركن التسليم بسبب الوظيفة بل يكفى أن يكون فيما
أوردَّه من وقائع وظروف ما يدل على قيامه ، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن على
ما سلف بيانه أن الأغذية المودعة بالمخزن المعين أمين عليه قد سلمت إليه بسبب
وظيفته باعتباره أمين مخزن بمستشفى .... العام واختلس المواد الغذائية واصطنع
أذونات صرف على خلاف الحقيقة تتضمن كميات أزيد من المنصرف وحصل المبالغ قيمتها ،
فإن هذا الذى أثبته الحكم تتوافر به العناصر القانونية لجناية الاختلاس المرتبطة
بالتزوير . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الجريمة لا تعد مستحيلة إلَّا إذا لم
يكن في الإمكان تحققها مطلقاً كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير
صالحة البتة لتحقيق الغرض الذى يقصده الفاعل ، وهو ما يغاير الحال في الدعوى
الحالية حيث كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها لتحقق الجريمة ومن ثم فإن القول باستحالة
وقوعها لا يكون له محل . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس
متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