الدعوى رقم 102 لسنة 36 ق " دستورية " جلسة 13 / 10 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت
الثالث عشر من أكتوبر سنة 2018م، الموافق الرابع من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر
شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق
عبد الجواد شبل نواب رئيس
المحكمـة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 102 لسنة 36 قضائية " دستورية
".
المقامة من
عبد العزيز محمد عبد النبى
ضـــد
1- رئيس مجلس الــوزراء
2- رئيس هيئة قضايا الدولة
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من يونيه سنة 2014،
أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبًا الحكم
بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شـأن
الأسلحة والذخائـر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت
فيها الحكم برفض الدعـوى .
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر
الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل
في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى وآخر طفلاً، للمحاكمة الجنائية في القضية
رقم 16491 لسنة 2013 جنايات أوسيم، والمقيدة برقـم 3513 لسنة 2013 كلى شمال
الجيزة، بوصـف أنه في يـوم 30/9/2013، بدائرة قسم شرطة أوسيم، بمحافظة الجيزة، أحـرز
سلاحًا ناريًّا مششخنًا (بندقية آلية)، مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه،
وكان ذلك في مكان تجمع (حفل زفاف)، كما أحرز ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري
المذكور مما لا يجوز الترخيص بحيازتها وإحرازها، وطلبت النيابة العامة معاقبته
وفقًا للمواد (1/2) و(6) و(26/3، 4، 6) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن
الأسلحة والذخائر والمعدل بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 والمرسوم
بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند (ب) من القسم الثانى من الجدول رقم (3) الملحق
بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، والمادة
(238/1) من قانون العقوبات، والمادتين (95، 111/1، 2، 3) من قانون الطفل الصادر بالقانون
رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وأثناء نظر الدعوى الجنائية
دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من المرسوم بقانون رقم
6 لسنة 2012 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى برفع
الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن الفقرات الثالثة والرابعة
والسادسة والسابعة (الأخيرة) من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن
الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنص على أن: ........
الفقرة الثالثة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف
جنيه إذا كان الجاني حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة
المنصوص عليها بالقسم الثاني من الجدول رقم (3) .
الفقرة الرابعة : " ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف
جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل في الأسلحة المنصوص
عليها بالجدولين رقمي (2 و3) "....... الفقرة السادسة : "ومع عدم
الإخلال بأحكام الباب الثاني مكررًا من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد
أو المؤبـد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه لمن حاز أو أحـرز بالذات أو بالواسطة
بغير ترخيص سلاحًـا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين (2، 3) من هذا القانون أو
ذخائر مما تستعمل في الأسلحة المشار إليها أو مفرقعات وذلك في أحد أماكن
التجمعــات .......". الفقرة السابعة (الأخيرة) "واستثناءً من أحكام
المـادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة
في هذه المادة " .
