القضية رقم 19لسنة 14 ق "دستورية " جلسة 8 /4/ 1995
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 8 ابريل سنة 1995 الموافق 8 ذو
القعدة سنة 1415 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق
عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض وعدلى
محمود منصور أعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول
المحكمة الدستورية العليا برقم 19لسنة 14 قضائية " "دستورية "
المقامة من
السيد / فريق متقاعد سعد محمد الحسينى الشاذلى
ضد
1- السيد / رئيس الجمهورية
2- السيد / رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير الدفاع
4 - السيد / رئيس مجلس الشعب
5 - السيد / رئيس مجلس الشورى
-------------
- 1 حرب أكتوبر "دور قادتها
وجنودها فيها: سماتهم".
أحاط هؤلاء بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة أبداً، الباقية خلداً، ما زاغ
بصرهم عنها وما تولى، فكانوا معها، وبها، إرادة لا تلين.
ان المحكمة الدستورية العليا ـ وقبل تعرضها للمطاعن المثارة فى الدعوى
الدستورية الماثلة ـ يعنيها أن تؤكد أن قادة وجنود هذا النصر العظيم فى أكتوبر ـ
وبوجه خاص من أداروا حربها أعدادا وتطويراً، إقداما والتحاماً، بذلا وفداء عزما
وتصميماً، جرأة واقتدارا اندفاعاً واقتحاماً، عزة وأملاً، نضالاً بالدماء وإرواء
بالعرق والدموع لا يهنون ولا يتخاذلون ولا يمارون، شرعتهم الحق موئلا، وعقيدتهم
النضال إصراراً جميعهم من هذه الأمة العظيمة فى أعماق قلبها، أعادوا أليها أشرافها
وضياء وجهها رفعوا بإيمانهم هامتها وما تفرقوا وأقاموا لبأسها دعائم من قوة
النيران ، أحاطوا بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة، الباقية خلدا، ما زاغ بصرهم عنها وما
تولى، فكانوا معها، وبها، وإرادة لا تلين ولا تقهر، تقتلع من الحياة أعداءها، وترد
إليها ينابيعها، لتظل للحرية آفاقها، ولتعلو راياتهم فوق كل الجباه .
- 2 دعوى دستورية: المصلحة فيها -
تشريع "القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 بشأن تكريم كبار قادة القوات المسلحة
خلال حرب أكتوبر".
إدراج اسم المدعي بين المشمولين بهذا القرار بقانون، واقتضائه وفقاً
لأحكامه، للحقوق المالية - محل دعواه الموضوعية - يفترض قيام ذلك القرار بقانون
فيما نص عليه بشأنها، طلب المدعي الحكم بعدم دستورية هذا القرار بقانون في جملة
أحكامه، يعني طلبه إزالة آثاره القانونية كلها، ويهدم الدعوى الموضوعية بالتالي من
أساسها، عدم تحقق مصلحة المدعي من طلبه ذلك.
إدراج اسم المدعى بين المشمولين بالتكريم، أو تصدره لهم، وحصوله
بالتالي على الحقوق المالية التى فصلها القرار بقانون المطعون فيه _ وهى محل دعواه
الموضوعية يفترض أن يظل هذا القرار بقانون قائما فيما نص عليه بشأنها، وكان ما
قرره وكيل المدعى من أن مصلحة المدعى كما تتحقق على النحو المتقدم، فإنها تتوافر
كذلك، وإذا ما أبطلت المحكمة الدستورية العليا هذا القرار بقانون، حتى لا يفيد من
النصوص القانونية التى تشمل عليها، من أساسها ولا يقيم بنيانها، ذلك أن الحكم بعدم
دستورية هذا القرار بقانون فى مجمل أحكامه، يعنى تجريدها من قوة نفوذها، وزوال
الآثار القانونية التى رتبتها، لتؤول عدما فلا تولد حقا لأحد، ولا يقوم بها مركز
قانوني لا للمدعى ولا لغيره، ولتفقد الحقوق المالية _ محل دعواه الموضوعية _
دعامتها بل عن اتصال دعواه الموضوعية بالنصوص المطعون عليها شرط لقبول دعواه
الدستورية على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من ان المصلحة الشخصية
المباشرة فى تلك الدعوى مناطها ارتباطها بالمصلحة القائمة فى النزاع الموضوعى،
وذلك بأن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية، مؤثرا فى موضوع النزاع المتصل بها
والمطروح على محكمة الموضوع .
- 3 تشريع القرار بقانون رقم 35
لسنة 1979 المشار إليه "الأغراض التي توخاها".
توخي هذا القرار بقانون أن يكون تكريم من خططوا لحرب أكتوبر وأداروها،
مقصوراً على عدد محدود من بينهم "رمزاً لجموعهم" ليعهد إليهم بمهام من
طبيعة استشارية.
البين من إحكام القرار المطعون فيه، وكذلك ما جاء بصدده بتقرير لجنه
الأمن القومي والتي تعرض لهما المحكمة الدستورية اللازمة للفصل فى اختصاصها _ أن
ما توخاه هذا القرار بقانون هو أن يكون التكريم مقصورا على عدد محدود من قادة حرب
أكتوبر، يتولون بنص مادته الثانية تقديم المشورة فى الشئون العسكرية ذات الأهمية
الخاصة التي يطلب منهم إبداء الرأي فيها، وذلك طوال حياتهم، ودون أن يكون تكليفهم
بذلك مؤديا إلى شغلهم لوظائف محددة داخل الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، ليظل
الباب مفتوحا أمام غيرهم ممن يستحقون الترقى إلى وظائف القيادة بذات القدرة
والكفاءة التي توفرت لمن سبقهم من قادة حرب أكتوبر الباقية فى ذاكرة التاريخ أبدأ .وما تقدم يعنى، أن عددا غير قليل ممن خططوا لحرب أكتوبر وأداروها،
وكانوا من كبار قادتها _ كقواد الجيوش وقواد الفرق _ لم يشملهم بقانون المطعون
فيه، وغنما اقتصر التكريم على عدد محدود من بينهم، " رمزا لجموعهم "
ليعهد إليهم دون غيرهم بالمهام التى حددتها المادة التى حددتها المادة الثانية من
القرار المشار إليه، وهى مهام مدارها مشورة يقدمونها عند طلبها _ فى مجال الشئون
العسكرية الهامة التي تمرسوا فيها وكانوا من خبرائها ولا يعتبر قصرها عليهم ملقيا
بظلال من الريبة على من عداهم، أو نافيا لأهليتهم، أو إنكارا لجدارتهم أو تميزهم .
- 4 تشريع "القرار بقانون رقم
35 لسنة 1979 المشار إليه: معياره".
إدراج اسم المدعي بين الذين شملتهم المادة الأولى من القرار بقانون
المشار إليه لا يستقيم إلا وفقاً لأحد معيارين:- الأقدمية أو الجدارة.
إدراج اسم المدعى بين هؤلاء الذين شملتهم المادة الأولى من القرار
بقانون المطعون فيه أو على رأسهم، لا يستقيم إلا من أحد مدخلين أو وفقا لأحد
معيارين أولهما : أن يكون هذا القرار بقانون _ محددا نطاقا على ضوء الأغراض التى
سعى إلى تحقيقها _ منصرفا إلى عدد محدود من القاعدة، وتنظيم جميعا دائرة واحدة،
تكون أقدمية الرتبة العسكرية إطارا لها وعندئذ يكون الأقدام هو ألاحق بالتقرير،
ولو لم يكن هو الجدر بما أداه من جلائل العمال إبان تلك الحرب، ثانيهما : إن يكون
هذا القرار بقانون، مبجلا لكل القادة الذين كان دورهم فى العمليات الحربية ظاهرا،
بأن كان بلاؤهم فى التخطيط لها، أو إعدادها، أو تنفيذها مشهودا وعندئذ يكون الأجدر
هو الحق بالتقدير، ولو لم يكن هو الأقدم .