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية التى
أتاح المشرع للخصوم إقامتها إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أثير أمام
محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته، وكان الثابت بالأوراق أن المدعى
قد أحيل إلى المحاكمة الجنائية بوصف أنه أحرز سلاحًا ناريًّا مششخنًا (بندقية
آلية)، مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه، وكان ذلك في مكان تجمع (حفل زفاف)،
كما أحرز ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري المذكور، مما لا يجوز حيازتها أو
إحرازها، وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (1/2 و6 و26/3، 4، 6) من القانون رقم
394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة
2012، والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون رقم 394 لسنة
1954، والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، وكان الدفع بعدم
الدستورية المبدى من المدعى قد انصب على نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من
القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه المستبدلة بالمرسـوم بقانون رقم 6 لسنة
2012، وهو ما اقتصر عليه تقدير محكمة الموضوع لجديته، وتصريحها بإقامة الدعوى
الدستورية، والذى تحددت به طلبات المدعى الختامية الواردة بصحيفة دعواه المعروضة،
ومن ثم فإن نطاق هذه الدعوى يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المشار إليها
في مجال إعماله بالنسبة للجرائم الواردة بالفقرات الثالثة والرابعة وصدر الفقرة
السادسة من هذه المادة.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المثارة
بالنسبة لنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المار ذكرها في مجال إعماله على
الجريمتين الواردتين في الفقرتين الثالثة والرابعة من هذه المادة، وذلك بحكمها
الصادر بجلسة 8/11/2014، في الدعوى رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية" القاضي
"بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة
1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6
لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات
بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة
ذاتها"، ونُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم 45 مكرر (ب) بتاريخ
12/11/2014، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون
المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه
المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة
لهم، باعتبارها قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون
المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها، الأمر الذى تغدو معه
الخصومة منتهية بالنسبة للطعن على نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المشار إليها
في مجال إعماله بالنسبة للجريمتين المؤثمتين بنصى الفقرتين الثالثة والرابعة من
هذه المادة في حدود نطاقه المتقدم.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية،
ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك
بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها
المطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت غاية المدعى من اختصام نص الفقرة
الأخيرة من المادة (26) سالفة الذكر في مجال إعماله على صدر الفقرة السادسة من
المادة ذاتها، هو إبطال الحكم الوارد بنص هذه الفقرة، والذى يقرر عدم جواز النزول
بالعقوبة المحددة لجريمتى إحراز سلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين
رقمى (2، 3) المرافقين للقانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، وذخائر مما تستعمل
في الأسلحة المشار إليها، حال ارتكاب كل من الجريمتين في أحد أماكن التجمعات،
الواردة في هذه المادة، استثناءً من حكم المادة (17) من قانون العقوبات، حتى
تستعيد محكمة الموضوع سلطتها التقديرية في اختيار العقوبة التى تراها مناسبة
للجرائم المنسوب إلى المدعـــــى ارتكابها، ومن ثَمَّ فإن طعن المدعى على النص
المذكور، باعتبار أن جريمتى حيازة وإحراز سلاح من الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين
رقمي (2، 3) من هذا القانون، أو ذخائر مما تستعمل في هذه الأسلحة حال ارتكابهما في
أحد أماكن التجمعات، قد أثمهما هذا النص كجريمتين قائمتين بذاتهما، وحدد المشرع
أركانهما وعقوباتهما استقلالاً عن غيرهما من الجرائم التى عددها ذلك النص، ليكون
اختصام المدعى للنص المذكور - في حدود نطاقه المتقدم - توصلاً لإلغاء الأساس التشريعي
لاستثناء كل من الجريمتين المشار إليهما من تطبيق نص المادة (17) من قانون
العقوبات، محققًا مصلحة المدعى الشخصية المباشرة في الطعن على هذا النص في الإطار
المشار إليه.
وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المطعون
فيه في مجال إعماله على صدر الفقرة السادسة من المادة ذاتها - محددًا نطاقه على
النحو المتقدم - مخالفته نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور، إذ قيدت سلطة القاضي
في تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بما يُعد اعتداءً على استقلال
القضاء ومخالفة لمبدأ المساواة.
وحيث إن الرقابة على دستورية
القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع
لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما
جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن
نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها
مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما
يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة
تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014،
باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور كفل في مادته
السادسة والتسعين، الحق في المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برىء حتى
تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو
حق نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى
تقرر أولاهما : أن لكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره في محاكمة علنية،
ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل في حقوقه والتزاماته
المدنية، أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه . وتُرَدّدُ ثانيتهما: في فقرتها
الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، في أن تُفترض براءته إلى أن تثبت إدانته
في محاكمة علنية تُوفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة تؤكد قاعدة
استقر العمل على تطبيقها في الدول الديمقراطية، وتقع في إطارها مجموعة من الضمانات
الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة
المعمول بها في الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها،
وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية،
كما أنها تُعَدُّ في نطاق الاتهام الجنائي، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى
كفلها الدستور، ولا يجوز بالتالي تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هى ضمان
مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها في إطار
من الفرص المتكافئة؛ ولأن نطاقها - وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى - إنما
يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة
المنصفة تُعَدُّ أكثر لزومًا في الدعوى الجنائية، وذلك أيًّا كانت طبيعة الجريمة،
وبغض النظر عن درجة خطورتها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل
ضوابط المحاكمة المنصفة في مجموعة من القواعد المبدئية التي تعكس مضامينها نطاقًا
متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه
الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك
انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال
من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها سلطاتها في مجال فرض
العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى
ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم
محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل
يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى
من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا
بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها في غير ضرورة، ذلك أن القانون
الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين في تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها
الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون
الجنائى يفارقها في اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن
ارتكابها . وهو بذلك يتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعى - ما لا يجوز التسامح فيه
من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما
مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية،
فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التى لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا الدستور .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على
أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن
صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا
تعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل - أيًّا كانت الأغراض التى يتوخاها -
مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير
فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن
الجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض.
ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال
التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق
إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها
.
وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبة
وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوء
دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًا
لخياراته بشأنها . متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص
الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال
تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة
بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض
بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاًّ على قسوتها
أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا قيم الحق والعدل .
وحيث إن الدستور نص في المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأن
استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد
على هذه المبادئ في المادتين (184) و(186)، فقد دلَّ على أن الدولة القانونية هى
التى تتقيد في كافة مظاهر نشاطها- وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها - بقواعد قانونية
تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ذلك أن
ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة
ولصالحها؛ ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة
الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية،
وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا
لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان .
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة
أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشـد – عند توافر عذر قانوني مخفف للعقوبة – أو
إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا
اقتضت أحوال الجريمة ذلك عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ
عقوبة الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف
الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد
بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات،
إنما هي أدوات تشريعية يتساند إليها القاضي – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ
تفريد العقوبة، ومن ثَمَّ ففي الأحوال التي يمتنع عليه إعمال إحدى هذه الأدوات، أو
الانتقاص من صلاحياته بشأنها، فإن الاختصاص المنوط به في تفريد العقوبة يكون قد
انتُقص منه، بما يفتئت على استقلاله وحريته في تقدير العقوبة وينطوي على تدخل
محظور في شئون العدالة.
وحيث إن العقوبة المقررة للجريمة المسند للمدعى ارتكابها في الدعوى
الموضوعية هى السجن المشدد أو المؤبد، وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه، وبذلك يكون
النص المطعون فيه قد منع النزول بالعقوبة السالبة للحرية المقررة به، ومنع قاضى
الموضوع من إعمال الرخصة المقررة بمقتضى نص المادة (17) من قانون العقوبات في خصوص
تبديل العقوبة، فيما لو اتضح له قسوتها في ضوء أحوال الجريمة التي تقتضى رأفته،
بما يحول بينه وبين إعمال سلطته في تفريد العقوبة .
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه محددًا نطاقه على
النحو المتقدم يكون قد أهدر من خلال الانتقاص من سلطة القاضي في تفريد العقوبة
جانبًا جوهريًا من الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلك على تدخل في شئون العدالة،
مقيدًا الحرية الشخصية في غير ضرورة، بما يمسها في أصلها وجوهرها، ونائيًا - من
ثَمَّ - عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ومخلاً بمبدأ خضوع الدولة للقانون، وواقعًا بالتالي
في حمأة مخالفة أحكام المواد (92)،(94)، (96)، (99)، (184)، (186) من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من
القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من
المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من
قانون العقوبات بالنسبة لجريمتي حيـازة وإحراز، بالـذات أو بالواسطة، بغير ترخيص
سلاح ناري من الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمي (2، 3) من هذا القانون، أو
ذخائر مما تستعمل في الأسلحة المشار إليها، وذلك في أحد أماكن التجمعات المنصوص
عليها بصدر الفقرة السادسة من المادة ذاتها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي
جنيه مقابل أتعاب المحاماة.