- 5 تشريع "القرار بقانون رقم
35 لسنة 1979 المشار إليه: معيار الأقدمية".
ما توخاه هذا القرار بقانون، هو أن يكون تعظيم بعض القادة رمزاً
لتقدير كل من قام بدور رائد في هذه الحرب، من غير المتصور أن يكون مناط التقدير
عائداً إلى أقدمية الدرجة الوظيفية منظوراً إليها استقلالاً عن أية عوامل تقترن
بها.
المعيار الأول لا تظاهره إحكام القرار بقانون المطعون فيه، وذلك من
جهتين، اولاهما ان ما توخاه القرار بقانون حقا وقصد إليه عملا، هو أن يكون تعظيم
عدد من قادة تلك الحرب رمزا لتقدير كل من قام بدور رائد فيها بما مؤداه أن انحصار
التكريم فى عدد محدود من بينهم، لا يعنى أن من عداهم كانوا أقل شأنا أو جهدا،
ثانيهما : أن كل تكريم يفترض تقييما موضوعيا يدور حول أعمال بذاتها يكون هو محورها
و يتعين بالتالي أن يكون الأساس فيه مقاييس قوامها ما أداه نفر من القادة من أعمال
تشهد بتميزهم وتؤكد نفوقهم من دون الآخرين وهو ما يقتضي وزن أعمالهم، وترتيبهم
فيما بينهم على ضوئها، ولا يتصور _ من ثم _ أن يكون مناط التقدير عائدا إلى أقدمية
الدرجة منظورا إليها استقلالا عن أية عوامل تتداخل معها أو تقرن بها، إذ لا شان لا
قدميتهم تلك بإقدامهم أو تضحياتهم، وهو ما أكده تقرير لجنة الأمن القرمى والتعبئة
القومية، حين أبان عن أن من شملهم التقدير كانوا عونا لمصر فى تحقيق نصرها العظيم
من خلال مبادأتهم، وقدراتهم على إدارة العمليات الحربية الحديثة واتخاذ قراراتها
السليمة بكفاءة نادرة مع تحملهم لكامل مسئولياتها، وفقا لتطوراتها ولم يكن معيار
التقييم بالتالى شكليا أو جامدا .
6- تشريع
"القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه: موضوعية التقييم".
موضوعية التقييم، هي وحدها التي يمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين
المراكز القانونية المتماثلة.
7- تشريع "القرار بقانون
رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه" - المحكمة الدستورية العليا "إعمال
المقاييس الموضوعية".
إعمال هذه المحكمة للمقاييس الموضوعية التي يتحدد وفقاً لضوابطها من
هو أهل للتقدير وفقاً للقرار بقانون المشار إليه يفترض أمرين: (أ) تناول التقييم
كل الأعمال ذات الشأن في الحرب في كافة مراحلها وهو ما يخرج عن المجال الطبيعي
لهذا القرار بقانون. (ب) أن يكون ذلك القرار بقانون مفصلاً للعناصر التي تقوم
عليها هذه المقاييس، وأن يكون بيد هذه المحكمة الوسائل القضائية التي توازن بها
بين هذه الأعمال، لتحديد الأجدر بالتكريم.
8- تشريع "القرار بقانون
رقم 35 لسنة 1979 المشار إليه" - المحكمة الدستورية العليا
"اختصاصها".
متى كانت عناصر تقييم أعمال قادة حرب أكتوبر، دائرة ابتداءً وانتهاءً
حول مسار العمليات الحربية، ونتائجها وقدر إسهام كل من القادة فيها، فإن زمام
تقديرها يخرج عن اختصاص هذه المحكمة.
6، 7، 8- موضوعية
التقييم هي وحدها التى تمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين المراكز القانونية المتماثلة
وهى وحدها التى يتصور أن يكفل المشرع من خلالها نوعا من المساواة القانونية بين
المتماثلين جهدا وعرقا غير أن إعمال المحكمة الدستورية العليا للمقاييس الموضوعية
التى يتحدد وفقا لضوابطها من يكون أهلا للتقدير _ زمن ومن ثم الحصول على الحقوق
المالية التى نص عليها القرار بقانون المطعون علية _ يفترض أمرين، أولهما : إن
يتناول التقييم كل أعمال التي كان لها شأن هام فى العمليات الحربية سواء فى مجال
الإعداد لها أو إدارتها أو تنفيذها، وهو ما يخرج عن المجال الطبيعى لذلك القرار
بقانون إذ توخى ألا يكون التقييم منصرفا إلى هؤلاء فى مجموعهم، ولا محيطا بغايتهم،
بل رمزيا منحصرا فى عدد محدود من بينهم ثانيهما : أن يكون القرار المطعون فيه
مفصلا للعناصر التى تقوم عليها هذه المقاييس الموضوعية، وان يكون بيد المحكمة
الدستورية العليا الوسائل القضائية التى توازن بها بين هذه الأعمال على ضوء تلك
المقاييس لتحدد وفقا لضوابط الأحق والجدر بالتقدير ويؤيد ذلك أن التكافؤ فى
المراكز القانونية _ وهو مناط الحماية التى كفلها مبدا المساواة أمام القانون _
يفترض أحادها فى العناصر التى تكونها، فإذا كانت تلك العناصر جميعها، دائرة _
ابتداء وانتهاء _ حول مسار العمليات الحربية، ونتائجها، وقدر إسهام كل من القادة
فيها، فإن زمام تقديرها يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا .
-------------
" الإجراءات "
بتاريخ الثامن عشر من يونيو سنة 1992 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة
صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979
فيما تضمنه من "إسقاط اسمه من تاج قمة جميع مرؤوسيه أبطال حرب أكتوبر
المكرمين فيه وما تضمنه من حرمانه من جميع حقوقهم وكل مميزاتهم المقررة لهم
فيه".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها، أصلياً: عدم قبول الدعوى ،
واحتياطياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع -حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن
المدعى كان قد أقام أمام محكمة جنوب القاهرة دعواه الموضوعية رقم 12830 لسنة 1983
مختصماً فيها المدعى عليهما الأول والثالث في الدعوى الراهنة ، طالباً الحكم
عليهما متضامنين بتقرير "حقوقه الناشئة عن انتهاء خدمته وإلزامهما بأداء هذه
الحقوق إليه" وقال شرحاً لتلك الدعوى أنه عين في 16 مايو سنة 1971 رئيساً
لهيئة أركان حرب القوات المسلحة ، وقامت الهيئة برئاسته بالتخطيط والإعداد لحرب
أكتوبر سنة 1973، ورقى إلى رتبة الفريق في 5 يناير سنة 1972، ونال في 19 فبراير
سنة 1974- وإبان عمله سفيراً لمصر في المملكة المتحدة -وسام نجمة الشرف اعتباراً
من يوم السادس من أكتوبر سنة 1973 تقديراً لما قام به من إعداد وتخطيط للعمليات
الحربية . واستمر يعمل سفيراً بوزارة الخارجية إلى أن أعفى من منصبه. وبتاريخ 25
يونيو سنة 1978، قامت وزارة الدفاع بتسوية معاشه اعتباراً من هذا التاريخ دون أن
تخطره ببيانات حقوقه التأمينية ، وقامت بتحويل دفعات مالية إلى حسابه بالبنك الأهلي
المصري بمصر الجديدة ، ثم أوقفت تحويلاتها اعتباراً من الثامن من يونيو سنة 1981
لصدور قرار من المدعى العام الاشتراكي بالتحفظ على أمواله، رغم أن أمواله التي حكم
قضاء القيم بفرض الحراسة عليها لم تتضمن المعاش المستحق له، وأضاف قائلاً إنه، إذ
يستحق -فضلاً عن المعاش- كامل ماهيات ومرتبات ومخصصات رئيس هيئة أركان حرب القوات
المسلحة لمدى حياته واعتباراً من تاريخ انتهاء خدمته في 25 يونيو سنة 1978 تنفيذاً
للقرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 الذى صدر تكريماً لقادة حرب أكتوبر، فإنه يقيم
دعواه الموضوعية بالطلبات المشار إليها آنفا. وأثناء نظر النزاع الموضوعي ، دفع
بعدم دستورية القرار بقانون المشار إليه. وإذا قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه،
وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على القرار بقانون رقم 35 لسنة 1979 بشأن تكريم
كبار قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، والاستفادة من الخبرات النادرة للأحياء
منهم، مخالفته لنصوص المواد (2، 8، 9، 12، 13، 40) من الدستور، وذلك فيما تضمنه
هذا القرار بقانون من إسقاط اسمه من قائمة مرؤوسيه قادة حرب أكتوبر الذين تم
تكريمهم، رغم حصوله على وسام نجمة الشرف بعد انتهاء العمليات الحربية تقديراً
لامتيازه في مجالها تخطيطاً وإعداداً وتنفيذاً. وبذلك يكون ذلك القرار بقانون قد
ألبس الحق -وهو اسم الله تعالى - بالباطل، إذ حرم من قاتل ومهد ودبر وأعد عدة
القتال متقدماً على غيره، من الحقوق التى كفلها لسواه ممن هم أقل منه عملاً. وأخل
بذلك بمبدأ المساواة أمام القانون، وبتكافؤ الفرص بينه وبين جميع مرؤوسيه الذين شمهلم
التكريم، وإن كان هو الأحق منهم. وليس من الإسلام في شئ، ولا من العدل، ولا من
الشريعة الإسلامية في مبادئها العظيمة ، ولا من الأخلاق أو الوطنية ، ولا من حق
العمل، ولا من الطابع الأصيل للأسرة المصرية ، ولا من قيمها وتقاليدها وآدابها
وتراثها، أن تسقط السلطتان التشريعية والتنفيذية تقديره ما للمدعى ، وأن تتغافلا
عن امتيازه في التخطيط للعمليات الحربية وإدارتها وتنفيذ ها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا -وقبل تعرضها للمطاعن المثارة في الدعوى
الدستورية الماثلة -يعنيها أن تؤكد أن قادة وجنود هذا النصر العظيم في أكتوبر
وبوجه خاص من أداروا حربها إعدادا وتطويراً، إقداماً وإلتحاماً، بذلاً وفداءً،
عزماً وتصميماً، جرأة ً وإقتداراً، إندفاعاً واقتحاماً، عزة وأملاً، نضالاً
بالدماء وإرواءً بالعرق والدموع. لا يهنون ولا يتخاذلون ولا يمارون، شريعتهم الحق
موئلاً، وعقيدتهم النضال إصراراً. جميعهم من هذه الأمة العظيمة في أعماق قلبها،
أعادوا إليها إشراقها وضياء وجهها. رفعوا بإيمانهم هامتها وماتفرقوا. وأقاموا
لبأسها دعائم من قوة النيران. أحاطوا بنبضهم أمتهم مصر، الرائدة أبداً، الباقية
خلداً، ما زاغ بصرهم عنها وماتولى ، فكانوا معها، وبها، إرادة لاتلين ولاتقهر،
تقتلع من الحياة أعداءها وترد إليها ينابيعها، لتظل للحرية آفاقها ولتعلو راياتها
فوق كل الجباه.
وحيث إن ادراج اسم المدعى بين المشمولين بالتكريم أو تصدره لهم،
وحصوله بالتالى على الحقوق المالية التى فصلها القرار بقانون المطعون فيه -هى محل
دعواه الموضوعية - يفترض أن يظل هذا القرار بقانون قائماً فيما نص عليه بشأنها،
وكان ما قرره وكيل المدعى من أن مصلحة المدعى كما تتحق على النحو المتقدم، فإنها
تتوافر كذلك إذا ما أبطلت المحكمة الدستورية العليا هذا القرار بقانون حتى لا يفيد
من النصوص القانونية التى اشتمل عليها، من كانوا دونه رتبة وجهداً، مردود بأن ذلك
منه يهدم دعواه الموضوعية من أساسها ولا يقيم بنيانها، ذلك أن الحكم بعدم دستورية
هذا القرار بقانون في مجمل أحكامه، يعنى تجريدها من قوة نفاذها، وزوال الآثار
القانونية التى رتبتها، لتؤول عدماً. فلا تولد حقاً لأحد، ولا يقوم بها مركز قانوني
لا للمدعى ولا لغيره، ولتفقد الحقوق المالية - محل دعواه الموضوعية – دعامتها. بل
إن اتصال دعواه الموضوعية بالنصوص المطعون عليها، شرط لقبول دعواه الدستورية على ما
جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن المصلحة الشخصية المباشرة في تلك
الدعوى مناطها ارتباطها، بالمصلحة القائمة في النزاع الموضوعي ، وذلك بأن يكون
الحكم في المطاعن الدستورية مؤثراً في موضوع النزاع المتصل بها والمطروح على محكمة
الموضوع.
وحيث إن البين من أحكام القرار بقانون المطعون فيه، وكذلك ما جاء بصدده
بتقرير لجنة الأمن القومى -والتي تعرض لهما المحكمة الدستورية العليا بالقدر
اللازم للفصل في اختصاصها- أن ما توخاه هذا القرار بقانون، هو أن يكون التكريم
مقصوراً على عدد محدود من قادة حرب أكتوبر، يتولون بنص مادته الثانية تقديم
المشورة في الشئون العسكرية ذات الأهمية الخاصة التى يطلب منهم إبداء الرأي فيها،
وذلك طوال حياتهم، ودون أن يكون تكليفهم بذلك مؤدياً إلى شغلهم لوظائف محددة داخل
الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة ، ليظل الباب مفتوحاً أمام غيرهم ممن يستحقون
الترقى إلى وظائف القيادة بذات القدرة والكفاءة التى توفرت لمن سبقهم من قادة حرب
أكتوبر الباقية في ذاكرة التاريخ أبداً.
وحيث إن ما تقدم يعنى ، أن عدداً غير قليل ممن خططوا لحرب أكتوبر
وأداروها، وكانوا من كبار قادتها- كقواد الجيوش وقواد الفرق- لم يشملهم القرار
بقانون المطعون منه، وإنما اقتصر التكريم على عدد محدود من بينهم، "رمزاً
لجموعهم"، ليعهد إليهم دون غيرهم بالمهام التى حددتها المادة الثانية من
القرار بقانون المشار إليه، وهى مهام مدارها مشورة يقدمونها -عند طلبها- في مجال
الشئون العسكرية الهامة التى تمرسوا فيها، وكانوا من خبرائها. ولا يعتبر قصرها
عليهم ملقياً بظلال من الريبة على من عداهم، أو نافياً لأهليتهم، أو إنكاراً
لجدارتهم أو تميزهم.
وحيث إن إدراج اسم المدعى بين هؤلاء الذين شملتهم المادة الأولى من
القرار بقانون المطعون فيه أو على رأسهم، لا يستقيم إلا من أحد مدخلين أو وفقاً
لأحد معيارين، أولهما: أن يكون هذا القرار بقانون - محدداً نطاقاً على ضوء الأغراض
التى سعى إلى تحقيقها - منصرفاً إلى عدد محدود من القادة تنتظمهم جميعاً دائرة
واحدة تكون أقدمية الرتبة العسكرية إطاراً لها. وعندئذ يكون الأقدم هو الأحق
بالتقدير، ولو لم يكن هو الأجدر بما أداه من جلائل الأعمال إبان تلك الحرب،
ثانيهما: أن يكون هذا القرار بقانون مُبجلاً لكل القادة الذين كان دورهم في العمليات
الحربية ظاهراً، بأن كان بلاؤهم في التخطيط لها أو إعدادها أو تنفيذها مشهوداً.
وعندئذ يكون الأجدر هو الأحق بالتقدير، ولو لم يكن هو الأقدم.
وحيث إن المعيار الأول لا تظاهره أحكام القرار بقانون المطعون منه،
وذلك من جهتين، أولاهما: أن ما توخاه هذا القرار بقانون حقاً وقصد إليه عملاً، هو
أن يكون تعظيم عدد من قادة تلك الحرب، رمزاً لتقدير كل من قام بدور رائد فيها. بما
مؤداه: أن انحصار التكريم في عدد محدود من بينهم، لا يعنى أن من عداهم كانوا أقل
شأنا أو جهداً، ثانيهما: أن كل تكريم يفترض تقييماً موضوعياً يدور حول أعمال
بذاتها يكون هو محورها. ويتعين بالتالي أن يكون الأساس فيه مقاييس واقعية قوامها
ما أداه نفر من القادة من أعمال تشهد بتميزهم وتؤكد تفوقهم من دون الأخرين. وهو ما
يقتضى وزن أعما لهم وترتيبهم فيما بينهم على ضوئها، ولا يتصور- من ثم - أن يكون
مناط التقدير عائداً إلى أقدمية الدرجة الوظيفية منظوراً إليها استقلالاً عن أية
عوامل تتداخل معها أو تقترن بها، إذ لا شأن لأقدميتهم تلك بإقدامهم أو تضحياتهم،
وهو ما أكده تقرير لجنة الأمن القومي والتعبئة القومية حين أبان عن أن من شملهم
التقدير كانوا عوناً لمصر في تحقيق نصرها العظيم من خلال مبادأتهم وقدرتهم على
إدارة العمليات الحربية الحديثة واتخاذ قراراتها السليمة بكفاءة نادرة مع تحملهم
لكامل مسئولياتها وفقاً لتطوراتها. ولم يكن معيار التقييم بالتالي شكلياً أو
جامداً.
وحيث إن موضوعية التقييم هي وحدها التي يمكن أن يتحقق بها التكافؤ بين
المراكز القانونية المتماثلة . وهى وحدها التي يتصور أن يكفل المشرع من خلالها نوعاً
من المساواة القانونية بين المتماثلين جهداً وعرقاً. غير أن إعمال المحكمة الدستورية
العليا للمقاييس الموضوعية التى يتحدد وفقاً لضوابطها من يكون أهلاً للتقدير ومن
ثم الحصول على الحقوق المالية التى نص عليها القرار بقانون المطعون عليه يفترض
أمرين، أولهما: أن يتناول التقييم كل الأعمال التي كان لها شأن هام في العمليات
الحربية سواء في مجال الإعداد لها أو إدارتها أو تنفيذها، وهو ما يخرج عن المجال الطبيعي
لذلك القرار بقانون. إذ توخى ألا يكون التقييم منصرفاً إلى هؤلاء في مجموعهم، ولا
محيطاً بغالبيتهم، بل رمزياً من حصراً في عدد محدود من بينهم. ثانيهما: أن يكون
القرار بقانون المطعون فيه، مفصلاً للعناصر التى تقوم عليها هذه المقاييس
الموضوعية ، وأن يكون بيد المحكمة الدستورية العليا الوسائل القضائية التي توازن
بها بين هذه الأعمال على ضوء تلك المقاييس لتحدد وفقاً لضوابطها الأحق والأجدر
بالتقدير. يؤيد ذلك أن التكافؤ في المراكز القانونية وهو مناط الحماية التي كفلها
مبدأ المساواة أمام القانون يفترض اتحادها في العناصر التي تكونها، فإذا كانت تلك
العناصر جميعها دائرة -ابتداء وانتهاء- حول مسار العمليات الحربية ، ونتائجها،
وقدر إسهام كل من القادة فيها، فإن زمام تقديرها يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية
العليا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى .